فصل: الفصل الثاني والتسعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الحادي والتسعون:

أخواني: أما ينبه على استعداد الزاد؟ سلب الآباء وأخذ الأجداد أما يحرك إلى التيقظ؟ ونفي الرقاد عكس المشتهى ورد المراد.
للشريف الرضي:
لنا كل يوم رنةٌ خلف ذاهبِ ** ومستَهلكٍ بين النوى والنوائبِ

ونأمل من وعد المُنى غيرَ صادق ** ونأمن من وعد الردى غير كاذب

نُراع إذا ما شيك أخمص بعضنا ** وأقدامُنا ما بين شوكِ العقاربِ

نعمْ إنما الدنيا سمومٌ لطاعمٍ ** وخوفٌ لمطلوبٍ وهمٌّ لطالبِ

وإنا لنهواها مع الغدر والقِلى ** ونمدحها مع علمنا بالمعائبِ

أي مطمئن لم يزعج؟ أي قاطن لم يخرج؟ فرس الرحيل لنا سرج وما جرى على الأقران أنموذج، يا مختالًا في ثوب الصبا معجبًا بمرطه، شرط المقام الرحيل وقد تقاضى بشرطه أما لك نبرة في رفع الزمان وحطه، أما ترى رقوم المنايا مكتوبة بخطه، أما أعرب المسطور بشكل المرض ونقطه، هلا تصور العاصي ساعة إنزاله القبر وحطه، أفلا يتذكر الغني أخذ ماله على رغمه ومن أصل قرطه.
يا من قد قاده الهوى بلا خزامة، لو قبلت مشورة العقل لم تتجرع مر لو وليت قدر. إن الزلل يخفى على الخلق {ألا يعلم من خلق} صور إنه قد عفا عنك فأين الحياء مما جنيته؟.
هب البعث لم تأتنا رسله ** وجاحمة النار لم تضرم

أليس من الواجب المستحق ** حياء العباد من المنعم

أقل نعمه أن أوسع عرصة الوجود لئلا يضيق نفس النفس بالحصر وأجرى مجرى الهواء في جو الفضا يقتسم بمكاييل الخياشيم فيصل بالعدل إلى ذوات الذوات. واعجبًا للغافلين عن هذا المنعم بماذا اشتغلوا؟ أجهلًا بوجوده؟ فهو أوضح من ضحى أم ميلًا إلى الدنيا؟ فهي أغدر من تاء بتمتام إن سلمت فتنت وإن تلفت قتلت، وقع نحل على لينوفر منتشر الورق فاحب ريحه فلما تقبض الورق وغاص، هلك العاشق.
أخواني: إياكم والذنوب فإنها أذلت عزيز {اسجدوا} وأخرجت مقطع {اسكن} لولا لطف {فتلقى} كان العجب، استراح آدم إلى بعض العناقيد، فإذا به في العناقيد، جاءه جبريل فسلم عليه فبكى وبكى جبريل ثم قال يا آدم ما يبكيك؟ قال: كيف لا أبكي وقد حولني من دار النعيم إلى دار البؤس، واعجبًا بمجيء جبريل زاد المريض ألمًا.
آه لبرق لمعا ** ماذا بقلبي صنعا

أيقظ مني للغرام ** مستهامًا موجعا

فبت من إيماضه ** أسكب دمعي دفعا

يا برق أما تريني ** للصنيع موضعا

فحيى عني أربعا ** أكرم بهن أربعا

يا ناظرًا أقسم من ** بعد النوى لا هجعا

كبر مذ فارقهم ** على الرقاد أربعا

كم كبد قطعها ** بين الحبيب قطعا

حمل وجدي جلدي ** أكثر مما وسعا

خرج آدم يوم الكعبة فلما وصل طاف أسبوعًا فما أتمه حتى خاض في دموعه.
دموع عيني مذجد بين ** مثل الدوالي وهي الدوالي

فشمت به إبليس حين نزل وما علم أن نزوله إلى دار التعبد صعود كنزول الغائص خلف الدر صعود. رأى في بدايته طينًا قد صلصل وبذرًا قد عفن ونسي أنه ستهتز طاقاته في ربيع {فتلقى} ويلك يا إبليس ما جرى على آدم وهو المراد من وجوده، «لو لم تذنبوا» قدح أريد كسره فسلم إلى مرتعش.
فلولا غليل الشوق أو لوعة الأسى ** لما خلقت لي أعين وجفون

لا يهولنك قوله {اهبطوا منها} فلك خلقتها وإنما أخرجت إلى مزرعة المجاهدة فإذا حصدت فعد إن قيل لك مرة {اهبط} ففي كل يوم تنادي ألف ألف مرة {والله يدعو إلى دار السلام} إن تعذرت عن الحضرة مرة فزيارة الحبيب ما تنقطع «هل من سائل» الكرة تلقى من صاحب الصولجان بالطرد ثم هو يطلبها.
ترجو في المحب عتق من أنت له ** إن كان كذا الحب فما أعدله

