فصل: مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ , وَالْمُرْتَدِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن **


مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْخُلْعِ وَالطَّلاقِ وَالرَّجْعَة

قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَاصِمِيِّ ‏:‏

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِمِصْرَ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ قَرَأَ عَلَيَّ يُونُسُ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّجُلِ ‏:‏ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ ‏,‏ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا قَالَ ‏:‏ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ‏;‏ لِأَنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ذَكَر الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ ‏.‏ وَقَرَأَ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ‏}‏ قَالَ الشَّيْخُ ‏:‏ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ ‏:‏ بِهَذِهِ الْآيَةِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَقُرِئَتْ ‏:‏ ‏(‏ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ‏)‏ ‏,‏ وَهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَى وَرُوِيَ ‏[‏ ذَلِكَ ‏]‏ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الْمَرْأَةِ ‏:‏ الْمَدْخُولِ بِهَا ‏,‏ الَّتِي تَحِيضُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ‏:‏ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ‏,‏ فِي الطُّهْرِ الَّذِي خَرَجَتْ ‏[‏ إلَيْهِ ‏]‏ مِنْ حَيْضَةٍ ‏,‏ أَوْ نِفَاسٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ ‏,‏ وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ ‏.‏ وَنَهَى عَنْ الضَّرَرِ ‏.‏ وَطَلَاقُ الْحَائِضِ ‏:‏ ضَرَرٌ عَلَيْهَا ‏;‏ لِأَنَّهَا ‏:‏ لَا زَوْجَةٌ ‏,‏ وَلَا فِي أَيَّامِ تَعْتَدُّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ ‏:‏ وَهِيَ تَحِيضُ ‏.‏ بَعْد جِمَاعٍ لَمْ تَدْرِ ‏,‏ وَلَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا ‏:‏ الْحَمْلُ ‏,‏ أَوْ الْحَيْضُ ‏؟‏ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ ‏;‏ لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتُقْصَرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّلَاقِ إذَا طَلَبَتْهُ ‏.‏

‏(‏ نا ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ ذَكَر اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الطَّلَاقُ ‏,‏ فِي كِتَابِهِ ‏,‏ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ ‏:‏ الطَّلَاقِ ‏,‏ وَالْفِرَاقِ ‏,‏ وَالسَّرَاحِ ‏.‏ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلُهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي أَزْوَاجِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ‏}‏ ‏.‏ زَادَ أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَمَنْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ ‏,‏ فَأَفْرَدَ لَهَا اسْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ‏:‏ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ‏,‏ وَلَمْ يُنَوَّ فِي الْحُكْمِ ‏,‏ وَنَوَّيْنَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ‏(‏ فِي آخَرِينَ ‏)‏ ‏,‏ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ ثَنَا مَالِكٌ ‏,‏ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ‏,‏ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ لَهُ ‏,‏ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَد رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا ‏,‏ ثُمَّ أَمْهَلَهَا ‏;‏ حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا ‏:‏ ارْتَجَعَهَا ‏;‏ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا آوِيكَ إلَيَّ ‏,‏ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ‏}‏ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ ‏,‏ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ فِي مَعْنَاهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ ‏,‏ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ ‏:‏ كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ ‏,‏ وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ ‏.‏ فَلَمَّا وَضَعَ ‏[‏ اللَّهُ ‏]‏ عَنْهُ ‏:‏ سَقَطَتْ ‏[‏ عَنْهُ ‏]‏ أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ كُلِّهِ ‏;‏ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ ‏:‏ سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ ‏,‏ وَمَا يَكُونُ حُكْمَهُ ‏:‏ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏[‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا ‏}‏ يُقَالُ ‏:‏ إصْلَاحُ الطَّلَاقِ ‏:‏ بِالرَّجْعَةِ ‏;‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏ فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ‏,‏ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏

وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا ‏}‏ إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ‏:‏ فَرَاجَعُوهُنَّ بِمَعْرُوفِ ‏,‏ ‏[‏ أَوْ ‏]‏ وَدَعَوْهُنَّ تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا ‏:‏ لِيَعْتَدُوا ‏;‏ فَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ ‏:‏ ضِرَارًا زَادَ عَلَى هَذَا ‏,‏ فِي مَوْضِعِ آخَرَ هُوَ عِنْدِي بِالْإِجَازَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏.‏ ‏[‏ وَالْعَرَبُ ‏]‏ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْته ‏,‏ وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ ‏.‏ فَقَوْلُهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ‏}‏ إذَا قَارَبْنَ ‏[‏ بُلُوغَ ‏]‏ أَجَلِهِنَّ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ ‏,‏ إلَّا ‏:‏ مَنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ ‏;‏ هَذَا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ ‏.‏ وَهَذَا ‏:‏ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ‏,‏ وَالْآتِيَانِ يَدُلَّانِ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بَيِّنًا ‏;‏ وَالْكَلَامُ فِيهِمَا مِثْلُ قَوْلِهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ‏}‏ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ‏,‏ فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ ‏:‏ يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا ‏.‏ ‏[‏ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ فَلَا تَحِلُّ لَهُ ‏:‏ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ‏;‏ لِقَوْلِهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ‏;‏ ‏[‏ وَ ‏]‏ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا ‏,‏ بِزَوْجٍ ‏:‏ صَحِيحِ النِّكَاحِ فَأَصَابَهَا ‏,‏ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ‏:‏ حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ‏:‏ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ‏}‏ ‏.‏ وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ ‏;‏ فَأَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ ‏;‏ لِأَنَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ‏.‏ وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا ‏}‏ إصْلَاحَ مَا أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامُ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ فَأُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا ‏,‏ وَغَيْرِهِ مِنْ حُدُودِهِ ‏.‏ قَالَ الشَّيْخُ ‏:‏ قَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ‏}‏ ‏;‏ إنْ أَرَادَ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ ‏:‏ الزَّوْجَ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِقَامَةُ الرَّجْعَةِ ‏,‏ مِثْلُ ‏:‏ أَنْ يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَكُونُ الْحُجَّةُ فِي رُجُوعِهَا إلَى الْأَوَّلِ ‏:‏ بِنِكَاحٍ مُبْتَدَإٍ تَعْلِيقَهُ التَّحْرِيمَ بِغَايَتِهِ ‏.‏ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ ‏:‏ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ ‏;‏ فَالْمُرَادُ بِالتَّرَاجُعِ ‏:‏ النِّكَاحُ الَّذِي يَكُونُ بِتَرَاجُعِهِمَا وَبِرِضَاهُمَا جَمِيعًا ‏,‏ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ فَقَالَ الْأَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏ عِنْدَنَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ‏:‏ وُقِفَ الْمُولِي ‏;‏ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ ‏,‏ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ ‏.‏ ‏[‏ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏.‏ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ ‏:‏ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ‏]‏ قَالَ ‏:‏ وَالظَّاهِرُ فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَنْظَرَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ‏,‏ فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ‏.‏ لِأَنَّهُ ‏[‏ إنَّمَا ‏]‏ جَعَلَ عَلَيْهِ ‏:‏ الْفَيْئَةَ أَوْ الطَّلَاقَ وَالْفَيْئَةُ ‏:‏ الْجِمَاعُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ ‏.‏ وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ‏;‏ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ‏:‏ وَقَدْ ذُكِرَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ لَهُ ‏:‏ افْدِهِ ‏,‏ أَوْ نَبِيعَهُ عَلَيْكَ بِلَا فَصْلٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏,‏ وَبَيَانُ الِاعْتِبَارِ بِالْعَزْمِ ‏.‏ قَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ ‏:‏ وَكَيْفَ يَكُونُ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَفِيءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ‏,‏ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ‏,‏ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ‏:‏ وَهُوَ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَتُرَى هَذَا قَوْلًا يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ ‏[‏ لِأَحَدٍ ‏]‏ ‏؟‏ ‏,‏ ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ لِي مَسْمُوعٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ ‏:‏ وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثَهُ مِنْ جِمَاعٍ ‏,‏ أَوْ فِي فَيْءٍ بِلِسَانٍ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ ‏.‏ وَأَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ هُوَ مُضِيّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا ‏:‏ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ هُوَ بِلِسَانِ ‏,‏ وَلَا فِعْلٍ ‏؟‏ أَرَأَيْتَ الْإِيلَاءَ ‏:‏ طَلَاقٌ هُوَ ‏؟‏ قَالَ ‏:‏ لَا ‏.‏ قُلْنَا أَفَرَأَيْتَ كَلَامًا قَطُّ ‏:‏ لَيْسَ بِطَلَاقٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ فَجَعَلَتْهُ طَلَاقًا ‏؟