فصل: فصول إلى خليفة وأمير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  فصل

إنَ مودة الأشرار متصلةٌ بالذلّة والصَّغار تَميل معهما وتَتصرّف في آثارهما‏.‏

وقد كنتُ أحل مودتك بالمحل النَفيس وأنزلها بالمَنزل الرفيع حتى رأيتُ ذلتك عند الضِّعة

وضرَعك عند الحاجة وتغيّرك عند الاستغناء واطراحك لإخوان الصّفاء فكان ذلك أقوى

أسباب عُذْري في قطِيعتك عند مَن يتصفّح أمري وأمرك بعين عَدْل لا يَميل إلى هوى ولا يَرى

القَبيح حَسنا‏.‏

  فصل

للعتَّابي‏:‏ تأتيِّنا إفاقتك من سَكْرتك وترقًبنا انتباهك من وَقْدتك وصَبْرنا

على تجرّع الغيظ فيك‏.‏

فها أنا قد عرفتُك حق معرفتك في تَعدَيك لطَوْرك وأطراحك حقّ من

غَلِط في اختيارك‏.‏

 فصول في الأدب

كتب سعيدُ بن حُميد‏:‏ إنَ مِن أمارات الْحَزْم وصحة الرأي في الرجل تركَه التماس ما لا سبيلَ

إليه إذ كان ذلك داعيةً لعناء لا ثمرة له وشقاء لا دَرَك فيه وقد سمحت في أمرٍ تُخبرك أوائلُه

عن أواخره وُينبيك بَدْؤُه عن عواقبه لو كان لهذا الخبر الصادق مُستمِع حازم‏.‏

ورأيتُ رائدَ

الهوى مال بك إلى هذا الأمر ميلًا أيأس من رَغب فيك ودل عدوّك على مَعايبك وكشف له

عن مَقاتلك‏.‏

ولولا عِلْمي بأنّ غِلْظة الناصح تؤدي إلى نَفْع في اعتقاد صواب الرأي لكان غير

هذا القول أولى بك‏.‏

والله يوفَقك لما يحب وُيوفق لك ما تحب

وفصل‏:‏ أنت رجل لسانُك فوق عقلك وذكاؤك فوق عَزْمك فقدم على نَفْسك مَن قدمك

على نفسه‏.‏

وفصل‏:‏ من أخطأ في ظاهر دُنياه وفيما يُؤخذ بالعين كان أحرى أن يُخطىء في أمر دينه وفيما

يُؤخذ بالعَقْل‏.‏

وفصل‏:‏ قد حَسدك مَن لا ينام دون الشِّفاء وطَلبك من لا ينام دون الظَّفر فاشدُد حيازيمَك

وكُن على حَذر‏.‏

وفصل‏:‏ قد آن أن تدعَ ما تَسمع بما تعلم ولا يكن غيرُك فيما يُبلِّغه أوثقَ من نفسك فيما تَعرفه‏.‏

وفصل‏:‏ لستَ بحال يرضىَ بها حُرّ ولا يُقيم عليها كريم وليس يَرْضى لك

بهذا إلا مَن يَبتغي لك أن ترْضى به‏.‏

وفصل‏:‏ أنت طالب مُقيم وأنا دافع مُغرم فإن كنتَ شاكراً فيما مضى فاعذُر فيما بقى‏.‏

وفصل‏:‏ للعتابي أما بعد فإن قريبك من قَرُب منك خيرُه وابن عمّك من عَمّك نفعُه وعشيرَك

  فصول إلى عليل

ليست حالي - أكرمَك الله - في الاغتمام بعلتك حالَ المُشارِك فيها بأن ينالني نصيب منها

وأسلمُ مِن أكثرها بل اجتمع علي منها أني مخصوص بها دونك مُؤلَم منها بما يُؤلمك فأنا عليل

مَصْروف العِناية إلى عليل كأني سليم يسهر على سليم فأنا أسأل اللّه الذي جَعل عافِيتي في

عافيتك أن يخصني بها فيك فإنها شاملةٌ لي ولك‏.‏

وفصل‏:‏ إن الذي يعلم حاجتي إلى بقائك

قادر على المُدافعة عن حَوْبائك‏.‏

فلو قلتُ إن الحق قد سَقط عني في عِيادتك لأني عَليل بعلتك

لقام لي بذلك شاهدٌ عَدْل في ضميرك وأثر بادٍ في حالي لِعينك‏.‏

وأصدق الخَبر ما حقَقه الأثر

وأفضلُ القول ما كان عليه دليل مِن العقل‏.‏

وفصل‏:‏ لئن تخلَفتُ عنِ عيادتك بالعُذر الواضح مِن العفة لمَا أغْفَلَ قلبي ذِكْرَك ولا لساني

فَحْصاً عن خبرك فَحْص من تقسم جوارحَه وصبُك وزاد

في ألمها ألمُك ومن تَتّصل به أحوالُك في السّراء والضّراء‏.‏

ولما بَلغتْني إفاقتًك كتبتُ مُهنِّئاً

بالعافية مُعفِيًا من الجواب إلا بخَبرِ السلامة إن شاء اللهّ‏.‏

ولأحمد بن يوسف‏:‏ قد أذهب اللّه وَصَب العلَة ونصبها ووَفّر أَجْرها وثوابَها وجعل فيها من

  فصول إلى خليفة وأمير

منها‏:‏ كتب الحجَّاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان‏:‏ يا أمير المؤمنين إنَّ كُلّ من عنَّيت به

فِكْرتَك فما هو إلا سعيد يُوثْر أو شقيُّ يُوتر‏.‏

كتب الحسنُ بن لسَهْل يَصف عقل المأمون‏:‏ وقد أصبح أميرُ المُؤمنين عمودَ السِّيرة عفيفَ

الطُّعْمة كريمَ الشِّيمة مُبارك الضَّريبة محمودَ النَّقيبة مُوفِّيا بما أخذ اللّه عليه مُضطلعاً بما

حَمَّله منه مُؤدِّيا إِلى اللّه حقَّه مُقرًّا له بنِعْمته شاكراً لآلائه لا يأمُر إلا عَدْلا ولا ينطِق إلا

فَصْلا راعيا لدينه وأَمانته كافًّا ليده ولسانه‏.‏

وكتب محمدُ بن عبد الملك الزيّات‏:‏ إن حقّ

الأولياء على السلطان تنفيذُ أمورهم وتقويمُ أَودهم ورياضةُ أخلاقهم وأن يَميزَ بينهم فيقدِّم

مُحسنهم ويؤخَر مُسيئهم ليزدادَ هؤلاء في إحسانهم ويزدجر هؤلاء عن إساءتهم‏.‏

وفصل له‏:‏ إنّ أعظمَ الحقّ حقًّ الدِّين وأَوْجبَ الْحُرمة حُرمة المُسلمين‏.‏

فحَقِيق لمن راعَى ذلك

الحق وحَفِظ تلك الحُرمة أن يُراعَى له حَسب ما رعاه اللّه به ويُحْفظ له حَسب ما حَفظ اللّه

على يدَيه‏.‏

وفصل له‏:‏ إنّ اللّه أَوْجب لخُلفائه على عباده حقَّ الطاعة والنَّصيحة ولعَبيده

على خُلفائه بَسط العَدْل والرَّأفة وإحياءَ السُّنن الصالحة‏.‏

فإذا أدى كلٌّ إلى كلّ حقَّه‏.‏

كان

سببا لتمام المَعونة واتصال الزِّيادة واتساق الكلمة ودوام الألفة‏.‏

وفصل‏:‏ ليس من نِعمة يُجدِّدها اللّهُ لأمير المُؤمنين في نفسه خاصَّة إلا اتصلت

برعيته عامَّة وشَملت المُسلمين كافّة وعظُم بلاء اللهّ عندهم فيها ووجب عليهم شكرُه

عليها لأنّ الله جعل بنعمته تمام نعْمتهم وبتَدبيره وذَبّه عن دِينه حِفْظَ

حَريمهم وبحياطته حَقْنَ دمائهم وأمْن سبيلهم‏.‏

فأطال اللّه بقاء أمير المُؤمنين مُؤيَّداً بالنَّصر

معزّزاً بالتمكين مَوْصول البقاء بالنَّعيم المُقيم‏.‏

فصل‏:‏ الحمد للّه الذي جَعل أميرَ المُؤمنين معقودَ النِّية بطاعته مُنطوي القَلْب على مُناصحته

مشحوذ السَّيف على عدوّه ثم وَهب له الظفرِ ودوخ له البلاد وشرّد به العَدوّ وخصَّه

بشَرف الفُتوح شرقاً وغربا وبرًّاً وبحراً‏.‏

وفصل‏:‏ أفعال الأمير عندنا مَعْسولة كالأماني مُتَّصلة كالأيَّام ونحن نُواتر الشُكر لكريم فِعْله

ونُواصل الدُّعاء له مُواصلةَ برّه إنه الناهض بكَلِّنا والحامل لأعبائنا والقائم بما ناب من حُقوقنا‏.‏

وفصل‏:‏ أما بعد فقد انتهى إلى أمير المؤمنين كذا فأنكره ولا يخلو من إحدى منزلتين ليس في

واحدة منهما عُذر يوجب حُجَّة ويُزيل لائمة‏:‏ إمَّا تَقصيرٌ في عمل دعاك للإخلال بالحَزْم

والتَّفريط في الواجب وإمَا مُظاهرة لأهل الفساد ومُداهنة لَأهلِ الرِّيب‏.‏

وأيّة هاتين كانت منك

لمُحِلّة النُّكْر بك ومُوجبة العُقوبة عليك لولا ما يلقاك به أميرُ المؤمنين من الأناة والنَّظِرة والأخْذ

بالْحُجة والتقدّم في الإعذار والإنذار‏.‏

وعلى حَسب ما أقِلْتَ من عَظيم العَثْرة يجب اجتهادُك

في تلافي التَّقصير والإضاعة والسلام‏.‏

وكتب طاهرُ بن الحُسين حين أَخذ بغداد إلى إبراهيم بن المهديّ‏:‏ أما بعد

فإنه عزيز عليّ أن أكتب إلى أحد من بَيت الخِلافة بغير كلام الإمرة وسَلامها غيرَ أنه بلغني عنك

أنك مائلُ الهوى والرأي للناكث المَخلوع فإن كان كما بَلغني فكثيرُ ما كتبت به قليلٌ لك وإن

يكن غيرَ ذلك فالسلام عليك أيها الأمير ورحمةُ اللّه وبركاته‏.‏

وقد كتبتً في أسفل كتابي أبياتاً

فتدبَّرها‏:‏

رُكوبُك الهَوْلَ ما لم تُلْفِ فُرْصته جَهل رَمى بك بالإقحام تَغريرُ

أهْوِنْ بدُنيا يُصيب المخطئون بها حظ المصيبين والمَغرورُ مَغرور

فازرع صوابا وخُذ بالحَزْم حَيْطته فلن يُذَمّ لأهل الْحَزم تَدبير

فإنْ ظَفرِت مُصيباً أو هَلكتَ به فأنتَ عند ذوي الألباب مَعذور

وإن ظَفِرت على جَهلً فَفُزتَ به قالوا جَهولٌ أعانتْه المَقادير

  فصل

للحسن بن وهب‏:‏ أما بعد فالحمدُ للّه مًتمِّم النَعم برحمته الهادي إلى شُكره بفَضله

وصلّى اللّه على سيدنا محمد عبدِه ورسوله الذي جَمع له من الفضائل ما فَرّقه في الرُّسل قبلَه

وجَعل تُراثَه راجعاً إلى من خَصّه بخلافته وسلّم تسليما‏.‏

  فصول لعمرو بن بحر الجاحظ

منها فصول في عتاب‏:‏ أما بعد فإنّ المُكافأة بالإحسان فَريضة والتفضّلَ على غير ذوي

الإحسان نافلة‏.‏

أما بعد فليكن السكوتُ على لسانك إن كانت العافيةُ من شأنك‏.‏

أما بعد فلا تَزهد فيمن رَغب إليك فتكون لحظّك مُعاندا وللنعمة جاحدا‏.‏

أما بعد فإنَّ العقل والهوى ضدان فقَرينُ العقل التوفيق وقَرينُ الهوى الخِذْلان والنفسُ طالبة

فبأيهما ظَفِرتْ كانت في حِزْبه‏.‏

أما بعد فإنً الأشخاصَ كالأشجار والحركاتِ كالأغصان والألفاظَ كالثمار‏.‏

أما بعد فإن القلوب أوعية والعقولَ معادن فما في الوعاء يَنفد إذا لم يُمدّه المعدن‏.‏

أما بعد فكَفى بالتجارب تأديباً وبتقلب الأيام عِظة وبأخلاق مَن عاشرت مَعرفة وبذِكرك

الموت زاجرا‏.‏

أما بعد فإن احتمال الصبر على لَذع الغَضب أهونُ من إطفائه بالشَّتم والقَذع‏.‏

أما بعد فإن أهل النَظر في العواقب أولو الاستعداد للنوائب وما عَظمت

نِعْمة امرىء إلا استغرقت الدنيا همتُه ومَن فَرغ لطلب الآخرة شُغله جعلَ الأيام مطايا عمله

والآخرة مَقيل مُرتحله‏.‏

أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غيرُ زائد في الرزق والأجل والاستغناءَ غير ناقص للمقادير‏.‏

أما بعد فإنه ليس كل مَن حَلُم أمسك وقد يُستجهل الحليم حين

يستخفه الهُجر‏.‏

أما بعد‏:‏ فإن أحببتَ أن تَتم لك المِقةُ في قلوب إخوانك فاستقلّ كثيراً مما توليهم‏.‏

أما بعد فإن أنظر الناس في العاقبة مَن لَطُف حتى كف حربَ عدوه بالصَّفح والتجاوز

واستلّ حقدَه بالرفق والتحبب‏.‏

وكتب إلى أبي حاتم السِّجِسْتاني وبلغه عنه أنه نال منه‏:‏ أما بعد فلو كففتَ عنّا من غَرْبك

لكنا أهلاً لذلك منك والسلام‏.‏

فلم يَعُد أبو حاتم إلى ذكره بقبيح‏:‏

وله فصول في وصاة‏:‏ أما بعد فإن أحق فَي أسعفتَه في حاجته وأجبته إلى طَلِبته مَن توسّل

إليك بالأمل ونَزع نحوك بالرجاء‏.‏

أما بعد فما أقبحَ الأحدوثة من مُستمنح حَرمْتَه وطالبِ حاجة رددتَه ومًثابر حَجبتَ

ومُنبسط إليك قبضتَه ومُقبل إليك بعًنانه لويتَ عنه‏.‏

فتثبَّت في ذلك ولا تُطِع كل حلاَّف مهين

أما بعد فإن فلاناً أسبابه متَصلة بنا يُلزمنا ذِمامُه عندنا بُلوغَ موافقته من أياديك وأنت لنا

مَوضع الثقة من مًكافأته‏.‏

فأولنا فيه ما نَعرف به موقعَنا من حُسن رأيك ويكون مُكافأةً لحقِّه

علينا‏.‏

أما بعد فقد أتانا كتابُك في فلان وله لدينا من الذًمام ما يُلزمنا مكافأته ورعايةَ حقه ونحن

من العناية بأمره على ما يُكافى حُرمته ويؤدي شكره‏.‏

وله فصول في استنجاز وعد‏:‏ أما بعد فقد رَسفنا في قُيود مواعيدك وِطال مقامنا في سُجون

مَطْلك فأطلِقنا - أبقاك الله - من ضِيقها وشديد غمَها بنعَمْ منك مُثمرة أو لا مُريحة‏.‏

أما بعد فإن شجرة مواعيدك قد أورقت فليكن ثمرُها سالماً من جَوائِح المَطْل‏.‏

أما بعد فإنَ سحابَ وَعْدك قد بَرقت فليكن وَبْلها سالماً من صواعق المَطل

والاعتلال‏.‏

وله فصِول في الاعتذار‏:‏ أما بعد فنِعْمَ البديلُ من الزلة الاعتذار وبئس العِوَضُ من التَوبة

الإصرار‏.‏

أما بعد فإنّ أحقَّ منِ عَطفت عليه بحِلمك مَن لم يَتشفَّع إليك بغيرك‏.‏

أما بعد فإنه لا عوض من إخائك ولا خَلف من حُسن رأيك وقد انتقمتَ مني في زلَّتي

أما بعد فإنني بمَعرفتي بمبلغ حِلْمك وغاية عَفوك ضمنت لنفسي العفو من زلتها عندك‏.‏

أما بعد فإنَّ مَن جَحد إحسانَك بسوء مَقالَته فيك مًكذِّب نفسه بما يبدو للناس

أما بعد فقد مَسَّني من الألم بقطيعتك ما لا يشفيه غيرُ مُواصلتك مع حَبْسك الاعتذار من

هَفوتك لكن ذَنبك تغتفره مودّتك فان علينا بصلَتك تكن بدلًا مِن مَساءتك وعِوَضاً من

هَفْوتك‏.‏

أما بعد فلا خيرَ فيمن استغرقت موجدتُه عليك قَدْرَ ليُ عنده ولم يتّسع لِهنات الإخْوان

صدرُه‏.‏

أما بعد فإن أوْلى الناس عندي بالصَفح مَن أسلمه إلى مِلكك التماس رضاك من غير مَقدرة

منك عليه‏.‏

أما بعد فإن كنت ذمَمتَني على الإساءة فلمَ رَضيت لنفسك المكافأة‏.‏

وله فصول فيِ التعازي‏:‏ أما بعد فإنَّ الماضيَ قَبْلك الباقيَ لك والباقيَ بعدك المأجورُ فيك

وإنما يُوفِّى الصابرون أجرَهم بغير حِساب‏.‏

أما بعد فإنَّ في اللّه العَزاء من كل هالك والخَلف من كل مصاب وإن من

لم يتعزّ بعزَاء اللّه تَنقطع نفسه على الدنيا حَسْرة‏.‏

أما بعد فإنَّ الصبر يعقبه الأجر والجَزع يَعقبه الهلعً فتمسَّك بحظّك من الصبر تَنل به الذي

تطلب وتُدرك به الذي تَأمل‏.‏

أما بعد فقد كفى بكتاب الله واعظاً ولذَوي الألباب زاجراً فعليك بالتلاوة

تَنْج مما أوعد الله به أهلَ المعصية‏.‏

صدور إلى خليفة‏:‏ وَفق الله أميرَ المؤمنين بالظفر فيما قلّد وأيّده وأصلح به

وعلى يديه - أكرم اللهّ أميرَ المؤمنين بالظَّفر وأيده بالنَّصر قي دوام نعْمته وحاط الرعيًة بطول

مدته‏.‏

صدور إلى ولي عهد‏:‏ مَتَّع اللهّ أميرَ المؤمنين بطُول مدًّة الأمير وأجرى على يديه فِعْل الجميل

وانسَ بولايته المؤمنين - مدَّ اللّه للأمير النِّعمة وأسعد بطُول عمره

الأمة وجعله غياثاً ورَحمة - أكمل اللهّ له الكرامة وحاطه بالنِّعمة والسلامة ومتَع به الخاصّة

والعامَّةَ - متَّع اللهّ بسَلامتِك أهلَ الحرْمة وجَمع لك شَمْل الأمة‏.‏

واستَعْمَلك بالرَأفَةِ والرحمة‏.‏

صدور إلى ولي شرطة‏:‏ أنصف اللهّ بك المظلوم وأغاث بك الملهوف وأيَّدك بالتثبّت ووفّقك

للصواب - أرشدك اللّه بالتوفيق وأنطقك بالصواب وجعلك عِصمة للدِّين وحصناً للمسلمين

- أعانك اللهّ على ما قلّدك وحَفظ لك ما استعملك بما يًرضي من فعلك - سدَّدك اللّه

وأرشدك وأدام لك فضل ما عَوّدك - زادك اللهّ شرفاً في المنزلة قدراً في قلوب الأمة وزُلفة

عِند الخليفة - نصر اللهّ بعدلك المظلوم وكشف بك كربة الملهوف وأعانك على أداء الحقَوق‏.‏

صدور إلى قاضي‏:‏ ألهمك اللّه الحُجة وأيدك بالتثبّت وردّ بك الحقوق‏.‏

- ألهمك اللّه

الاعتصام بحَبله بالعلم والتثبّت في الحُكم - ألهمك اللهّ الحِكْمة وفَصل الخطاب وجلك إماماً

لذوي الألباب - زيَّن اللّه بفَضلك الزِّمان وأنطق بشُكرك اللسان وبَسط يدك في اصطناع

المعروف وأدام اللّه لك الإفضال وحقّق فيك الآمال‏.‏

صدور إلى عالم‏:‏ جَعل اللهّ لك العِلْم نوراً في الطاعة وسبباً إلى النجاة وزُلفة عند اللهّ - نفع

اللهّ بعلمك المستفيدين وقضى بك حوائج المُتحرّمين وأوضح بك سُنن الدّين وشرِائع المُسلمين

- أدام اللّه لك التطوّل بإسعاف الراغب وأنجح بك حاجة الطالب وأمِّنك مكروه العواقب‏.‏

صدور إلى أخوان‏:‏ مَتًّع الله أبصارنا برُؤيتك وقلوبنا بدوام الفتك ولا أَخْلانا من جَميل

عِشْرتك ووَهب لك من كريم نَفسك بحسب ما تنطوي عليه مودّتك وأبهج اللّه إخوانك بقُربك

وجمع ألفتهم بالأنس بك وصَرف اللّه عن ألفتنا عواقبَ القدَر وأعاذ صَفْو إخائنا من الكَدر

وجعلنا ممن أنعم اللهّ عليه فشَكر - مَنَّ اللّه علينا بطول مُدتك وآنس أيامنا بمواصلتك وهنأنا

النِّعمة بسلامتك - قَرّب اللّه منّا ما كُنا نأمل منك وجَمع شِمل السُّرور بك - نَزَّه اللهّ بقُربك

القلوب وبرُؤيتك الأبصار وبحديثك الأسماع - أقبل اللّه بك على أودَّائك ولا ابتلاهم بطُول

جفائك - أدال اللهّ حِرْصَنا من فُتورك عنّا ورَغبتنا فيك من تَقصيرك في أمورنا - حَفظ اللّه

لنا منك ما أَوْحشنا فقدُه وردّ إلينا ما كُنا نَألفه ونَعهده - رحم الله فاقةَ الحَنين إليك وما بي

من تَباريح الحُزن عليك وجَعل حُرمتنا منك الشًفيعَ لديك - يَسَر الله لنا من صَفحك ما يَسع

تقصيرنا ومن حلمك ما يرد سخطك عنّا زَين الله ألفتنا بمُعاودة صِلتك واجتماعنا بزيارتك -

أعادَ اللهّ علينا من إخائك وجميل رأيك ما يكون معهوداً منك ومألُوفاً لك‏.‏

صدور في عتاب‏:‏ أنصف الله شوقنا إليك من جَفائك لنا وأخذ لبرنا بك من تَقصيرك عنّا‏.‏

وكتب معاوية إلى عمرو بن العاص وبلغه عنه أمر‏:‏ وفّقك اللهّ لرًشدك‏.‏

بلغني كلامُك فإذا أوّله بَطر وآخره خَوَر ومن أبطره الغِنى أذلّه الفقر وهما ضدَّان مُخادعان

للمرء عن عَقله وأولى الناس بمَعرفة الدَّواء من يَبين له الداء والسلام‏.‏

فأجابه‏:‏ طاولتْك النِّعمِ

وطاولت بك‏.‏

عُلو إنصافك يُؤمَن سطوة جَورِك ذكرتَ أني نطقتُ بما تكره وأنا مخدوع وقد

علمتُ أني مِلْت إلى محبتك ولم أخدع ومثلُك من شَكر سعي مُعتذر وعفا زَلّة مُعترف‏.‏

  كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء

وتواريخهم وأيامهم

قال الفقيه أبو عمر أحمدُ بن محمد بن عبد ربّه رحمه الله‏:‏ قد مَضى لنا قولُنا في التوقيعات

والفصول والصدور والكتابة وهذا كتاب ألفناه في أخبار الخلفاء وتواريخهم وأيامهم وأسماء

كُتّابهم وحجابهم‏.‏

  أخبار الخلفاء

نسب المصطفى

صلى الله عليه وسلم

رَوى أبو الحسن عليّ بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف عن أشياخه‏:‏ هو

محمدٌ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المُطلب بن هاشم ابن عبد مَناف

بن قُصيّ بن كِلاَب بن مُرة بن كعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن

خُزيمة بن مُدْرِكة بن اليأس بن مُضر بن نزار بن مَعد بن عَدْنان‏.‏

وأمه آمنةُ بنت وهب بن عبد

مولد النبي

صلى الله عليه وسلم - قالوا‏:‏ وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام

الفيل لاثنتي عشرةَ ليلةً خلت

من ربيع الأول‏.‏

وقال بعضُهم‏:‏ لليلتين خَلَتا منه‏.‏

وقال بعضُهم‏:‏ بعد الفِيل بثلاثين يومًا‏.‏

فهذا

جَمع ما اختلفوا فيه عن مولده‏.‏

وأوحى الله إليه وهو ابن أربعين عاماً‏.‏

وأقام بمكة عشرًا

وبالمدينة عشرا‏.‏

وقال ابن عبّاس‏:‏ أقام بمكة خمسَ عشرَة وبالمدينة عشرا‏.‏

والمُجمع عليه أنه أقام

بمكة ثلاثَ عشرةَ وبالمدينة عشرا‏.‏

اليوم والشهر الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم - هاجر إلى المدينة يومَ الاثنين لثلاث عشرة

خلت من ربيع الأول‏.‏

ومات يومَ الاثنين لثلاثَ عشرةَ خلت من ربيع الأول اليوم والشهر الذي

هاجر فيه صلى الله عليه وسلم‏.‏

جعلنا اللّه ممن يرد حوضَه وينال مُرافقته في أعلى عِليين من درجات الفِرْدوس وأسأل اللّهَ

الذي جعلنا من أمته ولم نَره أن يتوفّانا على مِلّته ولا يَحْرمنا رُؤْيته في الدُّنيا والآخرة‏.‏

  صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- رَبيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان

رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم أبيضَ مُشرباً حُمرة ضَخم الرأس أزجَّ الحاجبين عظيمَ

العينين أدعجَ أهدبَ شثْن الكّفين والقدمين‏.‏

إذا مشى تكفّأ كأنما ينحطّ من صَبَب ويَمْشي في

صُعد كأنما يتقلّع من صَخر‏.‏

إذا التفت التفت جميعا‏.‏

ليس بالجَعْد القَطَط ولا السَّبْط‏.‏

ذا وَفْرة

إلى شحمة أُذنيه‏.‏

ليس بالطَّويل البائن ولا بالقصير المُتطامن‏.‏

عَرْفه أطيبُ من المسك الَأذْفر‏.‏

لم

تَلد النساءُ قبله ولا بعده مثلَه‏.‏

بين كَتفيهَ خاتَمُ النبوّة كبَيضة الحمَامة‏.‏

لا يَضْحك إلا تَبسُّماً‏.‏

في

عَنْفقته شعرات بيض لا تكاد تبين‏.‏

وقال أنس بن مالك‏:‏ لم يبلغ الشيبُ الذي كان برسول اللهّ

صلى الله عليه وسلم عشرين شِعرة‏.‏

وقيل له‏:‏ يا رسول اللّه عجّل عليك الشيّب‏.‏

قال‏:‏

شَيَّبتني هودٌ وأخواتُها‏.‏

هيئة النبي وقعدته

صلى الله عليه وسلم - كان صلى الله عليه وسلم يأكل على الأرض ويجلس على

الأرض

ويمشي في الأسواق ويلبس العَبَاءة ويُجالس المساكين ويَقْعد القُرفصاء ويتوسّد يدَه ويلْعق

أصابعَه ولا يأكل مُتَّكئا ولم يُرقطُّ ضاحكاً مِلْء فيه‏.‏

وكان يقول‏:‏ إنما أنا عبد آكلُ كما يأكل

شرف بيت النبي صلى الله عليه وسلم - قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنا سيّد البَشر ولا

فَخْر وأنا أفصحُ العرب وأنا أوّل مَن يَقرع بابَ الحنة وأنا أول من يَنشقّ عنه التراب‏.‏

دعا لي

إبراهيم وبشرّ بي عيسى ورأت أمي حين وَضعتني نُورًا أضاء لها ما بين المَشرق والمغرب‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ اللّه خَلق الخَلْق فجعلني في خير خَلْقه وجعلهم فِرَقاً فجعلني في

خَيرهم فِرْقة وجعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة وجعلهم بُيوتا فجعلني في خَير بيت فأنا

خيرُكم بيتاً وخيرُكم نَسبا‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏.‏

