فصل: القسم الأول في القصص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الباب الخامس: في ذكر المواعظ:

وهذا الباب ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول يختص بذكر القصص.
والقسم الثاني فيه المواعظ والإشارات مطلقًا.

.القسم الأول في القصص:

وهو المختص بذكر القصص، وفيه ست وعشرون قصة:

.الفصل الأول في قصة آدم عليه السلام:

اعلموا أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام آخر الخلق، لأنه مهد الدار قبل الساكن، وأقام عذره قبل الزلل، بقوله في {الأرض} فظنت الملائكة أن تفضيله بنفسه، فضنت بالفضل عليه، فقالوا {أتجعل فيها} فقوبلوا بلفظ {إني أعلم} فلما صوره، ألفاه كاللقا، فلما عاين إبليس تلك الصورة، بات من الهم في سورة، فلما نفخ فيه الروح، بات الحاسد ينوح، ثم نودي في نادي الملائكة {اسجدوا لآدم} فتطهروا من غدير {لا علم لنا} وغودر الغادر بخسًا بكبرياء {أنا خير} ثم حام العدو حول حمى المحمي، فلولا سابق القدر، ما قدر عليه، فلما نزل إلى الأرض، خدخد الفرح، بدمع الترح، حتى أقلق الوجود فجاء جبريل، فقال: ما هذا الجهد؟ فصاح لسان الوجد: للخفاجي:
ما رحلت العيش عن أرضكم ** فرأت عيناي شيئًا حسنا

هل لنا نحوكم من عودة ** ومن التعليل قولي هل لنا

يا آدم لا تجزع من كأس خطإ كان سبب كيسك، فلقد استخرج منك داء العجب، وألبسك رداء النسك، لو لم تذنبوا: للمتنبي:
لعل عتبك محمود عواقبه ** فربما صحت الأجسام بالعلل

لا تحزن لقولي لك {اهبط منها} فلك خاتمتها، ولكن اخرج منها إلى مزرعة المجاهدة، وسق من دمعك، ساقية لشجرة ندمك، فإذا عاد العود أخضر، فعد: للبحتري:
إن جرى بيننا وبينك عتب ** أو تنأت منا ومنك الديارُ

فالغليل الذي عهدت مقيم ** والدموعُ التي شهدت غزارُ

ما زالت زلة الآكلة تعاده، حتى استولى داؤه على أولاده، فنمت هينمة الملائكة، بعبارة نظر العاقبة، فنشروا مطوى {أتجعل} قرعوا بعصي الدعاوي، ظهور العصاة، فقيل لهم: لو كنتم بين أفاعي الهوى وعقارب اللذات لبات سليمكم سليمًا، فأبوا للجرآة إلا جرجرير الدعاوي، وحدثوا أنفسهم بالتقى بالتقاوي، فقيل: نقبوا عن خيار نقبائكم، وانتقوا ملك الملكوت، فما رأوا فيما رأوه لمثلها مثل هاروت وماروت، فأبى لسفر البلاء بالبلية، فما نزلا حتى نزلا من مقام العصمة، فنزلا منزل الدعوى، فركبا مركب البشرية، فمرت على المرئيين امرأة يقال لها الزهرة، بيدها مزهر زهرة الشهوة، فغنت الغانية بغنة اغن، فرأت قيان الهوى، فهوى الصوت في صوت قلب قلبيهما، فقلبهما عن تقوى التقويم، فانهار بناء عزم هاروت، وما رهم حزم ماروت، فأراداها على الردى فراوداها، وما قتل الهوى نفسًا فوداها، فبسطت نطع التنطع على تحت التخيير، إما أن تشركا وإما أن تقتلا، وإما أن تشربا، فظنا سهولة الأمر في الخمر، وما فطنا، فلما امتد ساعد الخلاف فسقى فسقًا، فدخلا سكك السكر، فزلا في مزالق الزنا، فرآهما مع الشخصية شخص، فشخصا إليه فقتلا، فكشت فتنتهما في فئة الملائكة، فاتخذوا لتلك الواردة، وردًا من تضرع {ويستغفرون لمن في الأرض}.