هيهات الحب يعتريه وله ** من حكمه قضى عليه وله

يا آدم، قد ذقت حلاوة الذنب وتطعمت مرارة الندم، فهل وفت بتلك؟ أين لذاتك؟ إذا نزل الموت كيف حسراتك؟ إذا وقع الفوت:
ما أسرع ما انقضى زمان الوصل ** هل يرجع ما مضى برد الشمل

من لي بهم وهل مفيد من لي ** يكفي ما بي فلا تزد في عذلي

يا صبيان التوبة اشكروا من نجاكم بالإنابة {وكنتم على شفا حفرة من النار} تذكروا عظمة من عاهدتم {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} لا تزدروا أثواب الفقر فعليها أنوار المهابة {ولكم فيها جمال حين تُريحون وحين تسرحون} لا يصعبن على الخيل تضميرها فستفرح به يوم السباق إن قال لك رفقاؤك: امش معنا ساعة، فقل: أقعدني الخوف.
يا نديمي صحا القلب صحا ** فاطردا عني الصبا والمرحا

شمرا بردى للنسك ولا ** تعجبا من فاسد إن صلحا

زجر الحلم فؤادًا فارعوى ** ولحا الدهر امرءًا فيمن لحا

أيها التائب قل لقلبك الراعي في رياض الهدى، احذر من الفتنة إلى خضراء دمن الهوى، فمرعاك أطيب، وشرابك أعذب {ولئن لم يفعل ما أمره ليُسْجَنَنَّ} نسيم الريح يقوي الروح ما لم يختلط به بخار ردى كذلك كلام المذكرين إذا سلم من بدعة كان قوتًا للنفس وإن مازجه هوى هوى بصاحبه إلى العلل.
كلامي نهر يأخذ من بحر الكتاب والسنة، صاف ما تغير قط، يسقي قلوبكم سيحًا بلا كلف وقد قنع من الخراج بالدعا هل في مجلسي نقص؟ فيقال لو أنه أو عيب، فيقال إلا أنه أو رأيتم مثله؟ فيقال كأنه، آه لو كان من أعجمي ولكنه أبلغ بلفظي منزل المعنى وما طال سفر العبارة، المعاني واسعة الفيافي والألفاظ ضيقة العراص وما يقدر على حشو العرصة فوق ما تسع إلا مهندس لآلئ هذه المعاني لطاف. فأي سلك فهم دق انتظمت فيه وغنما ينظم اللؤلؤ في خيط لا في حبل، كلامي ثوب فصل على قدر أسماعكم فهو لا يصلح إلا لكم، لا تنكروا مدحي لأهل بغداد فهم فهم، ألهذا البلد بدل؟ إذا مرضت الأفهام السليمة من وباء طعام العبارات الركيكة عمل لفظي في شفائها ولا رقي الهند كلم تداوى كل كلم ظلم، قياسها بعذوبة الظلم.
جواهر كلها يتيم ** توجد مفقودة المثال

تجنب الغائصون عنها ** عجزًا وجاشت بحارها لي

.الفصل الثاني والتسعون:

يا ديار الأحباب أقوى جديدها، أين أسودها؟ أم أين غيدها؟ أين ظباء الهوى؟ مرت ومن يصيدها، تساوى في القبور مواليها وعبيدها، قف يا حبيبي بالرسوم وانظر نسخ النسيم بالسموم وتبديل الأفراح بالغموم، هيهات إن الدنيا لا تدوم إنها على قتلك تحوم. إيثار مثل هذه لوم.
للخفاجي:
سل بعمدان أين ساكنه أو ** قل لنعمان أين أين السدير

أيها الظاعنون لا زال للغيث ** رواح عليكم وبكور

قد رأينا دياركم وعليها ** أثر من عفائكم مهجور

وسألنا أطلالكم فأجابت ** ومن الصمت واعظ ونذير

عجبًا كيف لم نمت في مغانيها ** أسى ما القلوب إلا صخور

يا ديار الأحباب غيرك الدهر ** وكانت بعد الأمور أمور

أيها الباكي على أقاربه الأموات، ابك على نفسك فالماضي قد فات وتأهب لنزول البلايا وحلول الآفات وتذكر قول من إذا ذكرك قال مات، كأنك بما أتى الماضين قد أتاك، ولقد صاح بك نذيرهم، أنت غدًا كذاك، وليخرسن الموت بسطوته فاك، إذا وافاك إنما اليوم لهذا وغدًا لذاك، قرئ على قبر.
أنا في القبر وحيد ** قد تبرا الأهل مني

