فصل: فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن **


فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْجِهَادَ ‏:‏ دَلَّ فِي كِتَابِهِ ‏,‏ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنْ لَيْسَ يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى مَمْلُوكٍ ‏,‏ أَوْ أُنْثَى بَالِغٍ ‏;‏ وَلَا حُرٍّ لَمْ يَبْلُغْ ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ ‏;‏ فَكَانَ حَكَمَ ‏.‏ أَنْ لَا مَالَ لِلْمُلُوكِ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا ‏:‏ وَعَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ ‏,‏ مُؤْنَةٌ مِنْ الْمَالِ ‏;‏ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ ‏.‏ وَقَالَ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ‏}‏ ‏;‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ‏:‏ الذُّكُورَ ‏,‏ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ ‏:‏ الْمُؤْمِنَاتُ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ ‏}‏ ‏,‏ وَكُلُّ هـ ذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ ‏:‏ الذُّكُورَ ‏,‏ دُونَ الْإِنَاثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ‏}‏ ‏;‏ فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ‏}‏ ‏;‏ فَلَمْ يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا ‏:‏ تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ ‏.‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْعَمَلِ ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ ‏.‏ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ ‏,‏ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْتُ ‏.‏ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ فِي الْجِهَادِ ‏:‏ ‏{‏ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏}‏ ‏;‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقِيلَ الْأَعْرَجُ ‏:‏ الْمُقْعَدُ ‏.‏ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْعَرَجَ فِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَقِيلَ ‏:‏ نَزَلَتْ ‏[‏ فِي ‏]‏ أَنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قَالُوا ‏,‏ وَغَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ غَيْرَهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي حَدِّ الضُّعَفَاءِ ‏,‏ وَغَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ ‏,‏ وَلَا الصَّلَاةِ ‏,‏ وَلَا الصَّوْمِ ‏,‏ وَلَا الْحُدُودِ ‏.‏ فَلَا يَحْتَمِلُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ‏,‏ إلَّا ‏:‏ وَضْعُ الْحَرَجِ فِي الْجِهَادِ ‏;‏ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ ‏.‏ وَقَالَ فِيمَا بَعُدَ غَزْوُهُ عَنْ الْمَغَازِي وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى اللَّيْلَتَيْنِ فَصَاعِدًا ‏.‏ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ ‏:‏ إذَا لَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً ‏,‏ وَيَدَعُ لِمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ‏,‏ قُوتَهُ إلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ فِي غَزْوِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ‏}‏ ‏.‏ ‏(‏ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فَغَزَا مَعَهُ بَعْضُ مَنْ يُعْرَفُ نِفَاقُهُ فَانْخَزَلَ عَنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ ‏.‏ ثُمَّ شَهِدُوا مَعَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مِنْ قَوْلِهِمْ ‏:‏ ‏{‏ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ ‏,‏ فَشَهِدَهَا مَعَهُ مِنْهُمْ ‏,‏ عَدَدٌ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مِنْ قَوْلِهِمْ ‏:‏ ‏{‏ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ‏}‏ ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَكَى اللَّهُ مِنْ نِفَاقِهِمْ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ ‏,‏ فَشَهِدَهَا مَعَهُ مِنْهُمْ ‏,‏ قَوْمٌ ‏:‏ نَفَرُوا بِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ ‏:‏ لِيَقْتُلُوهُ ‏;‏ فَوَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهُمْ ‏.‏ وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مِنْهُمْ فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَيْهِ ‏,‏ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ ‏,‏ أَوْ مُنْصَرَفِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تَبُوكَ قِتَالٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ ‏;‏ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ‏}‏ ‏;‏ قَرَأَ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ‏}‏ ‏.‏ فَأَظْهَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِرَسُولِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَسْرَارَهُمْ ‏,‏ وَخَبَرَ السَّمَّاعِينَ لَهُمْ ‏,‏ وَابْتِغَاءَهُمْ أَنْ يَفْتِنُوا مَنْ مَعَهُ بِالْكَذِبِ وَالْإِرْجَافِ ‏,‏ وَالتَّخْذِيلِ لَهُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ ‏,‏ ‏[‏ فَثَبَّطَهُمْ ‏]‏ إذْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ ‏,‏ فَكَانَ فِيهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَمَرَ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ عُرِفَ بِمَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ‏:‏ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ ‏.‏ ثُمَّ زَادَ فِي تَأْكِيدِ بَيَانِ ذَلِكَ ‏,‏ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ‏}‏ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏[‏ قَرَأَ ‏]‏ إلَى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ‏}‏ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ ‏}‏ ‏.‏ فَفَرَضَ اللَّهُ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ‏,‏ ثُمَّ أَبَانَ مَنْ الَّذِينَ نَبْدَأُ بِجِهَادِهِمْ ‏:‏ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏؟‏ فَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي فَرْضِ جِهَادِهِمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُجَاهَدَ أَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارًا لِأَنَّهُمْ إذَا قَوُوا عَلَى جِهَادِهِمْ وَجِهَادِ غَيْرِهِمْ ‏:‏ كَانُوا عَلَى جِهَادِ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ أَقْوَى وَكَانَ مَنْ قَرُبَ ‏,‏ أَوْلَى أَنْ يُجَاهَدَ ‏:‏ لِقُرْبِهِ مِنْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ‏;‏ فَإِنَّ نِكَايَةَ مَنْ قَرُبَ أَكْثَرُ مِنْ نِكَايَةِ مَنْ بَعُدَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى الْجِهَادَ فِي كِتَابِهِ ‏)‏ ‏,‏ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏.‏ ثُمَّ أَكَّدَ النَّفِيرَ مِنْ الْجِهَادِ فَقَالَ ‏{‏ إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏ وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ‏}‏ الْحَدِيثَ ‏.‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ ‏[‏ وَقَالَ ‏]‏ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ فَاحْتَمَلَتْ الْآيَاتُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ كُلُّهُ ‏,‏ وَالنَّفِيرُ خَاصَّةً مِنْهُ ‏:‏ ‏[‏ عَلَى ‏]‏ كُلِّ مُطِيقٍ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْهُ ‏.‏ كَمَا كَانَتْ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ فَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ ‏:‏ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضٌ ‏[‏ مِنْهَا ‏]‏ ‏.‏ أَنْ يُؤَدِّيَ غَيْرُهُ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ ‏;‏ لِأَنَّ عَمَلَ أَحَدٍ فِي هَذَا ‏,‏ لَا يُكْتَبُ لِغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَرْضِهَا ‏,‏ غَيْرَ مَعْنَى فَرْضِ الصَّلَاةِ ‏.‏ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قُصِدَ بِالْفَرْضِ فِيهَا ‏:‏ قَصْدَ الْكِفَايَةِ ‏;‏ فَيَكُونُ مَنْ قَامَ بِالْكِفَايَةِ فِي جِهَادِ مَنْ جُوهِدَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُدْرِكًا تَأْدِيَةَ الْفَرْضِ وَنَافِلَةَ الْفَضْلِ وَمُخْرِجًا مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمَأْثَمِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَوَعَدَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَادِ ‏:‏ الْحُسْنَى عَلَى الْإِيمَانِ ‏,‏ وَأَبَانَ فَضِيلَةَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ ‏.