فصل: الفصل الخامس والخمسون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع والخمسون:

أيها القائم على سوق الشهوات، في سوق الشبهات، ناسيًا سوق الملمات إلى ساقي الممات، إلى كم مع الخطأ بالخطوات إلى الخطيئات، كم عاينت حيًا فارق حيا؟ وكفا كفت بالكفات.
للشريف الرضي:
ما أقل اعتبارنا بالزمان ** وأشدَّ اغترارنا بالأماني

وقفاتٌ على غرورٍ وأقدا ** مٌ على مَزلقٍ من الحِدْثانِ

في حروبٍ من الردى وكأنا ** اليومَ في هدنة مع الأزمانِ

وكفانا مُذكِّرًا بالمنايا ** عِلْمُنا أننا من الحيوان

كل يوم رزيةٌ في فلان ** ووقوعٌ من الردى بفلان

قل لهذي الهواملِ استوثقي ** للسير واستبدلي عن الأغطان

واستقيمي قد ضمكِ اللقَّم النهجُ ** وغنى وراءكَ الحاديان

كم محيدٍ عن الطريق وقد صرّح ** خَلْجُ البُرى وجَذْبُ العنان

هل مجيرٌ بذابلٍ أو حسامٍ ** أو معينٌ بساعدٍ أو بنان

قد مررنا على الديار خشوعا ** ورأينا البِنا فأين البانِ

أين رب السدير والحيرة البيضاء ** أم أين صاحب الإيوان

والسيوف الحدادُ من آل بدرٍ ** والقنا الصُّمُّ من بني الديانِ

ليس يبقى على الزمان جريء ** في إباء وعاجزٌ في هوان

يا عاصيًا بالأمس أين الالتذاذ؟ يا مطالبًا بالجرم أين المعاذ؟ يا متمسكًا بالدنيا حبلها جذاذ، ما راعت من المحبين ولا الشذاذ، بل ساوت في الهلاك بين الفقير وكسرى بن قباذ، تخلص من أسرها قبل أن يعز الإنقاذ، وقبل أن تجري دموع الأسى بين ويل ورذاذ، إذا نبذوك في القبر انتبذوا أي نبذ وأي انتباذ، فتذكر ضمة، ما نجا منها سعد بن معاذ، ألا يلين القلب؟ أصخر أم فولاذ، تدعي العجز عن الطاعة وفي المعاصي أستاذ، وتؤثر ما يفنى على ما يبقى وأنت ابن بغداد، يا مستلبًا عن أهله وماله يا خاليًا في القبر بأعماله ليته خلاك ما منه تخليت، ليته ولى عنك أثم ما عنه توليت، وأسفًا من حالة حيلتها ليت.
وكل إن يتيه غناه ** فمرتجع بموت أو زوال

وهب جدي زوى لي الأرض طيًا ** أليس الموت يطوي ما زوى لي

إذا اخضر الربيع ناح الهزار وندب القمري وأنت تعتقده غناء، إنما هو بكاء على انتظار التكدير، لا يغرنك صفو العيش فالرسوب في أسفل الكاس، من يسمع كلام الصامت ولم يسمع عبارة الجامد فليس بفطن.
قال أحمد ابن أبي الحواري: رأيت شابًا قد انحدر عن مقبرة، فقلت من أين؟ فقال: من هذه القافلة النازلة، قلت: وإلى أين؟ قال: أتزود لألحقها. قلت: فأي شيء قالوا لك؟ وأي شيء قلت لهم؟ قلت: متى ترحلون؟ فقالوا: حتى تقدرون.
وكم من عبرة أصبحت فيها ** يلين لها الحديد وأنت قاس

إلى كم والمعاد إلى قريب ** تذكر بالمعاد وأنت ناس

ويحك تلمح عاقبتك بعين عقلك فإنها سليمة من رمد، العقل محتسب إذا وقع بميزان الهوى كسر العلاقة يا صبيان التوبة، قد عرفتم شرور أعطان الهوى فرحلتم طالبين ريف التقى فحثوا مطايا الجد {ولا يلتفتْ منكم أحدٌ وامضوا حيث تؤمرون} كلما شرف المطلوب طالت طريقه، الهرة تحمل خمسين يومًا، والخنزيرة أربعة أشهر، والخف والحافر سنة، فأما الفيل فسبع سنين، عموم الشجر يحمل في عامه، والصنوبر بعد ثلاثين سنة، شرف النمل يوجب القلة، الشاة تلد واحدًا أو اثنين، والخنزيرة تلد عشرين، وأم الصقر مقلات نزور، يا هذا ينبغي أن تكون همتك على قدرك ولك قدر عظيم لو عرفته.
إنما خلقت الداران لأجلك، أما الدنيا فلتتزود، وأما الأخرى فلتتوطن، أفتراك تعرف مكانة {أذكركم} أو قيمة {يحبهم} أو مرتبة: وإنا إلى لقائهم أشد شوقًا، تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا، إذا صعدت الملائكة عن مجلس الذكر، قال الحق: أين كنتم، فيقولون: عند عباد لك يسبحونك ويمجدونك، فيقول: ما الذي طلبوا ومما استعاذوا:
يا من يسائل عني القادمين إذا ** ما كنت بي هكذا صبا فكيف أنا

