فصل: الفصل التاسع والثمانون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل التاسع والثمانون:

آه لنفس أقبلت على العدو وقبلت، وبادرت إلى ما يؤذيها من الخطايا وعجلت، من لها إذا سئلت عن قبيحها؟ فخجلت، وسل عليها سيف العتاب. فقتلت.
ما لنفسي عن معادي غفلت ** أتراها نسيت ما فعلتْ

أيها المغرور في لهو الهوى ** كل نفس سترى ما علمتْ

أفٍ للدنيا فكم تخدعنا ** كم عزيز في هواها خذلتْ

رُبَّ ريح لأناس عصفت ** ثم ما إن لبثت أن سكنتْ

فكذاك الدهر في تصريفه ** قدمٌ زلت وأخرى ثبتت

أين من أصبح في غفلته ** في سرور ومرادات خلتْ

أصبحت آماله قد خيبت ** وديار لهوه قد خربتْ

جُز على الدار بقلبٍ حاضرٍ ** ثم قل يا دار ماذا فعلت

أوجه كانت بدورًا طلعًا ** وشموسًا طال ما قد أشرقت

قالت الدار تفانوا ومضوا ** وكذا كل مقيم إن ثبت

عاينوا أفعالهم في تربهم ** فسل الأجداث عما استودعت

إنما الدنيا كظل زائل ** أو كأحلام منام ذهبت

يا من هو في هوة الهوى قد هوى، كم مسلوب بكف النوى عما نوى، أين المستقر عيشه؟ أدركه التوى فالتوى، أين الجبار الذي إذا علق بالشوى شوى، أين شبعان اللذات أدركه الطوى لما طوى ليته لما ذهب بالأصل، تيقظ للفرع، فارعوى، إلى متى خلف ووعد الدنيا كله خلف.
يا متعبًا نفسه بالحرص، والقدر ما يتغير، الراضي صرفه، كم غرقت سفينة مهجة في لجة حرص، الطمع يخنق العصفور قبل الفخ، لما قنعت العنكبوت بزاوية البيت، سيق لها الحريص وهو الذباب، فصار قوتًا لها، وصوت به لسان العبرة. رب ساع لقاعد، ترسل قلبك مع كل مطلوب من الهوى، ثم تبعث وراه وقت الصلاة ولا يلقاه الرسول، فتصلي بلا قلب.
خلفتَ قلبكَ في الأظعان إذ نزلت ** بالملزمين زمان النفر بالنفرِ

ورحتَ تطلب في أرض العراق ضحى ** ما ضاع عند منى فاعجب لذا الخبر

لما طرقنا النقي كان الفؤاد معي ** فضل عني بين الضال والسمرِ

يا أرجل العيس تُهنيكِ الرمال فما ** أغدو بوجدي غدًا إلا على الأثرِ

إذا تذكرت زمانًا مضى ** فويح أجفاني من أدمعي

أراجع لي وصلهم بعدها ** يا نفس إن لم يصلوا ودعي

يا نفس كم أتلو حديث المنى ** ضاع زماني بالمنى فاقطعي

يا قلب لا تسكن على بعدهم ** وأنت يا عين فلا تهجعي

.الفصل التسعون:

أخواني ألا ذو سمع وبصر يعلم أن الأعمار فيها قصر، إلا متلمح ما في الغير من العبر إلا ذاكر بيت التراب والمدر.
تنبه فإن الدهر ذو فجعات ** وشمل جميعٍ صائر لشتاتِ