‏ وَلَوْ كَانُوا آثِمِينَ بِالتَّخَلُّفِ ‏:‏ إذَا غَزَا غَيْرُهُمْ ‏.‏ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْإِثْمِ إنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ ‏[‏ عَنْهُمْ ‏]‏ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ الْحُسْنَى ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ‏}‏ فَأَخْبَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ‏;‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا ‏}‏ ‏;‏ فَأَخْبَرَ أَنَّ النَّفِيرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ ‏[‏ وَ ‏]‏ أَنَّ التَّفَقُّهَ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏,‏ وَغَزَا مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ ‏,‏ وَخَلَّفَ آخَرِينَ ‏:‏ حَتَّى خَلَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ‏,‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏,‏ وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ ‏:‏ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ ‏,‏ وَالدَّفْنَ ‏:‏ وَرَدَّ السَّلَامِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ‏;‏ ‏(‏ قَالَا ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ ‏:‏ ‏)‏ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ‏}‏ ‏;‏ ‏[‏ إلَى ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏}‏ ‏;‏ فَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ ‏,‏ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ ‏.‏ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ‏}‏ ‏;‏ بَعْدَ بَدْرٍ ‏.‏ وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ كُلَّ غَنِيمَةٍ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ يَرْفَعُ خُمُسَهَا ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا ‏:‏ وَافِرًا عَلَى مَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا ‏:‏ السَّلَبَ ‏;‏ فَإِنَّهُ سُنَّ ‏:‏ لِلْقَاتِلِ ‏[‏ فِي الْإِقْبَالِ ‏]‏ فَكَانَ السَّلَبُ خَارِجًا مِنْهُ ‏.‏ وَإِلَّا ‏:‏ الصَّفِيَّ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ يَأْخُذُهُ ‏:‏ خَارِجًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَقِيلَ ‏:‏ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ سَهْمِهِ مِنْ الْخُمُسِ ‏.‏ وَإِلَّا ‏:‏ الْبَالِغِينَ مِنْ السَّبْيِ ‏;‏ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ سَنَّ فِيهِمْ سُنَنًا ‏:‏ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ ‏,‏ وَفَادَى بِبَعْضِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَأَمَّا وَقْعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ‏,‏ وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ ‏,‏ وَقَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ‏(‏ يَعْنِي فِي الْغَنِيمَةِ ‏)‏ ‏.‏ وَكَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ‏;‏ فَتَوَقَّفُوا فِيمَا صَنَعُوا ‏[‏ حَتَّى نَزَلَتْ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ‏,‏ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ‏:‏ ‏{‏ إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ‏}‏ ‏;‏ فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ‏}‏ ‏;‏ فَخَفَّفَ عَنْهُمْ ‏,‏ وَكَتَبَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ هَذَا ‏:‏ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُسْتَغْنًى فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنْ التَّأْوِيلِ ‏.‏ لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ ‏:‏ أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ ‏;‏ فَكَانَ هَكَذَا ‏:‏ الْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ ‏.‏ ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَيَّرَ الْأَمْرَ إلَى أَنْ لَا يَفِرَّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ ‏.‏ أَنْ لَا يَفِرَّ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ ‏.‏ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ‏:‏ فَلَمْ يَفِرَّ ‏,‏ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ ‏:‏ فَقَدْ فَرَّ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَلَّ ‏:‏ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ يَمِينًا ‏,‏ وَشِمَالًا ‏,‏ وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ‏:‏ ‏[‏ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏]‏ ‏:‏ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ‏,‏ كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مَبِينَةً عَنْهُ ‏:‏ فَسَوَاءٌ ‏;‏ إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ ‏,‏ أَوْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِنْ ‏[‏ كَانَ ‏]‏ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا تَحَرَّفَ ‏:‏ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ ‏,‏ أَوْ تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَخَطِهِ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ ‏.‏ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ خِفْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ ‏[‏ عَنْهُ ‏]‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ ‏,‏ وَلَا يَسْتَوْجِبُونَ السَّخَطَ عِنْدِي مِنْ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ عَلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ ‏,‏ أَوْ التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ ‏.‏ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ إنَّمَا يُوجِبُ سَخَطَهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَرْضَهُ ‏,‏ وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي بَنِي النَّضِيرِ حِينَ حَارَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ‏}‏ فَوَصَفَ إخْرَابَهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَيْدِهِمْ ‏,‏ وَإِخْرَابَ الْمُؤْمِنِينَ بُيُوتَهُمْ وَوَصْفُهُ إيَّاهُ ‏[‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏]‏ ‏:‏ كَالرِّضَا بِهِ ‏.‏ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِقَطْعِ نَخْلٍ مِنْ أَلْوَانِ نَخْلِهِمْ ‏;‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ ‏:‏ رِضًا بِمَا صَنَعُوا ‏.‏ ‏{‏ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ‏}‏ فَرَضِيَ الْقَطْعَ ‏,‏ وَأَبَاحَ التَّرْكَ ‏.‏ وَالْقَطْعُ وَالتَّرْكُ مَوْجُودَانِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَرَكَ ‏,‏ وَقَطَعَ نَخْلَ غَيْرِهِمْ وَتَرَكَ ‏,‏ وَمِمَّنْ غَزَا ‏:‏ مَنْ لَمْ يَقْطَعْ نَخْلَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَرْبِيِّ ‏:‏ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ قَدْ نَالَ مُسْلِمًا ‏,‏ أَوْ مُعَاهَدًا ‏,‏ ‏[‏ أَوْ مُسْتَأْمَنًا ‏]‏ ‏:‏ بِقَتْلٍ ‏,‏ أَوْ جَرْحٍ ‏,‏ أَوْ مَالٍ ‏.‏ لَمْ يَضْمَنْ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏ ‏;‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَمَا سَلَفَ مَا تَقَضَّى وَذَهَبَ ‏.‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا ‏}‏ ‏,‏ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا مَضَى ‏:‏ ‏[‏ مِنْهُ ‏]‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ ‏(‏ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏)‏ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏:‏ وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِحُكْمِ اللَّهِ كُلَّ رِبًا ‏:‏ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ ‏,‏ وَلَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا قَبَضَ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَرُدَّهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ‏(‏ فِي آخَرِينَ ‏)‏ ‏;‏ قَالُوا ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيًّا ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ ‏,‏ يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ‏;‏ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَهَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ ‏.