فصل: الفصل السابع والثمانون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل السابع والثمانون:

يا من يرحل في كل لحظة عن الدنيا مرحلة، وكتابه قد حوى حتى قدر خردلة، كن كيف شئت؟ فبين يديك الحساب والزللة، يا عجبًا من غفلة مؤمن بالجزاء والمسئلة أيقين بالنجاة؟ أم غرور وبله.
تبنى وتجمع والآثار تندرس ** وتأمل اللبث والأرواح تختلسُ

ذا اللب فكر فما في الخلد من طمع ** لا بد ما ينتهي أمر وينعكسُ

أين الملوك وأبناء الملوك ومن ** كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا

ومن سيوفهم في كل معترك ** تخشى ودونهم الحجاب والحرس

أضحوا بمهلكة في وسط معركة موتى ** وماشى الورى من فوقهم يطس

وعمهم حدث وضمهم جدث ** باتوا وهم جثث في الرمس قد حبسوا

كأنهم قط ما كانوا ولا خلقوا ** ومات ذكرهم بين الورى ونسوا

والله لو نظرت عيناك ما صنعتْ ** يد البلى بهم والدود يفترس

من أوجه ناظرات حار ناظرها ** في رونق الحسن منها كيف تنطمس

وأعظم باليات ما بها رمق ** وليس تبقى لهذا وهي تنتهس

والسن ناطقات زانها أدب ** ما شانها شانها بالآفة الخرس

ثلتهم السن للدهر فاغرة ** فاها فاها لهم إذ بالردى وكسوا

عروا عن الوشي لما ألبسوا حللًا ** من الرغام على أجسادهم وكسوا

حتام يا ذا النهي لا ترعوي سفهًا ** ودمع عينك لا يهمي وينبجس

أيها المطمئن إلى الدنيا وهي تطلبه بدخل، قد مرضت عين بصيرته فيها، فما ينفع الكحل، يتبختر في رياضها وما يصبح إلا في الوحل، انتبه للرحيل. ثم اشدد الرحل، واستبدل خصب المراب. عن قحل المحل، وتأمر على نفسك. فللنخلل فحل.
اترك الشر ولا تأمن بشر ** وتواضع إنما أنت بشر

هذه الأجسام ترب هامد ** فمن الجهل افتخار وأشر

جسد من أربع يلحظها سبعة ** من فوقها في إثني عشر

في حياة كخيال طارق ** شغل الفكر وخلاك ومر

تالله لقد كشفت الغير ما انسدل، فلم يبق مراء ولا جدل، هذا حمام الحمام قد هدل، فكم صرخ صوته وكم جدل، يا جائرين احذروا ممن إذا قضى عدل، واعلموا أن الآخرة ليس منها بدل، هذا هو الصواب، لو أن المزاج اعتدل، يا من عمره كزمان الورد، التقط واعتصر لا في زور، يا شمس العصر على القصر، قد بلغ مركبك ساحل الأجل، ووقف بعيرك. على ثنية الوداع، وقاربت شمس عمرك الطفل، وبقي من ضوء الأجل. شفق، فاستدرك باقي الشعاع. قبل غروب الشمس.
أُيُنفَق العمرُ في الدنيا مجازفةً ** والمال يُنفق فيها بالموازين

البدار البدار. قبل الفوت، الحذار الحذار. قبل الموت، ما في المقابر من دفين. إلا وهو متألم من سوف.
يا هذا متى تبت بلسانك، وما حللت عقد الإصرار من قلبك، لم تصح التوبة، كما لو سكنت الأمراض بغتة من غير استفراغ، فإن المرض على حاله.
يا هذا: إذا لم يتحقق قصدُ القلب. لم يؤثر النطق باللفظ، إن المكره على اليمين. لا تنعقد يمينه. «إنما الأعمال بالنيّات» وقلبه كله مع الهوى، «إن في البدن لمضغة. إذا صلحَتْ صلح البدن، وإذا فسدَتْ فسد البدن، ألا وهي القلب» أكثر الأمراض. أمراض الهوى، وأكثر القتلى بسيفه، أرباب الهوى، أطفال في حجور العادات وإن شابوا، انحدرت عزيمتك. في جريان نهر الهوى، فاصبر صبر مداد. لعلك تردها.
ويحك. انتبه لإصلاح عيوبك، لعل المشتري يرضى، تالله. إن المشتري ما يحب بطء زحل، اكفف ثوب الكلام بالصمت. وإلا تنسل، اطف حراق الهوى. وإلا عمل، ارفق بزجاج العمر. فما ينشعب إذ انكسر.
واعجبًا، الظاهر غير طاهر، والباطن باطل، الأمل بخار فاسد، الرعونة علة صعبة، منام المنى أضغاث، رائد الآمال كذوب، مرعى المشتهي هشيم، العجز شريك الحرمان، التفريط مضارب الكسل، ديجور الجهل معتم، سؤر الهوى مغرق، روض اللهو وبى، غدير اللذات غدر.
ظللتُ أكرُّ عليه الرقى ** وتأبى عريكته أن تلينا