يا من كان في رفقة {تتجافى} فصار اليوم في حزب أهل النوم.
للشريف الرضي:
يا ديار الأحباب كيف تغيرتِ ** ويا عهدُ ما الذي أبلاكا

هل تولى الذين عهدي بهم فيك ** على عهدهم وأين أولاكا

الذّميلَ الذميلَ يا ركبُ إني ** لضمينٌ أن لا تخيب سُراكا

يا هذا لا تجزع من ذنب جرى فرب زلة أورثت تقويمًا، «لو لم تُذنبوا».
من لم يلق مرارة الفراق ** لم يدر ما حلاوة التلاقي

ما لم يقع سهم في مقتل فالعلاج سهل، انحناء القوس ركوع لا اعوجاج، كانت صحبة آدم للحق أصلية وتعبد إبليس تكلفًا والعرق نزاع {كان من الجنِّ} وإنما يعالج الرمد لا الأكمة، تأملوا خسة همة إبليس إذ رضي بعد القرب من السدة بالتقاط القمامة {إلا من استرق السمع} إنه ليهجم على ساحة الصدر فيأخذ في حديث الوسوسة فيصيح به حراس الإيمان من شرفات قصر «ويسعني» فيرجع بقلب الخناس، فضائل بني آدم خفيت على الملائكة يوم {أنبئهم} فكيف يعرفها إبليس؟ صعد إلى السماء منا، إدريس وعيسى، وجال في مجالهم محمد، ونزل منهم هاروت وماروت وتدير عندنا إبليس، لو علم المتدير ما قد خبي له من البلايا؟ ما سأل الأنظار، كلما غاب صاحب معصية وجلس يقسم في تقواه صدرت عن التائب نشابة ندم، فوقعت في صدر إبليس، أطم ما على إبليس مجلسي، ما من مجلس أعقده إلا ويقلق لما يرى من النفع، واليوم يغشى عليه ويله، ما علم أن الجنة إقطاعنا وإنما أخرجنا عنها مسافرين، كتب ديارنا تصل إلينا، ورسائلنا تصل إليهم ويا قرب اللقا، كان فتح بن شخرف، يقول: قد طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك.
للمهيار:
تُمدُّ بالآذان والمناخرِ ** لحاجر أنى لها بحاجر

أرضٌ بها السائغ من ربيعها ** وشوقُها المكنونُ في الضمائرِ

سارت يمينًا والغرامُ شامةٌ ** ياسِرْ بها يا ابن الحداة ياسِرِ

.الفصل الخامس والخمسون:

يا من شاب وما تاب، أموقن أنت أم مرتاب؟ من آمن بالسؤال أعد الجواب.
فخذ للسير إهبته وبادر ** وجود جمع رحلك للذهاب