‏ فَقَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَهَا ‏:‏ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ ‏,‏ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ ‏.‏ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ‏;‏ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ ‏:‏ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فَقَالَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ‏؟‏ فَقَالَ ‏:‏ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ‏,‏ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ‏,‏ وَكَانَ ‏[‏ مَنْ ‏]‏ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قِرْبَاتِهِمْ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا ‏,‏ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ إنَّهُ قَدْ صَدَقَ ‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ‏,‏ وَمَا يُدْرِيكَ ‏:‏ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ‏;‏ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ‏.‏ وَنَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ‏}

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ‏:‏ طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ ‏,‏ كَمَا قَالَ ‏:‏ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ شَكًّا فِي الْإِسْلَامِ ‏,‏ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ ‏:‏ لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا ‏:‏ رَغْبَةً عَنْ الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا احْتَمَلَ فِعْلُهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ دِينَهُ ‏:‏ الَّذِي بَعَثَ بِهِ ‏]‏ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ ‏,‏ وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ ‏:‏ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ ‏.‏ فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ الْأُمِّيِّينَ ‏:‏ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا ‏,‏ وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَسَبَى ‏:‏ حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ ‏,‏ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ ‏:‏ صَاغِرِينَ ‏,‏ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَهَذَا ‏:‏ ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ يُقَالُ ‏:‏ لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ اللَّهُ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ‏}‏ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏:‏ فَقِيلَ ‏[‏ فِيهِ ‏]‏ ‏:‏ ‏(‏ فِتْنَةٌ ‏)‏ ‏:‏ شِرْكٌ ‏,‏ ‏(‏ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ‏)‏ ‏:‏ وَاحِدًا ‏(‏ لِلَّهِ ‏)‏ ‏.‏ وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ‏}‏ ‏.‏ وَذَكَرَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ ‏,‏ وَقَوْلَهُ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ‏;‏ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ ‏,‏ وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى ‏,‏ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ ‏,‏ وَلَا مُخَالِفًا لَهُ ‏.‏ وَلَكِنَّ إحْدَى الْآيَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي مَخْرَجُهُ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ ‏,‏ وَمِنْ الْجُمَلِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمُفَسِّرُ ‏.‏ فَأَمْرُ اللَّهِ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ ‏:‏ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ‏;‏ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَمْرُهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ‏.‏ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ‏]‏ ‏;‏ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏.‏ وَفَرْضُ اللَّهِ ‏:‏ قِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ‏.‏ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ ‏:‏ ‏[‏ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً ‏]‏ فَالْفَرْضُ فِيمَنْ دَانَ وَآبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏.‏ أَنْ يُقَاتَلُوا إذْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ ‏;‏ حَتَّى يُسْلِمُوا وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ ‏;‏ ‏[‏ بِكِتَابِ اللَّهِ ‏,‏ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ‏]‏ ‏.‏ وَالْفَرْضُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ دَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ‏[‏ كُلِّهِ ‏]‏ دِينَهُمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ‏,‏ أَوْ يُسْلِمُوا وَسَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا ‏,‏ أَوْ عَجَمًا ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَلِلَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ كُتُبٌ ‏:‏ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ‏;‏ ‏[‏ الْمَعْرُوفُ ‏]‏ مِنْهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ ‏:‏ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ‏.‏ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنَّهُ أَنْزَلَ غَيْرَهُمَا ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ‏}‏ ‏.‏ وَلَيْسَ يُعْرَفُ تِلَاوَةُ كِتَابِ إبْرَاهِيمَ وَذِكْرُ زَبُورَ دَاوُد ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالْمَجُوسُ ‏:‏ أَهْلُ كِتَابٍ ‏:‏ غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ‏;‏ وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَدَانَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ ‏.‏ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِنْ بَعْضِهِمْ ‏,‏ الْجِزْيَةَ وَسَمَّى مِنْهُمْ ‏[‏ فِي مَوْضِعٍ ‏]‏ آخَرَ ‏:‏ أُكَيْدِرَ دُومَةَ ‏,‏ وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ كِنْدَةَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ حَكَمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْمُشْرِكِينَ ‏,‏ حُكْمَيْنِ ‏.‏ فَحَكَمَ أَنْ يُقَاتَلَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ ‏:‏ حَتَّى يُسْلِمُوا ‏;‏ وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ‏:‏ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَحَلَّ اللَّهُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ ‏:‏ طَعَامُهُمْ ‏:‏ ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ ‏:‏ كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَكُلَّ مَنْ دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ ‏.‏ وَكَانَتْ دَلَالَةُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏,‏ ثُمَّ ‏[‏ مَا ‏]‏ لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏,‏ وَفَرَّقَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ ‏,‏ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ ‏.‏ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ‏.‏ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ‏;‏ وَمَا آتَاهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِمْ ‏.‏ فَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ ‏.‏ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ إلَّا ‏:‏ لِمَعْنًى ‏;‏ لَا أَهْلَ كِتَابٍ مُطْلَقٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ ‏,‏ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ ‏,‏ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ ‏:‏ كَالْمَجُوسِ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إنَّمَا أَحَلَّ لَنَا ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ وَذَكَرَ الرِّوَايَةَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَاَلَّذِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ ‏;‏ وَأَنَّهُ تَلَا ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ‏}‏ فَهُوَ لَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ كَانَ الْمَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ‏(‏ رضي الله عنهما ‏)‏ أَوْلَى ‏,‏ وَمَعَهُ الْمَعْقُولُ ‏.