فصل: الفصل الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الأول:

أخواني: الموت مقاتل يقصد المقاتل، فما ينفعك أن تقاتل.
للمتنبي:
نعد المشرفية والعوالي ** وتقتلنا المنون بلا قتال

ونرتبط السوابق مقربات ** وما ينجين من خبب الليالي

ومن لم يعشق الدنيا قديمًا ** ولكن لا سبيل إلى الوصال

نصيبك في حياتك من حبيب ** نصيبك في منامك من خيال

يدفن بعضنا بعضًا وتمشي ** أواخرنا على هام الأوالي

وكم عين مقبلة النواحي ** كحيل بالجنادل والرمال

لقد وعظ الزمان وما قصّر وتكلم الصامت وما أقصر، ولاح الهدى فإنما الشأن فيمن أبصر، ونطقت المواعظ بزجرٍ لا يُحصر، هلكت ثمودًا بصيحة وعاد بريح صرصر، وكسر كسرى وقصر قيصر، تالله ما يبالي ميزان الجزاء أَرْبَح أم أَخْسَر؟ ولا حاكم العدل من أفلس وأعسر هذا أمر مجمل، وفي غد يفسر.
أيها المتحرك في الدنيا، لا بد من سكون، لا يغرنك سهلها فبعد السهل حزون، كم سلبتك من حبيب؟ وبعض القبح يهون، ما فرحها مستقيم ولا تَرَحُها مأمون، إنها لدار الغرور ودائر الهون كم تلون؟ ولكن أين العقل من مجنون، فهلا أضعنا الحديث قلب هذا مفتون:
أيها السكران بالآمال ** قد حان الرحيل

ومشيب الرأس والفو ** دين للموت دليل

فانتبه من رقدة الغف ** لة والعمر قليل

واطرح سوف وحتى ** فمها داء دخيل

كأنك بما يزعج ويروع وقد قلع الأصول وقطع الفروع، يا نائمًا في انتباهه كم هذا الهجوع؟ أينفعك حين الموت جري الدموع؟ إذا رشق سهم التلف فطاحت الدروع وأتى حاصد الزرع وأين الزروع؟ وخلت المنازل وفرغت الربوع، وناب غراب البين عن الورقا السجوع.
قرن مضى ثم نمى غيره ** كأنه في كل عام نبات

أقل من في الأرض مستيقظ ** وإنما أكثرهم في سبات

حول خصيب أثره مجدب ** فاذخر من المخصب للمجدبات

أما علمت أن الدنيا غدا إمارة؟ أما برد لذاتها ينقلب حرارة؟ أما ربحها على التحقيق خسارة؟ أما ينقص الدين كلما زادت عمارة؟ أما قتلت أحبابها وإليك الإشارة؟ إذا قال محبها هي لي ومعي أهلكته وقالت: اسمعي يا جارة.
إنما الدنيا بلاء ** ليس لدينا ثبوتُ

إنما الدنيا كبيتٍ ** نسجته العنكبوتُ

إنما يكفيك منها ** أيها الراغب قوتُ

يا من عاهدنا على الطاعة في الإعلان والإسرار، كيف استحل حل عقد التوبة وعقد الإصرار؟ متى يخرج العاصي من هذه الدار؟ شيب وعيب ونهاية الإدبار، ضدان بعيدان ثلج ونار، كم بينكم وبين المتقين الأبرار؟ ملكتم الدنيا وملكوها فالقوم أحرار، كانت لهم إنفة فاحتموا من العار، وعرفوا قدر الزمان فانتهبوا الأعمار، فلو مددتم أبواعكم ما كنت منهم كأشبار، لو اطلعتم عليهم في أوقات الأسحار لرأيتم نجوم الهدى لا بل هي أقمار، قاموا جميع الدجى على قدم الاعتذار ثم تساندوا إلى رواحل البكاء والاستغفار، وقوي كربهم فهبت لهم نكباء لطف معطار، رفعوا رسائل الجوى فعاد جواب الأبرار:
لا توقدوا في القلب نار الجحيم ** كفى سقامي لفؤادي غريم

