فصل: باب في التواضع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  باب السودد

قيل لعَدِي بنِ حاتم‏:‏ ما السودد قال‏:‏ السيد الأحمق في مالِه الذَليل في عِرْضه المُطَّرِح لحِقده‏.‏

وقيل لقَيْس بن عاصم‏:‏ بمَ سَوَدك قومُك قال‏:‏ بكَفِّ الأذى وبَذْل النًدى ونَصْر المَوْلى‏.‏

وقال رجلٌ للأحنف بم سوَدك قومُك وما أنت بأشرفهم بَيتاً ولا أُصْبحهم وَجهاً ولا أحسنهم خُلُقاً قال‏:‏ بخِلاف ما فيك با بنَ أخي قال‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ بتركي من أَمْرك ما لا يَعْنِيني كما عناك من أَمْري ما لا يَعْنِيك‏.‏

وقال عمرُ بن الخطَاب رضي الله عنه لرجل‏:‏ مَن سيِّد قَوْمك قال‏:‏ أنا قال كذبت لو كنتَ كذلك لم تَقُلْه‏.‏

وقال ابن الكَلْبي‏:‏ قَدِم أوسُ بنُ حارثة بن لأم الطائي وحاتمِ بنُ عبد الله الطّائي على النُّعمان بن المُنذر فقال لإياس بن قَبِيصة الطائيّ‏:‏ أيهما أفْضل قال‏:‏ أبيتَ اللعنَ أيها الملك‏.‏

إنِّي من أحدهما ولكنْ سَلهما عن أَنْفسهما فإنهما يُخبرانك‏.‏

فدخل عليه أوسٌ فقال أنت أفضلُ أم حاتم فقال‏:‏ أبيتَ اللعن إنّ أدنى ولد حاتم أفضلُ مني ولو كنتُ أنا وولدي ومالي لحاتم لأنْهبَنَا في غَداة واحدة‏.‏

ثم دخل عليه حاتم فقال له‏:‏ أنت أفضلُ أم أَوس فقال‏:‏ أبيت اللعن إنّ أدنى وسأل عبدُ الملك بن مَروانَ روح بن زِنْباع عن مالك بن مِسْمع فقال‏:‏ لو غَضِب مالكٌ لغَضِب معه مائةُ ألف سيف لا يسأله واحدٌ منهم‏:‏ لم غضبتَ فقال عبدُ الملك‏:‏ هذا واللّه السودد‏.‏

أبو حاتم عن العُتبي قال‏:‏ أهدى ملكُ اليمن سبعَ جزائر إلى مكة وأوصى أن يَنحرها أعزُ قرشيّ بها فأتت وأبو سفيان عَروس بهند فقالت له هِنْد‏:‏ يا هذا لا تَشغلك النّساء عن هذه الأكرومة التي لعلّك أن تُسْبق إليها فقال لها‏:‏ يا هذه ذرِي زَوْجك وما اختار لنفسه فواللّه لا نحرها أحدٌ إلا نحرتُه‏.‏

فكانت في عُقُلها حتى خرَج إليها بعد السابع فنَحرها‏.‏

ونظر رجلٌ إلى معاوية وهو غلام صغير فقال‏:‏ إني أظنّ أنّ هذا الغلام سيسود قومَه فسمعته أمه هِنْد فقالت‏:‏ ثكِلتُه إذاً إن لم يَسُد غيرَ قومه‏.‏

وقال الهيثم بن عَدِيِّ‏:‏ كانوا يقولون‏:‏ إذا كان الصبيّ سابل الغُرّة طويل الغُرْلة مُلتاث الإزْرَة فذاك الذي لا يُشكّ في سُودده‏.‏

ودخل ضَمْرة بن ضمْرة على النعمان بن المُنْذر وكانت به دَمامة شديدة فالتفت النعمانُ إلى أصحابه وقال‏:‏ تَسمع بالمُعيديّ خير من أن ترإه‏.‏

فقال‏:‏ أيها الملك إِنما المرء بأصغريه قلبِه ولسانه فإن قال قال ببَيان وإن قاتل قاتل بجَنَان قال‏:‏ صدقت وبحَقِّ سوّدك قومُك‏.‏

وقيل لعَرابة الأوسيّ‏:‏ بم سوَّدكَ قومُك قال‏:‏ بأربع خلال‏:‏ أَنْخَدع لهم في مالي وأذِلّ لهم في عِرْضي ولا أحْقِر صغيرَهم ولا أحسُد كبيرَهم‏.‏

وفي عَرابة الأوْسيّ يقول الشَّمَّاخ وهو ‏"‏ ابن ‏"‏ ضرِار‏:‏ رأيتُ عَرابة الأوْسي يَسمو إلى الخيْرَاتِ مُنقطع القَرينِ إذا ما رايةٌ رُفعت لمجْدٍ تلقاها عرَابة باليمين وقالوا‏:‏ يَسود الرجل بأربعة أشياء‏:‏ بالعَقل والأدب والعِلم والمال‏.‏

وكان سلم بنُ نوفل سيِّدَ بني كِنانة فوَثب رجلٌ على ابنه وابن أخيه فجَرَحهما فأُتي به فقال ‏"‏ له ‏"‏‏:‏ ما أمَنك من انتقامي قال‏:‏ فلِم سَوَّدْناك إذاً إلا أن تكْظم الغَيظ وتَحْلُم عن الجاهل وتحتمل المكروه فخلّى سبيلَه فقال فيه الشاعر‏:‏ يُسوَّد أقوام وليسوا بسادةٍ بل السيّد الصِّنديد سَلم بنُ نوفل وقال ابن الكلْبي‏:‏ قال لي خالدٌ العَنْبري‏:‏ ما تعُدُّون السُّودد قلت‏:‏ أمّا في الجاهليَّة فالرِّياسة وأما في الإسلام فالوِلاية وخَيْر من ذا وذاك التقوَى قال‏:‏ صدقت كان أبي يقول‏:‏ لم يُدْرِك الأوِّلُ الشرفَ إلا بالعقل ولم يُدْرِك الآخرُ إلاّ بما أَدْرَك به الأوّل قلتً له‏:‏ صدق أبوك إنما ساد الأحنف بن قيْس بحلْمه ومالك بن مِسْمَع بحُبّ العشيرة له وقتُيبة بن مُسلم بدَهائه وساد المُهَلّب بهذه الْخِلال كلّها‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ قيل لأعرابيّ يقال له مُنْتَجع بن نَبْهان‏:‏ ما السَّميدع قال‏:‏ السيّد المُوَطّأ الأكناف‏.‏

وكان عمر بن الخطاب ‏"‏ رضي الله عنه ‏"‏ يُفْرش له فِراش في بَيْته في وَقْت خلافته فلا يجلس عليه أحد إلا العبَّاس بن عبد المطّلب وأبو سُفيان بن حَرْب‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سُفيان‏:‏ كل الصيد في جَوْف الفَرأ‏.‏

والفرأ‏:‏ الْحِمار الوَحْشي وهو مَهموز وجَمعه فِراء ومعناه‏:‏ أنه في الناس مثل الحمار الوحشي في الوحش‏.‏

ودخل عمرو بنُ العاص مكة فرَأى قوماً مِن قُريش قد تحلّقوا حَلقة فلما رَأوه رَموا بأبصارهم إليه فعَدل إليهم فقال‏:‏ أَحْسبَكم كنتم في شيء من ذِكْرِي قالوا‏:‏ أجل كنا نُمَاثِل بينكَ وبن أخيكَ هِشام أيّكما أفضل‏.‏

فقال عمرو‏:‏ إنّ لهشام عليَّ أربعةً‏:‏ أمه ابنة هِشام بن المُغيرة وأُمي من قد عَرفتم وكان أحبَّ الناس إلى أبيه منِّي وقد عرفتم مَعْرفة الوالد وأَسْلَم قبلي واستُشْهِد وبقيتُ‏.‏

قال قيسُ بنِ عاصم لبَنِيه لما حضرته الوفاة‏:‏ ‏"‏ يا بَنيَّ ‏"‏ احفَظوا عنّي فلا أحدَ أنصح لكم منّي أمَّا إذا أنامِتُّ فسَوِّدوا كِبَارَكم ولا تُسوِّدوا صغارَكم فيَحقر الناسُ كِبارَكم‏.‏

وقال الأحنفُ بن قيس‏:‏ السُّودد مع السَّواد‏.‏

وهذا المعنى يحتمل وجهين من التفسير‏:‏ أحدهما أن يكون أراد بالسواد سوادَ الشعر يقول‏:‏ من لم يَسُد مع الحَداثة لم يَسُد مع الشيخوخة‏.‏

والوجه الآخر أن يكون أَراد بالسَّواد سوادَ الناس ودَهْماءهم يقول‏:‏ من لم يَطِرْ له اسمٌ على ألسنة العامّة بالسُّودد لم يَنْفعه ما طار له في الخاصة‏.‏

وقال أَبانُ بن مَسْلمة‏:‏ ولَسنا كقَوْم مُحُدَثين سِيادةً يُرَى ما لها ولا تُحَسّ فَعالُها مَساعِيهمُ مَقَصورَةٌ في بُيوتهم ومَسْعاتنا ذُبيانُ طُرّاً عِيالُها الهيْثم بن عَدِيّ قال‏:‏ لما اْنفرد سًفيان بن عُيينة ومات نُظراؤه من العُلماء تَكاثر الناسُ عليه فأنشأ يقول‏:‏ خَلَت الدِّيارُ فَسُدت غَيْر َمُسَوَّد ومِنَ الشَّقاء تَفَردي بالسُّوددِ سودد الرجل بنفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَن أسْرع به عَمَلُه لم يُبْطِىء به حَسَبُه ومَن أَبطأ به عملُه لم يسرع به حسبه وقال قس بن ساعدة‏:‏ من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ نفس عصام سودت عصاماً وعلمته الكر والإقداما وقال عبد الله بن معاوية‏:‏ لسنا وإن كرمت أوائلنا يوماً على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا وقال قس بن ساعدة‏:‏ لأقضين بين العرب بقضية لم يقض بها أحدٌ قبلي ولا يردها أحدٌ بعدي أيما رجل رمى رجلاً بملامة دونها كرم فلا لوم عليه وأيما رجلٌ أدعى كرماً دونه لؤم فلا كرم له‏.‏

وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به وكل لوم دونه كرم فالكرم أولى به‏.‏

تريد أن أولى الأمور بالإنسان خصال نفسه فإن كان كريماً وآباؤه لئام لم يضره ذلك وإن كان لئيماً وآباؤه كرامٌ لم ينفعه ذلك‏.‏

وإني وإن كنت ابن سيد عامرٍ وفارسها المشهور في كل موكب فما سودتني عامرٌ عن وراثةٍ أبى الله أن أسمو بجدٍ ولا أب وتكلم رجل عند عبد الملك بن مروان بكلام ذهب فيه كل مذهب فأعجب عبد الملك ما سمع من كلامه فقل له‏:‏ ابن من أنت قال‏:‏ أنا ابن نفسي يا أمير المؤمنين التي بها توصلت إليك قال‏:‏ صدقت‏.‏

فأخذ الشاعر هذا المعنى فقال‏:‏ ما لي عقلي وهمتي حسبي ما أنا مولى ولا أنا عربي إذا انتمى منتم إلى أحد فإنني منتمٍ إلى أدبي وقال بعض المحدثين‏:‏ رأيت رجال بني دالقٍ ملوكاً بفضل تجاراتهم وبربرنا عند حيطانهم يخوضون في ذكر أمواتهم وما الناس إلا بأبدانهم وأحسابهم في حر اماتهم المروءة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا دين إلا بمروءة‏.‏

وقال ربيعة الرأي‏:‏ المروءة ست خصال‏:‏ ثلاثة في الحضر وثلاثة في السفر فأما التي في السفر‏:‏ فبذل الزاد وحسن الخلق ومداعبه الرفيق وأما التي في الحضر‏:‏ فتلاوة القرآن ولزوم المساجد وعفاف الفرج‏.‏

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ المروءة مروءتان‏:‏ مروءة ظاهرة ومروءة باطنة فالمروءة الظاهرة الرياش والمروءة الباطنة العفاف‏.‏

وقدم وفد على معاوية فقال لهم‏:‏ ما تعدون المروءة قالوا‏:‏ العفاف وإصلاح المعيشة قال اسمع يا يزيد‏.‏

وقيل لأبي هريرة‏:‏ ما المروءة قال‏:‏ تقوى تالله وتفقد الضيعة‏.‏

وقيل للأحنف‏:‏ ما المروءة قال‏:‏ العفة والحرفة‏.‏

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏:‏ إنا معشر قريش لا نعد الحلم والجود سودداً ونعمد العفاف وإصلاح المال مروءة‏.‏

قال الأحنف‏:‏ لا مروءة لكذوب ولا سودد لبخيل ولا ورع لسيء الخلق وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تجاوزوا لذوي المروآت عن عثراتهم فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر وإن يده لبيد الله‏.‏

وقال العتبي عن أبيه‏:‏ لا تتم مروءة الرجل إلا بخمس‏:‏ أن يكون عالماً صادقاً عاقلاً ذا بيان مستغيناً عن الناس‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل وقيل لعبد الملك بن مروان‏:‏ أكان مصعب بن الزبير يشرب الطلاء فقال‏:‏ لو علم مصعب أن الماء يفسد مروءته ما شر به‏.‏

وقالوا‏:‏ من أخذ من الديك ثلاثة أشياء ومن الغراب ثلاثة أشياء تم بها أدبه ومُروءته‏:‏ مَن أخذ من الدِّيك سَخاءه وشَجاعته وغَيْرته ومن الغُراب بُكوره لطَلَب الرِّزق وشدَّة حَذَره وسَتر سِفاده‏.‏

طبقات الرجال قال خالدُ بنُ صَفْوان‏:‏ الناسُ ثلاثُ طبقات‏:‏ طَبقة عُلماء وطَبقة خُطباء وطبقة أدباء ورِجْرِجة بين ذلك يغْلُون الأسعار ويُضَيِّقون الأسواق ويُكَدِّرون المِياه‏.‏

وقال الحسنِ‏:‏ الرِّجال ثلاثة‏:‏ فَرَجل كالغِذاء لا يُسْتغنى عنه ورَجُل كالدَّواء لا يحتاج إِليه إلا حِيناَ بعد حِين ورَجل كالدَّاء لا يحتاج إليه أبداً‏.‏

وقال مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير‏:‏ الناسُ ثَلاثة‏:‏ ناسٌ ونَسْناس وناس غُمِسوا في ماء الناس‏.‏

وقال الخليل بن أحمد‏:‏ الرجالُ أربعة‏:‏ فَرَجل يَدْرِيَ ويَدْري أنه يَدْري فذلك عالم فَسَلُوه ورجُل يَدْري ولا يَدْري أنه يَدْري فذلك النَّاسي فذَكِّروه ورجُل لا يَدْري ويَدْري أنه لا يَدْري فذلك الجاهلُ فعلِّموه ورجُل لا يَدْري ولا يَدري أنه لا يَدري فذلك الأحمقُ فارفضوه‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ أَليس من البَلْوى بأنّك جاهل وأنك لا تَدْري بأنك لا تَدْري إذا كنت لا تَدْري ولستَ كمن درَى فكيف إذاً تَدْرِي بأنك لا تَدْري ولآخر‏:‏ وما الدَّاء إلا أن تُعلِّم جاهلاً ويَزْعُم جهلاً أنه منك أَعْلَمُ وقال علّيّ بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ الناس ثلاثة‏:‏ عالمٌ ربَّاني ومُتعلِّم على سَبِيل نَجَاة ورَعَاع هَمَجٌ يميلون مع كل ريح‏.‏

وقالت الحُكماء‏:‏ الِإخوانُ ثَلاثة‏:‏ فأخٌ يُخْلِص لك ودَّه ويَبْذُلُ لك رِفْدَه ويَستَفْرغ في مُهمِّك جُهْده وأَخٌ ذو نِيّة يَقْتصر بك على حُسن نيَّته دون رِفْده ومَعُونته وأخٌ يتَملق لك بلِسانِه ويَتَشاغَل عنك بشانه ويُوسعكَ مِن كَذِبه وأيمانه‏.‏

وقال الشعبيّ‏.‏

مَرَّ رجُل بعبد الله بن مَسعُود فقال لأصحابه‏:‏ هذا لا يَعْلم ولا يَعْلم أنه لا يَعْلم ولا يَتعلّمِ ممن يَعْلم‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كُنْ عالماَ أو مُتَعلماً ولا تكُن الثالثةَ فتَهْلِك‏.‏

الغوغاء الغوغاء‏:‏ الدَّبا وهي صغار الجَراد وشُبِّه بها سَوَادُ الناس‏.‏

وذُكر الغَوْغاء عند عبد الله بن عباس فقال‏:‏ ما اجتَمعوا قطُّ إلا ضَرُّوا ولا افترقوا إلا نفَعوا وقيل له‏:‏ قد عَلِمْنا ما ضَرَّ اجتماعهم فما نَفع افتراقهم قال‏:‏ يَذْهب الحجَّام إلى دكانه والحداد إلى أكياره وكل صانع إلى صِنَاعته‏.‏

ونظر عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه إلى قَوْم يَتبعون رجلاً أخذ في رِيبَة فقال‏:‏ لا مَرْحباً بهذه الوُجوه التي لا تُرَى إلا في كلِّ شرًّ‏.‏

وقال حبيب بن أوس الطائي‏:‏ إنْ شِئْتَ أن يَسْوَدَّ ظَنُّك كُلُّهُ فأَجِلْهُ في هذا السّوَادِ الأعْظم وقال دِعْبل‏:‏ ما أكثر الناسَ لا بَلْ ما أَقلَّهم الله يَعْلم أَنِّي لم أَقُلْ فَنَدَا إنِّي لأفْتح عَيْني حِينَ أَفْتَحَها على كَثيرٍ ولكنْ لا أرَى أحدا الثقلاء قالت عائشةُ أم المؤمنين رضي الله عنها‏:‏ نزلتْ آيةٌ في الثُّقلاء‏:‏ ‏"‏ فإذا طَعمتُمْ فِانْتَشرًوا ولا مًسْتَأْنِسِين لِحَديث ‏"‏‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ مَن فاتَتْه رَكْعتا الفَجْر فَلْيلعن الثقلاء‏.‏