أنا ابن الفواطم والعَواتك من سُليم

واستُرضعتُ في بني سعد بن بكر‏.‏

وقال‏:‏ نَزل القرآن بأعرب اللّغات فلكل العرب فيه لغة ولبني

سَعد بن بكر سبعُ لغات‏.‏

وبنو سعد ابن بكر بن هوازن أفصحُ العرب فهم من الأعجاز وهي

قبائلُ من مُضر متفرقة وكانت ظِئْرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم التي أرضعتْه حليمةُ بنت أبي

ذُؤيب من بني ناصرة بن قصيّة بن نصر بن سَعد بن بكر بن هوازن‏.‏

وإخوته في الرّضاعة‏:‏

عبد اللهّ بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وخِذامة بنت الحارث وهي التي أتى بها النبيّ صلى

الله عليه وسلم في أَسْرى حُنين فَبسط لها رداءه ووهب لها أَسرى قومها‏.‏

والعواتك من سُليم

ثلاث‏:‏ عاتكة بنت مُرّة ابن هلال ولدت هاشماَ وعبدَ شمس ونوفلاً وعاتكة بنت الأوقص بن

هلال ولدت وَهْب بن عبد مناف بن زهرة وعاتكة بنت هِلٍال بن فالج‏.‏

وقال عليّ للأَشعث

إذ خَطب إليه‏:‏ أَغرّك ابن أبي قُحافة إذ زَوَّجك أمّ فَروَة وإنها لم تكن من الفواطم من قُريش ولا

العواتك من سُلَيم‏.‏

أبو النبي

صلى الله عليه وسلم - عبدُ اللّه بن عبد المُطّلب ولم يكن له ولدُ غيرًه صلى الله

عليه وسلم وتُوفي وهو في بَطن أمه‏.‏

فلما وُلد كَفله جدُّه عبدُ المًطلب إلى أن توفِّي

فكَفله عمُّه أبو طالب وكان أخا عبد اللهّ لأمه وأبيه فمن ذلك كان أشفقَ أعمام النبيّ

صلى الله عليه وسلم وأَوْلاهم به‏.‏

وأمّا أعمام النبيّ صلى الله عليه وسلم وعَمّاته فإنّ

عبد المطلب بن هاشم كان له من الولد لصُلبه عشرة من الذُّكور وستّة من الإناث‏.‏

وأسماء بنيه‏:‏ عبدُ اللهّ والد النبيّ عليه الصلاة والسلام والزبير وأبو طالب واسمه

عبدُ مَناف والعبّاس وضِرار وحَمزة والمُقوِّم وأبو لهَب واسمه عبد العُزّى

والحارث والغَيداق واسمه حجل وقال نَوفل‏.‏

وأسماء بناته عمّات النبيّ صلى الله

عليه وسلم‏:‏ عاتكة والبَيضاء وهي أم حكيم و بَرة وأميمة وأروى وصَفيّة‏.‏

ولد النبي

صلى الله عليه وسلم - وُلد له من خَديجة‏:‏ القاسمُ والطيب وفاطمةُ وزَينب ورُقَية

أزواجه

صلى الله عليه وسلم - أولهن خديجةُ بنت خُويلد بن أسد بن عَبْد العُزى ولم يتزوج عليها

حتى ماتت‏.‏

ثم تزوِّج سَوْدة بنت زَمْعة وكانت تحت السكران بن عمرو وهو من مهاجرة

الحَبشة فمات ولم يُعقب فتزوجها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعده‏.‏

ثم تزوّج عائشةَ بنت أبي

بكر بِكراً ولم يتزوّج بِكرًا غيرها وهي ابنة ستّ وابتنى عليها ابنة تسع وتُوفي عنها وهي ابنة

ثمانِ عشرةَ سنة وعاشت بعده إلى أيام معاوية وماتت سنة ثمان وخمسين وقد قاربت

السبعين ودُفنت ليلاً بالبقيع وأوصت إلى عبد اللّه بن الزًبير‏.‏

وتزوَّج حفصةَ بنت عمرَ بن

الخطاب وكانت تحت خُنيس بن حُذافة السَّهمي وكان رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم

أرسله إلى كِسرى ولا عَقِب له‏.‏

ثم تزوج زينَبَ بنت خُزيمة من بني عامر بن صعصعة وكانت

تحت عُبيدة بن الحارث ابن عبد المطلب أول شهيد كان ببدر‏.‏

ثم تزوّج زينب بنت جَحش

الأسدية وهي بنت عمة النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي أوّل مَن مات من أزواجه في خلافة

عُمر‏.‏

ثم تزوّج أم حَبيبة واسمعها رَمْلة بنت أبي سُفيان وهي أختُ معاوية وكانت تحت

عُبيد الله بن جَحش الأسدي فتنصر ومات بأرض الحبشة‏.‏

وتزوّج أم سَلمة بنت أبي أمية بن

المُغيرة المخزوميّ وكانت تحت أبي سَلمة فتُوفي عنها وله منها أولاد وبقيت إلى سن تسع

وخمسين‏.‏

وتزوَّج ميمونة بنت الحارث من بني عامر بن صَعصعة وكانت تحت أبي رُهم

العامرِيّ‏.‏

وتزوّج صفية بنت حُييِّ بن أخطب النًضرية وكانت تحت رجل من يهود خيبر يقال

له كِنانة فضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُنقه وسَبى أهله‏.‏

وتزوّج جُويرية بنت

الحارث وكانت من سَبي بني المُصطلق‏.‏

وتزوْج خَولة بنت حَكيم وهي التي وَهبت نفسها للنبيّ

صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتزوّج امرأة يقال لها عمْرة فطلقها ولم يَبْن بها وِذلك أن أباها قال له‏:‏

وأزيدك أنّها لم تمرض قطْ‏.‏

فقال‏:‏ ما لهذه عند اللّه من خير

فطلقها‏.‏

وتزوّج امرأة يقال لها‏:‏ أميمة بنت النعمان فطلقها قبل أن يَطأها‏.‏

وخَطب امرأة من

بني مُرة بن عَوْف فردّه أبوها وقال‏:‏ إنّ بها بَرَصا‏.‏

فلما رجع إليها وجدها بَرْصاء‏.‏

  كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وخدامه

- كُتّاب الوحي لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ زيْد بن

ثابت ومُعاوية بن أبي سُفيان وحَنْظلة بن الربيع الأسديّ وعبدُ اللّه بن سعد بن أبي سرح

ارتد ولحق بمكة مُشركا‏.‏

وحاجبُه‏:‏ أبو أنسة مولاه وخادمه‏:‏ أنس بن مالك الأنصاريّ ويكنى

أبا حَمزة‏.‏

وخازنُه على خاتَمه‏:‏ مُعيقيب بن أبي فاطمة‏.‏

ومؤذّناه‏:‏ بلال وابن أم مَكتوم‏.‏

وحُرّاسه‏:‏ سعدُ بن زَيد الأنصاري والزُّبير بن العوام وسَعد بن أبي وقّاص‏.‏

وخاتَمه فِضّة

وفصّه حبشيّ مكتوب عليه‏:‏ محمد رسول اللّه في ثلاثة أسطر‏:‏ محمد سطر ورسول سطر

واللهّ سطر‏.‏

وفي حديث أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ وبه تَختّم أبو بكر

وعُمر وتَختّم به عثمانُ ستةَ أشهر ثم سقط منه في بئر ذي أرّوَان فطُلب فلم يوجد‏.‏

وفاة النبي

صلى الله عليه وسلم - توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثلاثَ عشرة ليلةً خلت من ربيع

الأول

وحُفر له تحت فِراشه في بيت عائشة‏.‏

وصلى عليه المسلمون جميعاً بلا إمام الرجالُ ثم النساء

ثم الصِّبيان ودُفن ليلةَ الأربعاء في جوف الليل ودَخل القبرَ عليٌ والفَضل وقُثَم ابنا العبّاس

وشُقْران مولاه ويقال‏:‏ أسامة بن زيد وهم تولّوا غسلَه وتَكفينه وأمره كلَّه وكفن في ثلاثة أثواب

بيض سَحُولية ليس فيها قميصٌ ولا عِمامة‏.‏

واختلف في سِنَه‏.‏

فقال عبد اللهّ ابن عبَّاس

وعائشةُ وجريرُ بن عبد اللهّ ومعاوية‏:‏ توفي وهو ابن ستين سنة‏.‏

وقال عُروة بن الزُبير وقَتادة‏:‏

نسب أبي بكر الصديق وصفته

رضي اللّه عنه

هو عبد اللّه بن أبي قُحافة واسم أبي قحافة عثمان بن عمرو بن كَعب بن سَعد بن تَيم بن

مُرة وأمه أمُّ الخَير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سَعد بن تيم بن مُرة‏.‏

وكاتبُه‏:‏ عثمان بن عفَّان‏.‏

وحاجبُه‏:‏ رشيدٌ مولاه‏.‏

وقيل‏:‏ كتب له زيدُ بن ثابت أيضاً‏.‏

وعلى

أمره كلّه وعلى القضاء عمرُ بن الخطّاب وعلى بيت المال أبو عُبيدة بن الجَرّاح ثم وجّهه إلى

الشام‏.‏

ومُؤذّنه‏:‏ سعدُ القَرَظ مولى عمار بن ياسر‏.‏

قيل لعائشة‏:‏ صِفي لنا أباك‏.‏

قالت‏:‏ كان أبيَض نحيفَ الجسم خفيفَ العارضين أحنى لا

يستمسك إزاره مَعروق الوجه غائر العينين ناتىء الجبهة عاري الأشاجع أقرع‏.‏

وكان عمر

بن الخطاب أصلع‏.‏

وكان أبو بكر يَخْضب بالحنّاء والكَتَم‏.‏

وقال أبو جعفر الأنصاريّ‏:‏ رأيتُ أبا

بكر كأنّ لِحْيته ورأسَه جَمر الغَضىَ‏.‏

وقال أنس بن مالك قَدِم رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم

المدينةَ وليس في أصحابه أَشمطُ غَيْر أبي بكر‏.‏

فغّلفها بالحِنّاء والكَتَم‏.‏

وتوفيَ مساء ليلة الثلاثاء لثمانِ ليالٍ بَقين من جُمادى الآخرة سنةَ ثلاثَ عشرةَ من التاريخ‏.‏

خلافة أبي بكر رضي الله عنه - شُعبة عن سَعد بن إبراهيم عن عُروة عن عائشة‏:‏ إنّ النبيّ

صلى الله عليه وسلم قال في مَرضه‏:‏ مُروا أبا بكر فَلْيصلِّ بالناس‏.‏

فقلتُ‏:‏ يا رسولَ اللّه إنَّ أبا

بكر إذا قام في مَقامك لم يُسمِع الناسَ من البُكاء فَمُر عُمرَ فليصلِّ بالناس‏.‏

قال‏:‏ مُروا أبا بكر

فَلْيصلِّ بالناس‏:‏ قالت عائشة‏:‏ فقلتُ لِحَفصة‏:‏ قُولي له‏:‏ إنَ أبا بكر إذا قام في مَقامك لم يُسمِع

الناس من البكاء فمُر عُمر ففعلت حفصة‏.‏

فقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ مه‏!‏ إنكن

صواحبُ يوسف مُروا أبا بكر فَلْيصل بالناس‏.‏

أبو جَعدة عن الزُّبير قال‏:‏ قالت حفصة‏:‏ يا رسولَ اللّه إنك مَرِضتَ فقدَّمت أبا بكر‏.‏

قال‏:‏

لستُ الذي قدمتُه ولكنّ اللّه قَدّمه‏.‏

أبو سَلمة عن إسماعيل بن مُسلم عن أنس قال‏.‏

صلَّى أبو بكر بالنّاس ورسولُ اللّه صلى الله

عليه وسلم مريض ستةَ أيام‏.‏

النضرُ بن إسحاق عن الحَسن قال‏:‏ قيل لعليّ‏:‏ علامَ بايعتَ أبا بكر فقال‏:‏ إنَّ رسول اللّه صلى

الله عليه وسلم لم يَمُت فَجْأة كان يَأْتيه بلالُ في كل يوم في مَرضه يُؤذّنه بالصلاة فيأمر أبا بكر

فيصلِّي بالناس وقد تَركني وهو يَرى مكاني فلما قُبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَضي

المسلمون لدنياهم مَن رَضيه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لدينهم فبايعوه وبايعتُه‏.‏

ومن حديث الشَّعبيّ قال‏:‏ أَوَّل مَن قَدِم مكةَ بوفاة رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي

بكر عبدُ ربّه بن قيس بن السائب المَخزوميّ فقال له أبو قُحافة‏:‏ مَن ولي الأمر بعده قال‏:‏ أبو

بكر ابنك‏.‏

قال‏:‏ فرضي بذلك بنو عبد مَناف قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ لا مانعَ لما أَعطى الله ولا

مُعطيَ لما مَنع اللّه‏.‏

جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال‏:‏ تُوفي رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان

غائب في مَسعاة أخرجه فيها رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم فلما انصرف لقي رجلاً في

بعض طر مُقبلاً من المدينة فقال له مات محمد قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فمن قام مَقامه قال‏:‏ بكر‏.‏

قال أبو سفيان‏:‏ فما فعل المُستضعفان عليّ والعبّاس قال‏:‏ جالسين‏.‏

قال‏:‏ أما واللهّ لئن بقِيت

لهما لأرفعنّ من أعقابهما ثم قال‏:‏ إني أرى غَيرةً لا يُطفئها إلا دم‏.‏

فلما قدم المدينةَ جعل يطوف

في أزقّتها ويقول‏:‏

بني هاشم لا تَطمع الناسُ فيكم ولا سيما تَيمُ بن مُرة أو عَدِي

فما الأمرُ إلا فيكمُ وإليكمُ وليس لها إلا أبو حَسن عَلى

فقال عمر لأبي بكر‏:‏ إنّ هذا قد قَدم وهو فاعل شرًّا وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم

يستألفه على الإسلام فدَع له ما بيده من الصَّدقة فَفَعل‏.‏

فرضي أبو سفيان وبايعه‏.‏

سقيفة بني ساعدة

أحمد بن الحارث عن أبي الحَسن عن أبي مَعشر عن المَقْبريّ‏:‏ أن المهاجرين بينما هم في حُجرة

رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وقد قَبضه اللهّ إليه إذ جاء مَعْن بن عديّ وعُويم ساعدة

فقالا لأبي بكر‏:‏ بابً فِتْنة إن يُغلقه اللهّ بك هذا سعدُ بن عُبادة والأنصار يُريدون أن يُبايعوه‏.‏

فَمضى أبو بكر وعمر وأبو عُبيدة حتى جاءوا سَقيفة بني ساعدة وسَعد على طِنّفس مُتكئاً

على وِسادة وبه الحًمّى فقال له أبو بكر‏:‏ ماذا ترى أبا ثابت قال‏:‏ أنا رجلٌ منكم‏.‏

فقال

حُباب بن المُنذر‏:‏ منّا أمير ومنكم أمير فإنّ عمل المُهاجريّ في الأنصاري شيئاً ردّ عليه وإن

عمل الأنصاريُّ في المهاجري شيئاً رد عليه وإن لم تَفعلوا فأنا جذيلها المُحكّك وعُذَيقها

المُرجّب لَنُعيدنَّها جَذَعة‏.‏

قال عمر‏:‏ فأردتُ أن أتكلم وكنتُ زَوّرت كلاماً في نفسي‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ على رِسْلك يا

عمر فما ترَك كلمةً كنتُ زوَّرتها في نَفسي إلا تكلّم بها وقال‏:‏ نحن المهاجرون أول الناس

إسلاماً وأكرمُهم أحساباً وأوسَطُهم داراً وأحسنُهم وُجوهاً وأمسُّهم برسول اللّه صلى الله

عليه وسلم رَحِماً وأنتم إخوانُنا في الإسلام وشُركاؤنا في الدَين نَصرتم وواسيتم فجزاكم اللهّ

خيراً فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تَدين العربُ إلا لهذا الحيّ من قُريش فلا تَنْفَسوا على

إخوانكم المهاجرين ما فضّلهم اللّه به فقد قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ الأئمة من

قُريش‏.‏

وقد رضيت لكم أحدَ هذين الرجلين - يعنى عمرَ ابن الخطاب وأبا عُبيدة بن الجَراح -

فقال عمر‏:‏ يكون هذا وِأنتَ حيّ‏!‏ ما كان أحد لِيُؤخّرك عن مَقامك الذي أقامك فيه رسولُ اللّه

صلى الله عليه وسلم ثُم ضرب على يده فبايعه وبايعه الناس وازدحموا على أبي بكر‏.‏

فقالت

الأنصار‏:‏ قتلتم سعداً‏.‏

فقال عمر‏:‏ اقتُلوه قَتله الله فإنه صاحبُ فتنة‏.‏

فبايع الناسُ أبا بكر

وأتوا به المسجدَ يُبايعونه فسمع العبّاسُ وعليٌّ التَكبيرَ في المسجد ولم يَفرُغوا من غَسل رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقال عليّ‏:‏ ما هذا قال العّباس‏:‏ ما رُئِي مثلُ هذا قطّ أما قلتُ

لك‏!‏

ومن حديث النًعمان بن بَشير الأنصاري‏:‏ لما ثَقل رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم تكلّم الناس

مَن يقوم بالأمر بعده فقال قوم‏:‏ أبو بكر وقال قومٌ‏:‏ أبي بن كعب‏.‏

قال النُّعمان بن بَشير‏:‏ فأتيتُا

أبيّا فقلت‏:‏ يا أبيّ إن الناسَ قد ذكروا أنَ رسول صلى الله عليه وسلم يستخلف أبا بكر أو

إياك فانطلق حتى نَنظر في هذا الأمر‏.‏

فقال‏:‏ إنَّ عندي في هذا الأمر من رسول اللّه صلى الله

عليه وسلم شيئاً ما أنا بذاكره حتى يَقبِضه اللّه إليه ثم انطلق‏.‏

وخرجت معه حتى دخلنا على

النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الصُّبح وهو يَحسو حَسْوا في قَصعة مَشْعوبة‏.‏

فلما فرغ أقبل

على أبيّ فقال‏:‏ هذا ما قلتُ لك‏.‏

قال‏:‏ فأوص بنا‏.‏

فخرج يخطّ برجليه حتى صار على المِنبر

ثم قال‏:‏ يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تَزيدون وأصبحت الأنصارُ كما هي لا تزيد ألا وإن

الناس يَكْثرون وتَقِلّ الأنصار حتى يكونوا كالمِلْح في الطعام فمن وَلى من أمرهم شيئاً فَلْيَقبَل من

مُحسنهم ولْيعفُ عن مُسيئهم ثم دخل‏.‏

فلما توفي قيل لي‏:‏ هاتيك الأنصارُ مع سعد بن عُبادة

يقولون‏:‏ نحن الأولى بالأمر والمهاجرون يقولون‏:‏ لنا الأمر دونكم‏.‏

فأتيت أبيّا فقرعتُ بابه فخرج

إليّ مُلتحفا فقلت‏:‏ ألا أراك إلا قاعداً ببيتك مُغلقاً عليك بابَك وهؤلاء قومُك من بني ساعدة

يُنازعون المُهاجرين فأخرج إلى قومك‏.‏

فخَرج فقال‏:‏ إنكم واللّه ما أنتم من هذا الأمر في شيء

إنه لهم دونكم يليها من المُهاجرين رجلان ثم يُقتل الثالث ويُنزع الأمرُ فيكون هاهنا وأشار

إلى الشام وإن هذا الكلام لمبلول بريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أغلق بابَه ودخل‏.‏

ومن حديث حذيفة قال‏:‏ كنَا جلوساً عند رسول اللهّ عظيم فقال‏:‏ إني لا أدري ما بقائي

فيكم فاقتدُوا بالذين من بَعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر واهتدُوا بهَدْي عمار وما حَدّثكم

ابن مسعود فصدقوه‏.‏

الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر - في والعباس والزبير وسعد بن عُبادة‏.‏

فأما عليّ والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بَعث إليهم أبو بكر عمرَ ابن الخطاب

ليُخرِجهم من بيت فاطمة وقال له‏:‏ إِن أبوا فقاتِلْهم‏.‏

فأقبل بقَبس من نار على أن يُضرم عليهم

الدار فلقيته فاطمةُ فقالت‏:‏ يا بن الخطاب أجئت لتُحرق دارنا قال‏:‏ نعم أو تدخلوا فيما

دخلتْ فيه الأمة‏.‏

فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه فقال له أبو بكر‏:‏ أكرهتَ

إمارتي فقال‏:‏ لا ولكني آليتُ أن لا أرتدي بعد موت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى

أحفظَ القرآن فعليه حَبست نفسي‏.‏

ومن حديث الزُّهري عن عُروة عن عائشة قالت‏:‏ لم يُبايع عليٌ أبا بكر حتى ماتت فاطمة

وذلك لستة أشهر من موت أبيها صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأرسل علي إلى أبي بكر فأتاه في

منزله فبايعه وقال‏:‏ واللهّ ما نَفسنا عليك ما ساق الله إليك من فَضل وخَير ولكنّا كُنَا نرى أن

لنا في هذا الأمر شيئاً فاستبددْتَ به دوننا وما نُنكر فضلك‏.‏

وأما سعدُ بن عبادة فإنه رحل

إلى الشام‏.‏

أبو المنذر هشام بن محمد الكلبيّ قال‏:‏ بث عمرُ رجلاً إلى الشام فقال‏:‏ ادْعه إلى

البَيعة واحمل له بكل ما قَدرت عليه فإن أيَ فاستعن اللّهَ عليه‏.‏

فقَدم الرجل الشام فلقيه

بحُوران في حائطٍ فدَعاه إلى البيعة فقال‏:‏ لا أبايع قُرشياً أبداً‏.‏

قال‏:‏ فإني أقاتلك‏.‏

قال‏:‏ وإن

قاتلتَني‏!‏ قال‏:‏ أفخارج أنت مما دخلتْ فيه الأمة قال‏:‏ أمّا من البَيعة فأنا خارج‏.‏

فرَماه بسَهم

فقتله‏.‏

ميمون بن مِهران عن أبيه قال‏:‏ رُمي سعد بنُ عبادة في حمّام بالشام فقُتل‏.‏

سعيد بن أبي

عَروبة عن ابن سيرين قال‏:‏ رُمي سعد بن عُبادة بسهم فوُجد دفينا في جسده‏.‏

فمات فبكته

الجنّ فقالت‏:‏

وقَتلنا سيّد الخَزْ رج سعدَ بن عُبادة

ورَميناه بسهمي نِ فلم نُخْطِىء فُؤاده

فضائل أبي بكر رضي اللّه عنه - محمد بن المَنكدر قال‏:‏ نازع عمرَ أبا بكر فقال رسولُ اللّه

صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل أنتم تاركوِني وصاحبي إنّ اللّه بَعثني بالهُدى ودين الحق إلى الناس

كافّة فقالوا جميعاً‏:‏ كذبت وقال أبو بكر‏:‏ صدقتَ‏.‏

وهو صاحبُ رسول اللّه صلى الله عليه

وسلم وجليسه في الغار وأوّل من صلّى معه أمن به واتّبعه‏.‏

وقال عمر بن الخطّاب‏:‏ أبو بكر

سيّدنا وأعتق سيّدَنا‏.‏

يريد بلالاً‏.‏

وكان بلال عبداً لأميّة بن خَلف فاشتراه أبو بكر وأَعتقه

وكان من مُولَّدي مكّة أبوه رَباح وأمه حَمامة‏.‏

وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَن أول من

قام معك في هذا الأمر قال‏:‏ حُرّ وعَبد‏.‏

يريد بالحُر أبا بكر وبالعَبد بلالاً‏.‏

وقال بعضُهم‏:‏ عليّ

وخبّاب‏.‏

أبو الحسن المدائني قال‏:‏ دخل هارون الرشيدً مسجدَ رسول اللّه صلى الله عليه

وسلم فبعث إلى مالك بن أنس فقيه المدينة فأتاه وهو واقف بين قبر رسول الله صلى الله

عليه وسلم واْلمِنبر فلما قام بين يديه وسلّم عليه بالخلافة قال‏:‏ يا مالك صف لي مكان أبي

بكر وعُمر من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا‏.‏

فقال‏:‏ مكانُهما منه يا أمير

المؤمنين كمكان قَبريهما من قبره‏.‏

فقال‏:‏ شَفيتَني يا مالك‏:‏ الشَّعبي عن أبي سَلمة‏:‏ إنّ عليا سُئل

عن أبي بكر وعمرِ فقال‏:‏ على الخَبير سقطتَ كانا واللّه إمامَين صالحين مُصلحين خَرجا من

الدنيا خميصِين‏.‏

وقال عليّ بن أبي طالب‏:‏ سَبق رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم وثَنّى أبو

بكر وثَلّث عمر ثم خَبطتنا فتنةٌ عَمياء كما شاء اللّه‏.‏

وقالت عائشة‏:‏ تُوفّي رسولُ اللّه عظيم

بين سَحْري ونَحري فلو نَزل بالْجبال الراسيات ما نَزل بأبي لهدّها اشرأبّ النِّفاق وارتدت

العرب فواللّه ما اختلفوَا في لفظة إلا طار أبي بحظّها وغنائها في الإسلام‏.‏

عمرو بن عثمان عن

أبيه عن عائشة أنه بلغها أن أُناساً يتناولون من أبيها فأرسلت إليهم فلما حضروا قالت‏:‏ إنّ

أبي واللّه لا تعطوه الأيدي طَوَد مًنيف وظل ممدود أنجح إذ أكديتم وسبق إذ ونيتم سَبْقَ

الجواد إذا استولى على الأمد‏.‏

فتى قريش ناشئاً وكَهفها كهلا‏.‏

يَفك عانيها ويَريش مُملقها

ويرأب صَدْعها ويَلُمّ شَعثها‏.‏

فما برحت شكيمتُه في ذات اللهّ تشتد حتى اتخذ بفنائه مسجداً

يحيى فيه ما أمات المُبطلون‏.‏

وكان وقيد الجوامح عزير الدَّمعة شجّي النشيج‏.‏

وأصفقت إليه

نسوان مكة وولدانها يَسخرون منه ويستهزئون به واللّهُ يستهزىء بهم وَيمُدّهم في طُغيانهم

يَعمهوِن وأكبرت ذلك رجالات قريش فما فَلّوا له صفاة ولا قصفوا قناة حتى ضرب الحقُّ

بجِرانه وألقىِ بَرْكه ورست أوتادُه‏.‏

فلما قَبض اللّه نبيَّه ضَرب الشيطانُ رُواقَه ومدّ طنبه

ونصب حبائلَه وأجلب بخيله ورَجْله فقام الصدِّيق حاسراً مشمِّراً‏.‏

فردّ نَشر الإسلام على

غره وأقام أَوَده بثِقافه فابذعرّ النِّفاق بوطئه وانتاش الناسَ بعَدْله حتى أراح الحق على أهله

وحَقن الدماءَ في أهبها‏.‏

ثم أتته منيّته فسدّ ثُلمتَه نظيرُه في المَرحمة وشقيقُه في المَعدلة ذلك ابن

الخطّاب‏.‏

للّه دَرّ أم حَفلت له ودَرّت عليه‏.‏

ففتح الفًتوح وشرد الشِّرْك وبَعَج الأرض فقاءت

أُكًلَها ولفظت جَناها ترأمه ويأباها وتريده ويَصْدِف عنها ثم تَركها كما صَحبها‏.‏

فأَرُوني

ما ترتابون وأيَّ يومي أبي تَنقمون أيوم إقامته إذ عدل فيكم أم يوم ظَعنه إِذ نَظر لكم أقول

قولي هذا واستغفر الله لي ولكم‏.‏

وفاة أبي بكر الصديق

رضي اللّه عنه

الليثُ بن سَعد عن الزُّهري قال‏:‏ أهدي لأبي بكر طعام وعنده الحارث ابن كَلَدة فأكلا منه

فقال الحارث‏:‏ أكلنا سّم سَنة وإني وإياك لميتان عند رأس الحًوِل

فماتا جميعاً في يوم واحد عند انقضاء السنة‏.‏

وإنما سمته يهود كما سمّت النبيّ صلى الله عليه

وسلم بخيبر في ذِراع الشاة‏.‏

فلما حضرت النبيّ صلى الله عليه وسلم الوفاةُ قال‏:‏ ما زالت أكلُه

خَيبر تُعاودني حتى قَطعت أبْهري‏.‏

وهذا مثلُ ما قال الله تعالى ‏"‏ ثم لَقَطَعنا منه الوَتين ‏"‏‏.‏

والأبهر

والوتين‏:‏ عرقانِ في الصُلب إِذا انقطع أحدُهما مات صاحبه‏.‏

الزُهري عن عُروة عن عائشة

قالت‏:‏ اغتسل أبو بكر يوم الاثنين لسبع خَلون من جُمادى الآخرة وكان يوماً بارداً فحُم خمسةَ

عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة وكان يأمر عمر يصلَي بالناس‏.‏

وتُوفي ليلةَ الثلاثاء لثمانٍ بقين من

جُمادى الآخرةِ سنة ثلاثَ عشرةَ من التاريخ‏.‏

وغسلته امرأته أسماءُ بنت عُميسٍ‏.‏

وصلٌى عليه

عمرُ بن الخطاب بين القبر والمِنبر وكبّر أربعا‏.‏

الزُّهري عن سعيد بن المُسيّب قال‏:‏ لما تُوفى أبو

بكر أقامت عليه عائشة النَوح فبلغ ذلك عمرَ فنهاهنَ فأبين‏.‏

فقال لهشام بنِ الوليد‏:‏ أخرج إلي

بنت أبي قُحافة فأخرج إليه أم فَروة فعلاها بالدرّة ضرباً فتفرَقت النوائح‏.‏

وقالت عائشة

وأبوها يَغمِض رضي الله عنه‏:‏

وأبيضُ يُستسقى الغمامُ بوَجهه ربيع اليتامى عِصْمة للأرامِل

قالت عائشة‏:‏ فنظر إلي وقال‏:‏ ذاك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم أغمي عليه‏.‏

فقالت‏:‏

لعمرُك ما يُغنى الثرَّاءُ عن الفَتى إذا حَشْرجتْ يوماً وضاق بها الصدرُ

فنظر إلي كالغَضبان وقال‏:‏ قولي‏:‏ ‏"‏ وجاءتْ سَكْرةُ الموِت بالحقّ ذلك ما كُنت منه تَحِيد ‏"‏ ثم قال‏:‏

عُروة بن الزبير والقاسم بن محمد قالا‏:‏ أوصى أبو بكر عائشةَ أن يدفن إلى جنب رسول اللهّ

صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما تُوفى حُفر له وجعل رأسُه بين كَتِفي رسول اللهّ صلى الله عليه

وسلم ورأسُ عمرَ عند حَقْوي أبي بكر‏.‏

وبقي في البيت موضع قبر‏.‏

فلما حضرت الوفاةُ الحسنَ

بن عليّ أوصى بأن يُدفن مع جدّه في ذلك الموضع‏.‏

فلما أراد بنو هاشم أن يَحفِروا له مَنعهم

مروانُ وهو والي المدينة في أيام معاوية‏.‏

فقال أبو هُريرة‏:‏ علام تمنعه أن يُدفن مع جدّه فأشهدُ

لقد سمعتُ رسول الله عليه يقول‏:‏ الحسن والْحُسين سيّدا شباب أهل الجنة‏.‏

قال له مروان‏:‏ لقد

ضَيّع الله حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يَرْوه غيرُك‏.‏

قال‏:‏ أنا والله لقد قلتُ

ذلك لقد صحبتُه حتى عرفتُ مَن أحبُ ومن أبغض ومن نَفى ومن أقرّ ومن دعا له ومن دعا

عليه‏.‏

قال‏:‏ وسُطح قبرُ أبي بكر كما سُطح قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم ورُش بالماء‏.‏

هشام بن عُروة عن أبيه‏:‏ إن أبا بكر صُلّي عليه ليلا ودُفن ليلا‏.‏

ومات وهو ابن ثلاثٍ وستين

سنة ولها مات النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعاش أبو قحافة بعد أبي بكر أشهراً وأياماً

ووهب نصيبَه في ميراثه لولد أبي بكر‏.‏

وكان نَقش خاتم أبي بكر‏:‏ نعم القادر اللّه‏.‏

ولما قُبض أبو

بكر سُجّى بثوب فارتجت المدينة من البكاء ودَهشِ القوم كيوم قُبض فيه رسولُ اللّه صلى

الله عليه وسلم‏.‏

وجاء عليّ بن أبي طالب باكياً مُسرعاً مسترجعاً حتى وقف بالباب وهو

يقول‏.‏

رَحِمك اللهّ أبا بكر كنتَ واللهّ أولَ القوم إسلاماً وأصدَقهم إيماناً وأشدَّهم يقينا

وأعظَمهم غَناء واحفظهم على رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وأحدبَهم على الإسلام

وأحماهم عن أهله وأنسبَهم برسول الله خُلقا وفضلا وهَديا وسَمْتا فجزاك اللّه عن الإسلام

وعن رسول اللهّ وعن المسلمين خيرا‏.‏

صدقت رسول الله حين كذّبه الناس وواسيتَه حين بخلوا

وقمتَ معه حين قعدوا وسمّاك اللهّ في كتابه صدَيقاً فقال‏:‏ ‏"‏ والذي جاء بالصِّدق وصَدّق به ‏"‏

يريد محمداً ويريدك‏.‏

كنت والله للإسلام حِصناً وللكافرين ناكباً لم تضلل حجّتك ولم تَضعف

بصيرتك ولم تَجبن نفسُك‏.‏

كنت كالجبلِ لا تحركه العواصف ولا تُزيله القواصف‏.‏

كنت كما

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ضعيفاً في بدنك قوياً في دينك متواضعاً في نفسك

عظيماً عند اللّه جليلاً في الأرض كبيراً عند المؤمنين‏.‏

لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى

فالضعيفُ عندك قويّ والقويّ عندك ضعيف حتى تأخذ الحق من القوي وتأخذه للضعيف

فلا حَرمك اللّه أجرك ولا أضلّنا بعدك‏.‏

القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين أنها دخلت

على أبيها في مرضه الذي تُوفي فيه فقالت‏:‏ يا أبت اعهد إلى خاصّتك وأنفذ رأيك في عامّتك

وانقل من دار جهازك إلى دار مُقامك إنك مَحضور ومتّصل بي لوعتُك وأرى تخاذلَ أطرافك

وانتقاع لونك فإلى اللهّ تَعْزيتي عنك ولديه ثوابُ حُزني عليك‏.‏

أرقأ فلا أرْقأ وأشكو فلا

أُشكى‏.‏

قال‏:‏ فَرفع رأسه وقال‏:‏ يا أمّه هذا يوم يُخلَّى لي فيه عن غطائي وأشاهد جَزائي

إن فرحاً فدائم وان ترحاً فمُقيم‏.‏

إني اضطلعتُ بإمامة هؤلاء القوم حين كان النُّكوص إضاعة

والخَزَل تفريطا فشهيدي اللّه ما كان بقلبي إلا إياه فتبلّغت بصَحفتهم وتعلّلت بدرّة لِقْحتهم

فأقمت صلايَ معهم لامختالًا أشِراً ولا مُكاثراً بَطِراً‏.‏

لم أعْدُ سدّ الجَوعة وتَوْرية العَوْرة

وإقامة القِوام من طوى مُمعض تهفو منه الأحشاء وتجفّ له الأمعاء فاضطررت إلى ذلك

اضطرار الجَرِض إلى الماء المَعيفِ الآجن‏.‏

فإذا أنا مِتّ فردّي إليهم صَحْفتهم وعبدهم ولقحتهم

ورَحاهم ودثارةً ما فوقي اتقيت بها البرد ووِثارةً ما تحتي اتقيتُ بها أذى الأرض كان حشوها

قِطَع السعف‏.‏

قال‏:‏ ودخل عليه عمر فقال‏:‏ يا خليفة رسول اللهّ لقد كلفت القوم بعدك تعباً

وولّيتهم نصباً فهيهات من شَقَّ غُبارك‏!‏ فكيف اللحاقُ بك‏!‏‏.‏

استخلاف أبي بكر لعمر

عبد اللّه بن محمد التّيمي عن محمد بن عبد العزيز‏:‏ إن أبا بكر الصديق حين حضرته الوفاةُ كتب

عَهده وبَعث به مع عثمان بن عفان ورجلٍ من الأنصار ليقرآه على الناس فلما اجتمع الناسُ

قاما فقالا‏:‏ هذا عهدُ أبي بكر فإن تُقِرُّوا به نقرأْه وإن تُنكروه نرجعه‏.‏

فقال‏:‏ بسم اللّه الرحمن

الرحيم‏.‏

هذا عهد أبي بكر بن أبي قُحافة عند آخر عهده بالدُّنيا خارجا منها وأوّل عهده

بالآخرة داخلاً فيها حيثُ يُؤمِن الكافر ويتقي الفاجر ويَصدق الكاذب‏.‏

إني أَمّرت عليكم

عمرَ بن الخطّاب فإن عَدل واتقى فذاك ظنِّي به ورجائي فيه وإن بدّل وغيّر فالخيرَ أردت لا

يعلم الغيب إلا الله قال أبو صالح‏:‏ أخبرنا محمد بن وضاح قال‏:‏ حدّثني محمد بن رُمْح بن المهاجر

التُّجيبي قال‏:‏ حدّثني الليثُ بن سعد عن عُلوان عن صالح بن كَيسان عن حميد ابن‏.‏

عبد الرحمن

بن عوف عن أبيه أنه دخل على أبي بكر رضي الله عنه في مَرضه الذي تُوفي فيه فأصابه مُفيقا

فقال‏:‏ أصبحت بحمد اللهّ بارئاً‏.‏

قال أبو بكرِ‏:‏ أتراه قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أما إني على ذلك لشديدُ

الِوَجع ولما لقيتُ منكم يا معشر المُهاجرين أشدُّ عليَّ من وَجعي‏.‏

إني وَليت أمَركم خيركم في

نفسي فكلّكم وَرِم من ذلك أنفه يريد أن يكون له الأمر من دونه ورأيتم الدنيا مُقبلة ولن تقبل

- وهي مُقبلة - حتى تتخذوا سُتور الحرير ونضائد الدِّيباج وتألموا الاضطجاع على الصوف

الأَذربيّ كما يألم أحدُكم الاضطجاع على شَوك السّعدان‏.‏

والله لأن يُقدّم أحدكم فتُضرب عُنقه

في غير حدّ خير له من أن يَخوض في غَمْرة الدنيا‏.‏

ألا وإنكم أول ضالّ بالناس غدا فتصدّوهم

عن الطريق يميناً وشمالاً‏.‏

يا هاديَ الطريق إنما هو الفَجر أو البَحْر‏.‏

قال‏:‏ فقلتُ له‏:‏ خَفِّض عليك

يَرحمك اللّه فإن هذا يَهيضك على ما بك إنما الناس في أَمرك بين رجلين إما رجل رأى ما

رأيتَ فهو معك وإما رجل خالفَك فهو يُشير عليك برأيه وصاحبَك كما تُحب ولا نَعلمك

أردتَ إلا الخير ولم تزل صالحا مُصلحا مع أنك لا تأسي على شيء من الدنيا‏.‏

فقال‏:‏ أجل

إني لا آسىَ على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وودتُ أني تركتهن وثلاثٍ تركتهن

ووددتُ أني فعلتهن وثلاثٍ وددتُ أني سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنهن‏.‏

فأما

الثلاث التي فعلتهن ووددتُ أني تركتُهن‏:‏ فوددتُ أني لم أكشف بيتَ فاطمة عن شيء وإن كانوا

أغلقوه على الحرب ووددتُ أني لم أكن حَرقت الفَجَاءة السلمي وأني قتلته سريحاً أو خلَيته

نجيحا ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قد رميتُ الأمر في عُنق أحد الرجلين فكان

أحدُهما أميراً وكنتُ له وزيراً - يعني بالرجلين عمرَ بن الخطاب وأبي عُبيدة بن الجراح - وأما

الثلاث التي تركتُهن ووددتُ أني فعلتُهن‏:‏ فوددتُ أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربتُ

عنقه فإنه يُخيل إلي أنه لا يرى شرُّا إلا أعان عليه ووددتُ أني سيرت خالدَ بن الوليد إلى أهل

الردة أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظَفروا وإن انهزموا كنتُ بصدد لقاء أو مَدد ووددت

أني وجهت خالد بن الوليد إلى الشام ووجهتُ عمر ابن الخطاب إلى العِراق فأكون قد بسطت

يدَي كلتيهما في سبيل اللّه‏.‏

وأما الثلاث التي وددتُ أني أسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

عنهن‏:‏ فإني وددتُ أني سألته‏:‏ لمن هذا الأمر من بعده فلا يُنازعه أحد وأني سألته هل

للأنصار يا هذا الأمر نصيب فلا يُظلموا نصيبَ منه ووددتُ أني سألته عن بنت الأخ والعَمة

فإنَ في نفسي منهما شيئاً‏.‏

نسب عمر بن الخطاب وصفته

أبو الحسن عليّ بن محمد قال‏:‏ هو عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزى بن رِياح بن عبد اللّه

بن قُرط بن رَزاح بن عَدِيّ بن كعب بن لُؤي بن غالب ابن فِهْر بن مالك‏.‏

وأُمه حَنْتمة بنت

هاشم بن المُغيرة بن عبد الله بن عمرِ بن مَخزوم‏.‏

وهاشم هو ذو الرُمحين‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ كان

عمر رجلاً آدمَ مُشْرَباً حُمرة طويلاً أصلِع له حِفَافان حسنَ الخدّين والأنف والعينين غليظَ

القدمين والكفين مَجُدول الفحم حسن الخَلق ضخم الكراديس أعسَر يَسَر إذا مَشى كأنه

راكب‏.‏

وَلى الخلافةَ يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من جُمادى الآخرة سنة ثلاثَ عشرةَ من التاريخ‏.‏

وطعن لثلاث بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث وعشرين من التاريخ‏.‏

فعاش ثلاثةَ أيام‏.‏

ويقال سبعة

أيام‏.‏

مَعْدان بن أبي حَفصة قال‏:‏ قُتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث

وعشرين وهو ابن ثلاثٍ وستين سنة في رواية الشعبيّ‏.‏

ولها مات أبو بكر ولها مات النبي

صلى الله عليه وسلم‏.‏

فضائل عمر بن الخطاب

أبو الأشهب عز الحسن قال‏:‏ عاتب عُيينةُ عثمانَ فقال له‏:‏ كان عمر خيراً لنا منك أعطانا

فأغنانا وأخشانا فأتْقانا‏.‏

وقيل لعثمان‏:‏ ما لك لا تكون مثلَ عمر قال‏:‏ لا أستطيع أن أكون

مثلَ لُقمان الحَكيم‏.‏

القاسم بن عمر قال‏:‏ كان إسلام عمر فَتحاً وهجرته نصراً وإمارته رحمة‏.‏

وقيل‏:‏ إن عمر خَطب امرأة من ثقيف وخطبها المُغيرة فزوَجوها المُغيرة‏.‏

فقال النبيُ صلى الله

عليه وسلم‏:‏ ألا زوجتم عمر فإنه خير قريش أولها وآخرها إلا ما جعل اللهّ لرسوله‏.‏

الحسن بن

دينار عن الحسن قال‏:‏ ما فَضل عمرُ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان أطولَهم

صلاة وأكثرَهم صياماً ولكنه كان أزهدهم في الدنيا وأشدهم في أمر الله‏.‏

وتظلّم رجل من

بعض عًمال عمر وادًعى أنه ضَربه وتعدَى عليه فقال‏:‏ اللهم إِني لا أحلُّ لهم أشعارَهم ولا

أبشارهم‏.‏

كلُ من ظَلمه أميرُه فلا أميرَ عليه دوني ثم أقاده منه‏.‏

عَوَانُة عن الشًعبي قال‏:‏ كان

عمر يطوف في الأسواق ويقرأ القرآن ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم‏.‏

وقال المُغيرة بن

شُعبة وذكر عُمَر فقال‏:‏ كان والله له فضلٌ يمنعه من أن يَخدع وعقل يَمنعه من أن يَنخدع‏.‏

فقال عمر‏:‏ لست بِخَب ولا الَخب يَخدعني‏.‏

عِكرمة عن ابن عباس قال قال‏:‏ بينما أنا أمشي

مع عُمرَ بن الخطاب في خلافته وهو عامد لحاجة له وفي يده الذَرة فأنا أمشي خلفه وهو

يُحدّث نفسَه ويَضرب وحشي قَدميه بدِرَّته إذ التفت إليّ فقال‏:‏ يا بن عبّاس أتدري ما

حَملني على مَقالتي التي قلتُ يوم تُوفّي رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ الذي

حَملني على ذلك أنِّي كنتُ أقرأ هذه الآية‏:‏ ‏"‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شًهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ‏"‏ فواللّه إني كنت لأظنّ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

سيبقى في أمته حتى يَشهد علينا بأخفّ أعمالنا فهو الذي دَعاني إلى ما قلت‏.‏

ابن دأب قال‏:‏

قال ابن عبّاس‏:‏ خرجت أريد عمر في خلافته فألفيتُه راكباً على حمار قد أَرْسنه بحَبل أسود

وفي رجليه نَعلان مخصوفتان وعليه إزار قصير وقميص قصير قد انكشفت منه ساقاه

فمشيتُ إلى جَنبه وجعلتُ أجبِذُ الإزار عليه فجعل يَضحك ويقول‏:‏ إنه لا يطيعك‏.‏

حتى أتى

العالية فَصنع له قومٌ طعاماً من خُبز ولحم فدَعه إليه وكان عمر صائماً فجعل يَنبُذ إليّ

الطعام ويقول‏:‏ كُلْ لي ولك‏.‏

ومن حديث ابن وَهْب عن اللَّيث بن سعد‏:‏ أن أبا بكر لم يكن يأخذ

من بيت المال شيئاً ولا يُجري عليه من الفيء درهما إلا أنه استلف منه مالاً فلما حَضرته

الوفاةُ أمر عائشةَ بردّه‏.‏

وأما عمرُ بن الخطاب فكان يُجرى على نفسه دِرْهمين كلَّ يوم‏.‏

فلما وَلى

عمرُ بن عبد العزيز قيل له‏:‏ لو أخذتَ ما كان يأخذ عمرُ بن الخطّاب قال‏:‏ كان عمرُ لا مالَ له

وأنا مال يُغنيني بم فلم يأخذ منه شيئاً‏.‏

أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ قال عمر وقام على الرَّدم‏:‏

أين حقك يا أبا سفيان مما هنا قال‏:‏ ممّا تحت قَدميك إليّ‏.‏

قال‏:‏ طالما كنتَ قديمَ الظّلم ليس

لأحد فيما وراء قدميّ حق إنما هي منازل الحاج‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ وكان رجلٌ من قريش قد

تقدَّم صدرٌ من داره عن قدمَي عمر فهدمه‏.‏

وأراد أن يُغوِّر البئر فقيل له‏:‏ في البئر للناس

مَنفعة فتركها‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ إذا ودَّع الحاجًّ ثم بات خلفَ قدمي عمرَ لم أرَ عليه أن يرجع‏.‏

يقول‏:‏ قد خرج من مكة‏.‏

مقتل عمر

أبو الحسن‏:‏ كان للمُغيرة بن شُعبة غلام نَصراني يقال له‏:‏ فَيْروز أبو لؤلؤة وكان نجَّاراً لطيفاً

وكان خِراجُه ثقيلاً فشكا إلى عمر ثِقل الخراج وسأله أن يكلِّم مولاه أن يُخفِّف عنه من خراجه

فقال له‏:‏ وكم خِراجك قال ثلاثة دراهم في كل شهر‏.‏

قال وما صناعتُك قال‏:‏ نجَّار‏.‏

قالت‏:‏

ما أرى هذا ثقيلاً في مثل صناعتك‏.‏

فخرج مُغضَباً فاستلّ خِنْجراً محدودَ الطَّرفين‏.‏

وكان عمر

قد رأى في المَنام ديكاً أحمر ينقره ثلاث نَقرات فتأوله رجلاً من العجم يَطعنه ثلاثَ طَعنات‏.‏

فطعنه أبو لُؤِلؤة بخِنْجره ذلك في صلاة الصُّبح ثلاثَ طَعنات إحداها بين سرُّته وعانته فخرقت

الصِّفاق وهي التي قتلته‏.‏

وطُعن في المسجد معه ثلاثةَ عشرَ رجلاً مات منهم سَبعة‏.‏

فأقبل

رجلٌ من بني تميم يقال له حِطَّان فألقى كِساءه عليه ثم احتضنه‏.‏

فلما علم العِلج أنه مأخوذ

طَعن نفسه وقدَّم عُمر صُهيباً يصلِّي بالناس فقرأ بهم في صلاة الصُّبح‏:‏ ‏"‏ قل هو اللّه أَحد ‏"‏ في

الرَّكعة الأولى و ‏"‏ قُل يأيها الكافرون ‏"‏ في الرّكعة الثانية‏.‏

واحتُمل عمر إلى بيته فعاش ثلاثةَ أيام ثم

مات‏.‏

وقد كان استأذن عائشةَ أن يُدفن في بيتها مع صاحبيه فأجابته وقالت‏:‏ واللّه لقد كنتُ

أردتُ ذلك المَضجع لنفسي ولأوثرنّه اليوم على نفسي‏.‏

فكانت ولايةُ عمر عشرَ سنين‏.‏

صلّى

عليه صُهيب بين القَبر والمِنْبر ودُفن عند غروب الشمس‏.‏

كاتبُه‏:‏ زيدُ بن ثابت وكتب له

مًعَيقب أيضاً‏.‏

وحاجبُه‏:‏ يرْفأ مولاه‏.‏

وخازِنُه‏:‏ يسار‏.‏

وعلى بيت ماله‏:‏ عبدُ اللّه ابن الأرقم‏.‏

وقال الليثُ بن سعد‏:‏ كان عمرُ أول من جَنّد الأجناد ودَوَّن الدَّواوين وجعل الخلافة شُورى بين

ستّة من المسلمين وهم‏:‏ عليّ وعُثمان وطِلْحة والزًّبير وسَعد بن أبي وقَّاص وعبدُ الرحمن بن

عوف ليختاروا منهم رجلاً يولّونه أمرَ المسلمين‏.‏

وأوصى أن يَحضُر عبدُ اللهّ بن عُمر معهم

وليس له من أمر الشُّورى شيء‏.‏

أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان

صالح بن كيسان قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ دخلت على عُمر في أيام طَعْنته وهو مُضطجع على

وسادة من أدم وعنده جماعةٌ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال له رجل‏:‏ ليس

عليك بأس‏.‏

قال‏:‏ لئن لم - يكن علِيّ اليوم ليكونّ بعد اليوم وإنّ للحياة لنصِيباً من القلب وإن

للموت لكُربة وقد كنتُ أحب أن أُنجيَ نفسي وأنجوَ منكمِ وما كنتُ من أمركم إلا كالغَريق يرى

الحياة فيرجوها ويخشى أن يموت دونها فهو يرْكض بيديه ورجليه وأشدُ من الغريق الذي يرى

الجنَة والنار وهو مشغول‏.‏

ولقد تركتُ زَهرتكم كما هي ما لبستُها فأخلقتُها وثمرتَكم يانعة في

أكمامها ما أكلتُها وما جَنيت ما جنيت إلا لكم وما تركتُ ورائي دِرْهما ما عدا ثلاثين أو

أربعين درهما ثم بكى وبكى الناسُ معه‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين أبشر فواللّه لقد مات رسولُ

الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض ومات أبو بكر وهو عنك راضٍ وإن المسلمين

راضون عنك‏.‏

قال‏:‏ المَغْرور واللّهَ من غَررتموه أما واللّه لو أن لي ما بين المشرق والمغرب

لافتديتُ به من هَوْل الُمَطّلَع‏.‏

داود بن أبي هِند عن قَتادة قال‏:‏ لما ثقُل عمر قال لولده عبد اللّه‏:‏

ضَع خَدّي على الأرض‏.‏

فَكَره أن يفعل ذلك‏.‏

فوضع عمرُ خذَه على الأرض وقال‏:‏ ويل لعمر

ولام عمر إن لم يَعْفُ اللّه عنه‏.‏

أبو أمية بن يَعلى عن نافع قال‏:‏ قيل لعبد اللّه بن عُمر‏:‏ تُغسل

الشهداء قال‏:‏ كان عمر أفضلَ الشُّهداء فغُسّل وكُفن وصلُيَ عليه‏.‏

يونس عن الحسن وهشامُ

بن عُروة عن أبيه قالا‏:‏ لما طُعن عمرُ بن الخطّاب قيل له‏:‏ يا أمير المُؤمنين لو استخلفتَ قال‏:‏

إن تركتُكم فقد تَرككم مَن هو خيرٌ منّي وإِن استخلفتُ فقد استخلف عليكم من هو خير

مني ولو كان أبو عُبيدة بن الجَراح حيًّا لاستخلفتُه فإن سألني ربَي قلت‏:‏ سمعتُ نبيك يقول‏:‏ إنه

أمينُ هذه الأمة ولو كان سالمٌ مولًى أبي حُذيفة حيا لاستخلفتُه فإن سألني ربِّي قلت‏:‏ سمعتُ

نبيَّك يقول‏:‏ إنّ سالماً ليُحب اللّه حُبَا لو لم يَخفه ما عصاه‏.‏

قيل له‏:‏ فلو أنك عهدتَ إلى عبد اللّه

فإنه له أهلٌ في دينه وفَضله وقديم إسلامه‏.‏

قال‏:‏ بِحَسْب آل الخطَّاب أن يُحاسَب منهم رجلٌ

واحد عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولوددتُ أني نجوتُ من هذا الأمر كَفافاً لا لي ولا

علي‏.‏

ثم راحوا فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين لو عهدتَ فقال‏:‏ قد كنتُ أجمعتُ بعد مقالتي لكم أن

أولّي رجلاً أمركم أرجو أن يَحملكم على الحق - وأشار إلى عليّ - ثم رأيتُ أن لا أتحملها

حيّا وميتاً فعليكم بهؤلاء الرًهط الذين قال فيهم النبيٌ صلى الله عليه وسلم‏.‏

إنهم من أهل الجنة منهم سَعيد بن زيد ابن عمرو بن نُفيل ولستُ مُدخِلَه فيهم ولكن الستَة‏:‏

علي وعثمان ابنا عبد مناف وسعد وعبد الرحمن بن عوف خال رسول اللهّ صلى الله عليه

وسلم والزبير حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته وطَلحة الخير فليختاروا

منهم رجلاً فإذا ولَوكم والياً فأحسِنوا مُؤازرته‏.‏

فقال العباس لعلي‏:‏ لا تَدخل معهم‏.‏

قال‏:‏ أكره

الخلاف‏.‏

قال‏:‏ إذن ترى ما تكره‏.‏

فلما أصبح عُمرُ دعا عليا وعثمان وسعداً والزُّبير وعبد

الرحمن ثم قال‏:‏ إني نظرت فوجدتُكم رؤساءَ الناس وقادَتهم ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم

وإني لا أخاف الناسَ عليكم ولكني أخافكم على الناس وقد قُبض رسول اللهّ صلى الله عليه

وسلم وهو عنكم راض فاجتمعوا إلى حُجرة عائشة بإذنها فتشاوروا واختاروا منكم رجلاً

ولْيُصل بالناس صُهيب ثلاثة أيام ولا يأتي اليومُ الرابع إلا وعليكم أميرٌ منكم ويحضركم عبدُ الله

مُشيراً ولا شيءَ له من الأمر وطلحة شريككم في الأمر فإن قَدِم في الأيام الثلاثة فأحضروه

أمركم وإن مَضت الأيام الثلاثة قبل قدُومه فأمضُوا أمركم‏.‏

ومن لي بطَلحة فقال سعد‏:‏ أنا لك

به إن شاء الله‏.‏

قال لأبي طَلحة الأنصاري‏:‏ يا أبا طلحة إنَ الله قد أعزّ بكم الإسلام فاختر

خَمسين رجلاً من الأنصار وكُونوا مع هؤلاء الرهط حتى يَختاروا رجلاً منهم‏.‏

وقال للمِقْداد بن

الأسود الكِنديّ‏:‏ إذا وضعتُموني في حُفرتي فاجمع هؤلاء الرَّهط حتى يختاروا رجلاً منهم‏.‏

وقال لصُهيب‏:‏ صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليًّا وعثمان والزُّبير وسعداً وعبد الرحمن

وطَلحة إن حَضر بيت عائشة وأحْضِر عبدَ الله بن عمر وليس له في الأمر شيء وقُم على

رُؤوسهم فإن اجتمع خمسةٌ على رأي واحد وأبى واحدٌ فاشدَخ رأسه بالسيف وإن اجتمع

أربعةٌ فرضُوا وأبى اثنان فاضرب رأسيهما فإن رضي ثلاثة رجلاً وثلاثة رجلاً فحكِّموا عبدَ

الله بن عمر فإن لم يرضَوا بعبد الله فكُونوا مع الذين فيهم عبدُ الرحمن بن عوف واقتُلوا الباقين

إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس وخرجوا‏.‏

فقال علي لقوم معه من بني هاشم‏:‏ إن أطيع فيكم

قومُكم فلن يومروكم أبداً‏.‏

وتلقاه العبَّاس فقال له‏:‏ عَدلتْ عنا‏.‏

قال له‏:‏ وما أعلمك قال‏:‏ قَرن

بي عثمان ثم قال‏:‏ إن رضي ثلاثةٌ رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبدُ الرحمن بن عوف فسَعد لا

