فصل: تفسير الآيات (5- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (5- 8):

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}
{قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: معناه تفرون من الداء بالدواء فإنه ملاقيكم بانقضاء الأجل.
الثاني: تفرون من الجهاد بالقعود فإنه ملاقيكم بالوعيد.
الثالث: تفرون منه بالطيرة من ذكره حذراً من حلوله فإنه ملاقيكم بالكره والرضا.
الرابع: إنه الموت الذي تفرون أن تتمنوه حين قال تعالى: {فتمنوا الموت}.

.تفسير الآيات (9- 10):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)}
{يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} في السعي إليها أربعة أقاويل:
أحدها: النية بالقلوب، قاله الحسن.
الثاني: أنه العمل لها، كما قال تعالى: {إن سعيكم لشتى} قاله ابن زيد.
الثالث: أنه إجابة الداعي، قاله السدي.
الرابع: المشي على القدم من غير إسراع، وذكر أن عمر وابن مسعود كانا يقرآن {فامضوا إلى ذكر الله}.
وفي ذكر الله ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها موعظة الإمام في الخطبة، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنها الوقت، حكاه السدي.
الثالث: أنه الصلاة، وهو قول الجمهور.
وكان اسم يوم الجمعة في الجاهلية العروبة، لأن أسماء الأيام في الجاهلية كانت غير هذه الأسماء، فكانوا يسمون يوم الأحد أوّل، والأثنين أهون، والثلاثاء جبار، والأربعاء دبار، والخميس مؤنس، والجمعة عروبة، والسبت شيار، وأنشدني بعض أهل الأدب:
أؤمل أن أعيش وإن يومي ** بأوّل أو أهون أو جبار

أو التالي دبار أو فيومي ** يمؤنس أو عروبة أو شيار

وأول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لاجتماع قريش فيه إلى كعب، وقيل بل سمي في الإسلام لاجتماع الناس فيه للصلاة.
{وذروا البيع} منع الله منه عند صلاة الجمعة وحرمه في وقتها على ما كان مخاطباً بفرضها. وفي وقت التحريم قولان:
أحدهما: أنه بعد الزوال إلى ما بعد الفراغ منها، قاله الضحاك.
الثاني: من وقت أذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة، قاله الشافعي رحمه الله فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس به لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها، وقد كان عمر أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن بيوعهم، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد، فجعله عثمان آذانين في المسجد، وليس يحرم البيع بعده وقبل الخطبة، فإن عقد في هذا الوقت المحرم بيع لم يبطل البيع وإن كان قد عصى الله، لأن النهي مختص بسبب يعود إلى العاقدين دون العقد، وأبطله ابن حنبل تمسكاً بظاهر النهي.
{ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} يعني أن الصلاة خير لكم من البيع والشراء لأن الصلاة تفوت بخروج وقتها، والبيع لا يفوت.
{فإذا قضيت الصلاة} يعني أُدّيتْ.
{فانتشروا في الأرض} حكي عن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فرضيتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.
{وابتغوا من فضل الله} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: الرزق من البيع والشراء، قاله مقاتل والضحاك.
الثاني: العمل في يوم السبت، قاله جعفر بن محمد.
الثالث: ما رواه أبو خلف عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، قال: ليس بطلب الدنيا لكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله.»

.تفسير الآية رقم (11):

{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
{وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفَضُّوا إليها وتركوك قائماً} روى سالم عن جابر قال: أقبلت عير ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في الخطبة فانفتل الناس إليها وما بقي غير اثني عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية.
وذكر الكلبي أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عند مجاعة وغلاء سعر، وكان معه جميع ما يحتاج إليه من بُر ودقيق وغيره فنزل عند أحدار الزيت وضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه، وكانوا في خطبة الجمعة، فانفضوا إليها، وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال، فقال تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها}
والتجارة من أموال التجارات.
وفي اللهو ها هنا أربعة أوجه:
أحدها: يعني لعباً، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الطبل، قاله مجاهد.
الثالث: أنه المزمار، قاله جابر.
الرابع: الغناء.
{وتركوك قائماً} يعني في خطبته، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتى لا يبقى معي أحد لسال الوادي بكم ناراً،» وإنما قال تعالى: {انفضوا إليها} ولم يقل إليهما، لأن غالب انفضاضهم كان للتجارة دون اللهو. وقال الأخفش: في الكلام تقدير وتأخير، وتقديره وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً، وكذلك قرأ ابن مسعود.
وفي {انفضوا} وجهان:
أحدهما: ذهبوا.
الثاني: تفرقوا.
فمن جعل معناه ذهبوا أراد التجارة، ومن جعل معناه تفرقوا أراد عن الخطبة وهذا أفصح الوجهين، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
انفض جمعهم عن كل نائرة ** تبقى وتدنس عرض الواجم الشبم

{قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما عند الله من ثواب صلاتكم خير من لذة لهوكم وفائدة تجارتكم.
الثاني: ما عند الله من رزقكم الذي قسمت لكم خير مما أصبتموه انفضاضكم من لهوكم وتجارتكم.
{والله خير الرازقين} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الله سبحانه خير من رَزَق وأعطى.
الثاني: ورزق الله خير الأرزاق.

