فصل: الفصل الخامس والثمانون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس والثمانون:

يا من كل يوم يقدم إلى القبر فارط، لا تغتر بالسلامة فربما قبض الباسط، انهض للنجاة بقلب حاضر وجأش رابط، قبل أن يلقيك على بساط العجز خابط، ونفس النفس تخرج من سم إبرة خائط.
قل للمؤمل إن الموت في أثرك ** وليس يخفى عليك الأمر من نظرك

فيمن مضى لك إن فكرت معتبر ** ومن يمت كل يوم فهو من نذرك

دارٌ تسافر عنها من غدٍ سفرًا ** فلا تؤب إذا سافرت من سفرك

تضحي غدًا سمرًا للذاكرين كما ** صار الذين مضوا بالأمس من سمرك

إخل بنفسك في دار المعاتبة، واحضرها دستور المحاسبة وارفع عليها سوط المعاقبة وإن لم تفعل خسرت في العاقبة:
خلقت جسمًا ثريًا ثم زرت ثرى ** فصرت خطًا وطالت مدة فمحى

قف بالمنازل من عادٍ وغيرهم ** فما ترى ثم من شخصٍ ولا شبح

كلٌّ مُجازى بما أسداهُ من حسن ** وسيء فاهجر السوء آت وانتزح

لقد وعظك أمس واليوم وأنت من سنة إلى نوم، أين العشائر؟ أين القوم؟ اشتراهم البلى بلا سوم، لا فطر عندهم ولا صوم، بلى بلابل العتاب واللوم هذا رشاش الموج ينذر بالعوم ويخبر بالحادثات أشمامها والروم.
اغتنم صفو الليالي ** إنما العيش اختلاس

تلبس الدهر ولكن ** متعة ذاك اللباس

يا جامع الحطام ولا يدري ما جنى، كلما نقض الواعظ أصلًا من حرصك بنا، بادر الفوت فإن الموت قد دنا، هذا يشير القبول: إياك عني النثار كثير فما هذا الوقوف والونى؟ أمدد يد الصدق وقد نلت المنى، هذه الخيف وهاتيك منى، أما تهزك هذه المواعظ؟ أيها المهزوز أما يوقظك الصريح؟ ولا المرموز أما كل وقت عود الهلاك؟ مغموز أما كل ساعة غصن؟ مقطوع ومحزوز، أما تراهم بين مدفوع وموكوز كل أفعالك إذا تأملت ما لا يجوز، أين أرباب القصور؟ أين أصحاب الكنوز؟ هلك القوم وضاع المكنوز وحيز في حفرة البلى من كان للمال يحوز، بينا تغرهم الإناءة وقعت النواة في الكوز أين كسرى أين قصير أين فيروز؟ عروا عن الأكفان وما كانوا يرضون الخزوز، وأبرز الموت أوجهًا عز عليها البروز، وساوى بين العرب والعجم والنبط والخوز، ونسخ بحسرات الرحيل لذات النيروز، وكشف لهم نقاب الدنيا فإذا المعشوقة عجوز، ما رضيت إلا قتلهم وكم تدللت بالنشوز، لقد أذاقتهم برد كانون الأول فأذاهم في تموز، وإنما قصدت غرورهم لتقتلهم في كالوز.
واعجبًا، بحر الوجود قد جمع الفنون: العلماء جوهره، والعباد عنبره، والتجار حيتانه والأشرار تماسيحه والجهال على رأسه كالزبد، فيا من يجري به على هواه وهو عليه كالقفيا قف يا قفيا، كم تحضر مجلسًا وكم تتردد؟ وكم تخوف عقبى الذنوب وكم تهدد؟ يا من لا يلين لواعظ وإن شدد، يا راحلًا عن قريب ما عليها مخلد، تلمح قبرك لا قصرك المشيد وتعلم أن المطلق إذا شاء قيد، أترى تقع في شركي؟ فإني جئت أتصيد، يا من يسأل عن مراتب الصالحين مالك ولها؟ تساوم في راحلة وما تملك ثمن نعل تجمع من جوانب الحافات خبازى وتريد أن تطعم أخضر، تطلب سهمًا من الغنيمة وما رأيت الحرب بعينك.
يحاول نيل المجد والسيف مغمد ** ويأمل إدراك العلى وهو نائم

