فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.42- المتاع:

المتاع: المدّة، قال اللّه تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} [البقرة: 36] وقال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111)} [الأنبياء: 111].
ومنه يقال: متع النهار. ويقال: أمتع اللّه بك.
والمتاع: الآلات التي ينتفع بها، قال اللّه تعالى: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ} [الرعد: 17].
والمتاع: المنفعة، قال اللّه تعالى: {نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)} [الواقعة: 73]، وقال تعالى: {مَتاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33)} [النازعات: 33] وقال تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96].
وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] أي ينفعكم ويقيكم من الحرّ والبرد، يعني الخانات.
ومنه: متعة المطلّقة.

.43- الحساب:

الحساب: الكثير، قال اللّه تعالى: {جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِسابًا (36)} [النبأ: 36]، أي كثيرا.
ويقال: أحسبت فلانا. أي أعطيته ما يحسبه، أي يكفيه. ومنه قول الهذليّ:
حساب ورجل كالجراد يسوم

والحساب: الجزاء، قال اللّه تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)} [الغاشية: 26]، أي جزاءهم.
وقال تعالى: {إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)} [الشعراء: 113]، لأن الجزاء يكون بالحساب.
والحساب: المحاسبة، قال اللّه تعالى: {فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا (8)} [الانشقاق: 8].

.44- الأمر:

الأمر: القضاء، قال اللّه تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] أي القضاء.
والأمر: الدّين، قال اللّه تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 53]، أي دينهم.
وقال تعالى: {حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ} [التوبة: 48].
والأمر: القول، قال اللّه تعالى: {إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} [الكهف: 21]، يعني قولهم.
والأمر: العذاب، قال اللّه تعالى: {وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم: 22]، أي وجب العذاب. وقال تعالى: {وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: 44].
والأمر: القيامة، قال اللّه تعالى: {أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] وقال تعالى: {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ} [الحديد: 14] أي القيامة أو الموت.
والأمر: الوحي، قال اللّه تعالى: {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12].
والأمر: الذنب، قال اللّه تعالى: {فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها} [الطلاق: 9]، أي جزاء ذنبها.
وهذا كله وإن اختلف فأصله واحد.
ويكنى عن كل شيء: بالأمر، لأن كلّ شيء يكون فإنما يكون بأمر اللّه، فسميت الأشياء: أمورا، لأن الأمر سببها، يقول اللّه تعالى: {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53]. اهـ.

.تفسير الآيات (46- 48):

قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نفى صلاحية الوكالة على الناس في الهدى والضلال لغيره ودل على ذلك بملكه وملكه وأخبر بتعمدهم الباطل، أنتج ذلك وجب اللجاء إليه والإعراض عما سواه وقصر العزم عليه فقال معلمًا بذلك ومعلمًا لما يقال عند مخالفة الداعي باتباع الهوى: {قل} أي يا من نزل عليه الكتاب فلا يفهم عنا حق الفهم غيره راغبًا إلى ربك في أن ينصرك عليهم في الدنيا والآخرة: {اللهم} أي يا الله، وهذا نداء محض ويستعمل أيضًا على نحوين آخرين- ذكرهما ابن الخشاب الموصلي في كتابه النهاية شرح الكفاية- أحدهما أن تذكر لتمكين الجواب في نفس السائل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لضمام بن ثعلبة رضى الله عنه حيث قال: «الله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس، فقال: اللهم نعم» إلى آخر ما قاله له، وسره أن المسؤول إذا ذكر الله في جوابه.
كان ذكره إياه أبعث للسائل على تصديقه لأنه أوقر في صدره إن لم يتصد لذكر الله ولم يكن بصدده، وهو ممن يدين باستعمال الكذب، والثاني أن يدل به على الندرة وقلة وقوع المذكور كقول المصنفين: لا يكون كذا اللهم إلا إذ كان كذا- كأنه استغفر الله من جزمه أو لا يسد الباب في أنه لا يكون غير ما ذكره فقال: اللهم اغفر لي فإنه يمكن أن يكون كذا- انتهى.
ثم أبدل عند سيبويه ووصف عند غيره فقال: {فاطر} أي مبدع من العدم {السماوات} أي كلهم {والأرض} أي جنسها.
ولما كانت القدرة لا تتم إلا بتمام العلم قال: {عالم الغيب والشهادة} أي ما لا يصح علمه للخلق وما يصح.
ولما كان غيره سبحانه لا يمكن له ذلك، حسن التخصيص في قوله: {أنت} أي وحدك {تحكم بين عبادك} أي أنا وهم وغيرنا في الدنيا والآخرة لا محيص عن ذلك ولا يصح في الحكمة سواه كما أن كل أحد يحكم بين عبيده ومن تحت أمره لا يسوغ في رأيه غير ذلك {في ما كانوا} أي دائمًا بما اقتضته جبلاتهم التي جبلتهم عليها {فيه يختلفون} وأما غيرك فإنه لا يعلم جميع ما يفعلون، فلا يقدر على الحكم بينهم، وأما غير ما هم عريقون في الاختلاف فيه فلا يحكم بينهم فيه لأنه أما ما هيؤوا بفطرهم السليمة وعقولهم القويمة للاتفاق عليه فهو الحق وأما ما يعرض لهم الاختلاف فيه لا على سبيل القصد أو بقصد غير ثابت فهو مما تذهبه الحسنات فعرف أن تقديم الظرف إنما وهو للاختصاص لا الفاصلة.
ولما كان التقدير: فيعذب الظالمين فلو علموا ذلك لما ظنوا بادعائهم له سبحانه ولدًا وشركاء يقربونهم إليه زلفى منهم بجلاله ونزاهته عما ادعوه له وكماله، عطف عليه تهويلًا للأمر قوله: {ولو أن} وكان الأصل: لهم- ولكنه قال تعميمًا وتعليقًا بالوصف: {للذين ظلموا} أي وقعوا في الظلم في شيء من الأشياء ولو قال: {ما في الأرض} ولما كان الأمر عظيمًا أكد ذلك بقوله: {جميعًا} وزاد في تعظيمه بقوله: {ومثله} وقال: {معه} ليفهم بدل الكل جملة لا على سبيل التقطيع {لافتدوا} أي لاجتهدوا في طلب أن يفدوا {به} أنفسهم {من سوء العذاب} وبين الوقت تعظيمًا له وزيادة في هوله فقال: {يوم القيامة} روى الشيخان عن أنس رضى الله عنهان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابًا: لو أن لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت صلب آدم عليه السلام أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك بي».
قوله: أردت أي فعلت معك بالأمر فعل المريد وهو معنى قوله في رواية: قد سألتك.
ولما كان التقدير: ولو كان لهم ذلك وافتدوا به ما قبل منهم ولا نفعهم، ولأن ذلك الوقت وقت الجزاء لا وقت العمل، واليوم وقت العمل لا وقت الجزاء، فلو أنفقوا فيه أيسر شيء على وجهه قبل منهم، عطف عليه من أصله لا على جزائه قوله معظمًا الأمر بصرف القول إلى الاسم الأعظم: {وبدا} أي ظهر ظهورًا تامًا {لهم} في ذلك اليوم {من الله} أي الملك الأعظم، وهول أمره بإبهامه ليكون ضد {فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17] فقال: {ما لم يكونوا} بحسب جبلاتهم وما فطروا عليه من الإهمال والتهاون {يحتسبون} أي لم يكن في طبائعهم أن يتعمدوا أن يحسبوه وتجوزه عقولهم من العذاب، وما كان كذلك كان أشق على النفس وأروع للقلب {وبدا لهم} أي ظهر ظهورًا تامًا كأنه في البادية لا مانع منه {سيئات ما} ولما كان في سياق الافتداء، وكان الإنسان يبذل عند الافتداء في فكاك نفسه الرغائب والنفائس، عبر هنا بالكسب الذي من مدلوله الخلاصة والعصارة التي هي سر الشيء فهو أخص من العمل، ولذا جعله الأشعري مناط الجزاء، فقال مبينًا أن خالص عملهم ساقط فكيف بغيره، وهذا بخلاف ما في الجاثية {كسبوا} أي الشيء الذي عملوه برغبة مجتهدين فيه لظنهم نفعه وأنه خاص أعمالهم وأجلها وأنفعها {وحاق} أي أحاط على جهة اللزوم والأذى {بهم ما} أي جزاء الشيء الذي {كانوا به} أي دائمًا كأنهم جبلوا عليه {يستهزئون} أي يطلبون ويوجدون الهزء والسخرية به من النار وجميع ما كانوا يتوعدون به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ولما حكى عنهم هذا الأمر العجيب الذي تشهد فطرة العقل بفساده أردفه بأمرين أحدهما: أنه ذكر الدعاء العظيم، فوصفه أولا بالقدرة التامة وهي قوله: {قُلِ اللهم فَاطِرَ السموات والأرض} وثانيًا بالعلم الكامل وهو قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} وإنما قدم فذكر القدرة على ذكر العلم لأن العلم بكونه تعالى قادرًا متقدم على العلم بكونه عالمًا، ولما ذكر هذا الدعاء قال: {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يعني أن نفرتهم عن التوحيد وفرحهم عند سماع الشرك أمر معلوم الفساد ببديهة العقل، ومع ذلك، القوم قد أصروا عليه، فلا يقدر أحد على إزالتهم عن هذا الاعتقاد الفاسد والمذهب الباطل إلا أنت.