وقيل لجالينوس‏:‏ بِمَ صار الرجلُ الثقيلُ أثقلَ من الْحِمْل الثقيل فقال‏:‏ لأنّ الرجلَ الثقيل إنما ثِقَلُه على القَلْب دون الجَوارح‏.‏

والحِمْل الثَّقيل يَسْتَعِين فيه المرء بالجَوَارح‏.‏

وكان أبو هُرَيرة إِذا استثَقل رجلاً قال‏:‏ اللهم اغْفِر له وأرِحْنا منه‏.‏

وكان الأعمشُ إِذا حَضر مَجلسه ثقيلٌ يقول‏:‏ فما الفِيلُ تَحْمِلُه مَيِّتاً بأثقلَ من بَعْض جُلاسِنَا وقال أبو حَنِيفة للأعمش وأتاه عائِداً في مرضه‏:‏ لَوْلا أن أثْقُل عليك أبا محمَد لعُدْتك واللّهِ في كلّ يوم مَرّتين فقال له الأعمش‏:‏ والله يا بن أخي أنتَ ثَقِيل عليّ وأنتَ في بَيْتك فكيف لو جئتني في كلّ يوم مَرَّتين‏.‏

وذكر رجلٌ ثقيلاً كان يَجْلِس إليه فقال‏:‏ واللّه إِني لُأبْغِضُ شِقِّي الذي يليه إذا جَلس إلِيّ‏.‏

ونقَشَ رجل على خاتَمه‏:‏ أَبْرَمْتَ فَقُم‏.‏

فكان إذا جَلس إليه ثقيلٌ ناوَله إِيَّاه وقال‏:‏ اقرأ ما على هذا الخاتم‏.‏

وكان حَمّاد بن سَلمة إذا رأى من يَستَثقله قال‏:‏ ‏"‏ رَبَّنَا اكشفْ عَنَا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنونَ ‏"‏‏.‏

وقال بشّار العُقَيليّ في ثَقِيل يُكنى أبا عِمْران‏:‏ رُبمَّا يَثْقُل الجَلِيسُ وإنْ كا نَ حنيفاً في كِفّة الميزانِ ولقد قلتُ إذْ أطل عَلَى القَوْ م ثَقِيل يُرْبي عَلَى ثَهْلان كيفَ لا تَحْمِل الأمانَةَ أُرْض حَمَلَتْ فوقَها أبا عُمْران أنتَ يا هذا ثَقِيلُ وثقيل وثقيل أنتَ في المَنْظَر إنْسا ن وفي الميزان فيل وقال الحَسَن بن هانئ في رجل ثَقِيل‏:‏ ثَقِيل يُطَالِعُنا من أمَمْ إذا سره رغم أنفي ألم أقوله له إذا بَدَا لا بَدَا ولا حملته إلينا قدم فَقدتُ خيالَك لا مِن عَمىٍ وصوت كلامك لا من صمم وله فيه‏:‏ وما أظنَ القِلاَصَ مُنْجِيتي منك ولا الفلك أيها الرجل ولو رَكِبْت البرَاق أدْرَكني منك على نَأي دَارِك الثَقَل هل لك فيما ملكته هِبةً تَاخذه جُمْلة وتَرْتَحِل وله فيه‏:‏ يا مَن على الجُلاس كالفَتْق كلامُك التًخْديش في الحَلْق هل لك في مالي وما قد حَوَت يَدَاي من جِلٍّ ومن دق ألا يا جبل المَقْت ال ذي أرسىَ فما يَبْرحْ لقد أكثرتُ تَفكِيري فما أدْرِي لما تَصْلُحْ فما تصلح أنْ تُهْجَىَ ولا تَصلحُ أن تُمْدَح أَهْدى رجلٌ من الثُقلاء إلى رجل من الظُرفاء جَمَلاَ ثم نزَل عليه حتى أبْرمه فقال فيه‏:‏ يا مبرماً أهدى جَمَلْ خُذْ وانصرف ألفيْ جَمَل قالَ وما أوْقارُها قلتُ زَبِيبٌ وعَسَلْ قال ومَن يَقُودها قلتُ له ألْفَا رَجُل قال ومَن يَسُوقها قلتُ له ألْفَا بَطَل قال وما لِباسُهم قلتُ حُلِيً وحُلَل قال وما سِلاحُهم قلتُ سُيوف وأَسَل قال عَبِيد لي إذن قلتُ نَعم ثم خَوَل قال بهذا فاكتُبوا إذن عليكم لي سِجل قال وقد أثقلتكم قلتُ له فوق الثَقل قال فإني راحلٌ قلتُ العَجَلِ ثم العَجَل يا كوكبَ الشُؤم ومَن أرْبَى على نحْس زُحَل يا جبلاً مِن جَبَلٍ في جَبَلٍ فوق جبَل وقال الحَمْدوني في رجل بَغِيض مَقِيت‏:‏ أيابن البَغِيضة وابن البَغِيضِ ومَن هو في البُغض لا يُلْحَق سألتًك بالله إلا صَدَقْت وعِلْمي بأنكَ لا تَصدق أتبغضُ نَفسك مِن بُغضها وإلا فأنتَ إذن أحْمَقُ وله فيه‏:‏ في حمير الناس إن كُنتَ من الناس تُعَدُّ ولقد أُنبئت‏:‏ إبليس إذا راك يَصُد ولحبيب الطائي في مثله أي في رجل مَقِيت‏:‏ يا مَن تَبَرَّمت الدنيا بطَلعته كما تَبَرَّمت الأجفان بالرَّمدِ وللحسن بن هانئ في الفضل الرًقاشيّ‏:‏ رأيتُ الرقاشيِّ في مَوْضِع وكان إليَّ بغيضاً مقيتا فقال اقترِح بعض ما تَشْتَهِي فقلتُ اقترحتُ عليك السُّكوتا وأنشد الشَعبيُّ‏:‏ إنّي بُلِيتُ بمَعشر نَوْكَى أخفهمُ ثقيلْ بُلْهٌ إذَا جالستهُم صَدِئَتْ لقُرْبهمُ العُقول لا يُفْهموني قولهم ويَدِقُّ عنهم ما أقول فَهُمُ كثِيرٌ بي كما أنيِّ بقُرْبهم قليل وقال العُتْبيّ‏:‏ كتب الكِسائيّ إلى الرّقاشي‏:‏ شَكَوْتَ إلينا مَجَانينَكم وأشْكُو إليك مَجَانيننا وأنشأتَ تَذْكر قُذّاركم فأنتِنْ وأَقْذِرْ بمَنْ عِنْدنا فلَوْلا السَّلامة كُنًا كَهُم ولوْلا البَلاء لكانوا كَنَا وقال حبيب الطائي‏:‏ وقال حبيب‏:‏ يا مَن لهُ في وَجْهه إذ بَدَا كنُوز قارُون من البُغْض لو فر شيء قطٌّ مِن شكله فرَّ إذاً بعضك من بَعْض كوْنُك في صُلْبِ أبينا الّذِي أهبطنا جمعاً إلى الأرْض وقال أبو حاتم‏:‏ وأنشدني أبو زَيْد الأنصاريّ النًحوي صاحبُ النَّوادر‏:‏ وَجْهُ يحيى يدْعو إلى البَصْق فيه غير أنِّي أَصون عنه بُصاقي قال أبو حاتم‏:‏ وأنشدني العُتبيّ‏:‏ له وَجْه يَحلّ البَصقُ فيه ويَحْرُم أن يُلقَّى بالتَّحيَّة قال وأنشدني‏:‏ قميصُ أبي أميِّة ما عَلِمتم وأوْسَخُ منه جِلْدُ أبي أُمَيَّه التفاؤل بالأسماء سأَل عُمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً أراد أن يَسْتعين به على عمل عن اسمه واسم أبيه‏.‏

فقال‏:‏ ظالم بن سُراقة فقال‏:‏ تَظْلم أنت ويَسْرِق أبوك ولم يَسْتَعِن به في شيء‏.‏

وأقبل رجلٌ إلى عُمَر بن الخطاب فقال له عمر‏:‏ ما اسمك فقال‏:‏ شِهاب ابن حُرْقة قال‏:‏ ممَّن قال‏:‏ من أهل حَرة النار قال‏:‏ وأين مَسكنك قال‏:‏ بذات لَظى قال‏:‏ اذهب فإن أهلَك قد احترقوا‏.‏

فكان كما قال عمر رضي الله عنه‏.‏

ولقي عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه مَسْروق بن الأجْدع فقال له‏:‏ من أنتَ قال‏:‏ مَسْروق بن الأجدع‏.‏

قال‏:‏ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ الأجدع شيطان‏.‏

وروى سُفيان عن هشام الدَسْتُوائيّ عن يحيى بن أبي كَثير قال‏:‏ كَتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه‏:‏ لا تُبْردوا بريداً إلا حَسَن الوجه حَسَنَ الاسم‏.‏

ولمَّا فرغ المُهلّب بن أبي صُفْرة من حرب الأزارقة وجه بالفتْح إلى الحجاج رجلاً يقال له مالك بن بَشِير فلما دخل على الحجّاج قال له‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ مالك بن بَشِير محال‏:‏ مُلْك وبِشارة‏.‏

وإذا تكُون كريهةٌ فَرَّجْتها أدعو بأسْلم مَرَّةً ورَباح يُريد التَّطيّر بأسْلم ورَباح للسَّلامة والرِّبح‏.‏

الرّياشي عن الأصمعيّ قال‏:‏ لما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه على رجل من الأنصار فصاح الرجلً بغُلامَيه‏:‏ يا سالم ويا يسار فقال رسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ سَلِمت لنا الدّار في يُسْر‏.‏

وقال سَعيد بن المسيِّب بن حَزْن بن أبي وَهب المَخْزومي‏:‏ قَدِم جَدِّي حَزْن بن أبي وَهْب على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ كيف اسمُك قال‏:‏ حَزْن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بل مَهْل قال‏:‏ ما كنتُ لأدع اسماً سَمّتني به أُمِّي قال‏:‏ سَعِيد‏:‏ فإِنا لَنَجد تلك الحزُونة في أخْلاقنا إلى اليوم‏.‏

وإنما تَطيّرت العرب من الغُراب للغُربة إذ كان اسمُه مُشْتَقًّا منها‏.‏

وقال أبو الشِّيص‏:‏ أشاقَكَ والليلً مُلْقِي الجرَانِ غُرابٌ يَنُوحِ على غُصْن بَانِ وفي نَعَبات الغُراب اغتِراب وفي البَان بينٌ بَعيد التَّدَاني ولآخر في السَّفَرْجل‏:‏ خَوْفَ الفِراق لأنّ شَطْر هِجَائه سَفَر وحَقّ له بأن يَتَطَيًّرَا ولآخر في السَّوْسن‏:‏ ياذا الَّذي أهدئ لنا السَّوْسَنا ما كنتَ في إهدائه مُحْسِنَا شَطْرُ اْسمه سَوء فقد سُؤْتَني يالَيت أنِّي لم أَر َالسَّوسَنا ولآخرَ في الأتْرُج‏:‏ أَهْدَى إليه حبِيبُه أُتْرُجّة فَبَكَى وأشْفَق من عِيافة زَاجرِ خافَ التَّبدّل والتَّلوُّن إنّها لَوْنان باطنُها خلافُ الظّاهر وقال الطائي في الحَمام‏:‏ هُنّ الحَمام فإن كَسَرتَ عِيافةً مِن حائِهنّ فإنهن حِمامُ وكان أشعبُ يَختلف إلى قَيْنة بالمَدينة فلمّا أراد الخُروِج سألها أن تُعْطِيه خاتَم ذَهب في يَدِها ليَذكرها به قالت‏:‏ إن ذَهب وأَخاف أن تذْهب ولكن هذا العُود فلعلّك أن تعود‏.‏

  باب الطيرة

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثلاثة لا يَكاد يَسْلم منهنّ أحد‏:‏ الطِّيرة والظنّ والحَسد قيل‏:‏ فما المَخْرج منهنّ يا رسولَ اللّه قال‏:‏ إذا تَطيَّرت فلا تَرْجع وإذا ظَننت فلا تًحقِّق وإذا حَسَدت فلا تَبْغ‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ السانح ما وَلاك مَيامِنه والبارِح ما وَلاك ميَاسره والجابه ما استقبلك من تُجاهك والقَعِيد الذي يَأْتيك من خَلْفك‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا عَدْوَى ولا طِيَرة‏.‏

وقال‏:‏ ليس منا مَن تَطيّر‏.‏

وقال‏:‏ إذا رَأَى أحدُكم الطِّيرة فقال‏:‏ اللَهمّ لا طَير إلا طَيْرك ولا خَيْر إلا خيْرك ولا إله غَيْرك لم تَضره‏.‏

وقد كانت العَرب تتطيّر ويَأْتي ذلك في أشعارهم وقال بعضهم‏:‏ وما صَدَقَتك الطير يوم لَقِيتَنا وما كان مَنْ دَلاك فينا بخَابِر وقال حسّان رضي الله تعالى عنه‏:‏ لتَسمعنَّ وَشيكاً في ديارِهُم الله أكْبر يا ثاراتِ عُثْمانا وقال الحَسَن بن هانئ‏:‏ قامَ الأمير بأمر الله في البَشَر واسْتَقْبل المُلْك في مَسْتَقبل الثمر فالطَير تُخْبِرنا والطَّيُر صادقةٌ عن طِيبِ عَيْش وعن طًول من العُمر وقال الشَّيْباني‏:‏ لما قَدِم قُتيبة بن مُسْلم والياً على خُراسان قام خَطِيباً فسَقطت المِخْصَرَة من يَدِه فتطيّر بها أهلً خُراسان فقال‏:‏ أيها الناس ليس كما ظَننتم ولكنه كما قال الشاعر‏:‏ فأَلْقت عَصاها واستَقْرّت بها النَّوى كما قَر عَيْناً بالإيابِ المَسَافُر اتخاذ الإخوان وما يجب لهم رَوَى الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كَثير أنّ داود قال لابنه سُليمان عليهما السلام‏:‏ يا بُنيّ لا تَستَقلّ عَدوَاً واحداَ ولا تَستَكْثِر أَلف صَديق ولا تَستَبدل بأخٍ قديم أخاً مُستَحدثاً ما استَقام لك‏.‏

وفي الحديث المرفوع‏:‏ المَرْء كَثير بأَخيه‏.‏

وقاد شَبيب بن شَيْبة إخوان الصَّفاء خير مكاسب الدُّنيا هم زِينةٌ في الرِّخَاء وعدَّة في البَلاء ومَعُونة على الأعداء‏.‏

لَعَمْرك ما مالُ الفَتَى بذَخيرة ولكن إخوانَ الصَّفاء الذَّخائرُ وقال الأحْنف بن قَيْس‏:‏ خَيْرُ الإخوان إن استغنيت عنه لم يَزِدك في المَودَّة وإن احتَجْت إليه لم يَنْقُصك منها وإن كُوثِرت عَضدك وإن استرفدت رفَدَك وأنشد‏:‏ أخوكَ الذي إن تَدْعُه لِمُلِمِّة يُجِبْك وإنْ تَغْضب إلى السًيف يَغْضب ولآخر‏:‏ أخَاكَ أَخَاكَ إنّ مَن لا أخاً له كَساعٍ إلى الهَيْجَا بغَيْر سِلاح وإنّ ابن عَمّ المَرْء فاعْلَم جَناحُه وهل يًنْهض البازِي بغَيْر جَنَاح ومما يَجب للصدًيق على الصَّديق النصيحةُ جَهْده‏.‏

فقد قالوا‏:‏ صدِيق الرجل مِرْآته تُريه حَسناتِه وسيّآته‏.‏

وقالوا الصَّدِيق من صَدَقك وُدّه وبَذَل لك رِفْدَه‏.‏

‏"‏ وقالوا‏:‏ أربعة لا تعرَف إلاّ عِنْد أربعة‏:‏ لا يُعرف الشجاع إلا عند الحَرْب ولا الحَلِيم إلا عند الغَضب ولا الأمين إلا عند الأخذ والعَطاء ولا الأخوانُ إلا عَند النَّوائب ‏"‏‏.‏

وقالوا‏:‏ خير الإخوان مَن أقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إن الكرِامَ إذا مَا أُسهَلوا ذَكَرُوا مَن كان يأَلَفَهُم في المنزل الخَشِن ولآخر‏:‏ البرُّ من كَرَم الطبيعة والمَنّ مَفْسدة الصنيعة تَرْكُ التعهُّد للصَّدي ق يكون داعيةَ القطيعة أنشد محمدُ بن يزيد المبرِّد لعبد الصَّمد بن المُعذَّل في الحَسْن بن إبراهيم‏.‏

يا من فَدَت نَفْسَه نَفْسي ومن جُعُلت له وِقَاءً لِمَا يخشى وأَخْشاهُ أبْلِغ أخاكَ وان شَط المَزَار به أنِّي وإنْ كُنتُ لا ألقاه ألقاه وأنّ طَرْفيَ مَوْصول برؤيته وإنْ تَباعد عن مَثْواي مَثْواه اللّه يعْلَم أنّي لستُ أذْكُره وكيف يَذكره مَن ليس يَنْساه عًدُّوا فهل حَسَنٌ لم يَحْوِه حَسَن وهَلْ فتَى عَدَلت جَدْواه جَدْوَاه فالدهر يَفْنى ولا تَفْنى مَكارمه والقَطْر يُحْمىَ ولا تُحْصىَ عَطَايَاه وقيل لبعض الوُلاة‏:‏ كم صديقاً لك قال‏:‏ لا أدْري الدُّنيا مُقْبِلة عليَّ والناس كلِّهم أصدقائيِ وإنما أَعرف ذلك إذا أدبرَتْ عنِّي‏.‏

