فصل: الفصل الثاني والسبعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الحادي والسبعون:

إخواني: ألا ناظر لنفسه قبل الموت، ألا مستدرك زاد رمسه؟ قبل الفوت، ألا مزدجر بواعظ أمسه؟ فقد أسمعه الصوت.
ما ضرَّ عبدٌ نفسه ** قبل خروج نفسه

هل يومه أو غده ** إلا نظير أمسه

وعلَّه يلقى الرّدى ** قبل غروب شمسه

كم مدلجٍ مهجرٍ ** يسعى لبعل عرسه

وأكيس الناس امرؤٌ ** جدّ ليوم رمسه

إخواني: حبال الآمال رثاث، وساحر الهوى نفاث، والأماني على الحقيقة أضغاث، والمال المدخر رزق الوارث، عجبًا لأجسام ذكور وعقول إناث، إلام لرواح في الهوى والتغليس؟ وحتام السعي في صحبة إبليس؟ وكم بهرجة في العمل وكم تدليس؟ أين الأقران هل لهم من حسيس؟ أما تعلم أنهم ندموا على إيثار الخسيس، تالله لقد ودوا طلاق الدنيا قبل المسيس، لقد أسمعك الموت وعيدك، وكأنك به قد ضعضع مشيدك، وأخلى منك دارك، وملأ بك بيدَك، لقد أمرضك الهوى وفي عزمه أن يزيدك، هل لذت لذة الدنيا فصفت هل عافت؟ إلا وعافت وعفت هل تبعت عرضًا؟ وقفت فوقفت هل أرشفت شفة من رضابها؟ فشفت بينا محبها يناجيها بألفاظ المنى، خفت ما بلغ المراد منها إلا من صد عنها والتفت.
عين المنية يفضي غير مطرفة ** وطرف مطلوبها مذ كان وسنان

جهلًا تمكن منه حين مولده ** فالمرء صاح ولبُّ المرء سكران

كم نرمي هدف سمعك برشق كلام، كم نلدغ أصل قلبك بحمة ملام، لا تنفع الرياضة إلا في نجيب، لو سقي الحنظل بماء السكر لن يخرج حلوًا، شجر الأثل وإن دام الماء تحته لم يثمر، سحاب الهدى قد طبق بيد الأكوان، وأظن أرض قلبك سبخًا إنما يغلب هذا على ظني لبعد صلاحك وقد يستحيل الخمر خلاًّ، كم تحضر المجلس وتخرج وما علقت بشيء ويحك، هذا البنفسج يطرح في الشيرح فيعبق به طول السنة وكذلك الورد في الأشنان.
ومن البليّة عذلُ من لا يرعوي ** عن غيّه وخطاب من لا يفهم

ويحك، إلى كم تعدو خلف موكب الهوى وما تربح إلاّ الغبار، دع حبل الرعونة من يد التمسك فإنه لا مرة له، ما قتل أحد بأحد من سيف سيوفي، ومواهب الأعمار مسترجعة بالأنفاس حتى تستوفي، ألست نقضت عهد {ألست} بعد عقد عقده فكيف حل لك الحل؟
بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ** من الوصل إلا ما رجعتم إلى الوصل

نحن لك على الوفاء ما زلنا، وأنت ما ثبت يومين.
لكثير:
وكنّا ارتقينا في صعودٍ من الهوى ** فلما علوناه ثبت وزلت

وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ** فلما توافينا شددت وحلّت

واعجبًا، تنبه الحيوانات بالليل فتصوت وأنت غافل ويحك إذا فتحت عينيك في الدجى فصح بقلبك.
قم بنا يا أخي لما نتمنّى ** واطرد النوم بالعزيمة عنا

قم فقد صاحت الديوك ونادت ** لا تكون الديوك أطرب منا

إخواني: مصيبتنا في التفريط واحدة وأهل الأحزان أهل.
إنّا ليجمعُنا البكاء وكلُّنا ** نبكي على شجنٍ من الأشجان

مجلس الذكر مأتم الأحزان، هذا يبكي لذنوبه، وهذا يندب لعيوبه، وهذا على فوات مطلوبه، وهذا لإعراض محبوبه.
يتشاكى الواجدون جوىً ** واحدًا والوجد ألوانُ

يا نائح الفكر نضد، يا نادب الحزن عدّد، يا لائم النفس شدِّد، يا رامي القلب سدِّد، يا جامع الدَّمع بدِّد، يا مطرب السر ردِّد.
للمهيار:
نشدتُك يا بانة الأجرع ** متى رفعَ الحيُّ من لعلع