.سورة المنافقون:

.تفسير الآيات (1- 4):

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)}
قوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله} سئل حذيفة ابن اليمان عن المنافق فقال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به، وهم اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه.
{قالوا نشهد إنك لرسول الله} يعني نحلف، فعبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر مغيب، ومنه قول قيس بن ذريح:
وأشهد عند الله أني أحبها ** فهذا لها عندي فما عندها ليا

ويحتمل ثانياً: أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله اعترافاً بالإيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم، وهو الأشبه.
وسبب نزول هذه الأية ما روى أسباط عن السدي أن عبد الله بن أبي بن سلول كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وفيها أعراب يتبعون الناس، وكان ابن أبي يصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم طعاماً، فاستقى أعرابي ماء في حوض عمله من أحجار، فجاء رجل من أصحاب ابن ابي بناقة ليسقيها من ذلك الماء فمنعه الأعرابي واقتتلا فشجه الاعرابي، فأتى الرجل إلى عبد الله بن أبي ودمه يسيل على وجهه، فحزنه، فنافق عبد الله وقال: ما لهم رد الله أمرهم إلى تبال، وقال لأصحابه: لا تأتوا محمداً بالطعام حتى يتفرق عنه الأعراب، فسمع ذلك زيد بن أرقم وكان حدثاً، فأخبر عمه، فأتى عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه، فبعث إلى ابن أبيّ وكان من أوسم الناس وأحسنهم منطقاً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف: والذي بعثك بالحق ما قلت من هذا شيئاً، فصدقه فأنزل الله هذه الآية.
{والله يعلم إنك لرسوله} أي إن نافق من نافقك من علم الله بأنك رسوله فلا يضرك.
ثم قال: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} يحتمل وجهين:
أحدهما: والله يقسم إن المنافقين لكاذبون في أيمانهم.
الثاني: معناه والله يعلم أن المنافقين لكاذبون فيها.
{اتخذوا أيمانهم جنة} والجنة: الغطاء المانع من الأذى، ومنه قول الأعشى ميمون.
إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة ** من المال سار الذم كل مسير

وفيه وجهان:
أحدهما: من السبي والقتل ليعصموا بها دماءهم وأموالهم، قاله قتادة.
الثاني: من الموت ألاَّ يُصلَّى عليهم، فيظهر على جميع المسلمين نفاقهم، وهذا معنى قول السدي.
ويحتمل ثالثاً: جنة تدفع عنهم فضيحة النفاق.
{فصدوا عن سبيل الله} فيه وجهان:
أحدهما: عن الإسلام بتنفير المسلمين عنه.
الثاني: عن الجهاد بتثبيطهم المسلمين وإرجافهم به وتميزهم عنهم، قال عمر بن الخطاب: ما أخاف عليكم رجلين: مؤمناً قد استبان إيمانه وكافر قد استبان كفره، ولكن أخاف عليكم منافقاً يتعوذ بالإيمان ويعمل بغيره.
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} يعني حسن منظرهم وتمام خلقهم.
{وإن يقولوا تسمع لقولهم} يعني لحسن منطقهم وفصاحة كلامهم.
ويحتمل ثانياً: لإظهار الإسلام وذكر موافقتهم.
{كأنهم خشب مسندة} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه شبههم بالنخل القيام لحسن منظرهم.
الثاني: شبههم بالخشب النخرة لسوء مخبرهم.
الثالث: أنه شبههم بالخشب المسندة لأنهم لا يسمعون الهدى ولا يقبلونه، كما لا تسمعه الخشب المسندة، قاله الكلبي، وقوله: {مسندة} لأنهم يستندون إلى الإيمان لحقن دمائهم.
{يحسبون كل صيحة عليهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم لِوَجَلهم وخبثهم يحسبون كل صيحة يسمعونها- حتى لو دعا رجل صاحبه أو صاح بناقته- أن العدو قد اصطلم وأن القتل قد حَلَّ بهم، قاله السدي.
الثاني: {يحسبون كل صيحة عليهم} كلام ضميره فيه ولا يفتقر إلى ما بعده، وتقديره: يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم فقال: {هم العدو فاحذرهم} وهذا معنى قول الضحاك.
الثالث: يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم، فهم أبداً وجلون ثم وصفهم الله بأن قال: {هم العدو فاحذرهم} حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
وفي قوله: {فاحذرهم} وجهان:
أحدهما: فاحذر أن تثق بقولهم وتميل إلى كلامهم.
الثاني: فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك.
{قاتلهم الله} فيه وجهان:
أحدهما: معناه لعنهم الله، قاله ابن عباس وأبو مالك.
والثاني: أي أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر، لأن الله تعالى قاهر لكل معاند، حكاه ابن عيسى.
وفي قوله: {أني يؤفكون} أربعة أوجه:
أحدها: معناه يكذبون، قاله ابن عباس.
الثاني: معناه يعدلون عن الحق، قاله قتادة.
الثالث: معناه يصرفون عن الرشد، قاله الحسن.
الرابع: معناه كيف يضل عقولهم عن هذا، قاله السدي.