فصل: الفصل الحادي والأربعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الأربعون:

أخواني، اعتبروا بالذين قطنوا وخزنوا، كيف ظعنوا وحزنوا؟ وانظروا إلى آثارهم تعلموا أنهم قد غبنوا، لاحت لهم لذات الدنيا فاغتروا وفتنوا، فما انقشعت سحاب المنى حتى ماتوا ودفنوا.
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ** وبنوا مساكنهم فما سكنوا

فكأنهم كانوا بها ظعنًا ** لما استراحوا ساعة ظعنوا

يا من قد امتطى بجهله مطا المطامع، لقد ملا الوعظ، في الصباح والمساء المسامع، أين الذين بلغوا آمالهم؟ فما لهم في المنى منازع.
ما زال الموت يدور على بدور الدور حتى طوى الطوالع، صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع، ولقوا والله البلا في تلك البلاقل، قال شداد بن أوس: لو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا التذوا بنوم.
وقال وهب ابن منبه: لو أن لأم عرق من عروق الميت قسم على أهل الأرض لوسعهم ألمًا.
وكان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء كل ليلة فيتذاكرون الموت والقيامة ثم يبكون، حتى كأن بين أيديهم جنازة.
وقال يحيى بن معاذ: لو ضربت السماء والأرض بالسياط التي ضرب بها ابن آدم لانقادت خاشعة للموت والحساب والنار.
يا هذا الشيب أذان والموت إقامة ولست على طهارة، العمر صلاة والشيب تسليم، يا من قد خيم حب الهوى في صحراء قلبه أقلع الأطناب فقد ضرب بوق الرحيل، أما تسمع صوت السوط في ظهور الإبل؟ أما ترى عجلة السلب وقصر العمر؟ شارف الركب بلد الإقامة فاستحث المطى، يا مشاهدة ما تمت بغيتها حتى وقع النهب فيها، استلب منك لك قبل أن تستلب الجملة، الأيام تسرع في تبذير مجموع صورتك وأنت تسرع في تبذير معانيك.
يا شباب الجهل، يا كهول التفريط، يا شيوخ الغفلة، اجلسوا معنا ساعة في مأتم الأسف يا سحائب الأجفان، امطري على رباع الذنوب، يا ضيف الندم على الإسراف أسكن شغف القلوب، يا أيام الشيب إنما أنت بين داع ووادع، فهل لماض من الزمان ارتجاع.
قفا ودعا نجدًا ومن حل بالحمى ** وقل لنجد عندنا أن تودعا

فليس عشيات الحمى برواجع ** عليك ولكن خل عينيك تدمعا

تلفت نحو الحمى حتى وجدتني ** وجعت من الإصغاء ليتا واخدعا

واذكر أيام الحمى ثم انثني ** على كبدي من خشية أن تصدعا

أخواني، سكران الهوى بعيد الإفاقة، فلو تذكر إقامة الحد طار السكر، من تحسى مرق الهوان احترقت شفتاه، من أكل من الظلم تمرة أداها قوصرة. ويحك، اغسل العثرة بعبرة، وادفع الحوبة بتوبة ما دام في الوقت مهلة وفي زمن السلامة فسحة، قبل أن تموت وتفوت وتعلو بعد الخيل على تابوت، قبل أن ترى السمع والبصر قد كلا، وتقول {رب ارجعون} فيقال كلا، قبل أن يصير دمع الأسى من جفن من أسى، ويقال هلا كان هذا قبل هذا، هلا.
أتترك من تحب وأنت جار ** وتطلبه إذا بعد المزار

وتبكي من بعد نأيهم اشتياقًا ** وتسأل في المنازل أين ساروا

تركت سؤالهم وهم حضور ** وترجو أن تخبرك الديار

فنفسك لم ولا تلم المطايا ** ومت كمدًا فليس لك اعتذار

يا من أجله يذوب ذوبان الثلج في الحر، أينقشع غيم العمر؟ لا عن هلال الهدى، أتؤثر الفاني المرذول على النفيس الباقي؟
ارضيا بثنيات اللوى ** عن زرود يا لها صفقة غبن