‏ فَأَمَّا ‏:‏ ‏{‏ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ‏}‏ ‏;‏ فَمَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ حُكْمِهِمْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ ‏:‏ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ‏,‏ وَدَانُوا دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ‏:‏ نُكِحَتْ نِسَاؤُهُمْ ‏,‏ وَأُكِلَتْ ذَبَائِحُهُمْ ‏:‏ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي فَرْعٍ مِنْ دِينِهِمْ ‏.‏ لِأَنَّهُمْ ‏[‏ فُرُوعٌ ‏]‏ قَدْ يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي أَصْلِ الدَّيْنُونَةِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ ‏,‏ وَلَمْ تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ‏}‏ ‏;‏ فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا عَنْ يَدٍ صَاغِرًا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَسَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ ‏:‏ الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ‏.‏ وَمَا أَشْبَهَ ‏,‏ مَا قَالُوا ‏,‏ بِمَا قَالُوا ‏:‏ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ ‏;‏ فَإِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْهُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنَّ الَّذِينَ فُرِضَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ‏:‏ الَّذِينَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالْبُلُوغِ ‏:‏ فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏,‏ وَأَقَامُوا عَلَى مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ عَلَيْهَا ‏:‏ الَّذِينَ فِيهِمْ الْقِتَالُ ‏,‏ وَهُمْ ‏:‏ الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ ‏.‏ ثُمَّ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِثْلَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ فَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمُحْتَلِمِينَ ‏,‏ دُونَ مَنْ دُونَهُمْ وَدُونَ النِّسَاءِ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ‏}‏ الْآيَةَ فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ‏:‏ الْحَرَمُ وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي رِسَالَةِ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ ‏,‏ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ‏.‏ ‏}‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا ‏,‏ وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ‏}‏ ‏.‏ فَبِذَا فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَطَاقُوهُ ‏;‏ فَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُ فَإِنَّمَا كُلِّفُوا مِنْهُ مَا أَطَاقُوهُ ‏;‏ فَلَا بَأْسَ ‏:‏ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏,‏ وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ فَهَادَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏(‏ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ‏)‏ فَكَانَتْ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ ‏,‏ وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ فِي أَمْرِهِمْ ‏:‏ ‏{‏ إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَذَكَرَ ‏:‏ دُخُولَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ ‏:‏ حِينَ أَمِنُوا ‏.‏ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي مُهَادَنَةِ مَنْ يَقْوَى عَلَى قِتَالِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ ‏:‏ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ‏.‏ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ‏}‏ الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ لَمَّا قَوِيَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ عَلَى النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ ‏:‏ ‏{‏ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ فَقِيلَ ‏:‏ كَانَ الَّذِينَ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ‏;‏ ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ كَذَلِكَ ‏.‏ وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُ ‏,‏ وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خِيَانَةً مِنْهُمْ نَبَذَ إلَيْهِ ‏.‏ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَأْنَفَ مُدَّةٌ ‏,‏ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ ‏:‏ وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ ‏.‏ إلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ مَنْ جَاءَ ‏:‏ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ ‏;‏ فَحَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ ‏:‏ حَتَّى يَتْلُوَ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏,‏ وَيَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ‏}‏ وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ ‏,‏ أَوْ حَيْثُ مَا يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ‏}‏ ‏;‏ ‏[‏ يَعْنِي ‏]‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِكَ ‏;‏ ‏[‏ أَوْ ‏]‏ مِمَّنْ يُطِيعُكَ لَا أَمَانَهُ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ غَيْرِكَ مِنْ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِ ‏:‏ الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ ‏,‏ وَلَا يُطِيعُكَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ ‏,‏ وَالْعَهْدِ ‏:‏ كَانَ بِيَمِينٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِهَا ‏.‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ‏}‏ ‏,‏ وَفِي وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ‏}‏ ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ ‏:‏ بِالْأَيْمَانِ ‏;‏ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ ‏;‏ ‏[‏ مِنْهَا ‏]‏ ‏:‏ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ ‏}‏ ‏;‏ ثُمَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ‏}‏ ‏;‏ مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ هَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ ‏,‏ فَظَاهِرُهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ ‏.‏ وَيُشْبِهُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ أَرَادَ ‏:‏ ‏[‏ أَنْ ‏]‏ يُوفُوا بِكُلِّ عَقْدٍ ‏:‏ كَانَ بِيَمِينٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ يَمِينٍ ‏.‏ وَكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ إذَا كَانَ فِي الْعَقْدَيْنِ لِلَّهِ طَاعَةٌ ‏,‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ ‏.‏ وَاحْتَجَّ ‏:‏ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ ‏;‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ مِنْهُمْ مُسْلِمَةً ‏;‏ ‏(‏ سَمَّاهَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ ‏:‏ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ‏)‏ ‏.‏ ‏:‏ ‏{‏ إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ ‏}‏ الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ‏}‏ فَفَرَضَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا النِّسَاءَ ‏,‏ وَقَدْ أَعْطَوْهُمْ ‏:‏ رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ ‏,‏ وَهُنَّ مِنْهُمْ فَحَبَسَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏;‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَيْهِ ‏:‏ ‏{‏ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي صُلْحِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ‏,‏ وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ صُلْحُهُ لَهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ ‏;‏ إمَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِمَا صَنَعَ ‏;‏ نَصًّا ‏,‏ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ جَعَلَ ‏[‏ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى ‏;‏ ثُمَّ أَنْزَلَ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ فَصَارُوا إلَى قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏]‏ ‏,‏ وَنَسَخَ ‏[‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏]‏ فِعْلَهُ ‏,‏ بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ ‏.