فصل: التعرض للسلطان والرد عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **


  التعرض للسلطان والرد عليه

قالت الحكماء‏:‏ من تعرض للسلطان أرداه ومن تطامن له تخطاه وشبهوه في ذلك بالريح العاصفة التي لا تضر بما لان له من الشجر ومال معها من الحشيش وما استهدف لها من الدواح العظام قصفته‏.‏

قال الشاعر‏:‏ إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت عيدان نبع ولا يعبأن بالرتم وقال حبيب بن أوس - وهو أحسن مل قيل في السلطان -‏:‏ هو السيل إن واجهته انقدت طوعه وتقتاده من جانبيه فيتبع وقال آخر‏:‏ هو السيف إن لاينته لان متنه وحداه إن خاشنته خشنان وقال معاوية لأبي الجهم العدوي‏:‏ أنا أكبر أم أنت فقال‏:‏ لقد أكلت في عرس أمك يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ عند أي أزواجها قال‏:‏ عند حفص ابن المغيرة‏.‏

قال‏:‏ يا أبا الجهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب العصبي ويأخذ أخذ الأسد‏.‏

وأبو الجهم هذا هو القائل في معاوية بن أبي سفيان‏:‏ نميل على جوانبه كأنا نميل إذا نميل على أبينا وقدم عقيبة الأسدي على معاوية ورفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات‏:‏ معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديد أكلتم أرضنا فجردتمونا فهل من قائم أو من حصيد أتطمع بالخلود إذا هلكنا وليس لنا ولا لك من خلود فهبنا أمة هلكت ضياعا يزيد أميرها وأبو يزيد فدعا به معاوية فقال‏:‏ ما جرأك علي قال‏:‏ نصحتك إذ غشوك وصدقتك إذ كذبوك‏.‏

فقال‏:‏ ما أظنك إلا صادقاً وقضى حوائجه‏.‏

ومن حديث زياد عن مالك بن أنس قال‏:‏ خطب أبو جعفر المنصور فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أيها الناس اتقوا الله‏.‏

فقام إليه رجل من عرض الناس فقال‏:‏ أذكرك الله الذي ذكرتنا به يا أمير المؤمنين‏.‏

فأجابه أبو جعفر بلا فكرة ولا روية‏:‏ سمعاً وطاعة لمن ذكر بالله وأعوذ بالله أن أذكر به وأنساه فتأخذني العزة بالإثم فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين وأما أنت فوالله ما الله أردت بها ولكن ليقال‏:‏ قال فعوقب فصبر وأهون بها لو كانت وأنا أحذركم أيها الناس أختها فإن الموعظة علينا نزلت ومنا أخذت‏.‏

ثم رجع إلى موضعه من وقام رجل إلى هارون الرشيد وهو يخطب بمكة فقال‏:‏ ‏"‏ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ‏"‏‏.‏

فأمر به فضرب مائة سوط‏.‏

فكان يئن الليل كله ويقول‏:‏ الموت‏!‏ الموت‏!‏ فأخبر هارون الرشيد أنه رجل صالح فأرسل إليه فاستحله فأحله‏.‏

المدائني قال‏:‏ جلس الوليد بن عبد الملك على المنبر يوم الجمعة حتى اصفرت الشمس فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الوقت لا ينتظرك وإن الرب لا يعذرك‏.‏

قال صدقت‏:‏ ومن قال مثل مقالتك فلا ينبغي له أن يقوم مثل مقامك‏.‏

من ها هنا من أقرب الحرس يقوم إليه فيضرب عنقه الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ خاطر رجل رجلاً أن يقوم إلى معاوية إذا سجد فيضع يده على كفله ويقول‏:‏ سبحان الله يا أمير المؤمنين‏!‏ ما أشبه عجيزتك بعجيزة أمك هند‏!‏ ففعل ذلك‏.‏

فلما انفتل معاوية عن صلاته قال‏:‏ لا يا بن أخي إن أبا سفيان كان إلى ذلك منها أميل فخذ ما جعلوا لك فأخذه‏.‏

ثم خاطر أيضاً أن يقوم إلى زياد وهو في الخطبة فيقول له‏:‏ أيها أمير من أبوك ففعل‏.‏

فقال له زياد‏:‏ هذا يخبرك وأشار إلى صاحب الشرطة فقدمه فضرب عنقه‏.‏

فلما بلغ معاوية قال‏:‏ ما قتله غيري ولو أدبته على الأولى ما عاد إلى الثانية‏.‏

وخاطر رجل إلى أن يقوم إلى عمرو بن العاص وهو في الخطبة فيقول‏:‏ أيها الأمير من أمك ففعل‏.‏

فقال له‏:‏ النابغة بنت عبد الله أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ فاشتراها عبد الله بن جدعان للعاص بن وائل فولدت فأنجبت فإن كانوا جعلوا شيئاً فخذه‏.‏

دخل خريم الناعم على معاوية بن أبي سفيان فنظر معاوية إلى ساقيه فقال‏:‏ أي ساقين لو أنهما على جارية‏!‏ فقال له خريم‏:‏ في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ واحدة بأخرى والبادئ أظلم‏.‏

  تحلم السلطان على أهل الدين والفضل إذا اجترءوا عليه

زياد عن مالك بن أنس قال‏:‏ بعث أبو جعفر المنصور إلي وإلى ابن طاوس فأتيناه فدخلنا عليه فإذا هو جالس على فرش قد نضدت وبين يديه أنطاع قد بسطت وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق‏.‏

فأموا إلينا‏:‏ أن اجلسا‏.‏

فجلسنا‏.‏

فأطرق عنا طويلاً ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس فقال له‏:‏ حدثني عن أبيك‏.‏

قال‏:‏ نعم سمعت أبي يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله‏.‏

فأمسك ساعة‏.‏

قال مالك‏:‏ فضممت ثيابي من ثيابه مخافة أن يملأني من دمه‏.‏

ثم التفت إليه أبو جعفر فقال‏:‏ عظني يا ابن طاوس‏.‏

قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ ألم تر كيف فعل ربك بعاد‏.‏

إرم ذات العماد‏.‏

التي لم يخلق مثلها في البلاد‏.‏

وثمود الذين جابوا الصخر بالواد‏.‏

وفرعون ذي الأوتاد‏.‏

الذين طغوا في البلاد‏.‏

فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد ‏"‏‏.‏

قال مالك‏:‏ فضممت ثيابي مخافة أن يملأ ثيابي من دمه‏.‏

فأمسك ساعة حتى اسود ما بيننا وبينه‏.‏

ثم قال‏:‏ يا ابن طاوس ناولني هذه الدواة‏.‏

فأمسك عنه ثم قال‏:‏ ناولني هذه الدواة‏:‏ فأمسك عنه‏.‏

فأمسك عنه‏.‏

فقال‏:‏ ما يمنعك أن تناولنيها قال‏:‏ أخشى أن تكتب بها معصية الله فأكون شريكك فيها‏.‏