ما يخفى علامات الإدبار عليك، يفتش دارك فلا يرى سواك للطهارة، بلى ملاعق الأكل، ليس في البيت مصحف بل تقويم، أينفع وجود التقويم؟ يا مهتمًا بالنظر في الطالع طالع ما قد خبي لك كأنك بالموت قد طلع، وما طالع فكرك عاقبة، اسمع حسابي حقًا وما أرجم، ودع لكلماتي هذي قول الهاذي المنجم، إن ضم الندم على التفريط إلى العزيمة على الإنابة فساعة سعد، وإن اجتمع في القلب حب الدنيا على إيثار الكسل فقران نحس.

.الفصل الحادي والأربعون:

ما هذا الحب للدنيا والصبابة؟ وإنما يكفي منها صبابة، فقل للنفس الحريصة، لقد بعت الأخرى رخيصة.
يا نفس ما الدهر إلا ما علمت فكم ** ألست حدثتني أني أتوب فلم

إياك إياك من سوف فكم خدعت ** وأهلكت أممًا من قبلها وأمم

توبي يكن لك عند الله جاه تقى ** وقدمي من فعال الصالحين قدم

يا راقد للبلى حث المشيب به ** ألا فكن خائفًا لا تقعدن وقم

يا من قد أخذ الهوى بأزمته، وأمسك الردى بلمته، يا رهين ديون تعلقت في ذمته، هذا أوان جدك إن كنت مجدًا، هذا زمان استعدادك إن كنت مستعدًا.
للشريف الرضي:
يا نفس قد عز المرادُ فخذي ** إن كنت يومًا تأخذين أو ذَري

نُهزَةُ مجدٍ كنتُ في طِلابها ** لمثلها يَنصُفُ ساقي مئزري

عمر الفتى شبابُه وإنما ** آونةُ الشيبِ انقضاءُ العُمُر

رض مهر النفس يتأت ركوبه، أمت زئبق الطبع يمكن استعماله، تلمح فجر الأجر يهن ظلام التكليف، احذر حية الفم فإنها بتراء، إذا خرجت من شفة غدرك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها، ونسل الخصام مذموم، أوثق سبع غضبك بسلسلة حلمك، فإنه إن أفلت أتلف، متى قمت بحدة الغضب انطفى مصباح الحلم، بحر الهوى إذا مد أغرق، وأخوف المنافذ من الغرق فتحة البصر فلا يشتغل زمان الزيادة إلا بإحكام القورح.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ** في أعين العين موقوف على الخطر

يسر مقلته ما ضر مهجته ** لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر

لو حضرت مع الأحباب الباب، لسامح الناقد ببهرجك، رحلت رفقة {تتجافى} ومطرود النوم في حبس الرقاد، فما فك عنه السجان قيد الكرى حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح الآثار بباب الكوفة والأحباب قد وصلوا إلى الكعبة.
لصردر:
من يطّلع شرفًا فيعلمَ لي ** هل روح الرُعيان بالإبلِ

