فصل: الفصل الرابع والستون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع والستون:

يا مشغولًا بتلفيق ماله عن تحقيق أعماله، من خطر ذكر الرحيل بباله قنع بالبلغ ولم يباله.
مالك للحادثات نهب ** أو للذي حازه وراثه

أولك أن تتخذه ذخرًا ** فلا تكن أعجز الثلاثه

لا بد والله من العبور إلى منزل القبور، يسفي عليك الصبا والدبور وأنت تحت الأرض تبور، آه من طول الثبور، بعد طيب الحبور، يا لكسر بعيد الجبور، لا ينفع فيه صبر الصبور، يندم على عثرته العثور، ويفترش الدثور حتى يثور، أين كسرى وبهرام جور، أين المتقلبون حجور الفجور؟ أين الحليم أين الضجور؟ أين المهر العربي، والناقة العيسجور، أين الظباء الكنس والأتراب الحور، كن يزين در البحور بالنحور، غرق الكل في يم من التلف زخور، واستوى الوضيع والفخور، تحت الصخور، لا فرق بين ذات الإيماء وذوات الخدور في ذلك المهبط الحدور، لقد بان للكل أن الدنيا غرور، وعرفوا في المصير. شرور السرور، وتيقنوا أن تزوير الأمل للخلد زور وتفصلت أعضاؤهم ولا تفصيل لحم الجزور، ودكت بهم الأرض ولا كما دك الطور، وبانت حسباناتهم وفيها قصور وتأسفوا على مساكنة القصور في مساكن القصور، وهذا المصير ولو عمرتم عمر النسور، والرامي مصيب وما يدفع السور، فإذا انقضت بعده تلك العصور ونفخ في الصور، وخرجت أطيار الأرواح من أعجب الوكور، وباتت الأرض تموج والسماء تمور، ولقي الكفور نارًا تلتهب وتفور، انزعج الخليل والكليم. فمن بشر وطيفور.
كم للمنايا في بني آدم ** توسع منه تضيق الصدور

فالوقت لا تحدث ساعاته ** إلا الردى المحض بوشك المرور

أيامنا السبعة أيسارنا ** وكلنا فيها شبيه الجزور

طهرت ثوبًا واهيًا ثم ما ** قلبك إلا عادم للطهور

لو فطن الناس لدنياهم ** لا اقتنعوا منها اقتناع الطيور

ويحك إن الدنيا تغر ولا بد لك منها، فخذ قدر الحاجة على حذر، أما ترى الطائر كيف يختلس قوته؟ هذا العصفور يألف الناس فلا يسكن دارًا لا أهل بها وهو مع هذا الأنس شديد الحذر ممن جاور، هذا الخطاف يقطع البحر لطلب الأنس بالأنس ثم يتخذ وكره في أحصن مكان من البيت، ولا يحمله الأنس بهم على ترك الحذر منهم، بل يعطي الأنس حقه والحزم حقه.
أما عرفت أدب الشرع في تناول المطعم، ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس، شره الحرص يغبى بلا غم البلادة، ولا يسهل شرب المسهل إلا على من تأذى بحركات الأخلاط، لا يقدر على الحمية إلا من تلمح العافية في العاقبة، شغل العقل النظر في العواقب، فأما الهوى فإيثار لذة قليلة تعقب ندامة طويلة، فملبس في قضاياه، المؤمن بين حرب ومحراب وكلاهما مفتقر إلى جمع الهم، ويريد المحراب القيام بأشراط الوضوء والدنيا في مقام امرأة واللمس ناقض طريق المتيقن تفتقر إلى رواحل، وابل عزائمكم كلها كال، إنما يصلح للملك قلب فارغ ممن سواه.
وقلبك خان كل يوم وليلة ** يفارقه ركب وينزله ركب

