فصل: أخبار أبي مهدية الأعرابي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  أخبار أبي مهدية الأعرابي

أبو عثمان المازني قال‏:‏ قال أبو مَهْدئة‏:‏ بلغنيِ أن الأعراب والأعزاب هجاؤها واحد قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ فاقرأ الأعزاب أشدّ كُفْراً ونفاقاً ولا تقرأ‏:‏ الأعراب ولا يَغُرُّك العَزَب وإن صام وصلَّى‏.‏

وتُوفّي بُني لأبي مهدية صغير فقيل له‏:‏ أبشر أبا مَهدية فإنا نرجو أن يكون شَفِيع صِدْق يومَ القيامة قال‏:‏ لا وَكلنا اللّه إلى شَفاعته إذاً واللّه يَكون أعيانا لساناً وأضعَفَنا حُجة ليته المِسْكينَ كَفَانا نَفْسه‏.‏

وقيل لأبي مهديّة‏:‏ أكُنتم تتوضئون بالبادية قال‏:‏ نعم واللّه لقد كُنا نتوضّأ فتكفي التَوْضئة الرجل منّا الثلاثة الأيام والأربعة حتى دخلتْ علينا هذه الحمراء - يعني الموالي - فجعلت تُليق أستاهها كما تُلاق الدَّواة‏.‏

وقيل لأبي مَهديّة‏:‏ أتقرأ من كتاب اللهّ تعالى شيئاً قال‏:‏ نعمِ ثم افتتح يقرأ‏:‏ ‏"‏ والضُّحَى واللَيْل إذا سَجَى ‏"‏ حتى انتهى إلى ‏"‏ وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهَدَى ‏"‏ فالتفت إلى صاحب له فقال‏:‏ إنَ هؤلاء العُلوج يقولون‏:‏ وَوَجدك ضَالاً فهدى واللّه لا أقولها أبداً‏.‏

ولما أسَن أبو مهديّة وَلي جانباً من اليمامة وكان به قَوْمٌ من اليهود أهلُ عَطاء وجِدَة فأرسل إليهم فقال‏:‏ مَا عندكم في المَسِيح قالوا‏:‏ قَتلناه وصَلَبْناه قال‏:‏ فهل غَرِمْتُم دِيَته قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ إذاً واللهّ لا تَبْرحوا حتى تَغْرموا دِيتَه فأرْضوه حتى كَف عنهم‏.‏

وقيل لأبي مهدية ما أصْبَرَكم معشرَ العرب على البَدْو قال‏:‏ كيف لا يَصْبر على البدو مَن طعامُه الشمس وشرابه الرٌيح‏.‏

ونظر أبو مَهْديّة إلى رجل يسْتَنجي ويُكثر من الماء فقال له‏:‏ إلى كم تَغْسلها ويحك‏!‏ أتريد أن تَشرَب فيها سَويقاً‏.‏

ومات طفل لأبي مهدية فقيل له‏:‏ اصبر يا أبا مهديّة فإنه فَرَط افترطته وخير قدَمته وذُخْر أحْرزته فقال‏:‏ بل وَلد دفنته وثُكل تُعجِّلته واللّه لئن لمِ أجْزع للنَّقص لا أفْرَح بالمَزيد‏.‏

قال أبو عُبيدة‏:‏ سمع أبو مَهْدِيَّة رجلاً يقول بالفارسيَّة‏:‏ ذود ذود فقال‏:‏ ما يقول هذا فقيل له‏:‏ يقول عَجِّل عَجِّل فقال‏:‏ أفلا يقول‏:‏ حَيّهَلاَ خبر أبي الزهراء المُعلى بن المُثَنَّى الشّيبانيّ قال‏:‏ حَدّثنا سُويد بن مَنْجوف قال‏:‏ أقبل أعرابيّ من بنى تميم حتى دخل الكوفة من ناحية جَيّانة السُّبيع تحته أتان له تَخُبّ وعليه ذلاذل وأطمار من سَحْق صُوف وقد اعتمّ بما يًشْبه ذلك من أشْوه الناس مَنْظراً وأقْبحهم شَكلاً وهو يَهْدر كما يَهْدر البعيرُ وهو يقوله‏:‏ ألا سَبَد ألا لَبَد ألا مُؤْوٍ ألا سَعْديّ ألا يَربوعي ألا دارمي هَيهات هَيهات وما يُغْنى أصْلُ حَوْض الماء صادياً مُعَنّى قال سُويد‏:‏ فَدَخل علينا في دَرْب الكُنَاسة فلم يجد مَنْفذاً وقد تَبعه صِبْيان كثيرون وسَواد من سَواد الحيّ فسمعتُ سوادياً يقول له‏:‏ يا عَماه يا إبليس متى أذن لك بالظِّهور فالتفت إليهم فقال‏:‏ منذ سَرَق آباؤكم وفَسَقت أمهاتكم‏.‏

قال‏:‏ وكانَ معنا أبو حمَاد الخيَّاط وكانَ من أطلب الناس لكلام الأعراب وأصبرهم على الإنفاق على أعرابي يدخل علينا وكان مع ذلك مَوْلى لبني تميمٍ فأتيتُه فأخبرته فخرج مبَادراً كأنّي قد أفدتُه فائدة عظيمة وقد نَزل الأعرابي عن الأتان واستند إلى بعض الحِيطان وأخذ قَوْسَه بيده فتارة يُشير بها إلى الصبيان وتارةً يَذُب بها الشَذا عن الأتان وهو يقول لأتانه‏:‏ قد كُنتِ بالأمْعَز في خِصْب خَصِبْ ما شِئْتِ من حَمْض وماء مُنْسَكِبْ فرَبُّكِ اليومَ ذليل قد نَصِب يَرَى وجوهاً حوله ما تُرْتَقب ولا عليها نُورُ إشراق الحَسَب كأنها الزَنج وعُبْدان العَرَب إلى عُجَيْل كان كالرَّغْل السرَّب ولو أمنْتُ اليومَ من هذا اللَجَبْ رَمَيْتُ أفواقاً قَوِيماتِ النصُب الريشُ أولاها وأخراها العَقَب قال‏:‏ فلم يزل أبو حمّاد يُلْطِفه ويتَلطَف به ويُبخله إلى أن أدخله منزله فمهَّد له وحطَه عن أتانه ودعا بالعَلَف فجعل الأعرابيّ يقول‏:‏ أين اللَيف والنَّئِيف والوِساد والنِّجاد‏.‏

يعني باللِّيف‏:‏ الحَصير وبالنَّئِيف‏:‏ عُشبَة عندهم يقال لها البُهْمَى‏.‏

وبالوِساد‏:‏ جِلْد عَنْز يُسْلخ ولا يُشَق ويُحْشى وَبراً وشَعراً ويُتّكأ عليه وبالنِّجَاد مِسْح شَعر يستظل تحته‏.‏

قال‏:‏ فلما نَزَع القَتب عن إن تُنْحَضي أو تَدْبَرِي أو تَزْحَرِي فذاك من دُؤوب ليل مُسْهِرِ أنا أبو الزهراء من آل السري مُشَمَّخ الأنْفِ كريم العُنْصُرِ إذا أتيت خُطَة لم أفسَرِ وكان يُسَمى الأعرابيّ صَلَتان بن عَوْسجة من بني سَعْد بن دارم ويُكْنَى بأبي الزَهرِاء‏.‏

وما رأيتُ أعرابياً أعجبَ منه كان أكثر كلامه شِعْراً وأمْثَلَ أعرابي سمعتُه كلاماً إلا أنه ربما جاء باللَفظة بعد الأخرى لا نَفهمها وكان من أضْجَر الناس وأسْوأهم خُلقاً وإذا نحن سألناه عن الشيء قال رُدوا عليّ القَوس والأتان يظُنّ أنا نَتلاعب به وكُنّا نجتمع معه في مجلس أبي حمّاد وما مِنا إلا من يأتيه بما يشتهيه فلا يُعْجبه ذلك حتى أتيناه يوماً بخِرْبِز وكانت أمامه فلما أبصرها تأمّلها طويلاً وجعل يقول‏.‏

بُدِّلْتً والدَهْرُ قديماً بَدّلَا من قَيْض بَيْض القفْر فَقْعاً حَنْظلا أخْبَثُ ما تُنْبت أرْضٌ مأكلا فكنا نقول له‏:‏ يا أبا الزًهراء إنه ليس بحَنْظَل ولكنه طعام هنيء مريء ونحن نَبْدؤك فيه إنْ شئتَ قال‏:‏ فخُذوا منه حتىِ أرى‏.‏

فبدأنا نأكل وهو يَنظر لا يَطْرف فلما رأى ذلك بَسَط يده فأخذ واحدةً فنزع أعلاها وقوَّر أسْفَلها فقُلنا لها‏:‏ ما تُريد أن تَصْنع يا أبا الزهراء فقال‏:‏ إن كان السم يا بنِ أخي ففيما تَرَوْن‏.‏

فلما طَعِمه استخفّه واستعذبه واستَحلاه فلم يكن يُؤْثِرُ عليه شيئاً وما كنا نأتيه بعدُ بغَيره وجَعل في خِلال ذلك يقول‏:‏ هذا طَعام طَيِّب يَلينُ في الجَوْف والحَلْق لهُ سُكُونُ الشَّهدُ والزّبد به مَعْجُونُ فلما كان إلى أيام قلتُ له‏:‏ يا أبا الزهراء هل لك في الحَمّام دال‏:‏ وما الحمام يا بن أخي قلنا له‏:‏ دارٌ فيها أبيات حارّ وفاتر وبارد تكون في أيها شئت تُذْهب عنك قَشَفَ السَّفَر ويَسْقط عنك هذا الشَّعر‏.‏

قال‏:‏ فلم نَزل به حتى أجابنا فأتينا به الحمَّام وأمرنا صاحب الحمّام أن لا يُدْخل علينا أحداً فَدَخل وهو خائف مترقّب لا يَنزع يده من يد أحدنا حتى صار في داخل الحمَّام فأمرنا مَن طَلاه بالنّورة وكان جِلْده أشْعَر كجِلد عَنْز فَقَلِق ونازَعَ للخُروج وبدأ شَعره يَسْقط فقلنا‏:‏ أحين طاب الحمَّام وبدأ شعرك يسقط تخرُج قال‏:‏ يا بن أخي وهل بقي إلا أن أنْسَلخ كما يَنْسلخ الأديم في احتدام القَيْظ وجعل يقول‏:‏ وهل يَطيب الموتُ يا إخْواني هل لكُم في القَوْس والأتانِ خذُوهما مِنِّي بلا أثمان وخَلَصوا المًهْجَة يا صِبياني فاليومَ لو أبْصَرَني جيراني عُرْيان بل أعرَى من العرْيان قال‏:‏ ثم خرج مُبادراً وأتْبعَه أحداثٌ لنا لولاهم لَخَرَج بحاله تلك ما يستره شيء ولحقناه في وَسط البيوت فأتيناه بماء بارد فشرب وصبَ على رأسه فارتاح واستراح وأنشأ يقول‏:‏ الحمدُ للمُستَحْمد القهار أنْقَذَني من حَر بيت النَّارِ إلى ظَليل ساكن الأوَار من بعد ما أيقنت بالدَمار قال‏:‏ فدعونا بكُسوة غير كُسوته فألبسناه وأتينا به مجلس أبي حماد وكان أبو حَماد يبيع الحِنْطة والتمرِ وجميع الحبوب وكان يُجاوره قومٌ يَبيعون أنبِذَة التمر وكان أبو الحسن التمّار ماهراً فإذا خُضنا في النحو وذكرنا الرُّواسي والكِسائي وأبا زيد جعل يَنْظر بفقه الكلام ولا يفهم التأويل فقلنا له‏:‏ ما تقول يا أبا الزَّهْراء فقال‏:‏ يا بن أخي إن كلامكم هذا لا يسد عوزا مما تتعلمونه له فقال أبو الحسن‏:‏ إن بهذا تعرف العرب صوابَها من خَطئها فقال له‏:‏ ثَكلْتَ وأثْكلت وهل تُخْطىء العرب قال‏:‏ بلى قال‏:‏ على أولئك لعنة الله وعلى الذين أعتَقوا مثلَك قال سُويد‏:‏ وكنت أحدثَهم سنًّاً قالت‏:‏ فقلت‏:‏ جُعِلت فداك أنا رجل من بني شَيْبان وربيعة ما نعلم أنِّا على مثل الذي أنتَ عليه من الإنكار عليهم فقال فيهم‏:‏ يُسائلني بيَّاع تَمْرٍ وَجَرْدقٍ ومازِج أبْوَال له في إنائِه عن الرَّفع بعد الخَفْض لا زال خافضاً ونَصْب وجَزْم صِيغ من سُوء رائه فقال بهذا يُعْرَف النحْو كلُّه يرى أنّني في العُجْم من نُظرائه فأما تَميم أو سُلَيم وعامر ومَن حَل غَمْر الضَال أو في إزائه ففيهم وعنهم يُؤثر العلم كُلُّه ودَع عنك من لا يهتدي لخطائه فمن ذا الرُّؤاسيّ الذي تَذْكرونه ومن ذا الكِسَائي سالحٌ في كِسائه ومَن ثالثٌ لم أسمع الدهرَ باسمه يُسمونه من لُؤمه سيبوائه فكيف يُحيل القوم من كان أهلَه ويهْدِي له من ليس من أوْليائه فَلَستُ لبيَّاع التُّميرات مُغْضِياً على الضيم إن واقفتُ بعد عَشائه ولقد قلنا له‏:‏ يا أبا الزَّهراء هل قرأتَ من كتاب الله شيئاً قال‏:‏ أي وأبيك آيات مُفَصلات أرَدِّدهن في الصَلوات أباء وأمهات وعمات وخالات ثم أنشأ يقول‏:‏ قرأتُ قَوْلَ اللّه في الكتاب ما أنزل الرحمنُ في الأحزاب لعُظم ما فيها من الثوَابِ الكُفْر والغِلْظة في الأعراب وأنا فاعلم من ذوي الألباب أومن بالله بلا ارتياب وجاحِم يَلْفح بالتهاب أوْجُه أهل الكُفْرو والتَّباب ودَفْع رَحْل الطارق المنتاب في ليلة ساكنة الكِلاب ولما أحضرناه ذات يومٍ جِنازة قلنا له‏:‏ يا أبا الزهراء كيف رأيت الكوفة فقال‏:‏ يا بن أخي حَضَراً حاضراً ومَحلاً أهلاً أنكرتُ من أفعالكم الأكيال والأوزان وشَكْل النِّسوان ثم نظر إلى الجبَّانة فقال‏:‏ ما هذه التِّلال يا بن أخي قلت له‏:‏ أجداثُ الموتى‏:‏ فقال‏:‏ أماتوا أم قُتلوا فقلت‏:‏ قد ماتوا بآجالهم مِيتات مخُتلفات قال‏:‏ فماذا نَنْتظر نحن يا بن أخي قلت‏:‏ مثل الذي صاروا إليه فاستعبر وبَكى وجعل يقول‏:‏ يا لَهفَ نَفسي أنْ أموتَ في بَلَد قد غابَ عنِّي الأهْلُ فيه والوَلدْ وكل ذي رحْم شفيق مُعْتَقدْ يكون ما كنتُ سقيماً كالرمد يا ربّ يا ذا العرْش وَفِّق للرشدْ وَيسرِ الخيرَ لشيخ مُنْحَصِدْ ثم لم يَلْبث إلا يسيراً حتى أخذتْه الحُمَّى والبِرْسام فكنًا لا نُبارحه عائدين متفقدين فبينا نحن عنده ذات يوم وقد اشتد كَرْبه وأيقنى بالموت جعل يقول‏:‏ أبْلِغ بناتي اليومَ أبلغ بالصُّوَى قد كُنَّ يأمُلْنَ إيَابي بالغِنَى وقر تَمنَّينَ وما تُفْنى المنى بأنّ نَفْسي وردت حَوْض الرَّدى ومن صلاتي في صباح ومِسَا فَعُدْ على شيخ كبير ذي انحِنا كفاه ما لاقاه في الدُنيا كَفى قلنا له‏:‏ يا أبا الزَهراء ما تأمرنا في القَوْس والأتان وفيما قَسَم الله لك عندنا من رزق فقال‏:‏ يا بن أخي أما ما قَسم اللّه لي عندكم فمردود إليكم وأما القَوْس والأتان فَبِيعوها وتَصدَقوا بثمنهما في فقراء صَلِبَة بني تميم وما بَقي ففي مَوَاليهم ثم جعل يقول‏:‏ اللهم اسمع دُعاء عَبدك إليك وتضرعه بين يديك وأعرف له حَقَّ إيمانه بك وتَصْديقه برُسلك الذين صَليت عليهم وسلمْت اللهم إني جانٍ مُقْترف وهائبٌ مُعْترف لا أدَعي بَراءة ولا أرجو نجاة إلا برحمتك إياي وتجاوزك عنَي اللهم إنك كتبت علي في الدنيا التّعب والنَّصب وكان في قَضَائك وسابق علمك قبضُ روحي في غير أهلي وولدي اللهم فبدِّل لي التَّعب والنَّصب رَوْحاً وريحانا وجنة نعيم فْضل كريم‏.‏

ثم صار يتكلم بما لا نَفْقَهه ولا نَفْهمه حتىِ مات رحمه اللّه‏.‏

فما سمعتُ دُعاء أبلغ من دُعائه ولا شهدتُ جنازة أكثرَ باكياَ وداعياً من جنازته رحمه الله‏.‏

 عودة إلى كلام الأعراب

َن كان ذابتً فهذا بَتِّي مقيِّظٌ مُصَيِّف مُشَتي َسَجْتُه من نَعجاتٍ سِت وقال أعرابي‏:‏ قالت سُلَيْمى ليت ليَ بَعْلاً بِمَنّ يَغْسِلُ أسي ويسلبني الحَزَنْ حاجة ليس لها عِنْدي ثَمَنْ مشهورة قضاؤُها منه وَهَن قالت جواري الحي يا سلمى وإنْ كان فقيراً معدماً قلت وإن قال الإعرابي‏:‏ جاريتان حَلَفتْ أماهما وأن ليس مغبوناً من أشتراهما والله لا أخْبركم أسماهما إلا بقولي هكذا هُما هُما ما اللِّتان صادَني سهماهما حيا وحيا الله من حياهما أمَاتَ رَبِّي عاجلاً أباهما حتى تُلاقي مُنْيتي مناهما وقال أعرابي‏:‏ إِن لنا لَكَنَه مِعَنَة مِفَنَه السٌمْعنة النَظْرنة‏:‏ المرأة التي إذا سَمِعت أو نَظرت فلم تَرَ شيئاً تَظنَت تَظنياً‏.‏