فلما سمع ذلك قال‏:‏ قوماً عني قال ابن طاوس‏:‏ ذلك ما كنا نبغي منذ اليوم‏.‏

قال مالك‏:‏ فما زلت أعرف لا بن طاوس فضله‏.‏

أبو بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ قام أبو هريرة إلى مروان بن الحكم وقد أبطأ بالجمعة فقال له‏:‏ أتظل عن ابنة فلان تروحك بالمراوح وتسقيك الماء البارد وأبناء المهاجرين والأنصار يصهرون من الحر‏!‏ لقد هممت أن أفعل وأفعل ثم قال‏:‏ اسمعوا من أميركم‏.‏

فرج بن سلام بن أبي حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ حدثني رجل من أهل المدينة كان ينزل بشق سمعت أبا جعفر بالمدينة وهو بنظر فيما بين رجل من قريش وأهل بيت من المهاجرين بالمدينة ليسوا من قريش فقالوا لأبي جعفر‏:‏ اجعل بيننا وبينه ابن أبي ذئب‏.‏

فقال أبو جعفر لابن أبي ذئب‏:‏ ما تقول في بني فلان قال أشرار من أهل بيت أشرار‏.‏

قالوا‏:‏ اسأله يا أمير المؤمنين عن الحسن بن زيد وكان عامله على المدينة - قال‏:‏ ما تقول في الحسن بن زيد قال‏:‏ يأخذ بالإحنة ويقضي بالهوى‏.‏

فقال الحسن‏:‏ يا أمير المؤمنين والله لو سألته عن نفسك لرماك بداهية أو وصفك بشر‏.‏

قال‏:‏ ما تقول في قال‏:‏ اعفني‏.‏

قال‏:‏ لا بد أن تقول‏.‏

قال‏:‏ لا تعدل في الرعية ولا تقسم بالسوية‏.‏

قال‏:‏ فتغير وجه أي جعفر‏.‏

فقال إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي صاحب الموصل‏:‏ طهرني بدمه يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ اقعد يا بني فليس في دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله طهور‏.‏

قال‏:‏ ثم تدارك ابن أبي ذئب الكلام فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين دعنا مما نحن فيه بلغني أن لك ابنا صالحاً بالعراق يعني المهدي‏.‏

قال‏:‏ أما إنك قلت ذلك إنه الصوام القوام البعيد ما بين الطرفين‏.‏

قال ثم قام ابن أبي ذئب فخرج‏.‏

فقال أبو جعفر‏:‏ أما والله ما هو بمستوثق العقل ولقد قال بذات نفسه‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ ابن أبي ذئب من بني عامر بن لؤي من أنفسهم‏.‏

قال‏:‏ ودخل الحارث بن مسكين على المأمون فسأله عن مسألة فقال‏:‏ أقول فيها كما قال مالك بن أنس لأبيك هارون الرشيد - وذكر قوله فلم يعجب المأمون - فقال‏:‏ لقد تيست فيها وتيس مالك‏.‏

قال الحارث بن مسكين‏:‏ فالسامع يا أمير المؤمنين من التيسين أتيس‏.‏

فتغير وجه المأمون‏.‏

وقام الحارث بن مسكين فخرج وتندم على ما كان من قوله‏.‏

فلم يستقر منزله حتى أتاه رسول المأمون فأيقن بالشر ولبس ثياب أكفانه ثم أقبل حتى دخل عليه فقربه المأمون من نفسه ثم أقبل عليه بوجهه فقال له‏:‏ يا هذا إن الله تبارك وتعالى قد أمر من هو خير منك بإلانة القول لمن هو شر مني فقال لنبيه موسى صلى الله عليه وسلم إذ أرسله إلى فرعون‏:‏ ‏"‏ فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى ‏"‏‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أبوء بالذنب وأستغفر الرب‏.‏

قال‏:‏ عفا الله عنك انصرف إذا شئت‏.‏

وأرسل أبو جعفر إلى سفيان الثوري فلما دخل عليه قال‏:‏ عظني أبا عبد الله قال‏:‏ وما عملت يا أمير المؤمنين فيما علمت فأعظك فيما جهلت فما وجد له المنصور جواباً‏.‏

ودخل أبو النضر سالم مولى عمر بن عبد الله على عامل للخليفة فقال له‏:‏ أبا النضر إنا تأتين كتب من عند الخليفة فيها وفيها ولا نجد بداً من إنفاذها فما ترى قال له أبو النضر‏:‏ قد أتاك كتاب الله تعالى قبل كتاب الخليفة فأيهما اتبعت كنت من أهله‏.‏

ونظير هذا القول ما رواه الأعمش عن الشعبي‏:‏ أن زياداً كتب إلى الحكم بن عمرو الغفاري وكان على الصائفة‏:‏ إن أمير المؤمنين معاوية كتب إلي يأمرني أن أصطفي له الصفراء والبيضاء فلا تقسم بين الناس ذهباً ولا فضة واقسم ما سوى ذلك‏.‏

فكتب إليه‏:‏ إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين والله لو أن السموات والأرض كانتا رتقاً على عبد فاتقى الله لجعل له منهما مخرجاً‏.‏

ثم نادى في الناس فقسم فيهم ما اجتمع له من الفيء‏.‏

ومثله قول الحسن حين أرسل إليه ابن هبيرة وإلى الشعبي فقال له‏:‏ ما ترى أبا سعيد في كتب تأتينا من عند يزيد بن عبد الملك فيها بعض ما فيها فإن أنفذتها وافقت سخط الله وإن لم أنفذها خشيت على دمي فقال له الحسن‏:‏ هذا عندك الشعبي فقيه أهل الحجاز‏.‏

فرقق له الشعبي وقال له‏:‏ قارب وسدد فإنما أنت عبد مأمور‏.‏

ثم التفت ابن هبيرة إلى الحسن وقال‏:‏ ما تقول يا أبا سعيد فقال الحسن‏:‏ يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله‏.‏

يا ابن هبيرة إن الله مانعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله‏.‏

يا ابن هبيرة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فانظر ما كتب إليك فيه يزيد فاعرضه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله تعالى فأنفذه وما خالف كتاب الله فلا تنفذه فإن الله أولى بك من يزيد وكتاب الله أولى بك من كتابه‏.‏

فضرب ابن هبيرة بيده على كتف الحسن وقال‏:‏ هذا الشيخ صدقني ورب الكعبة‏.‏

وأمر للحسن بأربعة آلاف درهم وأمر للشعبي بألفين‏.‏

فقال الشعبي‏:‏ رققنا فرفق لنا‏.‏

ونظير هذا قول الأحنف بن قيس لمعاوية حين شاوره في استخلاف يزيد فسكت عنه‏.‏

فقال‏:‏ ما لك لا تقول فقال‏:‏ إن صدقناك أسخطناك وإن كذبناك أسخطنا الله فسخط أمير المؤمنين أهون علينا من سخط الله‏.‏

