فصل: الفصل الحادي والثمانون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الحادي والثمانون:

يا من أنفاسه عليه معدودة وأبواب التقى في وجهه مسدودة، وأعماله بالرياء والنفاق مردودة، غير أن محبة التفريط معه مولودة:
حياتك أنفاس تعد فكلما ** مضى نفس منها انتقصت به جزءا

فتصبح في نقص وتمسي بمثله ** أمالك معقول تحس به رزءا

يمينك ما يحييك في كل ساعة ** ويحدوك حاد ما يريد بك الهزءا

كم أسرعت فيما يؤذي دينك ودأبت؟ كم خرقت ثوب إيمانك وما رأبت؟ كم فرقت شعب قلبك وما شعبت؟ كم فاتك من خير وما اكتأبت؟ يا كاسب الخطايا بئس ما كسبت، جمعت جملة من حسناتك ثم اغتبت، وحصن دينك ثلمت لما ثلبت، وأنت الذي بددت ما حلبت، إن لاح لك أخوك عبته وإن لاحى سببته.
يا عقرب الأذى كم لدغت؟ كم لسبت؟ تعلم أن مولاك يراك وما تأدبت؟ تؤثر ما يفنى على ما يبقى ما أصبت، تصبح تائبًا فإذا أمسيت كذبت، تمشي مع اليقين فإذا قاربت انقلبت، تعمر ما لا يبقى وما يبقى خربت، تأنس بالدنيا وغرورها وقد جربت كأنك بك في القبر تبكي ما كسبت، لقد حسبت حسابًا كثيرًا وهذا ما حسبت.
يا وادي الشيح كيف يقال لو أعشبت؟ يا هذا أكثر الأنعام عليك، كف كف فضول الدنيا عنك إذا رأيت سربال الدنيا قد تقلص، فاعلم أنه قد لطف بك لأن المنعم لم يقلصه عليك بخلًا أن يتمزق لكن رفقًا بالماشي أن يتعثر، أحرم عن الحرام بنزع مخيط الهوى لعل جذب القدر يقارن ضعف كسبك:
إن المقادير إذا ساعدت ** ألحقت العاجز بالحازم

يا تائهًا في فلات الغفلات، اعل بأقدام الذهن نشز الفكر تلح لك البلد، تركب البحار في طلب الدنيا فإذا أمرت بخير، قلت إن وفقني، أصم الله سمع الهوى فما يسمع إلا ما يريد.
يا ملولًا كلما ** ثقف بالعذل التوى

عنتا تطلب في ** فالوذج الهوى نوى

ما أحسن قولك، وما أقبح فعلك، كم يشكو حزيران؟ نطقك من كانون عزمك، ويحك، بادر در الأرباح ما دام ينثر، فسينادي عن قليل {يا سماء أقلعي} أتحسب تحصيل المعالي سهلًا؟ نيل سهيل أسهل من أدلج في ليل الصبر فات المكاس، يا من يتعب في التعبد ولا يجد له لذة، أنت بعد في سواد البلد اخرج إلى البادية تجد نسيم نجد، الاعتبار عندنا بالأعمال القلبية، غلبت حرارات الخوف قلب داود فصار كفه كيرًا {وألنَّا له الحديد} وقويت روحانية محمد فنبع الماء من بين أصابعه:
لولا مدامع عشاق ولوعتهم ** لبان في الناس عز الماء والنار

فكل نار فمن أنفاسهم قدحت ** وكل ماء فمن طرف لهم جار

أيها المصلي طهر سرك قبل الطهور، وفتش على قلبك الضائع قبل الشروع، حضور القلب أول منزل فإذا نزلته انتقلت إلى بادية العمل، فإذا انتقلت عنها أنخت بباب المناجى، وأول قرى ضيف اليقظة كشف الحجاب لعين القلب، وكيف يطمع في دخول مكة منقطع قبل الكوفة، همك في الصلاة متشبث، وقلبك بمساكنة الهوى متلوث، ومن كان متلطخًا بالأقذار لا يغلف، ادخل دار الخلوة لمن تناجي واحضر قلبك لفهم ما تتلو ففي خلوات التلاوة تزف أبكار المعاني، إذا كانت مشاهدة مخلوق يوم {اُخرُج عليهِنّ} استغرقت إحساس الناظرات {فقطَّعنَ أيديَهُنّ} فكيف بالباب علقت؟ فعقلت على الباب؟
لها بوجهك نور تستدل به ** ومن نوالك في أعقابها حاد

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ** عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لو أحببت المخدوم لحضر قلبك في الخدمة، ويحك، هذا الحديد يعشق المغناطيس فكيف ما التفت التفت، إن كنت ما رأيت هذا الحجر فانظر إلى الحرابى تواجه الشمس، فكيف مالت قابلتها.
للشريف الرضي:
وإني إذا اصطكت رقاب مطيكم ** وثَوَّر حادٍ بالرفاقِ عجول