وأنشد أبو عبد اللّه بن لُبانة لأعرابي‏:‏ كَرِيمةً يُحبُّها أبُوها مَلِيحةَ العَيْنَينْ عَذْباً فُوها لا تُحْسِنُ السَّبَّ وإنْ سَبُّوها قال الأصمعي‏:‏ دخلتُ على هارون الرَّشيد وبين يديه بَدْرَة فقال‏:‏ يا أصمعي إن حدثتني بحديث العَجْز فأضْحَكتني وهَبتك هذه البدرة قلت‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا في صَحارَى الأعراب في يوم شديد البرد والريح إذا أنا بأعرابي قاعد إلى أجمة قد احتملت الرّيح كِساءَه فألقته على الأجمة وهو عُريان فقلت له‏:‏ يا أعرابي ما أجلسك ها هنا على هذه الحال فقال‏:‏ جارية واعدتُها يقال لها سَلمى أنا مُنتظر لها فقلت وما يَمنعك من أخذ كِسائك قال‏:‏ العَجز يُوقفني عن أخذه قلت له‏:‏ فهل قلتَ في سَلْمى شيئاً قال‏:‏ نعم‏:‏ قلتُ له‏:‏ أسمعني للّه أبوك قال‏:‏ لا أسمعك حتى تأخذ كِسائي وتلقيه عليّ‏.‏

قال‏:‏ فأخذتُه فألقيته عليه فأنشأ يقول‏:‏ لعل اللّه أن يأتي بسَلْمى فَيَبْطَحَها ويُلْقيني عليها ويأتي بعد ذاك سحابُ مُزْن يُطَهِّرُنا ولا نَسعى إليها أذكروا أنّ أعرابياً أتى عَيْناً من ماءٍ صافٍ في شهر رمضان فشرَب حتى رَوِيَ ثم أومأ بيده إلى السماء فقال‏:‏ إنْ كُنْتَ قدَرْتَ الصِّيا مَ فأعْفِنا من شَهْر آب أوْلا فإنّا مُفْطِرُو ن وصابرون على العَذابَ خَلا أعرابيّ بامرأة ليفسُق بها فلم يَنْتَشر له‏.‏

فقالت له‏:‏ قُم خائباً فقال‏:‏ الخائبُ من فَتَحَ فم الجراب ولم يُكَل له دقيق‏.‏

فخَجِلت ولم تَرُد جَواباً‏.‏

  كتاب المجنبة في الأجوبة

قال أحمدُ بن محمد بن عبد ربّه‏:‏ قد مَضى قولُنا في كلام الأعراب خاصة ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الْجَوابات التي هي أصعبً الَكلام كلّه مَرْكباً وأعزُّه مَطْلباً وأغمضه مَذْهباً وأضيَقه مَسْلكا لأنّ صاحبَه يُعْجل مُناجاةَ الفِكْرة واستعمال‏!‏ القَريحة يُوم في بَديهة نَقْض ما أًبْرم في رويّة فهو كمن أخذت عليه الفِجَاج وسُدَّت عليه المَخارج قد تَعرّض للأسنَة واستهدف للمَرامي لا يدْرِي ما يُقْرَع به فيتأهّب له ولا ما يَفجؤه من خَصمه فيَقْرعه بمثله‏.‏

ولا سيّما إذا كان القائلُ قد أَخذ بمجامع الكلام فقاده بزِمامه بعد أن رَوّى فيه وأحتَفل وجَمع خواطره وأجتهد وتَرك الرأي يَغِب حتى يَخْتمر فقد كَرِهوا الرأي الفَطير كما كرهوا الجوابَ الدَّبَريّ فلا يزال في نَسج الكَلام واستئناسه حتى إذا اطمأن شاردُه وسَكن نافرُه صكّ به خَصْمًه جُملة واحدة ثم إذا قيل له‏:‏ أجِب ولا تُخطىء وأَسرع ولا تُبْطىء ترَاه يجاوب من غير أناة ولا استعداد يُطبّق المَفاصل ويَنْفُذ إلى المَقاتل كما يُرْمَى الْجَندل بالجندل وُيقْرَع الحديد بالحديد فَيَحُل به عُراه ويَنْقُض به مرائره ويكون جوابُه على كلامه كسحابة لَبّدت عَجاجة‏.‏

فلا شيءَ أعضلُ من الجواب الحاضر ولا أعزّ من الخَصْم الألدّ الذي يَقْرع بقول كمِثْل النار في الْحَطَب الْجَزْل قال أبو الْحَسن‏:‏ أسرعُ الناسِ جواباً عند البديهة قريش ثم بقيّة العرب وأحسنُ الجواب كُلِّه ما كان حاضراً مع إصابة مَعنى وإيجاز لَفْظ‏.‏

وكان يُقال‏:‏ اتّقوا جوابَ عُثمانَ بنِ عفّان‏.‏

وقالت النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ لعمرو بن الأهتم‏:‏ أخبرني عن الزِّبْرِقان قال‏:‏ مًطَاعٌ في أدانِيه شديدُ العارضة مانعٌ لما وراءَ ظَهْره‏.‏

قال الزِّبْرِقانُ‏:‏ واللهّ يا رسولَ اللهّ لقد عَلِم منّي أكثرَ من هذا ولكنْ حَسَدني‏.‏

قال عمروبنُ الأهتم‏:‏ أمَا واللّه يا رسولَ اللهّ إنه لَزَمِرُ المُروءة ضَيِّق العَطَن أحمقُ الوالد لَئيم الْخَال واللهّ يا رسولَ اللّه ما كذبتُ في الأولى ولقد صدقتُ في الأخرى رَضِيتً عن ابن عمِّي فقلتُ فيه أحسنَ ما فيه ولم أكْذِب وسَخِطتُ عليه فقلت أقبحَ ما فيه ولم أكذِب‏.‏

فقال النبيّ عليه الصلاةُ والسلام‏:‏ إنّ من البيان سِحْراً‏.‏

جواب عقيل بن أبي طالب لمعاوية وأصحابه لمَا قَدِم عَقِيل بن أبي طالب على مُعاوية أكْرَمه وقَربه وقَضى حوائجَه وقَضى عنه دَيْنَه ثم قال له في بعض الأيام‏:‏ والله إنّ عليًّا غَيْر حافظ لك قَطَع قَرابتك وما وَصَلك ولا اصطنعك‏.‏

قال له عَقيل‏:‏ والله لقد أجزل العَطِيَّةَ وأعظمها ووَصَل القَرابة وحَفِظها وحَسُن ظَنُّه باللّه إذ ساء به ظَنُّك وحَفِظ أمانَته وأصْلح رعيته إذ خُنْتم وأفسدتم وجُرْتم فاكفُف لا أبالك فإنه عما تقول بِمَعْزِل‏.‏

وقال له مُعاوية يوماً‏:‏ أبا يزيد أنا لك خيرٌ من أخيك عليٍ‏.‏

قال‏:‏ صدقتَ إن أخي آثرَ دِينَه على دُنياه وأنت آثرتَ دُنياك على دِينك فأنت خيرٌ لي من أخي وأخي خيرٌ لنفسه منك‏.‏

وقال له ليلةَ الهَرير‏:‏ أبا يزيد أنتَ الليلةَ معنا قال‏:‏ نعم ويومَ بَدْر كنتُ معكم‏.‏

وقال رجل لعَقيل‏:‏ إنك لخائنٌ حيثُ تركتَ أخاك وتَرغب إلى مُعاوية‏.‏

قال‏:‏ أخْوَنُ منّي والله مَن سَفك دَمَه بين أخي وابن عمِّي أن يكون أحدًهما أميراً‏.‏

ودَخل عَقيل على معاوية وقد كُفَّ بَصَرُه فأجلسه معاوية على سريره ثم قال له‏:‏ أنتم مَعْشرَ بني هاشم تُصابون في أبصاركم‏.‏

قال‏:‏ وأنتم معشرَ بني أميّة تُصابون في بَصائرَكم‏.‏

ودَخل عُتْبة بن أبي سُفْيان فَوَسَّع له معاوية بينه وبين عَقيل فجلس بينهما فقال عَقِيل مَن هذا الذي اجلَسَ أميرُ المؤمنين بيني وبينه قال‏:‏ أخوك وابن عمّك عُتبة‏.‏

قال‏:‏ أمَا إنّه إنْ كان أقربَ إليك منِّي إني لأقْرَبُ لرسول اللهّ صلى الله عليه وسلم منك ومنه ومنه وأنتما مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أرضٌ ونحن سماء‏.‏

قال عُتبة‏:‏ أبا يزيد أنت كما وَصَفْتَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فوق ما ذكرتَ وأميرُ المؤمنين عالم بحقّك ولك عندنا مما تُحبّ أكثر مما لنا عِنْدك مما نَكْره‏.‏

ودخل عَقِيل على مُعاويةَ فقال لأصحابه‏:‏ هذا عَقيل عمه أبو لهب‏.‏

قال له عَقيل‏:‏ وهذا مُعاوية عَمَتُه حمَالةُ الحَطب ثم قال‏:‏ يا مُعاوية إذا دخلتَ النار فاعْدِلْ ذاتَ اليَسار فإنك سَتَجد عمّي أبا لهب مُفْترِشاً عمِّتَك حَمَّالَةِ الحَطب فانظُر أيهما خير‏:‏ الفاعلُ أو المَفْعول به وقال له معاوية يوماً‏:‏ ما أبين الشَّبَق فيٍ رِجالكم يا بني هاشم‏!‏ قال‏:‏ لكنه في نِسائكم أبينُ يا بني أميَّة‏.‏

وقال له مُعاوية يوما‏:‏ والله إنّ فيكم لَخَصلة ما تُعْجِبني يا بني هاشِم قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ لِينٌ فيكم قال‏:‏ لِينُ ماذا قال‏:‏ هو ذاك قال‏:‏ إيانا تُعير يا مُعاوية‏!‏ أجل واللّه إن فينا لَلِيناً من غير ضَعْف وعِزًا من غير جَبَروت وأما أنتم يا بني أمية فإنّ لِينكم غَدْر وعِزَكم كُفْر قال مُعاوية‏:‏ ما كُلَّ هذا أردنا يا أبا يزيد‏.‏

قال عقيل‏:‏ لذى اللُبّ قَبْلَ اليوم ما تُقْرَع العَصَا وما عُلَم الإنسانُ إلا لِيَعلَما وإنّ سِفاه الشَيخ لا حلمَ بعده وإنِ الفَتَى بعد السَّفاهة يَحْلَمُ وقال مُعاوية لعَقيل بن أبي طالب‏:‏ لم جَفوْتمونا يا أبا يزيد فأنشأ يقول‏:‏ إني امرؤ منّي التكرّمُ شِيمةٌ إذا صاحبي يوماً على الهُون أضْمَرَا ثم قال‏:‏ وايم الله يا مُعاوية لئن كانت الدُنيا مَهَّدتك مِهادَها وأظَلَّتْك بحذافيرها ومَدَت عليك أطْناب سُلْطانها ما ذاك بالذي يَزيدك مِنيٍ رغبة ولا تخشُّعاً لرهبة‏.‏

قال مُعاوية‏:‏ لقد نَعتها أبا يزيد نَعْتاً هش له قلبيٍ وإني لأرْجو أن يكون اللّهُ تبارك وتعالى ما رَدّاني برداء مُلْكها وحَبَاني بِفَضيلة عَيْشها إلا لكرامة ادّخرها لي وقد كان داودُ خليفةً وسُليمانُ مَلِكاً وإنما هوِ لمِثال يُحْتذى عليه والأمور أشباه وايم اللّه يا أبا يزيد لقد أصبحت علينا كريماَ وإلينا حَبيبا وما أصبحتُ أضمر لك إساءة‏.‏

ويقال إنّ امرأة عَقيل وهي بنت عُتبة بن رَبيعة خالةُ معاوية قالت لعَقيل‏:‏ يا بَنِي هاشم لا يُحبكم قَلْبي أبداً أين أبي أين أخي أين عمّي كأن أعناقهم أباريقُ فِضَّة‏.‏

قال عقيل‏:‏ إذا دخلتِ جهنم فخُذي على شمالك‏.‏

جواب ابن عبّاس لمعاوية رضي اللّه عنهما لمعاوية وأصحابه اجتمعت قُريشُ الشام والحجاز عند مُعاوية وفيهم عبدُ اللهّ بن عبّاس وكان جريئاً على معاوية حَقّاراً له فبَلغه عنه بعضُ ما غَمَّه فقال مُعاوية‏:‏ رحم اللهّ أبا سُفيان والعبّاس كانا صَفِيَّينْ دون الناس فَحَفِظتُ الميتَ في الحيّ والحيَّ في الميّت استعملك عليٌّ يا بن عبّاس على البصرة واستعمل أخاك عًبيدَ اللّه على اليمن واستعمل أخاك تماما على المدينة فلما كان من الأمر ما كان هَنأتكم بما في أيديكم ولم أكْشفكم عمّا وَعَتْ غَرائرُكم وقلت‏:‏ أخذ اليومَ وأعْطى غداً مثلَه وعلمتُ أنّ بدء اللؤم يَضُر بعاقبة الكَرَم ولو شِئْتُ لأخذتُ بحلاقيمكم وقَيَّأتكم ما أكلتم ولا يزال يبلغنِي عنكم مَا تَبْرُك به الإبل وذُنوبكم إلينا أكثرُ من ذنوبنا إليكم‏:‏ خَذلْتم عُثمان بالمدينة وقَتلتمٍ أنصارَه يومَ الجمل وحاربتموني بصفين ولَعَمري لبنو تَيْم وعَدي أعظمُ ذُنوبا منا إليكم إذ صَرَفوا عنكم هذا الأمْر وسَنُّوا فيكم هذه السنّة فحتى متى أُغضي الجُفون على القَذَى وأسْحب الذُيول على الأذى وأقول‏:‏ لعل الله وعَسى‏!‏ ما تقول يا بن عباس قال‏:‏ فتكلم ابنُ عباس فقال‏:‏ رحم اللهّ أبانا وأباك كانا صَفِيَّين مُتقارضين لم يكن لأبي من مال إلاّ ما فَضل أباك وكان أبوك كذلك لأبي ولكن من هَنأ أباك بإخاء أبي أكثرُ من هنّأ أبي بإخاء أبيك نَصر أبي أباك في الجاهليّة وحَقَن دَمَه في الإسْلام وأما استعمالُ علي إيانْا فَلِنَفْسه دون هَواه وقد استعملتَ أنت رِجالاً لهواك لا لِنَفْسك منهم ابن الحَضْرمي على البصرة فقُتل وابنُ بِشرْ بن أرْطأة على اليمن فخان وحبيب بن مُرَّة على الحجاز فَرُد والضحّاك بن قيس الفِهْري على الكُوفة فحُصِب ولو طَلبت ما عندنا وَقَيْنا أعراضنا وليس الذي يبلغك عنّا بأعْظم من الذي يَبْلغنا عنك ولو وُضع أصغرُ ذُنوبكم إلينا على مائة حَسنة لَمَحقَها ولو وُضع أدنىَ عُذْرنا إليكم على مائة سيئة لَحَسّنها وأما خَذْلُنا عثمان فلو لَزِمنا نصره لنصرناه وأمّا قَتْلنا أنصارَه يوم الجمل فعلى خُروجهم مما دَخلوا فيه وأما حَرْبُنا إياك بصِفِّين فَعلى تركك الحقَّ وأدعائك الباطلَ وأمّا إغراؤُك إيّانا بِتَيْم وعَدِيّ فلو أرَدْناها ما غَلَبونا عليها وسَكَت‏.‏

فقال في ذلك ابنُ أبي لَهب‏:‏ كان ابنُ حَرْب عَظيمَ القَدْر في الناس حتى رَماه بما فيه ابنُ عبّاس ما زال يُهْبِطه طَوْراً ويُصعِده حتى استقاد وما بالحق من باس لم يَتْرًكَنْ خُطّةً ممّا يُذلِّله إلا كَواه بها في فَرْوةِ الرّأس وقال ابنُ أبي مُليكة‏:‏ ما رأيتُ مِثلَ ابنِ عبَّاس‏!‏ إذا رأيتُ أصحَّ الناس وإذا تكلم فأعْربُ الناس وإذا أفْتى فأفْقه الناس ما رأيتُ أكثرَ صوابا ولا أَحْضر جواباً من ابن عباس‏.‏

ابن الكَلْبيّ قال‏:‏ أقبل معاويةُ يوماً على ابن عبّاس فقال‏:‏ لو وَليتمونا ما أتيتُم إلينا ما أتينا إليكم من التَّرحيب والتَقْريب وإعطائكم الجزيل وإكرامكم على القليل وصَبْري على ما صبرتُ عليه منكم وإني لا أريد أمراً إلا أظْمأتم صَدَرَه ولا آتِي مَعْروفاً إلا صَغَّرتم خَطَره وأعْطِيكم العطيّة فيها قَضاءُ حُقوقكم فتأخذونها مُتكارهين عليها تقولون‏:‏ قد نَقَص الحقَّ دون الأَمل فأيّ أملٍ بعد ألف ألف أعطيها الرجلَ منكم ثم أكُون أسَر بإعطائها منه بأخْذها‏.‏

واللّه لئن انخدعتُ لكم في مالي وذَلَلتُ لكم في عِرْضي أرى انخداعي كَرما وذُلِّي حلما‏.‏

ول وَليتُمونا رَضينا منكم بالانتصاف ولا نَسألكم أموالكم لِعِلْمِنا بحالنا وحالكم ويكون أبْغضَها إلينا وأحبَّها إليكم أنْ نُعْفِيكم‏.‏

فقال ابنُ عباس‏:‏ لو وَلينا أحْسنّا المُواساة وما ابتُلينا بالأَثرة ثمِ لم نَغشم الحيّ ولم نَشْتُم الميت ولستُم بأجود منّا أكُفّا ولا أكرَمَ أَنْفُسا ولا أصْون لأعراض المروءة ونحن واللّه أعطَى الآخرًة منكم للدُنيا وأعطَى في الحق منكم في الباطل وأعْطَى على التقوى منكم على الهوى والقَسْمُ بالسوية والعَدْلُ في الرعية يأتيان على المُنى والأمل‏.‏

ما رِضَاكم مِنَّا بالكَفَاف‏!‏ فلو رَضيتم به منَّا لم تَرْض أنفسنا به لكم والكَفَاف رِضَا مَن لا حقَّ له فلا تُبَخِّلونا حتى تَسْألونا ولا تَلْفِظونا حتى تَذُوقونا‏.‏

أبو عثمان الحِزَاميّ قال‏:‏ اجتمعت بنو هاشم عند مُعاوية فأقبل عليهم فقال‏:‏ يا بني هاشم واللهّ إنّ خَيْري لكم لمَمنْوح وإنّ بابي لكم لمفتوح فلا يَقْطع خَيْري عنكمٍ عِلّةٌ ولا يُوصِد بابي دونكم مَسألة ولما نظرتُ في أمري وأمركم رأيتُ أمراً مُختلفا إنكم لَتَرَون أنكم أحقُّ بما في يدي منّي وإذا أعطيتُم عطيَّة فيها قضاءُ حقّكم قًلتم‏:‏ أَعطانا دون حَقّنا وقَصرَّ بنا عن قَدْرنا فصِرْتُ كالمَسْلوب المَسْلوب لا حَمْدَ له وهذا مع إنصاف قائلكم وإسعاف سائلكم‏.‏

قال‏:‏ فأقبل عليه ابنُ عبَّاس فقال‏:‏ واللهّ ما مَنَحْتنا شيئاً حتى سألناه ولا فَتحت لنا باباً حتى قَرَعْناه ولئن قطعتَ عنَّا خيرَكَ للّهُ أوسع منك ولئن أَغلقت دوننا لنكُفّن أنسفَنا عنك‏.‏