يخالف ابن عَمه عبد الرحمن وعبدُ الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فلو كان الآخران معي ما

نَفعاني فقال العبّاس‏:‏ لم أدفعك في شيء إلا رجعتَ إليّ مستأخرا بما أكره أشرتُ عليك عند

وفاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت وأشرتُ عليك بعد

وفاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن تعاجل الأمر فأبيت وأشرتُ عليك حين سمَّاك عمر في

الشُّورى أن لا تدخل معهم فأبيت فاحفظ عنّي واحدة‏:‏ كل ما عرَض عليك القوم فأمسك إلى

أن يولّوك واحذر هذا الرهطَ فإنهم لا يَبْرَحون يدفعوننا عن هذا الَأمر حتى يقوم لنا به غيرُنا‏.‏

فلما مات عمر وأخرجت جِنازته تصدَّى عليّ وعثمان أيهما يصلّي عليه‏.‏

فقال عبدُ الرحمن‏:‏

كلا كما يحب الأمر لستما مِن هذا في شيء هذا صُهيب استخلفه عمرُ يصلّي بالناس ثلاثاً

حتى يجتمع الناس على إمام‏.‏

فصلّى عليه صُهيب‏.‏

فلما دُفن عمر جمع المِقدادُ بن الَأسود أهل

الشُّورى في بيت عائشة بإذنها وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا طلحة

فَحجبهم‏.‏

وجاء عمرو بن العاص والمُغيرة بن شُعبة فجلسا بالباب فَحصبهما سعد وأقامهما

وقال‏:‏ تُريدان أن تقولا‏:‏ حضرنا وكُنَّا في أهل الشُّورى‏!‏ فتنافس القومُ في الأمر وكثُر بينهم

الكلام كلٌّ يرى أنه أحقُّ بالأمر‏.‏

فقال أبو طلحة‏:‏ أنا كنتُ لأن تدفعوها أخوفَ مني لأن

تنافسوها لا والذي ذَهب بنفس محمد لا أَزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر بها عمر أو أَجلس

في بيتي‏.‏

فقال عبدُ الرحمن‏:‏ أيكم يُخرج منها نفسه ويتقلّدها على أن يُولّيها أفضَلكم فلم يُجبه

أحد‏.‏

قال‏:‏ فأنا أنخلع منها‏.‏

قال عثمان‏:‏ أنا أولُ مَن رضي فإني سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله

عليه وسلم يقول‏:‏ عبدُ الرحمن أمين في السماء أمين في الأرض‏.‏

فقال القوم‏:‏ رضينا وعليّ

ساكت‏.‏

فقال‏:‏ ما تقول يا أبا الحسن قال‏:‏ إن أعطيتَني مَوْثقا لتُؤْثرنّ الحق ولا تَتبع الهوى ولا

تَخُص ذا رَحم ولا تألو الأمة نُصحاً‏.‏

قال‏:‏ أعطوني مواثيقَكم على أن تكونوا معي على مَن

نَكل وأنْ ترضوا بما أخذتُ لكم‏.‏

فتوثّق بعضُهم من بعض وجعلوها إلى عبد الرحمن‏.‏

فخَلا بعليّ فقال‏:‏ إنك أحق بالأمر لقَرابتك وسابقتك وحُسن أثرك ولم تَبْعد فمن أحقُّ بها

بعدك مِن هؤلاء قال‏:‏ عثمان‏.‏

ثم خلا بعثمان فسأل عن مثل ذلك‏.‏

فقال‏:‏ علي ثم خلا

بسعد‏.‏

فقال عثمان ثم خلا بالزبير‏.‏

فقال‏:‏ عثمان‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ لما خاف عليُّ بن أبي طالب

عبدَ الرحمن بن عوف والزُّبير وسعدا أن يكونوا مع عثمان لقي سعدا ومعه الحسنُ والحُسين فقال

له‏:‏ ‏"‏ اتقُوا اللّهَ الَّذي تَساءلون به والأرحام إنَ اللّه كان عليكم رَقِيباً ‏"‏‏.‏

أسألك برَحم ابنيّ هذيِنِ

من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبرَحم عمِّي حمزة منك أن لا تكون مع عبد الرحمن ظهيراً

عليّ لعُثمان فإنّي أدلي إليك بما لا يُدلي به عثمان‏.‏

ثم دار عبدُ الرحمن لياليَه تلك على مشايخ

قُريش يُشاورهم فكلّهم يُشير بعثمان حتى إذا كان في الليلة آلتي استكمل فيم صَبيحتها الأجل

أتى منزلَ المِسْورِ ابن مخْرمة بعد هَجْعة من الليل فأيقظه فقال‏:‏ ألا أراك إلا نائما ولم أذق في

هذه الليالي نوما فانطلِقْ فادعُ لي الزًّبير وسعداً فدعا بهما‏.‏

فبدأ بالزُّبير في مُؤخَّر المسجد

فقال له‏:‏ خَلِّ بني عبد مناف لهذا الأمر‏.‏

فقال‏:‏ نَصيبي لعلّي‏.‏

فقال لسعد‏:‏ أنا وأنت كالآلة

فاجعل نصيبَك لي فأختار‏.‏

قال‏:‏ أما إن اخترت نفسك فنَعم وأما إن اخترت عثمان فعليٌّ

أحب إليَّ منه‏.‏

قال‏:‏ يا أبا إسحاق إني قد خلعت نفسي منها على أن أختار ولو لم أفعل

وجُعل إليَّ الخيارُ ما أردتُها إني رأيت كأني في رَوْضة خضراء كثيرةِ العُشب فدخل فَحْل لم

أر مثلَه فحلاً أكرمَ منه فمرّ كأنه سَهم لا يلتفت إلى شيء مما في الرَّوضة حتى قَطعها ودَخل

بعير يتلوه فأتبع أثرَه حتى خرج إليه من الرّوضة ثم دخل فحلٌ عَبقريّ يَجر خُطامه يلتفت يميناً

وشمالًا وَيمضي قَصْد الأولَيْن ثم خرج من الرَّوضة ثم دخل بعير رابع فرَتع في الروضة ولا واللّه

لا أكون البعيرَ الرابع ولا يقوم بعد أبي بكر وعُمَر أحدٌ فيرضى الناسُ عنه‏.‏

ثم أرسل المِسْورَ إلى

عليّ وهو لا يَشك أنه صاحب الأمر‏.‏

ثم أرسل المِسْورَ إلى عثمان فناجاه طويلاً حتى فرَّق

بينهما آذان الصُّبح‏.‏

فلما صَلوا الصبحَ جَمع إليه الرهطَ وبعث إلى مَن حَضره من المُهاجرين

والأنصار وإلى أمراء الأجناد حتى ارتج المسجد بأهله فقال‏:‏ أيها الناس إنِّ الناس قد احبُّوا

أن تلحق أهلُ الأمصار بأمصارهم وقد عَلموا مَن أميرُهم‏.‏

فقال عمَّار بن ياسر‏:‏ إن أردت أن لا

يختلف المسلمون فبايع عليا‏.‏

فقال المِقداد بن الأسود‏:‏ صدق عمَّار إن بايعتَ عليّا قلنا‏:‏ سَمِعنا

وأطعنا‏.‏

قال ابن أبي سَرْحٍِ‏:‏ إنْ أردتَ أن لا تختلف قريش فبايع عُثمان إن بايعتَ عثمان

سمعنا وأطَعْنا‏.‏

فشتم عمار ابن أبي سَرْح وقال‏:‏ متي كنتَ تَنصح المسلمين‏!‏ فتكلم بنو هاشم

وبنو أمية‏.‏

فقال عمار‏:‏ أيها الناس إن اللّه أكرمنا بنبيّنا وأعزّنا بدينه فأنى تَصْرفون هذا الأمرَ

عن بيت نبيّكم‏!‏ فقال له رجلَ من بني مخزوم‏:‏ لقد عدوتَ طَوْرك يا بن سُمية وما أنت وتأميرُ

قريش لأنفسها‏.‏

فقال سعدُ بن أبي وقَاص‏:‏ يا عبد الرحمن افرُغ قبل أن يفتتن الناسُ‏.‏

فقال عبد

الرحمن‏:‏ إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلُن أيها الرهطُ على أنفسكم سبيلا‏.‏

ودعا عليّاً فقال‏:‏ عليك عهدُ الله وميثاقُه لتعملنّ بكتاب الله وسُنة نبيه وسيرة الخَليفتين من

بعده قال‏:‏ أعمل بمبلغ علمي وطاقتي‏.‏

ثم دعا عثمان فقال‏:‏ عليك عهدُ اللّه وميثاقُه لتعملنَّ

بكتاب اللّه وسُنة نبيّه وسرة الخليفتين من بعده فقال‏:‏ نعم فبايعه‏.‏

فقال عليّ‏:‏ حبوتَه محاباةً

ليس ذا بأول يوم تَظاهرتم فيه علينا أمَا والله ما ولّيتَ عثمانَ إلا ليردّ الأمر إليك والله كل يومٍ

هو في شأن‏.‏

فقال عبدُ الرحمن‏:‏ يا علي لا تَجعل على نفسك سبيلا فإِنّي قد نظرتُ

وشاورتُ الناسَ فإذا هم لا يَعْدلون بعثمانَ أحدا‏.‏

فخرج عليّ وهو يقول‏:‏ سيَبلغ الكتابُ أجلَه‏.‏

فقال المقدادُ‏:‏ يا عبد الرحمن أمَا والله لقد تركتَه من الذين يَقْضون بالحقّ وبه يَعْدلون‏.‏

فقال‏:‏ يا

مقداد والله لقد اجتهدتُ للمُسلمين‏.‏

قال‏:‏ لئن كنتَ أردتَ بذلك الله فأثابك الله ثوابَ المحسنين‏.‏

ثم قال‏:‏ ما رأيتُ مثلَ ما أوتي أهلُ هذا البيت بعد نبيِّهم إني لأعجب من قريش أنهم تركوا

رجلاً ما أقول إن أحداً أعلم منه ولا أقضيَ بالعَدْل ولا أعرفَ بالحق أما واللّه لو أجد أعوانا‏!‏

قال له عبدُ الرحمن‏:‏ يا مقداد اتق الله فإني أخشى عليك الفِتْنة‏.‏

قال‏:‏ وقدم طلحة في اليوم

الذي بُويع فيه عثمان فقيلِ له‏:‏ إنَ الناسَ قد بايعوا عثمان‏.‏

فقال‏:‏ أكُلّ قُريش رضُوا به قالوا‏:‏

نعم‏.‏

وأتى عثمان فقال له عثمانُ‏:‏ أنت على رأس أمرك‏.‏

قال طلحة‏:‏ فإنْ أبيتُ أتردُها قال‏:‏

نعم‏.‏

قال‏:‏ أكل الناس بايعوك قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ قد رضيتُ لا أرغب عما اجتمعت الناسُ

عليه وبايعه‏.‏

وقال المغيرة بن شُعبة لعبد الرحمن‏:‏ يا أبا محمد قد أصبتَ إذ بايعتَ عثمان ولو

بايعت غيرَه ما رضيناه‏.‏

قال‏:‏ كذبتَ يا أعور لو بايعتُ غيره لبايعتَه وقلت هذه المقالة‏.‏

وقال

عبدُ الله بن عباس‏:‏ ماشيتُ عمرَ بن الخطاب يوماً فقال لي‏:‏ يا ابن عبّاس ما يمنع قومَكم منكم

وأنتم أهلَ البيت خاص قلت‏:‏ لا أدري‏.‏

قال‏:‏ لكني أدري إنكم فَضلتموهم بالنّبوة فقالوا‏:‏ إن

فَضلوا بالخلافة مع النبوّة لم يُبقوا لنا شيئاً وإن أفضل النَّصيبين بأيديكم بل ما إخالها إلا مُجتمعة

لكم وإن نزلت على رغم أنف قريش‏.‏

فلما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من

أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمد قيل لعبد الرَّحمن‏:‏ هذا عملُك قال‏:‏ ما ظننتُ هذا ثمَ

مَضى ودَخل عليه وعاتَبه وقال‏:‏ إنما قَدَّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر

فخالفتَهما وحابيتَ أهل بيتك وأوطأتَهم رِقاب المُسلمين‏.‏

فقال‏:‏ إنَ عمر كان يَقطع قرابته في الله

وأنا اصِل قَرابتي في الله‏.‏

قال عبدُ الرحمنِ‏:‏ للّه عليّ أن لا أكلمك أبدا فلم يُكلَمه أبداً حتى

مات ودخل عليه عثمان عائداً له في مرَضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يُكلِّمه‏.‏

ذكروا أنَ زياداً

أوفد ابن حُصين على معاوية فأقام عنده ما أقام ثم إنَ معاويةَ بعث إليه ليلا فخلا به فقال

له‏:‏ يا بن حُصين قد بلغني أنَّ عندك ذِهناً وعَقلا فأَخبرني عن شيء أسألُك عنه‏.‏

قال‏:‏ سَلْني

عما بدا لك‏.‏

قال‏:‏ أخبرني ما الذي شتَت أمرَ المسلمين وفَرق أهواءهم وخالف بينهم قال‏:‏

نعم قَتْل الناسِ عثمانَ‏.‏

قال‏:‏ ما صنعتَ شيئاً‏.‏

قال‏:‏ فمسيرُ عليّ إليك وقِتالًه إياك‏.‏

قال‏:‏ ما

صنعت شيئاً‏.‏

قال‏:‏ ما عندي غيرُ هذا يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ فأنا أخبرك إنه لم يُشتت بين

المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشُّورى التي جعلها عمرُ إلى ستّة نفر وذلك أنَّ

اللّه بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كَره المُشركون فَعَمل بما أمره اللّه

به ثم قَبضه الله إليه وقدَم أبِا بكر للصلاة فرضُوه لأمر دُنياهم إذ رَضِيه رسولُ الله صلى الله

عليه وسلم لأمر دينهم فَعمل بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بسَيْره حتى قبضه

اللّه واستخلف عمرَ فعمل بمثل سِيرته ثم جعلها شورى بي ستة نفر فلم يكن رجلٌ منهم إلا

رجاها لنفسه ورجاها له قومُه وتطلعت إلى ذلك نفسُه‏.‏

ولو أنَّ عمرَ استخلف عليهم كما

استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف‏.‏

وقال المُغيرة بن شُعبة‏:‏ إني لعند عمرَ بن الخطاب

وليس عنده أحد غيري إذا أتَاه آتٍ فقال‏:‏ هل لك يا أميرَ المؤمنين في نَفر من أصحاب رسول

الله صلى الله عليه وسلم يزعمون أنَ الذي فعل أبو بكر في نفسه وفيك لم يكن له وأنه كان بغير

مَشورة ولا مُؤامرة وقالوا‏:‏ تعالوا نتعاهد أن لا نعود إلى مثلها‏.‏

قال عمر‏:‏ وأين هم قال‏:‏ ي دار

طَلْحة‏.‏

فخرج نحوهم وخرجتُ معه وما أعلمه يُبصرني من شدّة الغضب فلما رأواه كَرهوه

وظنوا الذي جاء له‏.‏

فوقف عليهم وقال‏:‏ أنتم القائلون ما قلتم والله لن تتحابوا حتى يتحابّ

الأربعة‏:‏ الإنسان والشيطان يُغويه وهو يَلعنه والنار والماء يطفئها وهي تُحرقه ولم يأنِ لكم بعدُ

وقد آن ميعادُكم ميعاد المسيخ متى هو خارج‏.‏

قال‏:‏ فتفرّقوا فسلك كلُّ واحد منهم طريقا‏.‏

قال

المُغيرة‏:‏ ثم قال لي‏:‏ أدرك ابن أبي طالب فاحْبِسه عليّ‏.‏

فقلت‏:‏ لا يفعل أميرُ المؤمنين وهو مُغِدّ‏.‏

فقال‏:‏ أدرِكه وإلا قلتُ لك يا بن الدباغة‏.‏

قال‏:‏ فأدركتُه فقلت له‏:‏ قِف مكانَك لإمامك واحلُم

فإنه سُلطان وسيَندم وتَندم‏.‏

قال‏:‏ فأقبل عمر فقال‏:‏ والله ما خَرج هذا الأمر إلا من تحت

يدك‏.‏

قال عليّ‏:‏ اتق أن لا تكون الذي نُطيعك فَنَفْتِنك‏.‏

قال‏:‏ وتُحب أن تكون هو قال‏:‏ لا ولكنَّنا

نُذكّرك الذي نَسيتَ‏.‏

فالتفت إليّ عمر فقال‏:‏ انصرف فقد سمعتَ منَا عند الغضب ما كفاك

فتنجّيتُ قريباً وما وقفتُ إلا خشيةَ أن يكون بينهما شيء فأكونَ قريباً فتكلَما كلاماً غير

غَضْبانين ولا راضيَين ثم رأيتُهما يَضحكان وتفرقا‏.‏

وجاءني عمر فمشيتُ معه وقلت‏:‏ يَغفر

الله لك أغضبتَ قال‏:‏ فأشار إلى علي وقال‏:‏ أما واللهّ لولا دُعابهٌ فيه ما شككتُ في ولايته

وإن نزلتْ على رَغم أنف قريش‏.‏

العُتبي عن أبيه‏:‏ إن عُتبة بن أبي سُفيان قال‏:‏ كنتُ مع معاوية في دار كِنْدة إذ أقبل الحسنُ

والحُسين ومحمد وبنو علي بن أبي طالب فقلت‏:‏ يا أميرَ المؤمنين إنَّ لهؤلاء القوم أشعاراً

وأبشاراً وليس مثلهم كَذب وهم يزعمون أنّ أباهم كان يعلم‏.‏

فقال‏:‏ إليك من صَوْتك فقد

قَرُب القوم فإذا قاموا فذكِّرني بالحديث فلما قاموا قلت يا أميرَ المؤمنين ما سألتُك عنه من

الحديث قال‏:‏ كل القوم كان يَعلم وكان أبوهم مِن أعلمهم‏.‏

ثم قال‏.‏

قدمتُ على عمرَ بن

الخطاب فإني عنده إذ جاءه عليِّ وعثمان وطلحةُ والزبير وسعدٌ وعبد الرحمن بن عوف

فاستأذنوا فأذِن لهم فدخلوا وهم يتدافعون ويَضْحكون فلما رآهم عمرُ نَكس فعلموا أنه

عِلى حاجة فقاموا كما دخلوا‏.‏

فلما قاموا أتبعهم بصرَه فقال‏:‏ فِتْنة أعُوذ بالله من شرهم

وقد كَفاني الله شرَهم‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن عمر بالرجل يُسأل عما لا يُفسَّر‏.‏

فلماِ خرجت جعلت

طريقي على عثمان فحدَثته الحديثَ وسألته الستر‏.‏

قال‏:‏ نعم على شريطة‏.‏

قلت‏:‏ هي لك‏.‏

قال‏:‏ تَسمع ما أخبرك به وتَسكت إذا سكتُ‏.‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ستة يُقدح بهم زِناد الفِتنة

يجري الدمُ منهم على أربعة‏.‏

قال‏:‏ ثم سكت‏.‏

وخرجتُ إلى الشام فلما قدمتُ علىِ عمر

فَحدث من أمره ما حَدث فلما مضت الشُورى ذكرتُ الحديث فأتيت بيت عثمان وهو

جالس وبيده قَضيب فقلت‏:‏ يا أبا عبد اللّه تذكر الحديثَ الذي حدَثتَني قال‏:‏ فأزَمَ على

القضيب عَضًا ثم أقلع عنه وقد أثر فيه فقال‏:‏ ويحك يا معاوية أيَ شيء ذَكَرتني‏!‏ لولا أن يقول

الناسُ خاف أن يُؤخذ عليه لخرجتُ إلى‏.‏

الناس منها‏.‏

قال‏:‏ فأبى قضاءُ الله إلا ما ترى‏.‏

ومما

نَقم الناسُ على عثمان أنه آوى طريدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكَم بن أبي العاص ولم

يُؤْوه أبو بكر ولا عُمر وأعطاه مائةَ ألف وسَير أبا ذَرّ إلى الربذة وسير عامرَ بن عبد قيس من

البَصرة إلى الشام وطَلب منه عُبيد الله بنُ خالد بن أسِيد صلةً فأعطاه أربعمائة ألف وتصدّق

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمهزور - موضِع سوق المدينة - على المُسلمين فأقطعها

الحارثَ بن الحَكم أخا مَرْوان وأقطع فدك مروانَ وهي صدقة لرسول الله صلى الله عليه

وسلم وافتتح إفريقية وأخذ خُمسه فوهبه لمَروان‏.‏

فقال عبد الرحمن بن حَنْبل الْجُمحي‏:‏

فأحْلِفُ بالله رَبّ الأنا م ما كتب اللّه شيئا سُدَى

ولكنْ خلِقت لنا فِتْنةً لكَي نُبتَلى بك أو تبتلى

فإن الأمينَينْ قد بَينا مَناراً لحق عليه الهُدى

فما أخذا دِرْهما غِيلةً وما تَركا دِرْهما في هَوى

وأعطيتَ مَرْوان خمس العبا د هيهات شأوك ممن شَأى

نسب عثمان وصفته

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

أمه أروى بنت كُريز

بن رَبيعة بن حَبيب بن عبد شمس‏.‏

وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم عم النبيّ صلى

الله عليه وسلم‏.‏

وكان عثمان أبيضَ مُشرباً صُفرة كأنها فضة وذهب حَسنَ القامة حَسن

الساعدين سَبط الشعر أصلع الرأس أجمل الناس إذا اعتمَّ مُشرف الأنف عَظيم الأرْنبة

كثير شَعر السّاقين والذّراعين ضَخْم الكَراديس بعيدَ ما بين المَنْكبين‏.‏

ولما أسنَ شدّ أسنانه

بالذَهب وسَلِس بَوْلُه فكان يتوضَّأ لكل - صلاة وَلِي الخلافةَ مُنْسلخَ ذي الحِجّة سنة ثلاث

وعشرين وقُتل يوم الجمعة صَبيح عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين‏.‏

وفي ذلك يقول حسان‏:‏

ضَحوا بأشمطَ عُنوان السُّجود به يُقطِّع الليلَ تسبيحاً وقُرآنا

لنسمعنّ وشيكاً في دِيارهمُ اللّه أكبرُ يا ثاراتِ عُثمانا

فكانت ولايتُه اثنتي عشرةَ سنة وستةَ عشر يوما‏.‏

وهو ابن أربع وثمانين سنة‏.‏

وكان على

شرُطته - وهو أوّل من - اتخذ صاحبَ شرطة - عبيدُ اللّه ابن قُنفذ‏.‏

وعلى بيت المال عبدُ

اللّه بن أرقم ثم استعفاه‏.‏

وكاتبه‏:‏ مروان‏.‏

وحاجبه‏:‏ حُمران مولاه‏.‏

سالمُ بن عبد اللّه بن عُمر قال‏:‏ أصاب الناسَ مجاعة في غَزوة تبوك فاشترى عثمان طعاماً على

ما يُصلح العسكر وجَهز به عِيراً‏.‏

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى سواد مُقبل فقال‏:‏ هذا

جمل أشقر قد - جاءكم بميرة‏.‏

فأنيخت الركائب فرَفع رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يديه

إلى السماء وقال‏:‏ اللهم إني قد رضيتُ عن عثمان فارضَ عنه‏.‏

وكان عثمان حليما سخيًا

مُحببا إلى قريش حتى كان يقال‏:‏ ‏"‏ أحبك والرحمن حب قُريش عثمان ‏"‏‏.‏

وزوجه النبي صلى

الله عليه وسلم رُقية ابنته فاتت عنده فزوّجه أم كلثوم ابنته أيضاً‏.‏

الزهري عن سعيد بنُ المُسيب قال‏:‏ لما ماتت رُقية جَزع عثمانُ عليها وقال‏:‏ يا رسول الله

انقطع صِهْري منك‏.‏

قال‏:‏ إن صهرك مني لا ينقطع وقْد أمرني جبريلُ أن أزوجك أختَها بأمر

الله‏.‏

عبد اللّه بن عباس قال‏:‏ سمعتُ عثمان بن عفان يقول‏:‏ دخل عليّ رسولُ الله صلى الله

عليه وسلم في هذا البيت فراني ضجيعا لأم كلثوم فاستعبر فقلت‏:‏ والذي بَعَثك بالحق ما

اضطجعتْ عليه أنثى بعدها‏.‏

فقال‏:‏ ليس لهذا استعبرتُ فإن الثياب للحيّ وللميت الحَجر ولو

كُن يا عثمان عشراً لزوجتُكهن واحدةً بعد واحدة‏.‏

وعرض عمرُ بن الخطاب ابنته حَفصة على

عُثمان فأبى منها فشكاه عمرُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ سيزوج اللّه ابنتك خيراً من

عثمان ويزوج عثمان خيراً من ابنتك‏.‏

فتزوج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَفصة وزوج

ابنته من عثمان بن عفان‏.‏

‏"‏ ومن حديث الشَّعبي أن النبي عليه إسلام دخل عليه عثمان فسوّى

ثوبه

عليه وقال‏:‏ كيف لا أستحي ممن تَستحي منه الملائكة‏!‏

مقتل عثمان بن عفان

الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ كان القواد الذين ساروا إلى المدينة في أمر عثمان أرِبعة‏:‏ عبدُ

الرحمن بن عُديس التَنوخيّ وحَكيم بن جَبلة العَبْديّ والأشتر النَخَعي وعبدُ الله بن فُديك

الخُزاعي‏.‏

فقدمُوا المدينةَ فحاصروه وحاصره معهم قومٌ من المهاجرين والأنصار حتى دخلوا

عليه فقتلوه والمصحف بين يديه‏.‏

ثم تقدّموا إليه وهو يقرأ يومَ الجمعة صَبيحة النَّحر وأرادوا أن

يقطعوا رأسه ويَذهبواِ به فرمَت نفسها عليه امرأتُه نائلةُ بنت الفُرافصة وابنة شَيبة بن ربيعة

فتركوه وخرجوا‏.‏

فلما كان ليلةَ السبت انْتَدب لدفنه رجال منهم‏:‏ خبير ابن مُطعم وحَكيم بن

حِزام وأبو الجَهم بن حُذيفة وعبدُ الله بن الزُبير فوضعوه على باب صَغير وخرجوا به إلى

البَقيع ومعهم نائلةُ بنتُ الفُرافصة بيدها السَراج‏.‏

فلما بلغوا به البَقيع مَنعهم من دَفْنه فيه رجالٌ

من بني ساعدة فردّوه إلى حُش كَوكب فدفنوه فيه وصلّى عليه خبير بن مُطعِم ويقال‏:‏ حَكيم

بن حِزام‏.‏

ودَخلت القبرَ نائلةُ بنت الفُرافصة وأمُ البنين بنت عُيينة زوجتاه وهما دلّتاه في

القبر‏.‏

والحُش‏:‏ البستان‏.‏

وكان حُشَّ كوكب اشتراه عثمان فجعله أولادُه مقبرة للمُسلمين‏.‏

يعقوب بن عبد الرحمن‏:‏ عن محمد بن عِيسى الدِّمشقي عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذِئب

عن محمد بن شهاب الزُّهري قال‏:‏ قلتُ لسعيد بن المُسيّب‏:‏ هل أنت مُخبري كيف قتل عثمان

وما كان شأن الناسِ وشأنه ولم خَذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ قُتل

عثمان مَظلوماً ومَن قتله كان ظالماً ومَن خذله كان مَعذوراً‏.‏

قلت‏:‏ وكيف ذاك قال‏:‏ إنّ

عثمان لما وَلي كَره ولايتَه نفرٌ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأنّ عثمان كان

يُحب قومه فوَلي الناسَ اثنتي عشرة سنةً وكان كثيراً ما يُولّي بني أمية ممن لم يكن له من لرسول

اللَّه صلى الله عليه وسلم صُحبة وكان يَجيء من أمرائِه ما يُنكره أصحابُ محمد فكان

يُستعتب فيهم فلا يَعزلهم‏.‏

فلما كان في الحِجج الآخرة استأثر ببني عمه فولّاهم وأمرهم بتقوى

اللّه فخرجوا‏.‏

وولّى عبدَ اللّه بن أبي صح مصرَ فمكث عليها سِنين فجاء أهلُ مصر يشكونه

ويتظلّمون منه‏.‏

ومن قبل ذلك كانت من عثمان هَناةٌ إلى عبد اللّه بن مسعود وأبي ذَرّ وعمّار بن

ياسر‏.‏

فكانت هُذيل وبنو زُهرة في قلوبهم ما فيها لابن مَسعود‏.‏

وكانت بنو غِفار وأحلافها ومن

غَضب لأبي ذرّ في قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخَزوم قد حَنِقت على عثمان بما نال عمّارَ بن