فقال له‏:‏ صدقت‏.‏

وكتب أبو الدرداء إلى معاوية أما بعد‏:‏ فإنه من يلتمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس‏.‏

وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية‏:‏ أما بعد فإنه من يعمل بمساخط الله يصر حامده من الناس ذاماً له والسلام‏.‏

أبو الحسن المدائني قال‏:‏ خرج الزهري يوماً من عند هشام فقال‏:‏ ما رأيت مثل أربع كلمات تكلم به اليوم إنسان عند هشام‏.‏

قيل له‏:‏ و ما هن قال‏:‏ دخل رجل على هشام فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين احفظ عني أربع كلمات فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك فقال هاتهن‏.‏

فقال‏:‏ لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها‏.‏

قال‏:‏ هذه واحدة فهات الثانية‏.‏

قال‏:‏ لا يغرنك المرتقى وإن كان سهلاً إذا كان المنحدر وعراً‏.‏

قال‏:‏ هات الثالثة‏.‏

قال‏:‏ إن للأعمال جزاء فاتق العواقب‏.‏

قال هات الرابعة‏.‏

قال‏:‏ واعلم أن للأمور بغتات فكن على حذر‏.‏

قعد معاوية بالكوفة يبايع الناس على البراءة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نتبرأ من موتاكم فالتفت إلى المغيرة فقال له‏:‏ هذا رجل فاستوص به خيراً‏.‏

وقال عبد الملك بن مروان للحارث بن عبد الله بي أبي ربيعة‏:‏ ما كان يقول الكذاب في كذا وكذا - يعني ابن الزبير - فقال‏:‏ ما كان كذاباً‏.‏

فقال له يحيى بن الحكم‏:‏ من أمك يا حار قال‏:‏ هي التي تعلم‏.‏

قال له عبد الملك‏:‏ اسكت فهي أنجب من أمك‏.‏

دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فقال له‏:‏ ما حديث يحدثنا به أهل الشام قال‏:‏ يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبداً رعيته كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات‏.‏

قال‏:‏ باطل يا أمير المؤمنين أنبي خليفة أكرم على الله أم خليعة غير نبي قل‏:‏ بل نبي خليفة‏.‏

قال‏:‏ فإن الله تعالى يقول لنبيه داور عليه السلام‏:‏ ‏"‏ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله‏.‏

إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ‏"‏‏.‏

فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة فما ظنك بخليفة غير نبي قال‏:‏ إن الناس ليغووننا عن ديننا‏.‏

الأصمعي عن إسحاق بن يحيى عن عطاء بن يسار قال‏:‏ قلت للوليد بن عبد الملك‏:‏ قال عمر بن الخطاب‏:‏ وددت أني خرجت من هذا الأمر كفافاً لا علي ولا لي‏.‏

فقال‏:‏ كذبت‏.‏

فقلت‏:‏ أو المشورة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما ندم من استشار ولا خاب من استخار‏.‏

وقدر أمر الله تبارك وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بمشاورة من هو دونه في الرأي والحزم فقال‏:‏ ‏"‏ وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ‏"‏‏.‏

ولما هممت ثقيف بالارتداد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم استشاروا عثمان بن أبي العاص وكان مطاعاً فيهم فقال لهم‏:‏ لا تكونوا آخر العرب إسلاماً وأولهم ارتداداً‏.‏

فنفعهم الله برأيه‏.‏

وسئل بعض الحكماء‏:‏ أي الأمور أشد تأييداً للفتى وأيتها أشد إضراراً به فقال‏:‏ أشدها تأييداً له ثلاثة‏:‏ مشاورة العلماء وتجربة الأمور وحسن التثبت‏.‏

وأشدها إضراراً به ثلاثة أشياء‏:‏ الاستبداد والتهاون والعجلة‏.‏

وأشار حكيم على حكيم برأي فقبله منه‏.‏

فقال له‏:‏ لقد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمره وسهله بوعره ويحرك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره‏.‏

وقد وعيت النصح وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشك في مودته وصفاء غيبه ونصح جيبه وما وكان عبد الله بن وهب الراسي يقول‏:‏ إياكم والرأي الفطير‏.‏

وكان يستعيذ بالله من الرأي الدبري‏.‏

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول‏:‏ رأي الشيخ خير من مشهد الغلام‏.‏

وأوصى ابن هبيرة ولده فقال‏:‏ لا تكن أول مشير وإياك والهوى والرأي الفطير ولا تشيرن على مستبد ولا على وغد ولا على متلون ولا لجوج وخف الله في موافقة هوى المستشير‏.‏

فإن النماس موافقته لؤم وسوء الاستماع منه خيانة‏.‏

وكان عامر بن الظرب حاكم العرب يقول‏:‏ دعوا الرأي يغب حتى يختمر وإياكم والرأي الفطير‏.‏

يريد الأناة في الرأي والتثبت فيه‏.‏

ومن أمثالهم في هذا قولهم‏:‏ لا رأي لمن لا يطاع‏.‏

وكان المهلب يقول‏:‏ إن من البلية أن يكون الرأي بيد من يملكه دون من يبصره‏.‏

العتبي‏:‏ قال‏:‏ قيل لرجل من عبس‏:‏ ما أكثر صوابكم‏!‏ قال نحن ألف رجل وفينا حازم واحد فنحن نشاوره فكأنا ألف حازم‏.‏

قال الشاعر‏:‏ الرأي كالليل مسود جوانبه والليل لا ينجلي إلا بإصباح فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح العتبي قال‏:‏ أخبرني من رأى عبد الله بن عبد الأعلى وهو أول داخل على الخليفة وآخر خارج من عنده‏.‏

قال‏:‏ ثم رأيته وإنه ليتقى كما يتقى البعير الأجرب فقال لي‏:‏ يا أخا العراق اتهمنا القوم في سريرتنا ولم يقبلوا منا علانيتنا ومن ورائهم وورائنا حكم عدل‏.‏

ومن أحسن ما قيل فيمن أشير عليه فلم يقبل قول سبيع لأهل اليمامة بعد إيقاع خالد بهم‏:‏ يا بني حنيفة بعدا لكم كما بعدت عاد وثمود‏.‏

أما والله لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندامة وإني لما رأيتكم تتهمون النصيح وتسفهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء‏.‏

والله ما منعكم الله التوبة ولا أخذكم على غرة ولقد أمهلكم حتى مل الواعظ ووهن الموعوظ‏.‏