وأما هدا المالُ فليس لك منه إلا ما لِرَجُل من المًسلمين ولنا في كتاب اللّه حَقّان‏:‏ حَق في الغنيمة وحقٌّ في الفَيء فالغنيمَةُ ما غَلبنا عليها والفَيء ما اجتنيناه‏.‏

ولولا حقُنا في هذا المال لم يَاتك منَّا زائر يَحمله خُفّ ولا حافر أكفَاك أم أَزِيدك قال‏:‏ كَفاني فإنك لا تُهَرّ ولا تنبح‏.‏

وقال يوماً مُعاوية وعنده ابنُ عبّاس‏:‏ إذا جاءت هاشمٌ بقَدِيمها وحَدِيثها وجاءت بنو أميَّة بأَحْلامها وسِياستها وبنو أسد بن عبد العُزّي بِرِفادتها ودِيَاتها وبنو عبد الدّار بحجابها ولوائها وبنو مَخزوم بأموالها وأَفعالها وبنو تَيْم بصدِّيقها وجَوادها وبنو عديّ بفاروقها ومُتفكرها وبنو سَهْم بأرائها ودَهائها وبنو جُمح بشَرفها وأنفتها وبنو عامر بن لؤيّ بفارسها وقَريعها فمن ذا يُجلي في مِضْمارها ويَجْري إلى غايتها ما تقول يا بنَ عبَّاس قال‏:‏ أقول‏:‏ ليس حَيٌّ يَفْخرون بأمرِ إلا وإلى جَنْبهم مَنْ يَشْركهم إلا قُريشاً فإنهم يَفْخرون بالنبوة التيِ لا يُشارَكون فيها ولا يُساوَوْن بها ولا يُدْفعون عنها وأشْهد أن اللّه لم يجعل محمداَ من قُريش إلا وقُرِيشٌ خَيْرُ البرية ولم يَجْعله في بني عبد المُطلب إلا وهم خَيْر بني هاشم ما نُريد أن نفخر عليكم إلا بما تَفْخرون به إن بنا فُتِح الأمر وبنا يُخْتم ولك مُلْك مُعجَّل ولنا مُؤجّل فإِن يكن ملْكُكم قبل مُلكنا فليس بعد مُلْكنا مُلْك لأنّا أهلُ العاقبة والعاقبةُ للمتقين أبو مِخْنف قال‏:‏ حَجّ عمرو بنُ العاص فَمَرّ بعبد اللهّ بن عباس فَحَسَده مكانه وما رأى من هَيْبة النَّاس له ومَوْقِعَه من قُلوبهم فقال له‏:‏ يا بن عبّاس مالك إذا رَأيتني وليَّتني القَصَرة وكانّ بين عينيك دَبْرة وإذا كنتَ في مَلأ من الناس كُنْتَ الهَوْهاة الهُمزَة‏!‏ فقال ابنُ عبّاس‏:‏ لأنك من اللئام الفجرة ولقريش الكرامٍ البَررة لا يَنْطِقون بِباطل جَهِلوه ولا يَكْتًمون حقّاً عَلِموه وهم أعظمُ الناس أحْلاما وأرفع الناس أَعْلاما‏.‏

دخلتَ في قُريش ولستَ منها فأنت الساقطُ بين فِراشين لا في بني هاشم رَحْلُك ولا في بني عَبد شمس راحلتُك فأنت الأثيم الزنيم الضَّالّ المُضِلّ حَمَلَك مُعاوية على رِقاب الناس فأنت تَسْطو بحِلْمه وتَسْمو بكَرَمه‏.‏

فقال عمرو‏:‏ أما واللّه إني لَمَسْرور بك فهل يَنفعني عندك قال ابنُ عباس‏:‏ حيث مال الحقُّ مِلْنا وحيثُ سَلَكَ قصَدْنا‏.‏

المدائني قال‏:‏ قام عمرو بن العاص في مَوْسم من مَواسم العرب فأطْرى مُعاوية بنَ أبي سفيان وبني أُمية وتناول بني هاشم وذكر مَشاهده بصِفِّين واجتمعت قُريش فأقبل عبدُ اللّه بن عبَّاس على عَمْروِ فقال‏:‏ يا عمرو إنك بِعْت دِينَك من مُعاوية وأعطيتَه ما بيَدك ومَنَّاك ما بيد غيْرك وكان الذي أخذ منك أكثرَ من الذي أعطاك والذي أخذتَ منه دون الذي أعطيتَه حتى لو كانت نفسُك في يدك ألقيتَها وكُلًّ راضٍ بما أخذ وأعطى فلما صارت مصرُ في يدك كَدَّرها عليك بالعَذْل والتنقُّص وذكرتَ مشاهدَك بصِفِّين فواللّه ما ثَقُلتْ علينا يومئذ وَطْأَتك ولقد كًشِفت فيها عَوْرتُك وإنْ كنتَ فيها لطويلَ اللِّسان قصيرَ السِّنان آخرً الخَيْل إذا أقبلتْ وأولها إذا أدبرت لك يَدان‏:‏ يَدٌ لا تَبْسُطها إلى خَير وأخري لا تَقبضها عن شَرّ ولسانٌ غادر ذو وَجْهين وجهان وَجْهٌ مُوحش وَوَجْه مُؤْنس ولعمري إنّ من باع دينَه بدُنْيا غيره لحريّ أن يطول عليها نَدمُه‏.‏

لك بيانُ وفيك خطَل ولك رَأي وفيك نَكَد ولك قدر وفيك حَسد وأصغر عَيْب فيك أعظم عَيْب في غَيْرك‏.‏

فأجابه عمرو بن العاص‏:‏ واللّه ما في قُريش أثقلُ عليّ مسئلةً ولا أمرُّ جواباً منك ولو استطعتُ ألا أجيبك لفعلتُ غيرَ أني لم أَبع دِيني من مُعاوية ولكن بِعْتُ اللّه نفْسي ولم أنس نَصِيبي من الدُّنيا وأما ما أخذتُ من مُعاوية وأَعطيتُه فإنه لا تُعلَّم العَوان الخِمْرة وأمّا ما أتى إليّ معاويةُ في مِصْر فإنّ ذلك لم يُغيِّرني له وأمًا خِفّة وَطْأتي عليكم بصفِّين فلِم اسْتَثْقلتم حَياتي واستبطأتم وَفاتي وأما الجُبن فقد علمتْ قريش أنّي أولُ من يُبارز وأمرّ من يُنازل وأما طُول لساني فإني كما قال هِشام بن الوليد لعُثمان بن عفّان رضي اللّه عنه‏:‏ لسانِي طويلٌ فاحْتَرس من شَذاته عليك وَسَيْفي مِن لسانيَ أَطْولُ وأما وَجْهاي ولسَاناي فإن ألْقى كلَّ ذِي قَدْر بِقَدْره وأرمي كَلّ نابح بحَجَره فمن عَرف قَدْرَه كَفاني نَفسه ومَن جَهِل قَدْرَه كَفيتُه نَفْسي‏.‏

ولَعَمْري ما لأحدٍ من قُريش مثلُ قَدْرك ما خلا معاويةَ فما يَنفعني ذلك عندك وأَنشأ عمرو يقول‏:‏ بَني هاشم مالِي أراكم كأنَّكم بِيَ اليومَ جُهّالٌ وليس بكم جَهْلُ ألم تَعلموا أنّي جَسورٌ على الوغَى سريع إلى الداعي إذا كثُر القَتْل وأوّل مَن يَدْعو نَزال طَبِيعةِّ جُبِلْتُ عليها والطباع هو الجَبْل وأني فَصَلتُ الأَمرَ بعد اشتباهه بدُومةَ إذ أعيا على الحَكَم الفَصْل وأنيِّ لا أَعْيا بأمْرٍ أريدُه وأنّي إذا عَجَّت بِكَارُكم فَحْل محمد بن سَعيد عن إبراهيم بن حُوَيْطب قال‏:‏ قال عمرُو بن العاص لعبد اللّه ابن عبّاس بعد قَتْل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه‏:‏ إنّ هذا الأمرَ الذي نَحن فيه وأنتم ليس بأوّل أمر قادَه البَلاءُ وقد بَلَغ الأمرُ بنا وبكم إلى ما تَرى وما أبْقت لنا هذه الحربُ حَياءً ولا صَبْراً ولسنا نقول‏!‏‏:‏ ليتَ الحربَ عادتْ لكنّا نقول‏:‏ ليتَها لم تَكُن كانت فانظُر فيما بَقِي بغير ما مَضى فإنك رأسُ هذا الأمر بعد عليّ فإنّك أميرٌ مًطاع ومأمور مطيع ومشاور مأمون وأنت هو‏.‏

مجاوبة بني هاشم وبني عبد شمس لابن الزبير الشَّعبيّ قال‏:‏ قال ابنُ الزّبير لعبد اللّه بن عبّاس‏:‏ قاتلتَ أمّ المُؤمنين وحَواريَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأَفتيتَ بزواج المُتعة‏.‏

فقال‏:‏ أمّا أُمّ المُؤمنين فأنت أخرجتَها وأبوك وخالًك وبنا سُمِّيت أُمَّ المؤمنين وكُنّاها خَيرَ بَنين فتجاوز اللّه عنها‏.‏

وقاتلتَ أنت وأبوك عليًّا فإن كان عليّ مُؤْمناً فقد ضَلَلْتم بقتالكم المُؤمنين هان كان عليّ كافراً فقد بؤْتم بسُخْط مِن الله بفِراركم من الزَّحف وأما المُتعة فإنّ عليّا رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللهّ صلى الله عليه وسلم رَخَّص فيها فأفتيتُ بها ثم سمعتُه يَنهي عنها فنهيتُ عنها وأولُ مجْمر سَطَع في المُتعة مِجْمر آل الزُّبير‏.‏

دخل الحسنُ بن عليّ على مُعاوية وعنده ابنُ الزُّبير وأبو سَعيد بن عَقيل ابن أبي طالب فلما جَلس الحسنُ قال مُعاوية‏:‏ يا أبا محمد أيهما كانَ أكبرَ‏:‏ عليّ أم الزبير قال‏:‏ ما أَقربَ ما بينهما‏!‏ عليّ كَان أسنَّ من الزُّبير رحم اللّه عليًّا‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ ورحم اللهّ الزبير‏.‏

فتَبسّم الحسن‏.‏

فقال أبو سَعيد بن عَقِيلِ بن أبي طالب‏:‏ دَعْ عنك عليّا والزُّبير إنّ عليّا دعا إلى أمر فاتّبع وكان فيه رأساَ ودعا الزبير إلى أمر كان فيه الرأسُ امرأةً فلما تراءت الفِئتان والتقى الجمعان نَكَص الزُبير على عَقِيبه وأدبر مُنهزماً قبل أن يَظهر الحقُّ فيأخذَه أو يَدْحض الباطلُ فيتركه فأدركه رجل لو قِيس ببعض أعضائه لكان أصغر فضرب عنقه وأخذ سَلَبه وجاء برأسه ومَضى علي قُدُما كعادته من ابن عمّه ونبيه صلى الله عليه وسلم فَرَحم الله علياً ولا رَحم الزُّبير‏.‏

فقال ابنُ الزُّبير‏:‏ أما واللّه لو أنّ غيرك تكلَم بهذا يا أبا سَعيد لَعَلِم قال‏:‏ إن الذي تُعرّض به يَرْغب عنك‏.‏

وأخبرت عائشةُ بمقالتهما فمرّ أبو سعيد بفنائها فنادتْه‏:‏ يا أَحول يا خَبيث‏!‏ أنت القائل لابن أختي كذا وكذا فالتفت أبو سَعيد فلم يَعر شيئاً فقال‏:‏ إن الشيطان ليَرَاك من حيث لا تراه‏.‏

فَضَحِكت عائشةُ وقالت‏:‏ للّه أبوك‏!‏ ما أخبث لسانك‏!‏ الشَّعبي قال‏:‏ دخل الحُسين بن عليّ يوماً على مُعاوية ومعه مَوْلى له يقال له ذَكْوان وعند مُعاوية جماعةٌ من قُريش فيهم ابنُ الزُّبير فَرَحّب مُعاوية بالحُسين وأجلسه على سَريره وقال‏:‏ ترى هذا القاعدَ - يعني ابنَ الزُّبير - فإنه ليدْركه الحسدُ لبني عبد مناف‏.‏

فقال ابنُ الزُّبير لمعاوية‏:‏ قد عَرفنا فضلَ الحسين وقَرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنْ إن شِئتَ أن أعْلمك فضلَ الزُّبير على أبيك أبي سُفيان فَعلتُ‏.‏

فتكلّم ذكوانُ مولى الحُسين ابن عليّ فقال‏:‏ يا بن الزًّبير إنّ مولاي ما يمنعه من الكلام أن لا يكون طَلْق اللِّسان رابطَ الجَنان فإن نَطق نَطق بعِلْم وإن صَمَت صَمَت بحِلْم غيرَ أنه كَفَّ الكلام وسَبق إلى السِّنان فأقرَّت بفَضْله الكرام وأنا الذي أ قول‏:‏ إنّ الذي يجْرِي لِيُدْرِك شَأْوَه يُنمَى بغير مُسوَّد ومُسدَّد بل كيف يُدْرَك نُورُ بدر ساطع خيرِ الأنام وفَرْع آل محمد فقال مُعاوية‏:‏ صَدَق قولُك يا ذَكْوان أكْثر اللّه في موالي الكِرام مِثْلَك‏.‏

فقال ابنُ الزُّبير‏:‏ إنّ أبا عبد اللهّ سَكَت وتكلّم مولاه ولو تكلّم لأجَبْناه أو لكَفَفْنا عن جوابه إجلالاً له ولا جوابَ لهذا العبد‏.‏

قال ذَكْوان‏:‏ هذا العبدُ خيرٌ‏.‏

منك قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مولَى القوم منهم ‏"‏‏.‏

فأنا مولَى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنت ابنُ الزبير بن العوام بن خُويلد فنحن أكرمُ ولاءً وأحسن فِعْلا‏.‏

قال ابنُ الزًّبير‏:‏ إني لستُ أجيب هذا فهاتِ ما عندك يا معاوية‏.‏

فقال مُعاوية‏:‏ قاتلك اللّه يا بنَ الزًّبير‏!‏ ما أعياك وأبغاك‏!‏ أتفخر بين يدي أَمير المُؤمنين وأبي عبد الله‏!‏ إنّك أنت المُتعدّي لِطَوْرك الذي لا تَعرف قَدْرَك فَقِسْ شِبْرك بفِتْرك ثم تعرّف كيف تَقع بين عَرانِين بني عَبْد مَناف‏.‏

أما والله لئن دُفِعْتَ في بُحور بني هاشم وبني عبد شمس لقطعَتْك باع مواجها ثم لترمين بك في لُججها‏.‏

فما بقاؤك في البحور إذا غَمرتك وفي الأمواج إذا بَهَزَتْك هنالك تعرف نفسَك وتَنْدم على ما كان من جُرأتك وتَمنّى ما أصبحتَ فيه من أمان وقد حِيل بين العَيْر والنَّزَوان‏.‏

فأطرق ابن الزُّبير مليًّا‏!‏ ثم رَفع رأسَه فالتفت إلى مَن حوله ثم قال‏:‏ أسألكم باللّه أَتعلمون أنَّ أبي حواريُّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأن أباه أبا سُفيان حاربَ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم وأن أمّي أَسماءُ بنت أبي بَكْر الصدَيق وأمه هِنْد الأَكباد وجَدّي الصّدّيق وجدَه المَشْدوخ ببدر ورَأسُ الكُفر وعَمَّتي خديجة ذات الخَطر والحَسب وعَمَّته أمّ جَميل حمالةُ الحَطَب وجدَّتِي صفيّة وجدَّته حَمامة وزَوْجَ عمتيِ خيرُ ولد آدم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وزوج عَمّته شرُّ ولد آدم أبو لهب سَيصلى نارًا ذات لهب وخالتي عائشة أمّ المؤمنين‏.‏

وخالَتَه أشقَى الأشقين وأنا عبدُ اللهّ وهو مُعاوية‏.‏

قال له مُعاوية‏:‏ ويحك يا بن الزُّبير‏!‏ كيف تَصف نفسك بما وصفتَها واللّه مالَك في القَديم مِن رِياسة ولا في الحَديث من سياسة ولقد قُدْناك وسُدْناك قَديماً وحَديثاً لا تَستطيع لذلك إنكاراً ولا عنه فِراراً وإنّ هؤلاء الخُصوم ليعلمون أن قريشاً قد اجتمعت يوم الفِجار على رياسة حَرْب بن أًمية وأن أباك وأسرتك تحت رايته رَاضُون بإمارته غير مُنْكرين لِفَضْله ولا طامعين في عَزله إنْ أمَر أطاعوا وإنْ قال أنصتوا فلم تَزل فينا القيادةُ وعِزُّ الولاية حتى بَعث اللهّ عز وجلّ محمداً صلى الله عليه وسلم فأنتخبه من خير خلقه من أسرتي لا من أسرتك وبَني أبي لابني أبيك فجحدته قريش أشدَ الجُحود وأنكرته أشدَ الإنكار وجاهدتْه أشدَّ الجهاد إلّاَ مَن عَصم اللهّ من قُريش فما ساد قريشاَ وقادهم إلا أبو سفيان ابن حرب فكانت الفِئتان تَلتقي ورَئيس الهُدى منّا ورئَيس الضّلالة منّا فمَهديّكم تحت راية مَهديّنا وضالكم تحت راية ضالّنا فنحنُ الأربابُ وأنتم الأذناب حتى خلّص اللهّ أبا سفيان بن حَرب بفَضْله من عَظيم شركه وعَصمه بالإسلام من عبادة الأصنام فكان في الجاهليّة عظيماً شأنُه وفي الإسلام مَعروفا مكانُه ولقد أعْطِي يومَ الفَتح ما لم يُعْطَ أحدٌ من آبائك وإنّ مُنادِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نادَى‏:‏ مَن دخل المَسجد فهو آمِن ومن دخل دارَ أبي سُفيان فهو أمن وكانت دارُه حَرَمًا لا دارُك ولا دارُ أبيك وأما هِنْد فكانت امرأة من قريش في الجاهليّة عظيمة الخطرِ وفي الإسلام كريمة الخَبر وأما جَدُك الصدِّيق فَبِتَصديق عبد مناف سُمِّي صِدِّيقاَ لا بتَصْديق عبد العُزّي وأما ما ذَكرتَ من جدِّي المَشْدوخ ببدر فَلَعمري لقد دعا إلى البِراز هو وأخوه وابنُه فلو بَرزتَ إليه أنتَ وأبوك ما بارزوكم ولا رأوْكم لهم أكفاء كما قد طَلب ذلك غيركم فلم يَقْبلوهم حتى برز إليهم أكفاؤُهم من بني أبيهم فَقَضىَ اللّه مَناياهِم بأيديهم فنحن قَتلنا ونحن قُتلنا وما أنت وذاك وأما عَمِّتك أم المُؤمنين فبنا شرُفت وسُمِّيت أمَّ المؤمنين وخالتُك عائشة مِثْلُ ذلك وأما صَفِيّة فهي أدْنتك من الظلّ ولولاها لكُنتَ ضاحِياً وأمّا ما ذكرت من عمّك وخال أبيك سيّد الشُّهداء فكذلك كانوا رَحمهم اللّه وفخرُهم وإرثًهم لي دونك ولا فَخَر لك فيهم ولا إرثَ بينك وبينهم وأما قولُك أنا عبدُ الله وهو مُعاوية فقد علمتْ قُريش أينا أجودُ في الإزَم وأمضى في القُدُم وأمنع للحُرم لا والله ما أراك مُنْتهياً حتى تَرُوم من بني عبد مناف ما رَام أبوك فقد طالبهم بالذُّحول وقَدْم إليهم الخُيول وخَدَعتم أم المؤمنين ولم تراقبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مَددْتم على نساءكم السُّجوف وأبرزتم زَوْجته للحُتوف ومُقارعة السُيوف فلما التقى الجمعان نكص أبوك هارباً فلم يُنْجه ذلك أن طَحَنه أبو الحُسَين بكَلْكَله طَحْن الحَصِيد بأيدي العبيد وأما أنت فأفلتَّ بعد أن خَمَشتْك بَراثنُه ونالتك مخالبّه‏.‏