ونُرَى فنُعْرف بالعَدا وَة والبِعاد لمَن تُباعد ونبيت في شَفَق عَلَي - ك رَبيئةً والليلُ هاجِد أصناف الإخوِان قال العَتّابي‏:‏ الإخوانُ ثلاثة أصناف‏:‏ فرْع بائنٌ من أصله وأصل مُتَّصل بفَرْعه وفَرْع ليس له أصل‏.‏

فأمّا الفرع البائن من أصله فإخاءٌ بُني على مودّة ثم انقطعت فحُفِظ على ذمام الصُّحبة وأمّا الأصل المتَّصل بفَرْعه فإخاءٌ أصله الكرم وأغصانه التَقوى وأمّا الفرع الذي لا أصل له فالمموه الظاهر الذي ليس له باطن‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الصاحب رُقْعة في قميصك فانظر بم تُرَقِّعه‏.‏

ويقال‏:‏ من علامة الصَّديق أن يكون لصَديق صديقه صديقاً ولعدوه عدوَّاً‏.‏

وقَدِم دِحْية الكَلْبيّ على أمير المؤمنين عليّ عليه السلامُ فما زال يَذْكر مُعاوية ويطْريه في مجلسه فقال عليٌّ عليه السلام‏:‏ صَديقُ عَدُوِّي داخلٌ في عَدَاوَاتي وإنِّي لمَن وَدَّ الصّديقَ وَدودُ فلا تَقْرَباً منّي وأنت صَديقُه فإنّ الذي بين القُلوب بعيدُ تَودُّ عدوِّي ثم تَزْعُم أنني صديقُك إنّ الرَّأي عنك لعازِبُ وليس أخي مَن دوني رَأْيَ عَيْنه ولكنْ أخي مَن دوني وهو غائبُ وقال آخر‏:‏ ليس الصديقُ الذي إن زَلَّ صاحبُه يوماً رَأَى الذنبَ منه غيرَ مغْفِورِ وإنْ أَضاع له حَقَاً فعاتَبه فيه أتاه بتَزْوِيق المَعاذِير إنّ الصًديق الذي ألقاه يَعذِر لي ما ليس صاحبُه فيه بمَعْذور وقال الآخر‏:‏ كم مِن أخ لم يَلدِهْ أبُوكا وأخ أبوهُ أبوكَ قد يَجْفُوكا صافِ الكِرَامَ إذا أَردتَ إخاءَهم واعْلَم بأنّ أخا الحِفاظ أُخوكا والناسُ ما استغنيتَ كُنتَ أخاهُمُ وإذَا افتقرتَ إليهمُ رَفَضًوكا وقال بعضهم‏:‏ أخوك الذي إن قمتَ بالسًيْف عامِداً لتَضْرِبَه لم يَسْتغشَّك في الوُدِّ وإنْ جئتَ تَبْغي كفّه لتُبينَها لبادَر إشفاقاً عليك من الرَّدّ إنْ كنتَ مُتَّخذاً خَلِيلاً فتَنَقَّ واْنتَقد الخَلِيلاَ مَن لم يكُن لك منصفًا في الوُدّ فابغ به بَدِيلا ولقَلَّما تَلْقى اللَّئيمَ عليك إلا مستطيلا وللعَطوِيّ‏:‏ صُنِ الوًدً إلاِّ عَن الاكرمين ومَن بمُؤَاخاتِه تَشْرُفُ ولا تغتررْ مِن ذَوِي خلَة بما مَوّهوا لكَ أَوْ زَخْرفوا وكم من أخ ظاهر ودًّه ضَمِيرُ مَودّته أَحْيَف إذا أنت عاتبتَه في الإخا ءِ تنكر منه الذي تَعْرِف وكتب العباس بن جَرير إلى الحَسن بن مَخْلد‏:‏ ارعَ الإِخاءَ أبا مُحم د للَّذي يصْفو وصُنْهُ وإذا رأيتَ مُنافِساً في نيل مكرمةٍ فكنه إنَ الصديقَ هو الذي يرعاك حيث تغيب عنه فإذا كشفت إخاءَهُ أحمدتَ ما كشفت منه وقال آخر‏:‏ خَيْرُ إخوانِكَ آْلمشارك في المر وأَين الشرِيكُ في المرّ أَيْنَا الَّذِي إنْ شهدتَ زادَك في البرّ وإن غِبْتَ كان أذْناً وعَيْنا وقال آخر‏:‏ ومِنَ البَلاء أخٌ جنايتُه عَلَق بنا ولغَيْرنا سَلَبُهْ ولآخر‏:‏ إذا رأيتُ انحرافاً من أخِي ثِقةٍ ضاقتْ عليّ برُحب الأرض أوْطانِي فإن صددتُ بوَجْهي كَيْ أكافئَه فالعَين غَضْبَى وقَلْبي غير غضبان وكتب بعضُهم إلى محمد بن بَشّار‏:‏ مَن لم يُرِدْك فلا تردهُ لِتَكُنْ كَمَنْ لم تَسْتَفِدْه باعِدْ أخاكَ لبُعْده وإذا دَنا شِبْراً فزِده كم من أخٍ لك يا بنَ بَشّ ا رٍ وأُمُّك لم تَلِدْه وأخِي مُناسَبة يَسُو ءُك غَيْبُه لم تفتقده مَنْ يَأْنس الإخْوان لم يَبْدَ العِتابَ ولم يُعِدْه عاتِبْ أخاك إذا هَفا واعْطِفْ بِودك واسْتَعِدْه وإذا أتاك بِعَيْبِهِ واشٍ فقُل لم تَعْتمده معاتبة الصديق واستبقاء مودته قالت الحكماء‏:‏ مما يجب للصَّديق على الصديق الإغْضاء عن زلاّته والتَّجاوز عن سيّآته فإن رجع وأعتب وإلاّ عاتبتَه بلا إكثار فإنّ كثرَة العتاب مَدْرجة للقَطِيعة‏.‏

وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللهّ عنه‏:‏ لا تَقْطع أخاك على ارتياب ولا تهجره دون استِعْتاب‏.‏

وقال أبو الدَّرداء‏:‏ مَن لك بأَخيك كلّه‏.‏

وقالوا أيّ الرجال المُهذَّب‏.‏

وقال بشّار العُقَيْليّ‏:‏ إذا أنتَ لم تَشْرب مِراراً على القَذَى ظَمِئْتَ وأيُ النَّاس تَصْفو مَشارِبُه وقالوا‏:‏ مُعاتبة الأخ خَيرٌ من فَقْدِه‏.‏

إذا ذَهب العِتاب فليْسَ ودٌ ويَبْقَى الوُدُّ ما بَقِي العِتَابُ ولمحمد بن أَبان‏:‏ إذا أنَا لم أَصْبِرْ على الذَّنب مِن أخٍ وكنتُ أُجازيه فأَين التفاضلُ ‏"‏ إذا ما دهاني مِفْصلٌ فقطعتًهَ بَقيتُ وما لي للنُّهوص مَفاصل ‏"‏ ولكنْ أُدَاويه فإنْ صَحَّ سرًّني وإنْ هو أَعْيا كان فيه تحامل وقال الأحنف‏:‏ مِن حَقّ الصَّديق أن يَتَحَمَل ثلاثاً‏:‏ ظُلم الغضب وظُلم الدالّة وظُلم الهَفوة‏.‏

لعبد الله بن مُعاوية‏:‏ ولستُ ببَادي صاحبِي بقَطِيعة ولستُ بمُفْشٍ سِرَّه حين يغْضبُ عَليك بإخوان الثِّقَات فإنهم قليلٌ فَصِلْهم دُون مَن كنت تَصْحَب وما الخِدْن إلا مَن صَفا لك وُدّه ومَن هو ذو نُصْح وأنت مُغَيَّب ما يستجلب الإخاء والمودة ولين الكلمة قال عليُّ بن أبي طالب عليه السلام‏:‏ مَن لانت كَلِمته وَجَبت محبّتُه‏.‏

وأنشد‏:‏ وعَلَى الصديقِ ألا يلقَى صديقه إلا بما يُحب ولا يًؤذِي جليسَه فيما هو عنه بمَعْزِل ولا يأتي ما يَعيب مِثْلَه ولا يَعيب ما يأتي شَكْلَه‏.‏

وقد قال المتوكّل اللّيثي‏:‏ لا تنهَ عَن خُلُقِ وَتأْتِيَ مِثْلَه عارٌ عليك إذا فعلتَ عَظِيمُ وقال عمرً بن الخَطّاب رضي الله عَنه‏:‏ ثلاث تثبت لك الوًدَّ في صَدْرِ أخيك‏:‏ أن تَبدأه بالسَّلام وتُوسع له في المَجْلس وتَدْعوه بأحبّ الأسماء إليه‏.‏

وقال‏:‏ ليس شيءٌ أبلغَ في خَيْر ولا شَرّ من صاحب‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إن كُنتَ تبغي الأَمْرَ أو أصلَه وشاهداً يُخْبر عن غائبِ فاعْتَبِر الأرضَ بأَشْباهها واعْتَبر الصّاحب بالصَّاحب لعَدِيّ بن زَيد‏:‏ عَنِ المَرْء لا تَسَلْ وسَلْ عَن قَرِينه فكُلُّ قَرِين بالمُقارن يَقْتَدِي و لعمرو بن جَمِيل التَغْلَبي‏:‏ سأصبر من صَديقي إنْ جَفَاني على كلّ الأذَى إلا الهَوَانَا فإنّ الحُرَّ يَأنَف في خَلاءِ وإن حَضر الجماعةَ أن يُهانَا وقال رجلٌ لمُطِيع بن إياس‏:‏ جِئّتُك خاطباً مَوَدَّتك قال‏:‏ قد زَوَّجتكها على شرط أن تجعل صَداقها أن لا تَسمع فيَّ مقالَ الناس‏.‏

ويقال في المَثَل‏:‏ مَن لم يَزْدَرِد الرّيق لم يَستكثر من الصديق‏.‏

وما أحسنَ ما قال إبراهيمُ بن العبَّاس‏:‏ يا صديقيِ الذي بَذَلْت له الو دَّ وأنزلتُه على أحشائي إنّ عَيْناَ أقْذَيْتهَا لتراعي ك على ما بها مِن الإقذاءِ ما بها حاجةٌ إليك ولكنْ هي مَعْقودة بحَبْل الوَفاء ولابن أبي حازم‏:‏ ارْضَ من المَرْءِ في مَوَدَّته بما يُؤدي إليكَ ظاهرُه مَن يَكْشِف الناسَ لا يَرى أحداً تَصِحّ منه له سَرائرُه توشِك أن لا تتم وَصْل أخٍ في كلّ زَلاّته تُنافِره إنْ ساءَني صاحِبي احْتملْتُ وإن سرَّ فإني أخوه شاكِرُه أصفح عَنْ ذَنْبه وإِن طَلَب ال عُذْرَ فإنّي عليه عَاذِرُه ولغيره‏:‏ لقد أصبحتْ نَفْسي علي شَفِيقةً ومِثْلي على أهل الوَفاء شَفِيق أسرَّ بما فيه سُرُورك إنَّني جَدِير بمكنون الإخاء حَقِيق عدَوّ لمن عاديتَ سَلْم مُساِلمٌ لكل آمرئ يَهْوى هواكَ صَدِيق ولأبي عبد الله بن عُرْفة‏:‏ هُمًومُ رجالٍ في أمور كَثيرةٍ وهَمِّي من الدِّنيا صديق مُساعِدُ يكون كرُوح بين جِسْمين فُرِّقَا فَجِسْماهما جِسْمان والرُّوح واحِد قال بعض الحكماء‏:‏ الإخاء جَوْهرة رقيقة وهي ما لم تُوَقِّها وتَحْرُسها مُعرَّضة للآفات فَرُض الإخاء بالحدّ له حتى تَصل إلى قُربه وبالكَظْم حتى يَعْتذِر إليك مَن ظَلَمك وبالرِّضى حتى لا تَسْتَكْثر من نَفْسك الفَضْل ولا من أخيك التَّقْصير‏.‏

لمحمود الوَرّاق‏:‏ لا بِرِّ أعظمُ من مُساعدةٍ فاشكُر أخاك علىِ مُساعَدَتِهْ وإذا هَفا فأَقِلْه هَفْوَته حتى يَعودَ أخاَ كعادته فالصفح عن زَلَل الصّديق وإن أَعْياك خيرٌ من مُعاندته مَن لم يُدرِك ولم ترده لم يستفدك ولم تُفِدْه قَرِّبْ صدِيقَك ما نَأى وَزِدِ التقارُب واستزده وإذا وَهَتْ أركان ودٍّ من أَخي ثِقَة فَشِدْهُ فضل الصداقة على القرابة قيل لبُزرجمهر‏:‏ مَن أحب إليك‏:‏ أخوك أم صديقك فقال‏:‏ ما أحِبّ أخي إلا إذا كان لي صديقاً‏.‏

وقال أكثم بن صَيفيّ‏:‏ القرابة تحتاج إلى مودَة والمودَة لا تحتاج إلى قرابة‏.‏

وقال عبد الله بن عبّاس‏:‏ القرابة تقْطع والمعروف يُكْفر وما رأيتً كتقارب القلوب‏.‏

وقالوا‏:‏ إيَّاكم ومَن تكْرهه قلوُبكم فإن القُلوب تُجَارِي القلوب‏.‏

وقال عبد الله بنً طاهر الخُراسانيّ‏:‏ أميل مع الذِّمام على ابن أمِّيِ وأحْمِل للصديق على الشِّقِيقِ وإن ألفيتَني مَلِكاً مُطاعاَ فإنك واجدِي عبدَ الصَّديق أفرِّق بين معروفي ومَنِّي وأجمع بين مالي والحُقوق ولقد سَبَرتُ الناس ثم خَبرتُهمِ ووصفتُ ما وَصفوا من الأسباب فإذا القرابةُ لا تُقَرِّب قاطعاً وإِذا المودَة أقرب الأنساب وللمبرِّد‏:‏ ما القرْبُ إلا لمن صحَت مَوَدَّته ولم يَخُنْك وليس القُرْبً للنسَبِ كم مِن قَريب دَوِيّ الصَّدْر مُضْطَغِن ومن بَعيدٍ سَلِيم غير مقترب وقالت الحًكماء‏:‏ رب أخ لك لم تَلِدْه أمك‏.‏

وقالوا‏:‏ القَرِيب من قَرب نَفْعه‏.‏

وقالوا‏:‏ رُبّ بعيدٍ أقرب من قَريب‏.‏

وقال آخر‏:‏ رُب بعيدَ ناصحُ الجَيْب وابن أبِ مُتهم الْغَيب وقال آخر‏:‏ أخُو ثِقةٍ يُسَر ببعض شانِي وِإنْ لم تُدْنِه مني قَرَابهْ أحَبُّ إليَّ من ألْفْي قَريب لَبيتُ صُدورهم لي مُسْترابه وقال آخر‏:‏ قد يَجمع المالَ غير ُآكله ويأكل المالَ غيرُ من جَمَعه فارْض من الدهر ما أتاك به من قَرَّعَيْنَا بعَيْشِه نَفَعه وقال‏.‏

لكلِّ شيء من الهُموم سَعَهْ والليلُ والصُّبح لا بقَاءَ معهْ لا تَحْقِرَنّ الفقيرَ عَلَّكَ أن تركع يوماً والدَّهُرُ قد رفَعَه وقال ابن هَرْمة‏:‏ للّه درُّك من فَتًى فَجعت به يومَ البَقيع حوادِثُ الأيام هَشّ إذا نزَل الوُفودُ ببابه سَهْل الحِجاب مُؤَدَّب الخُدّام وإِذا رأيت صديقه وشَقيقه لم تَدْرِ أيّهما أخو الأرحام التحبب إلى الناس في الحديث المَرْفوع‏:‏ أحبُّ الناس إلى الله أكثرهم تَحَبُّباً إلى الناس‏.‏

وفيه أيضاً‏:‏ إذا أحبَّ الله عبداً حبَّبه إلى الناس‏.‏

ومن قولنا في هذا المعنى‏.‏

وجْهٌ عليه من الحَيَاء سَكينةٌ ومحبَّة تجري مع الأنفاس وإذا أحبّ الله يوماً عبدَه ألقى عليه محبَّة للنّاس وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقّاص‏:‏ إن الله إذا أحَبَّ عبداً حبَّبه إلى خَلْقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس واعْلم أنّ مالك عند الله مثلُ ما للناس عندك‏.‏

وقال أبو دُهْمان لسَعيد بن مُسلم ووقف إلى بابه فحجَبَه حيناً ثم أذن له فمثل بين يديه وقال‏:‏ إنَّ هذا الأمر الّذي صار إليك وفي يديك قد كان في يدَيْ غيرك فأمسى واللّه حديثاً إن خيراَ فخير وإن شراً فشر قتحبَّب إلى عباد الله بحُسن البِشْر وتسهيل الحجاب ولين الجانب فإن حُبَّ عبادِ الله مَوْصولٌ بحُب اللّه وبُغضهم مَوْصول ببغض اللّه لأنهم شُهداء الله على خَلْقه ورُقباؤه على من أعوج عن سبيله‏.‏

وقال الجارود‏:‏ سُوء الخُلق يُفْسِد العَمل كما يُفسد الخَلّ العَسل‏.‏

وقيل لمُعاوية‏:‏ من أحبّ الناس إليك قال‏:‏ مَن كانت له عِنْدي يد صالحة قيل له‏:‏ ثم مَن قال‏:‏ من كانت لي عِنْده يدٌ صالحة‏.‏

وقال محمدُ بن يزيد النَّحوي‏:‏ أتيتُ الخليلَ فوجدته جالساً على طُنْفسة صَغِيرة فوسَّع لي وكَرِهتُ أن أُضيِّق عليه فانقبضتُ فأخذ بِعَضُدي وقَرَّبي إلى نَفْسه وقال‏:‏ إنه لا يَضِيق سَمُّ الخياطَ بمُتحابين ولا تَسَع الدنيا مُتباغضين‏.‏