أسلموني بذنوبي ** خبت أن لم تعف عني

يا هذا: لاحت الغاية لعين الشيب فصح بخيل البدار مرحلة الشيب تحط على شفير القبر، وقد أنجد من رأى حضنًا، أتحمل مشاق السفر من وراء النهر وتخاطر بالوقفة من نخلة.
يا هذا إذا ركبت مركب الهوى فاجعل باتاني المركب لمحاسبة النفس فإنه يشم كل يوم ريح ثرى الأرض فيعلم هل هو على خطأ أو صواب؟ ومتى لم يعلم الطريق صدمه حجر فغرق.
يا من يحدث وكأنه ما يسمع، متى لم ينصت سمع القلب ضاع الحديث، أترى ينطبع في شمع سمعك من هذا حرف، تحضرون المجلس فرجة؟ وتجعلون رجاء النفع حجة ولا تسلكون إلى العمل محجة {وما أُبرِّئ نفسي} واعجبًا، تجتمع العزائم في المجلس اجتماع الثريا فإذا خرجنا صارت كبنات نعش لو تأملتم عيب الدنيا لهان طلاقها:
سرور الدهر مقرون بحزن ** فكن منه على حذر شديد

ففي يمناه تاج من نضار ** وفي يسراه قيد من حديد

آه للدنيا ملكت القلب حين ملكت وأبقت الغم ثم أبقت.
تزودن منا كل قلب ومهجة ** وزودننا للوجد عض الأباهم

كم تألفت بحلو مذاقها ثم أتلفت بمر فراقها.
فليت عهدك إذ لم يبق لي أبدًا ** لم يبق عندي عقابيلًا من السقم

لما كان الصانع غائبًا عن الإحساس سطرت قدرته في ألواح التكوين عجائب الكائنات ثم وضعت الألواح في حجور العقول ليقرأها أذهان أطفال الطباع فإذا أحذق الصبيان وحفظ المكتوب محا السطور {إذا الشمس كُوِّرتْ وإذا النجوم انكدرتْ}.
أخواني: عيون يقينكم رمدة والفكر تبريد، من أيقن بالموت كيف يفرح؟ من علم قرب الحساب كيف يلهو؟ من عرف تقليب القلوب كيف يأمن؟.
كان سفيان الثوري من شدة خوفه يبول الدم فحمل ماؤه إلى الطبيب فقال هذا ماء رهبان هذا ماء رجل قد فتت الحزن كبده، وحمل ماء سري إلى الطبيب فلما نظر إليه قال هذا بول عاشق قال حامله فسقطت ثم غشي علي ثم رجعت إلى سرى فأخبرته فقال قاتله الله ما أبصره:
إذا أنا واجهت الصبا عاد بردها ** ومن حر أنفاسي عليه لهيب

وقد أكثرت في الأطباء قولهم ** ومالي إلا أن أراك طبيب

قيل لبعض عقلاء المجانين لم سميت مجنونًا؟ قال لما طال حبسي عنه في الدنيا سميت مجنونًا لخوف فراقه:
قلبي بحبك ما يفيق ** وجفن عيني ما ينام

قد طال فيك الليل حتى ** ما يقال له انصرام

والنجم فيه راكد ** والفجر يمنعه الظلام

ليل بغير نهاية ** ولكل مفتاح ختام

في وصلك العيش الهني ** وهجرك الموت الزؤام

إن لم تكن مع القوم في السفر تلمح آثار الحبيب عليهم وقت الضحى، ترى في صحائف الوجوه سطور القبول بمداد الأنوار وجوه زهاها الحسن أن تتبرقعا.
قال بعض السلف: لقيت غلامًا في طريق مكة فقلت له: أما تستوحش؟ فقال إن الأنس بالله قطع عني كل وحشة، قلت: فأين ألقاك؟ قال: أما الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائي وأما الآخرة فإنها مجمع المتقين. قلت: فأين أطلبك في الآخرة؟ قال: اطلبني في جملة الناظرين إلى الله تعالى. قلت: وكيف علمت؟ قال: بغض طرفي عن كل محرم واجتنابي فيه كل منكر ومأثم وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه ثم صاح وأقبل يسعى حتى غاب عن بصري.
للشريف الرضي:
وما تَلَوَّم جسمي عن لقائكمُ ** إلا وقلبي إليكم شيقٌ عَجِلُ

وكيف يقعد مشتاقٌ يحركهُ ** إليكم الحافزان الشوق والأملُ

فإن نهضت فمالي غيركم وطرٌ ** وإن قعدت فمالي غيركم شُغُلُ

وكم تعرض لي الأقوام بعدكم ** يستأذنون على قلبي فما وصلوا