فصل: الفصل الثامن والأربعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الثامن والأربعون:

من علم أن هبات الدنيا هبا حل من غل ذل.
الدهر مستعجل يخب ** فاختم وطين الكتاب رطب

إن الذي أنت فيه حلم ** وسوف تنساه إذا تهب

توقَّ مكر الزمان واحذرْ ** ولا تثق فالزمان خب

جميع أفعاله غرور ** وكل ما نحن فيه لعب

وليس يبقى عليه شيءٌ ** يكرهه المرء أو يحب

أسمع أحاديث من تقضي ** يا من له ناظر وقلب

الدنيا تعطي تفاريق وتسترجع جملًا، وترضع أفاويق وتقطع عجلًا، يواني خيرها وإن واتى لمعا، ثم يأتي شرها حين يأتي دفعا، فترى العبرات عند فقدها تراق ولا ترقا، والزفرات عند سلبها تهد ولا تهدأ، ويحكم أن المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه.
إخواني: ذودوا هممكم عن مرعى المنى فإنه يزيدها عجقًا، ولا تولوا الهوى على ميدان الأبدان {إنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أوْ أَنْ يُظْهِرَ في الأرضِ الفساد}. الهوى وثن ينصب في جاهلية الشباب فإن صح إسلام العزم جعل أصنام الشهوات جذاذًا.
يا معاشر الشباب زيدوا في سلاسل الهوى فإن شيطان الهوى مارد، زنوا حلوى المشتهى بمر العقاب يبن لكم التفاوت، إلى متى يقودكم الهوى؟ إلى متى تستعبدكم الدنيا؟.
للشريف الرّضيّ:
كم اصطبارٌ على ضيمٍ ومنقصةٍ ** وكَمْ على الذلِّ إقرارٌ وإذعانُ

ثُوروا لها وَلْتَهُنْ فيها نفوسُكُمُ ** إنَّ المناقبَ للأرواح أثمانُ

إلى متى جمود الإناث؟ أين الحركة الرجولية؟.
للمهيار:
قم فانتشطْها حسبُها أن تُعقَلا ** ودَعْ لها أيديَها والأرجلا

لا يطرحُ الذلَّ وراء ظهره ** إلا فتىً يُنْضي المطايا الذُّلُلا

الجد الجد فالطريق طويلة، دار الناقة بذكر الدار عللها بصوت الحداة، فإذا لاح لها المنزل فشوقها يسوقها.
للمهيار:
إرخِ لها زمامها والأنسعا ** وارمِ بها من العلى ما شسعا

وارحل بها مغتربًا عن العدى ** توطك من أرض العدى متسعا

يا رائد الظعن بأكناف اللوى ** بلغ سلامي إن وصلت لعلعا

ماذا عليهم لو رثوا لساهر ** لولا انتظار طيفِهم ما هجعا

إخواني: انبعاث الجوارح في العمل دليل على قوة العلم بالأجر، فإذا حصل تسليم النفوس في الجهاد إلى القتل كان النهاية في كمال اليقين، فإذا وقع الفرح بأسباب التلف دل على كمال المحبة، كما قال عبد الله بن جحش اللهم سلِّط علي غدًا عدوًا يبقر بطني ويجدع أنفي، فإذا لقيتك قلت هذا فيك ومن أجلك.
وطعن حرام بن ملحان، فنفذ فيه الرمح فقال: فزت وربِّ الكعبة. لو رأيتهم والمعترك قد اعتكر وقد تقدموا في القدموس فانبلج الأمر وجاش جأش الجيش في أُفُرّة فلم يتميز الهلقام السرعرع، من القلهزم الحنزقرة، وإذا الغضنفر الدمكمك والقخر العلندي والضباضب الدلامر كلهم في مقام أجفيل فلما انزعجت الطباع تذكروا قبيح الجناية، فمدوا أيدي التسليم للودايع، فخضب الدماء محاسن وجوه، طال ما صبرت على برد الماء وقت الإسباغ، وحصدت مناجل السيوف زروع روس طال ما أطرقت في الأسحار، وعادت خيولهم خلية عنهم فوطئتهم بعد السنا تحت السنابك، واقتسم لحومهم عقبان السماء وسباع الأرض، فكم من رجل رجل، طالما قامت فصلت فصلت، وكم من يد بالدعاء رفعت وقعت، وكم من بطن حمل بالصيام ما شق شق، وكم من عين كانت تعين الحزين بالفيض وقعت في منقار طائر هذا حديث الأجسام فأما الأرواح ففي دار السلام، والله ما كانت إلا غفوة حتى أعطاهم العفو عفوا عفوه، وكأنكم بأجسادهم التي تفرقت قد تلفقت، وبالقبور التي جمعتهم قد تشققت، وقد قاموا بالسلاح حول العرش ينادون بلسان الحال، عن صاحبه حاربنا ولأجله قتلنا، وكلومهم يومئذ قد انفجرت فجرت، اللون لون الدم والريح ريح المسك، فليعلم الأشهاد حينئذ أنهم الشهداء، اسمع يا من لا يحارب الهوى ولا ساعة فلو فاتتك الغنائم وحدها قرب الأمر، وإنما لقب جبان قبيح، أين أرباب العزائم القوية؟ امتلأت بالأبرار البرية، رحلوا عنها وفاتوا، ونحن متنا وهم ما ماتوا.
خَلّي طرفي والبكا إن كنتَ خِلي ** فالحمى أقفر من جار وأهل