ما زلت عن حبكم لحظة ** وحقكم إني عليه مقيم

وكلما هبت نسيم الصَّبا ** من نحوكم عشت بذاك النسيم

واأسفي، متى رحلوا؟ ليت شعري، أين نزلوا؟
أنجدت الدار بهم ** واتهم الوجد معي

مالت بالقوم ريح السحر ميل الشجرة بالأغصان، فهز منهم الخوف أفنان القلوب، فانتثرت الأفنان. فاللسان يتضرع، والعين تدمع، والوقت بستان، خلوتهم بالحبيب تشغلهم عن نعم ونعمان، سورهم أساورهم، والخشوع تيجان، خضوعهم حلاهم فما در ومرجان؟ أخذوا قدر البلاغ وقالوا نحن ضيفان، باعوا الحرص بالقناعة فما ملك أنو شروان؟ رفضوا حتى زمام المبيع وما باعوا بثنيان، طالت عليهم أيام الحياة والمحب ظمآن، اطلع من خوخة التيقظ بعين التأمل تر البرهان، أين أنت منهم؟ ما نائم كيقظان، كم بينك وبينهم؟ أين الشجاع من جبان؟ ما للمواعظ فيك موضع القلب بالهوى ملان.
يا هذا: قف على باب النجاح ولكن وقوف لهفان، واركب سفين الصلاح فهذا الموت طوفان، أيكون بعد هذا إيضاح؟ أو مثل هذا تبيان؟ يا لها من موعظة سحبت ذيل الفصاحة فحار سحبان، بغدادية أمامية مستفتية لا تعرف ضرب خراسان.

.الفصل الثاني:

أخواني: أين الذين سلبوا؟ سلبوا طال ما غلبوا فغُلبوا، عمَّروا ديارهم فلما تمت خربوا، وديفت لهم كؤوس المنايا فأكرهوا وشربوا:
سير الليالي إلى أعمارنا خَبَب ** فما تبين ولا يعتاقها تعبُ

وهل يؤملُ نيلُ الشمل ملتئمًا ** سفر لهم كل يوم رحلة عجب

وما إقامتنا في منزلٍ هتفتْ ** فيه بنا قد سكنا ربعه النوب

وآذنتنا وقد تمت عمارته ** بأنه عن قليل داثرٌ خَرِبُ

ليست سهام قسى الموت طائشة ** وهل تطيش سهام كلها صيب

ونحن أغراض أنواع البلاء بها ** قبل الممات فمرميٌّ ومرتَقِبُ

أين الذين تناهوا في ابتنائهم ** صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا

أين أرباب الأماني والأمل؟ أخذوا بين سكر الهوى والثمل.
والذي علا على علي العلا نزل، وكأنه في الدنيا لم يكن وفي القبر لم يزل.
كل حي فقصاراه الأجل ** ليس للخلق بذا الموت قبل

نوب أبدت لعادٍ قبلنا ** إن من ذات العماد المرتحل

فانثنوا عن ذلك الشرب الذي ** صار علا لسواهم ونهل

ألبستْ قومًا سواهم حليَهم ** ثم بزته فعادوا بالعطل

فاسئل الإيوان عن أربابه ** كيف جدت بهم تلك الرحل

نقلتهم عن فضاء واسع ** يمرح الطرف به حتى يمل

نحن أغراض خطوب إن رمتْ ** عادتْ الأدرع لينا كالحلل

وإذا ما أخلفت أسهمها ** فأصابت بطل القوم بطل

جز على القبور بقلب حاضر، وسلها ما فعل الوجه الناضر؟ ثم افتح ناظر ناظر، وخاصم نفسك على التواني وناظر.
ومسندون تعاقروا كأس الردى ** ودعا بسيرهم الحمام فأسرعوا