فقد جد الرحيل وأنت ممن ** يسير على مقدمة الركاب

أما أنذرك بياض الشمط؟ أما يبكيك قبح ما منك فرط؟ إلى متى تجري في الهوى على نمط؟ إلى متى تضيع وقتًا مثله يلتقط؟ لقد أحاط بك المنون وها أنت في الوسط، واستل التلف سيفه عليك سريعًا واخترط، يا من يهفو وينسى والملك قد ضبط، يا منفقًا نعم المولى على العصيان هذا الشطط، امح باعترافك قبح اقترافك وقد انكشط، وقم في الدجى والليل قد سجى فرب عفو هبط، قد نصحتك بما أسمعتك وقد أوقعتك على النقط.
يا مغمورًا بالنعم معدوم الشكر، كلما لطفنا بك قابلتنا بالمخالفة، إنه لا عجب من ترك الشكر إنفاق النعم في مخالفة المنعم، هذا عود العنب يكون يابسًا طول السنة فإذا جاء الربيع دب فيه الماء فاخضر وخرج الحصرم، فإذا اعتصر الناس منه ما يحتاجون إليه طول السنة قلب في ليلة خلًا، فبانقلابه يوجب للعقل الدهش، من صنع صانعه، وقدرة خالقه فينبغي أن يفرغ العقل للتفكر فيأخذ الجاهل العنب فيجعله خمرًا، فيغطي به العقل، الذي ينبغي أن يحسر عن رأسه قناع الغفلة {ومن يُضللِ اللهُ فما له مِن هاد} ويحك، قد أطعمتك إياه حصرمًا وعنبًا وزبيبًا وخلًا، فدع الخامس لي، فقد سمعت في كلامي {فإنَّ للهِ خُمُسَهُ}.
أيها الضال في بادية الهوى، احذر من بئر بوار، وليس في كل وقت، تتفق سيارة، ليل الصبا مرخى السدفة، وبخار الأماني يعقد دواخن الكسل، فانهض عن حفش الكسل واستنطق ألسن الحكم من موضوعات المصنوعات يمل عليك كلما في دستوره يا مقتولًا ماله طالب ثأر يريد الموت، مطلق الأعنة في طلبك وما يخفيك حصن، ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك، والأنفاس تسلب، ذرات ذاتك وحركات الزمان، قوية في النسج الضعيف، فيا سرعة التمزيق آن الرحيل وما في مزادتك قطرة ماء، ولا في مزود عملك قبضة زاد، وقد أحلت ناقتك على ما تلقى من العشب والجدب عام في العام، ويحك عش ولا تغتر. يا رابطًا مناه بخيط الأمل إنه ضيف القتل، صياد التلف قد بث الصقور، وأرسل العقبان ونصب الأشراك، وقطع الجواد فكيف السلامة؟ تهيأ لصرعة الموت وأشد منها فلت القلب، فليت شعري إلى ماذا يؤول الأمر؟ للحارثي:
فوالله ما أدري أيغلبني الهوى ** إذا جد جد البين أم أنا غالبه

فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ** فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه

آه من تأوه حينئذٍ لا ينفع، ومن عيون صارت كالعيون مما تدمع.
للمهيار:
ولما خلا التوديع مما حذرته ** ولم يبق إلا نظرةٌ تُتُغنَّمُ

بكيتُ على الوادي فحُرمت ماءه ** وكيف يحل الماء أكثره دم

نقلة إلى غير مسكن، وسفر من غير تزود، وقدوم إلى بلد ربح بلا بضاعة.
ولما تيقنا النوع لم يدع لنا ** مسيل غروب الدمع جفنًا ولا خدا

فلا صفوة إلا وقد بدلت قذي ** ولا راحة إلا وقد قلبت كدا

فوالله ما أدري وقد كنت داريًا ** أغورت الأظعان أم طلبت نجدا

يا لساعة الموت ما أشدها، تتمنى أن لو لم تكن عندها، وأعظم المحن ما يكون بعدها،
ولم أنس موقفنا للوداع ** وقد حان ممن أحب الرحيل

ولم يبق لي دمعة في الشؤون ** إلا غدت فوق خدي تسيل

فقال نصيح من القوم لي ** وقد كاد يأتي على الغليل

تأن بدمعك لا تفنه ** فبين يديك بكاء طويل

تقسم الصالحون عند الموت، فمنهم من صابر هجير الخوف، حتى قضى نحبه، كعمر كان يقول عند الرحيل: الويل لعمر إن لم يغفر له. ومنهم من أقلقه عطش الحذر فيبرده بماء الرجاء كبلال. كانت زوجته تقول: واحرباه، وهو يصيح: واطرباه، غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه. علم بلال أن الإمام لا ينسى المؤذن، فمزج كرب الموت براحة الرجاء في اللقاء.
بشرها دليلها وقالا ** غدًا ترين الطلح والجبالا

قال سليمان التيمي لابنه عند الموت: اقرأ علي أحاديث الرخص لألقى الله وأنا حسن الظن به. إلى متى تتعب الرواحل؟ لا بد من مناخ.
رفقًا بها يا أيها الزاجر ** قد لاح سلع ودنا حاجر

فخلها تخلع أرسانها ** على الربى لأراعها ذاعر

واذكر أحاديث ليالي منى ** لا عدم المذكور والذاكر

كان أبو عبيدة الحواص يستغيث في الأسواق وينادي: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه.
جاء بها قالصة عن ساق ** تحن والحنة للمشتاق

ما أولع الحنين بالنياق ** تذكري رمل النقى واشتاقي