فصل: الفصل الثالث والسبعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الثالث والسبعون:

واشوقاه إلى أرباب الإخلاص واتوقاه إلى رؤية تلك الأشخاص، إني لأحضر ذكركم فأغيب وإن وقتي بتذكركم ليطيب.
للشريف الرضي:
إذا هزنا الشوق اضطربنا لهزِّهِ ** على شُعَبِ الرحل اضطراب الأراقم

فمن صبوات تستقيم بمائل ** ومن أريحياتٍ تهب بنائم

وأستشرف الأعلام حتى يدلني ** على طيبها مر الرياح النواسم

وما أنسم الأرواح إلا لأنها ** تهب على تلك الربى والمعالمِ

الإخلاص مسك مصون في مسك القلب تنبه ريحه على حامله، العمل صورة والإخلاص روح، المخلص يعد طاعته لاحتقاره لها عرضًا وقلم القبول قد أثبتها في الجوهر خالصًا، الإخلاص اليسير كثير ووجود عمل الرياء عدم قراضة الأماني لا تقف، وصحيح الشبه مردود، خليج صاف أنفع من بحر كدر، إذا لم تخلص فلا تتعب لا يكسر الجوز بالعهن، أتحدو وما لك بعير؟ أتمد القوس وما لها وتر؟ أتتجشأ من غير شبع؟ واعجبًا من وحشي بلا جبل كم بذل نفسه مراء؟ لتمدحه الخلق. فذهبت والمدح ولو بذلها للحق لبقيت والذكر، عمل المرائي بصلة كلها قشور، المرائي يحشو جراب العمل رملًا فيثقله ولا ينفعه، ريح الرياء جيفة تتحاماها مسام القلوب، وما يخفى على المرائي على مسانح الفطن، لما أخذ دود القز ينسج أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نسجي أردية الملوك ونسجك شبكة للذباب وعند مس النسيجين يبين الفرق.
إذا اشتبكت دموع في خدود ** تبين من بكى ممن تباكا

شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنة وشجرة الدبا تصعد في أسبوعين فتقول لشجرة الصنوبر إن الطريق التي قطعتها في ثلاثين سنة قد قطعتها في أسبوعين، فيقال لي شجرة ولك شجرة فتجيبها: مهلًا إلى أن تهب ريح الخريف، قال الدب للآدمي: أنت تمشي على رجلين وأنا أيضًا، فقال الآدمي: ولكن صدمة تردك إلى أربع وكم أصدم وأنا منتصف.
كان الأشياخ في قديم الزمان أصحاب قدم والمريدون أصحاب ألم فذهب القدم والألم، كان المريد يسئل عن غصة والشيخ يعرف القصة فاليوم لا غصة ولا قصة، كان الزهد في بواطن القلوب، فصار في ظواهر الثياب، كان الزهد حرقة فصار اليوم خرقة، ويحك صوف قلبك لا جسمك، وأصلح نيتك لا مرقعتك، غير زيك أيها المرائي فهو يصيح خذوني، تحملن السيف وما تحسن القتال سيف ودرع لزمن هتكة، ولمقعد فضيحة، البهرج يتبين عند الحك إذا كان العلوي ثابت النسب لم يحتج إلى ضفيرتين ولا يصير المخنث تركيًا بلبس القباء، ولا المرائي وليًا بلبس العباء، هذه من النكت الخفايا وفي الزوايا خبايا. واعجبًا ما للدواعي إلى الدعاوي، الباطن ينطق لما علم الصالحون خطر البيات، أدلجوا بأحمال الأعمال في ليل الكتم، كان البكاء إذا غلب أيوب قال ما أشد الزكام.
هبيني أستر البلوى ** أليس الدمع يفضحني

لساني فيك أملكه ** ودمع العين يملكني

صام داود بن أبي هند أربعين سنة لم يعلم به أحد، كان يأخذ غداه ويخرج إلى الدكان فيتصدق به في الطريق فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.
لجابر الجرمي:
ومستخبر عن سر ليلى رددته ** فأصبح في ليلى بغير يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينها ** وما أنا إن أخبرتهم بأمين

كان ابن سيرين يتحدث بالنهار ويضحك، فإذا جاء الليل أخذ في البكاء والعويل.
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ** لي الليل هزتني إليك المضاجع

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ** ويجمعني والهم بالليل جامع

كان خوفهم من الرياء يوجب مدافعة النهار، فإذا خلوا بالحبيب لم يصبر المشوق.
أحن بأطراف النهار صبابة ** وبالليل يدعوني الهوى فأجيب