‏ وَكُلٌّ كَانَ ‏:‏ طَاعَةً لِلَّهِ فِي وَقْتِهِ ‏,‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ‏:‏ مَنْعُ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ ‏,‏ مِنْ أَنْ يَرْدُدْنِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ ‏,‏ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ ‏.‏ بَيْنَهُنَّ ‏,‏ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ ‏.‏ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْعِصْمَةِ ‏:‏ إذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ وَلَمْ يُسْلِمْ أَزْوَاجُهُنَّ ‏:‏ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏.‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتُهُمْ ‏,‏ وَمَعْقُولٌ فِيهَا أَنَّ نَفَقَاتِهِمْ الَّتِي تُرَدُّ ‏:‏ نَفَقَاتُ اللَّاتِي مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ ‏,‏ وَهِيَ ‏:‏ الْمُهُورُ ‏;‏ إذَا كَانُوا قَدْ أَعْطَوْهُنَّ إيَّاهَا ‏.‏ وَبَيِّنٌ أَنَّ الْأَزْوَاجَ ‏:‏ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ النَّفَقَاتِ ‏:‏ لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ‏.‏ وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ ‏:‏ الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ ‏.‏ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ‏;‏ إنَّمَا كَانَ الْإِشْكَالُ فِي نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ‏;‏ حَتَّى قَطَعَ اللَّهُ عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ ‏,‏ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤَدِّي أَحَدٌ نَفَقَةً فِي امْرَأَةٍ فَاتَتْ ‏,‏ إلَّا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِلْمُسْلِمِينَ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ‏}‏ فَأَبَانَهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ ‏.‏ وَكَانَ الْحُكْمُ فِي إسْلَامِ الزَّوْجِ ‏,‏ الْحُكْمَ فِي إسْلَامِ الْمَرْأَةِ ‏:‏ لَا يَخْتَلِفَانِ ‏.‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏;‏ ‏{‏ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ‏}‏ ‏.‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ ‏:‏ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ‏;‏ إذَا مَنَعَهُنَّ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِنَّ ‏:‏ بِالْإِسْلَامِ أَدَّوْا مَا دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ مِنْ الْمُهُورِ ‏;‏ كَمَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ مَا دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْمُهُورِ ‏.‏ وَجَعَلَهُ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ حُكْمًا بَيْنَهُمْ ‏.‏ ثُمَّ حَكَمَ ‏[‏ لَهُمْ ‏]‏ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا ‏;‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ ‏}‏ كَأَنَّهُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ يُرِيدُ فَلَمْ تَعْفُوا عَنْهُمْ إذَا لَمْ يَعْفُوا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ ‏;‏ ‏{‏ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ‏}‏ ‏.‏ كَأَنَّهُ يَعْنِي مِنْ مُهُورِهِمْ ‏;‏ إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ ‏:‏ أَتَتْنَا مُسْلِمَةً ‏;‏ قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً فِي مَهْرِهَا ‏;‏ وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ ‏,‏ قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ ‏,‏ بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ ‏.‏ فَقِيلَ ‏:‏ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَيُكْتَبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ ‏:‏ ‏[‏ حَتَّى ‏]‏ يُعْطَى الْمُشْرِكُ مَا قَصَصْنَاهُ مِنْ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ ‏:‏ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ ‏.‏ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى ‏[‏ هَذَا ‏]‏ الْقَوْلِ فِي مَوْضُوعِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي صُلْحِ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِالْحُدَيْبِيَةِ ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَهَبْتُ إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ‏;‏ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ فِي الصُّلْحِ لَمْ يُعْطَ أَزْوَاجُهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ‏}‏ ‏.‏ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النَّبِيَّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَنْهُمْ ‏,‏ شَيْءٌ ‏:‏ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خِيَانَتِهِمْ فَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوفِ أَهْلُ الْهُدْنَةِ ‏,‏ بِجَمِيعِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ ‏.‏ وَمَنْ قُلْتَ ‏:‏ لَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ ‏;‏ فَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ‏;‏ ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهُ ‏;‏ كَمَا يُحَارِبُ مَنْ لَا هُدْنَةَ لَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ لِنَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏,‏ بَيَانٌ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ جَعَلَ لِنَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ الْخِيَارَ ‏:‏ فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ‏,‏ أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِ إنْ حَكَمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ‏.‏ وَالْقِسْطُ ‏:‏ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ الْمَحْضُ الصَّادِقُ ‏,‏ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ عَهْدًا بِاَللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏,‏ مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لَهُ ‏,‏ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَ ‏:‏ وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏.‏ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏}‏ إنْ حَكَمْت لَا عَزْمًا أَنْ تَحْكُمَ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ ‏,‏ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ‏,‏ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ ‏:‏ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ ‏,‏ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ ‏؟‏ ‏,‏ أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ وَبَدَّلُوا ‏,‏ وَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ ‏,‏ فَقَالُوا ‏:‏ ‏{‏ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ‏}‏ ‏؟‏ ‏,‏ أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ ‏؟‏ ‏,‏ وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ‏.‏ هَذَا ‏:‏ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ ‏,‏ وَبِمَعْنَاهُ أَجَابَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ‏,‏ وَقَالَ فِيهِ ‏:‏ فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ ‏}‏ إنْ حَكَمْتَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ‏}‏ فَتِلْكَ مُفَسِّرَةٌ ‏,‏ وَهَذِهِ ‏:‏ جُمْلَةٌ ‏.‏ وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ تَوَلَّوْا ‏}‏ ‏;‏ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا ‏:‏ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ ‏.‏ وَلَوْ كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏}‏ ‏;‏ إلْزَامًا مِنْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ ‏:‏ أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَوَلَّوْنَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ ‏;‏ فَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتُوا ‏;‏ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ تَوَلَّوْا ‏.