ياسر‏.‏

وجاء أهلُ مصر يشكون من ابن أبي سرَح فكتب إليه عثمانُ كتاباً يتهدّده فأبى ابن

أبي سرح أن يَقبل ما نهاه عثمانُ عنه وضَرب رجلاً ممن أتى عثمانَ فقتله‏.‏

فخرج من أهل

مصر سبعُمائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجدَ وشكوا إلى أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه

وسلم في مواقيت الصلاة ما صَنع ابن أبي سَرْح‏.‏

فقام طلحةُ بن عُبيد اللّه فكلَّم عثمانَ بكلام

شديد‏.‏

وأرسلت إليه عائشةُ‏:‏ قد تقدَّم إليك أصحابُ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم

وسألوك عَزل هذا الرجل فأبيتَ أن تعزلَه فهذا قد قَتل منهم رجلاً فأنْصِفهم من عاملك‏.‏

ودخل عليه عليٌّ وكان متكلّمَ القوم فقال‏:‏ إنما سألوك رجلاً مكَان رجل وقد ادعوا قِبله دماً

فاعزله عنهم واقض بينهم وإن وجب عليه حق فأنصفهم منه‏.‏

فقال لهم‏:‏ اختاروا رجلاً أولِّه

عليكم مكانَه‏.‏

فأشار الناسُ عليهم بمحمد ابن أبي بكر‏.‏

فقالوا‏:‏ استعمل علينا محمدَ بن أبي

بكر‏.‏

فكَتب عهدَه وولاّهَ وأخرج معهم عِدَّة من المُهاجرين والأنصار يَنظرون فيما بين أهل مِصر

وابن أبي سَرْح‏.‏

فخرج محمد ومَن معه فلما كان على مَسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغُلام

أسود على بعير يَخبط الأرض خَبْطا كأنه رجل يَطلب أو يُطلب‏.‏

فقال له أصحابُ محمد‏:‏ ما

قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب‏.‏

فقال‏:‏ أنا غلامُ أمير المؤمنين وجّهني إلى عامل

مصر‏.‏

فقالوا‏:‏ هذا عامل مصر معنا‏.‏

قال‏:‏ ليس هذا أريد‏.‏

وأخبر بأمره محمدُ بن أبي بكر

فبعث في طلبه فأتي به فقال له‏:‏ غلامُ من أنت قال‏:‏ فأقبل مرة يقول‏:‏ غلام أمير المؤمنين

ومرة‏:‏ غلامُ‏.‏

مَروان حتى عَرفه رجل منهم أنَّه لعثمان‏.‏

فقال له محمد‏:‏ إلى من أرسلت قال‏.‏

إلى عامل مصر‏.‏

قال‏:‏ بماذا قال‏:‏ برسالة‏.‏

قال‏:‏ معك كتاب قال‏:‏ لا‏.‏

ففتّشوه فلم يُوجد معه

شيء إلا إداوة قد يَبِست فيها شيء يَتقلقل فحركوه ليخرج فلم يَخْرج فشقُوا الإداوة فإِذا فيها

كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرَح‏.‏

فجمع محمدٌ مَن كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم

ثم فُكّ الكتاب بِمَحضر منهم فإذا فيه‏:‏ إذا جاءك محمد وفلان وفلان فاحتل لقَتْلهم وأبْطل

كتابَهم وقَرَّ على عملك حتى يأتيَك رأي واحتبس مَن جاء يتظلّم منك ليأتيك في ذلك رأي إن

شاء اللّه‏.‏

فلما قرأوا الكتاب فَزعوا وعَزموا على الرُّجوع إلى المدينة وخَتم محمد الكتاب بخواتم

القوم الذين أرسلوا معه ودَفعوا الكتاب إلى رجل منهم وقَدِموا المدينة فجمعوا عليًّا وطلحةَ

والزُّبير وسعداً ومَن كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ فكّوا الكتاب بمَحضر

منهم وأخبروهم بقصّة الغلام وأقرأوهم الكتابَ فلم يبق أحدٌ في المدينة إلا حَنِق على عثمان

وازداد مَن كان منهم غاضباً لابن مسعود وأبي ذر وعمّار بن ياسر غَضباً وحَنقا وقام

أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم فلحقوا منازلَهم ما منهم أحد إلا وهو مُغتم بما قرأوا في

الكتاب‏.‏

وحاصرَ الناسُ عثمان وأجلب عليه محمدُ بن أبي بكر بنِي تَيم وغيرهم وأعانه طلحةُ

بن عبيد اللهّ على ذلك‏.‏

وكانت عائشة تُقرّضه كثيراً‏.‏

فلما رأى ذلك عليّ بعث إلى طلحةَ

والزُبير وسَعد وعَمَّار ونفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّهم بَدْري ثم دخل

على عثمان ومعه الكتابُ والغلام والبعير وقال له علي‏:‏ هذا الغلام غلامك قال‏:‏ نعم‏.‏

والبعيرُ

بعيرك قال‏:‏ نعم‏.‏

والخاتَم خاتمك قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فأنت كتبتَ الكِتاب قال‏:‏ لا وحَلف

بالله‏:‏ ما كتبتُ الكتاب ولا أمرتُ به ولا وجّهت الغلامَ إلى مصر قط‏.‏

وأما الخط فعرفوا أنه خط

مَرْوان وشكّوا في أمر عثمان وسألوه أن يَدفع إليهم مَروان فأبى‏.‏

وكان مَروان عنده في الدار‏.‏

فخرج أصحابُ محمد من عنده غِضاباً وشكّوا في أمر عثمان وعَلِموا أنه لا يَحْلف باطلاً إلا

أن قوماً قالوا‏:‏ لا نُبرىء عثمان إلا أن يدفع إلينا مَروان حتى نَمتَحنه ونَعْرف أمرَ هذا الكتاب

وكيف يأمر بقَتل رجال من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بغير حق‏!‏ فإن يك عثمانُ كَتبه

عَزلناه وإن يك مروان كَتبه على لسانه نَظرنا في أمره ولزموا بيوتَهم‏.‏

وأبى عثمانُ أن يُخرج إليهم

مروانَ وخَشي عليه القتل‏.‏

وحاصرَ الناسُ عثمانَ ومَنعوه الماء فأشرف عليهم فقال‏:‏ أفيكم

عليّ قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفيكم سَعد قالوا‏:‏ لا‏.‏

فسكت ثم قال‏:‏ ألا أحدٌ يبلغ عليّا فَيسقينا

ماء فبلغ ذلك عليا فبعث إليه ثلاث قِرَب مملوءة ماء فما كادت تصلُ إليه وجُرح بسببها عِدَّة

من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصل إليه الماء‏.‏

فبلغ عليًّا أن عثمان يراد قَتله فقال‏:‏ إنما

أردنا منه مَروان فأما قَتلِ عثمان فلا‏.‏

وقالت للحسن والحُسين‏:‏ اذهبا بسَيْفيكما حتى تَقوماً

على باب عثمان فلا تدعا أحداً يصل إليه بمكروه‏.‏

وبعث الزُّبيرُ ولدَه وبعث طَلحة ولدَه على

كُره منه وبعث عِدّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءَهم ليمنعوا الناسَ أن

يَدخلوا على عثمان وسألوه إخراج مَرْوان‏.‏

ورَمى الناس عثمان بالسِّهام حتى خضب الحسن

بن عليّ الدِّماء على بابه وِأصاب مَروانَ سهْمٌ في الدار وخُضب محمد بن طلحة وشجّ قُنبر

مولى عليّ‏.‏

وخشي محمد بن أبي بكر أن تَغضب بنو هاشم لحال الحَسن والحُسين فيُثيرونها

فأخذ بيدي رجلين فمال لهما‏:‏ إذا جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحَسن والحُسين

كُشف الناس عن عثمان وبَطل ما نُريد ولكن مُرّوا بنا حتى نتسوّرَ عليه الدار فنقتلِه من غير

أن يعلم أحد‏.‏

فتسوَّر محمد بن أبي بكر وصاحباه من دار رجل من الأنصار‏.‏

ويقال من دار

محمد بن حَزْم الأنصاري‏.‏

ومما يدل على ذلك قولُ الأحوص‏:‏

لا تَرْثينّ لَحزميٍّ ظَفِرتَ به طُرًّا ولو طُرح الحَزْميُّ في النارِ

الناخِسين بمروان بذي خُشب والمُدْخِلين على عُثمان في الدار

فدخلوا عليه وليس معه إلا امرأته نائلة بنت الفُرافصة والمُصحف في حجره ولا يعلم أحد فّي

كان معه لأنهم كانوا على البيوت‏.‏

فتقدم إليه محمد وأخذ بلحيته فقال له عثمان‏:‏ أرسل لِحْيتي

يا بن أخي فلو رآك أبوك لساءه مكانُك‏.‏

فتراخت يدُه من لِحْيته وغَمز الرجلين فوجاه بمشَاقص

معهما حتى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا‏.‏

وخرجت امرأتُه فقالت‏:‏ إنّ أمير المؤمنين

قد قُتل‏.‏

فدخل الحسن والحْسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مَذْبوحاً فأكبّوا عليه يَبكون‏.‏

وبلغ الخبرُ عليًّا وطَلحة والزُبير وسعداً ومن كان بالمدينة فخَرجوا وقد ذهبت عقولُهم حتى

دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا‏.‏

وقال عليّ لابنيْه‏:‏ كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما

على الباب ورَفع يدَه فلَطم الحُسين وضرب صدر الحَسن وشتم محمدَ بن طلحة ولَعن عبدَ

اللّه بن الزُبير‏.‏

ثم خرج علي وهو غضبان يرى أن طلحة أعان عليه‏.‏

فلقيه طلحةُ فقال‏:‏ ما لك يا

أبا الحسن ضربت الحَسن والْحُسين فقال‏:‏ عليك وعليهما لعنةُ الله يُقتل أمير المؤمنين ورجل من

أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بَدْريّ ولم تقم بيّنة ولا حُجة‏!‏ فقال طلحة‏:‏ لو دَفع مروانَ لم

يُقتل‏.‏

فقال‏:‏ لو دفع مروانَ قُتل قبل أن تَثبت عليه حُجة‏.‏

وخرج علي فأتى منزلَه‏.‏

وجاءه القوم

كُلهم يُهرعون إليه أصحافُ محمد وغيرهم يقولون‏:‏ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فقال‏:‏ ليس

ذلك إلا لأهل بدر فمن رَضي به أهلُ بدر فهو خليفة فلم يبق أحدٌ من أهل بدر إلا أتى عليًّا

فقالوا‏:‏ ما نرى أحداً أولى بها منك فمُد يدَك نُبايعك‏.‏

فقال‏:‏ أين طلحة والزُبير وسَعْد فكان

أول من بايعه طلحةُ بلسانه وسعدٌ بيده‏.‏

فلما رأى ذلك علي خرج إلى المسجد فَصعد المنبر

فكان أولا مَن صعد طلحةُ فبايعه بيده وكانت إصبعه شلاّء فتطيّر منها عليّ وقال‏:‏ ما

أخلَقه أن يَنْكث‏.‏

ثم بايعه الزّبير وسعدٌ وأصحاب النبيّ جميعاً‏.‏

ثمِ نزل ودعا الناسِ وطلبَ

مروان فهرب منه‏.‏

خرجت عائشة باكيةَ تقول‏:‏ قُتل عثمان مظلوماً‏!‏ فقال لها عمار‏:‏ أنتِ

بالأمس تُحرضين عليه واليومَ تَبْكِين عليه‏!‏ وجاء عليٌّ إلى امرأة عثمان فقال لها‏:‏ من قَتل

عثمان قالت‏:‏ لا أدري دخل رجلان لا أعرفهما إلا أن أرى وجُوههما وكان معهما محمدُ بن

أبي بكر وأخبرتْه بما صَنع محمد بن أبي بكر‏.‏

فدعا علي بمحمد فسأله عما ذكرت امرأةُ

عثمان‏.‏

فقال محمد‏:‏ لم تكذب وقد والله دخلتُ عليه وأنا أريد قتله فذكر لي أبي فقمتُ وأنا

تائب والله ما قتلتُه ولا أسكته‏.‏

فقالت امرأة عثمان‏:‏ صَدق ولكنه أدخلهما‏.‏

لمُعتمر عن أبيه

عن الحسن‏:‏ إن محمد بن أبي بكر أخذ بلِحية عثمان فقال له‏:‏ ابن أخي لقد قعدتَ منّي مقعداً

ما كان أبوك ليقعده‏.‏

وفي حديث آخر‏:‏ إنه قال‏:‏ يا بن أخي لو رآك أبوك لساءه مكانُك‏.‏

فاسترخت يدُه وخرج محمد‏.‏

فدخل عليه رجل والمصحف في حجره فقال له‏:‏ بيني وبينك

كتابُ اللّه فأهوى إليه بالسيف فاتقاه بيده فقطعها‏.‏

فقال‏:‏ أما إنها أول يد خَطّت المُفَصَّل‏.‏

القواد الذين أقبلوا إلى عثمان

الأصمعي عن أبي عَوانة قال‏:‏ كان القواد الذين أقبلوا إلى عثمان‏:‏ عَلقمة ابن عثمان وكِنانة بن

بِشْر وحَكيم بن جَبلة والأشتر النَّخعيّ وعبدُ اللّه بن بُديل‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ لما قدم القواد

قالوا لعليّ‏:‏ قُم معنا إلى هذا الرجل‏.‏

قال‏:‏ لا واللهّ لا أقوم معكم‏.‏

قالوا‏:‏ فلم كتبتَ إلينا قال‏:‏

والله ما كتبتُ إليكم كتاباً قط‏.‏

قال‏:‏ فنظر القوم بعضُهم إلى بعض وخرج عليّ من المدينة‏.‏

الأعمش عن عُيينة عن مَسروق قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ مُصْتموه مَوْص الإناء حتى تركتموه كالثَّوب

الرَّحيض نقيًّا من الدنس ثم عَدوتم فقتلتموه‏!‏ فقال مَرْوان‏:‏ فقلت لها‏:‏ هذا عَملك كتبتِ إلى

الناس تأمرينهم بالخروج عليه‏.‏

فقالت‏:‏ والذي آمن به المُؤمنون وكَفر به الكافرون ما كَتبتُ إليهم

بسواد في بَياض حتى جلستُ في مجلسي هذا‏.‏

فكانوا يَرَون أنه كُتب على لسان عليّ وعلى

لسانها كما كُتب أيضاً على لسان عثمان مع الأسود إلى عامل مصر‏.‏

فكان اختلاف هذه

الكتب كلها سبباً للفتنة‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ أقبل أهلُ مصر عليهم عبدُ الرحمن بن عُديس البَلويّ

وأهلُ البصرة عليهم حَكيم بن جَبلة العَبدي وأهل الكوفة عليهم الأشتر - واسمه مالك بن

الحارث النّخعي - في أمر عُثمان حتى قَدِموا المدينة‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ لما قدم وفدُ أهل مصر

دخلوا على عُثمان فقالوا‏:‏ كتبتَ فينا كذا وكذا قال‏:‏ إنما هما اثنتان أن تُقيموا رجلين من

المسلمين أو يَميني باللّه الذي لا إله إلا هو ما كتبتُ ولا أمْليت ولا عَلِمت وقد يُكتب الكتاب

على لسان الرجل ويُنقش الخاتَم على الخاتم‏.‏

قالوا‏:‏ قد أحلّ اللّه دمَك وحَصروه في الدار‏.‏

فأرسل عثمان إلى الأشتر فقال له‏:‏ ما يريد الناسُ مني قال‏:‏ واحدة من ثلاث ليس عنها بُدّ‏.‏

قال‏:‏ ما هي قال‏:‏ يُخيّرونك بين أن تَخلع لهم أمرَهم فتقول‏:‏ هذا أمركم فقفَدوه من شئتم وإما

أن تقتصّ من نفسك فإن أبيتَ فالقوِم قاتلوك‏.‏

قال‏:‏ أما أن أخلع لهم أمرَهم فما كنتُ لأخلع

سربالاً سربلنيه اللّه فتكون سُنةً مِن بعدي كلما كَره القوم إمامهم خَلعوه وأما أن أقتص من

نفسي فواللّه لقد علمتُ أن صاحبيّ بين يدي قد كانا يُعاقبان وما يقوى بدَني على القِصاص

وأما أن تقتلوني فلئن قتلتموني لا تتحابّون بعدي أبداً ولا تُصلّون بعدي جميعاً أبداً‏.‏

قال أبو

الحسن‏:‏ فواللّه لن يزالوا على النَّوى جميعاً وإن قلوبهم مختلفة‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ أشرف عليهم

عثمان وقال‏:‏ إنه لا يحِل سفك دم امرىء مُسلم إلا في إحدى ثلاث‏:‏ كُفر بعد إيمان أو زنا بعد

إحصان أو قَتل نَفس بغير نَفس فهل أنا في واحدة منهن فما وَجد القوم له جوابا‏.‏

ثم قال‏:‏

أنشدكم اللّه هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حِراء ومعه تِسعة من

أصحابه أنا أحدهم فتزلزل الجبلُ حتى همَّت أحجارُه أن تتساقط فقال‏:‏ اسكُن حِراء فما

عليك إلا نبيّ أو صدّيق أو شهيد قالوا‏:‏ اللهم نعم‏.‏

قال‏:‏ شهدوا لي وربِّ الكعبة‏.‏

قال أبو

الحسن‏:‏ أشرف عليهم عثمان فقال‏:‏ السلامُ عليكم فيا ردّ أحدٌ عليه السلام‏.‏

فقال‏:‏ أيها الناس

إن وجدتم في الحق أن تَضعوا رجلي في القَبر فضعُوها‏.‏

فما وجد القومُ له جوابا‏.‏

ثم قال‏:‏

أستغفر اللّه إن كنت ظَلمتُ وقد غفرتُ إن كنت ظُلمت‏.‏

يحيى بن سعيد عن عبد اللّه بن عامر بنِ ربيعة قال‏:‏ كنتُ مع عثمان في الدار فقال‏:‏ أعزم على

كل مَن رأى أنّ لي عليه سمعاً وطاعة أن يكُف يدَه ويُلقى سلاحه‏.‏

فألقى القومُ أسلحتَهم‏.‏

ابن

أبي عَروبة عن قتادة‏:‏ إن زَيد بن ثابت دخل على عُثمان يومَ الدار فقالت‏:‏ إن هذه الأنصار

بالباب وتقول‏:‏ إن شئتَ كُنَا أنصارَ اللّه مرّتين‏.‏

قال‏:‏ لا حاجة لي في ذلك كُفّوا‏.‏

ابن أبي عَروبة

عن يَعلى بن حَكيم عن نافع‏:‏ إن عبد اللّه بن عمر لَبس دِرْعه وتقلّد سيفه يوم الدار فَعزم عليه

عثمانُ أن يخرج ويَضع سلاحَه ويكفّ يده ففعل‏.‏

محمد بن سيرين قال قال سَلِيط‏:‏ نهانا عثمان

عنهم ولو أذِن لنا عثمان فيم لضَربناهم حتى نُخرجهم من أقطارنا‏.‏

ما قالوا في قتلة عثمان

العُتبيّ قال‏:‏ قال رجل من ليث‏:‏ لقيتُ الزبيرَ قادماً فقلت‏:‏ أبا عبد الله ما بالُك قال‏:‏

مَطلوب مَغلوب يَغلبني ابني ويطلبني ذَنبي‏.‏

قال‏:‏ فقدمتُ المدينة فلقيتُ سعدَ بن أبي وقّاص

فقلت‏:‏ أبا إسحاق من قتل عثمان قال‏:‏ قتله سيفٌ سلته عائشة وشَحذه طلحة وسمّه

عليّ‏.‏

قلت‏:‏ فما حال الزُبير قال‏:‏ أشار بيده وصَمت بلسانه‏.‏

وقالت عائشة‏:‏ قَتل اللّه مذمماً

بسعيه على عثمان تريد محمداً أخاها وأهرق دمَ ابن بُديل على ضَلالته وساق إلى أعينَ بني

تميم هواناً في بيته ورمى الأشتر بسهم من سهامه لا يُشوِي‏.‏

قال‏:‏ فما منهم أحد إلا أدركته

دعوةُ عائشة‏.‏

سفيان الثوري قال‏:‏ لقي الأشترُ مَسروقاً فقال له‏:‏ أبا عائشة ما لي أراك غَضبان

على ربّك من يوم قُتل عثمان بن عفان لو رأيتَنا يوم الدار ونحن كأصحاب عِجل بني

إسرائيل‏!‏ وقال سعدُ بن أبي وقاص لعمار بن ياسر‏:‏ لقد كنتَ عندنا من أفاضل أصحاب محمد

حتى إذا لم يَبق من عمرك إلا ظِمء الحمار فعلتَ وفعلتَ يُعرّض له بقتل عثمان‏.‏

قال عمار‏:‏ أي

شيء أحبُّ إليك مودةٌ عَلَى دَخَل أو هَجْر جميل قال‏:‏ هَجْر جميل‏.‏

قال‏:‏ فللّه عليٌ ألاّ

أكلمك أبدا‏.‏

دخل المُغيرة بن شُعبة على عائشة فقالت‏:‏ يا أبا عبد الله لو رأيتني يومَ الجمل وقد

نفذتْ النِّصالُ هَوْدجي حتى وصل بعضُها إلى جِلْدي‏.‏

قال لها المغيرة‏:‏ وددتُ والله أن بَعضها

كان قتلك‏.‏

قالت‏:‏ يرحمك الله ولم تقول هذا قال‏:‏ لعلَها تكون كَفّارة في سَعْيك على عُثمان‏.‏

قالت‏:‏ أما والله لئن قلتَ ذلك لما عَلم الله أني أردتُ قتله ولكن علم اللّه أني أردتُ أن يُقاتَل

فقوتلتُ وأردتً أن يُرمى فرُميت وأردت أن يعصى فعُصيت ولو علم مني أني أردتُ قتلَه

لقُتلت‏.‏

وقال حسان بن ثابت لعليّ‏:‏ إنك تقول‏:‏ ما قتلتُ عثمان ولكن خذلتُه ولم آمُر به ولكن

لم أنه عنه فالخاذل شريك القاتل والساكتُ شريك القاتل‏.‏

أخذ هذه المعنى كعبُ بن جُعيل

التَّغلبي وكان مع معاوية يوم صِفّين فقال في عليّ بن أبي طالب‏:‏

وما في علّي لمستحدِث مقالٌ سوى عَصْمه المُحْدِثينَا

وإيثارِه لأهالي الذُنوب ورَفْع القَصاص عن القاتلينا

إذا سِيل عنه زوى وجهه وعمى الجواب على السائلينا

فليس براضٍ ولا ساخطٍ ولا في النُهاة ولا الآمرينا

ولا هو ساهُ ولا سرَّه ولا آمن بعضَ ذا أن يكونا

وقال رجل من أهل الشام في قَتل عثمان رضي اللّه تعالى عنه‏:‏

خذلْته الأنصارُ إذ حَضر المو تُ وكانت ثِقاتِه الأنصارُ

حُرْم بالبلاد من حُرم الل ه ووالٍ من الوُلاة وجار

أين أهلُ الحَياء إذ مُنع الما ءَ فَدته الأسماعُ والأبصار

مَن عَذيرى مِن الزُّبير ومِن طَ لحة هاجا أمراً له إعصار

تَركوا النّاس دونهم عبرةُ العِجْ ل فشبّت وسطَ المدينة نار

هكذا زاغت اليَهود عن الح ق بما زَخْرفت لها الأحبار

ثم وافى محمدُ بن أبي بك رجهاراً وخَلْفه عَمّار

وعليّ في بيته يسأل النا سَ ابتداء وعنده الأخبار

باسطاً للتي يُريد يديه وعليه لسَكينة ووَقار

يَرقُب الأمر أن يُزفّ إليه بالذي سببت له الأقدار

قد أرى كثرةَ الكلام قبيحاً كُل قول يشينه إكثار

وقال حسان يرثيِ عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه‏:‏

مَن سرِّه الموتُ صِرْفاً لا مِزَاج له فَلْيأتِ مَأْسَدة في دارِ عُثمانا

يا لي شِعْري ولي الطَّير تُخبرني ما كان شأنُ عليّ وابن عَفّانا

لتسمعينّ وشيكا في ديارهمُ الله أكبر يا ثارات عثمانا

ضحوا بأشمطَ عُنوانُ السُّجود به يًقطَع الليلَ تَسبيحاً وقرآنا

مقتل عثمان بن عفان

أبو الحسن عن مَسْلمة عن ابن عون‏:‏ كان ممن نصر عُثمانَ سبعُمائة فيهم الحسنُ بن عليِّ وعبدُ

اللهّ بن الزُبير‏.‏

ولو تَركهم عثمانُ لضربوهم حتى أخرجوهم من أقطارها‏.‏

أبو الحسن عن جُبير بن سِيرين قال‏:‏ دخل ابن بُدَيل على عثمان وبيده سيف وكانت‏!‏ بينهما

شَحناء فضربه بالسيف فاتقاه بيده فقَطعها فقال‏:‏ أما إِنها أول كف خَطّت المُفَضَل‏.‏

أبو الحسن قالت‏:‏ يوم قُتل عثمان يقال له‏:‏ يوم الدار‏.‏

وأغلق على ثلاثة من القَتلى‏:‏ غلام أسود

كان لعثمان وكنانة بن بِشر وعُثمان‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ قال سلامة بن رَوْح الخُزاعي لعمرو بن العاص‏:‏ كان بينكم وبين الفتنة فكسرتموه

فما حَملكم على ذلك قال‏:‏ أردنا أن نُخرج الحق من حَفيرة الباطل وأن يكون الناس في الحق

سواء‏.‏

عن الشّعبي قال‏:‏ كتب عثمان إلى مُعاوية‏:‏ أن أمدّني‏.‏

فأمدّه بأربعة آلاف مع يزيد بن

أسَد بن كرز البَجَليّ‏.‏

فتلقاه الناس بقتل عثمان فانصرف فقال‏:‏ لو دخلتُ المدينة وعثمان حيّ

ما تركت بها مُختلفا إلا قتلتُه لأن الخاذل والقاتل سواء‏.‏

قيس بن رافع قال قال زيدُ بن ثابت‏:‏

رأيتُ عليّا مُضطجعاً في المسجد فقلت‏:‏ أبا الحسن إن الناس يَرَوْن أنك لو شئت رددتَ

الناس عن عثمان‏.‏

فجلس ثم قال‏:‏ واللّه ما أمرتُهم بشيء ولا دخلتُ في شيء من شأنهم‏.‏

قال‏:‏ فأتيتُ عثمان فأخبرتُه فقال‏:‏

وحَرّق قيس عليّ البلا دَ حتى إذا اضطرمت أجذما

الفضلُ عن كَثير عن سَعيد المَقبريٌ قال‏:‏ لما حَضروا عثمان ومَنعوه الماء قال الزُّبير‏:‏ وحِيلَ بينهم

وبين ما يشتهون كما فُعل بأشياعهم من قَبل‏.‏

ومن حديث الزُّهري قال‏:‏ لما قَتل مُسلمُ بن عُقبة

أهلَ المدينة يوم الحَرّة قال عبد الله بن عمر‏:‏ بفعلهم في عُثمان ورب الكعبة‏.‏

ابن سيرين عن ابن

عباس قال‏:‏ لو أمطرت السماء دماً لقَتْل عثمان لكان قليلاً له

أبو سعيد مولى أبي حُذيفة قال‏:‏ بَعث عثمانُ إلى أهل الكوفة‏:‏ مَن كان يُطالبني بدينار أو دِرْهم

أو لطمة فليأت يأخذ حقَه أو يتصدًق فإن اللّه يجزي المتصدقين‏.‏

قال‏:‏ فبكى بعضُ القوم

وقالوا‏:‏ تصدَقنا‏.‏

ابن عون عن ابن سيرين قال‏:‏ لم يكن أحدٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه

وسلم أشدَ على عثمان من طَلحة‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ كان عبدُ الله بن عباس يقوِل‏:‏ ليغلبنّ معاويةُ

وأصحابُه عليَّا وأصحابَه لأن اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ ومَن قُتِلَ مَظْلُوماَ فقد جَعلنا لوليّه سُلطاناً ‏"‏‏.‏

أبو

الحسن قال‏:‏ كان ثُمامة الأنصاري عاملًا لعثمان فلما أتاه قَتْلُه بكى وقال‏:‏ اليومَ انتُزعت خلافةُ

النبوة من أمة محمد وصار المُلك بالسيف فَمن غَلب على شيء أكله‏.‏

أبو الحسن عن أبي

مخْنف عن نُمير بن وَعْلة عن الشعبي‏:‏ أنَّ نائلةَ بنت الفُرافصة امرأة عثمان بن عفّان كَتبت إلى