وايم اللهّ ليقومنك بنو عبد مَناف بثقافها أو لتصيحنّ منها صِيَاح أبيك بوادي السّباع وما كان أبوك المرهوبَ جانبُه ولكنه كما قال الشاعر‏:‏ أكيلة سِرْحانٍ فَرِيسة ضَيْغم فَقَضقَضه بالكَفّ منه وحَطّمَا نازع مَرْوانُ بن الحَكَم يوماً ابنٍ الزُّبير عند معاوية فكان معاوية مع مروان فقال ابن الزبير‏:‏ يا معاوية‏:‏ إنّ لك حقا وطاعة وإنّ لك صِلَة وحُرْمة فأطِعْ اللّه نُطِعْك فإنّه لا طاعة لك علينا إنْ لم تُطِع اللهّ ولا تُطْرِق إطْراق الأفْعوان في أصول السَّخْبر‏.‏

وقال مًعاويةُ يوماً وعنده ابنُ الزُّبير وذُكر له مروان فقال‏:‏ إنْ يَطْلب هذا الأمرَ فقد يَطمع فيه مَن هو دُونه وانْ يتركه يتركه لمن هو فَوقه وما أراكم بمنتَهين حتى يَبْعَثَ اللهّ عليكم من لا تَعْطِفه قَرابة ولا تردّه مَودة يَسُومكم خَسْفا ويُوردكم تلفا‏.‏

قال ابنُ الزبير‏:‏ إذاً واللّه نُطلق عِقال الحَرْب بكتائب تمور كرِجْل الجَراد حافاتها الأسَل لها دوي كدويّ الرِّيح تَتْبع طرِيفا من قُريش لم تكن أمّه براعية ثَلَّة قال مُعاوية‏:‏ أنا ابنً هِنْد أطلقتُ عِقَال الحرب وأكلت ذِرْوة السنام وشربتُ عُنفوان المَكْرع وليس للآكل بعدي إلا الفِلْذة ولا للشارب إلا الرنْق‏.‏

مجاوبة الحسن بن علي لمعاوية وأصحابه وفد الحسنُ بن عليّ على مُعاوية فقال عمرو لمعاوية‏:‏ يا أميرَ المؤمنين‏:‏ إنّ الحسن لفَهٌّ فلو حَمَلْتَه على المِنْبر فتكلَّم وسَمِع الناسُ كلامَه عابُوه وسَقط منِ عُيونهم فَفَعل‏.‏

فَصَعِد المِنبر وتكلَّم وأحسن ثم قال‏:‏ أيها الناس لو طَلَبتم ابناً لنبيِّكم ما بين لابَتَيْها لم تجدوه غَيْري وغير أخي وإنْ أدْرِي لعلّه فِتنة لكم ومَتاع إلى حين‏.‏

فساء ذلك عَمْراً وأراد أن يَقْطع كلامَه فقال له‏:‏ أبا محمد أتَصِف الرُّطب فقال‏:‏ أجل تُلحقه الشَّمال وتُخرجه الجَنوب‏.‏

وتُنْضجه الشَّمس ويَصْبغه القَمر‏.‏

قال‏:‏ أبا محمد هل تَنْعت الخِراءة قال‏:‏ نعم تُبعد المَشي في الأرض الصَّحْصح حتى تتَوارى من القَوم ولا تَسْتقبل القِبْلة ولا تَستدبرها ولا تَسْتنج بِالقُمامة والرِّمّة - يريد الرّوْث والعَظْم - ولا تَبُلْ في الماء الرّاكد‏.‏

بينما مُعاوية بن أبي سُفيان جالسٌ في أصحابه إذ قيل له‏:‏ الحسنُ بالباب فقال معاوية‏:‏ إنْ دخل أَفْسد علينا ما نحن فيه فقال له مروان بن الحَكَم‏:‏ ائذن لي فإني أسأله ما ليس عنده فيه جَواب قال مُعاوية‏:‏ لا تَفعل فإنهم قَوْم قد‏.‏

ألْهِموا الكلامَ وأذن له‏.‏

فلما دَخل وجَلس قال له مَرْوان‏:‏ أَسرْع الشيبُ إلى شاربك يا حسن ويُقال إن ذلك من الخُرْق فقال الحسن‏:‏ ليس كما بلغك ولكنَّا - معشر بني هاشمٍ - أفواهُنا عَذْبةٌ شِفَاهُها فنساؤنا يُقْبِلن علينا بأنفاسهنّ وقًبَلِهِن وأنتم معشرَ بني أمية فيكم بَخَر شديد فنساؤكم يَصرفن أفواههنّ وأنفاسهن عنكم إلى أصْداغكم فإنما يَشِيب منكم موضعُ العِذَار من أجل ذلك‏.‏

قال مَروان‏:‏ إن فيكم يا بني هاشم خَصْلَةَ سَوء قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ الغُلْمة قال‏:‏ أجل نُزعت الغُلْمة مِن نسائنا ووُضعت في رجالنا ونُزِعت الغُلْمة من رجالكم ووُضعت في نِسَائكم فما قام لأموية إلاّ هاشميّ‏.‏

فَغضِب مُعاوية وقال‏:‏ قد كنتُ أَخبرتكم فأبيتم حتى سَمِعتم ما أَظلم عليكم بَيْتَكم وأفسد عليكم مَجْلِسكم‏.‏

فَخَرج الحسنُ وهو يقول‏:‏ ومارستُ هذا الدَهرَ خمسين حِجَّةً وحَمْساً أزَجِّي قائلا بعد قائل فلا أنا في الدُّنيا بلغتُ جَسِيمها ولا في الذي أهْوَى كدحتُ بطائل وقد شَرَعت دوني المَنايا أكُفَّها وأيقنتُ أنّي رَهْنَ مَوْتٍ مُعاجل قال الحسن بن عليّ لحبيب بن مَسْلمة الفِهْري‏:‏ ربّ مَسير لك في غَير طاعة اللّه قال‏:‏ أمّا مَسيري إلى أبيك فلا قال‏:‏ بلى ولكنّك أطعتَ مُعاوية عن دُنيا قليلة فلئن كان قام بك في دُنياك لقد قَعد بك في آخرًتك ولو كنتَ إذ فعلتَ شرّاً قُلتَ خيراً كنتَ كما قال الله عزّ وجل‏:‏ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخرً سَيِّئاً ولكنّك كما قال الله‏:‏ ‏"‏ بَلْ رانَ على قلُوبهم ما كانوا يَكْسِبُون ‏"‏‏.‏

قَدِم عبدُ اللّه بن جعفر على عبد الملك بن مَروان فقال له يحيى بنُ الحَكَم‏:‏ ما فعلت خَبِيثة فقال‏:‏ سُبحان الله‏!‏ ُ يسمِّيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طَيْبة وتُسمِّيها خُبيثة‏!‏ لقد اختلفتما في الدُّنيا وستَخْتلفان في الآخرًة قال يحيى‏:‏ لأن أموت بالشام أحبُّ إليّ مِن أن أموت بها قال‏:‏ اخترت جِوار النَصارَى على جِوِار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحيى‏:‏ ما تَقول في عليّ وعُثمان قال‏:‏ أقول ما قاله مَن هو خيْرٌ منّي فيمن هو شَرٌّ منهما‏:‏ إنّ تُعذَبهم فإنّهم عِبادُك وإنْ تَغْفِرْ لهم فإِنّك أنْتَ العزيزُ الحَكِيم‏.‏

مجاوبة بين معاوية وأصحابه قال مُعاوية يوماً وعنده الضَّحاك بن قَيس وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص‏:‏ ما أعجبُ الأشياء قال الضحّاك بن قَيس‏:‏ إكْداء العاقل وإجْداء الجاهل‏.‏

وقالت سعيدُ بن العاص‏:‏ أعجبُ الأشياء ما لم يُرَ مثلهُ‏.‏

وقالت عمرو بن العاص‏:‏ أعجب الأشياء غَلبة مَن لا حقَّ له ذا الحقِّ على حقِّه‏.‏

فقال معاوية‏:‏ أعجب مِن هذا أن تعْطِي مَن لاحقَّ له ما ليس له بحق من غير غَلبة‏.‏

حضر قوم من قُريش مجلسَ مُعاويةَ فيهم عمرو بن العاص وعبدُ اللّه بن صفْوان ابن أمية وعبدُ الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏

فقال عمرو‏:‏ أحمد اللّه يا مَعْشرَ قُريش إذ جعل أمرَكم إلى من يُغْضي على القَذَى ويتصامُ عن العَوْراء ويجرّ ذيلَه على الخَدائع‏.‏

قال عبدُ اللّه‏:‏ لو لم يكن كذلك لَمَشينا إليه الضَرَاء ودَببنا إليه الخَمر وَرَجونا أن يقوم بأمرنا من لا يُطْعمك مالَ مصر‏.‏

قال معاوية‏:‏ يا معشرِ قريش حتى متى لا تُنْصفون من أنفسكم قال عبدُ الرحمن بن الحارث‏:‏ إن عمراَ أفسدك علينا وأَفسدنا عليك ولو أغضبتك هذه‏.‏

قال‏:‏ إن عمراً لي ناصح قال عبدُ الرحمن‏:‏ فأطْعمنا مثلَ ما أطعمته وخُذْنا بمثل نَصِيحته إنا رأيناك يا مُعاوية تَضْرب عوامَّ قُريش بأياديك في خَواصها كأنّك ترى أن بكرامها قُوّتك دون لئامها وإنك واللهّ لتُفْرغ في إناء فَعْم من إناء ضخم وكأَنك بالحرب قد حَلَّ عِقالَها عليك مَن لا ينْظُرك قال مُعاوية‏:‏ يا بن أخي ما أحوج أهلَك إليك فلا تَفْجعهم بنفسك ثم أنشد‏:‏ أغَرّ رجالاً من قُريش تَتايَعوا على سَفه منّي الحَيا والتَّكرُّمُ وقال مُعاوية لابن الزًّبير‏:‏ تُنازعني هذا الأمرَ كأَنك أحقُّ به منّي‏!‏ قال‏:‏ لمَ لا أكون أحقَّ به منك يا مُعاوية وقد اتبع أبي رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم على الإيمان واتبع الَناسً أباك على الكُفر قال له مُعاوية‏:‏ غَلِطت يا بن الزُّبير بعث اللّه ابنَ عمّي نبيّا فدعا أباك فأجابه فما أنت إلا تابع لي ضالًّا كنتُ أو مَهديًّا‏.‏

العُتبيّ قال‏:‏ دعا مُعاويةُ مَروان بن الحكم فقال له‏:‏ أشِر عليّ في الحُسين قال‏:‏ تخرجه معك إلى الشام فَتَقطعه عن أهل العراق وتَقْطعهم عنه قال‏:‏ أردتَ واللهّ أن تستريح منه وتَبْتليني به فإن صبرتُ عليه صبرتُ على ما أكره وإن أسأتُ إليه كُنتُ قد قطعتُ رحمه‏.‏

فأقامه وبعث إلى سعيد ابن العاص فقال له‏:‏ يا أبا عثمان أَشِرْ عليّ في الحُسين قال‏:‏ إنك واللهّ ما تخاف الحسين إلا على مَن بعدك وإنك لتُخلِّف له قِرْنا إنْ صارعه لَيَصْرعنّه هانْ سابقه لَيَسبقنّه فَذَرِ الحُسين منبتَ النّخلة يشربْ من الماء ويَصْعد في الهواء ولا يَبْلغ إلى السماء قال‏:‏ فما غَيّبك عنّي يوم صِفّين قال‏:‏ تَحملتُ الحُرم وكُفيتَ الحَزْم وكنتُ قريباً لو دعوتَنا لأجبناك ولو أمرت لأطعناك قال معاوية‏:‏ يأهل الشام هؤلاء قومي وهذا مجاوبة بين بني أمية قال‏:‏ لما أخرج أهلُ المدينة عمرو بن سعيد الأشدق وكان واليهم بعد الوليد بن عُتبة هو الذي أمر أهل المدينة بإخراجي فأرْسِلْ إليه وتوثَّقه‏.‏

فأرْسل إليه مُعاوية فلما دَخل عليه قال له عمرو‏:‏ أوليد أنت أمرتَ بإخراجي قال‏:‏ لا ورَحِمك أبا أمية ولا أمرتُ أهلَ الكوفة بإخراج أبيك بل كيف أطاعني أهلُ المدينة فيك إلا أن تكون عَصيتَ اللهّ فيهم إنك لتَحُلَّ عُرَى مُلك شَديدةً عُقْدتها وتُمْري أخلاف فِيقة سريعة دِرّتها وما جَعل اللهّ صالحاً مُصْلِحا كفاسد مًفْسِد‏.‏

جلس يوماً عبدُ الملك بن مَروان وعند رأسه خالدُ بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعند رجليه أُمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد وأدخلت عليه الأموالُ التي جاءت من قبل الحجّاج حتى وًضعت بين يديه فقال‏:‏ هذا واللهّ التَّوفير وهذه الأمانة‏!‏ لا ما فعل هذا وأشار إلى خالد استعملتُه على العراق فاستعمل كلّ مُلِطّ فاسق فأدّوا إليه العَشرة واحداً وأدّى إليَّ من العَشرة واحداً وأدى إلي من العشرة واحداً واستعملتُ هذا على خُراسان وأشار إلى أمية فأهدى إلى بِرْذونين حَطِمَينْ فإن استعملتكم ضَيّعتم وإن عزلتُكم قلتم استخفَّ بنا وقَطع أرْحامنا‏.‏

فقال خالدُ بن عبد اللّه‏:‏ استَعْملتَني على العرِاق وأهله رجلاًن‏:‏ سماع مُطيع مُناصح وعدوّ مُبْغض مُكاشح فإنّا دَارَيْناه ضغْنه وسَللنا حِقْده وكَثّرنا لك المَودّة في صُدور رَعيتك وإنّ هذا جَنى الأموالَ وزَرع لك البَغْضاءَ في قُلوب الرِّجال فيُوشك أنْ تَنْبُت البغضاء فلا أموالَ ولا رجالَ‏.‏

فلما خَرج ابنُ الأشعث قال عبدُ الملك‏:‏ هذا واللّه ما قال خالد‏.‏

قدم محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص الشامَ فأتى عَمَّته آمنة بنت سَعيد بن العاص وكانتْ عند خالد بن يزيدَ بن مُعاوية فدَخل عليه خالد فراه فقال له‏:‏ ما يَقْدَم علينا أحدٌ من أهل الحجاز إلا اختار المُقام عندنا على المدينة‏.‏

فَظَن محمدٌ أنه يُعرِّض به فقال‏:‏ وما يمنعهم وقد قَدِم من المدينة قومٌ على النَّواضح فَنَكحوا أمَّك وسَلَبوك مُلْكك وفَرَّغوك لطَلب الحديث وقِرَاءة الكتب ومُعالجة ما لا تَقْدر عليه يعني الكيميا وكان يَعْملها‏.‏

لما عَزَل عُثمانُ عمرو بنَ العاص عن مِصْر وولاّها عبدَ اللهّ بن سَرْح دخل عليه عمرو وعليه جُبة فقال له‏:‏ ما حَشْوُ جُبَّتك يا عمرو قال‏:‏ أنا قال‏:‏ قد علمتُ أنك فيها ثم قال‏:‏ أشَعرت يا عمرو أن اللِّقاح درَت بعدك ألبانُها بمصر قال‏:‏ لأنكم أعْجفتم أوْلادها‏.‏

وقع بين ابن لعُمَر بن عبد العزيز وابن لسُليمان بن عبد الملك كلام فَجَعل ابنُ عمر يذكر فضلِ أبيه قال له ابنُ سليمان‏:‏ إنْ شئت فأقْلِل وإنْ شِئْت فأكْثِر ما كان أبوك إلا حسنةَ من حسنات أبي‏.‏

لأنّ سُليمان هو وَلَّى عُمَر بن عبد العزيز‏.‏

ذَكَرُوا أنّ العبّاس بن الوليد وجماعةً من بني مَرْوان كانوا عند هِشام فذكروا الوليدَ بن يزيد فَحمَّقوه وعابُوه وكان هِشام يُبغضه ودخِل الوليدُ فقال له العبّاس بن الوليد‏:‏ كيف حُبُّك للرُّوميات فإِن أباك كان مَشْغوفاَ بهن قال‏:‏ إني لأحبهن وكيف لا يُحْبَبن وهُن يَلِدْن مِثْلَك قال‏:‏ اسكُت فلستَ بالفَحل يَأتي عَسْبُه بمثْلي قال له هِشام‏:‏ يا وليد ما شرابك قال‏:‏ شرابك يا أميرَ المؤمنين وقام فَخَرج‏.‏

فقال هشام‏:‏ هذا الذي تَزْعمون أنَه أحمق‏.‏

وقُرِّب إلى الوليد بن يزيد فَرسُه فَجَمع جَرَامِيزه وَوَثَب على سَرْجِه ثم التفت إلى ولدٍ لهشام بن عبد الملك فقال‏:‏ يُحْسِنُ أبوك أن يَصنع مثلَ هذا قال‏:‏ لأبي مائةُ عبد يَصْنعون مثلَ هذا فقال الناسُ‏:‏ لم يُنْصِفه في الجواب‏.‏

خَطَب عبد الملك بن مَرَوان بنتَ عبد الرحمن بن الحارث بن هِشام فقالت‏:‏ واللّه لا تُزَوَجني أبا الذُّباب‏.‏

فتزوّجها يحيى بن الحكم‏.‏

فقال عبدُ الملك ليحيى‏:‏ أما واللهّ لقد تَزَوَّجْت أسْود أفوه قال يحيى‏:‏ أما إنَّها أبَّت منّي ما كرهتْ منك‏.‏