ومن قَولنا في هذا المَعنى‏.‏

صِل من هَوِيتَ وإن أبدى مُعاتبةً فأَطيبُ العَيْش وَصلٌ بين إلْفين واقْطَعْ حَبائل خِدْنٍ لا تُلائمه فربِّما ضاقتِ الدُّنيا بإثْنين صفة المحبة أبو بكر الورَّاق قال‏:‏ سأل المأمونُ عبد الله بنَ طاهر ذا الرِّياستين عن الحبّ ما هو فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إذا تقادحتْ جواهر النُّفوس المُتقاطعة بوَصْل المُشاكلة انبعثت منها لمْحَة نور تَسْتضيء بها بواطنُ الأعضاء فتحرّك لإشراقها طَبائع الحَياة فيتصوَّر من ذلك خَلْق حاضر للنَّفس مُتَّصِل بخَواطِرها يُسمى الحب‏.‏

وسُئل حمَّاد الراوية عن الحبّ فقال‏:‏ شَجرة أصلُها الفِكْر وعُروقها الذِّكر وأغصانُها السَّهر وأوراقُها الأسقام وثمرتُها المنيّة‏.‏

وقال مُعاذ بن سَهْل‏:‏ الحبُّ أصعبُ ما ركب وأسْكر ما شُرب وأَفْظع ما لُقِي وأحْلَى ما اشتُهي وأَوْجع ما بَطَن وأشهى ما عَلَن وهو كما قال الشاعر‏:‏ وللحُب آياتٌ إذا هي صَرّحت تَبَدَّت علاماتٌ لها غُرَرٌ صفْرُ فباطِنُه سُقْم وظاهِرُه جَوَى وأوَّلُه ذكر وآخره فكر وقالوا‏:‏ لا يكن حُبّك كَلَفا ولا بغْضك سَرَفا‏.‏

وقال بشَّار العُقَيْليِّ‏.‏

هل تَعْلَمِينَ وَراء الحُبّ مَنزلةً تُدْني إليكِ فإنّ الحبَّ أقصَانِي وقال غيرُه‏:‏ أُحِبّكِ حُبا لو تحبينَ مِثْلَه أصابك من وَجْدٍ عليّ جُنُونُ لَطِيفاً مع الأحْشاء أمّا نهارُه فدَمْعٌ وأمّا لَيْلُه فأنِين من حديث ابن أبي شَيْبة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تَقْطع مَن كان يواصلُ أباك تُطفيء بذلك نُورَه فإنّ وُدَّك وُدُّ أبيك‏.‏

وقال عبدُ الله بن مَسعود‏:‏ مِن بِرّ الحيِّ بالميِّت أن يَصِل مَن كان يصلُ أباه‏.‏

وقال أبو بكر‏:‏ الحبُّ والبغضُ يُتوارثَان‏.‏

ومن أمثالهم في هذا المعنى‏:‏ لا تقْتنِ من كلب سَوْء جِرْواً‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ تَرْجُو الوليدَ وقد أعياك والدُه وما رَجاؤُك بعد الوالدِ الوَلدَا واجتمع عندَ مَلِك من ملوك العرب‏.‏

تميمُ بن مُرّ وبكر بن وائل فوقَعت بينهما مُنازعة ومُفاخرة فقالا‏:‏ أيُّها الملك أعطِنا سَيْفين نتجالد بهما بين يَدَيك حتى تَعلم أيُّنا أجْلد‏.‏

فأمر الملكُ فنُحِت لهما سَيفان من عُودين فأعطاهما ‏"‏ إياهما ‏"‏ فجعلاَ يَضْطربان مَليًّا من النهار فقال بكرُ بن وائل‏:‏ لو كانَ سيفانَا حديداً قَطَعا قال تميم بن مُرّ‏:‏ أو نحتا من جَنْدل تَصًدّعا أُساجِلك العَداوَةَ ما بَقِينا فقال له بكر‏:‏ وإنْ مِتْنا نُوَرِّثها البَنِينا فيًقال إن عداوة بكر وتميم من أجل ذلك إلى اليوم‏.‏

أبو زيد‏:‏ قال أبو عُبيدة‏:‏ بُني دُكَان بسجستان بَنَتْه بكر بن وائل فهَدَّمته تميم ثم بنته تميم فهَدَّمته بكر فتواقعوَا في ذلك أربعةً وعشرين وَقعة‏.‏

فقال ابن حِلِّزة اليَشْكُري في ذلك‏:‏ قَرَبي ياخَليُّ وَيحْكِ دِرْعي لَقِحَت حَرْبُنا وحربُ تميم إخْوة قرّشوا الذُّنوب علينا في حديث من دهرِهم وقَدِيم طَلبُوا صُلْحنا ولاتَ أوَانٍ إنَّ ما يَطلبون فوق النُّجُوم الحسد قال علي رضي الله عنه‏:‏ لا راحةَ لِحَسُود ولا إخَاء لمَلُول ولا مُحِبَّ لسَيىِّء الخُلًق‏.‏

وقال الحسن‏:‏ ما رَأيت ظالماً أشبهَ بمظلوم من حاسِد نَفَس دائم وحُزن لازم وغم لايَنْفد‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كاد الحَسد يَغْلِب القَدَر‏.‏

وقال مُعاوية‏:‏ كلُّ الناس أَقْدِر أُرْضِيهم إلا حاسدَ نِعْمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ كلُّ العَداوة قد تُرْجَى إماتتُها إلا عَدَاوَةَ مَن عاداكَ مِن حَسَدِ وقال عبد الله بن مَسعود‏:‏ لا تُعادُوا نِعَم الله قيل له‏:‏ ومن يُعادي نِعَم اللّه قال‏:‏ الذين يحْسُدون الناسَ على ما آتاهم الله من فِضله‏.‏

يقول الله في بعض الكتب‏:‏ الحَسُود عدوُّ نِعْمَتي مُتَسخِّطٌ لقَضَائي غيرُ راض بِقسْمَتي‏.‏

ويقال‏:‏ الحَسَد أوّل ذَنْب عصي الله به في الَسماء وأوّل ذَنْبِ عُصي الله به في الأرض فأمّا في السماء فحَسدُ إبليس لآدمَ وأما في الأرض فَحَسدَ قابيلَ هابيل‏.‏

وقال بعضُ أهل التفسير في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ رَبنَا أَرِنَا الَّلذَيْنِ أَضلانَا مِنَ اْلْجنِّ والإنْس نَجْعَلهما تحتَ أقدامِنا ليَكُونَا من الأسْفَلِين ‏"‏‏.‏

إنه أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل وذلك أن إبليس أولُ من سَنَّ الكفر وقابيل أوّل من سَنَّ القتل وإنما كان أصل ذلك كله الحسد‏.‏

ولأبي العتاهية‏:‏ فيا رَبِّ إنّ الناس لا يُنْصفونني وكيفَ ولَوْ أَنصفتُهم ظَلَمُوني وإنْ كانَ لي شيءٌ تَصدِّوْا لأخْذه وإن جئت أبْغِي سَيْبهم مَنَعُوني وإن نالَهُمِ بَذْلي فلا شُكْرَ عِنْدهم وإن أنا لم أبذل لهم شَتَمُوني وإن طَرَقتْني نِقْمَةٌ فَرِحُوا بها وإن صَحِبَتنِي نِعْمَةٌ حَسَدُوني سَأَمْنَع قلْبِي أن يَحنَّ إليهُم وأحْجُب عنهم ناظِري وجُفُوني أبو عُبيدة مَعمر بن اَلمُثنِّي قال‏:‏ مَرّ قيس بن زُهير ببلاد غَطَفان فرأَى ثَرْوَةً وعدداً فكَرِه ذلك فقيل له‏:‏ أيسوؤك ما يَسرُّ الناس قال‏:‏ إِنك لا تَدْري أنّ مع النِّعمة والثروة التَّحاسدَ والتخاذلَ وأنَّ معِ القلّة التحاسد والتناصُر‏.‏

وكان يقال‏:‏ ما أثْرَى قَوْم قطُّ إلا تَحاسدوا وتخاذلوا‏.‏

وقال بعضُ الحكماء‏:‏ ألزَم الناس للكآبة أربعة‏:‏ رجل حديد ورجل حَسُود وخَلِيط الأدباء عليّ بن بِشْر المَرُّوزيّ قال‏:‏ كتب إليَّ ابن المبارك هذه الأبياتَ‏:‏ كلَّ العَدَاوة قد ترْجَى إماتَتُها إلا عَداوةَ مَنْ عاداك من حَسَدِ فإِنّ في القَلْبِ منها عُقْدَةً عُقِدَتْ وليس يَفْتحها راقٍ إلى الأبدِ إلا الإَله فإن يَرْحم تُحَلّ به وإنْ أباه فلا تَرْجُوه من أحد سُئِلَ بعضُ الحُكماء‏:‏ أيّ أعدائك لا تُحِبّ أن يَعُود لك صديقاً قال ‏"‏‏:‏ الحاسِد الذي لا يَرُدّه إلى ‏"‏ مودتي ‏"‏ إلا زوالُ نِعْمتي‏.‏

وقال سُلَيمان التَّيْمِيّ‏:‏ الحَسد يُضعِف اليَقِين ويُسْهِر العَينْ ويُثِرُ الهمّ‏.‏

الأحنفُ بن قَيْس صَلِّى على حارثة بن قُدَامة السَّعْديّ فقال‏:‏ رَحمك اللهّ كنتَ لا تحْسُد غَنياً ولا تحقر فقيراَ‏.‏

وكان يُقال‏:‏ لا يُوجَد الحُرُّ حَرِيصاً ولا الكَرِيم حَسُداً‏.‏

وقال بعضُ الحُكماء‏:‏ أجهدُ البَلاء أن تَظْهَرَ الخَلَّة وتَطُوِل المُدَّة وتَعْجِز الحِيلة ثم لا تعْدَم صَدِيقاً مُوَلِّيا وابن عمٍّ شامتاً وجاراً حاسِداَ ووليًّا قد تَحَوَّل عدوًّا وزَوْجة مُخْتلِعة وجارية مُسْتَبِيعة وعَبداً يَحْقِرك وولداً يَنتهرك فانظُر أين مَوْضِع جَهْدك في الهرَب‏:‏ لرجل من قُريش‏:‏ وإذا ما الله أَسْدَى نِعْمَةً لم يَضِرْها قولُ أعداءِ النِّعَم وقيل‏:‏ إذا سرك أن تَسْلم من الحاسد فعَمِّ عليه أمْرَك‏.‏

وكانت عائشةُ رضى اللهّ عنها تتمثّل بهذين البيتين‏:‏ إذا ما الدهر جَرَّ على أناس حوادثَه أناخَ بآخرِينَا فقُلْ للشَّامِتين بنا أفِيقُوا سيَلْقى الشامِتون كما لَقِينا ولبعضهم‏:‏ إياك والحسدَ الذي هو آفةٌ فَتَوَقَّه وتَوَقَّ غِيرة مَنْ حَسد إِنَّ الحَسُودَ إذا أرك مَوَدَّةً بالقَوْل فهو لك العَدُوُّ المُجْتَهِدْ الليثً بن سَعْد قال‏:‏ بَلَغني أنَّ إبليس لقي نُوحًا صلى الله عليه وسلم فقال له إبليس‏:‏ اتّق الحَسْد والشح فإني حَسَدتُ آدمَ فخرجتُ من الجنة وشَحَّ آدم على شَجرة واحدة مُنِع منها حتى خَرج من الجنًة‏.‏

وقال الحسنُ‏:‏ أصول الشَّرِّ ‏"‏ ثلاثة ‏"‏ وفُروعه ستَّة فالأصول الثلاثة‏:‏ الحَسَد والحِرْص وحُبًّ الدُّنيا‏.‏

والفُروع الستة‏:‏ ‏"‏ حُبّ النوم وحُبّ الشِّبع وحُبُّ الراحة وحُبُّ الرئاسة وحُبُّ الثناء وحُبُّ الفَخْر‏.‏

وقال الحسن‏:‏ يَحْسُد أحدُهم أخاه حتى يَقَعَ في سَرِيرته وما يَعْرِف علانِيَته ويَلُومه على ما لا يَعْلمه منه وَيتعلم منه في الصّداقة ما يُعَيِّره به إذا كانت العداوة واللّه ما أرى هذا بمُسْلِم‏.‏

ابن أبي الدُّنيا قال‏:‏ بَلغني عن عُمر بن ذَرّ أنه قال‏:‏ اللهم من أرادنا بشّرٍ فاكفِناه بأيِّ حُكمَيْك شِئت إمّا بتَوْبة وإمّا براحة‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ ما حسدتُ أحداً على هاتين ‏"‏ الكلمتين ‏"‏‏.‏

وقال ابن عبَّاس‏:‏ لا تَحْقِرَنَ كلمة الحكمة أن تَسْمعها من الفاجر فإنما مَثَلُه كما قال الأول‏:‏ رُبَّ رَمْيَة من غير رام‏.‏

وقال بعضُ الحكماء‏:‏ ما أمحقَ للإيمان ولا أهتكَ للستر من الحسد وذلك أنّ الحاسدَ مًعاند لحكم الله‏.‏

باغٍ على عباده عاتٍ على ربه يَعْتَدّ نِعم اللهّ نِقَما ومَزِيده غِيَرا وعَدْل قضائة حَيْفا للناس حال وله حال ليس يهدأ ولا يَنام جَشَعه ولا ينْفعه عَيْشُه مُحْتقر لِنَعم الله عليه مُتسخِّط ما جرت به أقدارُه لا يَبردُ غَليله ولا تُؤْمَن غوائله إن سالمتَه وَتَرَك وأن وَاصلتَه قَطَعك وإن صَرَمتْه سَبَقك‏.‏

ذُكِر حاسدٌ عند بعض الحكماء فقال‏:‏ يا عَجَبا لرجل أسلكه الشيطانُ مهاوِي الضَّلالة وأورده قُحَم الهَلَكة فصار لنعم الله تعالى بالمرصاد إن أنالها من أحب مِن عِباده أشْعِر قلبُه الأسف على ما لم يُقْدَر له وأغاره الكَلَفُ بما لم يكن لِينالَه‏.‏

اصبر على حَاسَد الحَسو د فإنّ صَبْرَكَ قاتلُه النَّارُ تأكل بعضها إن لم تَجدْ ما تاكله وقال عبدُ الملك بن مَرْوان للحجاح‏:‏ إنه ليس منَ أحدٍ إلا وهو يَعرف عَيب نفسه فصفْ لي عيوبك‏.‏

قال‏:‏ أعفِنى يا أمير المؤمنين قال‏:‏ لستُ أفعل قال‏:‏ أنا لَجُوج لَدُود حَقُود حَسُود قال‏:‏ ما في إبليس شرٌ من هذا‏.‏

وقال المنصور لسُليمان بنِ مُعاوية المُهلَبي‏:‏ ما أسرع الناسَ إلى قومك‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ إن العَرَانين تَلْقَاها مُحَسِّدةً ولن تَرَى للئام الناس حُسَّادَا وأنشد أبو موسى لنَصرْ بن سيار‏:‏ إِنِّي نشأتُ وحُسَّادي ذَوُو عَدَدٍ يا ذا المَعارج لا تَنْقُص لهم عَدَدَا إنْ يَحْسُدًوني على حُسْنِ البَلاَء بهم فمِثْل حُسْن بَلاَئي جر لي حَسدا وقال آخر‏:‏ إن يَحْسُدُوني فإنّي غيرُ لائمهم قبْلي من الناس أهل الفضل قد حُسِدُوا فَدَام لي ولهم ما بي وما بهم وما أكثرْنا غَيظاً بما يَجِد إنَ الغُراب وكان يَمشي مِشْيَةً فيما مضى من سالف الأحْوَالِ حَسَد القطَاة فَرَام يمشي مَشْيَها فأصابَه ضَرْبٌ من العُقًال ‏"‏ فأضلّ مِشْيته وأخطأ مَشْيها فلذاك كنِّوه أبا مِرْقال ‏"‏ وقال حبيب الطائي‏:‏ وإذا أراد الله نَشرَ فَضيلةٍ طُوِيت أتاح لها لسانَ حَسُودِ لولا اشتعالُ النار فيما جاوَرَت ما كان يُعْرف طِيبُ عَرْف العُودِ وقال محمد بن مُناذر‏:‏ بأيُها العَائبي وما بيَ من عَيْبِ ألا تَرْعَوِي وتَزْدَجِرُ هلْ لك عِندي وِتْرٌ فتَطْلُبَه أم أنتَ مما أتيتَ مُعتَذِرُ إِنْ يَكُ قَسْمُ الإله فَضّلني وأنت صَلْدٌ ما فيك معْتَصر فالحمدُ والشُّكر والثَناء له وَللْحَسود الترَابُ والْحَجَرُ فما الذي يَجتني جَليسُك أوْ يَبْدُو لهُ منك حين يَختبر اقرأ لنا سورة تُذَكرنا فإنّ خيْرَ المواعِظ السُوَرُ أو مِن أعاجيب جاهِليتنا فإنها حِكمةٌ ومُخْتَبر أو آرْوِ عن فارس لنا مثلاً فإن أمثالَها لنا عِبَرُ فإن تكن قد جَهِلت ذاك وذا ففيكَ للناظِرينِ مُعْتَبَر فغَنً صوتاً تُشْجَى النفوس به وبعضُ ما قد أتيت يُغتفر الأصمعيّ قال‏:‏ كان رجلٌ من أهل البصرة بذيئاً شِرِّيراً يؤذي جيرانه ويَشتم أعراضهم فأتاهُ رجلٌ فوَعظه فقال له‏:‏ ما بالُ جيرانك يَشكونك قال‏:‏ إنهم يَحسدُونني قال له‏:‏ على أيّ شيء يَحسدُونك قال‏:‏ على الصَلْب قال‏:‏ وكيف ذاك قال‏:‏ أَقْبِلْ معي‏.‏

