فصل: الفصل الثاني والعشرون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الحادي والعشرون:

يا ساعيًا لنفسه في المهالك، دنا الرحيل ونضو النقلة بارك، متى تذكر وحشتك بعد إيناسك؟ متى تقتدي من ناسك بناسك؟ كأنك بك قد خرجت عن أهلك وولدك، وانفردت عن عددك وعددك، وقتلك بسيف الندم ولم يدك، ورحلت ولم يحصل بيدك إلا عض يدك.
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ** ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر

فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم ** محاها مجال الريح بعدك والقطر

على ذاك مروا أجمعون وهكذا ** يمرون حتى يستردهم الحشر

فحتام لا تصحو وقد قرب المدى ** وحتام لا ينجاب عن قلبك السكر

بل سوف تصحو حين ينكشف الغطا ** وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر

يا من يذنب ولا يتوب، كم قد كتبت عليك ذنوب؟ خل الأمل الكذوب، فرب شروق بلا غروب، وا آسفي أين القلوب؟ تفرقت بالهوى في شعوب، ندعوك إلى صلاحك ولا تؤوب، واعجبًا الناس ضروب، متى تنته لخلاصك أيها الناعس؟ متى تطلب الأخرى يا من على الدنيا ينافس؟ متى تذكر وحدتك إذ انفردت عن موانس؟ يا من قلبه قد قسا وجفنه ناعس، يا من تحدثه الأماني دع هذه الوساوس.
أين الجبابرة الأكاسرة الشجعان الفوارس، أين الأسد الضواري والظباء الكوانس، أين من اعتاد سعة القصور حبس من القبور في أضيق المحابس، أين الرافل في أثوابه عري في ترابه عن الملابس، أين الغافل في أمله عن أجله سلبه كف المخالس، أين حارس المال، أخذ المحروس وقتل الحارس.
يا مضمرًا حب الدنيا إضمار الجمل الحقود، نبعث منقاش اللوم وما يصل إلى شظايا المحبة، الدنيا جيفة قد أراحت ومزكوم الغفلة ما يدري، سوق فيها ضجيج الهوى، فمن يسمع المواعظ.
علمتني بهجرها الصبر عنها ** فهي مشكورة على التقبيح

إذا أردت دواء حبها فما قل في الشربة صبر، انفرد في صومعة الزهد، واحفر خندق الحذر، وأقم حارس الورع، ولا تطلع من خوخة مسامحة فإن البغي في الفتى صناع.
لصردر:
النجاء النجاء من أرض نجد ** قبل أن يعلق الفؤاد بوجد

كم خلى غدا إليه وأمسى ** وهو يهوي بعلوة وبهند

حصّن حصن التقى بسور القناعة، فإن لص الحرص يطلب ثمة، غريم الطبع متقاض ملح، والشره شرك، وخمار المنى داء قاتل، بينا الحرص يمد وتر الأمل انقطع، هل العيش إلا كأس مشوبة بالكدر ثم رسوتها الموت {فابتغوا عند الله الرزق}.
قال محمد بن واسع لو رأيتم رجلًا في الجنة يبكي، أما كنتم تعجبون؟ قالوا بلى، قال: فأعجب منه في الدنيا رجل يضحك ولا يدري إلى ما يصير؟ ضحك بعض الصالحين يومًا ثم انتبه لنفسه فقال: تضحكين؟ وما جزت العقبة، والله لا ضحكت بعدها، حتى أعلم بماذا تقع الواقعة؟
يا نسيم الشمال بالله بلغ ** ما يقول المتيم المستهام

قل لأحبابنا فداكم محب ** ليس يسلو ومقلة لا تنام

كل عيش ولذة وسرور ** قبل لقياكم علي حرام

فرغ القوم قلوبهم من الشواغل، فضربت فيها سرادقات المحبوب، فأقاموا العيون تحرس تارة، وترش الأرض تارة، هيهات هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.
لابن المعتز:
أيها الملك الذي سهري فيه ** كطعم الرقاد بل هو أحلى