‏ ‏,‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ نَقَلْتُهُ إلَى ‏(‏ الْمَبْسُوطِ ‏)‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ‏}‏ الْآيَة ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى ‏:‏ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ‏(‏ كَانُوا ‏)‏ يُطَلِّقُونَ بِثَلَاثٍ ‏:‏ الظِّهَارِ ‏,‏ وَالْإِيلَاءِ ‏,‏ وَالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الطَّلَاقَ ‏:‏ طَلَاقًا ‏;‏ وَحَكَمَ فِي الْإِيلَاءِ بِأَنَّ أَمْهَلَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ‏,‏ ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ ‏:‏ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ ‏,‏ وَ ‏[‏ أَنْ ‏]‏ لَا يَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَفِظْتُ مِمَّا سَمِعْتُ فِي ‏:‏ ‏{‏ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ‏}‏ ‏.‏ أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ حَرَّمَ ‏[‏ مَسَّ ‏]‏ امْرَأَتِهِ بِالظِّهَارِ ‏;‏ فَإِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ ‏,‏ لَمْ يُحْرِمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ ‏,‏ وَلَا بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ أَنْ تَحْرُمَ ‏[‏ عَلَيْهِ ‏]‏ بِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ ‏.‏ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ ‏,‏ فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مَعْنَى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا ‏,‏ وَلَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بِتَظَاهُرٍ آخَرَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالُ مَا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْآيَةِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ‏}‏ وَقْتٌ لِأَنَّ يُؤَدِّيَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ ‏;‏ ‏[‏ فِيهَا قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُمَاسَّةُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ ‏]‏ فَذَهَبَ الْوَقْتُ ‏:‏ لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ ‏,‏ ‏[‏ وَلَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِيهَا ‏]‏ ‏.‏ ‏.‏ وَجَعَلَهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ‏}‏ ‏;‏ قَالَ ‏:‏ لَا ‏[‏ يُجْزِيهِ ‏]‏ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ يَقُولُ فِي الْقَتْلِ ‏:‏ ‏{‏ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ‏}‏ ‏.‏ وَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ ‏[‏ إذَا كَانَتْ ‏]‏ كَفَّارَةً ‏,‏ كَالدَّلِيلِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ عَلَى أَنْ لَا تُجْزِيَ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ ‏,‏ إلَّا مُؤْمِنَةٌ ‏.‏ كَمَا شَرَطَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ ‏,‏ فِي مَوْضِعَيْنِ ‏,‏ وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ‏.‏ فَلَمَّا كَانَتْ شَهَادَةً كُلُّهَا ‏:‏ اكْتَفَيْنَا بِشَرْطِ اللَّهِ فِيمَا شَرَطَ فِيهِ ‏;‏ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَطْلَقَ مِنْ الشَّهَادَاتِ ‏;‏ ‏(‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا شَرَطَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا ‏:‏ ‏[‏ فِي ‏]‏ أَنَّ ذَلِكَ إذَا طَلَبَتْ الْمَقْذُوفَةُ الْحَدَّ ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْحَدِّ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ‏}‏ إلَى آخِرِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ قَذْفِ الْمَرْأَةِ ‏(‏ يَعْنِي ‏:‏ بِاللِّعَانِ ‏)‏ ‏.‏ كَمَا أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ ‏:‏ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا ‏,‏ بِمَا قَذَفَهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَكَانَتْ فِي ذَلِكَ ‏,‏ دَلَالَةُ أَنْ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَ حَتَّى تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ حَدّهَا ‏.‏ وَقَاسَهَا ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلِمَا ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ اللِّعَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ مُطْلَقًا ‏:‏ كَانَ اللِّعَانُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ ‏:‏ جَازَ طَلَاقُهُ ‏,‏ وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ ‏:‏ وَعَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ ‏:‏ لَزِمَهَا الْفَرْضُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ لَا أَلْتَعِنُ ‏,‏ وَطَلَبَتْ أَنْ يُحَدَّ لَهَا ‏:‏ حُدَّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَمَتَى الْتَعَنَ الزَّوْجُ ‏:‏ فَعَلَيْهَا أَنْ تَلْتَعِنَ فَإِنْ أَبَتْ ‏:‏ حُدَّتْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ‏}‏ الْآيَةُ وَالْعَذَابُ ‏:‏ الْحَدُّ ‏.‏

‏(‏ وَأَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَلِمَا حَكَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ‏,‏ شُهُودَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ حَدَاثَتِهِ ‏,‏ وَحَكَاهُ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ اسْتَدْلَلْنَا ‏:‏ ‏[‏ عَلَى ‏]‏ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ طَائِفَةٍ ‏:‏ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ اللَّهِ يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهَا أَرْبَعَة لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْهُمْ وَهَذَا ‏:‏ يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الزَّانِيَيْنِ ‏:‏ ‏{‏ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ‏}‏ ‏.‏ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَك ‏}‏ ‏:‏ الطَّائِفَةُ ‏:‏ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ‏:‏ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِهِمْ ‏:‏ حُصُولُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ إقَامَةً ‏:‏ ثَلَاثَةٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا ‏.‏ وَذَكَرَ جِهَةَ اسْتِحْبَابِهِ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فِي الْحُدُودِ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ ‏,‏ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْعِدّةِ وَفِي الرِّضاعِ وَفِي النَّفَقَاتِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ قَرَأْتَ عَلَيْهِ ‏)‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ‏}‏ ‏.‏ قَالَتْ عَائِشَةُ ‏(‏ رضي الله عنها ‏)‏ ‏:‏ الْأَقْرَاءُ ‏:‏ الْأَطْهَارُ ‏;‏ ‏[‏ فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ‏;‏ فَقَدْ حَلَّتْ ‏]‏ وَقَالَ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْلِهَا ‏,‏ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ‏,‏ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏ الْأَقْرَاءُ ‏:‏ الْحَيْضُ ‏;‏ فَلَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ‏:‏ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حُجَّةَ الْقَوْلَيْنِ ‏,‏ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ ‏,‏ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ ‏:‏ ‏{‏ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ ‏:‏ حَائِضًا أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَجْعَتِهَا وَحَبْسِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ‏:‏ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ‏.‏ ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ‏[‏ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏]‏ ‏:‏ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ‏}‏ ‏;‏ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعِدَّةَ ‏:‏ الطُّهْرُ ‏,‏ دُونَ الْحَيْضِ وَاحْتَجَّ ‏:‏ بِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ قَالَ ‏:‏ ‏(‏ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ‏)‏ ‏,‏ وَلَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ ‏:‏ لِأَنَّ الْغُسْلَ رَابِعٌ ‏.‏ وَاحْتَجَّ ‏:‏ بِأَنَّ الْحَيْضَ ‏,‏ هُوَ أَنْ يُرْخِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ حَتَّى يَظْهَرَ وَالطُّهْرُ هُوَ أَنْ يَقْرِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ ‏,‏ فَلَا يَظْهَرُ ‏.‏ فَالْقُرْءُ ‏:‏ الْحَبْسُ لَا ‏:‏ الْإِرْسَالُ ‏.‏ فَالطُّهْرُ ‏:‏ إذَا كَانَ يَكُونَ وَقْتًا ‏.‏ أَوْلَى فِي اللِّسَانِ ‏,‏ بِمَعْنَى الْقُرْءِ ‏;‏ لِأَنَّهُ ‏:‏ حَبْسُ الدَّمِ ‏,‏ وَأَطَالَ الْكَلَامُ فِي شَرْحِهِ ‏.‏

‏(‏ أَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ بِالتَّنْزِيلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلَّقَةِ ‏:‏ أَنْ تَكْتُمَ مَا فِي رَحِمِهَا مِنْ الْمَحِيضِ ‏,‏ فَقَدْ يَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ خَوْفِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتُهَا رَأَى فِي نِكَاحِهَا أَوْ يَكُونُ طَلَاقُهُ إيَّاهَا ‏:‏ أَدَبًا ‏[‏ لَهَا ‏]‏ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ ‏:‏ الْحَمْلَ مَعَ الْمَحِيضِ ‏;‏ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِمَّا خَلْقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ أَحَامِلٌ هِيَ ‏؟‏ أَوْ هَلْ حَاضَتْ ‏؟‏ ‏:‏ فَهِيَ عِنْدِي ‏,‏ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَكْتُمَهُ وَلَا أَحَدًا رَأَتْ أَنْ يُعْلِمَهُ ‏.‏ ‏[‏ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهَا وَلَا أَحَدٌ يُعْلِمُهُ إيَّاهُ ‏]‏ فَأَحَبُّ إلَيَّ ‏:‏ لَوْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ وَلَوْ كَتَمَتْهُ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ ‏,‏ ‏[‏ الْحَمْلَ وَالْأَقْرَاءَ ‏]‏ حَتَّى خَلَتْ عِدَّتُهَا ‏:‏ كَانَتْ عِنْدِي ‏,‏ آثِمَةً بِالْكِتْمَانِ ‏[‏ إذَا سُئِلَتْ وَكَتَمَتْ ‏]‏ وَخِفْتُ عَلَيْهَا الْإِثْمَ إذَا كَتَمَتْ وَإِنْ لَمْ تُسْأَلْ ‏.‏ وَلَمْ يَكُنْ ‏[‏ لَهُ ‏.‏ ‏]‏ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إنَّمَا جَعَلَهَا لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ‏.‏ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَطَاءٍ ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ ‏(‏ الْمَبْسُوطِ ‏)‏ وَ ‏(‏ الْمَعْرِفَةِ ‏)‏ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مِنْ الْعِدَدِ ‏{‏ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ‏}‏ ‏;‏ فَلَمْ يَعْلَمُوا مَا عِدَّةُ الْمَرْأَةِ ‏[‏ الَّتِي ‏]‏ لَا قُرْءَ لَهَا ‏؟‏ وَهِيَ ‏:‏ الَّتِي لَا تَحِيضُ ‏,‏ وَالْحَامِلُ ‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنَّ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ‏}‏ ‏;‏ فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُؤَيَّسَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ ‏:‏ ‏[‏ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ‏.