خرسٌ إذا ناديت إلا أنهم ** وعظوا بما يرضي اللبيب فأسمعوا

والدهر يفتك بالنفوس حمامه ** فلمن تعد كريمة أو تجمع

عجبًا لمن تبقى ذخائر ماله ** ويظل يحفظهن وهو مضيع

ولعاقل ويرى بكل ثنية ** يلقى له بطن الصفائح مضجع

أتُراه يحسب أنهم ما اسأروا ** من كأسهم أضعاف ما يتجرع

كم صاح بك واعظ؟ وما تسمع وكم حصلت ما يكفي؟ وما تقنع، لقد استقرضك مولاك مالك فمالك تجمع؟ وضمن أن نبت الحبة سبع مائة وما تزرع؟ تشتغل عن القرآن المنزل وتستمع من مغن يتغزل؟ تمشي إلى نجاتك مشي أقزل وتخرج إلى الحرب وأنت أعزل؟ ويحك إن والي الحياة عن قليلٍ يعزل كأنك بالسماء تمور وبالأرض تزلزل، تنصب ولا تدري أي الكفتين أنزل.
أخواني: غرقت السفينة ونحن نيام، أبوكم لم يسامح في لقمته وداود عوتب على نظره.
يا مظهرين ضد ما ** به الكتاب وارد

إلى متى تبهرجو ** ن والبصير ناقد

كيف يكون حالكم ** وهو عليكم شاهد

عجبت من مستيقظ ** والقلب منه راقد

مضيع لدينه ** وللذنوب رائد

كأنه على مدا ** هـ مهمل وخالد

فحسنوا أعمالكم ** فهي لكم قلائد

ولا تضيعوا واجبًا ** واجتهدوا وجاهدوا

إخواني: أفيكم عازم على الصلح؟ أمنكم محب يضج من الهجر؟ أفيكم ذو وجد قلق من البين؟ الوقت يقتضيك يا عاص، منادي القبول على منازل الوصول يقول {وسارعوا}.
الغيم رطب ينادي ** يا غافلين الصبوح

فقلت أهلًا وسهلًا ** ما دام في الجسم روح

قد قيَّد الطرد قدميك وغل الأبعاد يديك، أفما لك عين تبكي عليك؟
وفي نظر الصادي إلى الماء حسرة ** إذا كان ممنوعًا سبيل الموارد

على نوحٍ نَحْتُ السفينة، وأن يصيح اركبوا، فما ذنبه إن تخلف كنعان؟ إذا وقعت عزيمة العاصي على فراق دار المعاصي، هيأ مركب القصد وزّود سفر العزم وقام على أقدام الجد، وسعى على طريق الرجاء خائفًا من عارض رد، فيصيح به حينئذٍ هاتف القبول:
لئن قدمت من سفرة الهجر عيسكم ** تلقيتُها بالوصل من كل جانب

إخواني: ما قعودكم وقد سار الركب؟ الحقوهم في المنزل، النجاء النجاء من شر الخلاف، ألوحا ألوحا قبل لحاق الأسلاف، الحذر الحذر من خطوات الخطايا، الهرب الهرب قبل بث الأماني بالمنايا، قبل أن تنزلوا الكفات وتلحقوا الرفات، وبين ماذا حل من آفات افات إلا أن تعاينوا الوفاة وفات.

.الفصل الثالث:

عباد الله إنما الأيام طرق الجد، والساعات ركائب المجد، وأيام العافية أوقات تستدرك، وأحيان السلامة تنادي: من جد أدرك.
كم للمنية من ضروب ** بين الحوادث والخطوب