البلايا تظهر جواهر الرجال، وما أسرع ما يفتضح المدعي.
تنام عيناك وتشكو الهوى ** لو كنت صبًا لم تكن نائما

رأى فقير في طريق مكة امرأة فتبعها فقالت: مالك؟ فقال: قد سلب حبك قلبي. قالت: فلو رأيت أختي؟ فالتفت فلم ير أحدًا. فقالت: أيها الكاذب في دعواه، لو صدقت ما التفت:
والله لو علمت روحي بمن علقت ** قامت على رأسها فضلًا عن القدم

إذا كنت تشتغل اليوم عنا بسوداء فكيف تذكرنا إذا أعطيناك الحور؟ يا مؤثرًا ما يفنى على ما يبقى هذا رأى طبعك هلا استشرت عقلك لتسمع أصح النصائح، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب، ويحك، اعزم على مجنون هواك بعزيمة فرب شيطان هاب الذكر، تلمح غب الخطايا لعله يكف الكف، لا تحتقرن يسير الطاعات فالذود إلى الذود إبل، وربما احتبج إلى عويد منبوذ، لا تحتقرن يسير الذنب فإن العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوي فيختنق به الجمل المغتلم أو ما نفذت في سدسبا؟ حيلة جرد من عرف شرف الحياة اغتنمها، من علم أرباح الطاعات لزمها، العمر ثوب ما كف، والأنفاس تستل الطاقات، كم قد غرقت في سيف سوف، سفينة نفس.
يا هذا، أنت أجير وعليك عمل فإذا انقضى الشغل فالبس ثياب الراحة، قال رجل لعامر بن عبد قيس: كلمني فقال: أمسك الشمس. دخلوا على الجنيد عند الموت وهو يصلي فقيل له في هذا الوقت؟ فقال الآن تطوى صحيفتي:
حثوا المطى فهذه نجد ** بلغ المدى وتجاوز الحد

يا حبذا نجد وساكنه ** لو كان ينفع حبذا نجد

يا ديار الأحباب أين السكان؟ يا منازل العارفين أين القطان؟ يا أطلال الوجد أين؟ أين البنيان؟
تعاهدتك العهاد يا طلل ** خبر عن الظاعنين ما فعلوا

فقال ألا اتبعتهم أبدا ** إن نزلوا منزلًا وإن رحلوا

تركت أيدي النوى تقودهم ** وجئتني عن حديثهم تسل

رحل القوم يا متخلف وسبقوك بالعزائم يا مسوف، فقف على الآثار وقوف متلهف، وصح بالدمع سر يا متوقف.
للشريف الرضي:
يا قلب جدد كمدا ** فموعد البين غدا

لم أر فرقًا بعدهم ** بين الفراق والردى

يا زفرةً هيجها ** حاد من الغور حدا

أرعى الحُمول ناظرًا ** أو أُلزم القلبَ يدا

وأطرد الطرف على ** آثارهم ما انطردا

مذ أوقدوا بأضلعي ** حر الجوى ما بردا

ومذ إذا أبوا ماء عيني ** للأسى ما جمدا

كنتُ أداوي كبدي ** لو تركوا لي كبدا

.الفصل السادس والثمانون:

أخواني: المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه، وبقدر الالتذاذ يكون التأسف، ومن فعل ما شاء لقي ما ساء.
مال ما كان المنى ما آلما ** صار ما أوصلته قد صارما