كان عبدُ الملك رديءَ الفَم يَدْمى فَيقع عليه الذُباب فسُمّي أبا الذُباب‏.‏

الجواب القاطع نَظَر ثابتُ بن عبد اللّه بن الزبير إلى أهْل الشام فقال‏:‏ إنّي لأبغِض هذه الوُجوه قال له سَعِيد بنُ عثمان‏:‏ تُبغضهم لأنّهم قَتلوا أباك قال‏:‏ صدقتَ ولكنّ الأنصار والمهاجرين قَتلوا أباك‏.‏

وقال الحجّاج لرجل من الخوارج‏:‏ واللهّ إنك مِن قومٍ أبغِضهم قال له‏:‏ أدخل اللّهُ أشَدّنا بُغْضاً لصاحبه الجنَة‏.‏

وقال ابنُ الباهليّ لعمرو بن مَعْد يكرب‏:‏ إنّ مُهْرَكَ لمُقْرِف قال‏:‏ هَجين عَرَفَ هَجيناً مثلَه‏.‏

وقال الحجّاج لامرأة من الخوارج‏:‏ والله لأعُدَّنَّكم عدًّا ولاحْصُدَنّكم حَصْداً قالت له‏:‏ اللّه يَزْرع وأنت تَحْصُد فأين قُدْرة المَخْلوق من الخالق وأنيَ الحجّاج بامرأة من الخَوارج فقال لأصحابه‏:‏ ما تَقُولون فيها قالوا‏:‏ عاجِلْها القَتْلَ أيَها الأمير قالت الخارجية‏:‏ لقد كان وزراءُ صاحبِك خَيْرًا من وُزرائكَ يا حجّاج قال لها‏:‏ ومَن صاحبي قالت‏:‏ فِرْعون استشارهم في موسى فقالوا‏:‏ أرجِه وأخاه‏.‏

وأُتي زِيَاد برجل من الخوارج فقال له‏:‏ ما تقول فيَّ وفي أمير المؤمنين قال‏:‏ أمّا الذيَ تُسَمِّيه أميرَ المؤمنين فهو أميرُ المشركين وأما أنت فما أقول في رَجُل أوَّله لِزنْية وآخره لِدَعْوة فأمَر به فقًتِل وصُلِب‏.‏

قال الأشعث بن قَيْس لشرُيح القاضي‏:‏ لَشَدَّ ما ارْتَفَعْت‏!‏ قال‏:‏ فهل رأيتَ ذلك ضرًك قال‏:‏ لا قال‏:‏ فأراكَ تَعْرِف نِعمة اللّه عليك وتَجْهلها على غيرك‏.‏

نازع محمدُ بن الفَضْل بعضَ قَرابته فٍي مِيراث فقال له‏:‏ يا بن الزِّنْدِيق قال له‏:‏ إن كان أبي كما تقوله وأنا مثلًه فلا يَحِلّ لك أن تُنازعني في هذا الميراث إِذ كان لا يرث دِينٌ دِيناً‏.‏

وأتيَ الحجّاج بامرأة من الخوارج فجعل يكلِّمها وهي لا تَنْظُر إليه فقيل لها‏:‏ الأميرُ يِكلَمكِ وأنت لا تَنْظُرين إليه‏!‏ قالت‏:‏ إني لأسْتَحي أن أنظر إلى من لا ينظُر الله إليه‏.‏

فأمر بها فقُتِلت‏.‏

لَقي عثمانُ بن عفان علي بن أبي طالب فَعَاتبه في شيء بلغه عنه فسكت عنه عليّ فقال له عثمان‏:‏ ما لك لا تقول قال له علي‏:‏ ليس لك عندي إلا ما تحب وليس جوابُك إلا ما تَكره‏.‏

وتكلم الناسُ عند مُعاوية في يزيد ابنه إذ أخذ له البيعة وسَكت الأحنفً فقال له‏:‏ ما لك لا تقول أبا بَحْر قال‏:‏ أخافُك إن صدقتُ وأخافُ اللهّ إن كذبتُ‏.‏

قال مُعاوية يوماً‏:‏ أيها الناس إن اللّه فَضّل قُريشاً بثلاث فقال لنبيه عليه الصلاةُ والسلام‏:‏ وانْذِرْ عَشِيرتَك الأقربين فنحن عشيرته وقال‏:‏ وإنّه لِذِكْرٌ لَك ولِقَوْمك فنحن قومُه وقال‏:‏ لإيلافِ قُرَيشٍ إيلافهم إلى قوله الذي أطْعَمهم من جُوع أمنهم مِن خَوف ونحن قُريش‏.‏

فأجابه رجل من الأنصار فقال‏:‏ على رِسْلك يا مُعاوية فإن اللّه يقول‏:‏ ‏"‏ وكَذّب به قَوْمُك ‏"‏ وأنتم قومُه وقال‏:‏ ‏"‏ ولما ضُرِب ابنُ مَرْيم مَثَلاً إذا قَوْمًك منه يَصِدُون ‏"‏ وأنتم قومُه وقال الرسولُ عليه الصلاةُ والسلام‏:‏ يا رَبِّ إنّ قوْمي اتّخذُوا وقال مًعاوية لرجل من اليمن‏:‏ ما كان أجهلَ قَومك حين مَلّكوا عليهم امرأة‏!‏ فقال‏:‏ أجْهلُ من قَومي قومُك الذين قالوا حين دعاهم رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم اللهَم إنْ كان هَذا هُو الحقّ مِن عِندك فأمْطِر عَلينا حِجَارةً مِن السَّماء أوْ ائتنا بِعَذَاب اليم ولم يقولوا‏:‏ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه‏.‏

مجاوبة الأمراء والرد عليهم قال مُعاوية لجارية بن قُدَامة‏:‏ ما كان أهْونَك على أهْلِك إذ سَمَّوْك جارية‏!‏ قال‏:‏ ما كان أهونَك على أهلك إذ سَمِّوْك مُعاوية‏!‏ وهي الأنثى من الكلاب قال‏:‏ لا أمَّ لك‏!‏ قال‏:‏ أمِّي وَلَدتْنِي للضيوف التي لَقِيناكَ بها في أيْدِينا قال‏:‏ إنك لتُهَدِّدني قال‏:‏ إنك لم تَفْتَتِحْنا قَسْراً ولمِ تَمْلِكنا عَنْوةً ولكنَّك أعْطَيتنا عَهْدًا وَمِيثاقاً وأعطيناك سَمْعاً وطاعةً فإن وَفَّيت لنا وفَّينا لك وإن فَزِعْت إلى غير ذلك فإنّا تَركنا وراءَنا رجالاً شِدَادًا وأَلْسِنَةً حِدَادًا قال له مُعاوية‏:‏ لا كَثّر اللّه في النَاس أمثالَك قال جارية‏:‏ قُلْ مَعْرُوفاً ورَاعِنا فإنّ شَرَّ الدًّعاء المُحْتَطب‏.‏

عَدَد مُعاوية بنُ أبي سُفيان على الأحنف ذُنوباً فقال‏:‏ يا أميرَ المؤمنين لا تَرُدّ الأمورَ عَلَى أعقابها أمَا واللّه إنّ القُلوبِ التِي أبغضناك بها لَبَيْن جَوانحنا والسُّيوفَ التيِ قاتلناك بها لعلى عَواتقنا ولئن مَدَدْت فِتْراً من غَدْر لَنُمدَنَ باعاً من خَتْر ولئن شئت لَتَسْتَصْفِينًّ كَدَر قلوبنا بصَفو حِلْمك قال‏:‏ فإنّي أفعَل‏.‏

قال مُعاويةُ لعديّ بن حاتم‏:‏ ما فَعلتْ الطّرَفات يا أبا طَرِيف - يعني أولادَه - قال‏:‏ قُتلوا قال‏:‏ ما أنصفك ابنُ أبي طالب إذ قُتل بَنُوك معه وبَقي له بَنُوه قال‏:‏ لئن كان ذلك لقد قُتل هو وبَقيتُ أنا بعده قال له معاوية‏:‏ ألم تَزْعم أنه لا يُخْنق في قَتْل عثمان عَنْز قد واللهّ خُنِق فيه التَيس الأكبر‏.‏

ثم قال معاوية‏:‏ أمَا إنه قد بقيتْ من دَمه قَطْرة ولا بد أن أتّبعها قال عديّ‏:‏ لا أبا لك‏!‏ شِم السيفَ فإنً سَلَّ السيفِ يَسُل السيفِ‏.‏

فالتفت مُعاوية إلى حَبيب بن مسلمة فقال‏:‏ اجعلها في كتابك فإنها حِكْمة‏.‏

الشَيْبانيّ عن أبي الحُبَاب الكِنْدِيّ عن أبيه‏:‏ أن معاوية بن أبي سُفْيان بينما هو جالس وعنده وُجوه الناس إذ دَخل رجل من أهل الشام فقام خَطيباً فكان آخرَ كلامه أن لَعن عليًّا فأطرق الناسُ وتكلّم الأحنف فقال‏:‏ يا أميرَ المؤمنين إنّ هذا القائل ما قال آنفا لو يعلم أنّ رِضَاك في لَعْن المُرْسَلين للَعنهم فاتَّقِ اللّه ودَعْ عنك عليًّا فقد لَقي ربّه وأفْرِد في قَبْره وخلاَ بعمله وكان واللّه - ما علمنا - المُبَرِّزَ بسَبْقه الطاهرَ خُلقه المَيْمونَ نقيبتُه العظيمَ مُصيبتُه فقال له مُعاويِة‏:‏ يا أحنف لقد أغضيتَ العينَ عَلَى القَذَى وقلت بغير ما ترى وايم اللّه لتَصْعدنَ المِنْبر فلَتَلعنَّه طَوْعَا أو كَرْهًا فقال له الأحْنف‏:‏ يا أميرَ المؤِمنين إن تُعْفِني فهو خيرٌ لك وإنْ تَجْبُرْني على ذلك فواللهّ لا تَجْري به شَفتاي أبداً قال‏:‏ قُمْ فاصْعَد المِنْبَر قال الأحنف‏:‏ أمَا واللهّ مع ذلك لأنْصِفَنَك في القَوْل والفِعْل قال‏:‏ وما أنت قائل يا أحنف إن أنصَفتني قال‏:‏ أصعدُ المِنبَر فاحمد اللّه بما هو أهلُه وأصلِّى على نبيّه صلى الله عليه وسلم ثم أقوله‏:‏ أيها الناس إنَّ أميرَ المؤمنين مُعاوية أمَرني أنْ ألعن عليًّا هانَّ عليًّا ومُعاوية اختلفا فاقْتَتلا وأدًى كلُّ واحد منهما أنه بّغِي عليه وعَلَى فئتِه فإذا دعوتُ فأمِّنوا رَحمكم اللهّ ثم أقول‏:‏ اللهم العن أنت وملائكَتُك وأنبياؤك وجميعُ خلقك الباغيَ منهما عَلَى صاحبه وألعن الفئةَ الباغية اللهم العنهم لعناً كثيراً أمِّنوا رحمكم اللهّ يا مُعاوية لا أزيد على هذا ولا أنْقُص منه حَرْفاً ولو كان فيه ذَهابُ نفسي‏.‏

فقال معاوية‏:‏ إذن نُعْفِيك يا أبا بَحْر‏.‏

وقال مُعاوية لِعَقيل بن أبي طالب‏:‏ إن عليا قد قَطعك ووصلتُك ولا يُرْضِيني منك إلا أن تَلْعنه عَلَى المِنْبر قال‏:‏ أفْعل‏.‏

فإصْعد فَصَعِد ثم قال بعد أن حَمِد اللّه وأثنى عليه‏:‏ أيها الناس إن أميرَ المُؤمنين مُعاوية أمرنيِ أنْ ألْعن علي بن أبي طالب فالعنوه فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين ثم نزل‏.‏

فقال له مُعاوية‏:‏ إنك لم تُبين أبا يزيد مَن لعنتَ بيني وبينه قال‏:‏ والله لا زدتُ حَرفاً ولا نَقَصت آخر والكلام إلى نية المُتكلَم‏.‏

الهيثم بن عدي قال‏:‏ قال مُعاوية لأبي الطُّفيل‏:‏ كيف وَجْدُك على عليّ قال‏:‏ وَجدُ ثمانين مُثْكِلا قال‏:‏ فكيف حُبُّك له قال‏:‏ حًبّ أم موسى وإلى اللّه أشْكو التَقْصير‏.‏

وقال له مرة أخرِى‏:‏ أبا الطفَيل قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أنت من قَتلة عُثمان قال‏:‏ لا ولكنّي ممن حَضره ولم يَنْصُره قال وما مَنعك مِن نَصْره قال‏:‏ لم يَنْصُره المُهاجرن والأنصار فلم أنصُره قال‏:‏ لقد كان حَقُّه واجباً وكان عليهم أن يَنْصروه قال‏:‏ فما منعك مِن نُصْرته يا أمير المؤمنين وأنت ابنُ عمّه قال‏:‏ أو مَا طلبي بدمه نصره له فَضحك أبو الطفيل وقالَ‏:‏ مَثَلك ومَثَلُ عثمان كما قال الشاعر‏:‏ لأعرقنّك بعد المَوْتِ تَنْدُبني وفي حَياتي ما زَوَّدْتني زادَا العُتْبي قال‏:‏ صَعِد معاويةُ المِنْبر فَوَجد مِن نفسه رِقة فقال بعد أن حَمِد اللّه وأثنى عليه‏:‏ أيها الناسُ‏:‏ إنَ عُمَر ولأني أمراً مِن أمره فوالله ما غَشَشْتُه ولا خُنْتُه ثم ولّاني الأمر مَن بعده ولم يجعل بيني وبينه أحداً فأحسنتُ والله وأسأتُ وأصبتُ وأخطأت فمن كان يَجْهلني فإني أعرفه بنفسي‏.‏

فقام إليه سَلمة بن الخطل العَرجي فقال‏:‏ أنصفتَ يا مُعاوية وما كُنتَ مُنْصفاً‏.‏

قال‏:‏ فَغضب مُعاوية وقال‏:‏ ما أنتَ وذاك يا أحْدب‏!‏ واللّه لكأنّي انظر إلى بيتك بمهيعة وبطُنْب تَيْس وبطُنْب بهْمة‏.‏

بفنائه أعنِز عَشرْ يُحْتلبن في مثل قَوّارة حافر العِيْر تَهْفو الرحُ منه بجانب كأنه جناح نسْر‏.‏

قال‏:‏ رأيت والله ذاك في شَرّ زماننا إلينا واللّه إن حَشْوه يومئذ لحسب غير دَنِس فهل رأيتني يا معاوية أكلتُ مالاً حراماً أو قتلتُ امرأ مًسلماً قال‏:‏ وأين كنتُ أراك وأنت لا تَدِبّ إلا في خَمرَ وأي مُسلم يَعْجِز عنك فَتَقْتله أم في مال تَقوى عليه فَتأكله اجلس لا جلستَ قال‏:‏ بل اذهب حتى لا تَراني قال‏:‏ إلى أبعد الأرض لا إلى أقربها فمضى‏.‏

ثم قال مُعاوية‏:‏ رُدّوه عليّ فقال الناس‏:‏ يعاقبه فقال له أستغفر اللّه منك يا أحدب واللهّ لقد بَرَرْتَ في قَرابتك وأسلمتَ فَحَسُن إِسلامُك وإنّ أباك لسيد قومه ولا أبرح أقول بما تُحب فاقْعُد‏.‏

الأوزاعيّ قال‏:‏ دخل خُريم النَّاعم على مُعاوية فَنَظر إلى ساقَيْه فقال‏:‏ أيّ ساقين لو إنّهما على جارية‏!‏ قال‏:‏ في مثل عَجِيزتك يا أميرَ المُؤمنين‏:‏ قال معاوية‏:‏ واحدةٌ بأخرى والبادي أظلم‏.‏

دخل عَطاء المُضْحك على عبد الملك بن مَرْوان فقال له‏:‏ أما وجدتْ لك أمُك اسماً إلا عطاء قال‏:‏ لقد استكثرتً من ذلك ما استكثرتَه يا أميرَ المؤمنين ألا سَمَتني باسم المُباركة صلوات اللّه عليها مَرْيم‏.‏

قال مُعاوية لصُحار بن العبّاس العبديَ‏:‏ يا أزرق قال‏:‏ البازي أزْرق قال‏:‏ يا أحمر قال‏:‏ الذّهب أحمر قال‏:‏ ما هذه البلاغة فيكم عبدَ القَيس قال‏:‏ شيء يَخْتلج في صدُورنا فَتَقْذِفه ألسنتُنا كما يقذف البحر الزَبد قال‏:‏ فما البلاغة عندكم قال‏:‏ أن نقول فلا نُخْطِىء ونُجيب فلا نُبْطىء‏.‏

وقال عبدُ الله بن عامر بن كُريز لعبد الله بن حازم‏:‏ يا بن عَجْلَى قال‏:‏ ذاك اسمُها قال‏:‏ يا بن السَّوداء قال‏:‏ ذاك لونها قال‏:‏ يا بن الأمة قال‏:‏ كل أنثى أمة فاقصد بذَرْعك لا يَرْجع سَهمُك عليك إن الإماء قد وَلَدتك‏.‏

دخل عبيدُ الله بن زياد بن ظَبْيان على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك‏:‏ ما هذا الذي يقول الناس قال‏:‏ وما يقولون قال‏:‏ يقولون إنك لا تُشبه أباك قال‏:‏ والله لأنا أشبهُ به من الماء بالماء والغُراب ولكن أدُلك على مَن لم يُشبه أباه قال‏:‏ مَن هو قال‏:‏ من لم تُنْضِجه الأرحام ولم يُولد لتمام ولم يُشْبِه الأخوال والأعمام قاد‏:‏ ومَن هو قال‏:‏ ابنُ عمي سُويد بن مَنجوف وإنما أرادَ عبدَ الملك بن مروان وذلك أنه وُلد لستة أشهر‏.‏

دخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك فلم يَجد موضعاً يَقْعد فيه فَعلم أن ذلك فُعِل به على عَمْد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين اتق الله‏!‏ قال‏:‏ أو مثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله قال زيد إنه لا يَكْبُر أحدٌ فوق أن يوصىَ بتقوى الله ولا يَصْغر دون أن يوصى بتقوى الله‏.‏

قال له هشام‏:‏ بلغني أنك تُحدِّث نفسَك بالخِلافة ولا تَصْلُح لها لأنك ابن أمة قال زيد‏:‏ أما قولك إِني أحدث نفسي بالخلافة فلا يَعلم الغَيْب إلا اللّه وأمّا قولُك إني ابن أمة فهذا إسماعيلُ بن إبراهيم خليل الرحمن ابنُ أمة من صُلّبه خيرُ البشر محمد صلى الله عليه وسلم وإسحاق ابن حُرّة أخرج من صلْبه القِردةُ والخَنازير وعَبدة الطاغوت‏.‏

قال له‏:‏ قم قال‏:‏ إذن لا تراني إلا حيث تكره فلما خرج من عنده قال‏:‏ ما أحب أحدٌ قط الحياة إلا ذلَ‏.‏

قال له حاجبه‏:‏ لا يَسمعِ هذا الكلام منك أحد‏.‏

وقال زيدُ بن عليّ‏:‏ محتفي الرِّجْلين يشكو الوَجى تَقْرعه أطرافُ مَرْوٍ حِدَاد قد كان في الموت له راحة والموتً حَتْم في رِقاب العِباد ثم خرج بخراسان فقُتل وصّلب في كُناسة‏.‏