أخالف بين الراحتين على الحشى ** وأنظرُ أنّى مُلتم فأميل

قيل لعامر بن عبد قيس أما تسهو في صلاتك؟ قال: أو حديث أحب إلي من القرآن حتى أشتغل به، هيهات! مناجاة الحبيب تستغرق الإحساس. كان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته ولقد انهدمت ناحية من المسجد فزع لها أهل السوق فما التفت. وكان إذا دخل منزله سكت أهل بيته فإذا قام يصلي تكلموا وضحكوا علمًا منهم أن قلبه مشغول، وكان يقول في مناجاته: إلهي، متى ألقاك وأنت عني راضي؟
إذا اشتغل اللاهون عنك بشغلهم ** جعلت اشتغالي فيك يا منتهى شغلي

فمن لي بأن ألقاك في ساعة الرضا ** ومن لي بان ألقاك والكل لي من لي

كان الفضيل يقول أفرح بالليل لمناجاة ربي وأكره النهار للقاء الخلق.
الموت ولا فراق من أهواه ** هذي كبدي تذوب من ذكراه

ما أشوقني له متى ألقاه ** ما مقصودي من المنى إلا هو

كان أبو يزيد يقول: وددت أن الله تعالى جعل حساب الخلق علي، قيل لماذا؟ قال: لعله يقول في خلال ذلك يا عبدي فأقول: لبيك، ثم ليصنع بي ما شاء.
هل الطرف يعطي نظرة من حبيبه ** أم القلب يلقى روحة من وجيبه

وهل لليالي عطفة بعد نفرة ** تعود فيلهى ناظر عن غروبه

أحنُّ إلى نور اللوى في بطاحه ** وأظمأ إلى ريا اللوى في هبوبه

وذاك الحمى يغدو عليلًا نسيمه ** ويمسي صحيحًا ماؤه في قليبه

هو الشوق مدلول على مقتل الفتى ** إذا لم يعد قلبًا بلقيا حبيبه

يا واقفًا في صلاته بجسده والقلب غايب، ما يصلح ما بذلته من التعبد مهرًا للجنة فكيف ثمنًا للجنة، رأت فأرة جملًا فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فلما وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال: إما أن تتخذي دارًا يليق بمحبوبك أو محبوبًا يليق بدارك، خذ من هذه إشارة إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك أو تتخذ معبودًا يليق بصلاتك.

.الفصل الثاني والثمانون:

عجبًا لمن رأى فعل الموت بصحبه ثم ينسى قرب نحبه، واستبداله ضيق المكان بعد رحبه من لم ينتبه بوكزه فسينتبه بسحبه:
ما لبني الدنيا غدوا ** أهل ضلال وغمه

بصيرهم من جهله ** كأنه حلف كمه

أنت مقيم سائر ** فلا تقل لم ولمه

ولا تكلم أحدا ** في غير بر كلمه

فكل معطى مهل ** أوقاته منصرمه

ولا تدوم للفتى ** شؤونه المنتظمه

يأتي على الأرض مدى ** وما عليها نسمه

ضاق رحب العمر عن ** حاجاتنا المزدحمه

أين الأقران وأين سلكوا؟ تالله لقد فنوا وهلكوا، اجتمع الأضداد في الألحاد واشتركوا، وخانهم حبل الأمل بعدما امتسكوا، ونوقشوا على ما خلفوا وتركوا وصار غاية الأماني أن لو تركوا، تالله لقد سعد من تدبر وسلم من الأذى من تصبر، وهلك مؤثر الحرى وأدبر فكأنكم بالفراق يا ركاب المعبر، يا نائمًا في لهوه وما نام الحافظ لاحظ نور الهدى فلا حظ إلا للاحظ، ولا تغتر ببرد العيش فزمان الحساب قائظ، يا مدبرًا أمر دنياه ينسى أخراه فخفف النداء اللافظ، وعجائب الدهر تغني عن وعظ كل واعظ، يا من رأينا يد التفريط قد ولعت به فأتينا للومه ولعتبه أما مصير السلف نذير الخلف، أما مهد الطفل عنونا اللحد. يا من لمع له سارب الأمل فبدد ماء الاحتياط أتراك ما علمت أن الأماني قمار. مد نهر الهوى وقلبك على الشاطئ، فمر به صم مسح اليقظة فصممت على الزلل أكل الزمان {وهم بها} أما تقع في يوم {واستعصم} الورع عن الذنوب، يوجب قوة قلبية. قال بعض السلف: ارتكبت صغيرة فغضب علي قلبي فلم يرجع إلي إلا بعد سنة، أخواني: إطلاق البصر سيف يقع في الضارب:
يا للرجال لنظرة سفكت دمًا ** ولحادث لم ألفه مستسلما