.الفصل الثاني: في بناء الكعبة:

لما علا كعب الكعبة على سائر البقاع بقاع العلم، أبرزتها كف الإيجاد كالكاعب، قبل وجود الأرض، وكان آدم أول من ساس الأساس، ثم بيّت للبيت البيات، طواف الطوفان، فحل ما حل أزرار حلل الحلل، فلما هاجر الخليل بهاجر وابنها، أوضع بهما فوضعهما هنالك، وتولى راضيًا بمن تولاه، يوم حرقوه، فقالت هاجر: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فرجعت متوكئة على منسأة التوكل على من لا ينسى، فجعلت تشرب ما معها من ماء، وترضع لبنها ابنها، فلما نفدا جعل إسماعيل يتلوى على رمض رمضان الصوم، فانطلقت لتبذل الجهود في مأمور {فامشوا في مناكبها} فصعدت بأقدام الصفا على الصفا، فلما أطلت الطلة على الطلل، توكفت طل روح ينقع الغلة، ثم جدت فجدت الجدد بالجد هابطة، فلما طرف طرف سيرها طرف طرف الوادي، رفعت طرف ذراعها، ثم وسعت خطاها وسعت للجهد بجهد ذراعها، ثم أتت المرأة المروة، وعادت إلى الصفا سبعا، فلذلك أمر المكلف أن يسعى، لأنه أثر قدم مقدام، لتصيب الأقدام، نصيبًا من مواطي {فبهداهم اقتده} فسمعت صوتًا من صوب، فنزل الملك ليزيل النازلة، فهيا نزل النزيه، فزمزم ماء زمزم، ونزا نزوًا لانز نزًا، فحصحص الماء في صحصح الحصى، فامتدت كف الحرص، فلفقت كالحوض، فقيل لها ليس هذا الماء من كيس كسبك فما هذا المذاق من حرص فعلك، ولو تركت زمزم لكانت عينًا معينًا، فمرت رفقة من جُرهم، جرَّهم سؤال {فاجعل أفئدة من الناس} فأقاموا.
واشتاق الخليل إلى ابنه، فاستاق راحلة الرحيل، فاشترط لسان غيرة سارة، أن لا تزال عن مكانة {وإبراهيم الذي وفَّى} فقدمت زوجة إسماعيل إليه المقام فقدت فيه قدمه وغابت رجل الرجل فحولته إلى يساره، فسرت إليه اليسرى، فهيت دليل الإرشاد بالقاصدين {واتخِذوا من مقام إبراهيم مُصلَّى} فلما أمرا ببناء البيت حار من لا يعلم مراد الآمر، فإذا سحابة تسحب ذيل الدليل، قد قدَّها المهندس القدري على قدر البيت، فوقفت فنادت يا إبراهيم: علِّم على ظلي، فلما علَّم كما علِم، هبت فذهبت فسُرَّ بما فُسِّر له من مشكل الشكل، فذلك سرُّ {وإذا بوَّأْنا} فجعلا مكان استراحة البناء المعنى {ربنا تقبَّل منا} فلما فرغا، فغرا فم السؤال، يرتشفان ضرع الضراعة {وأرنا مناسكنا} فلما شرفت الكعبة بإضافة {وطهِّرا بيتي} قصدها فوج الفيل، فقيل مرادهم، لما باتوا على ما بيتوا، أقبل الطير الذي رمى كالغمام، فكانت قطراته للحصاد، لا للبذر، فأصبح لزرع الأجساد كالمنجل الهاشم، ليكون معجزًا لظهور نبي بني هاشم، فأمسوا في بيدر الدِّيّاس {كعصفٍ مأكول}.

.الفصل الثالث: في قصة نوح عليه السلام:

لما عم أهل الأرض العمى عما خلقوا له، بعث نوح بجلاء أبصار البصائر، فمكث يداويهم {ألف سنة إلا خمسين عامًا} فكلهم أبصر ولكن عن المحجة تعالى، فلاح لللاحي عدم فلاحهم، فولاهم الصلا يأسًا من صلاحهم. وبعث شكاية الأذى، في مسطور {إنهم عصوني} فأذن مؤذن الطرد، على باب دار إهدار دمائهم {إنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن} فقام نوح في محراب {لا تذر} فأتته رسالة {أن اصنع} ونادى بريد الإعلام بالغضب {ولا تخاطبني} فلما أن هال كئيب الإمهال، وانقطع سلك التأخير. غربت شمس الانتظار، فادلهمت عقاب العقاب فلما انسدلت الظلمة، وفات النور {فار التنور} فقيل يا نوح: قد حان حين الحين، فاحمل {فيها من كل زوجين اثنين}، فتخلف خلف نوح خلف من ولده، فمد يد الحنو ليأخذ بيده {يا بني اركب معنا} فأجاب عن ضمير خايض في مساء المساوي {سآوي} فرد عليه لسان الوعيد {لا عاصم} فلما انتقم من العصاة بما يكفي، كفت كف النجاة كفة الأرض بقسر {ابلعي} وقلع جذع جزع السماء في وكف دمعها بظفر {أقلعي} ونوديت نجاة الجودي جودي، بإنجاء غرقى السير، وزود الهالكون في سفر الطرد زاد {وقيل بُعدًا}.