معاوية كتاباً مع النعمان بن بَشير وبَعثت إليه بقميص عثمان محضوباً بالدماء‏.‏

وكان في كتابها‏:‏

مِن نائلة بنت الفُرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد‏:‏ فإني أدعوكم إلى الله الذي أنعم

عليكم وعلّمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم في الكُفر ونَصركم على العدو وأسبغ

عليكم نعمَه ظاهرةً وباطنة وأنشُدكم الله وأذكِّركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعَزم اللهّ

عليكم فإنه قال‏:‏ ‏"‏ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏"‏‏.‏

فإن أمير المؤمنين بُغي عليه ولو لم يكن

لعُثمان عليكم إلا حقَّ الولاية لحقَّ على كل مُسلم يرجو إمامته أن ينصره فكيف وقد علمتم

قِدَمه في الإسلام وحُسن بلائه وأنه أجاب اللّه وصَدّق كتابه وأتبع رسولَه والله أعلم به إذ

انتخبه فأعطاه شرفَ الدنيا وشرفَ الآخرة‏.‏

وإني أقُص عليكم خَبره إني شاهدةٌ أمرَه كُلَّه‏:‏ إنّ

أهل المدينة حَصروه في داره وحَرسوه ليلَهم ونهارَهم قياماً على أبوابه بالسِّلاحِ يَمنعونه من كل

شيء قَدروا عليه حتى مَنعوه الماء فمكث هو ومَن معه خمسين ليلةً وأهلُ مصر قد أسندوا

أمرَهم إلى عليّ ومحمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر وطلحة والزُبير فأمروهم بقتله وكان معهم

من القبائل خُزاعة وسَعد بن بكر وهُذيل وطوائف من جُهينة ومُزينة وأنباط يثرب فهؤلاء كانوا

أشدَّ الناس عليه‏.‏

ثم إنه حُصر فَرُشق بالنَّبل والحجارة فجُرح ممن كان في الدار ثلاثةُ نفر معه

فأتاه الناس يصرْخون إليه ليأذن لهم في القتال فنهاهم وأمرهم أن يردّوا إليهم نبلَهم فردُّوها

عليهم فما زادهم ذلك في القتل إلا جُرٍأة وفي الأمر إلا إغراقاً فَحرقوا باب الدار‏.‏

ثم جاء نفر

من أصحابه فقالوا‏:‏ إن ناساً يريدون أن يأخذوا بين الناس بالعَدل فاخُرج إلى المسجد يأتوك‏.‏

فانطلقَ فجلس فيه ساعةً وأسلحة القوم مُطلّة عليه من كل ناحية فقال‏:‏ ما أرى اليوم أحداً

يَعْدِل فدخل الدارَ‏.‏

وكان معه نفرٌ ليس على عامّتهم لسِلاح فلبس دِرْعه وقال لأصحابه‏:‏ لولا

أنتم ما لَبست اليوم دِرْعي‏.‏

فوثب عليه القوم فكلَمهم ابن الزبير وأخذ عليهم ميثاقاً في

صحيفة بعث بها إلى عثمان‏:‏ عليكم عهدُ اللّه وميثاقه أن لا تَقربوه بسوء حتى تكلّموه وتَخْرجوا

فوضع السلاح ولم يكن إلا وضعه‏.‏

ودخل عليه القومُ يَقْدُمهم محمدُ بن أبي بكر فأخذ بلحيته

ودَعَوْه باللقب‏.‏

فقال‏:‏ أنا عبدُ الله وخليفتُه عثمان‏.‏

فضربوه على رأسه ثلاثَ ضرَبات وطَعنوه

في صَدْره ثلاث طعنات وضَربوه على مَقْدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العَظْم

فسقطتُ عليه وقد أثخنوه وبه حياة وهم يُريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به فأتتني ابنةُ

شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي فوُطِئنا وَطْئا شديداً وعُرِّينا من حَلْينا‏.‏

وحُرمةُ أمير

المؤمنين أعظم فقتلوا أمير المؤمنين في بيته مقهوراً على فِراشه‏.‏

وقد أرسلتُ إليكم بثوبه عليه

دمُه فإنه واللّه إِن كان أثم مَن قَتله فما سَلِم مَن خذله فانظُروا أينِ أنتم مِن اللهّ‏.‏

وأنا أشتكي

كل مَا مَسنا إلى الله عز وجل وأستصرخ بصالِحي عبادِه‏.‏

فرحم الله عثمانَ ولَعن قتلَته

وصَرعهم في الدُنيا مَصارع الخزْي والمَذلًة وشَفى منهم الصدور‏.‏

فحلف رجال من أهل الشام

أن لا يمسوا غُسلاً حتى يقتلوا عليا أو تَفْنَى أرواحُهم‏.‏

وقال الفرزذق في قتل عثمان‏:‏

إن الخلافةَ لما أظعَنت ظَعنت عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا

صارتْ إلى أهلِها منهم ووارثِها لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا

السافِكي دمِه ظُلْماً ومَعْصِيَة أي دمٍ لا هدوا من غَّيهم سفكوا

وقال حسان‏:‏

إِن تُمس دارُ بني عثمانَ خاويةً بابٌ صريعٌ وبيتٌ مُحرَق خَرِبُ

فقد يُصادف باغِي الخَير حاجتَه فيها ويَأوي إليها المجدُ والحسَب

يا معشَر الناس أبْدُوا ذات أنفسكم لا يَستوي الحق عند الله والكَذِب

تبرؤ علي من دم عثمان

قال عليّ بن أبي طالب على المنبر‏:‏ واللهّ لئن لم يَدْخل الجنة إلا مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبدَاً

ولئن لم يَدخل النارَ إلا مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبداً‏.‏

وأشرف علي من قَصرْ له بالكُوفة فنظر

إلى سَفينة في دِجْلة فقال‏:‏ والذي أرسلها في بَحره مُسخَّرة بأمره ما بدأتُ في أمر عثمان بشيء

ولئن شاءت بنو أمية لأباهلنهم عند الكعبة خمسين يميناً ما بدأتُ في حق عثمان بشيء‏.‏

فبلغ

هذا الحديثُ عبدَ الملك بن مروان فقال‏:‏ إني لا أحسبه صادقاً‏.‏

قال معبدٌ الخُزاعي‏:‏ لقيتُ عليّا

بعد الجمل فقلت له‏:‏ إني سائلُك عن مسألة كانت منك ومن عثمان فإن نجوتَ اليوم نجوتَ

غداً إن شاء اللّه‏.‏

قال‏:‏ سَل عما بدا لك‏.‏

قلتُ‏:‏ أخبرني أي منزلة وسعتْك إذ قُتل عثمان ولم

تنصره قال‏:‏ إن عثمان كان إماماً وإنه نهى عن القِتال وقال‏:‏ مَن سَل سيفَه فليس مني فلو

قاتلنا دونه عَصَينا‏.‏

قال‏:‏ فأي منزلة وسعت عثمان إذ استسلم حتى قُتل قال‏:‏ المنزلةُ التي

وسعت ابن آدم إذ قال لأخيه‏:‏ ‏"‏ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ فهلاّ وَسِعَتْك هذه المنزلةُ يومَ الجمل قال‏:‏ إنا قاتلنا يومَ

الجمل مَن ظَلَمنا قال الله‏:‏ ‏"‏ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم مِن سبيل‏.‏

إنما السبيل على

الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الْحق أولئك لهم عذاب أليم‏.‏

ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ‏"‏‏.‏

فقاتلنا نحن من ظلمنا وصبر عثمان وذلك من عزم الأمور‏.‏

ومن

حديث بكر بن حماد‏:‏ إن عبد الله ابن الكَّواء سأل عليِّ بن أبي طالب يوم صِفين فقال له‏:‏

أخْبِرْني عن مَخْرجك هذا تَضرب الناسَ بعضهم ببعض أعهدٌ إليك عهدَه رسولُ اللّه صلى الله

عليه وسلم أم رَأْي ارتأيته قال عليّ‏:‏ اللهم إني كنتُ أولَ من آمن به فلا أكون أولَ مَن كذب

عليه لم يكن عندي فيه عَهْد مِن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولو كان عندي فيه عَهد مِن

رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لما تركتُ أخا تَيم وعدي على منابرها ولكنّ نبّينا صلى الله

عليه وسلم كان نبيّ رحمة مَرِض أياماً وليالي فقدَم أبا بكر على الصلاة وهو يراني ويَرى

مكاني‏.‏

فلما تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَضيناه لأمر دُنيانا إذ رَضِيه رسولُ اللهّ

لأمرِ ديننا‏.‏

فسلّمتُ له وبايعتُ وسمعتُ وأطعتُ فكنتُ

آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحُدود بين يديه‏.‏

ثم أتته مَنيّتُه فرأى أنَّ عمرَ أطوقُ

لهذا الأمر مِن غيره وواللّه ما أراد به المُحاباة ولو أرادها لجعلها في أحد ولدَيْه‏.‏

فسلّمتُ له

وبايعتُ وأطعتُ وسمعت فكنتُ أخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحدودَ بين يديه‏.‏

ثم أتته منيّتُه فرأى أنه من استخلف رجلاً فعمل بغير طاعة اللّه عَذّبه الله به في قَبره فجعلها

شُورى بين ستَة نفر من أصحاب رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكنتُ أحدَهم فأخذ عبدُ

الرحمن مَواثيقنا وعُهودنا على أن يَخْلع نفسه ويَنظر لعامة المُسلمين فبَسط يدَه إلى عثمان فبايعه‏.‏

اللهم إن قلتُ إني لم أجد في نفسيِ فقد كذبت ولكنني نظرتُ في أمري فوجدتُ طاعتي قد

تقدمت مَعْصيتي ووجدت الأمر الذي كان بيدي قد صار بيد غير لم‏.‏

فسلّمت وبايعتُ

وأطعت وسمعتُ فكنت أخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحدود بين يديه‏.‏

ثم نَقم

الناس عليه أموراً فقَتلوه ثم بقيتُ اليومَ أنا ومُعاوية فأرى نفسي أحق بها من معاوية لأني

مُهاجريّ وهو أعرابيّ وأنا ابن عم رسول اللّه وصِهره وهو طليق ابن طليق‏.‏

قال له عبدُ اللّه بن

الكَوّاء‏:‏ صدقتَ ولكن طلحةَ والزُبير أما كان لهما في هذا الأمر مثلُ الذي لك قال‏:‏ إن

طلحة والزُبير بايعاني في المدينة ونَكثا بَيعَتي بالعراق فقاتلتُهما على نَكْثهما ولو نَكثا بيعة أبي

بكر وعمر لقاتلاهما على نَكثهما كما قاتلتُهما على نَكْثهما قال‏:‏ صدقت ورجع إليه‏.‏

واستعمل عبدُ الملك بن مَرْوان نافعَ بن عَلْقمة بن صَفْوان على مكة فخطب ذات يوم وأبان بن

عثمان قاعدٌ عند أصلى المِنْبر فنال مِن طلحة والزُبير فلما نزل قال لأبان‏:‏ أرضيتُك من

المًدهنين في أمر أمير المؤمنين قال‏:‏ لا ولكنّك سُؤتني حَسبي أن يكونا بريئين من أمره‏.‏

وعلى

هذا المعنى قال إسحاق بن عيسى‏:‏ أعيذ عليًّا بالله أن يكون قَتل عثمان وأعيذ عثمان أن

يكون قَتله عليّ‏.‏

وهذا الكلامُ على مذهب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ أشد الناس

عذاباً يومَ القيامة رجل قتل نبيا أو قَتله نبيّ‏.‏

سعيد بن جُبير عن أبي الصّهباء‏:‏ إن رجالاً ذكروا

عُثمان فقال رجلٌ من القوم‏:‏ إني أعرفُ لكم رأيَ عليّ فيه‏.‏

فدخل الرجلُ على علي فنال من

عثمان فقال عليّ‏:‏ دَع عنك عُثمان فواللّه ما كان بأشرِّنا ولكنه وَلي فاستأثر فحرمَنا فأساء

الحرمان‏.‏

وقال عثمان بن حُنَيف‏:‏ إني شهدتُ مَشهداً اجتمع فيه علي وعمّار ومالك الأشتر

وصَعْصعة فذكروا عثمان فوقَع فيه عمّار ثم أخذ مالكٌ فحذا حَذْوه ووجهُ عليّ يَتَمَعَّر ثم

تكلّم صعصعة فقال‏:‏ ما على رجل يقول‏:‏ كان والله أولَ مَن وَلي فاستأثر وأوّل مَن تفرقت عنه

هذه الأمة‏!‏ فقال علي‏:‏ إلي أبا اليَقظان لقد سَبقت لعثمان سوابقُ لا يُعذِّبه اللّه بها أبداً‏.‏

محمدُ

بن حاطب قال‏:‏ قال لي علي يومَ الجمل‏:‏ انطلقْ إلى قومك فأبلغهم كُتبي وقَوْلي‏.‏

فقلت‏:‏ إن قَومي

إذا أتيتُهم يقولون‏:‏ ما قوْلُ صاحبك في عُثمان فقال‏:‏ أخبرهم أن قولي في عثمان أحسنُ القول

إن عثمان كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ ثم اتقَوْا وآمنوا واحسنوا واللّه يحب المُحسنين‏.‏

جرير بن حازم عن محمد بن سِيرين قال‏:‏ ما علمتُ أن عليا اتُّهم في دم عُثمان حتى بُويع فلما

بويع اتهمه الناس‏.‏

محمد بن الحنفيّة‏:‏ إنّي عن يمين في يومَ الجمل وابن عبّاس عن يساره إذ سمع

صوتاً فقالت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ عائشةُ تلعن قَتلة عثمان‏.‏

فقال عليّ‏:‏ لعن اللهّ قتلةَ عثمان في

ما نقم الناس على عثمان

ابن دأب قال‏:‏ لما أنكر الناس على عُثمان ما أنكروا مِن تأمير الأحداث من أهل بَيْته على الجلّة

الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لعبد الرحمن بن عوف‏:‏ هذا عملُك

واختَيارك لأمة محمد‏.‏

قال‏:‏ لم أظنَّ هذا به‏.‏

ودخل على عثمان فقال له‏:‏ إني إنما قدمتك على

أن تَسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر وقد خالفتَهما‏.‏

فقال‏:‏ عمر كان يقطع قرابته في اللّه وأنا أصل

قرابتي في اللهّ‏.‏

فقال له‏:‏ لله عليّ أن لا أكلمك أبداً‏.‏

فمات عبدُ الرحمن وهو لا يُكلّم عثمان‏.‏

ولما

ردّ عثمان الحكم بن أبي العاصي طريدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم طريد أبي بكر وعمر إلى

المدينة تكلِّم الناسُ في ذلك فقال عثمان‏:‏ ما ينقَم الناسُ مني‏!‏ إني وصلتُ رحما وقربت قرابة‏.‏

حُصين بن زَيد بن وَهْب قال‏:‏ مَررنا بأبي ذَرّ بالربذة فسألناه عن منزله‏.‏

فقال‏:‏ كنتُ بالشام

فقرأت هذه الآية‏:‏ ‏"‏ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب

أليم ‏"‏‏.‏

فقال معاويةُ‏:‏ إنما هي في أهل الكتاب‏.‏

فقلت‏:‏ إنها لَفينا وفيهم‏.‏

فكتَب إليّ عثمانُ‏:‏

أقبل‏.‏

فلما قدمتُ رَكبتني الناسُ كأنهم لم يَرَوْني قط فشكوتُ ذلك إلى عثمان‏.‏

فقال‏:‏ لو

اعتزلتَ فكنت قريباً‏.‏

فنزلتُ هذا المنزل فلا أدع قَوْلي ولو أمروا عليّ عبداً حبشيا لأطعتُ‏.‏

الحسنُ بن أبي الحسن عن الزُبير بن العوام في هذه الآية‏:‏ ‏"‏ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لقد نزلتْ وما ندري من يختلف لها‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ يا أبا عبد الله فلم جئتَ

إلى البصرة قال‏:‏ ويحك إننا نَنظر ولا نُبصر‏.‏

أبو نضرة عن أبي سَعيد الخُدريّ قال‏:‏ إنّ ناساً

كانوا عند فُسطاط عائشة وأنا معهم بمكة فمرّ بنا عثمان فما بقي أحدٌ من القوم إلا لعنه غيري

فكان فيهم رجلٌ من أهل الكوفة فكان عثمان على الكُوفيّ أجرأ منه على غيره فقال‏:‏ يا كُوفي

أتشتُمني فلما قدم المدينةَ كان يتهدّده‏.‏

قال‏:‏ فقيل له‏:‏ عليك بطَلحة‏.‏

قال‏:‏ فانطلق معه حتى

دَخل على عثمان‏.‏

فقال عُثمان‏:‏ واللّه لأجلدنَه مائة سَوط‏.‏

قال طلحة‏:‏ والله لا تَجلدنه مائةَ إلاّ

أن يكون زانياً‏.‏

قال‏:‏ والله لأحرمنه عَطاءه‏.‏

قال‏:‏ اللّهُ يرزقه‏.‏

ومن حديث ابن أبي قُتيبة عن

الأعمش عن عبد الله بن سِنان قال‏:‏ خرج علينا ابن مَسعود ونحن في المَسجد وكان على بيت

مال الكُوفة وأميرُ الكوفة الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيط فقال‏:‏ يا أهل الكوفة فُقِدت من بيت

مالكم الليلةَ مائةُ آلف لم يأتني بها كتابٌ من أمير المؤمنين ولم يكتب لي بها براءة‏.‏

قال‏:‏ فكتب

الوليدُ بن عُقبة إلى عثمان في ذلك فنَزعه عن بيت المال‏.‏

ومن حديث الأعمش يَرويه أبو بكر بن

أبي شيبة قال‏:‏ كَتب أصحابُ عُثمان عَيْبه وما يَنْقم الناسُ عليه في صحيفة ثم قالوا‏:‏ مَن

يذهب بها إليه قال عمٌار‏:‏ أنا‏.‏

فذهب بها إليه‏.‏

فلما قرأها قال‏:‏ أرغمِ اللّهُ أنفك‏.‏

قال‏:‏ وأنف

أبي بكر وعمر‏.‏

قال‏:‏ فقام إليه فوَطئه حتى غُشى عليه‏.‏

ثم ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزُّبير

يقولان له‏:‏ اختر إحدى ثلاث‏:‏ إما أن تَعْفو هاما أن تأخذ الأرْش وإما أن تَقْتَص‏.‏

فقال‏:‏ واللّه

لا قبلتُ واحدة منها حتى ألقى الله‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ فذكرتُ هذا الحديث للحَسن بن صالح

فقال‏:‏ ما كان على عُثمان أكثرُ مما صنع‏.‏

ومن حديث اللّيث بن سعد قال‏:‏ مَر عبدُ اللهّ بن عُمر بحُذيفة فقال‏:‏ لقد اختلف الناسُ بعد

نبيّهم فما منهم أحدٌ إلا أعطى من دينه ما عدا هذا الرجلَ‏.‏

وسُئل سعدُ بن أبي وقاص عن

عثمان فقال‏:‏ أما والله لقد كان أحسنَنا وُضوءاً وأطولَنا صلاة وأتلانا لكتاب اللّه وأعظمَنا

نَفقةً في سبيل اللّه‏.‏

ثم وَلي فأنكروا عليه شيئاً فأتَوْا إله أعظَمَ مما أنكروا‏.‏

وكتب عثمان إلى أهل الكوِفة حين ولاّهمِ سعيدَ بن العاص‏:‏ أما بعد‏.‏

فإني كنت ولَّيتكم الوليدَ

بن عُقبة غلاماً حين ذَهَب شرْخه وثاب حِلْمه وأوصيتُه بكم ولم أوصكم به فلما أعْيتكم

علانيته طَعَنتم في سرَيرته‏.‏

وقد ولَيتكم سعيدَ بن العاص وهو خيرُ عَشيرته وأوصيكم به خيراً

فاستوصوا به خيراً‏.‏

وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه وكان عاملَه على الكوفة فصلَّى بهم

الصبحَ ثلاث ركعات وهو سَكران ثم التَفت إليهم فقال‏:‏ وإن شئتُم زِدْتُكم‏.‏

فقامت عليه البيّنة

بذلك عند عثمان فقال لطلحة‏:‏ قُم فاجلده‏.‏

قال‏:‏ لم أكن من الجالدين‏.‏

فقام إليه عليّ فَجلده‏.‏

شَهد الحطيئةُ يَوم يَلْقى رَبَّه أنَّ الوليدَ أحقُّ بالعُذْرِ

لِيزِيدَهم خيراً ولو قَبلوا لجمعتَ بين الشَّفع والوِتْر

مَسكوا عنانَك إذ جَريت ولو تَركوا عِنانَك لم تَزل تَجْرِي

ابن دأب قال‏:‏ لما أنكر الناسُ على عثمان ما أنكروا واجتمعوا إلى علي وسَألوه أن يَلقى لهم

عُثمانَ‏.‏

فأقبلَ حتى دَخل عليه فقال‏:‏ إنَ الناسَ ورائي قد كلَّموني أنْ أكلمك واللهّ ما أدرى ما

أقولُ لك ما أعرف شيئاً تًنكره ولا أعلمك شيئاً تَجهله وما ابن الخطّاب أولى بشيء من الخير

منك وما نُبصرك من عَمى وما نَعْلمك مَن جهل وإن الطريق لبيِن واضح‏.‏

تَعلم يا عثمان أن

أفضل الناس عند اللهّ إمامٌ عَدْل هُدِي وهَدى فأحيا سُنة مَعلومة وأمات بدعة مَجهولة وأن

شر الناس عند الله إمامُ ضَلالة ضَل وأضل فأحيا بدْعة مجهولة وأمات سنة معلومة‏.‏

وإني

سمعت رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ يُؤتى بالإمام الجائر يومَ القيامة ليس معه ناصرٌ ولا

له عاذر فيُلْقى في جَهنم فيَدُور دَوْرَ الرحى يَرْتطم بجَمْرة النار إلى آخر الأبد‏.‏

وأنا أحذَرك أن

تكون إمامَ هذه الأمة المقتول يُفتح به بابُ القَتل والقتال إلى يوم القيامة يَمْرَج به أمرُهم

وَيمرَجون‏.‏

فخرج عثمان ثم خطب خُطبته التي أظهر فيها التوبة‏.‏

وكان عليّ كلما اشتكى

الناسُ إليه أمرَ عثمان أرسل ابنه الحسن إليه فلما أكثر عليه قال له‏:‏ إن أباك يرى أن أحداً لا يَعلم

ما يَعلم ونحن أعلم بما نَفعل فكُفّ عنَا‏.‏

فلم يَبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك‏.‏

وذكروا أنّ

عثمان صَلى العصر ثم خَرج إلى علي يعوده في مرضه ومَروان معه فرآه ثقيلا‏.‏

فقالت‏:‏ أما

والله لولا ما أرى منك ما كنتُ أتكلَم بما أريد أن أتكلَم به والله ما أدري أيّ يومَيك أحبُّ إليَّ

أو أبغض أيومُ حياتك أو يومُ موتك أما واللهّ لئن بقيتَ لا أعدم شامتاً يَعُدّك كَنفاً ويَتخذْك

عَضدا ولئن مَتّ لأفجعنِ بك‏.‏

فحظِّى منك حظّ الوالد المُشفق من الولد العاق إنْ عاش

عقه وإن مات فجعه‏.‏

فليتك جعلت لنا من أمرك عَلَماً نَقف عليه ونعرفه إما صديقٌ مسالم

وإما عَدو مُعاند ولم تَجعلني كالمُختنق بين السماء والأرض لا يَرْقى بيد ولا يَهبط برجل‏.‏

أما

والله لئن قتلتك لا أصيب منك خَلَفا ولئن قتلتني لا تصيب مني خلفا وما أحب أن أبقى

بعدَك‏.‏

قال مروان‏:‏ أيْ والله وأخرى إنه لا يُنال ما وراء ظُهورنا حتى تُكسر رماحُنا وتُقطع

سيوفنا فما خيرُ العيش بعد هذا‏.‏

فضَرب عثمان في صَدره وقال‏:‏ ما يُدْخلك في كلامنا

فقال على‏:‏ إني والله في شُغل عن جوابكما ولكني أقول كما قال أبو يوسف‏:‏ فَصَبر جميل واللهّ

المُستعان على ما تَصِفون‏.‏

وقال عبدُ الله بن العباس‏:‏ أرسل إليً عُثمان فقال لي‏:‏ اكْفِني ابن

عمك‏.‏

فقلت‏:‏ إنَ ابن عمي ليس بالرجل يُرى له ولكنَه يَرى لنفسه فأرسِلني إليه بما أحببتَ‏.‏

قال‏:‏ قُل له فَليَخرج إلى مالِه باليَنبُع فلا أغتمّ به ولا يَغتم بي‏.‏

فأتيتُ عليًّا فأخبرتُه‏.‏

فقال‏:‏ ما

فكيف به أنّي أداوِي جراحَه فيَدْوَى فلا مُلّ الدواءً ولا الداءُ

أما واللّه إنه ليختبر القوم‏.‏

فأتيتُ عثمانَ فحدّثته الحديثَ كله إلا البيت الذي أنشده‏.‏

وقوله‏:‏

إنه ليختبر القوم‏.‏

فأنشد عثمان‏:‏

فكيف به أنّي أداوِي جراحَه فيَدْوَى فلا مُلَّ الدواء ولا الداءُ

وجعل يقول‏:‏ يا رحيم انصرُني يا رحيم انصرني يا رحيم انصرني‏.‏

قال‏:‏ فخرج عليّ إلى يَنْبع فكتب إليه عثمان حين اشتدّ الأمر‏:‏ أما بعد‏.‏

فقد بلغ السيل الزُّبى

وجاوز الحِزام الطُّبْيين وطَمِع فيّ مَن كان يَضْعُف عن نفسه‏:‏

فإنك لم يفخر عليك كفاخرٍ ضعيف ولم يَغْلِبْك مثلُ مُغلَّبِ

فأقبِل إليَّ على أيّ أمريك أحبَبتَ وكُن لي أم علي صديقاً كنتَ أم عدوًّا‏:‏

فإنْ كنتُ مأكولاً فكُن خيرَ آكلٍ وإلّا فأدركني ولما أمزَّق

خلافة علي بن أبي طالب

رضي اللّه عنه

قال‏:‏ لما قُتل عثمان بن عفان أقبل الناس يُهْرعون إلى علي بن أبي طالب فتراكمت عليه الجماعةُ

في البَيعة فقال‏:‏ ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بَدْر ليُبايعوا‏.‏

فقال‏:‏ أين طلحة والزبير وسعد

فأقبلوِا فبايعوا ثم بايعه المهاجرون والأنصار ثم بايعه الناسُ‏.‏

وذلك يومَ الجمعة لثلاث عشرةَ

خلتْ من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وكان أولَ مَن بايع طلحةُ فكانت إصبعه شلاّء فتطيِّر

منها عليّ وقال‏.‏

ما أخلقه أن يَنْكث‏.‏

فكان كما قال عليّ رضي اللّه عنه‏.‏

نسب علي بن أبي طالب وصفته

هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمه فاطمة بنت أسد بن

هاشم بن عبد مناف‏.‏

وصفته كان أصلعَ بطيناً حَمْش الساقين‏.‏

صاحبُ شرُطته مَعْقل بن

قيس الرِّياحي وما لك بن حَبيب اليَرْبوعي وكاتبُه سعيد ابن نِمران وحاجبُه قُنْبر مولاه‏.‏

وقُتل يوم الجمعة بالكوفة وهو خارج إلى المسجد لصلاة الصِبح لسبع بَقين من شهر رمضان

فكانت خلافته أربعَ سنين وتسعةَ أشهر صلى عليه ولدُه الحسن ودُفن برَحْبة الكوفة ويقال في

لِحف الحِيرة وعُمِّي قبره‏.‏

واختُلف في سنه فقال الشعبي‏:‏ قُتل علي رحمه الله وهو ابن ثمان

وخمسين سنة ووُلد علي بمكة في شِعب بني هاشم‏.‏

فضائل علي بن أبي طالب

كرم اللّه وجهه

أبو الحسن قال‏:‏ أسلم علي وهو ابن خمسَ عشرةَ سنة وهو أول من شَهد أن لا إله إلا اللهّ وأن

محمداً رسولُ الله‏.‏

وقال النبي عليه الصلاة والسلام مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه‏.‏

اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن

عاداه‏.‏

وقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما تَرضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى

غيرَ أنه لا نبيّ بعدي وبهذا الحديث سَمَّت الشيعةُ علي بن أبي طالب الوصيِّ وأولوا فيه أنه

استخلفه على أمته إذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى لأنّ هارون كان خليفة موسى على