وهل مرَّ قلبي في التابعين ** أم حار ضعفًا فلم يتبع

رأيت له بين تلك القلوب ** إذا اشتبهت أنة الموجع

أدر يا نديمي كأس الحديث ** فكأسي بعدهُمُ مدمعي

يا مقيّدًا عن السير بقيود الشواغل أيطمع في لحاق الطير مقصوص القوادم؟ صوت في الأسحار بالسائرين لعل عطفًا ينعطف إليك في عطفة رحمة، فقد ترق الساعة لأهل الفاقة.
للمهيار:
ردوا لنا يومًا ولو ساعةً ** على الغضا من عيشنا الزائلِ

لي ذلة السائلِ ما بينكم ** فلا تفتكم عزة الباذل

سل الليل عن الأحباب فعنده الخبر، خلا الفكر بالقلب في بيت التلاوة فجرت أوصاف الحبيب فنهض قلق الشوق يضرب بطون الرواحل لينهر السهر فلا وجه لنوم القوم.
للخفاجي:
أترى طيفكم لما سرى ** أخذ النوم وأعطى السهرا

لا نلوم الليل بل نعذره ** إنما طوله من قصرا

يا عيونًا بالغضا راقدة ** حرم الله عليكن الكرى

لو عدلتن تساهمنا جوى ** مثل ما كنا اشتركنا نظرا

حبذا فيك حديث باطن ** فطن الدمع به فانتشرا

من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي أبكاهم. من لم يشاهد جمال يوسف لم يعلم ما الذي ألم قلب يعقوب.
من لم يبت والحب حشو فؤاده ** لم يدر كيف تفتت الأكباد

لو دمت على سلوك البادية طابت لك ريح الشيح.
تقر لعيني أن أرى رملة الحمى ** إذا ما بدت يومًا لعيني قلالها

ولست وإن أحببت من يسكن الغضا ** بأول راجٍ حاجة لا ينالها

.الفصل الثاني والسبعون:

يا من كانت له معنا معاملة، وطالت بيننا وبينه المواصلة ثم اختار الهجر والفاصلة إن، لم يكن جميل فلتكن مجاملة، تفكر تعرف قدر ما فاتك وابك لذنب حرمك الفوز وأفاتك، اسكب دموع أسفك فرب دم بالأسى سفك واندب أطلال مألفك لعلك تغاث في موقفك.
للمهيار:
تظنُّ ليالينا عوَّدا ** على العهد من برقتي ثهمدا

ويا صاحبي أين وجه الصباح ** وأين غدٌ صِف لعيني غدا

وخلف الضلوع زفيرٌ أبى ** وقد برد الليل أن يبردا

خليليّ لي حاجةٌ ما أخفَّ ** لرامة لو حملتْ مُسعِدا

أريد لأكتم وابن الأراك ** يفضحها كلما غردا

أحب وإن أخصب الحاضرون ** ببادية الرمل أن أخلُدا

أرى كبدي قُسِّمتْ شعبتين ** مع الشوق غور أو أنجدا

تمناك عيني وقلبي يراك ** بشوقي حاشاك أن تُفقدا

اللهم نور دنيانا بنور من توفيقك، واقطع أيامنا في الاتصال بك وانظم شتاتنا في سلك طاعتك، فأنت أعلم بتلفيق المقترف، اللهم قوِّ منن أطفال التوبة بلبان الصبر، ارفق بمرضى الهوى في مارستان البلاء، افتح مسام الأفهام لقبول ما ينفع، سلم سيارة الأفكار من قاطع طريق، احرس طلائع المجاهدة من خديعة كمين، احفظ شجعان العزائم من شر هزيمة، وقّع على قصص الإنابة بقلم العفو، لا تسلط جاهل الطبع على عالم القلب، لا تبدل نعيم عيش الروح بجحيم حر النفس، لا تمت حي العلم في حي الجهل أخرجنا إلى نور اليقين من هذا الظلام، لا تجعلنا ممن رأى الصبح فنام، لا تؤاخذنا بقدر ذنوبنا، فإنك قلت: {ولا تنسوُا الفضل بينكم} واعجبًا لمن عرفك ثم أحب غيرك ولمن سمع مناديك ثم تأخر عنك.
حرام على العيش ما دمت غضبانا ** وما لم يعد عني رضاك كما كانا