وأرى السهام تؤم من يرمي بها ** فعلام سهم اللحظ يصمي من رمى

المحرمات حرم ونظر المملوك إلى حرم المالك، من أقبح الخيانة، يا بني آدم تلمحوا تأثير {وعصى} لقمة أثرت إن عثرت، فعرى المكتسي ونزل العالي وبكى الضاحك، وقام المترفه يخدم نفسه فاشتد بكاؤه فنزل جبريل يسليه فزاد برؤيته وجده. للشريف الرضي:
رأى على الغور وميضًا فاشتاق ** ما أجلب البرق لماء الآماقْ

ما للوميض والفؤاد الخفَّاقْ ** قد ذاق من بين الخليط ما ذاقْ

داء غارمٍ ما له من إفراقْ ** قد كَلَّ آسيهِ وقد ملَّ الراقْ

قلبي وطرفي من جوى وإملاق ** في غرق ما ينقضي وإحراقْ

يا ناقَ أداك المؤدي يا ناقْ ** ماذا المقام والفؤاد قد تاقْ

هل حاجة المأسور إلا الإطلاق

كان آدم كلما عاين الملائكة تصعد إلى السماء وجناحه قد قص زاد قلقه.
وأصبحت كالبازي المنتف ريشه ** يرى حسرات كلما طار طائرا

يرى خارقات الجو يخرقن في الهوى ** فيذكر ريشًا من جناحيه وافرا

وقد كان دهرًا في الرياض منعمًا ** على كل ما يهوى من الصيد قادرا

إلى أن أصابته من الدهر نكبة ** فأصبح مقصوص الجناحين حاسرا

أعظم البلايا تردد الركب إلى بلد الحبيب يودعون عند فراقهم الزمن:
ولم يبق عندي للهوى غير أنني ** إذا الركب مروا بي على الدار أشهق

كانت الملائكة إذا نزلت إليه، استنشق ريح الوصال من ثياب الواصلين وتعرف أخبار الديار من نسمات القاصدين:
خبراني عن العقيق خبيرًا ** أنتما بالعقيق أحدث عهدا

يا ناقضي العهود دوموا على البكاء فمن أشبه أباه فما ظلم.
كانت عابدة من أحسن النساء عينًا فأخذت في البكاء فقيل لها: تذهب عيناك، فقالت: إن يكن لي عند الله خير فسيبدلني خيرًا منهما وإن تكن الأخرى فوالله لا أحزن عليهما.
للمتنبي:
قد علّمَ البينُ منا البينَ أجفانا ** تدمَى وألفَ في ذا القلب أحزانا

قد أشفق من دمعي على بصري ** فاليوم كل عزيز بعدكم هانا

تُهدي البوارق أخلافَ المياه لكم ** وللمحبِّ من التذكار نيرانا

من سعى إلى جناب العز بأقدام المسكنة، ووقف بباب الكرم على أخمص المسألة، ووصف ندمه على الذنب بعبارة الذل لم يعد بالخيبة.
ملكتم قلبي فما ** لي عنكم مصرف

فودكم منه مكا ** ن كبدي أو الطف

فلا برى وجدي بكم ** ولا أفاق الشغف

لست وإن اعرضتم ** أيأس من أن تعطفوا

وصبر يعقوب معي ** حتى يعود يوسف

يا معاشر المذنبين اسمعوا وصيتي، إذا قمتم من المجلس فادخلوا دار الخلوة وشاوروا نصيح الذكر وحاسبوا شريك الخيانة وتلمحوا تفريط التواني في بضاعة العمر، ويكفي ما قد مضى فليحذر العور الحجر، إذا نفى خاطر المذكر من ذل هوى، وصفى معين معنى كلامه من كدر طمع، انكشف الغشاء عن عينه فرأى بالفطنة موضع قطنة مرهم العافية فربى حشائش الحكم وركب فيها معاجين الشفاء ففتحت سدد الكسل واستفرغت أخلاط الشواغل، فأما مجتلب الدنيا بنطقه فإنه كلما حفر قليب قلبه فأمعن، لاستنباط معنى، طم الطمع إذا صدر العلم من عامل به كان كالعربية ينطق بها البدوي، وأحلى أبيات الشعر ما خرج عن أبيات الشعر جمعت بين الكتاب والسنة ففتحا لي هذه المغاني فهي تنادي السامعين: ولدت من نكاح لا من سفاح، ومن جمع بين الجهل والبدعة هذى الهذيان فكلامه في مرتبة ابن زانية، إذا فتحت الوردة عينها رأت الشوك حولها فلتصبر على مجاورته قليلًا فوحدها تجتني وتقبل، واعجبًا لألفاظي وعملها بطل السحر عندها كل المذكرين رجالة وأنا فارس أخرج إلى المعاني في كمين فأصيدها لا بأحبولة إذا حضرت ملكت العيون، وإذا غبت استرهنت القلوب.
للمهيار:
طرفُ نجدية وظرفُ عراقي ** أي كاس يديرها أيّ ساق

سنحت والقلوبْ مطلقةٌ ترعى ** وثابت وكلها في وثاق

لم تزل تخدع العيونَ إلى أن ** عَلَقَتْ دمعةً على كل مآق