أم قعقعت عَمَدُ الخيام أم ** ارتفعت قبابهم على البُزْلِ

أم غرَّد الحادي بقافيةٍ ** منها غراب البين يستلمي

فَضَلَت دموعي عن مدى حَزَني ** فبكيتُ مَن قتل الهوى قبلي

ما مر ذو شجن يكتِّمه ** إلا أقول متيَّم مثلي

من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه، الزهاد عين العارفين، الأرواح في الأشباح كالأطيار في الأبراج، وليس ما أعد للاستفراخ كما هي للسباق، من حدق بعين الفكر إلى مطلع الهدى لاح له الهلال، كم أداوي بصر بصيرتك وما يتجلى، ما أظن الضعف إلا في الوضع، ضعف عين الخفاش في أصل الفطرة ليس برمد، وحدة ناظر الهدهد خلقة، مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة، قبل الشرايع {يكاد زيتها يضيء} وحدّ قس وما رأى الرسول، وكفر ابن أبي وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه، ولا ماء، وكم من عطشان في الموجة، إذا سبق الأنعام في القدم فذلك غنى الأبد، لما تقدم اختيار الطين المنهبط صعد على النار المرتفعة، وكانت الغلبة لآدم في حرب إبليس، فاكتفت نار جهنم بما جرى فسلمت يوم (جزيا مؤمن) سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسبق تابوته إلى بيتها، فجاء طفل منفرد عن أم، إلى امرأة خالية عن ولد، قرينان مرتعنا واحد.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت يهودي يعوده فقال له أسلم، فنظر المريض إلى أبيه فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم، فكان ذلك قريبًا من نسب «سلمان منا» فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا؟ والقدر يقول: مريضنا عندكم (كيف انصرافي ولي في داركم شغل).
لما عم نور النبوة آفاق الهدى رآه سلمان دون العم، قويت ظلمات الشرك بمكة فتخبطت قريش في الضلال، فلاح مصباح الفلاح من سجف دار الخيزران، فإذا عمر على الباب ولقد أنارت لإبليس شمس البيان يوم {أنبِئهم بأسمائهم} غير أن النهار ليل عند الأعشى، رجع الخفاش إلى عشه، فقال: أوقدوا المصباح فقد جن الليل، فقالوا: الآن طلعت الشمس، فقال: ارحموا من طلوع الشمس عنده ليل، فسبحان من أعطى ومنع ولا يقال لم صنع؟ سلم التوفيق قريب المراقي، وبئر الخذلان بلا قعر، ربما أدرك الوقفة أهل مصر وفاتت أهل نخلة، لا بد والله من نفوذ القضاء فاجنح للسلم.
كم بالمخصب من عليل ** هوى طريح لا يعلل

وقتيل بين بين خيف ** مني وجمع ليس يعقل

كيف تتقي نبال القدر والقلب بين إصبعين.
لا تغضبن على قوم تحبهم ** فليس ينجيك من أحبابك الغضب

ولا تخاصمهم يومًا إذا حكموا ** إن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا

كان إبليس كالبلدة العامرة فوقعت فيها صاعقة الطرد فهلك أهلها {فتلكَ بيوتُهُمْ خاوِيَةٌ}
من لم يكن للوصال أهلًا ** فكل إحسانه ذنوب

أخذ كساء ترهبه فجعل جلًا لكلب أصحاب الكهف، فأخذ المسكين في عداوة آدم فكم بالغ واجتهد؟ وأبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر، ويحك ما ذنب آدم؟ أنت الجاني على نفسك، ولكنه غيظ الأسير على القد.
لقي إبليس عمر بن الخطاب فصارعه فصرعه عمر، فقال بلسان الحال: أنا مقتولٌ بلسان الخذلان قبل لقائك فإياك عني لا يكن بك ما بيا، يا عمر أنت الذي كنت في زمان الخطاب لا تعرف الباب وأنا الذي كنت في سدة السيادة وأتباعي الملائكة موصل منشور {لا يسئل} فعزلني وولاك فكن على حذر من تحول الحال.
فإن الحسام الصقيل الذي ** قتلت به في يد القاتل

لما تمكنت معرفة عمر بتقليب القلوب لعب القلق بقلبه، خوفًا من قلبه، فبادر بطريق باب البريد بالعزل والولاية، يا حذيفة المحبة العظمى، ارتباط أمرك بمن لا يبالي بهلاكك، فكم قد أهلك قبلك مثلك، كم مشارف بسفينة عمله؟ على شاطئ النجاة، ضربها خرق الخذلان فغرقت وما بقي للسلامة إلا باع أو ذراع، أي تصرف بقي لك في قلبك؟ وهو بين إصبعين.
يا قلب إلام تطالبني ** بلقا الأحباب وقد رحلوا

أرسلتك في طلبي لهم ** لتعود فضعت وما حصلوا

سلم واصبر واخضع لهم ** كم مثلك قبلك قد قتلوا

ما أحسن ما أعقلت به ** أما لك منهم لو فعلوا