تدع الحبيب بلا محب ** والمحب بلا حبيب

لا والذي هو قاذف ** بالحق علام الغيوب

وبحكمه يملي لمن ** يملي القبيح على الرقيب

ما للنفوس مع المنية ** في السلامة من نصيب

هيهات أين يفوتها ** لا بد من سهم مصيب

من دب فوق الأرض أصبح ** دارجًا بعد الدبيب

فإذا تغيب تحتها ** فكفاه بعدًا بالمغيب

ولكم طويل العمر ليس ** لعيشه بالمستطيب

ولربما انتزع القصير ** العمر من سعة وطيب

لا تيأسن من البعيد ** وخف مباعدة القريب

فلكم حملت مع المريض ** إلى الثرى نعش الطبيب

إخواني: احذروا دنياكم فإنها خادعة، وانتظروا حتوفها فهي لا ريب واقعة، أيها العبد إلى متى تشتغل بها عن مولاك وهو غيور؟ وكيف تغتر بغرير هوى يغري ويغور؟ وكم عدلتَ عن العدل وحاظرت المحظور؟ أتظن البقاء وقلائد الفراق كالأطواق في النحور؟ أما تعتبر بأقران قرنوا بقرائن أعمالهم في القبور؟ أما مواضعهم تضعك على وضع الوضائع والفتور؟ أما حلوا اللحود؟ فحالت حلى تلك البدور أما منازلهم إذ نازلهم مُنازلهم زال عنهم السرور؟ أبالى بفخرهم الموت؟ لا بل بلبل تلك القصور أين هم الآن قل لي؟ خلا خاليهم بالثبور، مال بهم عن المال ما لا يرد وصرفهم صرف الدهور، جرى بهم وما جار كما جارى الجار، جارى المقدور، أصبحت وجوههم الصبيحة مصطحبة شراب الدثور، مبانيهم أبينت فلو أُبينت لم تبن الأناث من الذكور، انفصمت عرى الأوصال وحلوا بالخصال فذو الوصال منهم مهجور، سكنوا بعد الودود مع الدود في اللحود كمأسور تكدر صافيهم فمصافيهم يجافيهم وما فيهم معذور، علا أعلاهم، علاء تراب كثير موقور، وسكن المكين في كمين إمكانه فاستكان في مكان محفور، بينا مترفهم قد اطمأن {وظنَّ أن لنْ يحور} إذا الأذى كالحذا، وكذا كل محتذ الغرور، وكم قال واعتذر فلما لم يذر قيل هذا الهذر زور صب الصاب في من صبا، فالصبا تسفي على منصبه والدبور، وسيأتيك يا فتى ما أتى من عتا حتى في الرواح أو في البكور، فانتبه فإن الموت يدور على ساكني الدور، ويلتقط أرباب القصور بلا فتور ولا قصور، وكأنك بالأمر قد فصل {وحُصِّل ما في الصدور} فمن جار قنطرة الهوى آب بتجارة لن تبور {ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور}.
أين أهل الديار من قوم نوح ** ثم عاد من بعدهم وثمود

بينما القوم في النمارق والديباج ** أفضتْ إلى التراب الخدود

وأطباء بعدهم لحقوهم ** ضل عنهم سعوطهم واللذوذ

وصحيحٌ أضحى يعود مريضًا ** وهو أدنى للموت ممن يعود

يا قليل البضاعة بل يا مفلس ترجو النجاة بالمعاصي؟ لقد وسوس، أتلبس ثوب الشيب؟ ثم تلبس، جاء الصباح فنسخ حكم الحندس، وأطرق النيلوفر لما حدق النرجس، يا من يقوم من المجلس كما يجلس، كن كيف شئت فإنما تجني ما تغرس، ألك عذر قل لي؟ الباطل يخرس:
كيف الرحيل بلا زاب إلى وطن ** ما ينفع المرء فيه غير تقواه

من لم يكن زاده التقوى فليس له ** يوم القيامة عذر عند مولاه

يا رب إليك منا نتظلم أحوالنا تنطق عنا وما نتكلم وقلوبنا من ذنوبنا تبكي وتتألم، وأنت العالم الذي تعلم، أتتركنا للجهل؟ وأبونا منك تعلم يا من أخّر ما شاء كما شاء وقدم، لا تجعلنا ممن إذا رحل تندّم، يا من نبه الفضيل وابن أدهم، قد تركتنا الذنوب لا نشترى بدرهم.
يا عمادي في شدتي ورجائي ** عند فقري وكوكبي في المعامي