تخلف مأمولاتنا وكأننا ** نسير إليها لا إلى الغَمَراتِ

هل المرء في الدنيا الدنية ناظرٌ ** سوى فقد حب أو لقاء مماتِ

وما حركات الدهر في كل طرفةٍ ** بلاهيةٍ عن هذه الحركاتِ

سيُسقى بنو الدنيا كؤوس حتوفهم ** إلى أن يناموا لا منام سباتِ

وما فرحتْ نفسٌ ببلوى وقد رأت ** عظاتٍ من الأيامِ بعد عظاتِ

إذا بغتتْ أشياء قد كان مثلها ** قديمًا فلا تعتدها بَغَتاتِ

واعقب من النوم التيقظ راشدًا ** فلا بد للنوّام من يقظاتِ

يا من يجول في المعاصي، قلبه وهمه، يا معتقدًا صحته، فيما هو سقمه، يا من كلما طال عمره، زاد إثمه، أين لذة الهوى؟ رحل المطعوم وطعمه.
يا من سيجمعه اللحد عن قليل، ويضمه، كيف يوعظ من لا يعظه عقله ولا فهمه؟ كيف يوقظ من قد نام قلبه لا عينه ولا جسمه؟ ويحك تدارك أمرك قبل الفوت، أتنفع الاستغاثة؟ والسم قد وصل إلى القلب. إن الدرياق يصلح قبل اللسع، ومذهب ابن سريح يستعمل قبل الطلاق.
لمن أُحدّث والقلب غائب، لمن أُعاتِب والفكر ذاهل، وآسفًا من ضرب الخراج، على بلد الخراب، ويحك، أجمادٌ أنت أم حيوان؟ هذا الفهد على خساسة خلقه يصاد بالصوت الحسن، ومتى وثب على الصيد ثلاث مرات ولم يدركه، غضب على نفسه، كم قد وثبت على هواك مرة فلم تقدر عليه، فأين غضبك على التقصير، هيهات ليس عند الطاوس إلا حسن الصورة، تفيق في المجلس لحظة ثم تذكر الشهوات فيغمى عليك، إن الغراب إذا سكر بشراب الحرص تنفل بالجيف، فإذا صحا من خماره ندب على الطلل، لما عزت نفس الببغاء زاحمت الآدمين في النطق، وهي تتناول بكفها من جنس مطاعمهم.
واعجبًا لبهيم يتشبه بالناس، ولإنسان يتشبه بالبهيم، كل هذا سببه الهمة، لا يطمعن البطال في منازل الأبطال، إن لذة الراحة لا تتناول بالراحة، من زرع حصد ومن جد وجد.
وكيف يُنال المجد والجسم وادعٌ ** وكيف يُحاز الحمد والوفر وافرُ

أي مطلوب ينال من غير مشقة؟ وأي مرغوب لم تبعد على مؤثره الشقة؟ المال لا يحصل إلا بالتعب، والعلم لا يدرك إلا بالنصب، واسم الجواد لا يناله بخيل، ولقب الشجاع بعد تعب طويل. للمتنبي:
لا يدرك المجد إلا سيداٌ فطن ** لما يشق على السادات فَعّال

لولا المشقة سادَ الناسَ كلهم ** الجود يُفقرُ والأقدام قَتّال

يا أعجمي الفهم، متى تفهم؟ يا فرحًا بلذة عقباها جهنم، ستدري متى تبكي ومتى تندم، إذا جثا الخليل، وتزلزل ابن مريم، يا عاشق الدنيا كم قتلت متيم؟ ما للفلاح فيك علامة، والله أعلم، إن كان ثم عذر، فقل وتكلم، غاب الهدهد من سليمان ساعة فتواعده، فيا غائبًا عنا طول عمره، أما تحذر غضبنا؟ خالف موسى الخضر، في طريق الصحبة ثلاث مرات، فحل عقدة الوصل بكف {هذا فراق بيني وبينك} أما تخاف يا من لم يف لنا قط، أن نقول في بعض زلاتك {هذا فراق بيني وبينك}.
أعظم عذاب أهل النار جهلهم بالمعذب، لو صحت معرفتهم بالمالك، لما استغاثوا يا مالك، وقع بينهم شخص، ليس من الجنس، كانت في باطنه ذرة من المعرفة، فكلما حملت عليه النار، اتقاها بدرع يا حنان يا منان، كان موته في المعاصي سكتة، فقبر في جهنم، فلما تحرك الروح في الباطن أخرج، رأى الأسباب بيد المسبب، فتعلق بالأصل، أخواني، اليوم رجاؤنا للرحمة قوي، فكيف نصنع غدًا؟ إن ضعف.
هذا جزعي وما خلا مغناكم ** ما أصنع بعد بعدكم حاشاكم