في كل يوم ترهن قلبك على ثمن شهوة فيستعمله المرتهن فدق أخلق، أنت توقد نار التوبة في المجلس، في الحلفاء، فإذا أردت منها قبسًا بعد خروجك لم تجد، تبكي ساعة الحضور على الخيانة والمسروق في جيبك، يا مظهرًا من الخير ما ليس له لا تبع ما ليس عندك، كم نهاك عن نظرة وتعلم أنه بالحضرة، أفلا تراقب الناظر برد الناظر، وكأنك ما تعرف أن الحاضر حاضر، واعجبًا لك، تعد التسبيحة بسبحة، فهلا جعلت لعد المعاصي أخرى، يا من يختار الظلام على الضوء، الذباب أعلى همة منك، متى أظلم البيت خرج الذباب إلى الضوء، أما ترى الطفل في القماط؟ يناغي المصباح، ويحك، خذ بتلابيب نفسك، قبل أن يجذبها ملك الموت، وقل أيتها النفس الحمقاء، إن كان محمد صادقًا فالمسجد وإلا فالدير.
الناس من الهوى على أصناف ** هذا نقض العهد وهذا واف

هيهات من الكدور تبغي الصافي ** لا يصلح للحضرة قلب جاف

يا هذا، أكبر دليل عليك علينا، إنك كنت مبددًا في ظهور الأصول فنظمت بالقدرة نظمًا عجيبًا خاليًا عن العبث، فما تنقض إلاّ لأمر هو أعجب منه، مدت أطناب العروق، وحفرت خنادق الأعصاب، وضربت أوتاد المفاصل، وأقيم عمد الصلب، ثم مد السرادق، فنصب سرير القلب في الباطن للملك ويسعني قلب عبدي المؤمن.
إذا لم يجد صب على النأي مخبرًا ** عن الحي بعد البين أين أقاموا

فعند النسيم الرطب أخبار منزل ** به لسليمى بالعقيق خيام

يا هذا، إن كنت محباُ فحبيبك معك في كل حال، حتى عند الموت، وفي بطن اللحد.
للغزي:
يا حبذا العرعر النجدي والبان ** ودار قوم بأكناف الحمى بانوا

وأطيب الأرض ما للقلب فيه هوى ** سم الخياط مع الأحباب ميدان

إذا أقفر قلبك من ساكن ويسعني فتحت النفس بابًا لعناكب الغفلة، فنسجت في زواياه من لعاب الأمل، طاقات المنى، اللهم أجر القلوب من جور النفوس، يا سلطان القلب، نشكو إليك النزالة.

.الفصل الخامس والستون:

إخواني، اعرفوا الدنيا وقد سلمتم، ثم اعملوا فيها بما عملتم، لا يغرنكم منها الوفر، فإنكم فيها في سفر، أما بعد توطئة المهاد الحفر؟، أتتوطن مني وتنسى النفر؟.
أرى الدنيا وما وصفت ببر ** متى أغنت فقيرًا أرهقته

إذا خشيت لشر عجلته ** وإن رجيت لخير عوقته

تعلقها ابن جهل في صباه ** فهام بفارك ما علقته

سقته زمانه مقرًا وصابا ** وكأس الموت آخر ما سقته

أبادت قصر قيصر ثم جازت ** بإيوان ابن هرمز فارتقته

أما افتتحت له في الأرض بيتًا ** فآوته النزيل وأطبقته

إذا انفلت ابنها عنها بزهد ** ثنته بزخرف قد نمقته

أترى لم تنفع التجارب؟، أما ترون الدنيا كيف تحارب؟، ألا تلقون حبلها على الغارب؟، أما سيف الهلاك في يد الضارب؟، تالله لقد جلا صبح اليقين ظلام الغياهب، إلا عزم زاهد، يتوكأ على عصا راهب.
ودنياك إن وهبت باليمين ** يسار الفتى سلبت باليسار

إخواني، احذروا الدنيا، فإنها أسحر من هاروت وماروت، ذلك يفرقان بين المرء وزوجه، وهذه تفرق بين العبد وربه، وكيف لا، وهي التي سحرت سحرة بابل، إن أقبلت شغلت، وإن أدبرت قتلت.
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ** ثم انثنت عنه فكاد يهيم

ويلاه إن عرضت وإن هي أعرضت ** وقع السهام ونزعهن أليم

كم في جرع لذاتها من غصص، طالبها معها في نغص:
بكى عليها حتى إذا حصلت بكى ** عليها خوفًا من الغير