وكنتم كأنما يعنى بما أتم فيه غيركم فأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق‏.‏

ومن نصيحتي الندامة وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلكم الجزع وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون‏.‏

وقال القطامي في هذا المعنى‏:‏ ومعصية الشفيق عليك مما تزيدك مرة منه استماعا وخير الأمر ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعا كذاك وما رأيت الناس إلا إلى ما جر غاويهم سراعا وكان يقال‏:‏ لا تستشر معلماً ولا حائكاً ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء‏.‏

وأنشد في المعلمين‏:‏ وكيف يرجى العقل والرأي عند من يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل وكان يقال‏:‏ لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها‏.‏

وكان يقال‏:‏ لا رأي لحاقن ولا حازق وهو الذي ضغطه الخف ولا لحاقب وهو الذي يحد رزا في بطنه‏.‏

وينشد في الرأي بعد فوته‏:‏ وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فات أمر عاتب القدرا ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ فلئن سمعت نصيحتي وعصيتها ما كنت أول ناصح معصي وقال حبيب في بني تغلب عند إيقاع مالك بن طوق بهم‏:‏ لم يألكم مالك صفحاً ومغفرةً ولو ينفخ قين الحي في فحم

  حفظ الأسرار

وقالوا‏:‏ سرك من دمك فانظر أين تريقه‏.‏

يعنون أنه ربما كان في إفشائه سفك دمك‏.‏

وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف‏:‏ ولا تفش سرك إلا إليك فإن لكل نصيح نصيحا فإني رأيت غواة الرجا ل لا يتركون أديماً صحيحا وقالت الحكماء‏:‏ ما كنت كاتمه من عدوك فلا تطلع عليه صديقك‏.‏

وقال عمرو بن العاص‏:‏ ما استودعت رجلاً سراً فأفشاه فلمته لأني كنت أضيق صدراً منه حين استودعته إياه حتى أفشاه‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق قيل لأعرابي‏:‏ كيف كتمانك للسر أجحد المخبر وأحلف للمستخبر‏.‏

وقيل لآخر‏:‏ كيف كتمانك للسر قال‏:‏ ما قلبي له إلا قبر‏.‏

وقال المأمون‏:‏ الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة أشياء‏:‏ القدح في الملوك وإفشاء السر والتعرض للحرم‏.‏

وقال الوليد بن عتبة لأبيه‏:‏ إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك أفلا أحدثك به قال‏:‏ لا يا بني إنه من كتم سره كان الخيار له ومن أفشاه كان الخيار عليه فلا تكن مملوكاً بعد أن كنت مالكاً‏.‏

وفي كتاب التاج‏.‏

أن بعض ملوك العجم استشار وزيريه فقال أحدهما‏:‏ لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحد إلا خالياً به فإنه أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض‏.‏

فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين وإفشائه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة لأن الواحد رهن بما أفشي والثاني مطلق عنه بذلك الرهن والثالث علاوة فيه فإذا كان السر عند واجد كان أحرى أن لا يظهره رغبة ورهبة وإن كان اثنين دخلت على الملك الشبهة‏.‏

واتسعت على الرجلين المعاريض فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد وإن اتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه‏.‏

ومن أحسن ما قالت الشعراء في السر قول عمر بن أبي ربيعة‏:‏ فقالت وأرخت جانب الستر إنما معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي فقلت لها ما بي لهم من ترقب ولكن سرى ليس يحمله مثلي وقال أبو محجن الثقفي‏:‏ قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض وأكتم السر فيه ضربة العنق وقال الحطيئة يهجو‏:‏ أغربالاً إذا استودعت سراً وكانونا على المتحدثينا الإذن قال زياد لحاجبه عجلان‏:‏ كيف تأذن للناس قال‏:‏ على البيوتات ثم على الأسنان ثم على الآداب‏.‏

قال فمن تؤخر قال‏:‏ من لا يعبأ الله بهم‏.‏

قال‏:‏ ومن هم قال‏:‏ الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف وكسوة الصيف في الشتاء‏.‏

وكان سعيد بن عتبة بن حصين إذا حضر باب أحد من السلاطين جلس جانباً فقيل له‏:‏ إنك لتباعد من الآذن جهدك‏.‏

قال‏:‏ لأن أدعى من بعيد خير من أن أقصى من قريب ثم قال‏:‏ وإن مسيري في البلاد ومنزلي هو المنزل الأقصى إذا لم أقرب ولست وإن أدنيت يوماً ببائع خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب وقد عده قوم تجارة رابح ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي وقال آخر‏:‏ ونحن جلوس ساكنون رزانة وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا وقف الأحنف بن قيس ومحمد بن الأشعث بباب معاوية فأذن للأحنف ثم أذن لابن الأشعث فأسرع في مشيته حتى تقدم الأحنف ودخل قبله‏.‏

فلما رآه معاوية غمه ذلك وأحنقه فالتفت إليه فقال‏:‏ والله إني ما أذنت له قبلك وأنا أريد أن تدخل قبله‏.‏

وإنا كما نلي أموركم كذلك نلي آدابكم ولا يزيد متزيد في خطوه إلا لنقص يجده من نفسه‏.‏

وقال هشام الرقاشي‏:‏ أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة وفي العتاب حياة بين أقوام قدمت قبلي رجالاً ما يكون لهم في الحق أن يلجوا الأبواب قدامى لو عد قوم وقوم كنت أقربهم قربى وأبعدهم من منزل الذام حتى جعلت إذا ما حاجة عرضت بباب قصرك أدلوها بأقوام قيل لمعاوية‏:‏ إن آذنك يقدم معارفه في الإذن على وجوه الناس‏.‏

قال‏:‏ وما عليه إن المعرفة لتنفع في الكلب العقور والسبع الهصور والجمل الصؤول فكيف في رجل حسيب ذي كرم ودين وقالت الحكماء‏:‏ لا يواظب أحد على باب السلطان فيلقي عن نفسه الأنفة ويحمل الأذى ويكظم وقالوا‏:‏ من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ كم من فتىً قصرت في الرزق خطوته أصبته بسهام الرزق قد فلجا إن الأمور إذا انسدت مسالكها فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسن - وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبر - أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا ونظر رجل إلى روح بن حاتم واقفاً في الشمس عند باب المنصور فقال له‏:‏ قد طال وقوفك في الشمس فقال‏:‏ ليطول وقوفي في الظل‏.‏

ونظر آخر إلى الحسن بن عبد الحميد يزاحم الناس على باب محمد بن سليمان فقال له‏:‏ أمثلك يرضى بهذا فقال‏:‏ أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ولا يكرم النفس الذي لا يهينها وفي كتاب للهند‏:‏ إن السلطان لا يقرب الناس لقرب آبائهم ولا يبعدهم لبعدهم ولكن ينظر ما عند كل رجل منهم فيقرب البعيد لنفعه ويبعد القريب لضره وشبهوا ذلك بالجرذ الذي هو في البيت مجاور فمن أجل ضره نفي والبازي الذي هو وحشي فمن أجعل نفعه اقتني‏.‏

استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال‏:‏ أألج فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه‏:‏ اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان وقل له يقول‏:‏ السلام عليكم أأدخل‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع‏.‏

وقال النبي عليه السلام الأولى أذن والثانية مؤامرة والثالثة عزمة إما أن يأذنوا وإما أن يرجع‏.‏

الحجاب قال زياد لحاجبه‏:‏ يا عجلان إني وليتك حجابتي وعزلتك عن أربع‏:‏ هذا المنادى إلى الله في الصلاة والفلاح لا تحجبه عني فلا سلطان لك عليه وطارق الليل لا تحجبه فشر ما جاء به ولو كان في تلك الساعة ورسول الثغر فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة فأدخله علي وإن كنت في لحافي وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد‏.‏

ووقف أبو سفيان بباب عثمان بن عفان وقد اشتغل ببعض مصالح المسلمين فحجبه‏.‏

فقال له رجل وأراد أن يغريه‏:‏ يا أبا سفيان ما كنت أرى أن تقف بباب مضري فيحجبك‏.‏

فقال أبو سفيان‏:‏ لا عدمت من قومي من أقف ببابه فيحجبني‏.‏

استأذن أبو الدرداء على معاوية فحجبه فقال‏:‏ من يغش أبواب الملوك يقم ويقعد ومن يجد وقال محمود الوراق‏:‏ شاد الملوك قصورهم فتحصنوا من كل طالب حاجة أو راغب غالوا بأبواب الحديد لعزها وتنوقوا في قبح وجه الحاجب فإذا تلطف للدخول عليهم راج تلقوه بوعد كاذب فاطلب إلى ملك الملوك ولا تكن بادي الضراعة طالباً من طالب سعيد بن مسلم قال‏:‏ كنت واليا بإرمينية فغبر أبو هفان أياما ببابي ولا أعلم به فلما وصل إلي مثل قائماً بين السماطين وقال‏:‏ والله إني لأعرف أقواماً لو علموا أن سف التراب يقيم من أود أصلابهم لجعلوه مسكة لأرماقهم إيثاراً للتنزه عن عيش رقيق الحواشي‏.‏

أما والله إني لبعيد الوثبة بطيء العطفة‏.‏

إن الله ما يثنيني عنك إلا ما يصرفك عني ولأن أكون مقلاً مقرباً أحب إلي من أكون مكثراً مبعداً‏.‏

والله ما نسأل عملاً لا نضبطه ولا مالاً ونحن أكثر منه‏.‏

وهذت الأمر الذي قد صار إليك وفي يديك كان في يد غيرك قبلك فأمسوا والله حديثاً إن خيراً فخير وإن شراً فشر‏.‏

فتجنب إلى عباد الله وبغضهم موصول ببغضه لأنهم شهداء الله على خلقه ورقباؤه على من اعوج عن سبيله‏.‏

أبو مسهر قال‏:‏ أتيت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن عبد كان فحجبت فكتبت إليه‏:‏ وقد علمت بأني لم أرد و - لا والله - ما رد إلا العلم والأدب فأجابني محمد بن عبد الله بن عبد كان فقال‏:‏ لو كنت كافأت بالحسنى لقلت كما قال ابن أوس وفيما قاله أدب‏:‏ ليس الحجاب بمقص عنك أي أملاً إن السماء ترجى حين تحتجب وقف بباب محمد بن منصور رجل من خاصته فحجب عنه فكتب إليه‏:‏ علي أي باب أطلب الإذن بعد ما حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه وقف أبو العتاهية إلى باب بعض الهاشميين فطلب الإذن فقيل له‏:‏ تكون لك عودة فقال‏:‏ لئن عدت بعد اليوم إني لظالم سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم متى يظفر الغادي إليك بحاجة ونصفك محجوب ونصفك نائم ونظير هذا المعنى للعتابي حيث يقول‏:‏ قد أتيناك للسلام مراراً غير من منا بذاك المزار فإذا أنت في استتارك باللي - ل على مثل حالنا بالنهار وقف رجل بباب أبي دلف فأقام حيناً لا يصل إليه فتلطف برقعة أوصلها إليه وكتب فيها‏:‏ إذا كان الكريم له حجاب فما فضل الكريم على الليئم إذا كان الكريم قليل مال ولم يعذر تعلل بالحجاب وأبواب الملوك محجبات فلا تستعظمن حجاب بابي وقال حبيب الطائي في الحجاب‏:‏ سأترك هذا الباب ما دام إذنه على ما أرى حتى يلين قليلا فما خاب من لم يأته متعمداً ولا فاز من قد نال منه وصولا ولا جعلت أرزاقنا بيد امرئ حمى بابه من أن ينال دخولا إذا لم نجد للإذن عندك موضعاً وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا وأنشد أبو بكر بن العطار‏:‏ مالك قد حلت عن وفائك واس - تبدلت يا عمرو شيمة كدره لستم ترجون للحساب ولا يوم تكون السماء منفطره قد كان وجهي لديك معرفة فاليوم أضحى بابا من النكرة وقال غيره‏:‏ أتيتك للتسليم لا أنني امرؤ أردت بإتيانيك أسباب نائلك وقال أبو نواس الحسن بن هانئ‏:‏ أيها الراكب المغذ إلى الفض - ل ترفق فدون فضل حجاب ونعم هبك قد وصلت إلى الفض - ل فهل في يديك إلا التراب وقال آخر وهو محمد البغدادي‏:‏ حجابك من مهابته عسير وخيرك في تزيده يسير خرجت كما دخلت إليك إلا غبار طار في خفي كثير وقال آخر وهو العتابي‏:‏ حجابك ليس يشبهه حجاب وخيرك دون مطلبه السحاب ونومك نوم من ورد المنايا فليس له إلى الدنيا إياب وقال غيره‏:‏ أنا بالباب واقف منذ أصبح - ت على السرج ممسكاً بعناني وبعين البواب كل الذي بي ويراني كأنه لا يراني وقال غيره‏:‏ إذا ما أتيناه في حاجة رفعنا الرقاع له بالقصب وقال أبو بشير‏:‏ حجبني بعض كتاب العسكر فكتبت إليه‏:‏ إن من لم يرفعه الإذن لم يضعه الحجاب‏.‏

وأنا أرفعك عن هذه المنزلة وأرغب بقدرك عن هذه الخليفة وكل من قام منزلك عظم قدره أو صغر وحاول حجاب الخليفة أمكنه‏.‏