‏ وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ ‏:‏ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ ‏;‏ ‏[‏ وَ ‏]‏ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ‏}‏ ‏;‏ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الْمُوَادَعِينَ ‏:‏ الَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا جِزْيَةً ‏,‏ وَلَمْ يُقِرُّوا بِأَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَاَلَّذِي قَالُوا ‏,‏ يُشْبِهُ مَا قَالُوا ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَإِنْ تَوَلَّوْا ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ حُكْمِكَ ‏[‏ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ‏]‏ فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَتَاكَ ‏:‏ غَيْرَ مَقْهُورٍ عَلَى الْحُكْمِ ‏.‏ وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي امْرَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَجُلٍ ‏:‏ زَنَيَا مُوَادَعُونَ ‏;‏ فَكَانَ فِي التَّوْرَاةِ ‏:‏ الرَّجْمُ ‏,‏ وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فَجَاءُوا بِهِمَا ‏:‏ فَرَجْمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ‏:‏ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ ‏;‏ ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ‏:‏ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ‏,‏ أَوْ يَدَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ‏:‏ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ‏.‏ فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ ‏:‏ حَارَبَهُمْ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ ‏:‏ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ الْمُعَاهَدِينَ ‏:‏ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ ‏.‏ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَإِذَا أَبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ‏,‏ مَا فِيهِ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ حَقٌّ عَلَيْهِ ‏;‏ فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ ‏,‏ يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ يَحْكُمَ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ ‏:‏ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ ‏:‏ رَاضِيًا بِحُكْمِهِ ‏,‏ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخَطَ لِحُكْمِهِ ‏.‏ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَهُمْ صَاغِرُونَ ‏}‏ ‏.‏ فَكَانَ الصَّغَارُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ وَكَأَنَّهُ وَقَفَ حِينَ صَنَّفَ كِتَابَ الْجِزْيَةِ أَنَّ آيَةَ الْخِيَارِ وَرَدَتْ فِي الْمُوَادِعِينَ ‏;‏ فَرَجَعَ عَمَّا قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْمُعَاهَدِينَ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا ‏.‏

قَرَأْتُ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ السُّنَنِ ‏)‏ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ إذَا أَذِنَ فِي أَكْلِ مَا أَمْسَكَ الْجَوَارِحُ أَنَّهُمْ إنَّمَا اتَّخَذُوا الْجَوَارِحَ ‏,‏ لِمَا لَمْ يَنَالُوهُ إلَّا بِالْجَوَارِحِ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَمْرَهُ بِالذَّبْحِ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ‏}‏ ‏:‏ كَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ فِيمَا فِيهِ الذَّبْحُ وَالذَّكَاةُ ‏;‏ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَمَّا كَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏,‏ مَا وَصَفْتُ ‏:‏ انْبَغَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي ‏,‏ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا حَلَّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ‏[‏ مِنْهُ ‏]‏ مِثْلُ الذَّبْحِ ‏,‏ أَوْ النَّحْرِ ‏;‏ وَذَكَاةُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يُقْتَلُ بِهِ ‏:‏ جَارِحٌ ‏,‏ أَوْ سِلَاحٌ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ ‏:‏ الَّذِي إذَا أُشْلِيَ ‏:‏ اسْتَشْلَى ‏,‏ وَإِذَا أَخَذَ ‏:‏ حَبَسَ ‏,‏ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ‏:‏ كَانَ مُعَلَّمًا ‏,‏ يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ ‏:‏ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ‏;‏ فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ ‏:‏ الَّذِي إذَا أُشْلِيَ ‏:‏ اسْتَشْلَى ‏,‏ وَإِذَا أَخَذَ ‏:‏ حَبَسَ ‏,‏ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ‏:‏ كَانَ مُعَلَّمًا ‏,‏ يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ ‏:‏ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ‏;‏ فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَحَلَّ اللَّهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ ‏:‏ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ ‏:‏ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏;‏ فَهِيَ ‏:‏ حَلَالٌ ‏.‏ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏;‏ مِثْلَ ‏:‏ اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ ‏[‏ وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا ‏.‏ ‏]‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا ‏:‏ وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ ‏,‏ دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ ‏:‏ إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ ‏:‏ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ ‏,‏ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ ‏:‏ وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِشِرْكٍ كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ ‏;‏ أَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ لُحُومَ الْبُدْنِ مُطْلَقَةً ‏;‏ فَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا ‏}‏ ‏,‏ وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ ‏,‏ وَلَا جَزَاءُ صَيْدٍ وَلَا فِدْيَةٌ ‏.‏ فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ ‏,‏ وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا أَنَّهَا بِخِلَافِ الْقُرْآن وَلَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ‏;‏ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهَكَذَا ‏:‏ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ مُشْبِهَةٌ لِمَا قُلْنَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَاجِبُ مَنْ أَهْدَى نَافِلَةً أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ‏}‏ ‏,‏ وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ‏}‏ ‏.‏ وَالْقَانِعُ هُوَ ‏:‏ السَّائِلُ ‏;‏ وَالْمُعْتَرُّ هُوَ ‏:‏ الزَّائِرُ ‏,‏ وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ فَإِذَا أَطْعَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدًا ‏:‏ كَانَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مَا أَكْثَرَ أَنْ يُطْعِمَ ثُلُثًا ‏,‏ وَأَنْ يُهْدِيَ ثُلُثًا ‏,‏ وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا ‏:‏ يَهْبِطُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالضَّحَايَا فِي هَذِهِ السَّبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏,‏ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ ‏:‏ وَالْقَانِعُ ‏:‏ الْفَقِيرُ ‏;‏ وَالْمُعْتَرُّ ‏:‏ الزَّائِرُ وَقَدْ قِيلَ ‏:‏ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ مِنْهُمَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ ‏,‏ أَوْ مَنْ سَمِعْتُ ‏[‏ مِنْهُ ‏]‏ مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا ‏}‏ يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ ‏.‏ فَإِنَّ الْعَرَبَ ‏:‏ قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ ‏,‏ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا ‏.‏ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ‏}‏ ‏,‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ ‏,‏ أَوْ مَنْ سَمِعْتُ ‏[‏ مِنْهُ ‏]‏ مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا ‏}‏ يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ ‏.‏ فَإِنَّ الْعَرَبَ ‏:‏ قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ ‏,‏ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا ‏.