فأقبل معه إلى جيرانه فقعد مُتحازِناً فقالوا له‏:‏ ما لَك قال‏:‏ طَرَق الليلة كتاب مُعاوية أنا أصلب أنا ومالك بن المنذر وفلان وفلان - فذكر رجالاً من أشراف أهل البصْرَة - فوَثبوا عليه وقالوا‏:‏ يا عدوّ اللهّ أنت تُصْلب مع هؤلاء ولا كرامةَ لك‏!‏ فالتفت إلى الرجل فقال‏:‏ أما تراهم قد حَسدوني على الصَّلب فكيف لو كان خيراً‏!‏ وقيل لأبي عاصم النبيل‏:‏ إنّ يحيى بن سَعيد يَحْسُدك وربما قَرَّضك فأَنشأَ يقول‏:‏ فلستَ بحيٍّ ولا ميتٍ إذا لم تُعادَ ولم تُحْسَدِ كتب عُمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعريّ‏:‏ مُر ذَوي القَرَابات أن يتزَاورُوا ولا يتجاورُوا‏.‏

وقال أكثم بن صَيْفيّ‏:‏ تباعَدُوا في الدار تقاربُوا في المودَّة‏.‏

وقالوا‏:‏ أَزْهدُ الناس في عالمٍ أهلُه‏.‏

فَرَج بن سلام قال‏:‏ وَقف أميِّة بن الأسكر عِلى ابن عم له فقال‏:‏ نَشَدْتُك بالبَيت الذي طافَ حولَه رجالٌ بَنوه من لؤَيّ بن غالبِ فإنك قد جَرَّبتني فوجدتنيِ أُعينك في الجُلّى وأكفيك جانبي وإن دبَّ من قومي إليك عداوةً عقاربهُم دبَّت إليهم عَقارِبي قال أكذلك أنتَ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما بالُ مِئبرك لا يزال إليَّ دسيسا قال‏:‏ لا أعود قال‏:‏ قد رضيتُ وعفا الله عما سلف وقال يحيى بن سعيد‏:‏ من أراد أن يَبِين عملُه ويَظهر علمُه فَلْيَجلس في غير مَجْلس رهْطه‏.‏

وقالوا الأقارب هم العقارب‏.‏

وقيل لعطاء بن مصعب‏:‏ كيف غلبتَ على البرامكة وكان عندهم من هو آدبُ منك قال‏:‏ كنتُ بعيدَ الدار منهم غريب الاسم عظيمَ الكِبْر صغير الجرْم كثيرَ الالتوإء فقرّبني إليهم وقال رجلٌ لخالد بنِ صَفْوان‏:‏ إنِّي أحبك قال‏:‏ وما يَمنعك من ذلك ولستُ لك بجار ولا أخٍ ولا ابن عم‏.‏

يريد أن الحسد مُوكل بالأدنى فالأدنى‏.‏

الشِّيباني قال‏:‏ خَرجِ أبو العبَّاس أميرُ المؤمنين متنزِّها بالأنبار فأمعن في نزهتة وانتبذ من أصحابه فوافي خباءً لأعرَابيّ‏.‏

فقال له الأعرابيّ‏:‏ ممن الرجل قال‏:‏ مِن كِنانة قال‏:‏ من أيّ كِنانة قال‏:‏ من أبغض كِنانة إلى كِنانة قال‏:‏ فأنت إذاً من قُريش قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فمن أيّ قريش قال‏:‏ من أبغض قريش إلى قُريش قال‏:‏ فأنت إذاً من ولد عبد المطلب قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فمن أيّ وَلد عبد المطّلب أنت قال‏:‏ من أبغض ولد عبد المطلب إلى ولد عبد المُطلب قال‏:‏ فأنت إذاً أميرُ المؤمنين السلام عليك يا أميرَ المؤمنين ورحمةُ الله وبركاته‏.‏

فاستحسنَ ما رأى منه وأمر له بجائزة‏.‏

وقال ذو الإصبع العَدْوَانيّ‏.‏

ليَ ابن عمٍٍّ على ما كان من خُلُق مُحاسِدٌ ليَ أقليه ويَقْلِيني أزْرَى بنا أنّنا شالتْ نعامتُنا فخالني عُونهَ أو خِلْتُه دوني يا عمرو إلا تَدَعْ شَتْمي ومَنقصتي أضربْك حتى تقول الهامةُ اسقوني ماذا عَلَيّ وإن كنتم ذَوِي رَحَمِي أن لا أُحبَّكُم إن لم تُحبوني وقال آخر‏:‏ مهلاً بني عمِّنا مهلاً مَوالينا لاتَنْبِشًوا بيننا ما كان مَدْفوناً لا تَطمعوا أن تًهينونا ونُكْرمكم وأن نَكُفَّ الأذى عنكم وتُؤذونا الله يعلم أنا لانحبًّكمُ ولا نَلومكُم إن لم تحِبُّونا وقال آخر‏:‏ ولقد سَبرت الناسَ ثم خَبرتهم ووصفت ما وصفوا من الأسبابِ فإذا القرابة لا تقَرّب قاطعا وإذا المودة أقرب الأنساب المشاكلة ومعرفة الرجل لصاحبه قالوا‏:‏ أَقرب القرابة المُشاكلة وقالوا‏:‏ الصاحب المُناسب‏.‏

وقال حبيب‏:‏ وقُلت أخي قالوا أخٌ من قرابة فقلت لهم إنّ الشُكول أقاربُ وقال أيضاً‏:‏ ذو الودّ منِّي وذو القُرْبى بمنزلةٍ وإخْوَتي أُسوةٌ عندي وإخواني وقال أيضاً‏:‏ إنْ نَفْتَرِقْ نَسَبًا يُؤلِّفْ بيننا أدبٌ أَقمناه مُقام الوالد أو نَخْتلف فالوَصْلُ منَّا ماؤه عَذب تَحدَّر من غَمَامٍ واحد وقال آخر‏:‏ إنَّ النفوس لأجْنادٌ مُجَنًدَة بالإذْن من رَبِّنا تَجْري وتَخْتلفُ فما تَعارفَ منها فهو مُؤتلِفٌ وما تَناكر منها فهو مُختلف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الأنفس أجْناد مُجنَّدة وإنها لتتَشامّ في الهَوَى كما تتَشام الخَيْل فما تعارف منها ائتلف وما تَناكر منها اختلف‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ الصاحبُ رُقْعة في الثَّوب فَلينظر الإنسان بم يَرْقع ثوبه‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ امتحنوا الناس بإِخوانهم‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ فاعتبر الأرضَ بأشباهها واعتبر الصاحبَ بالصاحبِ وقيل‏:‏ كلُ إلْف إلى إلْفه يَنزع وقال الشاعر‏:‏ وقال امرؤ القيس‏:‏ أجارتَنا إِنا غَريبان هاهنا وكل غَريب للغريب نَسِيبُ وقال آخر‏:‏ إذا كنت في قَوْم فصاحِبْ خِيارَهم ولا تَصْحب الأرْدى فتردىَ مع الرّدِي عن المرْء لا تَسأل وسَلْ عن قَرينه فكل قَرِين بالمُقارِن يَقْتدي وقال آخر‏:‏ اصحبْ ذَوِي الفَضل وأهْل الدِّين فالمرْءُ مَنسوبٌ إلى القرينِ أيوب بن سُليمان قال‏:‏ حدَّثنا أبان بن عيسى عن أبيه عن ابن القاسم قال‏:‏ بينما سُليمان بن داود عليهما السلام تحمله الريح إذ مَرّ بنَسْر واقع على قَصْر فقال له‏:‏ كم لك مذ وقعتَ هاهنا قال‏:‏ سبعمائة سنة قال‏:‏ فمن بَنى هذا القصر قال‏:‏ لا أدريِ هكذا وجدتُه ثم نظر فإذا فيه كتاب مَنْقور بأبيات من شعر وهي‏:‏ خرجنا من قُرَى اصطَخْرٍ إلى القصر فقلناهَ فمن يسأل عن القصر فمبنيا وَجَدناه فلا تصحب أخا السَّوْء وإِيَّاكَ وإياه يُقاس المرْءُ بالمرْء إذا ما المرْءُ ماشاه وفي الناس منٍ الناس مقاييسٌ وأشباه وفي العيَن غِنى للعَين أن تَنطق أفواه السعاية والبغي قال اللهّ تعالى ذِكْرُه‏:‏ ‏"‏ يَا أيُّهَا الناسُ إِنَمَا بَغْيًكُمْ على أنْفُسِكم ‏"‏‏.‏

وقال عزَ وجل‏:‏ ‏"‏ ثَم بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنًهُ الله ‏"‏‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ فلا تسبق إلى أحدٍ بِبَغْيٍ فإِنَّ البَغْي مَصرعه وخيم وقال العتَّابي‏:‏ بَغَيْت فلم تَقَع إلاّ صَرِيعاً كذاك البَغْي يَصرع كلَّ باغِي وقال المأمون يوماَ لبعض وَلده‏:‏ إياك وأن تُصْغي لاستماعٍ قول السُّعاة فإنه ما سَعى رجلٌ برجل إلا انحطّ من قَدْرِه عندي ما لا يتلافاه أبداً‏.‏

ووقَّع في رُقعة ساعٍ‏:‏ سننظر أصدقتَ أم كنت من الكاذبين‏.‏

ووقّع في رًقعة رجل سعَى إليه ببعض عُمَّاله‏:‏ قد سَمِعنا ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه فانصرفْ رَحمك اللّه‏.‏

فكان إذا ذُكر عند السُّعاة قال‏:‏ ما ظَنُّكم بقوْمٍ يَلعنهم الله على الصِّدق ثم كشف عن ذلك فإذا هو لغير رِشْدَة فقال‏:‏ أنا أبو عمرو وما كَذبْتُ ولا كُذِبت‏.‏

حدثني أبي عن جدّي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ السًاعي لِغَيْر رِشْدة‏.‏

وسأل رجلٌ عبدَ الملك الخَلْوَة فقال لأصحابه‏:‏ إذا شِئْتم فقُوموا‏.‏

فلما تَهَيَّأَ الرجل للكلام قال له‏:‏ إيّاك أن تَمْدحني فأنا أعلم بنفسي منك أو تَكْذِبني فإنه لا رَأْي لكَذُوب أو تَسْعى إليً بأحد وإن شئتَ أَقلتُك قال‏:‏ أَقِلْني‏.‏

ودخل رجلٌ على الوليد بن عبد الملك وهو والي دِمشق لأبيه فقال‏:‏ للأمير عندي نصيحة فقال‏:‏ إِن كانت لنا فاذكُرْها وإن كانت لِغَيرنا فلا حاجةَ لنا فيها قال‏:‏ جارٌ لي عَصىَ وفَرَّ مِنْ بَعْثه قال‏:‏ أما أنت فتُخبِر أنَّك جارُ سَوْء وإِن شئتَ أرْسلنا معك فإن كنتَ صادقاً أقصَيناك وإِن كنتَ كاذباً عاقبناك وإِن شئتَ تارَكناك قال‏:‏ تَارِكْني‏.‏

وفي سِيَر العجم‏:‏ أنّ رجلاً وَشىَ برجل إلى الإسكندر فقال‏:‏ أتًحِب أن تَقْبل مِنه عليك ومِنك عليه قال‏:‏ لا قال‏:‏ فكُفَّ الشر يُكَفُّ عنك الشرُّ‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إذا الواشي نَعَى يومًا صدِيقا فلا تَدَع الصديق لقَوْلِ واشي وقال ذو الرِّياستين‏:‏ قَبول النَّمِيمة شَرٌ من النميمة لأنّ النميمة دِلالة والقَبُول إجازة وليس مَن ذُكِر السُّعاة عند المأمون فقال لرجل ممن حَضر‏:‏ لو لم يكن من عَيْبهم إلا أنّهم أَصدق ما يكونون أبغضُ ما يكونون إلى الله تعالى ‏"‏ لكَفَاهُم ‏"‏‏.‏

وعاتب مُصْعبُ بن الزبير الأحنفَ في شيء فأنكره فقال‏:‏ أَخْبَرني الثقةُ قال‏:‏ كلا إنّ الثقة لا يُبلغِ‏.‏

وقد جَعل اللهّ السامع شريك القائل‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ سًمّاعُون للكَذِب أَكَّالُون للسُّحْتِ ‏"‏‏.‏

وقيل‏:‏ حَسْبك من شّرٍ سماعُه‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ لَعمركَ ما سبَّ الأمير عدوُّه ولكنَّما سَبَّ الأمير المُبَلغُ وقال آخر‏:‏ لا تقبلنَّ نَميمةً بُلِّغتَها وتحفَظَنَّ مِن الذي أنباكَهَا إنّ الذي أنباك عنه نَميمةً سَيَدِبُّ عنك بمثلها قد حاكها لا تنقشنَّ برِجْل غيرك شَوْكةً فَتَفي برِجْلك رجْلَ مَن قد شاكَها وقال دِعْبل‏:‏ وقد قطَع الواشُون ما كان بَيننا ونحنُ إلى أن نُوصِلَ الحَبلَ أحْوَجُ وكانوا أناسا كنتُ آمنُ غيْبَهم فراحُوا على ما لا نُحبّ فأدْلجوا الغِيبَة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا قلتَ في الرجل ما فيه فقد اغتَبْته وإذا قلتَ ما ليس فيه فقد بهَته‏:‏ ومرَّ محمدُ سِيرين بقوم فقال إليه رجل منهم فقال‏:‏ أبا بكر إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا فقال‏:‏ ‏"‏ إني ‏"‏ لا أحِلّ لك ما حَرّم اللهّ عليك ‏"‏ فأمّا ما كان إليَّ فهو لك ‏"‏‏.‏

وكان رَقَبة بن مَصْقلة جالساً مع أصحابه فذَكَروا رجلاً بشيء فاطْلعَ ذلك الرجلُ فقال ‏"‏ له ‏"‏ بعضُ أصحابه‏:‏ أَلا أخْبره بما قًلنا فيه لئلا تكون غِيبة قال‏:‏ أخبره حتى تكون نميمة‏.‏

اغتاب رجلٌ رجلاً عند قُتيبة بن مُسلم فقال له ‏"‏ قُتَيبة ‏"‏‏:‏ أمْسك عليك أيها الرجل فواللّه لقد تلَمَّظت بمُضْغة طالما لَفَظها الكِرام‏.‏

محمد بن مُسلم الطائفيّ قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى ابن سِيرين فقال له‏:‏ بَلغني أنك نِلْتَ منّي قال‏:‏ نفسي أعزًّ ‏"‏ علي ‏"‏ من ذلك‏.‏

وقال رجل لبَكْر بن محمد بن عِصْمة‏:‏ بلَغني أنَّك تقع فيّ قال‏:‏ أنتَ إذًا عليَّ أكرمِ من نفسي‏.‏

وَوقع رجلٌ في طَلْحَة والزُبير عند سَعد بن أبي وَقّاص فقال له‏:‏ اسكُتْ فإن الذي بيننا لم يَبْلُغ وعاب رجلٌ رجلاً عند بعض الأشراف فقال له‏:‏ قد استدللتُ على كَثرة عُيوبك بما تكثر من عُيوب الناس لأن طالبَ العُيوب إِنما يَطْلبها بقَدر ما فيه منها أما سمعتَ قولَ الشاعر‏:‏ لا تَهْتِكَنْ من مَساوي الناس ما سترُوا فَيَهْتِكَ الله سِتْراً مِن مَساوِيكَا واذكُرْ محَاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا ولا تَعِبْ أحداً منهم بما فِيكا وقال آخر‏:‏ لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثْلَه عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عَظيمُ وابْدَأْ بنفسك فانهَها عنَ غَيِّها فإِذا انتهت عنه فأنتَ حَكيمِ وقال محمد بن السماك‏:‏ تَجَنَب القول في أخيكَ لخَلتين‏:‏ أمَّا واحدة فعلَّك تعِيبه بشيءٍ هو فيك وأما الأخرى فإنْ يَكُن الله عافاك ممَّا ابتلاه به كان شُكْرك الله على العافية تعبيراً لأخيك على البَلاء‏.‏

وقيل لبعض الحُكماء‏:‏ فلانٌ يَعِيبك قال‏:‏ إنما يَقْرض الدَرهمَ الوازنُ‏.‏

‏"‏ قيل لبُزَرْجَمُهر‏:‏ هل تعلم أحداً لا عيبَ فيه قال‏:‏ إن الذي لا عيب فيه لا يموت ‏"‏‏.‏

وقيل لعمرو بن عُبيد‏:‏ لقد وَقع فيك أيوب السِّخْتيانيّ حتى رَحمْناك قال‏:‏ إياه فارحَمُوا‏.‏

‏"‏ وقال ابن عبَّاس‏:‏ اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع وقَدم العلاء بن الحَضرميّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ هل تَرْوِي من الشعر شيئَاَ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأنشِدني فأنشِده‏:‏ تَحَببْ ذَوي الأضغان تَسْب نفوسَهم تَحَببَك القُربَى فقد تُرْقع النَّعَلْ وإن دَحسوا بالكُرْه فاَعفُ تكرُّمًا وإن غَيَّبوا عنك الحديثَ فلا تَسَل فإن الذي يُؤْذيك منه سماعُه وإن الذي قالوا وراءك لم يُقل فقال النبي عليه السلام‏:‏ إن من الشِّعر لَحِكْمة‏.‏

وقال الحسنُ البَصْرِي‏:‏ لا غِيبةَ في ثَلاثة‏:‏ فاسقٍ مُجاهر ‏"‏ بالفِسْقِ ‏"‏ وإمام جائر وصاحب بِدْعة لم يَدَع بِدْعته‏.‏

وكتب الكِسائي إلى الرَّقاشي‏:‏ تركتَ المسجد آلْجَام عَ والتَرك له ريبَهْ فلا نافلةً تَقْضي ولا تَقضي لمَكْتوبَه وأخبارُكَ تَأْتينا على الأعْلام مَنْصوبَه قال النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏ شَرّ الناس من اتّقاه الناسُ لشَرّه‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ إذا لقيتَ اللئيمَ فخالِفْه وإذا لقيتَ الكريمَ فخالِطْه‏.‏

وقال أبو الدِّرداء‏:‏ إنا لنَكْشِرُ في وُجوه قوم وإنّ قلوبنا لتَلْعنهم وسُئل شَبيب بن شَيْبة عن خالد بن صَفْوان فقال‏:‏ ليس له صديق في السرّ ولا عدوّ في العَلاَنية‏.‏