لو قدروا على استدامة الكتمان ما أذاعوا وكم يقدر المشتاق أن يكتم الوجدا، إذا جن الليل وظلامه، ثار سجن المحب وسقامه، ورمى الوجد فأصابت سهامه، واستطلق مزاد العين فأنهل سجامه، وطال بالحزين قعوده وقيامه.
كم بذكراك ولوعي ** يا جوى بين الضلوع

هجع العاذل لكن ** من لعيني بالهجوع

هي في شغل عن النوم ** بمرفض الدموع

أتغني بك في الحي ** كورقاء سجوع

لو أبصرت طلائع الصديقين في أوائل القوم أو شاهدت ساقة المستغفرين في أواخر الركب، أو سمعت استغاثة المحبين في وسط الليل.
من رأى البرق بنجد إذ ترآى ** سلب النوم وأهدى البرحاءا

فاض فيضًا كجفوني ماؤه ** والتظى وهنًا كأنفاسي التظاءا

نام سمار الدجى عن ساهر ** اتخذ الهم سميرًا والبكاءا

أسعدته أدمع تفضحه ** فإذا ما أحسن الدمع أساءا

إذا رأيتم حزينًا فارحموه، وإذا شاهدتم قلقًا فاعذروه. وإذا رأيتم باكيًا فوافقوه.
الدمع يخون كل كاتم ** والحب يحلل العزائم

القلب بحبكم لديغ ** ما أقلقني من الأراقم

والوجد يغالب المقاوي ** والسالم فيه من يسالم

هذا ولعين في هواكم ** سلمت لكم فما أخاصم

سالت بكم دموع عيني ** والدمع بمقلتي يزاحم

أبكي أثر الحبيب كرها ** والحزن تهيجه المعالم

يا مانع مقلتي كراها ** مر الليل ولست نائم

قد صمت عن الهوى لأحظى ** في الحب لكم بأجر صائم

هل يبذل وردكم لظام ** حيران على الورود حائم

ناحت فزجرتها حمام ** ما لي تزعجني الحمائم

يرقبن إلى ذرى غضون ** أنى تحملك القوائم

تبكين وما شجاك شوق ** شكواك إذا من العظائم

إن كنت صدقت فاسعديني ** لا نسمع لومة اللوائم

طارت وبقيت في ضماني ** لا أبرح والزعيم غارم

.الفصل الرابع والسبعون:

أخواني: سار المتقون ورجعنا ووصلوا وانقطعنا، وأجابوا الداعي وامتنعنا، ونجوا من الإشراك ووقعنا، تعالوا ننظر في آثارهم وندرس دارس أخبارهم ونبكي على التفريط ما نابنا، ونندب ما لحقنا، وأصابنا.
للمصنف:
ودعوا يوم النوى واستقلوا ** ليت شعري بعدها أين حلوا

يا نسيم الريح بلغ إليهم ** أن عقدي معهم لا يحل

لي من الريح الشمال انتهال ** فإذا هبت سحيرًا فعل

عرضوا قلبي لسقم طويل ** باطن يظهر منه الأقل

لو بكت عيني على قدر وجدي ** صار واديهم دمًا لا يحل

سافر القوم على رواحل الصدق، فقطعوا أرض الصبر حتى وقعوا برياض الأنس، فعقبت قلوبهم بنشر القرب وتعطرت بنسيم الوصل، فعادت سكرى من صرف سلاف الوجد وعربدت على عالم الجسم، فكلما ربا الحب ذاب.
خذي بيدي ثم ارفعي الثوب فانظري ** ضنا جسدي لكنني أتكتم

حمائم أرواحهم مسجونة في أقفاص أشباحهم، تصوت لشجو شوقها وتقلق لضيق حبسها.
للمهيار:
بالغور دارٌ وبنجد هوى ** يا لهف من غار بمن أنجدا

يا حبذا الذكرى وإن أسهرتْ ** بعدك والدمع وإن أو مدا

البكاء دأبهم والدمع شرابهم والجوع طعامهم والصمت كلامهم فلو رأيتهم وعذالهم وقد زادوا بالعذل أثقالهم.
سلمت مما عناني فاستهنت به ** لا يعرف الشجو إلا كل ذي شجن

شتان بين خلي مطلق وشج ** في ربقة الحب كالمصفود في قرن

أمسيت تشهب باد من ضنى جسدي ** بداخل من جوى في القلب مكتمن

إن كان يوجب ضري رحمتي فرضي ** بسوء حالي وحل للضنى بدني

منحتك القلب لا أبغي به ثمنا ** إلا رضاك ووافقري إلى الثمن

أعندك من حديثهم خبر؟ ألك في طريقهم أثر؟ لخالد الكاتب:
رقدت ولم ترث للمساهر ** وليل المحب بلا آخر