وفيه يقوله سُدَيف بن مَيْمون في دولة بني العباس‏:‏ واذْكروا مَقْتل الحُسَين وزَيْداً وقَتيلاً بجانب المِهْراس يُريده حمزَة بن عبد المطلب المَقْتول بأُحد‏.‏

دَخل رجل من قَيْس على عبد الملك بن مَرْوان فقال‏:‏ زُبيريّ‏!‏ واللّه لا يحبك قلبي أبداً قال‏:‏ يا أميرَ المُؤمنين إنما يَجْزع من فَقْد الحُبّ النِّساء ولكنْ عَدْلاً وإنْصافاً‏.‏

وقال عمر بن الخطّاب لأبي مَريم الحنفيّ قاتل زيد بن الخطّاب‏:‏ واللّه لا يُحبك قلبي أبداً حتى تُحِبّ الأرضُ الدمَ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين فهل تَمْنعني لذلك حقّا قال‏:‏ لا قال‏:‏ فَحَسبي‏.‏

دخل يزيدُ بن أبي مُسلم على سُليمان بن عبد الملك فقال له‏:‏ على امرىء أوْطأك رَسَنك وسَلَّطك على الأمة لعنةُ اللّه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك رأيتَني والأمرُ مُدبر عني ولو رأيتَني والأمر مُقْبل علي لَعَظُم في عَيْنك ما استصغرت مني قال‏:‏ أتظن الحجّاج استقرّ في قَعْر جَهنم أم هو يَهْوِي فيها قال‏:‏ يا أمير المُؤمنين إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أبيك وأخيك فَضعْه من النار حيثُ شئت‏.‏

وقاِل مروان بن الحكم لزُفر بن الحارث‏:‏ بَلغني أن كِندة تَدَعيك قال‏:‏ لا خَيْرَ فيمن لا يُتَقى رهبةً ولا يدًعى رَغبة‏.‏

قال مَرْوان بن الحكم للحسن بن دْلْجة‏:‏ إني أظنك أحمق قال‏:‏ ما يكون الشَيخ إذا أعمل ظَنه وقال مروان لحُويطب بن عبد العُزي‏:‏ وكان كبيراً مُسنا‏.‏

أيها الشيخ تأخر إسلامك حتى سَبقك الأحداث فقال‏:‏ الله المُستعان واللهّ لقد هممت بالإسلام غيرَ مَرّة كُلّ ذلك يَعُوقني عنه أبوك ويَنهاني ويقول‏:‏ يَضع مِن قَدْرك وتترك دين آبائك لدين مُحْدَث وتَصير تابعا‏.‏

فسكت مَرْوان‏.‏

قال عبدُ الملك بن مروان لثابت بن عبد اللّه بن الزُّبير‏:‏ أبوك كان أعلمَ بك حيثُ كان يَشْتُمك قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنما كان يَشْتُمني لأنّي كنتُ أنهاه أن يُقاتل بأهْل المدينة وأهل مكة فإن اللهّ لا يَنْصر بهما أما أهلُ مكة فأخرجوا النبيً صلى الله عليه وسلم وأخافوه ثم جاءوا إلى المدينة فآذَوْه حتى سَيَّرهم يعرِّض بالحَكم بن أبي العاصي طَريدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأما أهل المدينة فَخذلوا عُثمان حتى قُتل بين أظهرهم ولم يَدْفعوا عنه قال له‏:‏ عليك لعنةُ الله‏.‏

جلس مُعاوية يُبايع الناسَ على البَراءة من عليّ فقال له رجل من بني تميم‏:‏ يا أميرَ المُؤمنين نُطيع أحياءَكم ولا نَبْرأ من مَوْتاكم فالتفت مُعاوية إلى زِياد فقال‏:‏ هذا رجل فاستَوْصِ به‏.‏

قال مُعاوية يوماً‏:‏ يا معشر الأنصار لمَ تَطْلبون ما عِندي فوالله لقد كُنتم قليلاَ معي كثيراً مع عليّ ولقد فَلَلتم حَدِّى يوم صِفَّين حتى رأيتُ المَنايا تتلظى من أسنِّتكم ولقد هَجَوْتُموني بأشدّ من وَخز الأسل حتى إذا أقام اللهّ منَا ما حاولتم مَيْلَه قُلتم ارْع فينا وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم هيهات‏!‏ أبَى الحَقِين العِذْرة‏.‏

فأجابه قيسُ بن سَعد قال‏:‏ أما قولُك جِئناك نَطْلب ما عندك فبالإسلام الكافي به اللهُ لا بما تمتّ به إليك الأحزاب وأما استقامهُ الأمر فعلى كُره منّا كان وأما فَلُنا حَدَّك يوم صِفِّين فأمر لا نَعْتذر منه وأما عَداوتُنا لك فلو شئتَ - كَفَفْتَها عنك وأما هِجاؤنا إيَّاك فقول يَثْبُت حَقّه ويَزُول باطلُه وأما وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمن يُؤمن به يَحْفظها من بعده وأما قولك‏:‏ أبى الْحَقِين العِذْرة فليس دون الله يد تجزك منّا فدُونك أمرَك يا مُعاوية فإنما مثلًك كما قال الشاعر‏:‏ يا لكِ من قبرةٍ بمَعْمَر خَلا لك الجرُّ فبِيضى واصْفِرِى وقال سُليمان بنُ عبد الملك ليزيد بن المُهلَب‏:‏ فيمن العِزُ بالبَصرْة قال‏:‏ فينا وفي حُلفائنا من رَبيعة‏.‏

قال سليمان‏:‏ الذي تحالفتما عليه أعزّ منكما‏.‏

مَر عمر بن الخطاب بالصبيّان يَلْعبون وفيهم عبدُ اللّه بن الزبير فَفروا وَثَبت ابنُ الزُبير قال له عمر‏:‏ كيف لم تَفِر مع أصحابك قال‏:‏ لم أجْترم فأخافَك ولم يكن بالطّريق من ضِيق فأوسِعَ لك‏.‏

وقال عبد الله بن الزُبير لعديّ بن حاتم‏:‏ متى فُقِئت عينُك قال‏:‏ يومَ قُتِل أبوك وهَربتَ عن خالتك وأنا للحق ناصرِ وأنت له خاذِل‏.‏

وكان فُقئت عينه يوم الجمل‏.‏

وقال هارون الرشيد ليزيدَ بن مَزْيد‏:‏ ما أكثرَ الخطباء في ربيعة قال‏:‏ نعم ولكنّ مَنابرَهم الجُذُوع‏.‏

كان المِسْوَر بن مَخْرمة جليلاً نبيلاً وكان يقول في يزيدَ بن ُمعاوية‏:‏ إنه يشرب الخمر‏.‏

فبلغه ذلك فكتب إلى عامله بالمدينة أن يَجلِدَه الحدّ ففعل‏.‏

فقال المِسْوَر في ذلك‏:‏ أيَشْرَبُها صِرْفاً يَفُض خِتَامها أبو خالدٍ ويجلَدُ الحدَّ مِسْورُ قال المأمون ليحمى بن أكْثم القاضي‏:‏ أخْبِرني مَن الذي يقول قاضٍ يَرَى الحدَّ في الزَناء ولا يَرى على مَن يلوط مِن باس قال‏:‏ يقوله يا أميرَ المُؤمنين الذي يقول‏:‏ لا أحْسَب الجَوْر يَنْقَضى وعَلَى ال أمة والٍ مِن آل عَباس قال‏:‏ ومَن يقوله قال‏:‏ أحمد بن نُعيم قال‏:‏ يُنْفَى إلى السند وإنما مَزَحنا معك‏.‏

قال سُليمان بن عبد الملك لِعَدي بن الرقاع‏:‏ أنْشِدني قولك في الخمر‏:‏ كمَيت إذا شُجت وفي الكأس وَرْدَةٌ لها في عِظام الشاربين دَبِيبُ تُريك القَذى من دُونها وهي دُونه لِوَجْه أخيها في الإنَاء قُطُوب فأنشده‏.‏

فقال له سُليمان‏:‏ شربتَها ورب الكعبة قال عدي‏:‏ والله يا أميرَ المؤمنين لئن رابَك وَصْفي لها قد رابتني مَعْرِفتُك بها‏.‏

فتضاحكا وأخذا في الحديث‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ لما ولي بلالُ بن أبي بُرْدة البصرةَ بَلغ ذلك خالدَ بن صَفوان فقال‏:‏ فَبَلغ ذلك بِلالاً فَدعا به فال له‏:‏ أنت القائل‏:‏ سَحَابةُ صَيْفٍ عن قَلِيل تَقَشعُ أما والله لا تَقشّع حتى يصيبك منها شُؤْبوب بَرَد فَضَربه مائةَ سوط‏.‏

وكان خالد يأتي بلالاً في وِلايته ويَغْشاه في سُلطانه ويَغتابه إِذا غاب عنه ويقول‏:‏ ما في قَلب بِلال من الإيمان إلاّ ما في بَيْت أبي الزّرد الحَنفي من الجواهر‏.‏

وأبو الزّرد رجل مُفْلس‏.‏

دخل عُتبة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على خالد بن عبد الله القَسريّ بعد حِجاب شديد وكان عُتبة رجلاً سخيا فقال له خالد يُعرّض به‏:‏ إن هاهنا رجالاً يُداينون في أموالهم فإِذا فَنِيت يُداينون في أعْراضهم‏.‏

فَعلم القُرشيّ أنه يُعرِّض به فقال‏:‏ أصلِح اللّه الأمير إنَّ رجالَاً تكون أموالُهم أكثرَ من مُرواتهم فأولئك تَبْقى أموالهمِ ورجالَا تكون مُرواتهم أكثرَ من أَموالهم فإذا نَفدت دّانوا على سَعة ما عِند الله‏.‏

فخَجِل خالد وقال‏:‏ أما إنك منهم ما عَلِمْت‏.‏

كان شَرِيك القاضي يُشاحن الربيعَ صاحبَ شُرْطة المهديّ فحمل الربيعُ المهديَّ عليه فدَخل شريك يوماً على المهديّ فقال له المهديّ‏:‏ بَلَغني أنك وُلدت في قَوْصرة فقال‏:‏ وُلدتُ يا أميرَ المُؤمنين بخراسان والقَواصر هناك عَزيزة قال‏:‏ إني لأراك فاطميّا خَبيثا قال‏:‏ واللّه إني لأحبِّ فاطمةَ وأبا فاطمة صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وأنا والله أحبهما ولكني رأيتُك في مَنامي مَصروفا وَجهك عنّي وما ذاك إلا لبُغضك لنا وما أراني إلا قاتلك لأنك زِنْديق قال‏:‏ يا أميرَ المؤمنين إنَّ الدَماء لا تُسفك بالأحلام ليس رُؤياك رُؤيا يوسفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأما قوْلُك بأني زِنْديق فإن للزنادِقة علامةً وليس رؤياك رؤيا يوسف النبي صلى الله عليه وسلم وأما قولك بأني زنديق فإن للزنادقة علامة يعرفون بها قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ بشُرب الخمر والضّرب بالطنبور قال‏:‏ صدقت أبا عبد اللهّ وأنت خير من الذي عحمَلني عليك‏.‏

قال عمرُ بن الخطاب لعمرو بن العاص لما قَدِم عليه من مِصر‏:‏ لقد سِرْتَ سِيرَة عاشِق قال‏:‏ واللّه ما تَأبطتني الإمَاء ولا حَمَلتني البَغايا‏!‏ في غُبَرات المآلي قال عمر‏:‏ والله ما هذا جوابُ كلامي الذي سألتُك عنه وإنَ الدُجاجة لتَفْحص في الرماد فَتضع لغير الفَحْل والبَيْضة منسوبة إلى طَرْقها وقام عمر فدخل‏.‏

فقال عمرو‏:‏ لقد فَحُش علينا أميرُ المؤمنين‏.‏

وتَزْعم الرُّواة أن قُتيبة بن مُسْلم لما افتتحِ سَمَرْقَند أفضى إلى أثاث لم يُرَ مِثْلُه وإلى آلات لم يُسمع بمثلها فأراد أن يُرِي الناس عظيمَ ما فَتح اللهُ عليهم ويُعرِّفهم أقدارَ القوم الذين ظهروا عليهم فأمر بدارٍ ففُرشت وفي صَحْنها قُدور أَشْتات تُرْتَقى بالسلالم‏.‏

فإذا الحُضَين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرَّقاشي قد أقبل والناسُ جلوس على مراتبهم والحضين شَيْخ كبير فلما رآه عبدُ اللّه ابن مُسْلم قال لقتيبة‏:‏ إئذن لي في كلامه فقال‏:‏ لا تُرِدْه فإنه خبيثُ الجواب فأبَى عبدُ اللّه إلا أن يأذن له - وكان عبدُ اللّه يُضعّف وكان قد تسوّر حائطاً إلى امرأة قبلِ ذلك - فأقبل على الحُضين فقال‏:‏ أمن الباب دخلت يا أبا ساسان قال‏:‏ أجل ضعُف عَمُّك عن تسوّر الحِيطان قال‏:‏ أرأيت هذه القُدور قال‏:‏ هي أعظم من أن لا ترى قال‏:‏ ما أحسُب بَكْر بن وائل رَأى مثلَها قال‏:‏ أجل ولا عَيْلان ولو كان رآها سُمِّي شَبعان ولم يُسمَّ عَيْلان قال له عبدُ اللّه‏:‏ أتعرف الذي يقوله‏:‏ عَزَلْنا وأمّرنا وبكرُ بنُ وائل تَجُرّ خُصَاها تَبْتغي مَنْ تُحالفُ قال‏:‏ أعرفه وأَعْرف الذي يقوِل‏:‏ وخَيبة من يخيب على غني وباهلة بن يَعْصر والرِّباب يُريدً‏:‏ يا خَيبةَ مَن يخيب‏.‏

قال له‏:‏ أتعرف الذي يقول‏:‏ كأنّ فِقاح الأزْد حول ابن مِسْمَع إذا عَرِقت أفواه بَكْر بن وائل قال‏:‏ نعم‏.‏

وأعرفً الذي يقول‏:‏ قوم قُتيبةُ أمُّهم وأبوهمُ لولا قُتيبةُ أصبحوا في مَجْهَل قال‏:‏ أما الشعر فأراك ترويه فهل تقرأ من القرِآن شيئاً قال‏:‏ أقرأ منه الأكثر‏:‏ هل على الإنسان حين مِنَ الدهر لم يَكُنْ مشيئاً مذكوراً قال‏:‏ فأغضبه فقال‏:‏ واللّه لقد بلغني أن امرأة الحُضين حُملت إليه وهي حُبلى من غيره‏.‏

قال‏:‏ فما تحرك الشيخُ عن هَيئته الأولى ثم قال على هرسله‏:‏ وما يكون‏!‏ تلد غَلاماً على فراشي فيقال‏:‏ فلان بن الحُضين كما يقال‏:‏ عبدُ اللّه بن مُسلم‏.‏

فأقبل قُتيبة على عبد اللّه فقال‏:‏ لا يُبعد اللهّ غيرك‏.‏

والحُضين هذا هو الحضين ابن المُنذر الرقاشيّ ورَقاش أمه وهو من بنِى شيبان ابن بَكر بن وائل وهو صاحب لواء عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه بصِفْين على رَبيعة كلها وله يقول عليُّ بن أبي طالب‏:‏ لمَن رايةٌ سَوْداءُ يَحْفِق ظِلُّها إذا قيل قدمْها حُضَينُ تَقدّمَا يُقدِّمها في الصَف حتى يزُيرها حِياضَ المنايا تَقْطِر السُّمَّ والدَّما جَزى اللّه عني والجزاءُ بفَضْلِه ربيعةَ خيراً ما أَعف وأَكْرَما وقال المُنذر بن الجارود العَبدي لعمرو بن العاص‏:‏ أيّ رجل أنتَ لو لم تكُن أُمّك ممن هي قال‏:‏ أحمد اللّه إليك لقد فَكَرتُ فيها البارحةَ فجعلتُ أنقِّلها في قبائل العَرب فما خطرت لي عبدُ القيس ببال‏.‏

قال خالدُ بن صَفوان لرجل من بني عبد الدار وسَمعه يَفْخر بموْضعه من قُريش فقال له خالد‏:‏ لقد هَشمتك هاشم وأَمتك أُمية وخَزَمتك مَخْزوم وجَمَحتك جُمح وسَهَمتك سَهْم فأنت ابنُ عبد دارها تَفْتح الأبواب إذا أُغلقت وتُغلقها إذا فُتحت‏.‏

جواب في هزل كان للمغيرة بن عبد الله الثّقفيّ - وهو والي الكُوفة - جَدْيٌ يوضع على مائدته فَحَضره أعرابي فمد يَده إلى الجَدْي وجَعل يُسرع فيه قال له المُغيرة‏:‏ إنّك لتَأكله بحَرْد كأن أُمَّه نَطحَتْك قال قال‏:‏ وإنك لمُشْفِق عليه كأن أُمه أَرْضعتك‏.‏

كان إبراهيمُ بن عبد اللّه بن مُطيع جالساً عند هِشام إذ أَقبل عبدُ الرحمن بن عَنْبسة بن سَعيد بن العاص أحمرَ الجُبّة والمِطْرف والعِمامة فقال إبراهيم‏:‏ هذا ابنُ عَنْبسة قد أَقبل في زينة قارُون‏.‏

قال‏:‏ فَضَحِكَ هشام‏.‏

قال له عبدُ الرحمن‏:‏ ما أَضحكك يا أميرَ المُؤمنين فأَخبره بقول إبراهيم‏.‏

فقال له عبدُ الرحمن‏:‏ لولا ما أَخاف من غَضبه عليك وفي وعلى المُسلمين لأجبته قال‏:‏ وما تخاف من غَضبه قال‏:‏ بلغني أن الدًجال يَخْرج من غَضْبة يَغْضَبها وكان إبراهيم أَعْور‏.‏

قال إبراهيمُ‏:‏ لولا أن له عِندي يداً عظيمة لأجبتُه قال‏:‏ وما يده عندك قال‏:‏ ضرَبه غلامٌ له بُمدية فأصابه فلمّا رأى الدم فزعَ فَجَعل لا يَدْخل عليه مَمْلوك إلا قال له‏:‏ أنت حّرّ فدخلتُ عليه عائداً فقلت له‏:‏ كيف نجدك قال لي‏:‏ أنت حُر قلت له‏:‏ أنا إبراهيم قال لي‏:‏ أنت حُر‏.‏

فَضحِك هشامٌ حتى اسْتَلْقَى‏.‏

قال عبدُ الرحمن بن حسّانِ لِعَطاء بن أبي صَيْفي بن ثابت‏:‏ لو أَصبتَ رَكْوةً مملوءةً خَمْراً بالبقيعِ ما كنت صانِعاً قال‏:‏ كنتُ أُعرفها بين التجار فإن لم تكن لهم‏.‏