عن أبي سلمة قال: سألت عائشة بم كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته بالليل؟ قالت: كان يقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما أختلف فيه من الحق بإذنك وانك لتهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم ذلك المذهب الباطل ذكر في وعيدهم أشياء أولها: أن هؤلاء الكفار لو ملكوا كل ما في الأرض من الأموال وملكوا مثله معه لجعلوا الكل فدية لأنفسهم من ذلك العذاب الشديد وثانيها: قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} أي ظهرت لهم أنواع من العقاب لم تكن في حسابهم، وكما أنه صلى الله عليه وسلم قال في صفة الثواب في الجنة «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» فكذلك في العقاب حصل مثله وهو قوله: {وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} وثالثها: قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} ومعناه ظهرت لهم آثار تلك السيئات التي اكتسبوها أي ظهرت لهم أنواع من العقاب آثار تلك السيئات التي اكتسبوها.
ثم قال: {وَحَاقَ بِهِم} من كل الجوانب جزاء ما كانوا يستهزئون به، فنبه تعالى بهذه الوجوه على عظم عقابهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض} نصب لأنه نداء مضاف وكذا {عَالِمَ الغيب} ولا يجوز عند سيبويه أن يكون نعتًا.
{أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل {فَاطِرَ السماوات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ولما بلغ الربيع بن خَيْثم قتل الحسين بن علي رضي الله عنهم قرأ: {قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
وقال سعيد بن جبير: إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، قوله تعالى: {قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي كذبوا وأشركوا {مَا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سواء العذاب} أي من سوء عذاب ذلك اليوم.
وقد مضى هذا في سورة آل عمران والرعد.
{وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} من أجلِّ ما روي فيه ما رواه منصور عن مجاهد قال: عملوا أعمالًا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات وقاله السدي.
وقيل: عملوا أعمالًا توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا، وقد كانوا ظنوا أنهم ينجون بالتوبة.
ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة ف {وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} من دخول النار.
وقال سفيان الثوري في هذه الآية: ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم.
وقال عكرمة بن عمار: جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعًا شديدًا، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله {وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب.
{وَبَدَا لَهُمْ} أي ظهر لهم {سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي عقاب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.
{وَحَاقَ بِهِم} أي أحاط بهم ونزل {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} أمر بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى لما قاساه في أمر دعوتهم وناله من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد فإنه تعالى القادر على الأشياء بجملتها والعالم بالأحوال برمتها، والمقصود من الأمر بذلك بيان حالهم ووعيدهم وتسلية حبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم وأن جده وسعيه معلوم مشكور عنده عز وجل وتعليم العباد الالتجاء إلى الله تعالى والدعاء بأسمائه العظمى، ولله تعالى در الربيع بن خيثم فإنه لما سئل عن قتل الحسين رضي الله تعالى عنه تأوه وتلا هذه الآية، فإذا ذكر لك شيء مما جرى بين الصحابة قل: {اللهم فَاطِرَ السموات} الخ فإنه من الآداب التي ينبغي أن تحفظ، وتقديم المسند إليه في {أَنتَ تَحْكُمُ} للحصر أي أنت تحكم وحدك بين العباد فيما استمر اختلافهم فيه حكمًا يسلمه كل مكابر معاند ويخضع له كل عات مارد وهو العذاب الدنيوي أو الأخروي، والمقصود من الحكم بين العباد الحكم بينه عليه الصلاة والسلام وبين هؤلاء الكفرة.
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا في الأرض جَمِيعًا}. إلخ.
قيل مستأنف مسوق لبيان آثار الحكم الذي استدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وغاية شدته وفظاعته أي لو أن لهم جميع ما في الدنيا من الأموال والذخائر {وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} أي لجعلوا كل ذلك فدية لأنفسهم من العذاب السيء الشديد وقيل الجملة معطوفة على مقدر والتقدير فأنا أحكم بينهم وأعذبهم ولو علموا ذلك ما فعلوا ما فعلوا، والأول أظهر، وليس المراد إثبات الشرطية بل التمثيل لحالهم بحال من يحاول التخلص والفداء مما هو فيه بما ذكر فلا يتقبل منه، وحاصله أن العذاب لازم لهم لا يخلصون منه ولو فرض هذا المحال ففيه من الوعيد والإقناط ما لا يخفى.
وقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} أي ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في حسابهم زيادة مبالغة في الوعيد، ونظير ذلك في الوعد قوله تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 71] والجملة قيل: الظاهر أنها حال من فاعل {افتدوا}.
{وَبَدَا لَهُمْ} حين تعرض عليهم صحائفهم {عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ} أي الذي كسبوه وعملوه على أن {مَا} موصولة أو كسبهم وعملهم على أنها مصدرية، وإضافة {سَيّئَاتُ} على معنى من أو اللام {وَحَاقَ} أي أحاط {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ} أي جزاء ذلك على أن الكلام على تقدير المضاف أو على أن هناك مجازًا بذكر السبب وإرادة مسببه، و{فِى مَا} محتملة للموصولية والمصدرية أيضًا. اهـ.