ساعتي إن نأيت يوم ويومي ** مثل شهر والشهر مثل العام

يا صاحب الخطايا لست معنا، يا مقبلًا على الهوى ما أنت عندنا، ضاعت حيلي في تحصيل قلبك، اشتدت حيرتي في تلافي أمرك، واعجبًا، أخوِّفُك عواقب الأمور وما تتوب، وأشرح لك أحوال الصالحين وما تؤب، ومتى سقطت شهوة العليل دنا الموت، قد أوقدتُ نار المواعظ إلى جانب كسلِك ونفسُ عزيمتك شديد البرودة، وقد اتفق الأطباء على أن النفس البارد في المرض الحاد دليل الهلاك:
الموت في كل حين ينشر الكفنا ** ونحن في غفلة عما يراد بنا

كان ما قد رأينا في أحبتنا ** من الرحيل ونادى الدار ليس لنا

والله ما فاز سوى الزاهدين، ولا نال الربح غير العابدين، ونهاية الكمال للمحبين كان همُّ القوم طلب النجاة، وكانت لذتهم في المناجاة، فارتفع لهم القدر وعلا الجاه، لو رأيتهم في الأسحار وقد حار الخائف بين اعتذار واستغفار ولطائف، يتخلل ذلك دمع غزير ذارف، يرمز إلى شوق شديد متكاثف، كانت عابدة تقوم من أول الليل وتقول تشاغل الناس بلذاتهم وقد جئت، إليك يا محبوب:
سروري من الدهر لقياكم ** ودار سلامي مغناكم

وأنتم مدى أملي ما حييت ** وما طاب عيشي لولاكم

جنابكم الرحب مرعى الكرام ** فلا صوح الدهر مرعاكم

حشا البين يوم رحلتم حشايَ ** بنار الهموم وحاشاكم

فيا ليت شعري ومن لي بأنْ ** أعيشَ إلى يوم ألقاكم

إذا ازدحمت في فؤادي الهمومُ ** أعلل قلبي بذكراكم

وأستنشق الريح من أرضكم ** لعلي أحظى برياكم

فلا تنسوا العهد فيما مضى ** فلسنا مدى الدهر ننساكم

تالله لقد حصل للقوم فوز الدارين، ورضيتم أنتم بالبين من البين، تنبهوا يا نيام كم ضيعتم من عام؟ الدنيا كلها منام، وأحلى ما فيها أحلام، غير أن عقل الشيخ بالهوى غلام، علام قتل النفوس علام؟ هل هو إلا ثوب وطعام؟ ثم يتساوى خز وخام، ولذات طيبات ووخام، إنما يعرف الفطناء لا الطغام، آه للغافل إلى كم يلام؟ أما توقظك الليالي والأيام؟ أين سكان القصور والخيام؟ دارت على الكل كأس الحمام {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} إلى متى مزاحمة الأنعام؟ ردوا هذه الأنفس بزمام ازجروا هذه القلوب عن الآثام اقرؤا صحائف العبر بألسنة الأفهام، موت الجيران شكل وأخذ الأقران إعجام، يا من أجَلَه خلفه وأمله قدام، رب يوم له مفتاح، ما له ختام، يا مقتحمًا على الحرام أي اقتحام، ستعلم من يبكي في العقبى؟ عقبى الإجرام، ويشارك الندامى على الندامى والمدام، يا طويل المرض متى يبرى السقام، يا من إن قعد فللدنيا وكذا إن قام أول الدنيا هم وآخرها موت زؤام، حل لها الفراق وحرم عليها الدوام، سحابها لا يمطر وسماؤها قنام، كلها عيب في عيب وذام في ذام، أتعيبها عند محبها؟ متى يسمع العذل مستهام؟ خلِّها واخرج عنها بسلام إلى دار السلام فالجنة رخيصة ثم ما تغلو على مستهام، خذها إليك نصيحة من طب يداوي الأسقام، يضع الهناء موضع النقب ويعرف أصل الآلام ويركب المرهم عن خبر ويدبر كيف شاء الكلام، ما بعدها نصيحة تكفي والسلام.
آخر كتاب المدهش.
قد بلغ التمام والنهاية.
وفرغ منه منشيه عبد الرحمن بن علي بن الجوزي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة حامدًا لله سبحانه ومصليًا على محمد وآله وصحبه ومسلمًا، آمين.