فهي لك لكن أخْبرني عن الفُريعة أكبرُ أم ثابت وقد تزوّجها قبله أربعةٌ كُلُّهم يَلْقاها بمثل ذِراع البَكْر ثم يُطلِّقها عن قِلى فقيل لها‏:‏ يا فُريعة لم تُطلقين وأنت جميلة حُلوة قالت‏:‏ يُريدون الضَيق ضَيَّق اللّه عليهم‏.‏

ولقي رجل من قريش كان به وَضَح حارثة بن بَدر وكان مُغرماً بالشراب فقال لها‏:‏ أشعرت أنه بُعث نبيّ لهذه الأمة يُحلّ الخمر للناس قال‏:‏ إذاً لا نُصدِّق به حتى يُبرئ الأكمه والأبْرص‏.‏

دخل الزِّبرقانُ بن بَدْر على زِياد فسلّم تسليماً جافياً فأدناه زياد فأجلسه معه ثم قال له‏:‏ يا أبا عيّاش الناسُ يَضْحكون من جَفائك قال ولمَ ضَحِكوا فواللهّ إنْ منهم رجلٌ إلا وَدّ أني أبوه دون أبيه لِغية كان أو لِرشْدة‏.‏

دخل الفرزدقُ على بلال بن أبي بُردة وعنده ناسٌ من اليمامة يَضْحكون فقال‏:‏ يا أبا فراس أتدري مِمِّ يَضْحكون قال‏:‏ لا أدري قال‏:‏ من جَفائك قال‏:‏ أصلح اللهّ الأمير حَججتُ فإذا رجلٌ على عاتقه الأيمن صَبِيٌ وامرِأةٌ آخذةٌ بِمئزره وهو يقول‏:‏ أنتَ وهبتَ زائداً ومَزيداً وكَهْلَةَ أُولج فيها الأجْرَدَا وهي تقول‏:‏ إذا شئتَ فسألتُ ممن الرجل قيل‏:‏ من الأشْعريين فأنا أَجْفَى من ذلك الرجل قال‏:‏ لا حيّاك اللهّ فقد علمتُ أنّا لا نُفلت منك‏.‏

اجتمع رَجل كَوسج معِ رجل مُسْبِل فقال المُسْبِل‏:‏ والبَلد الطيب يَخرُج نَباتُه بإذن ربّه والذي خبُث لا يخْرُج إلا نَكِداً قالت الكَوْسجُ‏:‏ قل لَا يَسْتوي الخبيثُ والطيب ولو أَعجبك كثرْة الخبيث‏.‏

مَرّ مَسلمة بن عبد الملك وكان من أجمل الناس بمُوَسْوس على مَزْبلة فقال له المُوسوس‏:‏ لو رآك أبوك آدم لقَرت عينُه بك وقال له مَسْلمة‏:‏ لو رآك أبوك آدم لأذهبت سَخنةُ عينه بك قَرّةَ عينه بي‏!‏ وكان مَسلمة من أحضر الناس جواباً‏.‏

خرج إبراهيم النَّخعي وقام سُليمان الأعمش يمشي معه فقال إبراهيم‏:‏ إنّ الناس إذا رَأَوْنا قالوا‏:‏ أَعْور وأَعمش‏!‏ قال‏:‏ وما عليك أن يَأْثموا ونؤْجَر قال وما عليك أن يَسلموا ونَسلم‏.‏

وقال شَدّاد الحارثيّ‏:‏ لقيتُ أَسودَ بالبادية فقلتُ‏:‏ لمَن أنت يا أَسود قال‏:‏ لسيّد الحيّ يا أَصْلع قلتُ‏:‏ ما أَغضبَك مني الحق قال لي‏:‏ الحقُّ أَغْضبك قلت‏:‏ أَوَلستَ بأسود قال‏:‏ أولستَ بأَصلع أدْخِل مالكُ بن أَسماء السجن - سِجْن الكوفة - فجلس إليه رجلٌ من بني مُرّة فاتكأ عليه المُري يُحدّثه ثم قال‏:‏ أَتَدري كم قَتلنا منكم في الجاهلية قال‏:‏ أما في الجاهلية فلا ولكن أعرف من قتلتم منّا في الإسلام قال‏:‏ أنا قد قَتَلتني بنَتن إبطيك‏.‏

مَرت امرأة من بني نُمير على مَجلس لهم في يوم ريح فقال رجلٌ منهم‏:‏ إنها لَرَسْحاء‏.‏

قالت‏:‏ واللّه يا بني نُمير ما أَطعتم اللّه ولا أَطعتم الشاعر قال اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ قُلْ للمؤْمِنين يَغُضوا من أَبْصارهم ‏"‏ وقال الشاعر‏:‏ فغُضّ الطّرْفَ إنَكَ من نُمير قيل لشُريح‏:‏ أيهما أطيب‏:‏ الجَوْزنيق أم اللوْزنيق قال‏:‏ لستُ أَحكم على غائب‏.‏

هشام بن القاسم قال‏:‏ جَمعني والفَرزدقَ مجلس فتجاهلتُ عليه فقلتُ‏:‏ مَن الكَهْل قال‏:‏ وما تَعرفني قلت‏:‏ لا قال‏:‏ أبو فِراس قلتُ‏:‏ ومَن أبو فِراس قال‏:‏ الفرزدق قلت‏:‏ ومَن الفرزدق قال‏:‏ وما تعرف الفرزدق قلت‏:‏ لا أعرف الفرزدق إلا شيئاً يفعله النساء عندنا يَتَشهَوْن به كهيئة السًويق قال‏:‏ الحمد لله الذي جعلني في بطون نسائكم يَتَشهَّوْن بي‏.‏

قال هشامُ بن عبد الملك للأبرش الكلبي زوَجني امرأةً من كَلْب فزوّجه فقال له ذاتَ يوم‏:‏ لقد وجدنا في نساء كلب سَعة قال‏:‏ يا أميرَ المؤمنين نِساءُ كلب خُلقن لرجال كلب‏.‏

وقال له يوماً وهو يتغدى معه يا أبرش إن أَكلك أكلُ مَعدي قال‏:‏ هيهات‏!‏ تَأبى ذلك قُضاعة‏.‏

عمُارة عن محمد بن أبي بكر البَصْري قال‏:‏ لما مات جعفر بن محمد قال أبو حنيفة لشَيْطان الطاق‏:‏ مات إمامُك وذلك عند المهدي فقال شيطانُ الطاق‏:‏ لكنّ إمامك من المُنظرين إلى يوم الوقت المَعْلوم‏.‏

فَضَحِك المهديّ من قوله وأمر له بعشرة آلاف درهم‏.‏

العُتبيّ قال‏:‏ حدّثني أبي قال‏:‏ لمّا افتُتح النُجَير وهي مدينة باليمن سمع رجلٌ منِ كِندة رجلاً وهو يقول وَجدنا في نساء كِندة سَعة فقال له‏:‏ إن نِساءَ كِنْدة مَكاحلُ فقَدت مَراوِدها‏.‏

لقي خالدُ بن صَفْوان الفرزدقَ وكان كثيراً ما يُداعيه وكان الفرزدق دَميماً فقال له‏:‏ يا أبا فِراس ما أنت بالذي لما رَأينه أَكْبَرْنه وقَطّعن أيديهنِ قال له‏:‏ ولا أنت أبا صَفوان بالذي قالت فيه الفتاة لأبيها‏:‏ يا أَبَت استأْجِرْه إنّ خير مَن استأجرتَ القويُ الأمين‏.‏

باع رجل ضَيْعة من رجل فلمّا انتقد المالَ قال للمُشتري‏:‏ أمَا والله لقد أخذتَها كثيرة المَؤونة قليلة المَعونة قال له المُشتري‏:‏ وأنت والله أَخذتَها بطيئةَ الإجتماع سريعةَ الإفتراق‏.‏

واشترى رجل من رجل داراً فقال لصاحبها‏:‏ لو صبرتَ لاشتريتُ منك الذِّراع بعشرة دنانير قال له البائع‏:‏ وأنت لو صبرتَ لاشتريتَ مني الذراع بِدِرْهم‏.‏

وكان بالرَّقة رجل يُحَدَث بأخبار بني إسرائيل فقال له الحجّاج بن حَنْتَمة‏:‏ كيف كان اسم بقرة بني إسرائيل قال‏:‏ حَنْتمة فقال له رجل من ولد أبي مُوسى الأشعريّ‏:‏ أين وجدتَ هذا قال‏:‏ في كتاب عَمرو بن العاص‏.‏

وقال رجل للشَّعبيّ‏:‏ ما كان اسم امرِأة إبليس قال‏:‏ إن ذلك نَكاح ما شَهدناه‏.‏

ودخل رجلٌ على الشَعبي فوجده قاعداَ مع امرأة فقال‏:‏ أيّكما الشَّعبيّ قال الشعبي‏:‏ هذه وأشار إلى المرأة‏.‏

كان مَعْن بن زائدة ظَنِيناً في دِينه فبعث إلى ابن عيَّاش المنتوف بألف دينار وكتب إليه‏:‏ قد بعثتُ إليك بألف دينار اشتريتُ بها منك دِينك فاقْبِض المال وأكتُب إليَّ بالتّسليم‏.‏

فكَتب إليه‏:‏ قد قبضتُ المالَ وبِعْتُك به ديني خَلا التَّوحيد لمَا عَلِمْتُ من زُهْدِك فيه‏.‏

بَعث بلالُ بن أبي بُرْدة في ابن أبي عَلْقمة المَمْرور فلمّا أُتي به قال‏:‏ أتدري لما بعثتُ إليك قال‏:‏ لا أدري قال‏:‏ بعثتُ إليك لأضحك بك قال‏:‏ لئن فعلت لقد ضَحك أحدُ الحَكَمين من صاحبه يُعرض له بجدّه أبي مُوسى فَغَضِب به بلالٌ وأمر به إلى الحَبس‏.‏

فكلّمه الناسُ وقالوا‏:‏ إن المجنون لا يُعاقب ولا يُحاسب فأمر بإطلاقه وأن يُؤتى به إليه‏.‏

فأُتي به في يوم سبت وفي كمّه طرائف أُتحِف بها قي الحَبس فقال له بِلال‏:‏ ما هذا الذي في كُمك قال‏:‏ من طَرائف الحَبْس قال‏:‏ ناولني منها قال‏:‏ هو يوم سَبْت ليس يُعطَى ولا يُؤخذ يُعرض بعمّة كانت له من اليَهود‏.‏

دخل حَسّان بن ثابت على عائشة رضي الله عنها فأَنشدها‏:‏ حَصان رَزَانٌ ما تُزَنّ بريبةٍ وتُصْبِح غَرْثَى من لُحوم الغَوَافِل قالت له‏:‏ لكنّك لستَ كذلك وكان حَسّان من الذين جاءوا بالإفك‏.‏

نظر رجل من الأزد إلى هلال بن الأحْوز حين قَدم من قَنْدابيل وقد أَطافت به بنو تميم فقال‏:‏ انظرُوا إليهم وقد أَطافوا به إطافة الحواريين بعيسى‏.‏

فقال له محمد بن عبد الملك المازني‏:‏ هذا ضِدّ عيسى عيسى كان يُحيى المَوتى وذا يُميت الأحْياء‏.‏

لما حُلقت لِحْيةٌ ربيعة بن أبي عبد الرحمن كانت امرأة من المسجد تقف عليه كُلّ يوم في حَلْقته وتقول‏:‏ الله لك يا بن أبي عبد الرحمن‏!‏ مَن حَلَق لِحْيتك فلمّا أَبْرَمَتْه قال لها‏:‏ يا هذه إنّ ذلك حَلَقها في جَزّة واحدة وأنت تَحْلقينها في كل يوم‏.‏

خرج سعيدُ بنُ هِشام بن عبد الملك يوماً بِحِمْص في يوم مطر عليه طَيْلَسان وقد كاد يمسّ الأرض فقال له رجلٌ وهو لا يعرفه‏:‏ أَفسدتَ ثوبَك يا عبد الله قال‏:‏ وما يضرُّك قال‏:‏ وَدِدتُ أنك وهو في النّار قال‏:‏ وما يَنفعك لما قِدم الحجّاجُ العِراقَ والياً عليها خَرج عُبيد الله بن ظَبْيان مُتوكِّئاً على مَوْلى له وقد ضَرَبه الفالِجُ فقال‏:‏ قَدِم العراقَ رجل على دِينيّ فقال له حُضَين ابن المنذِر الرَّقاشيّ فهو إذًا مُنافق قالت عبيد اللّه‏:‏ إنه يَقْتل المنافقين قال له حُضَين‏:‏ إذاً يَقْتلك‏.‏

لما قَدِم عبدُ الملك بن مروان المدينةَ نَزل دارَ مَرْوان فمرّ الحجّاج بخالد بنِ يزيد بن مُعاوية وهو جالسٌ في المسجد وعلى الحجّاج سَيْف مُحلَّىً وهو يخْطِر متبختراَ في المَسْجد فقال له رجلٌ من قُريش‏:‏ مَن هذا التَخْطَارة فقال خالدُ بَخٍ بَخٍ‏!‏ هذا عمرو بن العاص‏.‏

فَسمعه الحجّاج فمال إليه فقال‏:‏ قلتَ‏:‏ هذا عمرو بن العاص‏!‏ والله ما سَرّني أنّ العاص وَلدني ولا ولدتُه ولكنْ إن شِئتَ أخبرتُك مَن أنا أنا ابن الأشياخ من ثَقِيف والعقائل من قُريش والذي ضَرب مائة ألفٍ بسيفه هذا كُلّهم يَشْهد على أبيك بالكُفْر وشُرْب الخمر حتى أَقروا أنه خليفة ثم وَلِّى وهو يقول‏:‏ هذا عمرو بن العاص‏!‏ قال رجلٌ من بني لهْب لِوَهْب بن مُنَبّه‏:‏ ممّن الرجل قال‏:‏ رجل من اليمن قال‏:‏ فما فعلتْ أُمّكم بلقيس قال‏:‏ هاجرتْ مع سُليمان للّه ربّ العالمين وأمّكم حَمّالة الحطب في جِيدها حَبْل من مَسَد‏.‏

وقال رجل لابن شُبرمة‏:‏ مِن عندنا خَرج العِلمُ إليكم قال‏:‏ نعم ثم لم يَرْجع إليكم‏.‏

نَظر يزيدُ بن منصور خالُ المهديّ إلى يزيد بن مَزْيد وعليه رداءٌ يمان وهو يَسْحبه فقال‏:‏ ليس عليك غَزْله فاسحب وجُرّ قال له‏:‏ على آبائك غَزْلُه وعليّ سَحْبُه‏.‏

فشكاه إلى المهديّ فقال‏:‏ لم تَجد أحداً تتعرّض له إلاّ يزيدَ بن مَزْيد‏!‏ دخل أبو يَقْظان القَيْسيّ علي يزيدَ بن حاتم وهو والي مِصْر وعنده هاشمُ ابن حُديج فقال له يزيد‏:‏ حَرِّكه وعلى أبي اليَقْظان حُلّة وَشيْ وكِساء خَزّ فقال هاشم‏:‏ الحمدُ للّه أبا اليَقْظان لَبِسْتم الوَشيْ بعد العَباء قال‏:‏ أجل تحوكون ونَلْبس فلا عَدِمْتم هذا مِنّا ولا عَدِمْنا هذا منكم‏.‏

كتب الفرزدقُ إلى عبد الجبّار بن سلْمى المُجاشعيّ يَسْتهديه جارية وهو بعُمان فكتب إليه‏:‏ كتبتَ إليّ تستهدي الجَوارِي لقد أَنْعَظْتَ مِن بلد بَعيدِ وقال رجلٌ من العَرب‏:‏ رأيتُ البارحهَّ الجنة قي مَنامي فرأيتُ جَميع ما فيها من القُصور فقلتُ‏:‏ لمَن هذه فَقِيل لي‏:‏ للعرب قال له رجلٌ من المَوِالي‏:‏ صَعِدْت الغًرف قال‏:‏ لا قال‏:‏ تلك لنا‏.‏

قال عبدُ الله ابن صَفْوان وكان أُمّياَ لعبد الله بن جَعفر بن أبي طالب‏:‏ أبا جعفر لقد صِرْتَ حُجَّةً لِفْتياننا علينا إذا نَهيناهم عن المَلاهي قالوا‏:‏ هذا ابنُ جَعْفر سيد بني هاشم يَحْضرُها ويتخذها قال له‏:‏ وأنت أبا صَفْوان صِرْت حُجة لِصبْياننا علينا إذا لُمْنَاهم في تَرْك المَكْتب قالوا‏:‏ هذا أبو صَفْوٍان سيد بني جُمح يقرأ آيةً ولا يخطها‏.‏

قال مُعاوية لعبد اللّه بن عامر‏:‏ إنّ ليإليك حاجة قال‏:‏ بحاجةٍ تقضيها يا أميرَ المؤمنين فَسَلْ حاجتك قال‏:‏ أريد أن تهب لي دُورك وضِياعك بالطّائف قال‏:‏ قد فعلتُ قال‏:‏ وَصَلَتك رَحِم فَسَلْ حاجتك قال‏:‏ حاجتي إليك أن تردِّها عليِّ يا أميرَ المُؤمنين قال‏:‏ قد فعلت‏.‏

وقال رجل لثُمَامة بن أَشْرس‏:‏ إنّ لي إليك حاجةَ قال‏:‏ وأنا لي إليك حاجة قال‏:‏ وما حاجُتك قال‏:‏ فَتقْضيها قال‏:‏ نعم فلما تَوثق منه قال‏:‏ فإن حاجتي إليك ألا تسألني حاجة‏.‏

جواب في فخر سَعيد بن أبي عَرُوبة عن قَتادة مّال‏!‏ تَفاخر عمرو بن سَعيد بن العاص وخالدُ بن يزيد بن مُعاوية عند عبد الملك بن مَرْوان فقال عبدُ الملك لشيخ من موالي قُريش‏:‏ اقِض بينهما‏:‏ فقال الشيخُ‏:‏ كانَ سعيد بن العاصي لا يَعتمّ - أحد في البلد الحرام بلون عِمامته وكان حرب بن أُمية لا يبكى على أحد من بني أمية ما كان في البلد شاهداً فلمّا مات سعيدٌ وحَرْب شاهد لم يُبْك عليه‏.‏

قال الأبرش الكلبيّ لخالد بن صَفْوان‏:‏ هَلُمّ أفاخرْك وهما عند هشام بن عبد الملك قال له خالد قُل فقال له الأبرش‏:‏ لنا رُبع البيت - يُريد الرُكن اليَمانيّ - ومنّا حاتم طيىء ومما المُهلّب بن أبي صفرة‏.‏

فقال خالد بن صفوان‏:‏ منّا النبيّ المُرسل وفينا الكِتاب المنزل ولنا الخليفة المُؤمّل‏.‏

قال الأبرش‏:‏ لا فاخرتُ مُضريَّاً بعدك‏.‏

ونزل بأبيِ العباس قوم من اليمن من أخواله من كَعب ففخروا عنده بقَديمهم وحَديثهم فقال أبو العباس لخالد بن صَفوان‏:‏ أجب القوم فقال‏:‏ أخوال أمير المؤمنين قال‏:‏ لا بد أن تقول قال‏:‏ وما أقول يا أميرَ المُؤمنين لقوم هم بين حائك بُرد ودابغ جِلْد وسائِس قِرْد مَلَكتهم امرأة ودَلّ عليهم هُدهد وغَرَّقتهم فأره‏.‏