غرضي ما يريده بي حبيبي ** لو سقاني مهلًا لما قلت مهلا

لست أدري أطال ليلي أم لا ** كيف يدري بذاك من يتقلى

إن العاشقين في قصر الليل ** وفي طوله عن النوم شغلا

لو تفرغت لاستطالة ليلي ** أو لرعي النجوم كنت مخلا

وغرام الفؤاد مذ غبت عنه ** لم يحل عن هواك حاشى وكلا

قلوب العارفين، مملوءة بذكر الحبيب، ليس فيها سعة لغيره.
قد صيغ قلبي على مقدار حبهم ** فما لحب سواهم فيه متسع

إن نطقوا فبذكره، وإن تحركوا فبأمره، وإن فرحوا فلقربه، وإن ترحوا فلعتبه.
والله ما طلعت شمس ولا غربت ** إلا وأنت مني قلبي ووسواسي

ولا جلست إلى قوم أحدثهم ** إلا وأنت حديثي بين جلاسي

ولا هممت بشرب الماء من عطش ** إلا رأيت خيالًا منك في الكاس

أقواتهم ذكرى الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة.
حياتي منك في روح الوصال ** وصبري عنك من سلب المحال

وكيف الصبر عنك وأي صبر ** لعطشان عن الماء الزلال

إذا لعب الرجال بكل شيء ** رأيت الحب يلعب بالرجال

كم تدرس أخبارهم وما تدرس، لئن طواهم الفناء لقد نشرهم الثناء، لو سمعتهم في الدجا يعجون، لو رأيتهم في الأسحار يضجون، لولا نسايم الرجاء كانوا ينضجون.
ما لي عن وصلك اصطبار ** إليك من هجرك الفرارُ

أصبحتُ ظمآن ذا جفون ** مياه أخلافها غزارُ

أرومُ كتمان ما ألاقي ** وبالأماقي له اشتهارُ

ومن نسيم الصبا إذا ما ** هبت على أرضكم أغار

آه لذكرى ديار سلمى ** لا أجدبت تلكم الديار

لهفي لعيش بها تولي ** نظير أيامه النضارُ

إذ أعين الدهر راقدات ** وفي غضون الهوى ثمارُ

.الفصل الثاني والعشرون:

أيها الحاطب على أزره، وزرًا وآثامًا، تنبه ترى الدنيا أحلى ما كانت أحلامًا، كم نكس الموت فيها أعلامًا أعلى ما، كم أذل بقهره أقوامًا أقوى ما، لا كان مفتاح أمسى له الموت ختامًا.
مَن على هذه الديار أقاما ** أو صفا ملبس عليه فداما

عج بنا نندب الذين تولوا ** باقتياد المنون عامًا فعاما

تركوا كل ذروة من أشم ** يحسر الطرف ثم حلوا الرغاما

يا لحا الله مهملًا حسب الدهر ** نؤوم الجفون عنه فناما

هل لنا بالغين كل مراد ** غير ما يملأ الضلوع طعاما

وإذا أعوز الحلال فشل الله ** كفا جرت إليها حراما

التبعات تبقى واللذات تمر، وغب الأرى وإن حلا فهو مر، وكأن قد عوى في دار العوافي ذئب الضر، وما يلهي شيء من الدنيا ويسر إلا يؤذي ويضر، وقد بانت عيوبها، فليس فيها ما يغر وإنما يعشقها الجهول ويأنف منها الحر.
تذل الرجال لأطماعها ** كذل العبيد لأربابها

ولا تجنين ثمار المنى ** فتجنى الهوان بأعقابها

أخواني، ربما أورد الطمع ولم يصدر، كم شارب شرق قبل الري؟ من أخطأته سهام المنية قيده عقال الهرم، ألا يتيقظ العاقل بأضرابه، ألا يتنبه الغافل بأوصابه، أيسلم والرامي تحت ثيابه؟ يا مريضًا أتعب الأطباء ما به، كأنك بالدنيا التي تقول مرحبًا قد حلت الحبى وتفرقت أيدي سبا.
ويحك أخوك من عذلك لا من عذرك، صديقك من صدقك لا من صدّقك، ويحك من يطربك يطغيك، ومالا يعنبك يعنيك، تتوب صباحًا فإذا أمسيت تحول وتعول وتقول غير أنك تنقض ما تقول، وتتلون دائمًا كما تتلون الغول.
يا عبد الهوى، إن دعا أمّنت وإن ادعى آمنت، كم قال لك الهوى وما سمعت، أنا مكار وتبعت، والله لقد أفتك أضعاف ما أفدتك، ولقد أعذر من أنذر، وما قصر من بصر، لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها، وخداع الأمل لأربابها لجأوا إلى حصن الزهد، كما يأوي الصيد المذعور إلى الحرم، لاح لهم حب المشتهي، فلما مدوا إليه أيدي التناول بان لأبصار البصائر، خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر، وصوتوا إلى الرعيل الثاني {يا ليتَ قومي يعلمون} جمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس في الغفلات وهم في قطع الفلاة {تلك أمة قد خلتْ} لو رأيت مطايا أجسامهم، وقد أذا بها السرى فهي تحن مما تجن فتبكي الحداد.
للمصنف:
حنتْ فأذكتْ لوعتي حنينا ** أشكو من البين وتشكو البينا