وقال الأحنف‏:‏ رُبَّ رجل لا تَغيب فوائدُه وإن غابَ وآخرَ لا يسلم منه جليسهُ وإِن احتَرس‏.‏

وقال كثير بن هَرَاسة‏:‏ إنّ من الناس ناسًا يَنْقصونك إذا زِدْتهم وتَهُون عندهم إذا خاصصْتَهم ليس لرضاهم مَوْضع تَعْرِفه ولا لسُخْطهم موضع تَحْذره فإذا عرفتَ أُولئك بأعْيانهمِ فابذُل لهم موضِعَ الموَدة واحرمهم موضعَ يَكُن ما بذلتَ لهم من المودة حائلاً دون شرِّهم وما حَرَمتهم من الخاصة قاطعاً لحرْمتهم‏.‏

وأنشد العُتْبيّ‏:‏ لي صديقٌ يَرَى حُقوقي عليه نافلاتٍ وحقَّه الدهرَ فَرْضَا لو قطعتُ البلادَ طُولاً إليه ثم من بَعْد طُولها سِرْتُ عَرْضا لرَأَى ما فعلتُ غَيْر كَثِير وآشتَهى أن يَزيد في الأرْض أَرْضا اْسقِهم السُّمّ إن ظَفِرت بهم وآمزُجْ لهم من لِسانك العَسَلاَ كَتب سهلُ بن هارون إلى مُوسى بن عِمْران في أبي الهُذَيل العَلاّف‏:‏ إنّ الضَّمِير إذا سألتًكَ حاجةً لأبي الهُذَيل خلافُ ما أبدِي ‏"‏ فأَلِن له كنفا ليحسن ظنًّه في غير منفعة ولا رِفد ‏"‏ حتى إذا طالتْ شَقاوةُ جَدِّه وعَنَاؤه فاجْبَهه بالردّ وقال صالحُ بن عبد القُدُوس‏:‏ تجنب صدِيق السّوء وآصرِمْ حِبالَه وإِن لم تَجدْ عنه مَحيصاً فَدَارِهِ ومَن يَطلب المعْروف من غير أَهله يَجدْه ورَاءَ البحر أو في قَرارِه وللّه في عَرْضُ السمواتِ جَنَّةٌ ولكنّها مَحْفوفة بالمَكاره وقال آخر‏:‏ بَلاءٌ ليس يُشْبِهه بَلاءٌ عدَاوةُ غير ذي حَسَبٍ ودينِ يبيحك منه عِرْضاً لم يَصُنْه لِيرْتع منكَ في عِرْض مَصون عُرض على أبي مُسلم صاحب الدّعْوة فرسٌ جواد فقال لقُوّاده‏:‏ لماذا يصلُح مثلُ هذا الفرس قالت الحُكماء‏:‏ جُبل الناسُ على ذمّ زَمانهم وقلّة الرِّضا عن أهل عَصْرهم فمنه قولُهم‏:‏ رضَا الناسُ غايةٌ لا تُدرك‏.‏

وقولهم‏:‏ لا سبيلَ إلى السلامة من أَلْسنة العامّة‏.‏

وقولهم‏:‏ الناسُ يعيّرون ولا يَغْفِرون واللّه يَغْفر ولا يُعيِّر‏.‏

وفي الحديث‏:‏ لو أن المؤمن كالقِدْح المُقوّم لقال الناس‏:‏ ليت ولو‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ مَن لابَس النَّاس لم يَسْلم من الناس وضَرَّسُوهُ بأَنْيَابٍ وأَضْرَاس هِشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت‏:‏ رَحِمَ الله لَبِيداً كًان يقول‏:‏ ذَهب الذين يُعاش في أكنافهم وبَقِيتُ في خَلَف كجِلْد الأجْرَبِ فكيف لو أَبصر زمانَنا هذا‏.‏

قال عُروة‏:‏ ونحن نقول‏:‏ رَحِم الله عائشة فكيف لو أدركت زمانَنا هذا‏.‏

وكان بعضهم يقول‏:‏ ذهب الناسُ وبَقيَ النَسْناس فكيف لو أدْرك زماننا هذا‏.‏

دخل مُسلم بن يَزِيد بن وَهْب على عبد الملك بن مَرْوَان‏.‏

فقال له عبدُ الملك‏:‏ أيُّ زمان أدركتَ أفضَل وأيُّ الملوك أكمل قال‏:‏ أمّا المُلوك فلم أَرَ إلا حامداً أو ذامًّا وأما الزمان فيَرْفع أقواماً وكلّهم يَذُم زمانَه لأنه يُبْلِي جديدَهم ويُفرَق عديدهم ويهْرِم صغيرَهم ويهلك كَبيرَهم‏.‏

أيا دهرُ إن كنتَ عاديتَنا فَها قد صَنَعتَ بِنا ما كفَاكَا جَعلت الشرَارَ علينا خِياراً وولَيتنا بعد وَجْهٍ قفَاكا وقال آخر‏:‏ إذا كان الزمانُ زمانَ تَيْمٍ وعكْلٍ فالسلامُ على الزّمانِ زمان صارَ فيه الصدرُ عَجْزا وصار الزُّجّ قُدّامَ السّنان لعلّ زمانَنا سَيعود يومًا كما عاد الزمانُ على بِطان أبو جعفر الشّيباني قال‏:‏ أتانا يوماً أبو مَيَّاس الشاعر ونحن في جماعة فقال‏:‏ ما أنَتم ‏"‏ فيه ‏"‏ وما تتذاكرون قلنا‏:‏ نَذْكُر الزمان وفَساده قال‏:‏ كلا إنما الزمانُ وِعاء وما ألْقِي فيه مِن خَيْر أو شرّ كان على حاله ثم أنشأ يقول‏:‏ أرَى حُللاً تُصان على أناسٍ وأخلاقاً تُدَاسُ فَما تُصَان يَقولوِن الزمانُ به فَسادٌ وهُم فَسدوا وما فَسد الزمان أنشد فرج بن سلاّم‏:‏ هذا الزمان الذيِ كنَّا نُحذَّرُه فيما يُحدِّث كعبٌ وابن مسعودِ إن دام ذا الدهرُ لم نحْزَن على أحدٍ يموتُ منَا ولم نَفْرح بِمَوْلود لم أَبكِ في زَمن لم أرضَ خَلَته إلا بكيتُ عليه حين يَنْصَرِمُ وقال آخر في طاهر بن الحسين‏:‏ إذا كانت الدُنيا تًنال بِطاهرٍ تَجَنَّبت منها كلَّ ما فيه طاهرُ وأعرضتُ عنها عِفَةَ وتكَرُّماَ وأرجأتُها حتى تَدورَ الدوائر وقال مُؤمن بن سَعيد في مَعْقل الضَّبيّ وابن أخيه عثمان‏:‏ لقد ذلَّت الدنيا وقد ذلّ أهلُها وقد مَلَّها أهلُ النَدى والتَّفضُّل إذا كانت الدُّنيا تَميل بخَيّرها إلى مِثل عًثمانٍ ومِثل المُحوّل ففي استِ ام دُنيانا وفي آست ام خَيّرها وفي آست آم عثمان وفي آست ام مَعقِل وقال محمد بن مُناذر‏:‏ يا طالبَ الأشعار والنَّحوِ هذا زمانٌ فاسدُ الحَشْوِ نهارُه أوْحشً من لَيْله ونَشْوُه من أخْبَث النّشْو فَدَع طِلاَبَ النَّحو لا تَبغِهِ ولا تقل شعراً ولا تَرْو فَما يَجوز اليومَ إلا آمرؤٌ مُسْتَحكم العَزْف أو الشَّدْو رَجاءٌ دُون أَقْربه السَّحابُ وَوَعْدٌ مثلُ ما لمَع السَّرَابُ ودَهْر سادت العُبْدان فيه وعاثَتْ في جوانبه الذِّئاب وأيّام خلَتْ من كلِّ خَيْرٍ ودُنيا قد تَوَزّعها الكِلاب كلابٌ لو سألتَهم تُرَاباً لقالوا عندنا آنقطع التّراب يُعاقَب مَن أساء القولَ فيهم وإنْ يُحْسِن فليس له ثَواب كتب عَمْرو بن بحر الجاحظ إلى بعض إِخوانه في ذمِّ الزمان‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم حَفِظك الله حفْظ مَن وَفّقه للقَناعة واستَعمله في الطاعة‏.‏

كتبتُ إليك وحالي حالُ من كَثُفت غمومه وأشْكلت عليه أموره واشتَبه عليه حالُ دهره ومَخْرج أمْره وقَلَّ عنده من يَثِق بوَفائه أو يَحمد مَغبة إخائه لاستحالة زمانِنا وفَساد أيّامنا ودَوْلة أنذالِنا‏.‏

وقِدْماً كان يقال مَن قَدَم الحياءَ على نَفْسه وحكَّم الصِّدْق في قوله وآثر الحقً في أموره ونَبَذ المُشتبِهات عليه من شئونه تَمٌتْ له السلامة وفاز بوُفورِ حظّ العافية‏.‏

وحَمِد مَغبة مكْروه العاقِبة فنَظرنا إذ حال عِنْدنا حُكْمُه وتحوّلت دولتُه فَوَجَدْنا الحياء متَّصلاً بالحِرْمان والصِّدْق آفةً علِى المال والقَصْدَ في الطّلَب برك استعمال القِحة وإخْلاقِ العِرض في طريق التوكّل دليلاَ على سَخافة الرأي إذا صارت الخُطوة السابقة والنًعمة السابغة في لُؤم النِّيَّة وتناولُ الرِّزق من جهة محاشاة الوفاء ومُلابسة مَعرّة العار‏.‏

ثم نَظَرنا في تعقّب المُتعقّب لقولنا والكاسِر لحُجّتنا فأقَمنا له عًلَماً واضِحا وشاهِداً قائماً ومنارًا بيِّناً إذ وَجَدْنا مَن فيه السُّفوليةَ الواضحة والمَثالب الفاضحة والكَذِب المُبرِّح والخُلْفَ المُصَرّح والجَهالة المُفْرطة والرِّكاكة المُسْتَخِفّة وضَعْف اليقين والاستيثاب وسرْعة الغَضب والخِفّة قد استُكْمل سروره واعتدلت أمورُه وفاز بالسِّهْم الأغْلب والحظّ الأوْفر والقَدْر الرَّفيع وَالجَواب الطّائع والأمر النافِذ إن زلّ قيل حَكُم وإنْ أخطأَ قيل أصاب وإن هَذَى في كَلامه وهو يَقْظان قيل رُؤْيا صادِقة في سِنَة مُباركة فهذه حُجّتنا ‏"‏ أبقاك اللّه ‏"‏ على مَن زَعم أنّ الجهْل يَخْفِضُ وأن الحُمق يَضَع وأنّ النَّوْك يُرْدي وأن الكَذِب يَضُر وأنّ الخُلفَ يُزْرِي‏.‏

ثم نَظَرْنا في الوَفاء والأمانة والنُّبْل والبَراعة وحُسْن المَذْهب وكماله المُروءَة وسَعة الصَّدْر وقلّة الغَضب وكَرِم الطبيعة والفائق في سَعة عِلْمه والحاكم على نَفْسه والغالِب لِهَواه فَوَجدنا فُلان بن فلان ثم وَجدنا الزَّمان لم يًنْصفه من حقّه ولا قامَ له بوَظائف فرْضه‏.‏

وَوَجَدْنا فضائلَه القائمة له قاعدهً به‏.‏

فهذا دليلٌ على أنّ الطًلاح أجدَى من الصَّلاح وأنّ الفَضْل قد مَضى زمانُه وعَفَت آثارُه وصارت الدائرة عليه كما كانت الدائرة على ضدّه وَوَجدْنا العَقْلَ يَشْقى به قرينُه كما أن الجَهْل والحمْق يَحْظَى به خَدِينُه‏.‏

وَوَجدْنا الشعرَ ناطقاً على الزَّمان ومُعْرباً عن تَحَامَقْ مع الحَمْقَى إِذا ما لَقيتَهمِ ولاقِهمُ بالجَهْل فعْلَ أخِي الجَهْل وخَلِّط إذا لاقَتْ يوماً مُخَلِّطا يُخَلِّط في قَوْلٍ صَحيح وفي هَزْل فإنِّي رأيتُ المَرْء يَشْقَى بعَقْلِه كما كان قبلَ اليوم يَسْعد بالعَقْل فبقيتُ أبقاك الله مثلَ مَن أصبح على أَوْفاز ومن النُّقلة على جهَاز لا تَسوغ له نِعْمة ولا يُطعم عَيْنيه غَمْضة في أهاويل يُباكره مكْرُوهها وتُراوحه عقابيلُها فلو أنّ الدُّعاءَ أجيب والتَضرًع سُمع لكانت الهَدّة العُظمى والرَّجفة الكبرى فليتَ الذي يا أخي ما أَستَبْطئه من النّفْخة ومن فَجْأَة الصَّيحة قُضي فحان وأذن به فكان فواللهّ ما عُذبت أُمةٌ برَجفة ولا ريح ولا سَخْطة عذابَ عَينيّ برُؤْية المُغايظة المُضْنية والأخبار المُهلكة كأنّ الزَّمان توكَّل بعَذَابي أو انتصب لإيلامي فما عَيْشُ مَن لا يُسَر بأخ شقيق ‏"‏ ولا خِدْن شفيق ‏"‏ ولا يَصْطبح في أوَّل نهارِه إلا برُؤية من تُكْره ‏"‏ رؤيتُه ‏"‏ ونَغمة من تَغُمه طَلْعته فبدَّل الله ‏"‏ لي أي أخي بالمسكن مَسكنا وبالرَّبع رَبْعا فقد طالت الغُمة وواطنت الكُرْبة ادلهمتْ الظُّلمة وخَمد السِّراج وتَباطأ الانفِراج‏.‏

‏"‏ والسلام ‏"‏‏.‏

  فساد الإخوان

قال أبو الدَّرداء‏:‏ كان الناس وَرَقاً لا شَوْك فيه فصاروا شَوْكاً لا وَرَق فيه‏.‏

وقيل لعُرْوة بن الزُّبير‏:‏ ألا تَنْتقل إلى المدينة قال‏:‏ ما بَقِى بالمدينة إلا حاسدٌ على نِعْمة أو شامت بمُصِيبة‏.‏

الخُشني قال أنشدني الرِّياشيّ‏:‏ إذا ذَهَب التكرُّم والوَفاء وباد رِجالُه وبَقِي الغُثَاءُ وأَسْلَمني الزَّمانُ إلى رِجالٍ كأمْثال الذِّئاب لها عُواء صَديق كلَّما استَغْنيت عنهم وأَعْداء إذا جَهَدَ البَلاء إذا ما جئتهم يَتدافَعوني كأنِّي أجربٌ آذاه داء أقولُ - ولا ألاَم على مَقال - على الإخوان كُلِّهم العَفاء وقالت الحًكماء‏:‏ لا شيءَ أضيع من مَوَدَةِ من لا وَفاء له‏:‏ واصطناع مَن لا شكر عِنده والكريمُ يَوَدُّ الكريم عن لُقْية واحدة واللّئيم لا يَصِل أحداً إلا عن رَغْبة أو رَهْبة‏.‏

وفي كتاب لِلْهند‏:‏ إنّ الرَّجل السًوْء لا يَتَغَيّر عن طبْعه كما أنَّ الشَّجرة المُرَّة لو طَلَيْتها بالعَسل لم وسَمِع رجلٌ أبا العتاهية يُنْشد‏:‏ فارْم بطَرْفك حيث شئ تَ فلا ترى إلا بَخيلاَ ‏"‏ فقال له‏:‏ بَخلت الناس كًلَّهم قال‏:‏ فأَكذبني بسَخِيّ واحد ‏"‏‏.‏