فتأمل هذه الحال وانظر إليها بعين الفهم ترها في أقبح صورة وأدنى منزلة‏.‏

وقد قلت في ذلك‏:‏ إذا كنت تأتي المرء تعظم حقه ويجهل منك الحق فالهجر أوسع وفي الناس أبدال وفي الهجر راحة وفي الناس عمن لا يواتيك مقنع وإن امرأ يرضى الهوان لنفسه حري بجدع الأنف والأنف أسنع وقال آخر‏:‏ يا أبا موسى وأنت فتى ماجد حلو ضرائبه كن على منهاج معرفة إن وجه المرء حاجبه فيه تبدو محاسنه وبه تبدو معايبه وأنشد حسين الجمل - وبكر إلى باب سليمان بن وهب فحجبه الحاجب وأدخل ابن سعوة وحمدويه - قال‏:‏ لا ولا عن طعامه التافه النز - ر الذي حوله لطام بنيه بل حجبنا به عن الخسف والمس - خ وذاك التبريق والتمويه فجزى الله حاجباً لك فظاً كل خير عنا إذا يجزيه فلقد سرني دخول أبي سع - وة دوني وبعده حمدويه إن ذبحي نذالة قد تأتى من صباحي بقبح تلك الوجوه وقال أحمد بن محمد البغدادي في الحسن بن وهب الكاتب‏:‏ ومستنب عن الحسن بن وهب وعما فيه من كرم وخير أتاني كي أخبره بعلمي فقلت له سقطت على الخبير هو الرجل المهذب غير أني أراه كثير إرخاء الستور وأكثر ما يغنيه فتاه حسين حين يخلو للسرور‏:‏ ولولا الريح أسمع أهل حجر صليل البيض تقرع بالذكور ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ ما بال بابك محروساً ببواب يحميه من طارق يأتي ومنتاب ووقف حبيب بن أوس الطائي بباب مالك بن طوق فحجب عنه‏.‏

فكتب إليه يقول‏:‏ قل لا بن طوق رحى سعد إذ طحنت نوائب الدهر أعلاها وأسفلها‏:‏ أصبحت حاتمها جوداً وأحنفها حلماً وكيسها علماً ودغفلها ما لي أرى القتبة البيضاء مقفلة دوني وقد طالما استفحت مقفلها أظنها جنة الفردوس معرضة وليس لي عمل زاك فأدخلها

  باب من الوفاء والغدر

قال مروان بن محمد لعبد الحميد الكاتب حين أيقن بزوال ملكه‏:‏ قد احتجت إلى أن تصير مع عدوي وتظهر الغدر بي فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن نفع حرمي بعد موتي‏.‏

فقال عبد الحميد‏:‏ إن الذي أمرت به أنفع الأشياء لك وأقبحها بي وما عندي غير الصبر معك حتى يفتح الله عليك أو أقتل معك‏.‏

وأنشأ يقول‏:‏ أسر وفاء ثم أظهر غدرة فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره أبو الحسن المدائني قال‏:‏ لما قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد بعد ما صالحه وكتب إليه أماناً وأشهد شهوداً قال عبد الملك بن مروان لرجل كان يستشيره ويصدر عن رأيه إذا ضاق به الأمر‏:‏ ما رأيك في الذي كان مني قال‏:‏ أمر قد فات دركه‏.‏

قال‏:‏ لتقولن‏.‏

قال‏:‏ حزم لو قتلته وحييت‏.‏

قال‏:‏ أو لست بحي فقال‏:‏ ليس بحي من أوقف نفسه موقفاً لا يوثق له بعهد ولا بعقد‏.‏

قال عبد الملك‏:‏ كلام لو سبق سماعه فعلى لأمسكت‏.‏

المدائني قال‏:‏ لما كتب أبو جعفر أمان ابن هبيرة واختلف فيه الشهود أربعين يوماً ركب في رجال معه حتى دخل على المنصور فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن دولتكم هذه جديدة فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها لتسرع محبتكم إلى قلوبهم ويعذب ذكركم على ألسنتهم وما زلت منتظراً لهذه الدعوة‏.‏

فأمر أبو جعفر برفع الستر بينه وبينه فنظر إلى وجهه وباسطه بالقول حتى اطمأن قلبه‏.‏

فلما خرج قال أبو جعفر لأصحابه‏.‏

عجبا لمن يأمرني بقتل مثل هذا‏!‏ ثم قتله بعد ذلك غدراً‏.‏

وقال أبو جعفر لسلم بن قتيبة‏:‏ ما ترى في قتل أبي مسلم قال سلم‏:‏ ‏"‏ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ‏"‏ قال حسبك الله أبا أمية‏.‏

قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ كان بنو سعد بن تميم أغدر العرب وكانوا يسمون الغدر في الجاهلية‏:‏ كيسان فقال فيهم الشاعر‏:‏ إذا كنت في سعد وخالك منهم غريباً فلا يغررك خالك من سعد إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد الولاية والعزل قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرة وندامة فنعمت وقال المغيرة بن شعبة‏:‏ أحب الإمارة لثلاث وأكرهها لثلاث أحبها لرفع الأولياء ووضع الأعداء واسترخاص الأشياء‏.‏

وأكرهها لروعة البريد وموت العزل وشماتة الأعداء‏.‏

وقال ولد ابن شبرمة القاضي‏:‏ كنت جالساً مع أبي قبل أن يلي القضاء فمر به طارق بن أبي زياد في موكب نبيل وهو وإلى البصرة فلما رآه أبي تنفس الصعداء وقال‏:‏ أراها وإن كانت تحب كأنها سحابة صيف عن قريب تقشع ثم قال‏:‏ اللهم لي ديني ولهم دنياهم‏.‏

فلما ابتلى بالقضاء قلت له يا أبت أتذكر يوم طارق قال‏:‏ يا بني إنهم يجدون خلفاً من أبيك وإن أباك حط في أهوائهم وأكل من حلوائهم‏.‏

قيل لعبد الله بن الحسن‏:‏ إن فلاناً غيرته الولاية قال‏:‏ من ولي ولاية يراها أكبر منه تغير لها ومن ولى ولاية يرى نفسه أكبر منها لم يتغير لها‏.‏

ولما عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المغيرة بن شعبة عن كتابة أبي موسى قال له‏:‏ أعن عجز أم خيانة يا أمير المؤمنين قال‏:‏ لا عن واحدة منهما ولكني أكره أن أحمل فضل عقلك على العامة‏.‏

وكتب زياد إلى معاوية‏:‏ قد أخذت العراق بيميني وبقيت شمالي فارغة يعرض له بالحجاز - فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فرفع يده إلى السماء وقال‏:‏ اللهم اكفنا شمال زياد‏.‏

فخرجت في ولقي عمر بن الخطاب أبا هريرة فقال له‏:‏ ألا تعمل قال‏:‏ لا أريد العمل‏.‏

