فصل: الفصل السابع في قصة الذبيح عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل السابع في قصة الذبيح عليه السلام:

لما ابتلي الخليل بالنمرود فسلم، وبالنار فسلم، امتد ساعد البلاء إلى الولد المساعد، فظهرت عند المشاورة نجابة {افعل ما تؤمر} وآب يوصي الأب: اشدد باطي ليمتنع ظاهري من التزلزل، كما سكن قلبي مسكن السكون، واكفف ثيابك عن دمي لئلا يصبغها عندمي فتحزن لرؤيته أمي، واقرأ السلام عليها مني، فقال: نعم العون أنت يا بني ثم أمر السكين على مريئي المرء فما مرت، غير أن حسرات الفراق للعيش أمرت، فطعن بها في الحلق مرات، فنبت، لكن حب حب الرضا في حبة القلب نبت، يا إبراهيم من عادة السكين أن تقطع، ومن عادة الصبي أن يجزع، فلما نسخ الذبيح نسخة الصبر، ومحا سطور الجزع، قلبنا عادة الحديد، فما مر ولا قطع، وليس المراد من الابتلاء أن نعذب، ولكن نبتلي لنهذب.
أين المعتبرون بقصتهما في غصتهما، لقد حصحص الأجر في حصتهما، لما جعلا الطاعة إلى الرضا سُلّمًا، سل ما يؤذي فسلما، وكلما كلما حاجب كلم كل ما به تذبحان، فصد ما به صدما، بينا هما على تل {وتلَّه} جاء بشير {قد صدَّقتَ الرؤيا} فارتد أعمى الحزن بصيرًا بقميص {وفديناه}. ليس العجيب أمر الخليل بذبح ولده، وإنما العجب مباشرة الذبح بيده، ولولا استغراق حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور.

.الفصل الثامن في قصة ذي القرنين:

قطع ذي القرنين الأرض وأقطعها فمر سالكًا مسلكًا ما فت سبسبه فتى {فأتْبع سببًا} فشمر مشمرًا ما تلفت، حتى لفت شملة جمع شمله بالشمس في عين حمئه، فلما أفرغ غرب الغرب على غارب الغربة مشى نحو المشارق، ولم يزل يحوز الكنوز، ويجوز إلى قتل من يجوز، إلى أن طلعت طلايعه الطلعة على مطلع الشمس، فأبرز نير عدله المشرق في المَشرِق، ثم رأى باقي عرضه في دمه مقدار مقدرته كالدين، فسلك بين السدين، فلما حشى حشا الجبلين بالزبر، ولج المفسدون قسر قصراهم، على مضض {فما استطاعوا} عجبًا له كم اقتنى من أصقع وأقنف، وكم أسعف بأغشى وأسعف وكم لطى له من لطيم وأخيف، وكم سعى به من أكسع، وقفز به من أقفز، ومشى به في محجة المشرق محجل، وطرق به طريق المغرب مغرب، كم صحبه من سايف ونابل وسالح، كم تبعه من في السلاح كافر، غير شاك في الصلاح ولا كافر، فما درأ عنه الأد المودى له مود، ولا دارى عن داره الدوائر دارع، ولا رد عنه ورد ولا كميت، إذ ورد عليه ما تركه كميّت، ولا فرّ به من منيته سابق، ولا سكيت، فكأنه إذ مات ما تحرك على حارك فرس، ولا شاك شاكلته بشولحة عقب، بل مر كأنه لم يكن، وذل للموت وقبلها لم يهن، فتلمح آخر الدنيا إن كنت تدري، وانظر في أي بحر إلى الهلاك تجري، وأصخ لخطاب الخطوب، وافهم ما يجري، وكن على أهبة فهذي الركاب تسري.
للشريف الرضي:
أو ما رأيت وقائع الدهر ** أفلا تسيء الظن بالعمرِ