والح من لم يدر ما طعم السى ** أنا عن لومك في أشغل شغل

لم يدع وقر الهوى في سمعي ** واعتراضات الهوى بابًا لعذل

غير قلبي أن تأسى عاشق ** للتأسي أو تسلي للتسلي

أثاف ما ترى تشكو الصلا ** أم قلوب بين حصباء ورمل

هذه من بعدهم آثارهم ** والتجافي عن بلى الأطلاب يبلي

ما وقوفي في محلٍّ ساكنٍ ** في فؤادي أهلُه لا في المحل

يتمنّى طيفُكُم صب لكم ** مستهام والمنى جهد المقل

والذي يستجلب الطيف الكرى ** من لعيني أن ترى النوم ومن لي

بعت حلمي طائعًا لا كارهًا ** بسفاهي فاشتروا عزي بذُلي

وانقضى أكثر عمري في القلى ** جفوة منكم فرقوا للأقل

حملوني الخف من هجركم ** وارحموا من ما له طاقة ثقل

عجبًا لي ولقلب ضائعٍ ** بان عني بين بانات وأثل

سل بقلبي عن خيام باللوى ** تاه قلبي في حماها ضلّ عقلي

ذات طوقٍ مثل شجوى شجوها ** غير أن ما شكلها في الحزن شكلي

أنا في النوح اضطرارًا مثلها ** وهي في غير اضطرارٍ فيه مثلي

حرم الله على البان الصبا ** وحماه الغيث من طلٍّ ووبل

ما على السائق لو حلّ النقى ** وأراح العيس من شدٍّ وحلّ

فعسى تدني المنى منى مني ** ولعلي أن أرى الخيف لعلّي

.الفصل التاسع والأربعون:

عجبًا لراحلٍ عن قليل غافل عن زاد الرحيل لا يعتبر بأخذ الجيل وإنما هو تأخير وتعجيل، أين النزيل؟ أزيل. أين القويم؟ أميل. أين المطمئن؟ اغتيل.
إنَّ الليالي لا تبقى على حال ** والناس ما بين آمالٍ وآجال

كيف السرور بإقبال وآخره ** إذا تأملته مقلوب إقبال

تيقظوا فالأيام دائبة، وتحفظوا فالسهام صائبة، واحذروا دنياكم فما هي مواتية، واذكروا أخراكم فها هي آتية، أما رأيتم الدنيا فقد أبانت خدعها ومكرها، إذا بانت من جمعها مكرها، أين الارتياد للسلامة غدًا، أين الاستعداد؟ قبل الندامة أبدا، كأنكم بالمسير عن الربع قد أزف، وبالكثير من الدمع قد نزف، وبالمقيم قد أبين مما ألف، وبالكريم قد أهين لما تلف.
يا طالب الدنيا دنا فراقها ** تزويجها أسرع أم إطلاقها

ودين من يخطها صداقها

عباد الله من تعلق قلبه بالجنة لا يصلح لنا، فكيف بمن يهوى الدنيا؟.
أردناكم صرفًا فلما مزجتم ** بعدتم بمقار التفاتكم عنا

وقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ** فأسكنتم الأغيارَ ما أنتم منا