كم قد لمتك وما نفع، كم قد نصبت لك شركًا وما تقع، قفل قلبك رومي. ما يقع عليه فش.
يا هذا: المجاهدة حرب. لا يصلح لها إلا بطل، متى تغير من جنود عزمك على الإنابة قلب واحد، لم أمن قلب الهزيمة عليك.
وإذا كان في الأنابيب خلفٌ ** وقع الطيش في رؤس الصعاد

أيها المريد. تلطّف بنفسك في الرياضة تصل، مشي القطا بدبير، ومشي العصفور نقزان، العنكبوت الفطن ينسج في زاوية، والمغفل ينسج على وجه الأرض، كن قيمًا على جوارحك، وفِّها الحظوظ، واستوف منها الحقوق، أما ترى حاضن البيض يقلبه بمنقاره، لتأخذ كل بيضة حظها من الحضن، ثم أكثر ساعات الحضن على الأنثى، لاشتغال الذكر بالكسب، فإذا صار البيض فراخًا كان أكثر الزق على الأب، {فلا يُخرجَنَّكُما من الجنة فتشقى} ما لقيت حواء عشر ما لقي آدم، لأنها وإن شاركته في العلم بفقد صورة النعيم، فهو منفرد عنها بملاحظة المعنى، بعد عز {اسجدوا لآدم} يقبض جبريل على ناصيته للإخراج، والمدنف يقول ارفق بي:
يا سابق البكرات استبق فضلتها ** على الغوير فظهر الفكر معقور

كان يتوقف في خروجه لو ترك، ويتشبث بذيل لو نفع، ولسان الأسى، يصيح بمن أسا:
تزود من الماء النقاخ فلن ترى ** بوادي الغضا ماءًا أنقاخًا ولا بردا

ونل من نسيم البان والرند نفحة ** فهيهات واد ينبت البان والرندا

وكر إلى نجد بطرفك إنه ** متى تسر لا تنظر عقيقًا ولا نجدا

ما زال مذ نزل، يرفع قصص الغصص، على أيدي أنفاس الأسف، فتصعد بها صعداء اللهف:
ألا يا نسيم الريح من أرض بابل ** تحمل إلى أهل الحجاز سلامي

وإني لأهوى أن أكون بأرضهم ** على أنني منها استفدت سقامي

واعجبًا من فاق آدم، بلا معين على الحزن، هوام الأرض لا تفهم ما يقول، وملائكة السماء عندها بقايا {أتجعل} فهو في كربة، وحيد بدار غربة:
ألا راحم من آل ليلى فأشتكي ** غرامي حتى يكل لسانيا

.الفصل الثامن والثمانون:

أخواني: أيام العافية غنيمة باردة، وأوقات السلامة لا تشبهها فائدة، فتناول ما دامت لديك المائدة، فليست الساعات الذاهبات بعائدة.
مضى أمسك الماضي شهيدًا معدلا ** واتبعه يوم عليك شهيد

فإن تك بالأمس اقترفت إساءة ** فبادر بإحسان وأنت حميد

ولا تبق فعل الصالحات إلى غد ** لعل غدًا يأتي وأنت فقيد

إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت ** حميمك فاعلم أنها ستعود

كأنكم بالقيامة قد قامت، وبالنفس الأمارة بالسوء، قد لامت، وانفتحت عيون. طال ما نامت، وتحيرت قلوب العصاة وهامت.
غدًا توفى النفوس ما كسبت ** ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ** وإن أساءوا فبئس ما صنعوا

شبكة الحساب ضيقة الأعين. لا يعبرها شيء، وكيل المطالبة خصم ألد، أينطق بأقل عذرك بين يدي سحبان المناقشة، كلا أيقن بالسجن، يا هذا، إنك لم تزل في حبس، فأول الحبوس صلب الأب، والثاني بطن الأم، والثالث القماط، والرابع المكتب، والخامس الكد على العيال، والسادس الموت، والسابع القبر فإن وقعت في الثامن. نسيت مرارة كل حبس.
يا هذا، ادخل حبس التقوى باختيارك أيامًا. ليحصل لك الإطلاق في الأغراض على الدوام، ولا تؤثرن إطلاق نفسك فيما تحب، فإنه يؤثر حبس الأبد في النار، إلى متى تسجن عقلك في مطمورة هواك؟ أو يحبس طاوس في ناووس؟ ويحك. تفكر فيما بين يديك، وقد هان الصبر عليك، لما خفيت العواقب على المتقين، فزعوا إلى القلق، وأكثروا من البكاء، فعذلهم من يشفق عليهم، وما يدري العاذل، إن العذل على حمل الحزن علاوة.
قيل لبعض العباد: لم تبكي؟ قال: إذا لم أبك فما أصنع؟
ما كان يقرأ واش سطر كتماني ** لو أن دمعي لم ينطقْ بتبيانِ