بينا الفتى كالطودِ تمنعه ** هضباته والعصْب ذي الأثْرِ

يأبى الدنيةَ في عشيرته ** ويجاذبُ الأيدي على الفخرِ

وإذا أشار إلى قبائله ** حشدتْ عليه بأوجهٍ غُرِّ

زل الزمان بوطء أخمصه ** ومواطئ الأقدام للعثْرِ

نزع الإباءَ وكان شملته ** وأقرَّ إقرارًا على صُغرِ

صدْعُ الردى أعيى تلاحمه ** مَن ألحم الصدفين بالقِطرِ

جرّ الجياد على الوجى ومضى ** أممًا يدق السهل بالوعرِ

حتى التقى بالشمس مغمده ** في قعر منقطعٍ من البحرِ

ثم انثنت كفُ المنون به ** كالضغث بين الناب والظُفرِ

لم تشتجر عنه الرماح ولا ** رد القضاءَ بماله الدثرِ

جمع الجنود وراءه فكأنما ** لاقته وهو مُضيِّعُ الظهرِ

وبنى الحصون ممتعًا فكأنما ** أمسى بمضيعة ولا يدري

ويرى المعابل للعدى فكأنما ** لحمامه كان الذي يبري

أودى وما أودت مناقبه ** ومن الرجال مُعمّرُ الذكرِ

إن التوقي فضل معجزة ** فدعِ القضاء يقُدُّ أو يفري

تحمي المطاعم للبقاء وذي ** الآجال ملؤ فروجها تحزي

لو كان حُفظ النفس ينفعها ** كان الطبيب أحق بالعمرِ

الداء داء لا دواء له ** سيان ما يوبي وما يُمري

.الفصل التاسع في قصة قوم لوط:

لما تهاوى قوم لوط في هوة أهوائهم وتنادوا في جهات جهلهم، {أخرِجوا آلَ لوط} بعثت الأملاك لانتزاع ملاك الحياة من أيديهم، فنزلوا من منزل لوط منزل النزيل، وهم في أفسح بيت نبي من الكرم، غير أن حارس حِذْرِه ينادي {وضاق بهم ذرعًا} فخاف من قومه أذاهم {فإذا هم يهرعون} فأخذ يدافع، تارة بمشورة {هؤلاء بناتي} وتارة بتقاة {فاتقوا الله} وتارة بسؤال {ولا تُخْزون} وتارة بتوبيخ {أليسَ منكم} فلما كلَّ كلُّ سلاحه، وأعيته جهات جهاده، أن برمز {لو أن لي بكم قوة} فحجبهم جبريل بحجاب {فطمسنا} وانتاشه من أسر الغنم بلفظ {فأسرِ} فلما علم أن الملأ ملائكة، تشوق إلى تعجيل التعذيب، فنادت عواطف الحلم {أليس الصبح بقريب} فسار بأهله على أعجاز نجائب النجاة، إلا عجوز العجز عن عرفان المعجز فإنها لحقت بالعجزة، فلما لاح مصباح الصباح، احتمل جبريل قرى من جنى على قرى جناحه، فلم ينكسر في وقت رفعهم إناء، ولم يرق في صعود صعودهم ماء، فلما سمع أهل السماء نباح كلابهم أسرعت كف القلى بهم في انقلابهم، فتفكروا بالقلب، كيف جوزوا على قلب الحكمة بالقلب، ثم بعث إليهم سحاب فشصا بالشصائص واحزال ثم ال إليهم، فاكفهرت بالغضب أرجاؤه، وأحومت بالسخط أرجاؤه، وابذعرت فعرت بوارقه، وارتتقت في جو الجوى جوبه، واستقلت على قلل قلاقل الردى أردافه، فارتجز بأرجوزة الرجز قبل أن يهمي فهمهم، في دوى بأدواء في دو دورانه فأظلم، وركد كيده فلم تكد قلوعه تقلع حتى قلعهم حينه حين أثجم، فما أرك ولا دث ولا بغض. بل قطقط فأفرط، وعم عميمه حين أغمط، فتقاطر على قطرهم من قطرة قطر الحجارة، وبغتهم في غرة غرتهم بالغرور حين شن الغارة، تالله لقد ضكضك العذاب، فضعضعهم فتضعضعوا، وانقض بقضه وقضيضه، فقضقض عظام عظامهم، وقطعها فتقطعوا، وسار بهم على طرفسان عقاب العقاب، إلى عوطب العطب فاهرمعوا، وكانوا في كن صافي الصفاة، فمروا إلى مر الملق فانفرنقعوا، وهمس هميسعهم وهل لمثلهم إلا الوهل والوهى، ولات حين مناص فادرنقعوا، وبرقط المخرنشم بعد أن بهنس، وبلطط فبلطح وحزن المبرنشق بعد أن زهزق، فبلسم وكلح، فأجيل على ذلك الجيل، سجل السجيل، فما برح حتى برح، ودار هاتف العبرة، على دارس دارهم ينادي {ولقد تركنا منها آيةً}.
فليحذر العازمون على طروق طريقهم من وعيد {وما هي مِنَ الظالمين ببعيد} قبل غصص الجرض، وألم الحرض، عند حلول المرض، حين يعتقل اللسان، ويتحير الإنسان، وتسيل الأجفان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، فيا عجبًا. كيف ألفى لذة العيش الفاني الفان، وقد مر فأمر كل ما كان {كلُّ من عليها فان}.