أقسمت بكم لكم وحسبي ذاكم ** لا أذكر غيركم ولا أنساكم

على تفصيل الأمور والجمل، ما يرضى للقبر، بهذا العمل، يا من قد حمل الخطايا، وبئس ما حمل، أفي سكر أنت أم في نمل؟ لو علمت أن مكاوي الحديد، قد أحميت للسمل، لم تفرق من اللباس بين الجديد والسمل، يا ثقيل الطبع كالرمل، فما يطربه الثقيل ولا الرمل، تعصي ثم تصر، فتضيف إلى صفين الجمل، يا من قد فقد قلبه لا تيأس من عوده.
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما ** يظنان كل الظن ألا تلاقيا

الهوى قاطن، والصواب خاطر، وقلع القاطن صعب، وإمساك الخاطر أصعب، الهوى متدير، والمواعظ نزالة، ومع مداراة الجمل تصل، لما تزينت زخارف الدنيا، تواثبت جهال الطبع لاتّباع الهوى فبعث العقل كافًا لهم، فأقام عندهم، موكلًا بهم، وكلما زاد في قيودهم فكوا السلاسل، وكلما تلا عليهم النصائح، أسمعوه القبائح.
فواعجبًا لمعرف، بلى بمقاساة أنذال، ما يزال العقل يضرب الأمثال، ويشرح العواقب، ولكن من يسمع؟ أحضر معه في خلوة، واستحضر صديق الفكر فإنه ثقة، فإن خرجتم إلى المقابر قوي دليل النصح، مروا بقصور المذنبين، تجدوا أخبارهم مرًا، وجوزوا على قبور الصالحين، فقد جوزوا في العاجل ذكرًا، إذا مات المؤمن بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء، أربعين صباحًا، واعجبًا للبقاع، تبكي عليهم، وتبكي منهم.
أما الوقوف فقد وقفتُ بدارهم ** وسألتُها لو أنّ دارًا تفهمُ

وإذا رأيتُ طلولهم أبصرتُها ** طرسًا يخط به البلى وينمنمُ

نحلت لبينهم ولم أكُ عارفًا ** أن الديار بهم تصح وتسقمُ

يا له من عذل، لو كان للمعاتب فهم، لحم منه والله لو كان فحم.
للشريف الرضي:
والحر من حَذر الهوان ** يُزايل الأمر الجسيما

والعاجز المأفون ** أقعدُ ما يكون إذا أقيما

العبارات حظ النفوس، والإشارات قوت القلوب، نزل بعض أرباب المعرفة، إلى الشط فصاح: يا ملاح تحملني، فقال: إلى أين؟ قال إلى دار الملك، فقال: معي ركاب إلى القطيعة، فصاح الفقير: لا بالله لا بالله، أنا منذ سبعين سنة. أفر منها، دخل ذو فطنة إلى دار قوم، فرأى حبًا. وإلى جانبه مركن. قد زرع فيه صبر، فتواجد فقال حب إلى جانبه صبر.
يا نازلين الحمى رفقًا بقلب فتى ** إن صاح بالبين داع باح مضمره

وقد يميل إلى المغنى يسائله ** أخو الغرام ولكن من يخبره

وما ذكرتكم إلا وهمت جوى ** وآفة المبتلي فيكم تذكره

ولا عزمت على سلوان حبكم ** إلا ويخذلني قلبي وينصره

أين الذين كانوا نجوم الدنيا وأقمار الآخرة، قيامًا كالأعلام. على جواد الهوى، تقوى بأنفاسهم: نفوس أنفاس أهل التقوى، يصوتون بالمنقطع، ويرشدون المتحير، ما بقي في الديار ديار.
نسيم الصبا إن زرت أرض أحبتي ** فخصهم عني بكل سلام