‏ ‏]‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏ إنْ ارْتَبْتُمْ ‏}‏ فَلَمْ تَدْرُوا مَا تَعْتَدُّ غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ‏؟‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَهَذَا ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ يُشْبِهُ مَا قَالُوا ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ‏}‏ ‏.‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ ‏,‏ وَأَنَّ الْمَسِيسَ ‏[‏ هُوَ ‏]‏ الْإِصَابَةُ ‏[‏ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا ‏]‏ ‏.‏ وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ ‏,‏ وَتَكُونُ الْوَفَاةُ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ‏}‏ ‏.‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ ‏,‏ وَأَنَّ الْمَسِيسَ ‏[‏ هُوَ ‏]‏ الْإِصَابَةُ ‏[‏ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا ‏]‏ ‏.‏ وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ ‏,‏ وَتَكُونُ الْوَفَاةُ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ ‏.‏ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ ‏,‏ وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَذْهَبُ ‏:‏ إلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ‏,‏ وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَرْأَةِ مَحْدُودَةٌ بِمَتَاعِ سَنَةٍ وَذَلِكَ ‏:‏ نَفَقَتُهَا ‏,‏ وَكِسْوَتُهَا ‏,‏ وَسَكَنُهَا ‏.‏ وَأَنْ قَدْ حُظِرَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا إخْرَاجُهَا ‏,‏ وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ وَالسُّكْنَى ‏;‏ مَنْسُوخَةٌ يَعْنِي بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَ ‏[‏ بَيِّنٌ ‏]‏ ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَثْبَت عَلَيْهَا عِدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ‏;‏ لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا ‏,‏ وَلَا النِّكَاحُ قَبْلَهَا ‏.‏ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ‏;‏ فَيَكُونُ أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ‏:‏ ‏[‏ بَعُدَ أَوْ قَرُبَ ‏.‏ وَيَسْقُطُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا عِدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ‏.‏ ‏]‏ وَلَهُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَوْلٌ آخَرُ ‏:‏ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسْكِنُوهَا ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ مَلَكُوا الْمَالَ دُونَهُ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ وَرَوَاهُ ‏[‏ الشَّافِعِيُّ عَنْ ‏]‏ الشَّعْبِيِّ ‏[‏ عَنْ عَلِيٍّ ‏]‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْمُطَلَّقَاتِ ‏:‏ ‏{‏ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَالْفَاحِشَةُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا ‏,‏ فَيَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُخَافُ الشِّقَاقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ فَإِذَا فَعَلَتْ ‏:‏ حَلَّ لَهُمْ إخْرَاجُهَا ‏,‏ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوهَا مَنْزِلًا غَيْرَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ حَرَّمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْأُمَّ وَالْأُخْتَ ‏:‏ مِنْ الرَّضَاعَةِ ‏,‏ وَاحْتَمَلَ تَحْرِيمُهُمَا مَعْنَيَيْنِ ‏(‏ أَحَدُهُمَا ‏)‏ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ ‏,‏ فَأَقَامَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ ‏,‏ مُقَامَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ ‏.‏ أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ كُلُّهَا ‏,‏ تَقُومُ مُقَامَ النَّسَبِ ‏:‏ فَمَا حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرَّضَاعَةِ مِثْلُهُ وَبِهَذَا نَقُولُ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقُرْآنِ ‏.‏ ‏(‏ وَالْآخَرُ ‏)‏ أَنْ يَحْرُمَ مِنْ الرَّضَاعِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ ‏,‏ وَلَا يَحْرُمَ سِوَاهُمَا ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ دَلَالَةَ السُّنَّةِ ‏,‏ لِمَا اخْتَارَ مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ ‏,‏ يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ ‏,‏ وَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى كَمَالِ إرْضَاعِ الْحَوْلَيْنِ وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ رَضَاعٍ ‏:‏ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ ‏:‏ رَضَاعٍ ‏.‏ وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ ‏:‏ آيَةَ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ‏,‏ وَآيَةَ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي وُقُوعِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ ‏.‏ وَاحْتَجَّ فِي الْحَوْلَيْنِ بِقَوْلِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ‏}‏ ‏.‏ ‏[‏ ثُمَّ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ فَجَعَلَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ ‏:‏ حَوْلَيْنِ ‏[‏ كَامِلَيْنِ ‏]‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ إرْخَاصُهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ ‏:‏ فِي فِصَالِ الْمَوْلُودِ عَنْ تَرَاضِيَ وَالِدَيْهِ وَتَشَاوُرِهِمَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ‏.‏ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فِصَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ‏.‏ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ مِنْ وَالِدَيْهِ أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ ‏:‏ فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ خَيْرًا مِنْ إتْمَامِ الرَّضَاعِ لَهُ لِعِلَّةِ تَكُونُ بِهِ ‏,‏ أَوْ بِمُرْضِعِهِ ‏:‏ وَإِنَّهُ لَا يَقْبَل رَضَاعَ غَيْرَهَا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا ‏.‏ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ لَهُ ‏,‏ غَايَةً فَالْحُكْمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ ‏,‏ فِيهِ ‏:‏ غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ‏}‏ فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ‏:‏ غَيْرَ حُكْمِهِنَّ فِيهَا ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ ‏}‏ ‏;‏ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ ‏,‏ وَكَانَ فِي شَرْطِ الْقَصْرِ لَهُمْ بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ ‏.‏ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ ‏:‏ غَيْرَ الْقَصْرِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ قِرَاءَةً عَلَيْهِ ‏)‏ ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏}‏ يَدُلُّ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ ‏,‏ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏(‏ أَلَّا تَعُولُوا ‏)‏ ‏;‏ أَيْ ‏:‏ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُوا ‏,‏ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ ‏:‏ وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ ‏(‏ صَاحِبُ ثَعْلَبٍ ‏)‏ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ يَاقُوتَةِ الصِّرَاطِ ‏)‏ ‏;‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏(‏ أَلَّا تَعُولُوا ‏)‏ أَيْ أَنْ لَا تَجُورُوا ‏,‏ وَ ‏(‏ تَعُولُوا ‏)‏ ‏:‏ تَكْثُرُ عِيَالَكُمْ ‏.‏ وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏:‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ قِرَاءَةً عَلَيْهِ ‏)‏ ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏}‏ يَدُلُّ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ ‏,‏ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏(‏ أَلَّا تَعُولُوا ‏)‏ ‏;‏ أَيْ ‏:‏ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُوا ‏,‏ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ ‏:‏ وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ ‏(‏ صَاحِبُ ثَعْلَبٍ ‏)‏ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ يَاقُوتَةِ الصِّرَاطِ ‏)‏ ‏;‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏(‏ أَلَّا تَعُولُوا ‏)‏ أَيْ أَنْ لَا تَجُورُوا ‏,‏ وَ ‏(‏ تَعُولُوا ‏)‏ ‏:‏ تَكْثُرُ عِيَالَكُمْ ‏.‏ وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏:‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَائْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفِ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏,‏ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَاتِ جَائِزَةٌ ‏:‏ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ ‏.‏ إذْ قَالَ اللَّهُ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ‏}‏ ‏,‏ وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا مِنْ صَبِيٍّ ‏,‏ وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا مِنْ امْرَأَةٍ ‏,‏ وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ ‏.‏ فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى هَذَا ‏:‏ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ ‏:‏ مِنْ هَذَا وَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ ‏:‏ قِيَاسًا عَلَى هَذَا ‏,‏ وَتَجُوزُ فِي غَيْرِهِ ‏:‏ مِمَّا يَعْرِفُ النَّاسُ ‏,‏ قِيَاسًا عَلَى هَذَا قَالَ ‏:‏ وَبَيَانُ ‏:‏ أَنَّ عَلَى الْوَالِدِ ‏:‏ نَفَقَةَ الْوَلَدِ ‏;‏ دُونَ أُمِّهِ مُتَزَوِّجَةً ‏,‏ أَوْ مُطَلَّقَةً ‏.‏ وَفِي هَذَا ‏,‏ دَلَالَةٌ ‏:‏ ‏[‏ عَلَى ‏]‏ أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ ‏,‏ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ ‏,‏ دُونَهَا ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ‏}‏ مِنْ أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لَا أَنَّ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي ‏(‏ الْإِمْلَاءِ ‏)‏ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ رَضَاعُ وَلَدِهَا ‏:‏ كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا ‏,‏ أَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا إنْ شَاءَتْ وَسَوَاءٌ ‏:‏ كَانَتْ شَرِيفَةً ‏,‏ أَوْ دَنِيَّةً ‏,‏ أَوْ مُوسِرَةً ‏,‏ أَوْ مُعْسِرَةً ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ‏}‏ ‏.‏ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَقَالَ ‏:‏ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ الْإِجَارَةَ فِي كِتَابِهِ ‏,‏ وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ ‏;‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ فَذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَجَرَ نَفْسَهُ ‏:‏ حِجَجًا مُسَمَّاةً ‏,‏ يَمْلِكُ بِهَا بُضْعَ امْرَأَةٍ ‏.