فأحسن فإني قد أسأت ولم تزل ** تعودني عند الإساءة غفرانا

إلهي، لا تعذب نفسًا قد عذبها الخوف منك، ولا تخرس لسانًا كل ما يروي عنك، ولا تقذ بصرًا طالما يبكي لك، ولا تخيب رجاءًا هو منوط بك، إلهي، ضع في ضعفي قوة من منك، ودع في كفي كفى عن غيرك، ارحم عبرة تترقرق على ما فاتها منك، برد كبدًا تحترق على بعدها عنك.
للشريف الرضي:
أشكو إليك مدامعا تَكِفُ ** بعد النوى وجوانحًا تَجِفُ

ما كان أسرع ما نبا زمنٌ ** وتكدرتْ من وُدّنا نُطَفُ

حبلٌ غدا بأكفنا طَرَفٌ ** منه وفي أيدي النوى طرفُ

لهفي على ذاك الزمان وهلْ ** يثني زمانًا ماضيًا لَهَفُ

واأسفي لمنقطع دون الركب متأخر عن لحاق الصحب يعد الساعات في متى ولعل ويخلو يفكر في عسى وهل.
لقيس المجنون:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة **وقد عشت دهرًا لا أعد اللياليا

وأخرج من بين البيوت لعلني **أحدث عنك النفس بالليل خاليا

يمينًا إذا كانت يمينا وإن تكن **شمالًا ينازعني الهوى عن شماليا

ألا يا حمامي بطن نعمان هجتما ** على الهوى لما تغنيتما ليا

وأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن **أبالي بدمع العين لو كنت خاليا

ذكت نار شوقي في فؤادي فأصبحت **لها وهج مستضرم في فؤاديا

خليلي ما أرجو من العيش بعدما **أرى حاجتي تشرى ولا تشتري ليا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما **يظنان كل الظن أن تلاقيا

أيها المتخلف في أعقاب الواصلين استغث بهم، علّق على قطارهم فلعل جملك يصل.
يا صاح والصاحب لا يدعى به ** إلا إذا لج الغرام واعتدى

خذ بيدي من سطوة البين فما ** أظن أن البين أبقى لي يدا

أين ليالينا القصار بالحمى ** واكبدا على الحمى واكبدا

يا من قد مضت له ليالي مناجاة ثم طبق الدستور، وقطع المعاملة، اندب زمان الوصل لعل حالًا حال يعود.
للمهيار:
يا ليلتي بحاجر ** إن عاد ماضٍ فارجعي

بتنا على الأحقاف ** تنهال بكل مضجع

قالوا الصباح فانتبه ** فقال لي الطيف اسمع

فقمت مخلوطًا أظن ** البازل ابن الربع

حيران طرفي دائرٌ ** أطلب ما ليس معي

أرضى بأخبار الرياح ** والبروق اللُّمَّعِ

وأين من برق الحمى ** شائمة بلعلع

أفرشني الجمرَ وقال:
إن أردت فاهجع

ذكر الوصال في زمان الهجر تلف، خصوصًا إذا لم يكن للحبيب خلف. قال ابن مسروق: كنت أمشي مع الجنيد في بعض دروب بغداد، فسمع منشدًا يقول:
منازل كنت تهواها وتألفها ** أيام أنت على الأيام منصور

فبكى الجنيد بكاءًا شديدًا وقال ما أطيب منازلة الإلفة والأنس، وأوحش مقامات المخالفة لا أزال أحن إلى أول بدء إرادتي وجدة سعيي.
للمهيار:
يا ليلتي بذات الشيح والضال ** ومنبت البان من نعمان عودا لي

ويا مرابع أطلالي بذي سلم ** لهفي على ما مضى من عصرك الخالي

ويا مآرب نفسي والذين هم ** بالوصل والهجر أعلالي وأبلالي

قد كان قلبي بكم مأوى السرور فمذ ** نا يتم صار مأوى كل بلبال

فلو شربت بعمري ساعة سلفت ** من عيشتي معكم ما كان بالغالي

مالي أعلل نفسي بالوقوف على ** منازل أقفرت منكم وأطلال

من لي بكتمان ما ألقاه من ألم ** وظاهري معرب عن باطن الحال

قالوا تشاغل عنا واصطفى بدلًا ** منا وذلك فعل الخائن السالي

وكيف أشغل قلبي عن محبتكم ** بغير ذكركم يا كل أشغالي