السلطان لا يزاحم في داره، «لا يسعني شيءٌ ويسعى قلب عبدي المؤمن».
غبتم عن العين القريحة فيكم ** وسكنتم في القلب دار مقام

وسلبتم جلدي التصبر عنكم ** فالصبر أول راحلٍ بسلام

خرج المريد الصادق من ديار الهوى إلى بادية الطلب، فجن عليه ليل التحير فجن، فإذا نار القرى تلوح إن حملت رجل الرجل.
للمهيار:
قد أبصرتْ حقًّا مناها في الحمى ** وظنَّها بحاجر يقينا

فبَلَغَتْ أدعو لها وبلَّغتْ ** وخانني من لم يقل آمينا

كرب المحب بالنهار يشتده لمزاحمة رقباء المخالطة، فبلبل بلباله يتبلل في قفص الكتم، فإذا هبّت نسيمُ السحر وجد بروحه روحاه يصل من قصر مصر المنى إلى أرض كنعان الأمل، فيقدم ركب الشوق يتجسس النسيم، من فرج الفرج ولَهَ وَلَهٌ، فنهض توق الشوق فتكلم قلم الشكوى، ورقم وصف القوم وحكى ما حاكى، وكنى عن ما كنى.
عاودَ القلبُ غرامَهُ ** وجفا الجفن منامه

كلما قلت جوى الشوق ** خبا زاد اضطرامه

أنا في أسرك والمأسور ** قد يرعى ذمامه

آه من عتبك في الليل ** إذا جن ظلامه

سيدي هائمك الحيران ** قد زاد هيامه

هو ميت غيران لم ** تبل في الترب عظامه

كنهاري منذ فارقتك ** ليلى لا أنامه

إذا اعتكر الليل اعترك الهم، طال الدجى على الأبدان وقصر على القلوب.
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ** فقالوا لنا ما اقتصر الليل عندنا

لو رأيت رواحل الأبدان قد أنضاها طول السهر وأضناها، فلما هبت نجدية السحر مدت أعناق الشوق فزال كل الكلال.
لصردر:
تزاوَرن عن أذرعاتٍ يمينا ** نواشز ليس يُطعن البرينا

كَلِفْنَ بنجد كان الرياض ** أخذنَ لنجد عليها يمينا

وأقسمن يحملن إلا نحيلا ** إليه ويُبْلغنَ إلا حزينا

ولما استمعن زفيرَ المشوق ** ونوحَ الحمام تركنَ الحنينا

إذا جئتما بانة الواديين ** فأرخو النسوع وحلّوا الوضينا

فثَمَّ علائق من أجلها ** مُلاءُ الدجى والضحى قد طوينا

وقد أنبأتْهم مياهُ الجفون ** بأن بقلبك داء دفينا

دموع الخائفين يحبسها النهار مراقبة الخلق، فإذا جن الليل انفتح سكر الدموع {فسالت أودية بقدرها} أرواح الأسحار أقوات الأرواح، رقت فرقت حرجد الوجد، وبلغت رسائل الحب ومكروب الشوق يرتاح للرياح.
يا نسيم الريح هل من وقفة ** تطغي الغلة أو تشفي الأواما

كن رسولًا بسلام عائدًا ** نحو من أنقذني فيك السلاما

لم تثر شجوى حمامات اللوى ** بل غرامي علم الشجو الحماما

كانت بردة العابدة تنادي في جوف الليل: غارت النجوم ونامت العيون وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك يا خير محبوب، أفتراك تعذبني؟ وحبك في قلبي لا تفعل يا حبيباه.
إن شئت سألت دمع عيني عني ** يخبرك بأنني أسير الحزن

منك الغفران والخطايا مني ** ظني حسن فيك فحقق ظني

يا غافل القلب، ما هذا الكلام لك؟ ليس على الخراب خراج، لا يعرف البر إلا سائح، ولا البحر إلا سابح، ولا الزناد إلا قادح.
ضمنا يوم تنادوا للقا ** موقف يعرفه من عشقا

لما عشقت اللبلابة الشجر، تقلقلت طلبًا لاعتناق الرؤس ولثم الخدود، فقيل لها مع الكثافة لا يمكن، فرضيت بالنحول، فالتفت فالتقت.
حبي والوجد أورياني سقما ** هذا جسمي يعد عظمًا عظما

دعني والشوق قد كفاني خصما ** يا سهم البين قد أصبت المرمى