قد عاث في أشخاصها طولُ السرى ** بقدر ما عاث الفراق فينا

فخلها تمشي الهوينا طال ما ** أضحت تباري الريح في البرينا

وكيف لا نأوي لها وهي التي ** بها قطعنا السهل والحزونا

إن كن لم يفصحن بالشكوى لنا ** فهن بالأرزام يشتكينا

قد أقرحت بما تحن كبدي ** إن الحزين يسعد الحزينا

وقد تياسرت بهن جائرًا ** عن الحمى فاعدل بها يمينا

يقول صاحبي أترى آثارهم ** نعم ولكن لا أرى القطينا

لو لم تجد ربوعهم كوجدنا ** للبين لم تبل كما بلينا

أكلما لاح لعيني بارق ** بكت فأبدت سرى المصونا

لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي ** وعذبوا الخائن لا الأمينا

دارت قلوب القوم في دائرة الخوف، دوران الكرة تحت الصولجان فهاموا في فلوات القلق، فمن خايف مستجير، ومن واحد يقول، ومن سكران يبث.
إذا لعب الرجال بكل شيء ** رأيت الحب يلعب بالرجال

طالت عليهم بادية الرياضة، ثم بدت بعدها الرياض، استوطنوا فردوس الأنس في قلة طور الطلب.
شقينا في الهوى زمنًا فلما ** تلاقينا كأنا ما شقينا

سخطنا عندما جنت الليالي ** فما زالت بنا حتى رضينا

فمن لم يحيى بعد الموت يومًا ** فإنا بعد ما متنا حيينا

وقفت على قبر بعض الصالحين فقلت: يا فلان، بماذا نلت تردد الأقدام إليك؟ فقال: أقدمت على رد الهوى بلا تردد، فترددت إلي الأقدام، كان عطر إخلاصي خالصًا فعبق نشره بالأرواح.
للمهيار:
جرتْ مع الرسم لي محاورةٌ ** فهمتُ منها ما قاله الرسمُ

هل لك بالنازلين أرض منى ** يا علَمَ الشوقِ بعدنا عِلمُ

أدلج القوم طول الليل في السرى، وخافوا عوز الماء فتمموا المزاد بالبكاء.
سلو غير طرفي إن سألتم عن الكرى ** فما لجفون العاشقين منام

سكن الخوف قلوبهم فإذا بها، فإذا بها في محلة الأمن، نحلوا المعرفة فتحلوا فعمر قصر القلب للملك، وقنعت الحواشي في القاع بالخيم.
وكم ناحل بين تلك الخيام ** تحسبه بعض أطنابها

يا هذا، سرادق المحبة لا يضرب إلا في قاع فارغ نزه (فرِّغ قلبك من غيري،أسكنه).
للشريف الرضي:
تركوا الدار فلما ** نزلوا القلب أقاموا

يا خليلي اسقياني ** زمن الوجد مدامُ

وصِفا لي قلعة الركب ** ولليلِ مُقامُ

ومِنىً أين منىً ** مِنِّي لقد شط المَرامُ

هل على جمع نزول ** وعلى الخيف خيام

بحق لا بد أن المحبين تذوب، ولسماء أعينهم تهمي وتصوب، لو حملوا جبال الأرض مع كر الكروب، كان ذلك قليلًا في حب المحبوب.
لابن المعتز:
رأى خضوعي فصدَّ عني ** فازددت ذلًا فزادتيها

قلت له خاليًا وعيني ** قد أحرق الدمع ما يليها

هل لي في الحب من شبيه ** قال وأبصرت لي شبيها