ولم تدر بعد ذهاب الرقاد ** ما فعل الدمع بالناظر

نازلهم الخوف فصاروا ولهين، وفاجأهم الفكر فعادوا متحيرين، وجن عليهم الليل فرآهم ساهرين، وهبت رياح الأسحار فمالوا مستغفرين، فإذا رجعوا وقت الفجر بالأجر نادى منادي الهجر يا خيبة النائمين.
ولما وقفنا والرسائل بيننا ** دموع نهاها الوجدان تتوقفا

ذكرنا الليالي بالعتيق وظلها ** الأنيق فقطعن القلوب تأسفا

جليت أوصاف الحبيب في حلية الكمال فقاموا على أقدام الشوق يسبحون في فلوات الوجد فلو رأيتموهم لقلتم مجانين، هيهات من لا يعرف مناسك الحج، نسب المحرمين إلى الخبل، الناس يضحكون وهم يبكون، ويفرحون وهم يحزنون، وينامون وهم يسهرون.
تركت ليلى أمد من نفسي ** واأسفي للفراق واأسفي

لما تمكنت المعرفة من قلوبهم أثرت شدة الخوف، فارتفع ضجيج الوجد.
رأى الصديق طائرًا فقال: طوبى لك يا طائر، تقع على الشجر. وتأكل من الثمر ولا حساب عليك، ليتني كنت مثلك، وقال عمر: ليتني كنت تبنة، ليت أمي لم تلدني. وقال ابن مسعود: وددت أني إذا مت لا أبعث. وقال عمران ابن حصين: ليتني كنت رمادًا. وقال أبو الدرداء: ليتني كنت شجرة تعضد، وقالت عائشة: ليتني كنت نسيًا منسيا.
ودخلوا على عطاء السلمي وحوله بلل، فظنوه قد توضأ فقالت عجوز في داره: هذه دموعه.
لصردر:
كلُّ سحابٍ أمطرتْ أرضكم ** حاملةٌ للماء من أدمعي

وكل ريحٍ زعزعت تُربكم ** فإنها الزفرة من أضلعي

أتاهم من الله وعيد وقذهم، فباتوا على حرق، وأكلوا على تنغيص فنومهم نوم الغرقى، وأكلهم أكل المرضى، عجزت أبدانهم عما حملت قلوبهم {فمنهم من قضى نحبه ومن من ينتظر}.
قال فرقد: دخلت بيت المقدس خمسمائة عذراء لباسهن الصوف والمسوح، فتذاكرن ثواب الله وعقابه فمتن جميعًا في مقام واحد.
قال أبو طارق شهدت ثلاثين رجلًا دخلوا مجالس الذكر يمشون بأرجلهم صحاحًا إلى المجلس، وأجوافهم والله قرحة، فلما سمعوا الذكر انصدعت قلوبهم.
قصوا على حديث من قتل الهوى ** إن التآسي روح كل حزين

قال عبد الواحد بن زيد لو رأيت الحسن، لقلت قد بث عليه حزن الخلائق، ولو رأيت يزيد الرقاشي لقلت مثكل، أقبل ولد يزيد يومًا يعاتبه على كثرة بكائه، فجعل يصرخ ويبكي حتى غشي عليه. فقالت أمه يا بني ما أردت بهذا؟ فقال: إنما أردت أن أهون عليه.
صحة الشوق أحدثت علة الصبر ** وبعد المزار زاد السهادا

كم عذول عليكم رام إصلاحي ** فكان الصلاح منه فسادا

كلما زاد عذله زاد وجدي ** فكلانا في أمره قد تمادى

من لقلب أصليتموه لظى الجمر ** وجنب أفرشتموه القتادا

المحب إن تذكر الربع حن وإن تفكر في البعد أن، وإن جن عليه الليل أظهر ما أجن، قطع رضاع الوصال فلم يتهن.
للمصنف:
يا بريق الحي حرمت المناما ** فانقضى الليل سهادًا وقياما

أترى ما قد أرى يا صاحبي ** كيف والشوق بروحي يترامى

يا سقى الله حماهم مزنة ** حلبت أشطرها أيدي النعامى

يا نسيم الريح بلغ وأعد ** أن نفسي مع أنفاس الخزامى

آه لو عاد زماني بهم ** عند جرعاء الحمى عودًا لماما

يا ليالينا بذي الأثل ارجعي ** أسفًا لو أنه يشفي النداما

يا صاحبي بلغوا إن جزتم ** بنقي الرمل عن الجسم السلاما

إن قلبي يوم طفنا باللوى ** ورحلنا عنه بالوجد أقاما

يا غرامي إن شدت ورق وهل ** علم الورق سوى وجدي الغراما

قلقي في حرقي من أرقي ** يرتقي بل ينتقي مني العظاما

طربي في كربي من حربي ** رجع الماء بواديهم حراما

لو جرت عيني على قدر الأسى ** رجع الماء بواديهم حراما