وقال أيضا في هذا المعنى‏:‏ للّه درُّ أَبيك أيّ زَمان أصبحتُ فيه وأيّ أهل زَمانِ كلّ يُوازنك المَودة جاهداً يُعْطِي ويأخُذ منك بالميزان فإذا رأى رُجْحانَ حَبَّة خَرْدلٍ مالتْ مَودَّتُه مع الرًّجحان وقال فيه أيضاً‏:‏ أَرَى قوماً وُجُوهُهمُ حِسانٌ إذا كانت حَوائجُهم إلينَا وإن كانت حَوائجُنا إِليهم يُقبح حُسْن أوجههم عَلَينا فإن مَنع الأشحّةُ ما لَدَيهم فإنّا سوف نَمْنح ما لَدَينا وقال‏:‏ مَوالينا إذا احتاجوا إلينا وليسَ لنا إذا احتجنا موالى للبَكريّ‏:‏ كان في سِرِّي وجَهْري ثِقَتي لستُ عنه في مُهِمّ أحترس ستر البغض بألفاظ الهوى وادَّعىٍ الوُدَّ بغِش ودَلَس إنْ رآني قال لي خَيراً وإنْ غبت عنه الود بغش ودلس ثم لمّا أمكَنَتهُ فًرْصةٌ حَمَل السيفَ على مَجْرَى النّفس وأرادَ الرُوح لكنْ خانَهُ قَدَرٌ أيقَظَ مَن كانَ نَعَس وأنشد العُتبي‏:‏ إِذا كنتَ تَغْضب من غير ذَنْب وتَعْتِب من غَير جُرْم عَلَيّا طَلبتُ رِضاكَ فإن عَزَّني عَدْدتُكَ مَيْتاً وإن كنتً حَيّا فلا تعجبنّ بمَا في يَدَيْكا فأكثْر منه الذي في يَدَيّا وقال ابن أبي حازم‏:‏ وصاحب كانَ لي وكنتُ لهُ أشفقَ من والدٍ عَلَى وَلَدِ كُنّا كَسَاقٍ تَسْعى بها قَدَمٌ أو كَذِراعٍ نيطت إلى عَضد حتى إذا دَبَّت الحوادثُ في عَظْمِي وحًل الزّمانُ من عقَدي وخِلٍّ كان يَخْفِض لي جَناحًا أعادَ غِنًى فنابذَني جماحَا فقلتُ لهُ وَلِي نَفْس عَزُوف إذَا حَمُيت تَقحَمت الرًّماحا سأبدِل بالمَطامع فيك يأسًا وباليَأْس آستَراح من استراحا وقال عبد الله بن مُعاوية بن ‏"‏ عبد الله بن ‏"‏ جعفر‏:‏ وأنتَ أخي ما لم تكن ليَ حاجةٌ فإِنْ عَرَضت أيقنتُ أنْ لا أخا لِيَا فلا زاد ما بَيْني وبَيْنك بعدَ ما بَلَوْتُكَ في الحاجاتِ إلا تمَادِيا كِلاَنَا غنيٌّ عن أَخِيه حياتَه ونحنُ إذا مِتْنا أشدُّ تَغانِيا وعينُ الرِّضَا عن كلِّ عَيْبٍ كليلةٌ كما أنّ عينَ السُّخط تُبدِي المَساوِيا وقال البُحتريّ‏:‏ أشرِّق أم أغَرِّبً يا سعيدُ وأَنْقُص من ذِمامِي أو أزِيدُ عَدَتني عن نَصِيبين العَوادِي فبَخْتى أبلهٌ فيها بَلِيدُ وخَلَّفني الزّمانُ على رِجالٍ وجُوههمُ وأيديهمْ حَدِيد لهم حُلَل فهُنَّ بِيضٌ وأخلاقٌ سَمُجن فهُنَّ سُود وقالُوا لو مَدحت فَتًى كَرِيماً فقلتُ وكيفَ لي بفتًى كَريم بُلِيتُ ومَرَّ بي خَمْسون حَولاً وحَسْبُك باْلمُجَرِّب من عَلِيم فلا أَحدٌ يُعَدُّ ليومِ خيْرٍ ولا أحدٌ يَعود علَى عَدِيم وقال‏:‏ قد بلوتُ النّاسَ طُرَّا لم أحِدْ في الناس حرا صار حُلْوُ الناس في العَي ن إذا ما ذيق مُرا وقال‏:‏ مَن سَلاَ عنِّيَ أَطْلَق تُ حِبالِي من حِبالهْ أَو أَجَدّ الوَصل سارَع ت بجَهْدِي في وصاله إنَّما أَحْذو على فع ل صَدِيقي بمثَاله غيرَ مُستجْدٍ إِذا ازوَر ر كأني مِن عِيَاله لَنْ تراني أبداً أع ظِم ذا مالٍ لماله لا ولا أَزْرَى بمَنْ يع قِل عندي سُوءُ حاله ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ أبا صالحٍِ جاءت على الناس غَفْلةٌ على غَفْلَةٍ بانت بكلِّ كَرِيم فَليتَ الآلي باتُوا يُفادون بالألى أقاموا فَيُفْدَى ظاعنٌ بمقيم وياليتَها الكُبْرَى فتُطْوى سماؤنا لها وتُمَدّ الأرضُ مَدَّ أَديم فما الموتُ إلا عَيْش كلِّ مُبَخَّل وما العَيْش إلا موت كل ذَميم وأعذَرُ ما أدمى الجُفونَ من البُكا كَريمٌ رَأى الدًّنيا بكَفّ لَئيم ومثلُه في هذا المعنى‏:‏ أبا صالحٍ أينَ الكِرامُ بأَسْرِهم أفِدْني كريماً فالكريمُ رِضَاءُ أحقًّا يقول الناسُ في جود حاتمٍ وابن سِنان كان فيه سَخاء عَذِيريَ مِن خَلْق تَخَلَّق منهم غَباءٌ ولُؤْم فاضحٌ وجَفاء حِجارةُ بُخْلٍ ما تَجُود ورُبَّما تَفجَّر من صُمِّ الحجارة ماء ولو أنّ موسى جاَء يَضْربُ بالعَصا لما انبجَسَت من ضَرْبه البُخلاء بَقاءُ لِئام الناس مَوْتٌ عليهمُ كما أنّ موتَ الأكْرمين بَقاء ساقٌ تَرنّح يَشْدُو فوقَهُ ساقُ كأنّه لِحَنِين الصَّوْتِ مُشْتاقُ يا ضَيْعَةَ الشِّعر في بُلْهٍ جَرامقةٍ تَشابهت منهُمُ في اللُّؤْم أخلاق ‏"‏ غُلَّت باَّعناقِهم أَيدٍ مُقَفَّعَةٌ لا بُوركت منهُمُ أَيدٍ وأعنَاق كأنما بينهم في مَنْع سائلهم وحَبْس نائلهم عَهْد ومِيثاقُ كم سُقْتهم بأَماديحي وقُدْتهم نحو المَعالي فما انقادوا ولا انساقوا وإن نَبا بيَ في ساحاتهم وَطنٌ فالأرض واسعة والناس أَفراق ما كنتُ أوّلَ ظمآن بمَهمهة يَغرُّه من سراب القَفْر رَقراق رِزْقٌ من الله أرضاهم وأسخطَني اللّهُ للأنْوك المَعْتوه رَزَّاق يا قابضَ الكف لا زالت مُقبَّضة فما أناملُها للناس أرزاق وغِبْ إذا شِئت حتى لا تُرى أبداً فما لفقدك في الأحشاء إقلاق ولا إليك سبيلُ الجود شارعةٌ ولا عليكَ لنور المجد إشراق لم يَكتنفني رَجاء لا ولا أمل إلا تكنّفه ذُلّ وإملاق يَتحامَوْن لِقائي مثلَ ما يَتحامَوْن لِقاءَ الأسد طَلْعتي أثقلُ في أعينهم وعلى أنفسهم من أحُد لو رأوني وَسْط بحْرٍ لم يكن أحَدٌ يأخذ منهم بيَدىِ ‏"‏

  باب في الكبر

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يقول الله تبارك وتعالى‏:‏ العَظمة إزاري والكِبْرياء ردائي فمن نازعني واحداً منهما قصمتُه وأهنته‏.‏

وقال عليه السلام‏:‏ لا يدخل حَضْرة القدس مُتكبِّر‏.‏

وقال‏:‏ فَضل الإزار في النار‏.‏

معناه‏:‏ من سَحب ذيلَه في الخُيلاء قاده ذلك إلى النار‏.‏

و ‏"‏ نَظر الحسنُ إلى عبد الله بن الأهْتم يَخْطِر في المَسْجِد فقال‏:‏ انظروا إلى هذا ليس منه عضو إلا وللّه عليه نِعْمة وللشيطان في لَعْنة‏.‏

وقال سَعد بن أبي وَقّاص لابنه‏:‏ يا بُني‏:‏ إيّاك والكِبرَ ولْيكُنْ فيما تَسْتَعِين به على تَرْكه‏:‏ عِلْمُك بالذي منه كنتَ والذي إليه تَصِير وكيف الكِبْر مع النُّطْفة التي منها خُلِقتَ والرحِم التي منها قُذِفْت والغِذَاء الذي به غُذِيت‏.‏

وقال يحيى بن حَيّان‏:‏ الشريفُ إذا تَقَوى تواضَع والوَضيع إذا تقوَّى تَكَبَّر‏.‏

وقال بعضُ الحُكماء‏:‏ كيف يَسْتقِرّ الكِبر فيمن خُلِق من ترَاب وطُوِي على القَذَر وجَرى مجرى البول‏.‏

وذكر الحسنُ المُتكبرين فقال‏:‏ يُلْفي أحدُهم ينص ‏"‏ رَقَبَته ‏"‏ نصّا ينفَض مذرويه ويَضرب أصْدَريه يَمْلُخ في الباطل مَلْخا يقول‏:‏ ها أناذا فاعرفُوني قد عَرَفناك يا أَحمق مَقتك الله ومَقتك الصالحون‏.‏

ووَقف عُيينة بن حِصْن بباب عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه فقال‏:‏ استأذِنُوا لي على أمير المؤمنين وقولُوا له‏:‏ هذا ابن الأخيار بالباب‏.‏

فأذِن له فلما دَخل عليه قال له‏:‏ أنتَ ابن الأخْيار قال نعم قال له‏:‏ بل أنتَ ابن الأَشْرار وأما ابن الأخيار فهو يُوسف بن يَعْقوب بن إسحاق بن إبراهيم‏.‏

وقيل لعبيد اللهّ بن ظَبْيان‏:‏ كثر الله في العَشِيرة أمثالك فقال‏:‏ لقد سألتم الله شَططا‏.‏

وقيل لرجُل من بني عبد الدَّار عَظِيم الكِبْر‏:‏ ألا تَأْتي الخَلِيفة قال‏:‏ أخشى أَلا يَحمل الجسْرُ شرفي‏.‏

وقَيل له‏:‏ ألا تَلبَس فإنَّ البَردَ شدِيد قال‏:‏ حَسَبي يُدْفئني‏.‏

قيل للحجاجِ‏:‏ كيف وجدت منزلَك بالعِرَاق أيها الأمِير قال‏:‏ خَير مَنزِل لو أدركتُ بها أربعةَ نفر فَتقرَّبت إلى الله سُبحانه وتعالى بدمائهم قيل له‏:‏ ومَن هم قال‏:‏ مُقاتل بن مِسْمع وَلِي سِجِسْتان فأتاه الناسُ فأعْطاهم الأموال فلما قَدِم البصرة بسط له الناسُ أرديتهم فمشى عليها فقال‏:‏ لمثْل هذا فليعمل العامِلُون‏.‏

وعبيد اللهّ بن ظَبيان خطَب خُطْبة أَوْجَز فيها فناداه الناسُ من أَعْراض المَسْجد‏.‏

كثَّر الله فينا أمثالك قال‏:‏ لقد كلَّفتم ربكم شططا‏.‏

ومَعْبد بن زُرارة كان ذات يومٍ جالساً على طريق فمرَّت به امرأةٌ فقالت‏:‏ يا عبد الله أين الطَّريق لِمَكان كذا فقالَ لمِثْلي يُقال يا عبد الله‏!‏ وَيلك‏!‏ وأبو السَّمّال الحَنَفِيّ أضلَّ ناقَته فقال‏:‏ واللهّ لئن لم تُرَدَّ عليَّ ناقتي لا صلّيتُ أبداً‏.‏

وقال ناقلُ الحديث‏:‏ ونَسيِ الحجَّاج نفسَه وهو خامسُ هؤلاء الأربعة بل هو أشدُّهم كُفْراً وأعْظَمهم إلحاداَ حين كتب إلى عبد الملك بن مروان في عَطْسة عَطسها فَشَمَّته أصحابُه ورَدَ عليهم‏:‏ بَلغني ما كان من عُطاس أمير المؤمنين وتشْميت أصحابه له وردّه عليهم فيا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزاً عظيما‏.‏

وكتابُه إليه‏:‏ إنّ خَليفة الرَّجل في أهلِه أكرمُ عليه من رَسوله إليهم وكذلك الخُلفاء يا أميرَ المؤمنين أعلَى منزِلةً من المُرسلين‏.‏

العُتْبيّ قال‏:‏ رأيتُ مُحْرِزاَ مولَى باهلة يَطوف على بَغْلة بين الصَّفا والمَرْوة ثم رأيتُه بعد ذلك على جِسْر بَغْداد راجلاً فقلتُ له‏:‏ أراجلٌ أنتَ في مِثْل هذا المَوْضع قال‏:‏ نعم إنّي ركبتُ في مَوْضع يمْشي الناسُ فيه فكان حقيقاً على الله أن يُرَجِّلني في مَوْضع يَرْكب الناس فيه‏.‏

وقال بعضُ الحكماء ‏"‏ لابنه‏:‏ يا بُني عليك بالترحيب والبشر وإياك والتقطيبَ والكبر فأنَ الأحرار أحبُّ إليهم أن يًلْقَوْا بما يُحبون ويُحرَموا مِن أن يُلْقَوْا بما يكرهون ويًعْطَوْا‏.‏

فانظر إلى خَصْلة غَطّت على مِثْل اللؤم فالزمها وانظر إلى خَصلة عَفَّت على مثل الكرة فاجتنبها‏.‏

ألم تسمع قول حاتم الطائي‏:‏ أضاحِك ضيفي قبل إنزال رَحْله ويُخصب عندي المَحَلُّ جديبُ وما الخِصب للأضياف أن يَكْثُرَ القِرَى ولكنما وجهُ الكريم خَصيب وقال محمود الوراق‏:‏ التِّيه مَفسدة للدِّين منقصة للعَقل لمجلبة للذمّ والسخَطِ مَنْع العطاء وبَسْط الوجه أحسنُ من بَذْل العطاء بوَجْه غير منبسط وقال أيضاً‏:‏ بِشْرُ البخيلِ يكاد يصْلِح بُخلَه والتِّيهُ مَفْسدة لكلِّ جوادِ ونقيصة تبْقى على أيامه ومَسبَّة في الأهل والأولاد وقال آخر في الكِبر‏:‏ مع الأرض يا بنَ الأرض في الطَيران أَتأْمُل أن تَرْقَى إلى الدَبَرَانِ حَمَاهُ مكانُ البُعد مِن أَن تَناله بسَهْم من البَلْوى يدُ الحَدثان التسامح مع النعمة والتذلل مع المصيبة قالوا‏:‏ من عَزّ بإقبال الدَّهر ذَلّ بإِدْباره‏.‏

وقالوا‏:‏ مَن أَبْطره الغِنَى أذلّه الفقر‏.‏

وقالوا‏:‏ مَن وَليَ وِلاية يَرى نفْسَه أكبر منها لم يتغيَّر لها ومَن وَليَ ولايةً يراها أكبر من نفسه تغير لها‏.‏

وقال يحيى بن حَيّان‏:‏ الشرَّيف إذا تقوَّى تواضع والوضيعُ إذا تقوَّى تكبَّر‏.‏

وقال كِسرى‏:‏ احذَرُوا صَوْلة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شَبع‏.‏

وكتب عليًّ بن الجَهْم إلى ابن الزيّات‏:‏ أبا جعفر عرج على خُلطائكَا وأَقصِر قليلاً من مَدى غُلوائكَا فإن كنتَ قد أُوتيت في اليوم رِفْعةً فإنّ رَجائي في غَدٍ كرجائكا وقال عبد العزيز بن زُرارة الكلابيّ‏:‏ إذا نال لم يَفْرَح وليس لنَكبة أَلمَت به بالخاشع المُتَضائل وقال الحسنُ بن هانئ‏:‏ لقد حَزِنْتُ فلَم أَمُتْ تَرَحا ولقد فَرِحْتُ فلم أمُت فَرَحا كتب عقِيلُ بن أبي طالب إلى أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلامُ يسأله عن حاله فكتب إليه عليٌّ رضي الله عنه‏:‏ فإنْ تَسألِينيّ كيفَ أنتَ فإنني جَليِدٌ على عَض الزَّمان صَلِيبُ عَزِيزٌ عليًّ أنْ تُرى بي كآبةٌ فيفرح واشٍ أو يُسَاء حَبِيب ما جاء في ذم الحمق والجهل قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الجاهلُ يظلم مَن خالطه ويعتدي على مَن هو دونه ويتَطاول على مَن هو فَوْقه ويتَكلّم بغير تَمييز وإن رَأَى كريمةً أعرض عنها وإن عَرَضت فتْنة أرْدَتْه وتهوَّر فيها‏.‏

وقال أبو الدَّرداء‏:‏ عَلامة الجاهل ثلاث‏:‏ العُجُب وكَثرة المَنطق وأن يَنْهَى عن شيء ويأتيه‏.‏

وقال أرْدشير‏:‏ حَسْبُكم دَلالة على عَيْب الجهل أنَّ كل الناس تَنفر منه وتَغضب من أن تُنسب وكان يُقال‏:‏ لا تَغْرُرْك من الجاهل قَرابة ولا أُخوَة ولا إِلْف فإنّ أحقَّ الناس بتَحريق النَّار أقربُهم منها‏.‏

وقيل‏:‏ خَصْلتان تقَرِّبانك من الأحمق كثرةُ الالتفات وسرعة الجواب‏.‏

وقيل‏:‏ لا تَصْطحب الجاهِلَ فإنّه يُريد أن يَنْفعك فيضُرّك‏.‏

ولبعضهم‏:‏ لكلِّ دَاءٍ دواءٌ يستطب به إلا الحماقةَ أَعْيَتْ مَن يُدَاويها ولأبى العتاهية‏:‏ احْذَرِ الأحمقَ أن تَصْحَبَه إنما الأحمقُ كالثَّوب الخَلَقْ كلَّما رَقَّعْتَه مِن جانبٍ زَعْزَعتْه الريحُ يوماَ فَانخرق أو كصدع في زُجاج فاحشٍ هل تَرَى صَدْع زُجاجٍ يَلْتصق فإذا عاتبتَه كي يَرْعَوِي زادَ شرًّا وتمادى في الحُمق

  باب في التواضع

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَن تَوَاضَع للّه رَفعه الله‏.‏

وقال عبدُ الملك بن مَرْوان رَفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفضَل الرجال مَن تَوَاضع عن رِفْعة وزَهِد عن قُدْرة وأنصف عن قوة‏.‏

وقال ابن السماك لعيسى بن موسى‏:‏ تواضُعك في شَرَفك أكبرُ من شرَفك‏.‏

وأصبح النّجاشيّ يوماً جالساً على الأرض والتّاجُ عليه فأعظمت بَطارقتُه ذلك وسألُوه عن السَّبب الذي أوْجبه فقال‏:‏ إني وَجدت فيما أنزل الله على المَسِيح‏:‏ إذا أنعَمْتُ عَلَى عَبْدِي نِعمةً فَتَواضَع أتمَمتُها عليه وإنه وُلد لي هذه الليلةَ غلامٌ فتواضعتُ شكراً للّه‏.‏