.الفصل العاشر في قصة يوسف عليه السلام:

تمكن الحسد من قلوب أخوة يوسف، أرى الظلوم مال الظالم في مرآة {إني رأيت أحد عشر كوكبًا} فتلطفوا بخداع {ما لك لا تأمنّا} وشوقوا يوسف إلى رياض {نرتع ونلعب} فلما أصحروا أظهروا المقت له، ورموا بسهم العدوان مقتله، ففسخ نهار رفقهم به ليلَ انتهارهم له، فصاح يهودا، في بقايا شفق الشفقة وأغباش غيابة الجب {لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابةِ الجُب} فلما ألقوه، وقالوا هلك، جاء ملك من عند ملك، يقول: ستبلغ أملك {لتنبئنَّهُم} فعادوا عمن عادوا كالأعشى {عِشاءً يبكون} ولطخوا قميصه الصحيح {بدمٍ كَذِب} فلاحت علامة سلامة القميص كي يظهر كيدهم، فقال حاكم الفراسة {بل سوَّلتْ}.
فلما ورد وارد السيارة، باعوا الصدفة ولم يتلمحوا الدرة، واعجبا لقمر قومر به، فلما وصل إلى مصر تفرس فيه العزيز، فأجلسه على أعزاز {أكرمي} فشغف قلب سيدته وفرى {فراودته} فسار بأقدام الطبع في فلاة غفلات {همَّت به وهمَّ بها} رد {لولا أن رأى} فأنقذ قوى الفرار وما استبقى {فاستبقا} فانبسطت يد العدوان وامتدت {وقدَّت} فلما بانت حجته في إبان {وشهد شاهد} أخذت تزكي مصراة الإصرار، بيمين يمين {ولئن لم يفعل} فاختارت درة فهمه، صدفة الحبس لجهل الناقد {ربِّ السجن أحبُّ إليَّ} فلما ضاق قفص الحصر، على بلبل الطبع ترنم بصوت {اذكرني} فعوقب بإيثاق باب {فلبث في السجن} فلما آن أوان الفرج، خرج إلى الملك.
هذا ويعقوب مفترض فراش الأسى على حزن الحزن، لا يستلذ نومًا ولا سِنة، ثمانين سنة، حتى نحل البدن، وذهب البصر:
لم يبق بعدكم رسم ولا طللُ ** إلا وللشوق في حافاته عملُ

إذا شممت نسيمًا من بلادكم ** فقدت عقلي كأني شاربٌ ثملُ

فلما عمَّ عامُ القحط أرض كنعان، خرج أخوته لطلب الميرة، فدخلوا عليه في ظلام ظلمهم، فرآهم المظلوم بعين {لتنبئنَّهم} وخفي عليهم نعمة {اقتلوا يوسف} فأقبل عليهم سائلًا، وأقبل الدمع سايلًا وتقلقل تقلقُلَ الواجد، ليسمع أخبار الوالد:
إيه أحاديث نعمان وساكنه ** إن الحديث عن الأحباب أسمارُ