‏ فَدَلَّ عَلَى تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ ‏,‏ وَعَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِهَا عَلَى الْحِجَجِ إذَا كَانَ عَلَى الْحِجَجِ اسْتَأْجَرَهُ ‏.‏ ‏[‏ وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِ حِجَجٍ فَهُوَ تَجْوِيزُ الْإِجَارَةِ بِكُلِّ حَالٍ ‏]‏ وَقَدْ قِيلَ ‏:‏ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا ‏:‏ خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَنْ ذَلِكَ ‏:‏ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ ‏.‏ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ ‏:‏ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ ‏:‏ دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ ‏,‏ مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا ‏:‏ خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَنْ ذَلِكَ ‏:‏ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ ‏.‏ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ ‏:‏ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ ‏:‏ دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ ‏,‏ مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ ‏,‏ وَبَلَغَنِي عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِ ‏.‏ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ تُبَايِنُ فِي الْفَضْلِ ‏,‏ وَيَكُونُ بَيْنَهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُهَا يَعْرِفُ لِبَعْضٍ الْفَضْلَ فِي الدِّيَاتِ حَتَّى تَكُونُ دِيَةُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ أَضْعَافَ دِيَةِ الرَّجُلِ دُونَهُ فَأَخَذَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ بَيْنِ أَظْهُرِهَا مِنْ غَيْرِهَا ‏.‏ بِأَقْصَدَ مِمَّا كَانَتْ تَأْخُذُ بِهِ ‏;‏ فَكَانَتْ دِيَةُ النَّضِيرِيِّ ‏:‏ ضِعْفُ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ ‏.‏ وَكَانَ الشَّرِيفُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا قُتِلَ يُجَاوَزُ قَاتِلُهُ إلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي قَتَلَهُ أَحَدُهَا وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِعَدَدٍ يَقْتُلُونَهُمْ ‏.‏ فَقَتَلَ بَعْضُ غَنِيٍّ شَأْسُ بْنَ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيَّ فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُ زُهَيْرُ بْنُ جَذِيمَةَ ‏;‏ فَقَالُوا لَهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ نُدِبَ عَنْهُمْ ‏:‏ سَلْ فِي قَتْلِ شأس ‏;‏ فَقَالَ إحْدَى ثَلَاثٍ لَا يُرْضِينِي غَيْرُهَا ‏;‏ فَقَالُوا مَا هِيَ ‏؟‏ فَقَالَ ‏:‏ تُحْيُونَ لِي شَأْسًا ‏,‏ أَوْ تَمْلَئُونَ رِدَائِي مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ ‏,‏ أَوْ تَدْفَعُونَ لِي غَنِيًّا بِأَسْرِهَا فَأَقْتُلُهَا ‏,‏ ثُمَّ لَا أَرَى أَنِّي أَخَذْتُ ‏[‏ مِنْهُ ‏]‏ عِوَضًا ‏.‏ وَقُتِلَ كُلَيْبُ وَائِلٍ فَاقْتَتَلُوا دَهْرًا طَوِيلًا ‏,‏ وَاعْتَزَلَهُمْ بَعْضُهُمْ فَأَصَابُوا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ ‏:‏ بُجَيْرٌ ‏.‏ فَأَتَاهُمْ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ قَدْ عَرَفْتُمْ عُزْلَتِي ‏,‏ فَبُجَيْرٌ بِكُلَيْبٍ وَهُوَ أَعَزُّ الْعَرَبِ ‏[‏ وَكُفُّوا عَنْ الْحَرْبِ ‏]‏ ‏.‏ فَقَالُوا ‏:‏ بُجَيْرٌ بِشِسْعِ ‏[‏ نَعْلِ ‏]‏ كُلَيْبٍ ‏,‏ فَقَاتَلَهُمْ ‏:‏ وَكَانَ مُعْتَزِلًا قَالَ ‏:‏ وَقَالَ إنَّهُ نَزَلَ فِي ذَلِكَ ‏[‏ وَغَيْرِهِ ‏]‏ مِمَّا كَانُوا يَحْكُمُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏.‏ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي أَحْكِيهِ ‏[‏ كُلَّهُ ‏]‏ بَعْدَ هَذَا ‏,‏ وَحُكْمُ اللَّهُ بِالْعَدْلِ فَسَوَّى فِي الْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ ‏:‏ الشَّرِيفِ مِنْهُمْ ‏,‏ وَالْوَضِيعِ ‏:‏ ‏{‏ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ‏}‏ ‏.‏ فَقَالَ إنَّ الْإِسْلَامَ نَزَلَ ‏:‏ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَطْلُبُ بَعْضًا بِدِمَاءٍ وَجِرَاحٍ ‏;‏ فَنَزَلَ فِيهِمْ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ ‏:‏ اقْتَتَلُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ ‏,‏ وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ ‏:‏ فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ ‏:‏ لَيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ ‏,‏ وَبِالْعَبْدِ مِنْهُمْ الْحُرَّ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَضُوا وَسَلَّمُوا ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا مِنْ هَذَا ‏,‏ بِمَا قَالُوا ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إنَّمَا أَلْزَمَ كُلَّ مُذْنِبٍ ذَنْبَهُ ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلْ جُرْمَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ ‏:‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏(‏ الْحُرُّ بِالْحُرِّ ‏)‏ إذَا كَانَ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ قَاتِلًا لَهُ ‏;‏ ‏(‏ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ‏)‏ إذَا كَانَ قَاتِلًا لَهُ ‏;‏ ‏(‏ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ‏)‏ إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً لَهَا ‏.‏ لَا أَنْ يُقْتَلَ بِأَحَدٍ مِمَّنْ ‏[‏ لَمْ ‏]‏ يَقْتُلْهُ لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ ‏.‏ ‏}‏ وَمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا ‏:‏ فِي أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ ‏.‏ دَلِيلُ أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ‏[‏ غَيْرَ ‏]‏ خَاصَّةٍ كَمَا قَالَ مَنْ وَصَفْتُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ‏,‏ لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ‏}‏ ‏.‏ فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ عَلَى الْبَالِغِينَ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ ‏:‏ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ إذَا قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ ‏.‏ بِابْتِدَاءِ الْآيَةِ ‏,‏ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ‏}‏ ‏;‏ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ‏}‏ ‏,‏ وَقَطَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ ‏:‏ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَلَى مِثْلِ ظَاهِرِ الْآيَةِ ‏.‏ ‏[‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏]‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ ‏:‏ ‏{‏ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ ‏[‏ قَالَ وَلَا يَجُوزُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ فِي حُكْمِ اللَّهِ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ ‏]‏ أَنْ كَانَ حُكْمًا بَيِّنًا ‏.‏ إلَّا مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ‏}‏ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ‏:‏ كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةِ الْقَتْلِ ‏:‏ فَعَلَى مَنْ قَتَلَهَا الْقَوَدُ ‏.‏ فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ ‏,‏ وَالْمُسْتَأْمَنِ ‏,‏ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ‏;‏ ‏[‏ وَالرَّجُلِ بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ مُسْلِمًا كَانَ ‏,‏ أَوْ كَافِرًا ‏]‏ ‏,‏ وَالرَّجُلُ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ ‏.‏ أَوْ يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏(‏ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ‏)‏ مِمَّنْ دَمُهُ مُكَافِئٌ دَمَ مَنْ قَتَلَهُ ‏,‏ وَكُلُّ نَفْسٍ ‏:‏ كَانَتْ تُقَادُ بِنَفْسٍ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ‏.‏ كَمَا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏(‏ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ‏)‏ ‏:‏ إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً خَاصَّةً لَا أَنْ ذَكَرًا ‏[‏ لَا ‏]‏ يُقْتَلُ بِأُنْثَى ‏.‏ وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ بِهِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلَائِلَ مِنْهَا ‏:‏ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ‏}‏ ‏;‏ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ الْمَرْءُ بِابْنِهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ ‏:‏ بِعَبْدِهِ ‏,‏ وَلَا بِمُسْتَأْمَنٍ ‏:‏ مِنْ أَهْلِ ‏[‏ دَارِ ‏]‏ الْحَرْبِ ‏;‏ وَلَا بِامْرَأَةٍ ‏:‏ مِنْ أَهْل ‏[‏ دَارِ الْحَرْبِ ‏]‏ ‏;‏ وَلَا صَبِيٍّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ بِحَالٍ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ‏;‏ قَالَا ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى ‏,‏ عَنْ بُكَيْر بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ‏;‏ قَالَ ‏[‏ مُعَاذٌ ‏]‏ ‏:‏ قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ نَفَرٍ حَفِظَ مُعَاذٌ مِنْهُمْ ‏:‏ مُجَاهِدًا ‏,‏ وَالْحَسَنَ ‏,‏ وَالضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ ‏.‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ‏}‏ إلَى آخِرِ الْآيَةِ ‏:‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ كُتِبَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ‏,‏ حَقَّ أَنْ يُقَادَ بِهَا ‏,‏ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ ‏,‏ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَفُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يُقْتَلُ وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ إنْ شَاءَ قَتَلَ ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ عَفَى ‏.‏ فَذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ‏}‏ يَقُولُ ‏:‏ الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ ‏,‏ وَلَا يُقْتَلُ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏}‏ يَقُولُ ‏:‏ فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ ‏:‏ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏.‏ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ‏}‏ ‏.‏ يَقُولُ ‏:‏ لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ ‏,‏ حَيَاةٌ يَنْتَهِي بِهَا بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ ‏,‏ أَنْ يُصِيبَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ ‏.‏ ‏(‏ وَأَخْبَرَنَا ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَأَبُو زَكَرِيَّا ‏;‏ قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ كَانَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ ‏;‏ فَقَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ‏:‏ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ‏}‏ ‏;‏ فَإِنَّ الْعَفْوَ أَنْ يُقْبَلَ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ ‏;‏ ‏{‏ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ‏}‏ مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ ‏;‏ ‏{‏ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ‏:‏ وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا ‏,‏ كَمَا قَالَ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ قَالَ مُقَاتِلٌ وَتَقَصِّي مُقَاتِلٍ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَقَصِّي ابْنِ عَبَّاسٍ ‏.