قال‏:‏ قد طلب العمل من هو خير منك يوسف عليه الصلاة والسلام‏.‏

قال‏:‏ اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم‏.‏

المدائني قال‏:‏ كان بلال بن أبي بردة ملازماً لباب خالد بن عبد الله القسري فكان لا يركب خالد إلا رآه في موكبه فبرم به فقال لرجل من الشرط‏:‏ إئت ذلك الرجل صاحب العمامة السوداء فقل له‏:‏ يقول لك الأمير‏:‏ ما لزومك بابي وموكبي‏!‏ إني لا أوليك ولاية أبداً‏.‏

فأتاه الرسول فأبلغه‏.‏

فقال له بلال‏:‏ هل أنت مبلغ عني الأمير كما بلغتني عنه قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ قل له‏:‏ والله لئن وليتني لا عزلتني‏.‏

فأبلغه ذلك‏.‏

فقال خالد‏:‏ قاتله الله‏!‏ إنه ليعد من نفسه بكفاية‏.‏

فدعاه فولاه‏.‏

وأراد عمر ابن الخطاب أن يستعمل رجلاً فبادر الرجل فطلب منه العمل‏.‏

فقال له عمر‏:‏ والله لقد كنت أردتك لذلك ولكن من طلب هذا الأمر لم يعن عليه‏.‏

وطلب العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم من النبي ولاية فقال له‏:‏ يا عم نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها‏.‏

وطلب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ إنا لا نستعين على عملنا بمن يريده‏.‏

وقال زياد لأصحابه‏:‏ من أغبط الناس عيشا قالوا‏:‏ الأمير وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ كلا إن لأعواد المنبر لهيبة ولقرع لجام البريد لفزعة‏.‏

ولكن أغبط الناس عيشا رجل له دار يجري عليه كراؤها وزوجة قد وافقته في كفاف من عيشه لا يعرفنا ولا نعرفه فإن عرفنا وعرفناه أفسدنا عليه آخرته ودنياه‏.‏

وكتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية حين كبر وخاف أن يستبدل به‏:‏ أما بعد فقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وسفهني سفهاء قريش فرأى أمير المؤمنين في عمله موفق‏.‏

فكتب إليه معاوية‏:‏ أما ما ذكرت من كبر سنك فأنت أكلت شبابك وأما ما ذكرت من اقتراب أجلك فإني لو أستطيع دفع المنية لدفعتها عن آل أبي سفيان وأما ما ذكرت من سفهاء قريش فحلماؤها أحلوك ذاك المحل وأما ما ذكرت من أمر العمل فضح رويداً يدرك الهيجا حمل وهذا مثل للعرب وقد وقع تفسيره في كتاب الأمثال‏.‏

فلما انتهى الكتاب إلى المغيرة كتب إليه يستأذنه في القدوم عليه فأذن له فخرج وخرجنا معه‏.‏

فلما دخل عليه قال له‏:‏ يا مغيرة كبرت سنك ورق عظمك ولم يبق منك شيء ولا أراني إلا مستبدلاً بك‏.‏

قال المحدث عنه‏:‏ فانصرف إلينا ونحن نرى الكآبة في وجهه فأخبرنا بما كان من أمره قلنا له‏:‏ فما تريد أن تصنع قال‏:‏ ستعلمون ذلك‏.‏

فأتى معاوية فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الأنفس ليغدى عليها ويراح ولست في زمن أبي بكر ولا عمر فلو نصبت لنا علما من بعدك نصير إليه فإني قد كنت دعوت أهل العراق إلى بيعة يزيد‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا محمد انصرف إلى عملك ورم هذا الأمر لابن أخيك‏.‏

فأقبلنا تركض على النجب فالتفت فقال‏:‏ والله لقد وضعت رجله في ركاب طويل ألقى عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

  باب من أحكام القضاء

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله‏:‏ إذا كان في القضاء خمس خصال فقد كمل‏:‏ علم بما كان قبله ونزاهة عن الطمع وحلم على الخصم واقتداء بالأئمة ومشاورة أهل العلم والرأي‏.‏

وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ إذا أتاك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى يأتي خصمه فلعله قد فقئت عيناه جميعاً‏.‏

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية كتاباً في القضاء يقول فيه‏:‏ إذ تقدم إليك الخصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة وإدناء الضعيف حتى يشتد قلبه وينبسط لسانه‏.‏

وتعاهد الغريب فإنك إن لم تتعاهده ترك حقه ورجع إلى أهله وإنما ضيع حقه من لم يرفق به‏.‏

وآس بين الناس في لحظك وطرفك وعليك بالصلح بين الناس ما لم يتبين لك فصل القضاء‏.‏

العتبي قال‏:‏ تنازع إبراهيم بن المهدي هو وبختيشوع الطبيب بين يدي أحمد بن أبي داود القاضي في مجلس الحكم في عقار بناحية السواد فزرى عليه ابن المهدي وأغلظ له بين يدي أحمد بن أبي داود‏.‏

فأحفظه ذلك فقال‏:‏ بإبراهيم إذا نازعت أحداً في مجلس الحكم فلا أعلمن أنك رفعت عليه صوتاً ولا أشرت إليه بيد وليكن قصدك أمماً وطريقك نهجاً وريحك ساكنة‏.‏

ووف مجالس الحكومة حقوقها من التوقير والتعظيم والتوجه إلى الواجب فإن ذلك أشبه بك وأشكل لمذهبك في محتدك وعظم خاطرك‏.‏

ولا تعجل فرب عجلة تهب ريثاً والله يعصمك من الزلل وخطل القول والعمل ويتم نعمته عليك ما أتمها على أبوك من قبل إن ربك حكيم عليم‏.‏

قال إبراهيم‏:‏ أصلحك الله أمرت بسداد وحضضت على رشاد ولست بعائد إلى ما يلثم مروءتي عندك ويسقطني من عينك ويخرجني عن مقدار الواجب إلى الاعتذار فها أنذا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقر بذنبه باخع بجرمه فإن الغضب لا يزال يستفز بمودة فيردني مثلك بحلمه وقد رهبت حقي من هذا العقار لبختيشوع فليت ذلك يقوم بأرش الجناية ولن يتلف مال أفاد موعظة‏.‏

وبالله التوفيق‏.‏

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري - رواها ابن عيينة -‏:‏ أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلى إليك الخصم فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له‏.‏

آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يخاف ضعيف من جورك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراماً أو حرم حلالاً‏.‏

ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه فإن الحق قديم والرجوع إليه خير من التمادي على الباطل‏.‏

الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما لم يبلغك به كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أحبها عند الله ورسوله وأشبهها بالحق واجعل للمدعي أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر‏.‏

والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو قرابة أو نسب فإن الله عز وجل ولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والأيمان‏.‏

ثم إياك والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحقوق التي يوجب الله عز وجل بها الأجر ويحسن بها الذخر فإنه من تخلص نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفيه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه هتك الله ستره‏.‏

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري‏:‏ أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فاحذر أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة وأهواء متبعة ودنيا مؤثرة‏.‏

أقم الحدود واجلس للمظالم ولو ساعة من النهار وأخف الفساق واجعلهم يداً يداً ورجلاً رجلاً وإذا كانت بين القبائل ثائرة فنادوا‏:‏ يا لفلان فإنما تلك نجوى من الشيطان فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا إلى أمر الله عز وجل وتكون دعواتهم إلى الله والإسلام‏.‏

واستدم النعمة بالشكر والطاعة بالتألف والمقدرة بالعفو والنصرة بالتواضع والمحبة للناس وبلغني أن ضبة تنادي‏:‏ يا لضبة‏.‏

وإني والله ما أعلم أن ضبة ساق الله بها خيراً قط ولا صرف بها شراً‏.‏

فإذا جاءك كتابي هذا فأنهكهم عقوبة حتى يفرقوا إن لم يفقهوا وألصق بغيلان بن خرشة من بينهم‏.‏

وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وباشر أمورهم بنفسك وافتح لهم بابك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله قد جعلك أثقلهم حملاً‏.‏

وقد بلغ أمير المؤمنين أنه فشت لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة همها في السمن والسمن حتفها‏.‏

واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته وأشقى الناس من يشقى به الناس والسلام‏.‏

أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يغزو قوماً في البحر فكتب إليه عمرو بن العاص وهو عامله على مصر‏:‏ يا أمير المؤمنين إن البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير دود على عود‏.‏

فقال الشعبي قال‏:‏ كنت جالساً عند شريح إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها وهو غائب وتبكي بكاء شديداً‏.‏

فقلت‏:‏ أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة‏.‏

قال‏:‏ وما علمك قلت‏:‏ لبكائها‏.‏

قال‏:‏ لا تفعل فإن أخوة يوسف جاءوا آباءهم عشاء يبكون وهم له ظالمون‏.‏

وكان الحسن بن أبي الحسن لا يرى أن يرد شهادة رجل مسلم إلا أن يحرجه المشهود عليه‏.‏

فأقبل إليه رجل فقال‏:‏ يا أبا سعيد إن إياساً رد شهادتي‏.‏

فقام معه الحسن إليه فقال‏:‏ يا أبا وائلة لم رددت شهادة هذا المسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا فقال‏:‏ يا أبا سعيد إن الله عز وجل يقول‏:‏ ‏"‏ ممن ترضون من الشهداء ‏"‏ وهذا ممن لا يرضى‏.‏

ودخل الأشعث بن قيس على شريح القاضي في مجلس الحكومة فقال‏:‏ مرحباً وأهلاً بشيخنا وسيدنا وأجلسه معه‏.‏

فبينما هو جالس عنده إذ دخل رجل يتظلم من الأشعث فقال له شريح‏:‏ قم فاجلس مجلس الخصم وكلم صاحبك‏.‏

قال‏:‏ بل أكلمه من مجلسي‏.‏

فقال له‏:‏ لتقومن أو لآمرن من يقيمك‏.‏

فقال له الأشعث‏:‏ لشد ما ارتفعت‏!‏ قال‏:‏ فهل رأيت ذلك ضرك قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فأراك تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها على نفسك‏.‏

وأقبل وكيع بن أبي سعود صاحب خراسان ليشهد عند إياس بشهادة فقال‏:‏ مرحباً وأهلاً بأبي مطرف وأجلسه معه ثم قال له‏:‏ ما جاء بك قال‏:‏ لأشهد لفلان‏.‏

فقال‏:‏ مالك وللشهادة إنما يشهد الموالي والتجار والسوقة‏.‏

قال‏:‏ صدقت وانصرف من عنده‏.‏

فقيل له‏:‏ خدعك إنه لا يقبل شهادتك‏.‏

قال‏:‏ لو علمت ذلك لعلوته بالقضيب‏.‏

دخل عدي بن أرطأة على شريح فقال‏:‏ أين أنت أصلحك الله قال‏:‏ بينك وبين الحائط‏.‏

قال‏:‏ إني رجل من أهل الشام‏.‏

قال‏:‏ نائي الدار سحيق المزار‏.‏

قال‏:‏ قد تزوجت عندكم‏.‏

قال‏:‏ بالرفاء والبنين قال‏:‏ وولد لي غلام‏.‏

قال‏:‏ ليهنئك الفارس‏.‏

قال‏:‏ وأردت أن أرحلها‏.‏

قال‏:‏ الرجل أحق بأهله قال‏:‏ وشرطت لها دارها قال‏:‏ الشرط أملك‏.‏

قال فاحكم الآن بيننا‏.‏

قال‏:‏ قد فعلت قال‏:‏ على من قضيت قال‏:‏ على ابن أمك‏.‏

قال‏:‏ بشهادة من قال‏:‏ بشهادة ابن أخت خالتك‏.‏

يريد إقراره على نفسه‏.‏

سفيان الثوري قال‏:‏ جاء رجل يخاصم إلى شريح في سنور قال‏:‏ بينتك‏.‏

قال‏:‏ ما أجد بينة في سنور ولدت عندنا‏.‏

قال شريح‏:‏ فاذهبوا بها إلى أمها فأرسلوها فإن استقرت واستمرت ودرت فهي سنورك وإن هي اقشعرت وازبأرت وهرت فليست بسنورك‏.‏

سفيان الثوري قال‏:‏ جاء رجل إلى شريح فقال‏:‏ ما تقول في شاة تأكل الدبى قال‏:‏ لبن طيب وعلف مجان‏.‏

ودخل رجل على الشعبي في مجلس القضاء ومعه امرأته وهي من أجمل النساء فاختصما إليه فأدلت المرأة بحجتها وقربت بينتها‏.‏

فقال الشعبي للزوج‏:‏ هل عندك من مدفع فأنشأ يقول‏:‏ فتن الشعبي لما رفع الطرف إليها فتنته بدلال وبخطي حاجبيها قال للجلواز قرب - ها وأحضر شاهديها فقضى جوراً على الخص - م ولم يقض عليها قال الشعبي‏:‏ فدخلت على عبد الملك بن مروان فلما نظر إلي تبسم وقال‏:‏ فتن الشعبي لم رفع الطرف إليها ثم قال‏:‏ ما فعلت بقائل هذه الأبيات قلت‏:‏ أوجعته ضرباً يا أمير المؤمنين بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة وبما افترى به علي‏.‏

قال‏:‏ أحسنت‏.‏