خرج عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه ويدُه على المُعلَّى بن الجارود العَبْديِّ فَلقيَتْه امرأةٌ من قُرَيش فقالت له‏:‏ يا عُمر فَوَقف لها فقالت‏:‏ كنَا نَعْرفك مُدةً عُميراً ثم صِرْت من بعد عُمير عُمر ثم صِرْت من بعد عُمر أميرَ المؤمنين فاتق اللهّ يا بن الخطّاب وانظُر في أمور الناس فإنه مَن خاف الوَعيد قَرُبَ عليه البَعيد ومَن خاف الموتَ خَشيَ الفَوْت‏.‏

فقال المُعلّى‏:‏ إيهاً يا أمةَ الله فقد أبكيتِ أميرَ المؤمنين‏.‏

فقال له عُمر‏:‏ اسكت أتَدْري مَن هذه ‏"‏ ويحك ‏"‏ هذه خَوْلة بنت حَكيم التي سمع الله قولَها من سمائه فعُمَر أحرى أن يَسمع قولَها ويَقْتدي به‏.‏

وقال أبو عَبّاد ‏"‏ الكاتب ‏"‏‏:‏ ما جَلس إليَّ رجل قَطَ إلا خيِّل إليَ أنّي سأجلس إليه‏.‏

وسُئل الحسنُ عن التواضع فقال‏:‏ هو أن تخرج من بَيْتك فلا تلْقى أحداً إلا رأيتَ له الفضلَ وقال رجل لبَكر بن عبد الله‏:‏ عَلِّمني التواضع فقال‏:‏ إذا رأيتَ مَن هو أكبَرُ منك فقُل‏:‏ سَبَقني إلى الِإسلام والعَمل الصالح فهو خير مني وإذا رأيت ‏"‏ من هو ‏"‏ أصغرُ منك فقُل‏:‏ سبقتُه إلى الذُّنوب والعمل السيئ فأنا شرٌّ منه‏.‏

وقال أبو العتاهية‏:‏ يا مَن تشرًّف بالدُّنيا وزينتها ليسَ التشرُّف رَفْعَ الطّين بالطيّن إذا أردتَ شريفَ الناس كلِّهِمُ فانظُرْ إلى مَلِك في زِيِّ مِسْكينَ ‏"‏ ذاك الذي عَظُمت في الناس هِمَّته وذاكَ يَصْلح للدُّنيا وللدِّين ‏"‏ الرفق والأناة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَن أًوتِيَ حظَّه من الرِّفق فقد أوتي حظَّه من خَيْر الدُنيا والآخرة‏.‏

وقالت الحُكماء‏:‏ يُدْرَك بالرِّفق ما لا يُدْرَك بالعًنْف ألاَ تَرى أنّ الماء على لِينه يَقْطع الْحَجَر على شِدَته وقال أشجعُ ‏"‏ بن عمرو ‏"‏ السُّلَميّ لجعفر بنِ يحيى بنِ خالد‏:‏ وقال النابغة‏:‏ الرِّفْقُ يُمْن والأَناةُ سعادةٌ فاْسْتَأْنِ في رِفْق تُلاَق نَجَاحَا وقالوا‏:‏ العَجل بَرِيدُ الزَّلل‏.‏

أخذ القَطامىِ التَّغلبِيّ هذا المعنى فقال‏:‏ قد يُدْرِك المُتَأنِّي بعض حاجتِه وقد يكونُ معَ المُستَعْجل الزَّللُ وقال عَدِيُّ بن زَيد‏:‏ قد يُدْرِكُ المُبْطِىءُ مِن حظّه والْحَين قد يَسْبقُ جُهْدَ الحَرِيصْ استراحة الرجل بمكنون سره إلى صديقة تقول العرب‏:‏ أَفْضَيْتُ إليك بشُقوري‏.‏

وأَطلَعْتُك على عًجَري وبُجَري‏.‏

لوكان في جَسدي بَرص ما كَتَمتُه‏.‏

وقال اللهّ تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرّ ‏"‏‏.‏

وقالت الحكماء‏:‏ لكلّ سِرّ مُستودع‏.‏

وقالوا‏:‏ مكاتمة الأدْنين صرَيحُ العُقوق‏.‏

وأبثثتُ عَمراً بعضَ ما في جَوَانحي وجَرَّعتُه من مُرّ ما أتجرع ‏"‏ ولا بدَّ من شَكْوى إلى ذي حَفِيظةٍ إِذَا جَعلتْ أسرارُ نفس تَطَلَّع ‏"‏ وقال حبيب‏:‏ شكوت وما الشَّكْوَى لِمِثْليَ عادةٌ ولكنْ تَفِيضُ النفسُ عند امتلائها وأنشد أبو الحسن محمد الَبَصَريَّ‏:‏ لَعِبَ الهَوَى بمَعالمي ورُسومي ودُفِنْتُ حيًّا تحت رَدْم هُمُومِي وشكوتُ هَمِّي حين ضِقْتُ ومَن شكا هَمًّا يضِيقُ به فغير ملوم وقال آخر‏:‏ إِذا لم أطِق صَبراً رَجعتُ إلى الشكوى وناديتُ تحت اللًيل يا سامع النَّجْوَى وأَمطَرْت صَحْن الخَدِّ غيثاً من البُكا على كَبِد حَرَّى لِتَرْوَى فما تَرْوَى الاستدلال باللحظ على الضمير قالت الحكماء‏:‏ العينُ باب القَلْب فما كان في القلب ظهَر في العين‏.‏

أبو حاتم عن الأصمعي عن يونس بن مُصْعب عن عثمان بن إبراهيم بن محمد قال‏:‏ إني لأَعرف في العين إِذَا عَرفتْ وأَعرِف فيها إذا أنكرتْ وأعرف فيها إذا لم تَعرف ولم تُنكر أما إذا عرفت فتخواصّ وأما إذا أَنكرت فتَجْحظ وأما إذا لم تَعرف ولم تُنْكر فتَسْجُو‏.‏

وقال صريعُ الغَواني‏:‏ جَلنا عَلامات اْلمَوَدَّة بَيْننا مَصايِدَ لَحْظٍ هنَ أَخفي من السِّحْرِ فأعرفُ فيها الوَصْلَ في لِينِ طَرْفِها وأعرِف فيها الهَجْر في النَظر الشزْر وقال محمودٌ الورّاق‏:‏ إنّ العُيون على القُلوب شَوِاهدٌ فبغيضُها لكَ بَينٌّ وحبِيبُها وإذا تَلاحظت العُيون تَفاوضت وتحدثت عما تجن قلوبها يَنْطِقْنَ والأفْواهُ صامِتةٌ فما يَخْفي عليك بَريئُهَا ومُريبها وقال ابن أبي حازم‏:‏ خذْ مِن العَيْش ما كَفي ومِن الدَّهر ما صَفا عين من لا يُحب وَصْلك تُبْدِي لكَ آلْجَفَا ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ صاحب في الحب مَكْذُوبُ دَمْعة للشَّوق مَسْكوب وقال الحسنُ بن هانئ‏:‏ وإِنّي لِطَيْر العيَنْ بالعَينْ زاجِر فقد كِدْتُ لا يَخْفي عَلَيَّ ضَمِيرُ الاستدلال بالضمير على الضمير كتب حَكيمٌ إلى حَكيمٍ‏:‏ إذا أردتَ معرفةً مالَك عنِدي فضَع يَدَك على صدْرك فكما تَجدُني كذلك أجدُك‏.‏

وقالوا‏:‏ إيَّاكم ومَن تُبغضه قلوبُكم فإنَ القُلوب تُجَازي القلوبَ‏.‏

وقال ذو الإصْبع‏:‏ لا أسألُ الناسَ عمّا في ضَمائرهم ما في ضمِيري لهم مِن ذاك يَكْفِينى وقال محمود الورّاق‏:‏ لا تسألنَّ المَرْء عمًا عنِده واستَمْل ما في قَلبه من قَلْبكَا إنْ كان بُغْضاً كان عندك مِثْلُه أو كان حُبَا فاز منك بحًبِّكا الإصابة بالظن قيل لعمرو بن العاص‏:‏ ما العَقْل قال الإصابة بالظَّن ومَعْرفة ما يكون بما قد كان‏.‏

وقال عليٌ بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ للهّ دَرُّ عباس إن كان لينظر إلى الغَيْب من سِترْ رَقيق‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ وقَلّما يَفْجأ المَكْرُوهُ صاحبَه حتى يَرى لوجوه الشَّرّ أسْبَاباً وإنّما رَكَّب الله العقلَ في الإنسان دون سائر الحَيوان ليستدلَ بالظاهر على الباطن ويَفْهم الكثيرَ بالقليل‏.‏

ومن قوِلنا في هذا المعنى‏:‏ يا غافلا ما يَرى إلا مَحاسِنَه ولو دَرَى ما رأى إلا مَساويهِ انظُر إلى باطنِ الدًّنيا فظاهِرُها كلُّ البهائم يَجْري طَرْفُها فيه تقديم القرابة وتفضيل المعارف قال الشَّيباني‏:‏ أَوَّل مَن آثر القَرابة والأولياء عثمانُ بن عفّان رضي الله عنه وقال‏:‏ كان عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه يمنع أقاربَه ابتغاءَ وجه اللهّ‏.‏

فلا يُرَى أفضل من عمر‏.‏

وقال لما آوَى طريدَ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما نَقِم الناسُ عَلَيَّ أن وصلتُ رحماً وقَرَّبت وقيل لمُعَاوية بن أبي سُفيان‏:‏ إنَّ آذِنَك يُقدِّم معارفَه وأصدقاءَه في الإذْن على أشرافِ الناس ووُجوههم فقال‏:‏ وَيْلكم‏!‏ إنَّ المَعْرفة لتَنْفع في الكلْب العَقور والجَمَل الصَّؤول فكيف في رَجُل حَسيب ذي كرم ودين‏.‏

وقال رجلٌ لزِياد‏:‏ أصلح اللهّ الأميرَ إنَ هذا يُدِلّ بمَكانةٍ يَدَّعيها منك قال‏:‏ نعم وأخبرك بما يَنْفعه من ذلك إنْ كان الحق له عليك أخذتُكَ به أخذاً شديداً وإن كان لك عليه قَضيته عنه‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ أقولُ لجاريِ إنْ أتاني مُخاصماً يُدِلُ بحقِّ أو يُدِلُّ بباطل إذا لم يَصِلْ خيْري وأنتَ مُجاورِي إليك فما شَرِّي إليك بواصِل العُتْبيّ قال‏:‏ وَلَي عبدً اللهّ بنُ خالد بن عبد الله القَسْرِي ‏"‏ قَضاء ‏"‏ البَصرة فكان يُحابى أهل مودَّتِه فقيلَ له‏:‏ أيّ رجلٍ أنت لولا أنك تُحَابي‏!‏ قال‏:‏ وما خَيْر الصَّديق إذا لم يَقْطع لصديقه قِطْعة من دينه‏.‏

ووَلِي ابن شُبرمة قَضَاء البَصرة وهو كاره فأحسن السِّيرة‏.‏

فلما عُزِلَ اجتمع إليه أهلُ خاصَّته ومَودَّته فقال لهم‏:‏ والله لقد وَليتُ هذه الوِلاية وأنا كارهٌ وعُزلت عنها وأنا كاره وما بي من ذلك إلا مخافَة أن يلي هذه الوُجوهَ من لا يَعرف حقّها‏.‏

ثم تمثَل بقول الشاعر‏:‏ بَلَى إنَّ أقواماً أخافُ عليهمُ إذا مِتُّ أن يُعطوا الذي كنتُ أمنع ‏"‏ وتقول العامَّة‏:‏ مَحَبَّة السلطان أردّ عليك من شُهودك ‏"‏ وقال الشاعر‏:‏ إذا كان الأمير عليك خَصما فَلَيس بقابلٍ منك الشّهودَا وقال زياد‏:‏ أحب الولايةَ لثلاث وأَكرهها لثلاث‏:‏ أحبها لِنَفْع الأوْلياء وضرَّ الأَعْداء واسترخاص الأشياء وأكرهها لِرَوْعة البريد وقُرْب العزْل وشَماتة العدوّ‏.‏

ويقول الحُكماء‏:‏ أَحقُّ مَن شاركك في النِّعمة شرُكاؤك في المُصِيبة‏.‏

أَخذه الشاعر فقال‏:‏ وإنَ أوْلى الموالي أن تُوَاسِيه عند السُّرُور لمن آساك في الحزَن إنّ الكِرام إذا ما أسْهلُوا ذَكَروا مَن كان يَألَفهم في المَنْزِل الخَشِن وقال حَبِيب‏:‏ قَبَح الإلهُ عداوةً لا تُتّقى ومَودَّةً يُدْلَى بها لا تَنْفَعُ فضل العشيرة قال عليّ بنُ أبي طالب رضي اللهّ عنه‏:‏ عشيرةُ الرجل خيرٌ للرجل من الرجل للعَشِيرة إن كَفَّ عنهم يداً واحدة كَفُّوا عنه أيدياً كثيرة مع مودَّتهم وحِفَاظهم ونُصْرتهم‏.‏

إنِّ الرجل لَيَغْضَب للرجل لا يَعْرفه إلا بِنسَبه وسأتْلُو عليكمِ في ذلك آياتٍ من كِتاب اللهّ ‏"‏ تعالى ‏"‏ قال اللهّ عزّ وجلّ فيما حكاه عن لُوط‏:‏ ‏"‏ لَوْ أنَّ لِي بِكُم قُوّة أَوْ آوِى إلى رُكْن شَدِيد ‏"‏‏!‏ يعني العشيرة ولم يكن للوط عَشيرة‏:‏ فوالذي نفسيِ بيده ما بعث الله نبيًّا من بعده إلا في ثَرْوَة من قومه ومَنعة من عَشِيرته ثم ذكر شُعيباَ إذ قال له قومُه‏:‏ ‏"‏ إنَّا لَنَرَاكَ فِينا ضعِيفاً ولَوْلا رَهطك لَرَجَمْناكَ ‏"‏ وكان مَكْفوفاً واللّه ما هابُوا ‏"‏ الله ولا هابوا ‏"‏ إلا عشيرتَه‏.‏

وقبل لِبُزُرْجمْهِر‏:‏ ما تقول في ابن العم قال‏:‏ هو عدوُّك وعدوُّ عدوّك‏.‏

الدَّين مِن حَدِيث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ الدَّيْنُ يَنْقُص ذا الحَسب‏.‏

وقال عمر ‏"‏ ألا إنّ ‏"‏ لأسَيْفع أُسَيْفِع جُهينة رَضي مِن دِينه وأمانته أن يُقال‏:‏ سَبق الحاج ألا وإنه قد أدان مُعرِضاَ وأصبح قدرِين به فمن كان له عِنْده شيء فلْيأْتنا بالغداة وقال مولَى قُضاعة‏:‏ فلو كنتُ مولىَ قَيْس غَيْلانَ لم تَجد علي لإنْسان من الناس دِرْهَما ولكنَّني مولَى قُضاعة كُلِّها فلستُ أبالي أن أدينَ وتَغرَما وقال آخر‏:‏ إذا ما قضيْتَ الدَّينَ بالدَين لم يكُن قَضاءَ ولكِن كان غًرْماً على غُرْم وقال سُفيان الثوريّ‏:‏ الدَّين هَمٌ باللًيل وذُلٌ بالنهار فإذا أراد الله أن يُذِلَ عَبداً جَعله قِلادة في عُنقه‏.‏

ورأى عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً مُتقنِّعاً فقال له‏:‏ كان لقمان الحكيم يِقول‏:‏ القِنَاع رِيبةٌ بالليل ذُلٌّ بالنهار فقال الرجلُ‏:‏ إنّ لُقمان الحكيم لم يكن عليه دين‏.‏

وقال المقنع الكِنْديّ‏:‏ يَعِيبونني بالدَين قَومي وإنما تَداينتُ في أشياء تُكْسِبهم حَمْدا إذا أكلوا لَحْمي وَفَرتُ لحومهم وإن هدَمُوا مَجْدِي بنيتُ لهم مَجْدَا وقالت الحكماء‏:‏ لَيس لكَذّاب مُرُوءة‏.‏

وقالوا‏:‏ مَن عُرف بالكَذِب لم يَجُزْ صِدْقه‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يجوز الكَذِب في جِدّ ولا هَزْل‏.‏

وقال‏:‏ لا يكون المؤمن كَذّاباً‏.‏

وقال عبد الله بن عُمر‏:‏ خُلْف الوَعْدِ ثُلُث النِّفاق‏.‏

وقال حبيب الطائيِّ في عَيّاش‏:‏ يا أكثر الناس وَعْداَ حَشْوُه خُلْفٌ وأكثر الناس قولاً حَشْوُه كَذِبُ ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ صَحِيفةٌ أفنيتْ ليتٌ بها وعسى عُنْوانها راحةُ الرِّاجي إذا يَئسَا وَعْدٌ له هاجسٌ في القَلْب قد بَرِمتْ أحشاءُ صَدْري به من طول ما آنحبسا مواعدٌ غَرَّني منها وَمِيضُ سَنَى حتى مَددْتُ أيها الكًفّ مقْتَبِسا فَصادفتْ حجَراً لو كنتَ تَضْرِبه مِن لُؤْمه بعَصَا مُوسى لما آنْبَجَسا كأنما صِيغ من بُخل ومن كَذِب فكان ذاكَ له رُوحا وذا نَفَسا والقول به اعلم أنّ السامع شريك القائل في الشَر‏.‏

قال الله ‏"‏ تعالى ‏"‏‏:‏ ‏"‏ سماعُونَ لِلْكَذِب ‏"‏‏.‏

وقال العُتبي‏:‏ حَدّثني أبي عن سَعد القصير قال‏:‏ نَظر إليَّ عمرو بن عُتبة ورجل يَشْتُم رجلاً بين يديّ فقال لي ويلك - وما قال لي ويلك قبْلها - نَزَه سَمْعك عن استماع الخَنا كما تُنزِّه لِسانَك عن الكلام به فإنّ السامعَ شريكُ القائل وإنه عَمد إلى شرِّ ما في وعائه فأفرغه في وِعائك ولو رُدَّت كلمة جاهل في فِيهِ لَسَعِدَ رادُّها كما شَقي قائُلها‏.‏