‏ وَالتَّنْزِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ مُقَاتِلٌ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ ‏)‏ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ‏}‏ ‏.‏ لَمْ يَجُزْ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ يُقَالَ إنْ عُفِيَ إنْ صُولِحَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ ‏.‏ لِأَنَّ الْعَفْوَ ‏:‏ تَرْكُ حَقٍّ بِلَا عِوَضٍ ‏;‏ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ عُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ ‏;‏ فَإِذَا عُفِيَ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ ‏,‏ وَصَارَ لِعَافِي الْقَتْلِ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُوَ ‏:‏ دِيَةُ قَتِيلِهِ فَيَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ ‏,‏ وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ ‏.‏ وَإِنْ كَانَ إذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ ‏,‏ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي أَنْ يَتْبَعَهُ ‏,‏ وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ ‏:‏ شَيْءٌ يُؤَدِّيه بِإِحْسَانٍ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مَعَ بَيَانِ الْقُرْآنِ ‏:‏ ‏[‏ فِي ‏]‏ مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ ‏.‏ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا ‏,‏ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا ‏:‏ قَتَلُوهُ ‏,‏ وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ‏.‏ ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ‏}‏ ‏,‏ وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ ‏:‏ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِيرَاثًا مِنْهُ ‏.‏

‏(‏ وَفِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ مَا فَرَضَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ‏,‏ كَمَا حَكَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ ‏[‏ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ ‏]‏ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ ‏.‏ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي النَّفْسِ ‏,‏ وَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ بِلَا تَلَفٍ يَخَافُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَوَدِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ‏,‏ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ ‏}‏ ‏.‏ فَأَحْكَامَ اللَّهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ فِي تَنْزِيلِ كِتَابِهِ ‏:‏ ‏[‏ أَنَّ ‏]‏ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ ‏,‏ دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِهِ ‏.‏ وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ كَمْ الدِّيَةُ ‏؟‏ وَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏;‏ عَنْ عَدَدٍ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ قَضَى فِي دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَ هَذَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ ‏[‏ وَبِهِ نَأْخُذُ ‏;‏ فَفِي الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ‏]‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ فِي الدِّيَةِ إنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ‏.‏ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏{‏ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ ‏:‏ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ‏.‏ وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ‏}‏ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ الشَّيْخُ ‏:‏ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ‏:‏ مَرَّةً مُرْسَلًا ‏,‏ وَمَرَّةً مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ ‏.‏ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَمَرَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ فِي الْمُعَاهَدِ ‏:‏ يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ‏;‏ مَعَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ ‏.‏ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى قَاتِلِ الْكَافِرِ ‏,‏ ‏[‏ إلَّا ‏]‏ بِدِيَةٍ ‏,‏ وَلَا أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا ‏,‏ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ ‏.‏ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ‏(‏ رضي الله عنهما ‏)‏ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ ‏,‏ وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ‏,‏ وَذَلِكَ ‏:‏ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ‏;‏ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ‏:‏ تَقُومُ الدِّيَةُ ‏:‏ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ‏.‏ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِي دِيَاتِهِمْ بِأَقَلِّ مِنْ هَذَا ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ‏.‏ فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏,‏ وَنَاقَضَهُمْ ‏:‏ بِالْمُؤْمِنَةِ الْحُرَّةِ ‏,‏ وَالْجَنِينِ ‏,‏ وَبِالْعَبْدِ ‏:‏ وَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمِ يَجِبُ فِي قَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ‏:‏ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ‏,‏ وَلَمْ يُسَوَّ بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَةِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ‏[‏ قَوْلُهُ مِنْ قَوْمٍ ‏]‏ يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ وَفِي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عَنْ التَّأْوِيلِ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ إذْ حَكَمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى ‏,‏ فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ ‏,‏ وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ‏,‏ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ ‏,‏ وَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ‏:‏ ‏(‏ مِنْ قَوْمٍ ‏)‏ يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا ‏,‏ دَارُهُمْ ‏:‏ دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ ‏,‏ وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ إذَا بَلَغَتْ النَّاسَ الدَّعْوَةُ ‏,‏ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ غَارِّينَ كَانَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يُبِيحَ الْغَارَةَ عَلَى دَارٍ ‏:‏ وَفِيهَا مَنْ لَهُ إنْ قُتِلَ عَقْلٌ ‏,‏ أَوْ قَوَدٌ ‏.‏ وَكَانَ هَذَا ‏:‏ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ ‏:‏ كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ ‏;‏ وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ ‏;‏ وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لَنَا ‏.‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ كَانُوا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ‏;‏ وَقَبَائِلُهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْمُسْلِمِينَ ‏.‏ فَإِنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ ‏,‏ ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ ‏:‏ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ‏,‏ وَلَا عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ ‏:‏ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ ‏:‏ وَكُلُّ قَاتِلِ عَمْدٍ عُفِيَ عَنْهُ ‏,‏ وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فَعَلَيْهِ ‏:‏ الْكَفَّارَةُ ‏;‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إذْ جَعَلَهَا فِي الْخَطَإِ ‏:‏ الَّذِي وُضِعَ فِي الْإِثْمُ ‏;‏ كَانَ الْعَمْدُ أَوْلَى ‏.‏ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ ‏:‏ كِتَابُ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ حَيْثُ قَالَ فِي الظِّهَارِ ‏:‏ ‏{‏ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا ‏}‏ ‏,‏ وَجَعَلَ فِيهِ كَفَّارَةً ‏.‏ وَمِنْ قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ‏}‏ ‏;‏ ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ ‏,‏ وَذَكَرَهَا ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ دُونَ الْعَفْوِ ‏,‏ وَأَخْذِ الدِّيَةِ ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ ‏,‏ وَالْمُرْتَدِّ

‏(‏ وَفِيمَا أَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ ‏:‏ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنُهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ ‏}‏ الْآيَةُ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ‏[‏ اقْتِتَالَ ‏]‏ الطَّائِفَتَيْنِ ‏,‏ وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ ‏:‏ الْجَمَاعَتَانِ ‏:‏ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ ‏,‏ وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ‏:‏ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا ‏,‏ وَأَرَادُوا الْقِتَالَ ‏.‏ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا ‏,‏ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الصُّلْحِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَأَمَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ بِقِتَالِ ‏[‏ الْفِئَةِ ‏]‏ الْبَاغِيَةِ ‏:‏ وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ ‏:‏ الْإِيمَانِ حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِذَا فَاءَتْ ‏,‏ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إنَّمَا أَذِنَ فِي قِتَالِهَا فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ ‏.‏ وَالْفَيْءُ ‏:‏ الرَّجْعَةُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ ‏,‏ ‏[‏ أَ ‏]‏ و التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا ‏.‏ وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بِهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ ‏.‏ وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَى طَاعَتِهِ ‏,‏ وَالْكَفُّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏.‏ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ يُعَيِّرُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ ‏:‏ انْهَزَمُوا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ ‏,‏ فِي وَقْعَةٍ ‏,‏ فَقُتِلَ لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا يَوْمَ الْأُمَيْلِحِ لَا غَابُوا وَلَا جَرَحُوا عَقُّوا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ أَحَدٌ ثُمَّ اسْتَفَاءُوا فَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَرَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ ‏)‏ ‏,‏ وَلَمْ يَذْكُرْ تَبَاعَةً فِي دَمٍ ‏,‏ وَلَا مَالٍ ‏.