إنها إذا صفت حلالًا، كدرت الدين، فكيف إذا أخذت من حرام؟، إن لحم الذبيحة ثقيل على المعاء، فكيف إذا كان ميتة؟، الظلمة في الظلمة يمشون في جمع الحطام، يصبحون ويمسون على فراش الآثام {فما ربِحَتْ تجارَتُهُمْ}، من نبت جسمه على الحرام، فمكاسبه كبريت به يوقد، الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، أتراهم نسوا؟ طي الليالي سالف الجبارين، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، فما هذا الاغترار {وقدْ خَلَتْ منْ قبلِهِمُ المَثُلاتُ} فهم ينتظرون من لهم إذا طلبوا العود {فحِيلَ بينَهُمْ وبينَ ما يشتَهونَ} كم بكت في تنعم الظالم؟ عين أرملة، وأحرقت كبد يتيم {ولَتَعلَمُنَّ نبأَهُ بعدَ حين} ما ابيض لون الرغيف حتى اسودَّ وجه الضعيف، ما تروّقت المشارب حتى ترنّقت المكاسب، ما عبل جسم الظالم حتى ذوت ذواب ذات قوة، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته، إلى سقف بيتك، نباله مصيب، ونبله غريب، قوسه حرقه، ووتره قلقه، ومرماته هدف (لأنصرَنَّكَ) وسهم سهمه الإصابة، وقد رأيت وفي الأيام تجريب.
كم من دار دارت بنعم النعم، دارت عليها دوائر النقم {فجعلناها حصيدًا} كم جار في حلبة المنى؟ قد استولى طرفه على الأمد، صدمه قهر عقوبة، فألقاه أسرع من طرف، بينا القوم ينبسطون على البسيطة، كفت أكفهم بمقامع القمع، لسبتهم عقارب ظلمهم نفخ عليهم ثعبان جورهم، عقرتهم أسود بطشهم، نسفتهم عواصف كبرهم، وفي الغير عبر، ويحك، إذا كانت راحة اللذة تعقب تعب العقوبة، فدع الدعة تمضي في غير الدعة، والله ما تساوي لذة سنة غم ساعة، فكيف والأمر بالعكس؟ كم في يم الغرور، من تمساح فاحذر يا غائض، يا من قد أمكنه الزمان من حركات التصرف في العدل فما يؤمن من الزمن الزمن.
ومتى بلغت إلى الرئاسة فاستلب ** كرة العلى بصوالج المعروف

كان عمر يخاف مع العدل، يا من يأمن مع العدول، رؤى بعد موته باثنتي عشرة سنة، فقال الآن تخلصت من حسابي، واعجبًا، أقيم أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟ أحسن شعائر الشرائع، العدل، الظلم ظلمة في نهار الولاية، وجدب يرعى لحوم الرعية، والعدل، صوت في صور الحياة، يبعث به موتى الجور، أيها الظالم، تذكر عند جورك عدل الحاكم، تفكر حين تصرفك في سرفك، عجبًا لك، تدعي الظرف وتأخذ المظروف والظرف، كلا، أو في الظرافة رأفة، ستعلم أيها الغريم قدر غرامك إذا يلتقي كل ذي دين وماطله، من لم يتبع بمنقاش العدل، شوك الظلم من أيدي التصرف، أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب.
يا أرباب الدول، لا تعربدوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصاد، سليمان الحكم قد حبس آصف العقوبة، في حصن {فلا تعجَل عليهم} وأجرى رخاء الرجاء {لئلا يكون للناس على الله حجةٌ} فلو قد هبت سموم الجزاء من مهب {ولئن مستهم نفحة} قلعت سكر {إنما نُملي لهم} فإذا طوفان التلف، ينادي فيه نوح {لا عاصم} فالحذر الحذر {قبل أن تقول نفسٌ يا حسرتا} {ولات حين مناص} وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيت؟ فإنك لا تلقى كدرًا، إلا من طريق جناية {لا يُغيِّر ما يقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم}.
كان لبّان يخلط الماء باللبن، فجاء سيل فذهب بالغنم، فجعل يبكي ويقول اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلًا، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوكتا وفوك نفخ. اذكر غفلتك عن الآمر والأمر وقت الكسب، ولا تنسى إطراح التقوى عند معاملة الخلق، فإذا انقض عاصف فسمعت صوت سوطه يضرب عقد الكسب جزء الخيانة العقود، فلا تستطرف ذلك، فأنت الجاني أولًا، والبادي أظلم.