قومه إذا غاب عنهم‏.‏

وقال السيد الْحِمْيري رحمه اللّه تعالى‏:‏

إني أدينُ بما دانَ الوَصَّي به وشاركتْ كفّه كَفَيّ بصفَينا

وجمع النبي صلى الله عليه وسلم فاطمةَ وعليا والحسَنَ والْحُسين فألقى عليهم كساءَه وضمهم

إلى نفسه ثم تلا هذه الآية‏:‏ إنما يُريد اللّهُ ليُذهبَ عنكمِ الرجسَ أهلَ البَيت ويُطهَركم تَطْهيرا‏.‏

فتأولت الشيعةُ الرجس هاهنا بالخَوض في غمرة الدُّنيا وكُدورتها‏.‏

وقال النبيّ صلى الله عليه

وسلم يومَ خَيبر‏:‏ لأعطين الراية غداً رجلاً يُحب الله ورسولَه ويُحبه الله ورسولُه لا يُمسي

حتى يَفتح الله له‏.‏

فدعا عليًّا وكان أرمدَ فَتفَل في عينيه وقال‏:‏ اللهم‏.‏

قِه داءَ الحر والبرد‏.‏

فكان يلبس كُسوة الصيف في الشتاء وكُسوة الشتاء في الصيف ولا يضره‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ ذُكر

عليّ عند عائشة فقالت‏:‏ ما رأيت رجلاً أحبَّ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منه ولا

رأيتُ امرأة كانت أحبَّ إليه من امرأته‏.‏

وقال عليُّ بن أبي طالب‏:‏ أنا أخو رسول اللّه صلى الله

عليه وسلم وابن عمه لا يقولها بعدي إلا كذّاب‏.‏

الشَّعبي قال‏:‏ كان عليّ بن أبي طالب في هذه

الأمة مثل المسيح بن مريم في بني إسرائيل أحبّه قومٌ فكفروا في حُبه وأبغضه قوم فكفروا في

بُغضه‏.‏

وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ الحسنُ والْحُسين سيِّدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ

منهما‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يُقَسم بيت المال في كل جمعة

حتى لا يبقي منه شيئاً ثم يُفرش له ويَقيل فيه‏.‏

ويتمثَل بهذا البيت‏:‏

هذا جَنايَ وخِيَاره فيه إذ كُلّ جانٍ يدُه إلى فيه

كان علي بن أبي طالب إذا دَخل بيتَ المال ونَظر إلى ما فيه من الذَّهب والفضة قال‏:‏

ابيَضيِّ واصفري وغري غيري إنّي من اللّه بكُل خَيْر

ودخل رجل على الحسن بن أبي الحسن البصري فقال‏:‏ يا أبا سعيد إَنهم يَزعمون أنك تُبغض

عليّا‏.‏

قال‏:‏ فبكى الحسنُ حتى اخضلَّت لِحْيته ثم قال‏:‏ كان علي بن أبي طالب سهماً صائباً

من مَرامي الله على عدوّه ورباني هذه الأمة وذا فَضْلها وسابقتها وذا قرابة قريبة من رسول

الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بالنومَة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا المَلولة في

ذات الله ولا السَّروفة لمال اللّه‏.‏

أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مُونقة وأعلام بَينة ذلك

علي بن أبي طالب يا لُكع‏.‏

أبو اليَقظان قال‏:‏ قَدِم طلحةُ بن عُبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين البَصرة‏.‏

فتلقاهم

الناس بأعلى المِرْبد حتى لو رَمَوا بحَجر ما وقع إلا على رأس إنسان فتكلَّم طلحة وتكلمت

عائشة وكثر اللغط فجعل طلحةُ يقول‏:‏ أيها الناس أنصتوا‏.‏

وجعلوا يركبونه ولا يُنصتون‏.‏

فقال‏:‏

أف أف‏!‏ فَراش نار وذُباب طمع‏.‏

وكان عثمان بن حُنيف الأنصاري عاملَ عليّ بن أبي طالب

على البَصرة فخرج إليهم في رِحاله ومن مَعه فتواقفوا حتى زالت الشمس ثم اصطلحوا

وكَتبوا بينهم كتاباً أن يكفّوا عن القتال حتى يَقْدَم علي بن أبي طالب ولعثمان بن حُنيف دارُ

الإمارة والمَسجد الجامع وبيتُ المال فكفّوا‏.‏

ووجّه عليُّ بن أبي طالب الحسن ابنه وعمّار بن

ياسر إلى أهل الكوفة يَستنفر انهم فنَفر معهما سبعةُ آلاف من أهل الكوفة‏.‏

فقال لهم عمار‏.‏

أما والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها لتتْبِعوه أو تَتبعوها‏.‏

وخَرج عليٌ في أربعة آلاف من أهل المدينة فيهم ثمانمائة من الأنصار وأربعمائة ممن شَهد بيعه

الرضوان مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ورايةُ علي مع ابنه محمد ابن الحنفيّة وعلى مَيمنته

الحسنُ وعل ميسرته الحُسين وعلى الخَيل عمّار بن ياسر وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر

وعلى المُقدَمة عبدُ الله بن عبّاس‏.‏

ولواء طَلحة والزُبير مع عبد اللهّ بن حَكيم بن حِزام وعلى

الخيل طلحةُ بن عبيد اللهّ وعلى الرجِّالة عبدُ الله بن الزبير‏.‏

فالتقوا بموضع قصر عُبيد الله بن

وقالوا‏:‏ لما قَدِم علي بن أبي طالب البصرَة قال لابن عباس‏:‏ ائت الزُّبير ولا تأت طلحة فإن

الزُبير ألينُ وأنت تجد طلحةَ كالثور عاقصاً بقَرنه يركب الصُعوبة ويقول‏:‏ هي أسهل فأقْرِئه

السلام وقُل له‏:‏ يقول لك ابن خالك‏:‏ عرفتَني بالحجاز وأنكرتني بالعِراق فما عدا ما بدا قال

ابن عباس‏:‏ فأتيته فأبلغتُه‏.‏

فقال‏:‏ قل له‏:‏ بيننا وبينك عهدُ خليفة ودمُ خليفة واجتماع ثلاثة

وانفراد واحد وأم مَبرورة ومشاورة العشيرة ونَشْر المصاحف نُحِل ما أحلت ونُحرَم ما

حَرمت‏.‏

وقال عليّ بن أبي طالب‏:‏ ما زال الزُبير رجلاً منا أهلَ البيت حتى أدركه ابنه عبد

الله فلفَته عنا‏.‏

وقال طلحةُ لأهل البصرة وسألوه عن بَيعة علي فقال‏:‏ أدخَلوني في حُش ثم

وَضعوا الفُج على قَفي فقالوا‏:‏ بايع وإلا قَتلناك‏.‏

قوله‏:‏ اللج يريد السيف وقوله‏:‏ قفي لغة

طىء وكانت أمه طائية‏.‏

وخطبت عائشةُ أهلَ البصرة يوم الجمل فقالت‏:‏ أيها الناس صَه صه كأنما قُطعت الألسن في

الأفواه‏.‏

ثم قالت‏:‏ إن لي عليكم حُرمَة الأمومة وحق الموعظة لا يتّهمني إلا من عَصى ربَّه‏.‏

مات رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بين سَحْري ونَحْري وأنا إحدى نسائه في الجَنة له

ادخرني ربِّي وسلّمني من كل بضُع وبي مَيّز بين مُنافقكم ومؤمنكم وبي أرخص لكم في صَعِيد

الأبواء‏.‏

ثم أبي ثالثُ ثلاثةٍ من المُؤمنين وثاني اثنين في الغار وأول من سُمَي صديقاً‏.‏

مَضى

رسولُ الله صلى الله عليه وسلما راضياً عنه وطَوَّقه طَوق الإمامة‏.‏

ثم اضطرب حبلُ الدين

فمسَك أبي بطَرَفيه ورتق لكم أثناءه فوَقم النفاق وأغاض نبعَ الردة وأطفأ مَا حَشت يهود

وأنتم يومئذ جُحظ العيون تنظرون العَدوة وتسمعون الصيحة فَرأب الثأي وأوذم العَطِلة

وانتاش من الهًوة واجتحى دفين الداء حتى أعطن الوارد وأورد الصادر وعَلّ الناهل

فقَبضه الله واطئاً على هامات النفاق مذكِياً نارَ الحرب للمشركين‏.‏

وانتظمت طاعتُكم بحَبله‏.‏

ثم ولي أمرَكم رجلاً مَرْعياً إذا رُكن إليه بَعيداً ما بين اللابتين إذا ضُل عَرُوكة للأذاة بجَنْبه

يَقْظان الليل في نُصرة الإسلام فسلك مسلك السابقين ففرق شمل الفِتنة وجَمَّع أعضاد ما جمع

القرآن وأنا نصْب المسألة عنِ مسيري هذا‏.‏

لم ألتمس إثماً ولم أورِّث فتنة أوطئكموها‏.‏

أقول

قولي هذا صِدْقاً وعدلاً وإعذاراً وإنذاراً وأسأل اللّه أن يصلي على محمد وأن يَخلفه فيكم

بأفضل خلافة المُرسلين‏.‏

وكتبت أم سَلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم المؤمنين

إذ عزمت على الخروج يوم الجمل‏:‏ من أم سَلَمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم

المؤمنين فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو‏.‏

أما بعد إنك سُدّة بين رسول اللهّ صلى الله

عليه وسلم وبين أمته حجاب مضروب على حُرمته‏.‏

قد جَمّع القرآنُ ذيلك فلا تَنْدحيه وسَكَّر

خَفارتك فلا تَبْتذليها‏.‏

فاللهّ مِن وراء هذه الأمة‏.‏

لو علم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنّ

النساء يَحتملن الجهاد عهِد إليك‏.‏

أما علمتِ أنه قد نَهاك عن الفَراطة في البلاد فإن عمود الدين

لا يَثبت بالنساء إن مال ولا يُرأب بهن إن انصدع جهاد النساء غَضُّ الأطراف وضَمًّ الذُّيول

وقَصر المُوادة‏.‏

ما كنتِ قائلةً لرسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لو عارضك ببعض هذه الفلوات

ناصَّةً قَعودا من مَنهل إلى مَنهل وغداً تردين على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأقسم لو

قيل لي‏:‏ يا أم سلمة ادخُلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم هاتكةً

حجابا ضرَبه عليّ‏.‏

فاجعليه سِتْرك وقاعةَ البيت حِصْنك فإنك أنصح ما تكونين لهذه الأمة

ما قعدتِ عن نُصرتهم‏.‏

ولو أني حدثتُك بحديث سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

لنَهشتِني نهش الحيةِ الرقشاء المُطرقة‏.‏

والسلام‏.‏

فأجابتها عائشة‏:‏ من عائشة أم المؤمنين إلى أم سَلمة سلام عليك فإني أحمدُ الله إليك الذي لا

إله إلا هو‏.‏

أما بعد‏.‏

فما أقبلني لوَعْظك وأعرفني لحق نَصيحتك وما أنا بمُعتمرة بعد تَعْريج

ولنِعم المَطلع مَطلع فَرَقتُ فيه بين فئتين مُتشاجرتين من المُسلمين فإن أقعد فعن غير حَرج وإن

أمض فإلى ما لا غِنى بي عن الازدياد منه‏.‏

والسلام‏.‏

وكتبت عائشة إلى زيد بن صُوحان إذ

قدمت البصرة‏:‏ من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها الخالص زيد بن صُوحان سلام عليك‏.‏

أما بعد

فإنّ أباك كان رأساً في الجاهلية وسيداً في الإسلام وإنك من أبيك بمنزلة المُصلّى من السابق

يقال كاد أو لَحق وقد بلغك الذي كان في الإسلام من مُصاب عثمان بن عفان ونحن قادمون

عليك والعِيان أشفى لك من الخَبر‏.‏

فإذا أتاك كتابي هذا فثبّط الناسَ عن في بن أبي طالب

وكُن مكانَك حتى يأتيك أمري والسلام‏.‏

فكتب إليها‏:‏ مِن زيد بن صُوحان إلى عائشة أم

المؤمنين‏.‏

سلامٌ عليك أما بعد فإِنك أمرتِ بأمر وأمرنا بغيره أمرتِ أن تَقرّي في بَيتك وأمرنا

أن نُقاتل الناس حتى لا تكون فتنة‏.‏

فتركتِ ما أمرت به وكتبتِ تَنْهينا عما أمرنا به والسلام

وخطب علي رضي اللّه عنه بأهل الكوفة يوم الجمل إذ أقبلوا إليه مع الحسن بن علي فقام فيهم

خطيباً فقال‏:‏ الحمد للهّ رب العالمين وصلّى الله علي سيدنا محمد خاتم النبيين وآخر المُرسلين

أما بعد‏.‏

فإن الله بعث مُحمداً صلى الله عليه وسلم إلى الثَقَلين كافة والناسُ في اختلاف

والعربُ بِشر المنازل مُستضعَفون لما بهم فرأب اللهّ به الثّأي ولأم به الصّدع ورَتق به الفَتق

وأمَّن به السبيل وحَقَن به الدماء وقَطَع به العداوة المُوغِرة للقلوب والضَّفائنِ المُشحنة للصدور

ثم قَبضه اللّه تعالى مشكوراً سعيُه مَرْضيا عمله مَغْفوراً ذنبه كريماً عند اللّه نزله‏.‏

فيالها من

مُصيبة عمِّت المسلمين وخَصَت الأقربين‏.‏

وَوَليَ أبو بكر فسار فينا بسيرة رِضا رَضي بها

المسلمون‏.‏

ثم وَلي عمر فسار بسيرة أبي بكر رضي الله عنهما‏.‏

ثم ولي عُثمان فنال منكم ونلتم

منه‏.‏

ثم كان من أمره ما كان أتيتموه فقتلتموه ثم أتيتموني فقُلتم‏:‏ لو بايعتنا فقلتُ‏:‏ لا أفعل

وقبضتُ يدي فبسَطتموها ونازعتُكم كفًي فجذبتُموها وقلتم‏:‏ لا نَرضى إلا بك ولا نَجتمع إلا

عليك وتراكمتم علي تراكم الإبل الهِيم على حِياضها يومَ وُرودها حتى ظننتُ أنكم قاتلي وأن

بعضَكم قاتلٌ بعضاً فبايَعتُموني وبايعني طلحةُ والزبير ثم ما لَبثا أنْ استأذناني إلى العُمرة‏.‏

فسارا إلى البَصرة فقاتَلا بها المسلمين وفَعلا بها الأفاعيل وهما يَعلمان واللهّ أني لستُ بدون من

مَضى ولو أشاء أن أقول لقلت‏:‏ اللهم إنهما قَطعا قَرابتي ونَكثا بَيْعتي وألّبا عليّ عدوّي‏.‏

اللهمّ

فلا تُحكم لهما ما أبرما وأرهما المَساءة فيما عَملا‏.‏

وأملى عليّ بن محمد عن مسلمة بن

مُحارب عن داود عن أبي هِند عن أبي حَرْب عن أبي الأسود عن أبيه قال‏:‏ خرجتُ مع عِمران

بن حُصين وعثمانَ بن حُنيف إلى عائشة فقلنا‏:‏ يا أمَّ المؤمنين أَخبرينا عن مَسيرك هذا‏.‏

عهدٌ

عَهدَه إليك رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم أم رأي رأيتيه قالت‏:‏ بل رأي رأيتُه حين قُتل

عثمان بن عفَّان إنا نَقمنا عليه ضربه بالسَّوط ومَوقع المِسحاة المُحماة وإمرة سَعيد والوليد

فعدوتُم عليه فاستحللتم منه الثلاثَ الحُرم‏:‏ حُرمة البلد وحُرمة الخلافة وحُرمة الشهر الحرام بعد

أن مُصْتموه كما يُماص الإناء‏.‏

فغَضِبنا لكم من سَوط عثمان ولا نَغضب لعثمان من سَيْفكم

قلنا‏:‏ ما أنتِ وسيفُنا وسوطُ عثمان وأنتِ حَبيس رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏!‏ أمرك أنْ

تَقَرِّي في بيتك فجئتِ تَضربين الناس بعضَهم ببعض‏!‏ قالت‏:‏ وهل أحذ يقاتلني أو يقوله غير

هذا قُلنا‏:‏ نعم‏.‏

قالت‏:‏ ومَن يفعل ذلك هل أنت مُبلغ عني يا عِمران قال‏:‏ لستُ مُبلغاً

عنك حَرفاً واحداً‏.‏

قلت‏:‏ لكنّني مُبلغ عنك فهاتِ ما شئت‏.‏

قالت‏:‏ اللهم اقتُل مًذمَّما

قِصاصاً بعثمان وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يُشْوِى وأدرك عمّاراً بخَفَره بعُثمان أبو بكر

بن أبي شَيبة قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن إدريس عن حُصين عن الأحنف بن قيس قال‏:‏ قَدمنا

المدينة ونحن نُريد الحج فانطلقت فأتيتُ طلحة والزبير فقلت‏:‏ إِني لا أرى هذا إلا مَقتولا فمن

تأمراني به كما تَرضيانه لي قالا‏:‏ نأمرك بعليّ‏.‏

قلت‏:‏ فتأمراني به وتَرضيانه لي قالا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ثم انطلقتُ حتى أتيتُ مكة فبينما نحن بها إذ أتانا قَتْل عثمان وبها عائشة أم المؤمنين

فانطلقتُ إليها فقلت‏:‏ مَن تأمريني أنْ أبايع قالت‏:‏ عليّ بن أبي طالب‏.‏

قلتُ‏:‏ أتأمريني به

وتَرْضينه لي قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فممرتُ على عليّ بالمدينة فبايعتُه ثم رجعتُ إلى البصرة وأنا

أرى أن الأمر قد استقام فما راعنا إلا قدومُ عائشة أمّ المؤمنين وطلحة والزبير قد نزلوا جَناب

الخُرَيبة‏.‏

قاد‏:‏ فقلت‏:‏ ما جاء بهم قالوا‏:‏ قد أرسلوا إليك يستنصرونك على دم عُثمان إنه قُتل

مظلوما‏.‏

قال‏:‏ فأتاني أفظع أمر لم يأتني قطُّ‏.‏

قلت‏:‏ إنَّ خِذلان هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري

رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لشديد وإنّ قتال ابن عم رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم

أمروني ببَيعته لشديد‏.‏

قال‏:‏ فلما أتيتُهم قالوا‏:‏ جِئناك نَسْتصرخك على دم عُثمان قُتل مظلوماً‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا أم المؤمنين أنشدك الله أقلتُ لك‏:‏ مَن تأمريني به وتَرضينه لي فقلت‏:‏ عليّ

قالت‏:‏ بلى ولكنه بَدّل‏.‏

قلتُ‏:‏ يا زُبير يا حواريّ رسول اللّه ويا طَلحة نَشْدتكما باللّه قلتُ

لكما‏:‏ مَن تأمراني به وتَرْضيانه لي فقلتما عليّ قالا‏:‏ بلى ولكنه بدّل‏.‏

قال‏:‏ والله لا أقاتلكم

ومعكم أمّ المؤمنين ولا أقاتل عليّا ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولكنْ اختاروا مني

إحدى ثلاث خصال‏:‏ إما أن تفتحوا لي باب الجسرِ فألحق بأرض الأعاجم حتى يَقضي اللّه من

أمره ما يقضي وإمَا أن ألحق بمكة فأكَون بها أو أتحوّل فأكون قريبا قالوا‏:‏ نَأتمر ثم نُرسل إليك‏.‏

قال‏:‏ فأتمروا وقالوا‏:‏ نَفتح له باب الجسر فيلحق به المُفارق والخاذل أو يلحق بمكة فيَفْحشكم في

قُريش ويُخبرهم بأخباركم اجعلوه هاهنا قريباً حيث تَنظُرون إليه‏.‏

فاعتزل بالجَلحاء من

البَصرة على فرسخين واعتزل معه زهاء ستة آلاف من بني تميم‏.‏

مقتل طلحة

أبو الحسن قال‏:‏ كانت وقعة الجَمل يوم الجُمعة في النَصف من جُمادى الآخرة التَقوا فكان أوَلَ

مَصْروع فينا طلحةُ بن عُبيد الله أتاه سَهمُ غَرْب فأصاب رُكبتَه فكان إذا أمسكوه فَتر الدم

وإذا تَركوه انفجر فقال لهم‏:‏ اتركوه فإنما هو سهم أرسله اللّه‏.‏

حمّاد بن زيد عن يَحيى بن لسَعيد قال‏:‏ قال طلحةُ يوم الجمل‏:‏

نَدمتُ ندامةَ الكُسعي لما طلبتُ رضَا بني حَزم بزَعمِي

للهم خُذ مني لعثمان حتى يَرضى‏.‏

ومن حديث أبي بكر بن أبي شَيبة قال‏:‏ لما رأى مروانُ بن الحكم يوم الجمل طلحة بن عُبيد الله

قال‏:‏ لا أنتظر بعد اليوم بثأري في عُثمان فانتزع له سهماً فقَتله‏.‏

ومن حديث سُفيان الثّوري قال‏:‏ لما انقضى يومُ الجمل خرج علي بن أبي طالب في ليلة ذلك

اليوم ومعه مولاه وبيده شَمعة يتصفّح وجوه القتلى حتى وَقف على طلحة بن عُبيد الله في بَطن

وادٍ مُتعفّراً فجعل يمسح الغبار عن وجهه وبقول‏:‏ أعزِزْ علي يا أبا محمد أن أراك متعفراً تحت

نجوم السماء وفي بطون الأودية إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

شَقيت نفسي وقَتلتُ معشري إلى اللهّ

أشكو عُجَري وبُجري‏.‏

ثم قال‏:‏ واللهّ إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين

قال الله فيهم‏:‏ ‏"‏ ونَزَعنا ما في صُدورهم من غِلٍ إخوانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتقابِلين ‏"‏ وإذا لم نكن نحن فمَن

هم أبو إدريس عن ليث بن طَلحة عن مُطَرف‏:‏ أن عليّ بن أبي طالب أجلس طلحةَ يوم الجمل

ومَسح الغُبار عن وجهه وبَكى عليه‏.‏

ومن حديث سًفيان‏:‏ أنَ عائشة بنت طلحة كانت ترى في

نَومها طلحةَ وذلك بعد موته بعشرين يوماً فكان يقول لها‏:‏ يا بُنية أخرجيني من هذا الماء

الذي يُؤذيني‏.‏

فلما انتبهت من نَومها جَمعت أعوانَها ثم نَهضت فنَبشته فوجدته صَحيحاً كما

دُفنِ لم تَنْحَسر له شعرة وقد اخضر جَنبه كالسَّلق من الماء الذي كان يسيل عليه فلفته في

الملاحف واشترت له عَرصة بالبَصرة فدفنته فيها وبَنت حوله مسجدا‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيتُ المرأة

من أهل البَصرة تُقبل بالقارورة من البان فتصبّها على قبره حتى تُفرغها فلم يَزلن يَفعلن ذلك

حتى صار تراب قَبره مِسْكا أذفر‏.‏

ومن حديث الخُشني قال‏:‏ لما قُتل طلحة بن عُبيد اللهّ يوم

الجمل وجدوا في تَركته ثلثمائة بُهار من ذَهب وفضّة‏.‏

والبُهار‏:‏ مِزْود من جلد عِجل‏.‏

وقع قومٌ

في طلحة عند عليّ بن أبي طالب فقال‏:‏ أما والله لئن قُلتم فيه إنه لكما قالِ الشاعر‏:‏

فتَى كان يُدْنيه الغِنَى من صَديقه إذا ما هو استغنى وُيبعده الفَقْرُ

كأنَ الثّريّا عُلِّقت في يَمينه وفي خَدِّه الشِّعري وفي الآخرَ البَدْر

شَريك عن الأسود بن قيس قال‏:‏ حدّثني مَن رأى الزُبير يوم الجمل يَقْعص الخيل بالرُّمح قَعصا

فنوِّه به علي‏:‏ أيا عبد اللّه أتذكر يوماً أتانا النبيُ صلى الله عليه وسلم وأنا أناجيك فقال‏:‏

أتناجيه‏!‏ واللّه ليُقاتلنَك وهو ظالم لك‏.‏

قال‏:‏ فصرَف الزُبير وَجْه دابّته وانصرف‏.‏

قال أبو الحُسن‏:‏

لما انحاز الزُّبير يومَ الجمل مر بماء لبني تَميم فقيل للأحنف بن قيس‏:‏ هذا الزُّبير قد أقبل‏.‏

قال‏:‏

وما أصنع به أن جَمع بين هذين الغَزِيَّيْن وتَرك الناس وأقبل - يريد بالغَزييْن المُعسكرين - وفي

مجلسه عمرو بن جُرموز المجاشعيّ فلما سمع كلامَه قام من مجلسه واتبعه حتى وجده بوادي

الطباع نائماً فقَتله وأقبل برأسه على عليّ بن أبي طالب‏.‏

فقال عليّ‏:‏ أبْشر بالنار سمعتُ

رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ بشروا قاتل الزّبير بالنار‏.‏

فخرج عمرو بن جُرموز وهو

يقول‏:‏

أتيتُ عليَّا برأس الزُبير وقد كنتُ أحسبها زُلْفَه

فبشِّر بالنار قَبل العِيان فبئس بشارة ذي التّحفه

ومن حديث ابن أبي شيبة قال‏:‏ أقبل رجلٌ بسيف الزّبير إلى الحسن بن علي فقال‏:‏ لا حاجة لي

به أدخله إلى أمير المؤمنين‏.‏

فدخل به إلى عليّ فناوله إياه وقال‏:‏ هذا سيفُ الزّبير‏.‏

فأخذه

عليّ فنظر إليه مليّا ثم قال‏:‏ رَحم اللّه الزبير‏.‏

لطالما فَرَّج به الكُرب عن وجه رسول الله صلى

غَدر ابن جُرْموز بفارس بُهْمةٍ يومَ الهِياج وكان غيرَ مُعَدََّدِ

يا عمرو لو نبَّهته لوجدته لا طائشاً رَعِش الْجَنان ولا اليَدْ

ثَكِلْتك أمك أن قَتلت لمُسلما حلت عليك عُقوبة المتعمد

وقال جرير يَنعي على ابن مُجاشع قتلَ الزبير رضي الله تعالى عنه‏:‏

إني تُذكِّرني الزبيرَ حمامةٌ تَدعو ببَطن الواديين هَدِيلا

قالت قُريش ما أذلَّ مُجاشعاً جاراً وأكرمَ ذا القتيلَ قَتيلا

لو كُنتَ حرًّا يا بن قَين مُجاشعٍ شيعت ضَيفك فَرْسخاً أو مِيلاً

أفبعد قَتْلكم خليلَ محمدٍ تَرْجو القُيون مع الرسول سَبِيلا

هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ دعاني أبي يومَ الجمل فقمتُ عن يمينه

فقال‏:‏ إنه لا يُقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وما أراني إلا سأقتل مظلوما وإن أكبر همّي دَيني فبع

مالي ثم اقض ديني فإِن فَضل شيء فثُلثه لولدك وإن عجزتَ عن شيء ما بُني فاستعِن مولاي‏.‏

قلت‏:‏ ومن مولاك يا أبت قال‏:‏ الله‏.‏

قال عبدُ الله بن الزبير‏:‏ فواللّه ما بقيتُ بعد ذلك في كُربة

من دَينه أو عُسرة إلا قلت‏:‏ يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيَه‏.‏

قال‏:‏ فقُتل الزبير ونظرتُ في

دَينه فإذا هو ألفُ ألف ومائة ألف‏.‏

قال‏:‏ فبِعت ضَيعهً له بالغابة بألف ألف وستمائة ألف ثم

ناديتُ‏:‏ مَن كان له قِبل الزّبير شيء فليأتنا نقضِه‏.‏

فلما قضيتُ دينَه أتاني إخوتي فقالوا‏:‏ أقسم

بيننا ميراثَنا‏.‏

قلت‏:‏ والله لا أقسم حتى أنادي أربعَ سنين بالمَوْسم‏:‏ من كان له على الزبير شيء

فليأتنا نَقْضِه‏.‏

قال‏:‏ فلما مَضت الأربع السنين أخذت الثّلث لولدي ثم قسمتُ الباقي‏.‏

فصار

لكل امرأة من نسائه - وكان له أربع نسوة - في ربع الثمن ألف ألف ومائة ألف‏.‏

فجميع ما تَرك

مائة ألف ألف وسبعمائة ألف ألف‏.‏

ومن حديث ابن أبي شَيبة قال‏:‏ كان علي يُخرج مُناديه يوم

الجمل يقول‏:‏ لا يُسلبن قتيل ولا يُتْبع مُدْبر ولا يجهز على جَريح‏.‏

قال‏:‏ وخرج كعب بن ثَور من

البصرة قد تقلّد المُصحف في عُنقه فجعل يَنْشره بين الصّفين ويُناشد الناس في دِمائهم إذ أتاه