فلم يَقُم بعدها ليمانيّ قائمة‏.‏

قال عبدُ الملك بن الحجّاج‏:‏ لم كان رجل من ذهب لكُنْتُه‏.‏

قال له رجلٌ من قُريش‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ لم تَلِدْتي أمَهَ بيني وبين آدم ما خلا هاجَر فقال له‏:‏ لولا هاجَر لكُنْت كَلْباً من الكِلاب‏.‏

دخل عمر بن عُبيد الله بن مَعْمر على عبد الملك بن مروان وعليِه حِبَرة صَدْأة عليها أثر الحمائل فقالت له أمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد‏:‏ يا أبا حَفْص أي رجل أنت لو كنتَ من غير مَن أنت منه من قريش قال‏:‏ ما أحب أني من غير مَن أنا منه إنّ منّا لسيد الناس في الجاهلية عبدَ اللّه بن جُدْعان وسيّدَ الناس في الإسلام أبا بكر الصدّيق وما كانت هذه يدي عندك إني استنقذت أمهاتِ أولادك من عدوك أبي فُديك بالبحرين وهُنّ حَبالى فولدن في حجابك‏.‏

قال عبدُ الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة لمُعاوية‏:‏ أما واللّه لو كُنَّا بمكة على السواء لعلمتَ‏!‏ قال مُعاوية‏:‏ إذاً كنتُ أكون مُعاوية بن أبي سفيان مَنْزلي الأبْطح يَنشقّ عنِّي سَيْلُه وكنتَ عبدَ الرحمن بن خالد منزلُك أَجياد أعْلاه مَدَرَة وأسفله عَذِرة‏.‏

تنازع الزبير بن العوام وعُثمان بن عفّان في بعض الأمر فقال الزبير‏:‏ أنا ابن صَفِية قال عُثمان‏:‏ هي أدْنَتك من الظَلّ ولولا ذاك لكُنت ضاحياً‏.‏

قال أحمد بن يوسف الكاتب لمحمد بن الفَضل‏:‏ يا هذا إنّك تَتطاول بهاشم كأنك جمعتها وهي تَعتدّ في أكثر من خمسة آلاف قال له محمد بن الفضل‏:‏ إنَّ كثْرة عددها ليس يُخرج من عنقك فَضْل واحدها‏.‏

فَخر مولى لزياد بزياد عند مُعاوية‏.‏

قال له فعاوية‏:‏ اسكت فواللّه ما أدْرك صاحُبك شيئاً بسيفه إلا أدركتُ أكثرَ منه بلساني‏.‏

وقال رجل من مَخْزوم للأحوص محمد بن عبد اللّه الأنصاري‏:‏ أتعرف الذي يقول‏:‏ ذَهبتْ قُريش بالمَكارم كُلِّها والذُّلُّ تحت عمائم الأنْصَارِ قال‏:‏ لا ولكنّي أعرفُ الذي يقول‏:‏ الناسُ كَنَوْه أبا حَكَمٍ واللّه كَنَّاه أبا جَهْل أبقتْ رياستُه لأسْرته لؤْمَ الفُرُوع ورِقَة الأصل سأل رجلٌ من قُريش رجلاً من بني قَيس بن ثعلبة‏:‏ ممن أنت قال‏:‏ من ربيعة قال له القُرشسيّ‏:‏ لا أثر لكم ببَطحاء مكة قال القَيْسي‏:‏ آثارُها‏.‏

في أكناف الْجَزيرة مَشْهورة مَواقفنا في ذي قار مَعْروفة فأما مكّة فسواء العاكفُ فيها والبادي كما قال اللّه تبارك و تعالى فأفحمه‏.‏

قال الأشعث بن قيس لشرُيح القاضي‏:‏ شَد ما ارتفعتَ‏!‏ قال‏:‏ فهل ضرَك قال‏:‏ لا قال‏:‏ فأراك تَعرف نعمةَ الله على غيرك وتَجلهلها على نَفْسِك‏.‏

قال سليمانُ بن عبد الملك ليزيد بن المُهَلَّب‏:‏ فيمن العِزُّ بالبَصرة قال‏:‏ فينا وفي أحلافنا من رَبيعة قال له سليمان بن عبد الملك‏:‏ الذي تحالفتما عليه أعز منكما‏.‏

قَدِم أعرابيّ البصرَة فَدخلَ المسجدَ الجامعِ وعليه خًلْقان وعمامة قد كَوَّرِها على رأسه فَرَمى بطَرفه يمنةً ويسرةً فلم يرَ فتية أحسنَ وُجوهاً ولا أظْهر زيّاً من فتْية حَضروا حَلْقة عُتْبة المَخزوميّ فدنا منهم وفي الحَلْقة فُرْجة فطبقها فقال له عُتبة‏:‏ ممن أنت يا أعرابيّ قال‏:‏ من مَذحج قال‏:‏ مِن زَيْدها الأكْرمين أو من مُرادها الأطْيبين قال‏:‏ لستُ من زيدها ولا من مُرادها قال‏:‏ فمن أنت قال‏:‏ فإني من حُماةِ أعراضها وزَهْرة رياضها بني زُبيد‏.‏

قال‏:‏ فأفحم عُتْبة حتى وَضع قَلَنسُوته عن رأسه وكان أصْلع فقال له الأعرابي‏:‏ فأنت يا أصلع ممن أنت قال‏:‏ أنا رجل من قريش قال‏:‏ فمن بيت نُبوَتها أو من بيت مَمْلكتها قال‏:‏ إِني من رَيحْانتها بنِي مَحزوم قال‏:‏ واللّه لو تَدْري لم سُمِّيت بنو مَخزوم ريحانَة قريش ما فخرت بها أبداً إنما سميت ريحانة قُريش لِخَور رجالها ولين نسائها قال عتبة‏:‏ واللّه لا نازعتُ أعرابياً بعدك أبداً‏.‏

وَضع فَيْروز بن حُصَين يدَه على رأس نُميلة بن مالك بن أبي عُكابة عند زياد فقال‏:‏ مَن هذا العبد قال‏:‏ أنت العبد ضَربناك فما انتصرت ومَننا عليك فما شَكرْت‏.‏

اجتمعت بَكر بن وائل إلى مالك بن مِسْمَع لأمر أراده مالك فأرسل إلى بَكر بن وائل وأرسل إلى عُبيد اللّه بن زياد بن ظَبيان فأتى عُبيد اللّه فقال‏:‏ يا أبا مِسْمع ما مَنعك أن تُرسل إلي قال‏:‏ يا أبا مَطر ما في كنانتِي سَهْم أنا أوْثق به منِّي بك‏.‏

قال‏:‏ وإنّي لفى كِنانتك‏!‏ أمَا واللّه لئن كنتُ فيها قائماً لأطولنَها ولئن كنتُ فيها قاعداً لأَخْرِقَنها‏.‏

نازع مالكُ بن مِسْمعِ شَقيق بن ثَوْر فقال له مالكٌ‏!‏ إنما شَرّفَك قَبْر بِتُسْتَر قال شقيقِ‏:‏ لكن وَضعك قبْرٌ بالمُشَقَّر‏.‏

وذلك أنَّ مِسْمعاً أبا مالك جاء إلى قوم بالمُشَقّر فنبحه كَلْبهُم فَقَتله فقتلوه به فكان يقال له‏:‏ قتيل الكلاب‏.‏

وأراد مالك قَبر مَجْزأة بن ثَوْر أخي شفيق وكان استُشهد بتُسْتر مع أبي مُوسى الأشعريّ‏.‏

قال قُتيبة بن مُسلم لهُبيرة بن مَسْروح‏:‏ أي رجل أنت لو كانت أحوالك من غير سَلوٍل‏!‏ فبادل بهم قال‏:‏ أصْلح اللّه الأمير بادِل‏!‏ بهم مَن شئت وجَنِّبني باهلة‏.‏

وكان قتيبة من باهلة‏.‏

جواب ابن أبي دواد قال أحمدُ بن أبي دُواد لمحمدِ بن عبد الملك الزيات عند الواثق‏:‏ أضوي أي أسكت - يا لنّبطية - فقال له‏:‏ لماذا واللّه ما أنا بِنَبطيّ ولا بِدَعِيّ قال له‏:‏ ليس فوقك أحد يَفْضُلك ولا دونك أحد تَنْزل إليه فأنت مُطّرح في الحالتين جميعاً‏.‏

ودخل أحمد بن أبي دُواد على أشْناس فقال له‏:‏ بلغني أنك أفسدت هذا الرجل يعني محمد بن عبد الملك وهو لنا صديق فأحب أنْ لا تأتينا قال له ابن أبي دُواد‏:‏ أنت رجل صَنَعَتْك هذه الدولة فإنْ أتيناك فلها هان تَركناك فلنفسك‏.‏

قال أحمدُ بن أبي دواد‏:‏ دخلتُ على الواثق فقال‏:‏ ما زال قومٌ اليومَ في ثَلْبك ونَقْصك فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين لكل امرئ منهم ما اكتسب مات الإثم والذي تولّى كِبْره منهم له عذاب عظيم فاللّه وليّ جزائه وعِقابُ أمير المؤمنين مِن ورائه وما ضاع امرؤ أنت حائطُه ولا ذَلّ مَن كنت ناصرَه فماذا قلت لهم يا أمير المؤمنين قال‏:‏ أبا عبد اللّه‏:‏ وسَعى إلى بعَيْب عَزّةَ نِسوة جَعل المليكُ خُدودَهن نِعالهَا وقال أبو العيناء الهاشمي‏:‏ قلت لابن أبي دُواد‏:‏ إنَّ قوماً تَضافروا عليَّ قال‏:‏ يَدُ اللّه فَوق أَيْدِيهم‏.‏

قلتُ‏:‏ إنهم جماعة قال‏:‏ كم مِن فِئةًٍ قليلةًٍ غَلبَتْ فئِةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصابرين‏.‏

قلت‏:‏ إنَّ لهم مكراً قال‏:‏ ولا يَحيقُ المَكْر السيَّء بأهله‏.‏

قال أبو العيناء‏:‏ فحدّثت به أحمدَ بن يوسف الكاتب فقال‏:‏ ما يُرى ابنُ أبي دواد إلا أنّ القرآن إنما أنزل عليه‏.‏

جواب في تفحش خَطب خالدُ بن عبد اللّه القَسريّ فقال‏:‏ يأهل البادية ما أخشنَ بلدَكم‏!‏ وأغلظَ معاشَكم‏!‏ وأجفى أخلاقَكم‏!‏ لا تشهدون جمعة ولا تُجالِسون عالماً فقام إليه رجال منهم دَميم فقال‏:‏ أمّا ما ذكرت من خُشونة بلدنا وغِلَظ طَعامنا وجَفاء أخلاقنا فهو كذلك ولكنّكم معشرَ أهل الحَضر فيكم ثلاث خِصال هي شرٌّ مِن كل ما ذكرت قال له خالد‏:‏ وما هي قال‏:‏ تَنْقُبون الدُّور وتَنْبِشون القُبور وتَنْكحون الذُّكور قال‏:‏ قَبَّحك اللّه وقَبَّح ما جِئت به‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ أتى موسى بن مُصعب منزل امرأة مَدنيّة لها قَيْنة تَعْرِضها فإذا امرأة جميلة لها هَيْئة فَنظر إلى رجل دَميم يجيء ويَذهب ويأمر ويَنهى في الدار فقال‏:‏ مَن هذا الرجل قالت‏:‏ هَو زَوجي قال‏:‏ إنا للّه وإنا إليه راجعون‏!‏ أمَا وجدتِ مِن الرجال غيرَ هذا وبكِ مِن الجمال ما أرى قالت‏:‏ واللّه يا أبا عبد اللّه لو استدبرك بمثل ما يَستقبلني به لَعَظُم في عينك‏.‏

أبو الحسنِ قال‏:‏ قالت عاتكة بِنت المُلاءة لِرائض دوابّ زَوْجها في طريق مكة‏:‏ ما وجدتُ عملاً شَرّاً من عملك إنما كَسْبُك باستك‏!‏ فقال لها‏:‏ جُعلت فداك ما بين ما أكتسب به وما تَكْتسبين به أنت إلا إصبعان قالت‏:‏ ويلي عليك‏!‏ خذوا الخبيث‏.‏

فَطَلبه حَشمُها ففاتهم رَكْضاً‏.‏

أبو الحسن قال‏:‏ قال رجل من الأزد في مَجلس يُونس النحويّ‏:‏ وَدِدْت واللّه أنّ بَني تَميم جميعاً في جَوْفي على أنْ يُضربَ وَسطي بالسَّيفِ‏.‏

قال له شَيخ في ناحِية المَجلِس حِرْمازي من بني تميم‏:‏ يا هذا يَكْفيك من ذاك كَمَرة حِماريّة يملأ بها أستك إلى لهَاتك‏.‏

وسأل أعرِابيّ شيخاً من بني مَروان وحولَه قومٌ جلوس فقال‏:‏ أصابَتْنا سنةٌ ولي بضعَ عشرةَ بِنْتاَ فقال الشيخُ‏:‏ أما السّنة فوددتُ واللّه أنّ بينكم وبين السماء صفيحةً من حديد وأما البنات فليتَ اللّه أضعفهن لك أضعافاً كثيرة وجَعلك مَقْطوع اليدين والرِّجلين ليس لهن كاسب غيرُك‏.‏

قال‏:‏ فنظَر الأعرابي مليًّا ثم قال‏:‏ ما أدري ما أقول لك‏!‏ ولكني أراك قبيح المنظر لئيم المَخْبر فأعضك اللّه ببُظور أمهات هؤلاء الجلوس حولك‏.‏

وسأل أعرابي شيخاً من الطائف وشَكا إليه سنةً أصابته فقال‏:‏ وددتُ واللّه أنّ الأرض حصّاء ولا تُنبت شيئاً قال‏:‏ ذلك أيْبس لجَعَر أمك في آستها‏.‏

قال عبيدُ اللّه بن زياد بنِ ظَبيان لزُرْعة بن ضَمْرة الضِّمْريّ‏:‏ إني لو أدركتُك يوم الأهواز لقطعتُ منك طابَقاَ شَحيماً قال‏:‏ ألا أدُلك على طابق شَحِيم هو أولى بالقطع قال‏:‏ بلى قال‏:‏ البَظْر الذي بين استيْ أمك‏.‏

قال عبدُ اللّه بن الزُّبير لعَدِيّ بن حاتم‏:‏ متى فُقِئت عينك قال‏:‏ يومَ طعنتُك في آستك وأنت مُولٍّ‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏ ما عَييتُ بجواب أحد قط ما عَييتُ بجواب امرأة وصبيّ ونَبَطيّ فأمّا المَرأة فإني ذهبتُ ببغلتي أسْقيها في النّهر فإذا معشر نِسْوة فلما هَمزت البغلة حَبَقَت فاستضحك النسوة فقلتُ لهن‏:‏ ما أضحككن فوِالله ما حَملتني أنثى إلا فعلتْ مثلَها فقالت امرأة منهن‏:‏ فكيف كان ضُراط أمك قُفيرة فقد حَملتْك في بَطنها تسعةَ أشهر فما وجدتُ لها جواباً وأما الصبيّ فإنّي كنت أنشد بجامع البَصْرة وفي حَلْقتي الكميتُ ابن زَيد وهو صَبيّ فأعْجَبني حًسن استماعه فقلتُ له‏:‏ كيف سمعتَ يا بُني قال لي‏:‏ حَسن قلتُ‏:‏ أفيسرّك أنّي أبوك قال‏:‏ أما أبي فلا أُريد به بَديلًا ولكنْ وَدِدْتُ أن تكون أميّ قلتُ‏:‏ اْسترها عليّ يا بن أخي فما لقيتُ مثلَها وأمّا النبطيّ فإني لَقيتُ نَبطيِّاً بيَثْرب فقال لي‏:‏ أنت الفَرزدق لمحلتُ‏:‏ نعم قال‏:‏ أنت الذي يخَاف الناس لسانَك قلتُ‏:‏ نعم قال‏:‏ فأنت الذي إذا هجوتني يموت فَرس هذا قلتُ‏:‏ لا قال‏:‏ فَيموت وَلدي قلتُ‏:‏ لا قال‏:‏ فأموت أنا قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فأدْخلني اللّه في حِرام الفرزدق مِن رِجْلي إلى عنقي قلت‏:‏ ويلك‏!‏ ولم تركتَ رأسك قال‏:‏ حتى أرَى ما تَصنع الزّانية‏.‏

ولقي جَرير الفرزدقَ بالكوفة فقال‏:‏ أبا فراس تَحتمل عنّي مسألة قال‏:‏ أحتملها بمسألة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فَسَل عمَّا بدا لك قال‏:‏ أيّ شيء أحبّ إليك‏:‏ يتقدّمك الخيرُ أو تَتقدّمه قال‏:‏ لا يتقدّمني ولا أتقدمه ولكنْ أكون معه في قَرَن قال‏:‏ هات مسألتك قال له الفرزدق‏:‏ أيّ شيء أحب إليك إذا دخلتَ على امرأتك‏:‏ أن تجديدها على أَيْر رجل أو تجد يَد رجل على حِرِها قال‏:‏ قاتلك اللّه‏!‏ ما أقبَح كلامَك‏!‏ وأرذلَ لسانك‏!‏ أبو الحسن قال‏:‏ مرٍ الفرزدق يوماً بمسجد الأحامرة وفيه جماعةٌ فيهم أبو المًزرّد الحنفي فقال له الفرزدق‏.‏

يا أخا بني حَنيفة ما شيءٌ لم يكن له أسنان ولا تكون ولو كان لم يَستقم قال‏:‏ لا أَدْري قال‏:‏ يا أبا المزرد إنه سَفيه فإنْ لم تَغضب أخبرتُك قال‏:‏ قُلْ فإني لا أغضب فقال‏:‏ حِرِ أمّك لم تكن له أسْنان ولا تكون ولو كان لم يَسْتقم‏.‏

أبو الحَسن قال‏:‏ لقي الفَرَزدَق عمرو بن عَفْراء فعاتَبه في شيء بَلغه عنه فقال له ابنُ عَفْراء وهو بالمِرْبد‏:‏ ما شيء أحبَّ إليّ مِن أن آتي كلَّ شي تَكْرهه قال له الفرزدقُ‏:‏ باللّه إنّك لأتي كلّ شيء أكرهه قال‏:‏ نعم قال فإني أكْره أن تَأتي أمّك فَأتها‏.‏

ضاف رجلٌ قبيح الوجه دَنيّ الحَسب أبا عبد اللّه الجمّار فجعل يَفْخر ببيته فقال له الجماز‏:‏ اسكت فقَبَاحة وجهك ودُنُوّ حسبك يمنعاننا مِن سَبّك فأبى إلا التَّمادي في اللّجاج فقال له الجمّاز‏:‏ لو كُنْتَ ذا عِرْض هَجَوْناكا أو حسن الوجه لنكناكا جمعتَ مَرْ قُبْحك لؤْماً فلل قُبح أو اللّؤم تَرَكنْاكا