‏ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الصُّلْحُ آخِرًا ‏,‏ كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا ‏:‏ قَبْل الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ ‏.‏ فَأَشْبَهَ هَذَا ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ تَكُونَ التَّبَاعَاتُ فِي الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وَمَا فَاتَ ‏.‏ مِنْ الْأَمْوَالِ ‏.‏ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ ‏.‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ‏}‏ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قَدْ فَعَلُوا مَا فِيهِ حُكْمٌ ‏.‏ فَيُعْطَى بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ ‏,‏ مَا وَجَبَ لَهُ ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏(‏ بِالْعَدْلِ ‏)‏ ‏,‏ وَالْعَدْلُ أَخْذُ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ ‏[‏ مِنْ بَعْضٍ ‏]‏ ثُمَّ اخْتَارَ الْأَوَّلَ ‏,‏ وَذَكَرَ حُجَّتَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لِرَسُولِ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ‏}‏ ‏.‏ فَبَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ مِنْ الْقَتْلِ ‏.‏ ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ ‏:‏ الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ‏}‏ بَعْدَ الْإِيمَانِ ‏,‏ كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عَنْهُ أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ ‏;‏ وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ ‏:‏ وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ ‏.‏ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ ‏}‏ ‏;‏ فَأَخْبَرَ ‏:‏ بِكُفْرِهِمْ ‏,‏ وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ ‏,‏ وَكَذِبِ سَرَائِرِهِمْ بِجَحْدِهِمْ ‏.‏ وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ ‏,‏ وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ ‏;‏ إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ ‏:‏ وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ‏}‏ ‏.‏ فَأَخْبَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ ‏,‏ وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ ‏,‏ وَحَكَمَ فِيهِمْ ‏[‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏]‏ فِي الدُّنْيَا أَنَّ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا ‏[‏ بِهِ ‏]‏ كَاذِبِينَ ‏.‏ لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ ‏:‏ وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ ‏,‏ الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ ‏.‏ وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي كِتَابِهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَأَخْبَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ‏}‏ فَأَعْلَمَ أَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ ‏,‏ وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏(‏ أَسْلَمْنَا ‏)‏ أَسْلَمْنَا ‏:‏ مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا يَظْهَرُ ‏;‏ بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَخْفُونَ ‏:‏ الشِّرْكَ وَالتَّعْطِيلَ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ ‏}‏ ‏.‏ وَقَالَ فِي قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ‏}‏ ‏.‏ ‏[‏ فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ ‏]‏ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صلى الله عليه وسلم مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ ‏,‏ وَأَرْجُو ‏:‏ أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ ‏,‏ وَقَضَى ‏:‏ أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمُقِيمٍ عَلَى شِرْكٍ ‏.‏ فَنَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَا يَغْفِرَ لَهُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا ‏,‏ وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا أَحَدًا ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ‏:‏ ‏[‏ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ‏}‏ مَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ‏}‏ ‏.‏ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ‏,‏ فَأُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ ‏,‏ وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ قَدْ أُكْرِهَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكُفْرِ ‏,‏ فَقَالَهُ ‏;‏ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏,‏ فَذَكَرَ لَهُ مَا عُذِّبَ بِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ‏,‏ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ ‏,‏ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا عَلَى الْمُرْتَدِّ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَأَبَانَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِخَلْقِهِ ‏:‏ أَنَّهُ تَوَلَّى الْحُكْمَ ‏:‏ فِيمَا أَثَابَهُمْ ‏,‏ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهِ ‏:‏ عَلَى مَا عَلِمَ ‏:‏ مِنْ سَرَائِرِهِمْ ‏:‏ وَافَقَتْ سَرَائِرُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ ‏,‏ أَوْ خَالَفَتْهَا ‏.‏ فَإِنَّمَا جَزَاهُمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَحْبَطَ عَمَلَ ‏[‏ كُلِّ ‏]‏ مَنْ كَفَرَ بِهِ ‏.‏ ثُمَّ قَالَ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ فِيمَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ‏}‏ فَطَرَحَ عَنْهُمْ حُبُوطَ أَعْمَالِهِمْ ‏,‏ وَالْمَأْثَمَ بِالْكُفْرِ إذَا كَانُوا مُكْرَهِينَ ‏;‏ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ ‏:‏ بِالْإِيمَانٍ وَخِلَافِ الْكُفْرِ ‏.‏ وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ ‏:‏ حَتَّى يُؤْمِنُوا ‏;‏ وَأَبَانَ ذَلِكَ ‏[‏ جَلَّ وَعَزَّ ‏:‏ ‏]‏ حَتَّى يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ ‏.‏ ثُمَّ أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقَيْنِ إذَا أَسَرُّوا الْكُفْرَ ‏:‏ نَارَ جَهَنَّمَ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ ‏}‏ ‏;‏ إلَى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ مِنْ الْقَتْلِ ‏.‏ فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ ‏,‏ وَلَمْ يُزِلْ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامَ الْإِيمَانِ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْهُ ‏.‏ وَأَوْجَبَ لَهُمْ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ ‏;‏ بِعِلْمِهِ بِسَرَائِرِهِمْ ‏,‏ وَخِلَافِهَا ‏:‏ لِعَلَانِيَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ ‏.‏ وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ مَعَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ ‏:‏ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ الْحُجَّةِ بِأَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ أَنَّ عِلْمَهُ بِالسَّرَائِرِ وَالْعَلَانِيَةِ ‏,‏ وَاحِدٌ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ‏}‏ ‏;‏ مَعَ آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَعَرَّفَ جَمِيعَ خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ ‏:‏ أَنْ لَا عِلْمَ لَهُمْ ‏,‏ لَا مَا عَلَّمَهُمْ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ عَلَّمَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْعِلْمِ ‏,‏ وَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ‏,‏ ‏[‏ وَأَنْ إلَّا يَتَوَلَّوْا غَيْرَهُ إلَّا بِمَا عَلَّمَهُمْ ‏]‏ ‏.‏ فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ‏}‏ الْآيَةُ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ ‏}‏ ‏.‏ وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ ‏:‏ الَّتِي وَرَدَتْ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ ‏,‏ وَأَنَّهُ حَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عِلْمَ السَّاعَةِ ‏.‏ ‏[‏ ثُمَّ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ فَكَانَ مَنْ جَاوَزَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ ‏,‏ وَأَنْبِيَاءَهُ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ‏.‏ أَقْصَرَ عِلْمًا ‏,‏ وَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَاطَوْا حُكْمًا عَلَى غَيْبِ أَحَدٍ ‏:‏ ‏[‏ لَا ‏]‏ بِدَلَالَةٍ ‏,‏ وَلَا ظَنٍّ ‏.‏ لِتَقْصِيرِ عِلْمِهِمْ عَنْ عِلْمِ أَنْبِيَائِهِ ‏:‏ الَّذِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُهُ ‏,‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْحُدُودِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ عُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا ‏;‏ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا عَنْ الزُّنَاةِ كُلِّهِمْ ‏:‏ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ‏,‏ وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ‏.‏ فَحَدَّ اللَّهُ الْبِكْرَيْنِ ‏:‏ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ‏}‏ ‏.‏ وَاحْتَجَّ ‏:‏ ‏{‏ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏:‏ ‏{‏ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ ‏,‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ‏:‏ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ ‏:‏ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ ‏,‏ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ ‏:‏ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ‏.‏ ‏}‏ وَاحْتَجَّ فِي إثْبَاتِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ ‏,‏ وَنَسْخِ الْجَلْدِ عَنْهُ ‏.‏ بِحَدِيثِ عُمَرَ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ فِي الرَّجْمِ ‏,‏ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ‏:‏ ‏{‏ أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَهُ زَنَى بِامْرَأَةِ رَجُلٍ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ‏.‏ فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا ‏,‏ وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ‏.‏ فَاعْتَرَفَتْ ‏:‏ فَرَجَمَهَا ‏.‏ ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ كَانَ ابْنُهُ بِكْرًا ‏,‏ وَامْرَأَةُ الْآخَرِ ‏:‏ ثَيِّبًا ‏.‏ فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَنْ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ حَدَّ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي الزِّنَا ‏;‏ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَ ‏[‏ عُمَرُ ‏]‏ مِنْ حَدِّ الثَّيِّبِ فِي الزِّنَا ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏(‏ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏)‏ ‏:‏ فَثَبَتَ جَلْدُ مِائَةٍ وَالنَّفْيُ عَلَى الْبِكْرَيْنِ الزَّانِيَيْنِ ‏,‏ وَالرَّجْمُ عَلَى الثَّيِّبَيْنِ الزَّانِيَيْنِ ‏.