بينما أضحك مسرورًا به ** سال ماء العين إذا ما سالما

الدنيا فلاة فلا تأمن الفلاة، بل تيقن أنها مارستان بلا، ولا تسكن إليها وإن أظهرت لك الولا، على أنها تخفض من علا، فلينظر الإنسان يمنة فهل يرى إلاّ محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ أما الربع العامر فقد درس وأما أسد الممات ففرس وأما الراكب فكبت به الفرس وأما الفصيح فاستبدل الخرس وأما الحكيم فما نفعه إن احترس، ساروا في ظلام ظلمهم ما عندهم قبس ووقفت سفينة نجاتهم لأن البحر يبس، وانقلبت دول النفوس كلها في نفس وجاء منكر بآخر نبأ، ونكير بأول عبس أفلا يقوم لنجاته؟ من طال ما جلس.
آه، لنفس رفلت من الغفلة في أثوابها فثوى بها الأمر إلى عدم ثوابها، آه لعيون أغشاها الأمل فسرى بها إلى سرابها، آه، لقلوب قلبها الهوى عن القرآن إلى أربابها فربا بها، آه لمرضى علم الطبيب قدر ما بها، وقد رمى بها، لأبي العتاهية:
يا نفس ما هو إلا صبر أيام ** كأن مدتها أضغاث أحلامِ

يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة ** وخل بها فإن العيش قدامي

يا مغرورين بحبة الفخ ناسين خنق الشرك، تذكروا فوات الملتقط مع حصول الذبح {فلا تغرَّنَّكُم الحياة الدنيا} الحذر الحذر من صياد يسبق الطير إلى مهابطه بفخاخ مختلفة الحيل، قدروا أنكم لا ترون خيط فخة، أما تشاهدون ذبائحه؟ في خيط {كما أخرج أبَوَيْكُم من الجنة}.
للشريف الرضي:
يا قلب كيف علقت في أشراكهم ** ولقد عهدتك تفلت الأشراكا

لا تشكون إلى وجدا بعدها ** هذا الذي جرَّتْ عليك يداكا

ألا يصبر طائر الهوى عن حبة مجهولة العاقبة، وإنما هي ساعة ويصل إلى برج أمنه. وفيه حبات:
فإن حننت للحمى وطيبه ** فبالغضا ماء وروضات أخر

واعجبًا أن يكون حامل الكتاب من الطير أقوى عزيمة منك، لعل وضعك على غير الاعتدال، الخلق يدل على الخلق، لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل ولا الهمة الوافية إلا لنفس نفيسة، لا يصلح لحمل الرسائل إلا الطير الأخضر أو الأنمر، لأنه إذا كان أبيض، كان كالغلام الصقلاني، والصقلاني فطير خام لم ينضج في محل الحمل، وإذا كان الطائر أسود دل على مجاوزة حد النضج إلى الاحتراق، فإن اعتدل اللون دل على نفاسة النفس وشرف الهمة، فحينئذٍ يعرف الطائر سر الجناح فيقول بلسان الحال: عرفوني الطريق بتدريج ثم حمّلوني ما شئتم، فإذا أدرج فعرف حمل فحمل فصابر الغربة. ولازم بطون الأودية وسار مع الفرات أو دجلة فإن خفيت الطريق تنسم الرياح وتلمح قرص الشمس وتراه مع شدة جوعه يحذر الحب الملقى خوفًا من دفينة فخ، يوجب تعرقل الجناح وتضييع المحمول فإذا بلغ الرسالة، أطلق نفسه في أغراضها داخل البرج.
فيا حاملي كتب الأمانة إلى عبادان العبد أكثركم على غير الجادة وما يستدل منكم من قد راقه حب حب فنزل ناسيًا ما حمل فارتهن بفخ قد نفخ فذبح، ومنكم من بان لتعرقل جناحه، وما قصده الذابح بعد فلا الحبة حصّلت ولا الرسالة وصلت.
قطاة غرها شرك فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح

فلا في أغيل نالت ما تمنت ** ولا في الصباح كان لها براح

لو صابرتم مشقة الطريق لانتهى السفر، فتوطنتم مستريحين في جنات عدن، فيا مهملين النظر في العواقب سلفوا وقت الرخص فما يؤمن تغير السعر، سلسلوا سباع الألسن فإن انحلت افترستكم، لا ترموا بأسهم العيون ففيكم تقع، رب راعي مقلة أهملها فأغير على السرح، من رأى الحقائق رأى عين غض طرفه عن الدارين، لو حضرتم حضرة القدس لعقبتم بنشر الأنس.
اطلبوا لأنفسكم ** مثل ما وجدت أنا

قد وجدت لي سكنا ** ليس في هواه عنا

إن بعدت قربتي ** أو قربت منه دنا

يا هذا اعرف قدر لطفنا بك وحفظنا لك، إنما نهيناك عن المعاصي صيانة لك لا لحاجتنا إلى امتناعك، لما عرفتنا بالعقل حرمنا الخمر لأنها تستره، ومثل يوسف لا يخبأ، يا متناولًا للمسكر لا تفعل يكفيك سكر جهلك فلا تجمع بين خليطين، اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عنه، وشكرك لمن تعنيك نعمه، وطاعتك لمن لا ترجو خيرًا إلا منه، وبكائك على قدر ما فاتك منه، وارفع إليه يد الذل في طلب حوائج القلب تأتي وما تشعر.
يا هذا عندك بضائع نفيسة دموع ودماء، وأنفاس وحركات وكلمات ونظرات فلا تبذلها فيما لا قدر له، أيصلح أن تبكي لفقد ما لا يبقى؟ أو تتنفس أسفًا على ما يفنى، أو تبذل مهجة لصورة عن قليل تمحى أو تتكلم في حصول ما يشين ويتوى، واعجبًا. من مجنون بلا ليلى ويحك دمعة فيك تطفي غضبنا، وقطرة من دم في الشهادة تمحو زللك، ونفس أسف ينسف ما سلف وخطوات في رضانا تغسل الخطيّات، وتسبيحة تغرس لك أشجار الخلد ونظرة بعبرة تثمر الزهد في الفاني ولكن تصحيح النقد شرط في العقد سلع {وإني لغفار} لا تباع إلا بدينار {لمن تاب} إذا كان خارجًا من سبيكة {وآمن} عن سكة {وعمل صالحًا} من دار ضرب {ثم اهتدى}.
يا هذا: لو استشعرت زرمانقة الزهد تحت مطرف «رب أشعث أغبر» وسحت في بادية (يدفعون) لأفضنا عليك خلع (إذا رأوا ذكر الله) يا هذا إن لم تقدر على كثرة العمل فقف على باب الطلب تعرض بجذبة من جذبات الحق ففي لحظة أفلح السحرة.
لا تجزعن من كل خطب عرا ** ولا ترى الأعداء ما تشمت

يا قوم بالصبر ينال المنى ** إذا لقيتم فئة فاثبتوا

طريق الوصول صعبة وفي رجلك ضعف، ويحك دم على السلوك تصل.
أول النخلة السحوق فسيلة، بداية الآدمي الشريف مضغة، ثمن المعالي جد الطلب والفتور داء مزمن، بلد الرياضة سحيق {لم تكونوا بالغيه إلا بشقِّ الأنفس} سحابة الصيف أثبت من قولك والخط على الماء أبقى من عهدك.
من السلوة في عين ** يك آيات وآثار

أراها منك بالذهن ** وفي الألباب أبصار

إذا ما برد القلب ** فما تسخنه النار

يا هذا، إذا حضر قلبك فنسيم الريح يذكرك، وإن غاب فمائة ألف نبي لا يوصلون التذكرة إليك، تالله لقد ألمعنا المعنى وما ألزمنا الزمنى.
ولي بألف باب قد عرفت سبيله ** ولكن بلا قلب إلى أين أذهب