سَهم فقَتله وهو في تلك الحال لا يدري مَن قتله‏.‏

وقال في بن أبي طالب يوم الجمل للأشتر وهو

مالك بن الحارث وكان الميمنة‏:‏ أحمل‏.‏

فحمل فكَشف من بإزائه‏.‏

وقال لهاشم بن عُقْبة أحد

بني زُهرة بن كِلاب وكان على المَيسرة‏:‏ احمل‏.‏

فحمل فكَشف من بإزائه‏.‏

فقال علي

لأصحابه‏:‏ كيف رأيتم مَيسرتي ومَيمنتي‏!‏

من حديث الجمل

الخُشني عن أبي حاتم الجّستاني قال‏:‏ أنشدني الأصمعي عن رجل شَهد الجملَ يقول‏:‏

شهدتُ الحُروب وشيبنيِ فلم تر عيني كيوم الجَملْ

اضرّ على مُؤمنٍ فِتنةً وأفتك منه لِخرْق بَطل

فليت الظّعينةَ في بيتها وليتك عَسكرُ لم تَرْتحل

ابن مُنْيَة وَهبه لعائشة وجعل له هَوَدجاً من حديد وجَهز من ماله خَمسمائة فارس بأسلحتهم

وأزودتهم‏.‏

وكان أكثرَ أهل البصرة مالاً‏.‏

وكان عليّ بن أبر طالب يقول‏:‏ بُليت بأنَضّ الناس وأنطق

الناس وأطوع الناس في الناس‏.‏

يُريد بأنَض الناس‏:‏ يَعلَى بن مُنْية وكان أكثرَ الناس ناضا ويريد

بأنطق الناس‏:‏ طَلحة بن عُبيد الله وأطوع الناس في الناس عائشةَ أم المؤمنين‏.‏

أبو بكر بن أبي

شيبة عن مَخْلد بن عُبيد الله عن التَّميمي قال‏:‏ كانت رايةُ علي يومَ الجمل سوداء وراية أهل

البصرة كالجَمل‏.‏

الأعمش عن رجل سمّاه قال‏:‏ كنتُ أرى عليًّا يومَ الجمل يَحمل فيضرب بسَيفه

حتى يَنثني ثم يَرجع فيقول‏:‏ لا تلوموني ولُوموا هذا ثم يعود ويُقوَمه‏.‏

ومن حَديث أبي بكر بن

أبي شَيبة قال‏:‏ قال عبد اللّه بن الزبير‏:‏ التقيتُ مع الأشتر يوم الجمل فما ضرَبتُه ضربةً حتى

ضَربني خمسة أو ستة ثم جَرّ برجلي فألقاني في الخَندق وقال‏:‏ والله لولا قُربُك من رسول اللّه

صلى الله عليه وسلم ما اجتمع فيك عُضو إلى آخر‏.‏

أبو بكر بن أبي شَيبة قال‏:‏ أعطت عائشة

الذي بَشَّرها بحياة ابن الزُّبير إذ التقى مع الأشتر يوم الجمل أربعة آلاف‏.‏

سعيدُ عن قَتادة قال‏:‏

قُتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفاً منهم ثمانمائة من بني ضبة‏.‏

وقالت عائشةُ‏:‏ ما أنكرتُ

رأس جَملي حتى فقدتُ أصواتَ بني عديّ‏.‏

وقُتل من أصحاب عليّ خمسمائة رجل لم يُعرف

منهم إلا عِلْباء بن الهيثم وهِند الجملّي قَتلهما ابن اليَثربيّ وأنشأ يقول‏:‏

إِني لِمَن يَجهلني ابن اليَثرُبي قتلتُ عِلْباءَ وهِنْد الجَملي

عبدُ الله بن عَوْن عن أبي رجَاء قال‏:‏ لقد رأيت الجَمل حينئذ وهو كظهر القُنفذ من النَبل

ورجلٌ من بني ضَبًّة أخذ بخُطامه وهو يقول‏:‏

نحنُ بنو ضَبَّة أصحابُ الجملْ الموتُ أحلى عندنا من العَسلْ

نَنْعَي ابن عَفان بأطراف الأسَلْ

غندَر قال‏:‏ حَدثنا شعبة بن عمرو بن مُرة قال‏:‏ سمعت عبد اللّه بن سَلمة وكان مع في بن أبي

طالب يوم الجمل والحارثَ بن سُويد وكان مع طَلحة والزُّبير وتذاكرا وقعة الجمل فقال

الحارث بن سُويد‏:‏ والله ما رأيتُ مثلَ يوم الجمل لقد أشرعوا رِماحَهم في صُدورنا وأشرعنا

رماحَنا في صُدورهم ولو شاءت الرجال أن تَمشي عليها لمشت يقول هؤلاء‏:‏ لا إله إلا الله

والله أكبر ويقول هؤلاء‏:‏ لا إله إلا اللّه والله أكبر فوالله لَوددتُ أني لم أشهد ذلك اليوم وأني

أعمى مَقطوعُ اليدين والرِّجلين‏.‏

وقال عبدُ الله بن سَلمة‏:‏ واللّه ما يُسرّني أني غِبْتُ عن ذلك

اليوم ولا عن مَشهد شَهِدَه عليّ بن أبي طالب بحُمر النَّعم‏.‏

علي بن عاصم عن حُصين قال‏:‏

حدّثني أبو جُميلة البكّاء قال‏:‏ إني لفي الصَف مع علي بن طالب إذ عُقر بأم المُؤمنين جملُها

فرأيتُ محمدَ بن أبي بكر وعمار بن ياسر يشتدّان بين الصَفين أيهما يَسبق إليها فقَطعا عارضة

الرّحل واحتملاها في هَودجها‏.‏

ومن حديث الشَعبي قال‏:‏ مَن زَعم أنه شهد الجمل من أهل بَدر

إلا أربعةٌ فكذبه كان عليّ وعمار في ناحية وطَلحة والزُبير في ناحية‏.‏

أبو بكر بن أبي شيبة

قال‏:‏ حدَثني خالدُ بن مَخلد عن يعقوب عن جَعفر بن أبي المُغيرة عن ابن أبْزَى قال‏:‏ انتهى عبد

اللّه بن بُديل إلى عائشة وهي في الهَوْدج فقال‏:‏ يا أم المؤمنين أنشدُك باللهّ أتعلمين أني أتيتُكِ يَومَ

قُتل عثمان فقلتُ لك‏:‏ إن عثمان قد قُتل فما تأمرينني به‏.‏

فقلتِ لي‏:‏ الزم عليّا فواللّه ما غير

ولا بدَّل‏.‏

فسكتت‏.‏

ثم أعاد عليها‏.‏

فسكتت‏.‏

ثلاثَ مرات‏.‏

فقال‏:‏ اعقِروا الجَمل فعَقروه‏.‏

فنزلتُ أنا وأخوها محمد بن أبي بكر فاحتملنا الهودَج حتى وَضعناه بين يدي علي فسُرّ به

فأدخل في منزل عبد اللّه بن بُديل‏.‏

وقالوا‏:‏ لما كان يومَ الجَمل ما كان وظَفِر عليُّ بن أبي طالب دنا من هَودج عائشة فكلّمها

بكلام‏.‏

فأجابته‏:‏ ملكتَ فأسْجع‏.‏

فجهَّزَها عليّ بأحسن الجِهَاز وبَعث معها أربعين امرأة - وقال

بعضُهم‏:‏ سبعين امرأة - حتى قَدِمَت المدينة‏.‏

عكرمةُ عن ابن عباس قال‏:‏ لما انقضى أمرُ الجمل

دعا علي بن أبي طالب بآجرتين فعلاهما فَحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ يا أنصارَ المرأة

وأصحابَ البَهيمة رَغا فجئتُم وعُقر فهُزمتم نَزلتم شرَّ بلاد أبعدها من السماء بها مَغيض

كل ماء ولها شرُّ أسماء هي البَصرة والبُصيرة والمُؤتفكة وتَدْمر أين ابن عباس قال‏:‏ فدُعيت

له من كل ناحية فأقبلت إليه فقال‏:‏ ائت هذه المرأة فَلْترجع إلى بيتها الذي أمرها الله أن تَقَر

فيه‏.‏

قال‏:‏ فجئتُ فاستأذنتُ عليها فلم تَأذن لي فدخلتُ بلا إذن ومَددت يدي إلى وِسادة في

البيت فجلستُ عليها‏.‏

فقالت‏:‏ تاللّه يا بن عباس ما رأيتُ مثلك‏!‏ تَدخل بيتَنا بلا إذننا

وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا‏.‏

فقلت‏:‏ واللّه ما هو بيتُكِ ولا بيتُكِ إلا الذي أمرك اللّه أن

تَقرِّي فيه فلم تَفعلي إن أمير المؤمنين يأمرك أن تَرجعي إلى بلدك الذي خرجتِ منه‏.‏

قالت‏:‏

رحم اللّه أميرَ المؤمنين ذاك عمرُ بن الخطّاب‏.‏

قلتُ‏:‏ نعم وهذا أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي

طالب‏.‏

قالت‏:‏ أبيتُ أبيت‏.‏

قلت‏:‏ ما كان إباوك إلا فُوَاقَ ناقة بكيئة ثم صرتِ ما تُحْلِينَ ولا

تُمرِّين ولا تَأمرين ولا تَنْهين‏.‏

قال‏:‏ فبكت حتى علا نشيجًها‏.‏

ثم قالت‏:‏ نعم أرجعُ فإن أبغض

البلدان إلي بلدٌ أنتم فيه‏.‏

قلت‏:‏ أما واللّه ما كان ذلك جزاؤُنا منك إذ جَعلناك للمُؤمنين أمًّا

وجعلنا أباك لهم صِدِّيقاً‏.‏

قال‏:‏ أتمُنُّ فيَ برسول الله يا بن عباس قلتُ‏:‏ نعم نمنّ عليك بمن لو

كان منكِ بمنزلته منَا لمننتِ به علينا‏.‏

قال ابن عبّاس‏:‏ فأتيتُ عليًّا فأخبرتُه فقبّل بين عينيَّ

وقال‏:‏ بأبي ذريَّة بعضا من بعض واللّه سميع عليم‏.‏

ومن حديث ابن أبي شَيبة عن ابن فًضيل

عن عَطاء بن السائب‏:‏ أن قاضيا من قُضاة أهل الشام أتى عمرَ بن الخطاب فقال‏:‏ يا أميرَ

المؤمنين رأيتُ رؤيا أفْظعتني‏.‏

قال‏:‏ وما رأيتَ قال‏:‏ رأيتُ الشمس والقمر يَقتتلان والنجومَ

معهما نصفين‏.‏

قال‏:‏ فمع أيهما كنتَ قال‏:‏ مِع القمر على الشمس‏.‏

قال عمرُ بن الخطاب‏:‏

‏"‏ وجعلنا اللَيل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آيةَ النهار مبصرة ‏"‏ فانطلِقْ فوالله لا تَعمل لي

عملاً أبداً‏.‏

قال‏:‏ فبلغني أنه قُتل مع مُعاوية بصفين‏.‏

أبو بكر بن أبي شَيبة قال‏:‏ أقبل سُليمان بن

صرُد وكانت له صُحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب بعد وقعة

الجمل فقال له‏:‏ تنأنأت وتَزحزحت وتربّصت فكيف رأيت الله صنَع قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنّ

الشوط بَطِين وقد بقي من الأمور ما تَعرف به عدوك من صَديقك‏.‏

وكتب عليُّ بن أبي طالب

إلى الأشعث بن قيس بعد الجَمل وكان والياً لعثمان على أذْرَبيجان‏:‏ سلامٌ عليك أما بعد‏.‏

فلولا هَنات كنّ منك لكنت أنت المُقدم في هذا الأمر قبل الناس ولعل أمركَ يحمل بعضُه بعضاً

إن اتقيتَ اللّه وقد كان من بَيعة الناس إِيَّاي ما قد بَلغك وقد كان طلحةُ والزبير أولَ من بايعني

ثم نَكثا بيعتي من غير حَدَث ولا سَبب وأخرجا أمَّ المؤمنين فساروا إلى البَصرة وسرتُ إليهِم

فيمن بايعني من المُهاجرين والأنصار فالتقينا فدعوتهم إلى أن يَرجعوا إلى ما خَرجوا منه فأبوْا

فأبلغتُ في الدُعاء وأحسنتُ في البُقيا وأمرتُ ألا يُذفّ على جريح ولا يُتبع مُنهزم ولا يُسلب

قَتيل ومَن ألقى سلاحَه وأغلق بابه فهو آمن‏.‏

واعلم أن عملك ليس لك بطُعْمة إنما هو أمانة في

عُنقك وهو مال من مال اللّه وأنت من خُزَاني عليه حتى تُؤديه إليّ إن شاء الله ولا قُوةَ إلا

بالله‏.‏

فلما بلغ الأشعث كتابُ عليّ قام فقال‏:‏ أيها الناس إن عثمان بن عفان ولّاني أذربيجان

فهلك وقد بقيتْ في يدي وقد بايع الناسُ عليًّا وطاعتُنا له واجبة وقد كان من أمره وأمر

عدوّه ما كان وهو المأمون على مَن غاب من ذلك المَجْلس ثم جلس‏.‏

قولهم في أصحاب الجمل

أبو بكر بن أبي شَيبة قال‏:‏ سُئل علي عن أصحاب الجمل‏:‏ أمشركون هم قال‏:‏ من الشّرَك

فَروا‏.‏

قال‏:‏ فَمنافقون هم قال‏:‏ إن المنافقين لا يَذكرون الله إلا قليلاً‏.‏

قال‏:‏ فما هم‏!‏ قال‏:‏

إخوانُنا بَغَوْا علينا‏.‏

ومَر علي بقتلى الجمل فقال‏:‏ اللهم اغفر لنا ولهم ومعه محمدُ بن أبي بكر

وعمار بن ياسر فقال أحدُهما لصاحبه‏:‏ أما تسمع ما يقول‏!‏ قال‏:‏ اسكت لا يَزيدك‏.‏

وكيع عن

مِسْعَر عن عبد الله بن رَباح عن عمار قال‏:‏ لا تقولوا‏:‏ كَفر أهل الشام ولكن قُولوا‏:‏ فَسقوا

وظَلموا‏.‏

وسُئل عمار بن ياسر عن عائشة يوم الجمل فقال‏:‏ أما والله إنا لنعلم أنها زوجتُه في

الدُنيا والآخرة ولكنّ اللّه ابتلاكم بها ليعلم أتتبعونه أم تَتبعونها‏.‏

وقال عليُّ بن أبي طالب يومَ

الجمل‏:‏ إن قوماً زَعموا أن البَغي كان منّا عليهم وزَعمنا انه منهم علينا وإنما اقتتلنا على البَغي

ولم نقتتل على التَّكفير‏.‏

أبو بكر بن أبي شَيبة قال‏:‏ أول ما تكلمت به الخوارجُ يومَ الجمل قالوا‏:‏ ما أحلَّ لنا دماءَهم وحرّم

علينا أموالهم‏!‏ فقال عليّ‏:‏ هي السنة في أهل القِبلة‏.‏

قالوا‏:‏ ما نَدري ما هذا قال‏:‏ فهذه

عائشةُ رأس القوم أتتساهمون عليها‏!‏ قالوا‏:‏ سُبحان الله‏!‏ أمنا‏.‏

قال‏:‏ فهي حَرام قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فإنه يَحرم من أبنائها ما يَحرم منها‏.‏

قال‏:‏ ودخلتْ أم أوفى العَبْدية على عائشة بعد وَقعه

الجمل فقالت لها‏:‏ يا أمّ المؤمنين ما تقولين في امرأةٍ قَتلت ابناً لها صغيراً قالت‏:‏ وَجبت لها

النار‏.‏

قالت‏:‏ فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صَعيد واحد قالت‏:‏

خُذوا بيد عدوّة اللّه‏.‏

وماتت عائشةً في أيام مُعاوية وقد قاربت السبعين‏.‏

وقيل لها‏:‏ تُدفنين مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ لا إني أحدثت بعده حَدثاً فادفِنُوني مع إخوتي

بالبقيع‏.‏

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ يا حُميراء كأني بك تَنْبحك كِلابُ

الحُوّب‏.‏

تقاتلين علياً وأنت له ظالمة‏.‏

والحُوب بضم الحاء وتثقيل الواو وقد زَعموا أن الحُوَّب

ماء في في طريق البصرة‏.‏

قال في ذلك بعضُ الشيعة‏:‏

إني أدينُ بحُب آل محمدٍ وبَني الوَصيّ شهودِهم والغُيبِ

وأنا البريء من الزُّبير وطَلحة ومِن التي نَبحت كلابُ الحُوّب

أخبار علي ومعاوية

كتب عليّ بن أبي طالب إلى جرير بن عبد الله وكان وجهّه إلى مُعاوية في أخذ بيعته فأقام

عنده ثلاثة أشهر يُماطله بالبيعة فكتب إليه عليّ‏:‏ سلام عليك فإذا أتاك كتابي هذا فَاحمل

مُعاوية على الفَصل وخَيَره بين حرب مَجْلية أو سَلم مَحظية‏.‏

فإن اختار الحربَ فانبذ إليهم

على سواء إن اللّه لا يُحب الخائنين وإن اختار السلم فخُذ بَيعته وأقبل إلي‏.‏

وكتب عليّ إلى

معاوية بعد وقعة الجمل‏:‏ سلام عليك‏.‏

أما بعد‏.‏

فإن بَيعتي بالمدينة لزمتْك وأنت بالشام لأنه

بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه‏.‏

فلم يكن للشاهد أنْ يختار ولا

للغائب أن يردّ وإنما الشُورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان

ذلك للّه رضاً وإن خَرج عن أمرهم خارجٌ ردّوه إلى ما خَرج عنه فإن أبى قاتلوه على أتباعه

غيرَ سبيل المؤمنين وولّاه اللّه ما تولّى وأصلاه جهنم وساءت مَصيراً‏.‏

وإن طلحةَ والزُبير بايعاني

ثم نَقضا بيعتهما وكانَ نَقضُهما كردَتهما فجاهدتُهما بعد ما أعذرت إليهما حتى جاء الحقُّ

وظَهر أمرُ الله وهم كارهون‏.‏

فادخُل فيما دَخل فيه المسلمون فإنَ أحب الأمور إليّ قَبولُك

العافية‏.‏

وقد أكثرتَ في قتلة عثمان فإن أنت رجعتَ عن رأيك وخلافك ودخلتَ فيما دخل

فيه المسلمون ثم حاكَمت القوْمَ إلي حملتُك وإياهم على كتاب الله‏.‏

وأما تلك التي تُرِيدها فهي

خُدعة الصّبي عن اللبن‏.‏

ولَعمي لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنَي أبرأ قُريش من دم عثمان‏.‏

واعلم أنك من الطُّلقاء الذين لا تَحل لهم الخلافة ولا يدخلون في الشُّورى وقد بعثتُ إليك وإلى

مَن قبلك جَريرَ بن عبد اللّه وهو من أهل الإيمان والهِجرة فبايعْه ولا قُوة إلا باللهّ‏.‏

فكَتب إليه

معاوية‏:‏ سلام عليك‏.‏

أما بعد فلَعمري لو بايعك الذين ذكرتَ وأنت بريء من دم عثمان لكنتَ

كأبي بكر وعمر وعثمان ولكنَك أغريتَ بدم عثمان وخَذلت الأنصار فأطاعك الجاهلُ وقوي

بك الضعيف‏.‏

وقد أبي أهلُ الشام إلا قتالَك حتى تَدفع إليهم قتلَة عثمان فإن فعلتَ كانت

شورى بين المسلمين‏.‏

وإنما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم فلما فارقوه كان

الحُكَام على الناس أهلُ الشام‏.‏

ولَعمري مَا حُجَّتك على أهل الشام كحجتك على أهل البَصرة

ولا حُجَّتك عليّ كحُجتك على طلحة والزُّبير إن كانا بايعاك فلم أبايعك أنا‏.‏

فأما فضلك في

الإسلام وقرابتُك من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلسْتُ أدفعه‏.‏

فكتب إليه عليٌّ‏:‏ أما

بعد‏.‏

فقد أتانا كتابُك كتابُ امرىء ليس له بصرٌ يهديه ولا قائد يُرشده دعاه الهوى فأجابه

وقاده فاتبعه‏.‏

زعمتَ أنك إنما أفسد عليك بَيعتي خُفُوري لعثمان‏.‏

ولَعمري ما كنتُ إلا رجلاً

من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرتُ كما أصدروا‏.‏

وما كان اللّه ليجمعهم على ضَلالة

ولا ليضربهم بالعَمى‏.‏

وما أمرتُ فلزمَتْني خَطيئةُ الأمر ولا قتلتُ فأخاف على نَفسي قِصاص

القاتل‏.‏

وأما قولُك إن أهل الشام هم حُكام أهل الحجاز‏.‏

فهات رجلاً من أهل الشام يُقبَل في

الشورى أو تحلّ له الخلافة فإن سَمَّيتَ كَذَّبك المهاجرون والأنصار‏.‏

ونحن نأتيك به من أهل

الحجاز‏.‏

وأما قولُك‏:‏ ادفعِ إليّ قتلة عثمان‏.‏

فما أنت وذاك وهاهنا بنو عثمان وهم أولى بذلك

منك‏.‏

فإن زعمت أنك أقوى على طلب دم عثمان منه فارجع إلى البيعة التي لزمتْك وحاكم

القومَ إليّ‏.‏

وأما تمييزك بين أهل الشام والبَصرة وبينك وبين طلحة والزبير‏.‏

فلعمري ما الأمر هناك

إلا واحد لأنها بيعة عامة لا يتأتىّ فيها النظر ولا يُستأنف فيها الخيار‏.‏

وأما قرابتي من رسول

اللّه صلى الله عليه وسلم وقِدمِي في الإسلام فلو استَطعت دفعَه لدفَعتَه‏.‏

وكتب معاويةُ إلى

علي‏:‏ أما بعد‏.‏

فإِنك قتلتَ ناصرَك واستنصرت واترَك‏.‏

فوايم الله لأرْمينّك بشهاب تُزكيه الريح

ولا يُطفئه الماء‏.‏

فإذا وقع وَقب وإذا مسّ ثَقب فلا تحسبَنّي كسُحيم أو عبد القيس أو حُلوان

الكاهن‏.‏

فأجابه عليّ‏:‏ أما بعد‏.‏

فواللّه ما قَتل ابن عمّك غيرُك‏!‏ أني أرجو أن ألحقك به على

مثل ذَنبه وأعظِم من خطيئته‏.‏

وإن السيف الذي ضربتُ به أهلَك لمعي دائم‏.‏

واللهّ ما

استحدثْت ذنباً ولا استبدلت نبيّا وإني على المِنْهاج الذي تركتُموه طائعين وأدخلتم فيه

كارهين‏.‏

وكتب معاوية إلى علي بن أبي طالب‏:‏ أما بعد‏.‏

فإن اللّه اصطفى محمداً وجعله الأمين

علَى وحيه والرسول إلى خَلقه واختار له من المسلمين أعواناً أيّده بهم وكانوا في منازلهم عنده

على قدر فضائِلهم في الإسلام فكان أفضلَهم في الإسلام وأنصحَهم لله ولرسوله الخليفةُ وخليفةُ

الخليفة والخليَفة الثالث فكلّهم حسدْتَ وعلى كُلهم بَغيتَ‏.‏

عَرفنا ذلك في نظرك الشَزْر

وتنفُسك الصُعداء وإبطائك على الخُلفاء وأنت في كل ذلك تُقاد كما يُقاد البعير المَخْشوش

حتى تُبايع وأنت كاره‏.‏

ولم تكن لأحد منهم أشدَّ حسداً منك لابن عمك عثمان وكان أحقَّهم

أن لا تفعل ذلك في قَرابته وصِهْره‏.‏

فقطعتَ رحمه وقبَّحت محاسنه وألَّبت عليه الناس حتى

ضُربت إليه آباطُ الإبل وشُهر عليه السلاح في حَرم الرسول فقُتل معك في المحلّة وأنت تسمعِ في

داره الهائعة لا تُؤَدّي عن نفسك في أمره بقَوْلِ ولا فعل برّ‏.‏

أقسم قسماً صادقاً لو قصتَ في أمره

مقاماً واحداً تنهينّ الناس عنه ما عَدل بك ممن قَبِلنا من الناس أحد ولمَحا ذلك عنك ما كانوا

يَعرفونك به من المجانبة لعثمان فهم بطانتك وعَضدك وأنصارك‏.‏

فقد بَلغني أنك تَنتفي من دمه

فإن كنت صادقاً فادفع إلينا قتلَته نَقتلهم به ثم نحن أسرعُ الناس إليك وإلا فليس لك ولا

لأصحابك عندنا إلا الصيف‏.‏

والذي نفسُ معاوية بيده لأطلبنَّ قتلةَ عثمان في الجبال والرّمال

والبَرّ والبَحر حتى نقتلهم أو تَلحقَ أرواحُنا بالله‏.‏

فأجابه عليّ‏:‏ أما بعد‏.‏

فإِنّ أخا خَوْلان قَدِم

علي بكتاب منك تَذكر فيه محمداً صلى الله عليه وسلم وما أنعم اللّه به عليه من الهُدى

والوَحْي‏.‏

فالحمدُ للهّ الذي صَدقه الوعد وتَمَّم له النصر ومكّنه في البلاد وأظهره على

الأعادي من قومه الذين أظهروا له التَّكذيب ونابذوه بالعداوة وظاهروا على إخراجه وإخراج

أصحابه وألَبوا عليه العرب وحَزّبوا الأحزاب حتى جاء الحق وظهر أمر اللّه وهم كارهون‏.‏

وذكرتَ أن اللهّ اختار من المسلمين أعوانَاً أيّده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم

في الإسلام فكان أفضلَهم في الإسلام وأنصحَه للّه ولرسوله الخليفةُ من بعده‏.‏

ولعمري إن كان

مكانُهما في الإسلام لعظيما وإن كان المُصاب بهما لجُرْحا في الإسلام شديداً فرحمهما اللّه

وغَفر لهما‏.‏

وذكرتَ أن عثمان كان في الفَضل ثالثاً فإنْ كان مُحسناً فسيلقىِ رباً شكوراً

يُضاعف له الحسنات ويَجزيه الثوابَ العظيم وإن يك مُسيئاً فسيلقى رباً غفوراً لا يَتعاظمه

ذنبٌ يغفره‏.‏

ولعمري إني لأرجو إذا اللّه أعطى الأسْهم أن يكون سَهْمُنا أهلَ البيت أوفَر

نصيب‏.‏

وايم اللّه ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد كان أنصحَ لله ورسوله ولا أنصحَ لرسول اللهّ في

طاعة اللّه ولا أصبر على البلاء والأذى في مواطن الخوف مِن هؤلاء النفر من أهل بيته الذي

قُتلوا في طاعة اللّه‏:‏ عُبيدة بن الحارث يوم بدر وحمزة بن عبد المطلب يوم أُحد وجعفر وزيد

يوم مُؤتة‏.‏

وفي المهاجرين خير كثير جزاهم اللّه بأحسن أعمالهم‏.‏

وذكرتَ إبطائي عن الخلفاء

وحسدي إياهم والبَغي عليهم‏.‏

فأما البغي فمعاذَ اللّه أن يكون‏.‏

وأما الكَراهة لهم فواللّه ما

اعتذر للناس من ذلك‏.‏

وذكرتَ بَغْيي على عثمان وقَطْعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد

علمتَ وعَمل به الناسُ ما قد بلغك‏.‏

فقد علمتَ أني كنتُ من أمره في عُزلة إلا أن تجنَّى

فتجنَ ما شئتَ وأما ذِكْرك قَتلةَ عثمان وما سألتَ من دفعهم إليك فإني نظرتُ في هذا الأمر

وضربت أنفَه وعَينَه فلم يَسعني دَفْعهُم إليك ولا إلى غيرك وإن لم تَنْزع عن غَيك لنعرفنك عما

قليل يطلبونك ولا يكلفونك أن تَطلبهم في سَهل ولا جَبل ولا بَرّ ولا بحر‏.‏

وقد كان أبوك أبو

سفيان أتاني حين قُبض رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏.‏

ابسط يدَك أبايعك فأنت أحقُّ

الناس بهذا الأمر‏.‏

فكنتُ أنا الذي أبيت عليه مخافةَ الفُرقة بين المسلمين لقُرب عهد الناس

بالكفر‏.‏

فأبوك كان أعلَمَ بحقَي منك وإن تعرف من حقَي ما كان أبوك يعرفه تُصِب رشْدك

وإلا فنَستعين الله عليك‏.‏

وكتب عبدُ الرحمن بن الحكم إلى معاوية‏:‏

ألا أبْلغ مُعاويةَ بنَ حَرْب كتاباً من أخِي ثِقَةٍ يَلومُ

فإنَك والكتابَ إلى علَيٍّ كدابغةٍ وقد حَلِم الأدِيم