‏ فَإِنْ كَانَا مِمَّنْ أُرِيدَا بِالْجَلَدِ فَقَدْ نُسِخَ عَنْهُمَا الْجَلَدُ مَعَ الرَّجْمِ ‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أُرِيدَا بِالْجَلَدِ ‏,‏ وَأُرِيدَ بِهِ الْبِكْرَانِ فَهُمَا مُخَالِفَانِ لِلثَّيِّبَيْنِ ‏,‏ وَرَجْمُ الثَّيِّبَيْنِ بَعْدَ آيَةِ الْجَلْدِ ‏:‏ ‏[‏ بِمَا ‏]‏ رَوَى النَّبِيُّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَنْ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏.‏ وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ ‏,‏ وَأَوْلَاهَا بِهِ عِنْدَنَا ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ فِي الْمَمْلُوكَاتِ ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالنِّصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَلْدِ الَّذِي يَتَبَعَّضُ فَأَمَّا الرَّجْمُ ‏:‏ الَّذِي هُوَ ‏:‏ قَتْلٌ فَلَا نِصْفَ لَهُ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ وَإِحْصَانُ الْأَمَةِ إسْلَامُهَا ‏.‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ‏,‏ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ ‏,‏ وَإِجْمَاعِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏.‏ وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ ‏,‏ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا ‏:‏ فَلِيَجْلِدْهَا ‏.‏ ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ مُحْصَنَةً كَانَتْ ‏,‏ أَوْ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ ‏.‏ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْإِمَاءِ ‏:‏ ‏(‏ فَإِذَا أُحْصِنَّ ‏)‏ إذَا أَسْلَمْنَ لَا إذَا نُكِحْنَ فَأُصِبْنَ بِالنِّكَاحِ ‏,‏ وَلَا إذَا أُعْتِقْنَ وَ ‏[‏ إنْ ‏]‏ لَمْ يُصَبْنَ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَجِمَاعُ الْإِحْصَانِ أَنْ يَكُونَ دُونَ الْمُحْصَنِ مَانِعٌ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ ‏.‏ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ ‏,‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ الْحُرِّيَّةُ مَانِعَةٌ ‏,‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ الزَّوْجِيَّةُ ‏,‏ وَالْإِصَابَةُ مَانِعٌ ‏,‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ مَانِعٌ ‏,‏ وَكُلُّ مَا مَنَعَ أَحْصَنَ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ‏}‏ ‏;‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ ‏}‏ ‏;‏ أَيْ مَمْنُوعَةٍ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَآخِرُ الْكَلَامِ وَأَوَّلُهُ ‏,‏ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَانِ الْمَذْكُورِ عَامٌّ فِي مَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ ‏;‏ إذْ الْإِحْصَانُ هَهُنَا ‏:‏ الْإِسْلَامُ ‏;‏ دُونَ ‏:‏ النِّكَاحِ ‏,‏ وَالْحُرِّيَّةِ ‏,‏ وَالتَّحَصُّنِ بِالْحَبْسِ وَالْعَفَافِ ‏.‏ وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ ‏:‏ الَّتِي يَجْمَعُهَا اسْمُ الْإِحْصَانِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ‏}‏ الْآيَةُ ‏(‏ 24 4 ‏)‏ الْمُحْصَنَاتُ هَهُنَا ‏:‏ الْبَوَالِغُ الْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ عَنْهُ ‏,‏ وَقَرَأْتُهُ فِي كِتَابِهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو بَكْرٍ ‏,‏ بِمِصْرَ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ النِّسَاءِ ‏;‏ ‏{‏ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ‏}‏ ‏,‏ ‏{‏ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ‏}‏ عَفَائِفَ غَيْرَ خَبَائِثَ ‏;‏ ‏(‏ فَإِذَا أُحْصِنَّ ‏)‏ قَالَ ‏:‏ فَإِذَا نُكِحْنَ ‏;‏ ‏{‏ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ‏}‏ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ‏}‏ ‏.‏ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ ‏,‏ وَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ ‏.‏ دُونَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةَ ‏,‏ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ‏:‏ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ ‏:‏ قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا ‏,‏ وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ ‏:‏ قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا ‏,‏ وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا ‏:‏ قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ‏,‏ وَإِذَا هَرَبُوا ‏:‏ طُلِبُوا حَتَّى يُوجَدُوا ‏;‏ فَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ ‏,‏ وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ ‏,‏ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا ‏:‏ نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ ‏,‏ وَهُوَ مُوَافِقٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏.‏ وَذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ ‏;‏ فَأَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ فَلَا حُدُودَ لَهُمْ ‏,‏ إلَّا ‏:‏ الْقَتْلُ ‏,‏ وَالسَّبْيُ ‏,‏ وَالْجِزْيَةُ ‏.‏ وَاخْتِلَافُ حُدُودِهِمْ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ‏}‏ ‏;‏ فَمَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ ‏:‏ سَقَطَ حَدُّ اللَّهِ ‏[‏ عَنْهُ ‏]‏ ‏,‏ وَأُخِذَ بِحُقُوقِ بَنِي آدَمَ ‏.‏ وَلَا يُقْطَعُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ‏,‏ إلَّا ‏:‏ مَنْ أَخَذَ قِيمَةِ رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ‏.‏ قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا ‏,‏ فَيُنْفَوْا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ ‏.‏ فَإِذَا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ أَيُّ هَذِهِ الْحُدُودِ كَانَ حَدَّهُمْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ ‏,‏ عَفْوٌ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّهُمْ ‏:‏ بِالْقَتْلِ ‏,‏ أَوْ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ ‏,‏ أَوْ الْقَطْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَوْلِيَاءَ ‏,‏ كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْقِصَاصِ فِي الْآيَتَيْنِ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ فِي الْخَطَإِ ‏:‏ ‏{‏ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ‏}‏ ‏.‏ وَذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ فَذَكَرَ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ ‏,‏ وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الْمُحَارِبَةِ ‏.‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبَةِ ‏,‏ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ ‏;‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حَتَّى جَاءَ إبْرَاهِيمُ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ ‏)‏ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَاَلَّذِي سَمِعْتُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ‏}‏ أَنْ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ ‏,‏ وَذَلِكَ فِي بَدَنِهِ ‏,‏ دُونَ مَالِهِ ‏.‏ فَإِنْ قَتَلَ ‏,‏ أَوْ كَانَ حَدًّا ‏:‏ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ ‏,‏ وَلَمْ يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏.‏ ‏[‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏]‏ جَزَى الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ ‏,‏ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا ‏.‏ وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ ‏:‏ لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ‏,‏ فِي مَالٍ ‏,‏ إلَّا ‏:‏ حَيْثُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ مِنْ الْحُرِّ عَلَى الْآدَمِيِّينَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا ‏[‏ مَا ‏]‏ سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هَذَا مِنْ ضِيَافَةٍ ‏,‏ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏.‏ وَلَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْجِنَايَةِ ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي السِّيَرِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ ‏[‏ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ‏:‏ لِعِبَادَتِهِ ‏;‏ ثُمَّ أَبَانَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ أَنَّ خِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ ‏:‏ أَنْبِيَاءَهُ ‏;‏ فَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ‏}‏ ‏;‏ فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ ‏(‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ ‏)‏ مِنْ أَصْفِيَائِهِ دُونَ عِبَادِهِ بِالْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ ‏,‏ وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ خَاصَّةِ صَفْوَتِهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ‏}‏ فَخَصَّ آدَمَ وَنُوحًا بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا ‏.‏ وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ ‏(‏ عليه السلام ‏)‏ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ‏}‏ ‏.‏ وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ‏,‏ وَآلِ عِمْرَانَ فِي الْأُمَمِ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ اصْطَفَى مُحَمَّدًا ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِنْ خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ ‏,‏ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ قَبْلَ إنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ ‏,‏ وَفَضِيلَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ ‏}‏ الْآيَةَ ‏:‏ وَقَالَ لِأُمَّتِهِ ‏:‏ ‏{‏ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ‏}‏ الْآيَةَ فَفَضَّلَهُمْ بِكَيْنُونَتِهِمْ مِنْ أُمَّتِهِ ‏,‏ دُونَ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ‏.‏ ثُمَّ أَخْبَرَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ ‏:‏ ‏[‏ أَنَّهُ ‏]‏ جَعَلَهُ فَاتِحَ رَحْمَتِهِ ‏,‏ عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ‏}‏ وَكَانَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى خَلْقِهِ ‏:‏ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأُمِّيِّينَ ‏:‏ وَأَنَّهُ فَتَحَ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ رَحْمَتَهُ ‏.‏ وَخَتَمَ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ نُبُوَّتَهُ ‏:‏ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ‏}‏ ‏.‏ وَقَضَى ‏:‏ أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ فَقَالَ ‏{‏ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ‏}‏ ‏.