وبلغهم أني رهين صبابة ** وأن غرامي فوق كل غرام

وإني ليكفيني طروق خيالهم ** لو أن جفوني متعت بمنام

ولست أبالي بالجنان وباللظى ** إذا كان في تلك الديار مقامي

وقد صممت عن لذات دهري كلها ** ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي

رحل القوم وتخلفنا، وبادروا أيامهم وسوفنا، وعرفنا طريقهم لكنا انقطعنا، فسيروا بنا، فإن لحقنا وإلا تأسفنا.
يا صاحبي إن كنت لي أو معي ** فعد إلى روض الحمى نرتعِ

حي كثيب الرمل رمل الحمى ** وقف وسلم لي على لعلعِ

وسل عن الوادي وأربابه ** وانشد فؤادي في ربى المجمعِ

وابك فما في العين من فضله ** ونب فدتك النفس عن مدمعي

واسمع حديثًا قد روته الصبا ** تسنده عن بانة الأجرع

وانزل على الشيح بواديهم ** واشمم عشيب البلد البلقع

بلغ تحياتي إلى ربعهم ** وقل ديار الظاعنين اسمعي

رفقًا بنضو قد براه الأسى ** يا عاذلي لو كان قلبي معي

لهفي على طيب ليال خلت ** عودي تعودي مدنفًا قد نعي

أزعجتموني بتقلقلكم، يا تائبين، أخرجتموني عن الحد، يا خائفين.
يا صبا نجد ويا بان الحمى ** ارفقا بي في التثني والهبوب

يتقومون بمقالي، ويقومون على حر المقالي، ويخرج عاطل البطالة وهو خالي، وأنا أدري ما حالي {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
يا غاديًا نحو هضاب الحمى ** بلغ رسوم الدار ما عندي

كم لي بتلك الدار من وقفة ** أشكو من الهجران والصد

يا ركب التوبة إن تزودتم فالتقوى وسرتم إلى الله فاحملوا معكم رسالة متلهف يحتوي على حسرة محصر.
يا حادي العيس ترفق واستمع ** مني وبلغ إن وصلت عني

وقف بأكناف الحجاز ناشدًا ** قلبي فقد ضاع الغداة مني

وقل إذا وصلت نحو أرضهم ** ذاك الأسير موثق بالحزن

عرض بذكرى عندهم عساهم ** إن سمعوك سائلوك عني

قل ذلك للمحبوس عن قصدكم ** معذب القلب بكل فن

يقول أملت بأن أزوركم ** في جملة الوفد فخاب ظني

يا معاشر التائبين بحرمة الصحبة، لا تنسوني غدًا بعتكم أغلى الملك فلا تنسوا كرامة الدلال، أعوذ بك يا إلهي أن تجعل حظي لفظي وآأسفي أصف واصفي ويشرب غيري.
فعندي زفير ما ترقى إلى الحشى ** وعندي دموع ما بلغن المآقيا

واحسرتا، أأكون كالقوس رفعت السهم فمر ولم تبرح؟ أأصبر كالإبرة تكسو غيرها وهي عريانة؟ أأشبه حال الشمعة أضاءت غيرها باحتراق نفسها؟.
أترى يرجع لي دهر مضى ** أترى ينفعني قولي ترى

ويك يا عين أعيني قلقي ** إن توانيت فلا ذقت الكرى

إلهي أيقظتني في الصبا؟ وأقمتني أدل الخلق عليك ومزجت كأس نطقي بعذوبة وجعلتني في أخباري معروفًا بالأمانة فركن إلي أهل المعاملة ولو عرفوا إفلاسي ما عوملت، إلهي طال ما اجتذبت العصاة بعد أن تهافتوا في النار أفيصدرون وارد؟ سيدي إن لم أصلح للرضا فالعفو العفو.