.الفصل الرابع في قصة عاد:

لما تجبر قوم عاد في ظل ظلل ضلالهم حين أملى الأمل، وطول البقاء وزوى ذكر زوالهم، ومروا في مشارع عذاب الملاهي، ناسين من عذابها، رافلين في حلل الغفلة بالأمنية عن المنية وآدابها، أقبل هود يهديهم، ويناديهم في ناديهم {اعبدوا الله} فبرزوا في عتو {من أشدُّ منّا قوة} فسحب سحاب العذاب، ذيل الأدبار، بإقباله إلى قبالتهم، فظنوه لما اعترض عارض مطر، فتهادوا تباشير البشارة، بتهادي بشارة {هذا عارض ممطرنا} فصاح بلبل البلبال فبلبل {بل هو ما استعجلتم به} فكان كلما دنا وترامى، ترى ما كان {كأن لم يكن} فحنظلت شجرات مشاجرتهم هودًا، فجنى من جنى، من جنا ما جنى في مغنى {فما أغنى عنهم سمعهم} فراحت ريح الدبور، لكي تسم الأدبار بكي الإدبار، فعجوا منها عجيج الأدبر، فلم تزل تكوي تكوينهم، بميسم العدم، وتلوي تلوينهم إلى حياض دم الندم، وتكفأ عليهم الرمال، فتكفي تكفينهم، وتبرزهم إلى البراز، عن صون حصون، كن يقينًا يقينهم فإذا أصبحت أخذت تنزع في قوس {تنزع الناس} وإذا أمست، أوقعت عريضهم في عرض {كأنهم أعجاز نخل} فما برحت بارحهم عن براحهم، حتى برّحت بهم، ولا أقلعت حتى قلعت قلوع قلاعهم، فدامت عليهم أفة وداء، لا تقبل فداء {سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} فحسوا ما آذاقهم من سوء ما حسوا ما، ونسفوا في قفر {ألا بعدًا} إلى يم {واتبعوا} فلو عبرتَ في معبر الاعتبار، لترى ما آل إليه مآلهم، لرأيت التوى، كيف التوى عليهم، وكف النوى كيف نوى الدنو إليهم، فانظر إلى عواقب الخلاف فإنه شاف كاف.

.الفصل الخامس في قصة ثمود:

لما أعرضت ثمود عن كل فعل صالح، بعث إليهم للإصلاح، صالح، فتعنت عليه ناقة أهوائهم بطلب ناقة، فخرجت من صخرة صماء تقبقب ثم فصل عنها فصيلٌ يرغو، فأرتعت حول نهي نهيهم عنها في حمى حماية {ولا تمسوها} فاحتاجت إلى الماء، وهو قليل عندهم، فقال حاكم الوحي {لها شِرْب} فكانت يوم وردها، تقضي دين الماء، بماء درها، فاجتمعوا في حلة الحيلة، على شاطئ غدير الغدر، فدار قدار حول عطن {فتعاطى} فصاب عليهم صيّب صاب صاع صاعقة العذاب الهون، فحين دنا وديدن، دمغهم دمار فدمدم، فأصبحت المنازل، لهول ذلك النازل {كأن لم تغن بالأمس}.

.الفصل السادس في قصة الخليل عليه السلام:

كان الكهنة قد حذرت نمرود وجود محارب غالب، ففرق بين الرجال والنساء، فحمل به على رغم أنف اجتهاده، فلما خاض المخاض في خضم أم إبراهيم وجعلت بين خيف الخوف وحيز التحيز تهيم، فوضعته في نهر قد يبس، وسترته بالحلفاء ليلتبس، وكانت تختلف لرضاعه، وقد سبقها رضاع {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} فلما بلغ سبع سنين، رأى قومه في هزل {وجدنا آباءنا} فجادلهم فجدّلهم فجدلهم وأبرز نور الهدى في حجة {ربي الذي يحيي ويميت} فقابله نمرود، بسهى السهو في ظلام {أنا أحيي} فألقاه كاللقا، على عجز العجز، بآفات {فأت بها}، {فبهت} ثم دخل دار الفراغ {فراغ عليهم} فجردوه من بُرد بَرد العدل، إلى حر {حرِّقوه} فبنوا لسفح دمه بنيانًا إلى سفح جبل، فاحتطبوا له على عجل العجل، فوضعوه في كفة المنجنيق، فاعترضه جبريل، في عرض الطريق فناداه وهو يهوي في ذلك الفلا: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، فسبق بريد الوحي إلى النار، بلسان التفهيم {كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}.