ماء ولكنه ذوب النفوس وهلْ ** ماء تولّده من حر نيرانِ

ليت النوى إذ سقتني سُمَّ أسودها ** سدت سبيل امرئ في الحب يلحان

قد قلتُ بالجزع لما أنكر واجزعي ** ما أبعد الصبر ممن شوقه دانِ

عجنا على الربع نستسقي له مطرًا ** وفاض دمعي فأرواه وأظماني

قوي حصر الخوف فاشتد كرب القوم، فكل ما هب نسيم من الرجاء ولوا وجوههم شطره:
يا طربًا لنفحةٍ نجديةٍ ** اعدل حرَّ القلب باستبرادها

وما الصبا ريحي لولا أنها ** إذا جرتْ مرَّتْ على بدلاها

عبارة النسيم لا يفهمها إلا الأحباب. وحديث البروق. لا يروق إلا للمشتاق:
ومرنح فَطَنَ النسيمُ بوجده ** غروى له خبر العذيب معرضا

العارف غائب عند ذكر الدنيا، وحاضر عند ذكر الأخرى وطائش عند ذكر الحبيب، يحضر المجلس موثقًا بقيود الهم، فإذا ذكر الحبيب قطع الوجد السلاسل، إن مداراة قيس تمكن، ولكن لا عند ذكر ليلى. للخفاجي:
رمتْ بالحمى أبصارها مطمئنةً ** فلما بدتْ نجدٌ وهبت جنوبها

بخلنا عليها بالبرى فتقطعتْ ** وقل لنجد لو تفرت قلوبها

لو برزت ليلى ليلًا، لصار الظلام عند قيس، أوضح من ضحى:
إذا ما ونت نادى بها الشوق فانبرت ** تجد ومن نادى به الشوق أسرعا

من سمع ذكر الحبيب. ولم يثر قلبه عن مستقره فهو مدع.
للمهيار:
إذا ذُكر المحبوب عند مُحبه ** ترنّح نشوانٌ وجن طروبُ

إذا قيل مي لما يسعى لذكرها ** خباء ولم يحبس بكاي رقيبُ

كلامي صحيح المزاج، خفيف الروح، أنا صايغ صانع، بابلي لفظي يبلبل، أنا ماشطة القوم، أنا لسان الوقت:
فكأنَّ قِسًا في عكاظ يخطب ** وكأنَّ ليلى الأخيلية تندب

وكثير عزة يوم بين يطنب ** وابن المقفع في اليتيمة يُسهِبُ

أنا طبيب لبيب. أمزج التحذير بالتشويق للعاملين، وأجعل كأس التخويف. صرفًا للغافلين، وأجتهد في التلطف. جهدي بالعارفين، الخام يعجب البدوي، وأما الحضري فدق مصر، الأدوية الحادة. تؤذي الأبدان النحيفة، الزاهد ملاح الشط، والعارف ناتاني المركب. الزاهد مقتب، والعارف في محمل، نفس الزاهد تسير به، وقلب العارف يطير به، العارف حال في الرحمة، غريب في الوطن، خلوته بمعروفه طوره، متى تقاضاه الشوق. حضر لا عن ميعاد، إذا وطى بساط الإنبساط. قال {أرني} فإذا سمع صاعقة الهيبة. قال {تبت إليك}
ويأبى الجور أن أسر الهوى ** إذا امتلأ القلب فاض اللسان

إذا رأيتم ناطقًا بالحكمة قد طرب، فاعذروه، وإنه قد صدر ولم تردوا بعد، العالم المحقق. قد اعتصر من كروم المعارف، خندر يس المعاني، فشرب منها حتى غلب، فإذا عربد بالطرب. فلم يعذره الصاحي. أمر ساقي النطق. أن يدور بكأس اللفظ. على أرباب الألباب فإذا القوم. نشاوى من الثمل، فيصبح حينئذٍ مواقف {تراود فتاها} {فذلكُنَّ الذي لُمْتُنَّني فيه} عبرناكم يا منقطعين، وعلينا أن نرد، لا بد للأمير أن يقف للساقة، عودوا إلى أوكار الكسل، فنحن على نية دخول الفلاة، اسمعوا وصايانا. يا مودعين، إذا جن الليل، فسيروا في بوادي الدجى، وأنيخوا بوادي الذل، واجلسوا في كسر الانكسار، فإذا فتح الباب للواصلين، دونكم فاهجموا هجوم الكذابين وابسطوا كف: {وتصدق علينا} لعل هاتف القبول يقول {لا تثريب عليكم اليوم}.
وإذا جئتم ثنيات اللوى ** فلجوا ربع الحمى في خطري

وصفوا شوقي إلى سكانه ** واذكروا ما عندكم من خبري

واحنيني نحو أيام مضت ** بالحمى لم أقض منكم وطري

كلما اشتقت تمنيتكم ** ضاع عمري بالمنى واعمري