‏ مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ ‏,‏ وَالْفَرْضِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏;‏ ثُمَّ عَلَى النَّاسِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ‏;‏ قَالَا ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏:‏ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَرَائِضَهُ كَمَا شَاءَ ‏:‏ ‏{‏ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ‏}‏ ‏;‏ ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ‏,‏ فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ ‏:‏ فِي حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَيُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ‏:‏ مِنْ كِتَابِهِ ‏:‏ ‏{‏ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ ‏[‏ مَا ‏]‏ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ ‏:‏ ‏[‏ بِأَنْ ‏]‏ يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ ‏.‏ ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ‏(‏ عليه السلام ‏)‏ عَنْ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ ‏.‏ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ‏;‏ وَخَافَ ‏:‏ التَّكْذِيبَ ‏,‏ وَأَنْ يُتَنَاوَلَ ‏.‏ فَنَزَلَ عَلَيْهِ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغَتْ رِسَالَتَهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ‏}‏ فَقَالَ يَعْصِمُكَ مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوكَ حَتَّى تُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ ‏.‏ فَبَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ ‏;‏ فَنَزَلَ عَلَيْهِ ‏:‏ ‏{‏ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَأَعْلَمَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ هَلْ كُنْتُ إلَّا بَشَرًا رَسُولًا ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏,‏ وَأَنْزَلَ إلَيْهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ مِنْ أَذَاهُمْ ‏{‏ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ‏}‏ ‏.‏ فَفَرَضَ عَلَيْهِ إبْلَاغَهُمْ ‏,‏ وَعِبَادَتَهُ ‏.‏ وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ قِتَالَهُمْ ‏,‏ وَأَبَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ ‏,‏ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ‏:‏ ‏{‏ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ‏}‏ ‏,‏ وَقَوْلَهُ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏}‏ ‏,‏ وَقَوْلَهُ ‏:‏ ‏{‏ مَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ ‏}‏ مَعَ أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي ‏[‏ مِثْلِ ‏]‏ هَذَا الْمَعْنَى ‏.‏ وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ‏}‏ الْآيَةَ مَعَ مَا يُشْبِهُهَا ‏.‏ ثُمَّ أَنْزَلَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ بَعْدَ هَذَا فِي الْحَالِ الَّذِي فَرَضَ فِيهَا عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏}‏ ‏.‏ وَأَبَانَ لِمَنْ تَبِعَهُ ‏,‏ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا ‏[‏ فَرَضَ عَلَيْهِ ‏]‏ ‏;‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏

الْإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏:‏ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ ‏,‏ زَمَانًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِيهِ بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ‏;‏ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ ‏,‏ وَجَعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا ‏.‏ فَيُقَالُ ‏:‏ نَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ‏}‏ ‏.‏ فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ ‏[‏ بِالْهِجْرَةِ ‏]‏ مَخْرَجًا ‏;‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ‏}‏ الْآيَةَ وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا ‏[‏ مِنْهُمْ ‏]‏ طَائِفَةٌ ‏.‏ ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ‏[‏ فِي ‏]‏ الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ ‏:‏ غَيْرَ مُحَرِّمٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ ‏,‏ تَرْكُ الْهِجْرَةِ ‏.‏ وَذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَهْلَ الْهِجْرَةِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏{‏ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏{‏ وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ‏;‏ فَهَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ إلَى الْمَدِينَةِ ‏.‏ وَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هَذَا ‏,‏ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ ‏,‏ الْمُقَامَ بِهَا ‏:‏ وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ ‏.‏ وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا ‏.‏ ‏[‏ وَ ‏]‏ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ بِجِهَادٍ ‏.‏ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لَهُمْ بِالْجِهَادِ ‏;‏ ثُمَّ فَرَضَ بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِمْ أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ ‏,‏ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ ‏.‏

مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏:‏ فَأُذِنَ لَهُمْ بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ ‏;‏ قَبْلَ ‏[‏ أَنْ ‏]‏ يُؤْذَنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ ‏;‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ‏}‏ ‏,‏ وَأَبَاحَ لَهُمْ الْقِتَالَ ‏,‏ بِمَعْنًى أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ يُقَالُ ‏:‏ نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ ‏:‏ وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُقَالُ ‏:‏ نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ ‏,‏ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتَلُوا ‏,‏ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ‏}‏ وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ ‏,‏ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا ‏.‏

فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏:‏ وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْجِهَادَ ‏,‏ عَلَى رَسُولِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ‏;‏ بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ‏;‏ وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ‏;‏ فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ‏,‏ أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ ‏.‏ فَعَذَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ‏}‏ ‏,‏ وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا ‏.‏ وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ ‏,‏ الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ ‏,‏ وَلَا يُمْنَعُ ‏.‏ فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ ‏:‏ تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ ‏,‏ فَلَمْ يُهَاجِرْ ‏{‏ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏ وَأَبَانَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ‏}‏ الْآيَةَ قَالَ ‏:‏ وَيُقَالُ ‏:‏ ‏(‏ عَسَى ‏)‏ مِنْ اللَّهِ ‏:‏ وَاجِبَةٌ ‏.‏ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ ‏,‏ بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا ‏.‏ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا ‏,‏ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ ‏:‏ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ‏,‏ وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ ‏.‏ وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ ‏,‏ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ ‏.‏ فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏:‏ وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْجِهَادَ ‏,‏ عَلَى رَسُولِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ‏;‏ بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ‏;‏ وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ‏;‏ فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ‏,‏ أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ ‏.‏ فَعَذَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ‏}‏ ‏,‏ وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا ‏.‏ وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ ‏,‏ الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ ‏,‏ وَلَا يُمْنَعُ ‏.‏ فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ ‏:‏ تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ ‏,‏ فَلَمْ يُهَاجِرْ ‏{‏ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏ وَأَبَانَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ‏}‏ الْآيَةَ قَالَ ‏:‏ وَيُقَالُ ‏:‏ ‏(‏ عَسَى ‏)‏ مِنْ اللَّهِ ‏:‏ وَاجِبَةٌ ‏.‏ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ ‏,‏ بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا ‏.‏ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا ‏,‏ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ ‏:‏ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ‏,‏ وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ ‏.‏ وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ ‏,‏ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ ‏.‏

فَصْلٌ فِي أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ ‏;‏ أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ ‏,‏ بِاتِّبَاعِهِ ‏:‏ حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا ‏,‏ مَعَ عَوْنِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏,‏ قُوَّةٌ ‏:‏ بِالْعَدَدِ ‏;‏ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا ‏.‏ فَفَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَيْهِمْ ‏,‏ الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كَانَ إبَاحَةً لَا فَرْضًا ‏.‏ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ ‏}‏ الْآيَةَ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ‏}‏ ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏ مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا ‏:‏ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ ‏}‏ الْآيَةَ فَأَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ ‏;‏ مَعَ إبَانَتِهِ ذَلِكَ فِي ‏[‏ غَيْرِ ‏]‏ مَكَان ‏:‏ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ سَنُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ مَا حَضَرَنَا عَلَى وَجْهِهِ ‏;‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏ مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ فَرْضَ الْجِهَادِ ‏,‏ وَأَوْجَبَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ ‏.‏