‏ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ‏}‏ ‏,‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ‏}‏ ‏.‏ فَكَانَ شَيْئَانِ حَلَالَانِ ‏;‏ فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ ‏:‏ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَكُلُّ مَا قَذَفَهُ ‏:‏ ‏[‏ وَهُوَ ‏]‏ حَيٌّ ‏;‏ مَتَاعًا لَهُمْ يَسْتَمْتِعُونَ بِأَكْلِهِ ‏.‏ وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏ يَعْنِي فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَهُوَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏[‏ فِيمَا حُرِّمَ ‏,‏ وَلَمْ يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏ ‏,‏ وَقَالَ فِي ذِكْرِ مَا حُرِّمَ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَيَحِلُّ مَا حُرِّمَ ‏:‏ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ‏;‏ وَكُلُّ مَا حُرِّمَ ‏:‏ مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ ‏:‏ مِنْ الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ ‏.‏ وَالْمُضْطَرُّ ‏:‏ الرَّجُلُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ ‏:‏ لَا طَعَامَ مَعَهُ فِيهِ ‏,‏ وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ مِنْ لَبَنٍ ‏,‏ وَمَا أَشْبَهَهُ ‏.‏ وَيُبَلِّغُهُ الْجُوعُ مَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ ‏,‏ أَوْ الْمَرَضَ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ أَوْ يُضْعِفُهُ ‏,‏ أَوْ يَضُرُّهُ أَوْ يَعْتَلُّ أَوْ يَكُونُ مَاشِيًا ‏:‏ فَيَضْعُفُ عَنْ بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أَوْ رَاكِبًا فَيَضْعُفُ عَنْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ ‏;‏ أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ ‏.‏ فَأَيُّ هَذَا نَالَهُ ‏:‏ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ ‏,‏ وَكَذَلِكَ يَشْرَبُ مِنْ الْمُحَرَّمِ ‏:‏ غَيْرِ الْمُسْكِرِ ‏;‏ مِثْلِ ‏:‏ الْمَاءِ ‏:‏ ‏[‏ تَقَعُ ‏]‏ فِيهِ الْمَيْتَةُ ‏,‏ وَمَا أَشْبَهَهُ ‏.‏ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ إنْ أَكَلَ ‏,‏ وَشَارِبُهُ إنْ شَرِبَ أَوْ جَمَعَهُمَا ‏:‏ فَعَلَى مَا يَقْطَعُ عَنْهُ الْخَوْفَ ‏,‏ وَيَبْلُغُ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ بَعْضَ الْقُوَّةِ ‏.‏ وَلَا يَبِينُ ‏:‏ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْبَعَ وَيَرْوَى ‏,‏ وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ ‏:‏ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ ‏.‏ وَإِذَا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ ‏;‏ لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ ‏:‏ حِينَئِذٍ إلَى الضَّرَرِ ‏,‏ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى النَّفْعِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَمَنْ خَرَجَ سَفَرًا ‏:‏ عَاصِيًا لِلَّهِ ‏;‏ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ ‏:‏ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ ‏.‏ بِحَالٍ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ إنَّمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ ‏,‏ بِالضَّرُورَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ ‏:‏ غَيْرَ بَاغٍ ‏,‏ وَلَا عَادٍ ‏,‏ وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ‏.‏ وَلَوْ خَرَجَ ‏:‏ عَاصِيًا ‏;‏ ثُمَّ تَابَ ‏,‏ فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ ‏:‏ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ ‏.‏ وَلَوْ خَرَجَ ‏:‏ غَيْرَ عَاصٍ ‏;‏ ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ‏;‏ ثُمَّ أَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ ‏:‏ وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ خَشِيتُ أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ ‏;‏ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لَا فِي حَالٍ تَقَدَّمَتْهَا ‏,‏ وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ ‏,‏ يَحْرُمُ ‏:‏ بِمَالِكِهِ ‏;‏ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ ‏.‏ ‏(‏ يَعْنِي ‏:‏ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ‏)‏ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏ مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ قَدْ حُظِرَ فِيهَا أَمْوَالُ النَّاسِ ‏,‏ إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا ‏:‏ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ‏,‏ ثُمَّ سَنَّهُ نَبِيُّهُ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ ‏.‏

قَالَ ‏:‏ وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ ‏,‏ فَخَافَ الْمَوْتَ ‏;‏ ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَرُدُّ مِنْ جُوعِهِ ‏,‏ وَيَغْرَمُ لَهُ ثَمَنَهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏.‏

قَالَ ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ إنَّ مِنْ الضَّرُورَةِ ‏:‏ أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ ‏,‏ الْمَرَضَ ‏:‏ يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ يَكُونُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ ‏:‏ قَلَّمَا يَبْرَأُ مَنْ كَانَ بِهِ مِثْلُ هَذَا ‏,‏ إلَّا ‏:‏ أَنْ يَأْكُلَ كَذَا ‏,‏ أَوْ يَشْرَبَهُ أَوْ يُقَالُ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ إنَّ أَعْجَلَ مَا يُبْرِيكَ أَكْلُ كَذَا ‏,‏ أَوْ شُرْبُ كَذَا ‏.‏ فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ مِنْهَا أَسْكَرَتْهُ ‏.‏ أَوْ شَيْئًا يُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا ‏;‏ فَإِنَّ إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ ‏.‏ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا ‏,‏ وَإِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي شُرْبِهَا ‏,‏ لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ طَيِّبَاتٍ ‏:‏ كَانَتْ أُحِلَّتْ لَهُمْ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ الْحَوَايَا مَا حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ‏,‏ فِي الْبَطْنِ ‏.‏ فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلٍ ‏:‏ الْيَهُودِ خَاصَّةً ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً ‏.‏ مُحَرَّمًا مِنْ حِينَ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ مُحَمَّدًا ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ ‏,‏ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ ‏:‏ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ ‏:‏ الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ ‏:‏ وَجَعَلَ مَنْ أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فَلَمْ يَتْبَعْهُ ‏.‏ كَافِرًا بِهِ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ‏}‏ ‏.‏ وَأَنْزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏{‏ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ‏}‏ الْآيَةَ إلَى ‏:‏ ‏{‏ مُسْلِمُونَ ‏}‏ ‏,‏ وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا ‏,‏ وَأَنْزَلَ فِيهِمْ ‏:‏ ‏{‏ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏ فَقِيلَ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَوْزَارَهُمْ ‏,‏ وَمَا مُنِعُوا بِمَا أَحْدَثُوا ‏.‏ قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كِتَابِيٌّ ‏,‏ وَلَا وَثَنِيٌّ ‏,‏ وَلَا حَيٌّ بِرُوحٍ مِنْ جِنٍّ ‏,‏ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ دِينِهِ ‏,‏ وَكَانَ مُؤْمِنًا ‏:‏ بِاتِّبَاعِهِ ‏,‏ وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ ‏.‏ وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ‏:‏ آمَنَ بِهِ ‏,‏ أَوْ كَفَرَ ‏.‏ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ ‏.‏ وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ كَانَ حَرَامًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ ‏;‏ ‏[‏ أَوْ غَيْرَ حَرَامٍ ‏]‏ وَأَحَلَّ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَقَدْ وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ ‏,‏ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا ‏.‏ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ ‏,‏ وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ‏:‏ مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ‏.‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ ‏,‏ وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ مِنْهَا ‏,‏ شَيْءٌ ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ ‏.‏ لِأَحَدٍ ‏,‏ حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَبَاحَ مَا ذُكِرَ عَامَّةً لَا خَاصَّةً ‏.‏

وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ ‏[‏ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ‏]‏ ‏:‏ مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا ‏.‏ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرِّمًا عَلَيْهِمْ وَقَدْ نُسِخَ مَا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِدِينِهِ ‏.‏ كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ حَلَالًا لَهُمْ ‏,‏ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ إذْ حُرِّمَتْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ‏:‏ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وَذَلِكَ مِثْلُ ‏:‏ الْبَحِيرَةِ ‏,‏ وَالسَّائِبَةِ ‏,‏ وَالْوَصِيلَةِ ‏,‏ وَالْحَامِ كَانُوا ‏:‏ يَتْرُكُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ‏:‏ كَالْعِتْقِ ‏;‏ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا ‏,‏ وَلُحُومَهَا ‏,‏ وَمِلْكَهَا ‏.‏ وَقَدْ فَسَّرْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ‏.‏ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ وَهُوَ يَذْكُرُ مَا حَرَّمُوا ‏:‏ ‏{‏ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏}‏ ‏,‏ وَالْآيَةَ بَعْدَهَا ‏.‏ ‏[‏ فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏]‏ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ بِمَا حَرَّمُوا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَيُقَالُ ‏:‏ نَزَلَ فِيهِمْ ‏:‏ ‏{‏ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ‏}‏ ‏.‏ فَرَدَّ إلَيْهِمْ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْبَحِيرَةِ ‏,‏ وَالسَّائِبَةِ ‏,‏ وَالْوَصِيلَةِ ‏,‏ وَالْحَامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمُوا ‏:‏ بِتَحْرِيمِهِمْ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ‏}‏ ‏;‏ ‏[‏ يَعْنِي ‏]‏ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ مِنْ الْمَيْتَةِ ‏.‏ وَيُقَالُ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ ‏:‏ ‏{‏ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ‏}‏ ‏.‏ وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ يَعْنِي ‏:‏ ‏{‏ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ ‏}‏ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ‏.‏ مُحَرَّمًا ‏,‏ إلَّا مَيْتَةً ‏,‏ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا مِنْهَا ‏:‏ وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ ذَبِيحَةَ ‏[‏ كَافِرٍ ‏]‏ ‏,‏ وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخِنْزِيرِ مَعَهَا وَقَدْ قِيلَ مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ‏}‏ ‏.‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهَا ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ‏}‏ فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ ‏:‏ الذَّبَائِحَ ‏,‏ وَمَا سِوَاهَا مِنْ طَعَامِهِمْ الَّذِي لَمْ نَعْتَقِدْهُ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا ‏.‏ فَآنِيَتُهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي النَّفْسِ مِنْهَا ‏,‏ شَيْءٌ إذَا غُسِلَتْ ‏.‏ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ ‏:‏ فِي إبَاحَةِ طَعَامِهِمْ الَّذِي يَغِيبُونَ عَلَى صَنْعَتِهِ إذَا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَرَامًا ‏,‏ وَكَذَلِكَ الْآنِيَةُ إذَا لَمْ نَعْلَمْ نَجَاسَةً ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا ‏,‏ وَفِي مُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِ ‏:‏ يَكْتَسِبُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ ‏;‏ وَالْأَسْوَاقِ ‏:‏ يَدْخُلُهَا ثَمَنُ الْحَرَامِ وَلَوْ تَنَزَّهَ امْرُؤٌ عَنْ هَذَا ‏,‏ وَتَوَقَّاهُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَانَ حَسَنًا ‏.‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَا لَا يَشُكُّ فِي حَلَالِهِ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَيَكُونُ جَهْلًا بِالسُّنَّةِ أَوْ رَغْبَةً عَنْهَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏(‏ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ ‏)‏ ‏;‏ أَخْبَرَنِي أَبِي ‏,‏ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ لَا يَكُونُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ‏,‏ إلَّا ‏:‏ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَحْكَامُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ ‏:‏ الْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ ‏;‏ عَلَى الْمَرْءِ فِي مَالِهِ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لَا يَنْبَغِي لَهُ ‏[‏ التَّصَرُّفُ ‏]‏ فِيهِ ‏;‏ وَشَيْءٌ يُعْطِيهِ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ وَمِنْ الْبَاطِلِ ‏,‏ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ اُحْرُزْ مَا فِي يَدِي ‏,‏ وَهُوَ لَكَ ‏.‏ وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ ‏,‏ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ جِمَاعُ مَا يَحِلُّ ‏:‏ أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ‏;‏ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ ‏:‏ ‏(‏ أَحَدُهَا ‏)‏ مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُهُ مِنْ جِنَايَاتِهِمْ ‏,‏ وَجِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ ‏.‏ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِالزَّكَاةِ ‏,‏ وَالنُّذُورِ ‏,‏ وَالْكَفَّارَاتِ ‏,‏ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَ ‏[‏ ثَانِيهَا ‏]‏ مَا أَوْجَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ ‏:‏ مِنْ الْبُيُوعِ ‏,‏ وَالْإِجَارَاتِ ‏,‏ وَالْهِبَاتِ ‏:‏ لِلثَّوَابِ ‏,‏ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ‏.‏ وَ ‏[‏ ثَالِثُهَا ‏]‏ مَا أَعْطَوْا مُتَطَوِّعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الْتِمَاسَ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ ‏:‏ ‏(‏ أَحَدُهُمَا ‏)‏ ‏:‏ طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ ‏(‏ وَالْآخَرُ ‏)‏ ‏:‏ طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ إلَى مَنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ ‏.‏ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ حَسَنٌ ‏,‏ وَنَحْنُ نَرْجُو عَلَيْهِ ‏:‏ الثَّوَابَ ‏;‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏.‏ ثُمَّ مَا أَعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ‏,‏ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَاحِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ‏:‏ ‏(‏ أَحَدُهُمَا ‏)‏ ‏:‏ حَقٌّ ‏;‏ ‏(‏ وَالْآخَرُ ‏)‏ بَاطِلٌ فَمَا أَعْطَوْهُ مِنْ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ ‏,‏ وَلَا لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ‏}‏ ‏.‏ فَالْحَقُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ‏:‏ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْتُ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ ‏;‏ وَعَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا خَالَفَهُ ‏.‏ وَأَصْلُ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَالْآثَارِ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا نَدَبَ بِهِ أَهْلَ دِينِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ‏}‏ ‏;‏ فَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ ‏[‏ بِالتَّفْسِيرِ ‏]‏ أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ ‏:‏ الرَّمْيُ ‏.‏ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ ثُمَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي السَّبْقِ وَذَكَرَ مَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ ‏.‏