أفتش الريح عنكم كلما نفحت ** من نحو أرضكم نكباء معطارُ

فقالوا: جئنا من أرض كنعان، ولنا شيخ يقال له يعقوب، وهو يقرأ عليه السلام، فلما سمع رسالة أبيه، انتفض طائر الوجد لذكر الحبيب:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ** فهيج أحزان الفؤاد وما يدري

فرد السلام قلبه قبل لسانه، وشغله وكف شانه عن شانه، وقال مقول إبدائه بعبارة صعدائه:
خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى ** فلاقى به ليلًا نسيم ربى نجدِ

فإن بذاك الجو حبًا عهدته ** وبالرغم مني أن يطول به عهدي

ثم إنه طلب آخاه، فاحتالوا بحجة {مُنع منّا الكيل} فلما حملوا حال بينهم وبينه، بحيلة {جعل السقاية} فلما دخل وقت التهمة {أذَّن مؤذِّن} فعادوا إلى أبيهم بشجى على شجن، وقرحٍ على جرح، وعقر على عقر في عقر، فقام وقد تقوس، وعسى على باب {عسى} ثم بعثه لطف {لا تقنطوا} على أن بعثهم برسالة {فتحسَّسوا} فلما رجعوا دخلوا من قفر الفقر، فاستقلوا في ساحة الضر، ينادون على غليل عليل الذل {وتصدق علينا} تالله لقد جوزيت أيد، مدها تغشرم {وشَرَوْهُ} أن مدت في طريق ذل {وتصدّق علينا} فلما عرفوه اعترفوا، فمحى ما اقترفوا بكف {لا تثريب} فرفع من موائد تلك الفوائد نصيب الوالد {اذهبوا بقميصي} فهبت نسايم الفرح، فتوغلت في خياشيم مريض كالفرخ، من فُرَج الفرج، فخر ركام الزكام، عن منخر الضر، فنادى مدنف الوجد {إني لأجد}:
نشدتك الله يا نسيم ** ما فعلت بعدنا الرسومُ

هل استهلت بها الغوادي ** ونمقت روضها الغيومُ

وهل بها من عهدت فيها ** بعد على حاله مقيمُ

علل بروح الوصال صبا ** أنفاسه للجري سمومُ

وعد فسلم على أناس ** ما أنا من بعدهم سليمُ

واشرح لهم حال مستهام ** أنت بأشواقه عليمُ

وقل غريب ثوى بأرض ** في غيرها قلبه يهيمُ

يكابدُ الشوق حين يمسي ** وتعتري قلبه الهمومُ

أحبابنا تنقضي الليالي ** وما انقضت تلكم الكلومُ

ذاك اللديغ الذي عهدتم ** بعد على حاله سقيمُ

أصبح من فقركم وحيدًا ** فلا خليل ولا حميمُ

لم تجر ذكر الفراق إلا ** حن كما حنت الرزومُ

فلما كشف يعقوب فدام الوجد، بكف {إني لأجد} أحدقت به عواذل {تالله تفتؤ}، تالله لو وجدوا ما وجد ما أنكروا ما عرف.
للمهيار:
هل لكما من علمِ ** بالطارق الملمِ

سرى على الدياجي ** سُرى أخيه النجمِ

يشقُّ نجدًا عرضًا ** من شخصه بسهمِ

فنوّر الليلَ وليست ** من ليالي التَّمِّ

خذ يا نسيم عني ** تحيتي ولثمي

وهنهم بوجدهم ** من الكرى وعُدْمي

قالوا هجرتَ أرضَهم ** أهجرُها برغمي

قد وصلت إلى الحشا ** رسلكُمُ بالسقمِ

فلم تدع واسطةً ** بين دمي ولحمي

عج كي ترى رسومًا ** ثلاثة في رسمِ

سوَّى النحول بيننا ** تعرفنا بالوهمِ

خط هلال ليلة ** ودارهم وجسمي