فصل: الفصل الخامس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس:

أيتها النفس تدبري أمرك وتأملي، ومثلي بين ما يفنى ولا تعجلي، لقد ضللت طريق الهدى فقفي واسألي، وآثرت وهنا، ما يؤرث وهنا لا تفعلي، يا غمرة من الشقا، ما أراها تنجلي، اتبع الهوى والهوى علي وليس لي، أريد حياة نفسي ونفسي تريد مقتلي، يا جسدًا قد بلى. بما قد بلى.
نخطو وما خطونا إلا إلى الأجل ** وننقضي وكأن العمر لم يطل

والعيش يوذِننا بالموت أوله ** ونحن نرغب في الأيام والدول

يأتي الحمام فينسى المرء منيته ** ونستقر وقد أمسكن بالطول

لا تحسب العيش ذا طول فتتبعه ** يا قرب ما بين عنق المرء والكفل

سلّى عن العيش أنا لا ندوم له ** وهون الموت ما نلقى من العلل

لنا بما ينقضي من عمرنا شغل ** وكلنا علق الأحشاء بالغزل

ونستلذ الأماني وهي مردية ** كشارب السم ممزوجًا مع العسل

أخواني: أوقدوا أدهان الأذهان في ليل الفكر، صابروا سني الجدب لعام الخصب تعصروا، فمن أدلج في غياهب ليل العلى. على نجايب الصبر، صبح منزل السرور في السر، ومن نام على فراش الكسل، سال به سيل التمادي إلى وادي الأسف، الرجولية قوة معجونة في طين الطبع، والأنوثية رخاوة، ولد السبع عزيز الهمة، وابن الذئب غدار، وكل إلى طبعه عايد، الجد كله حركة، والكسل كله سكون، إذا أردت أن تعرف الديك من الدجاجة حين يخرج من البيضة، فعلقه بمنقاره، فإن تحرك فديك، وإلا فدجاجة، فُتورك عن السعي في طلب الفضائل دليل على تأنيث العزم، يا من قد بلغ أربعين سنة، وكل عمره نوم وسنة، يا متعبًا في جمع المال بدنه، ثم لا يدري لمن قد أخزنه؟ اعلم هذه النفس الممتحنة، إنها بكسبها مرتهنة ألا يعتبر المغرور بمن قد دفنه؟ كم رأى جبارًا فارق مسكنه؟ ثم سكن مسكن مسكنة.
أيا راحلين بالإقامة، يا هالكين بالسلامة، أين من أخذ صفو ما أنتم في كدره؟ أما وعظكم في سيره بسيره؟ بلى. قد حمل بريد الإنذار أخبارهم، وأراكم تصفح الآثار آثارهم.
وحدثتك الليالي أن شيمتها ** تفريق ما جمعته فاسمع الخبرا

وكن على حذر منها فقد نصحت ** وانظر إليها تر الآيات والعبرا

فهل رأيت جديدًا لم يعد خلقًا ** وهل سمعت بصفو لم يعد كدرا

حبال الدنيا خيال تغر الغر، المتمسك بها. يلعب بلعاب الشمس، الدنيا كالمرآة الفاجرة لا تثبت مع زوج. فلذلك عنت طلابها..
ميزت بين جمالها وفعالها ** فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي

حلفت لنا أن لا تخون عهودها ** فكأنما حلفت لنا أن لا تفي

محبة الدنيا محنة، عيونها بابلية، كم تفتح باب بلية؟ ولا حيلة كحيلة، من عين كحيلة، كم أفردت من أرفدت؟ كم أخمدت من أخدمت؟ كم فللت من ألفت؟ كم أفقرت من أرفقت؟ كم فارقت من رافقت؟ كم قطعت من أقطعت؟ فعلها في التكدير كله هكذا، فإن آثرت الصفا فما في الزهد أذى، وإن أردت القذى، فالق ذا. للمهيار:
تعجب من صبري على ألوانها ** في وصلها طورًا وفي هجرانها

ورهاء من كلفها وثيقة ** كلّفها ما ليس من أديانها

تسلط البلوى على عشاقها ** تسلُّط الحِنثِ على أيمانها

الود في القلب ودعوى ودِّها ** لا يتعدى طرفَيْ لسانها

فكما أعطتك في محبة ** زيادةً فاقطع على نقصانها

وقفتُ أسترجع يومَ بينها ** قلبًا شجاعًا طاح في أظعانها

ولم يكن مني إلا ضلّة ** نِشدانُ شيءٍ وهو في ضمانها

يا من إذا أصبح، طلب المعاش بالشهوات، وإذا أمسى انقلب إلى فراش الغفلات، أين أنت من أقوام نصبوا الآخرة نصب أعينهم فنصبوا، فوفر النصب نصيبهم {إنّا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار}.
قال بعض السلف: لقيت رجلًا في برية، فقلت من أين؟ فقال: من عند قوم {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} قلت: وإلى أين؟ قال: إلى قوم {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
بنفسي من غداة نايت عنهم ** تركت القلب عندهم رهينا

أما لك أيها القلب اعتبار ** بما فعل الهوى بالعاشقينا

ملأوا مراكب القلوب متاعًا لا ينفق إلا على الملك، فلما هبت رياح الدجى دفعت المراكب.
لأبي إسحاق الغزي:
إذا الصبا سحبت أذيالها سحرًا ** على العقيق وقرت في ربى أضم

وحرشت بين بان الجزع ظالمة ** وشيحه وجرت في الضال والسلم

تنفس الوجد وارتاح المشوق وعا ** ش الروح بالروح بعد الأخذ بالكظم

يا سوق الأكل أين أرباب الصيام؟ يا فرش النوم أين حراس الظلام؟ درست والله المعالم ووقعت الخيام، قف بنا على الأطلال.
للمهيار:
أين سكانك لا أين همُ ** أحجازًا سلوكها أم شئاما

قد وقفنا بعدهم في ربعهم ** فنبهناه استلامًا والتزاما

أترى أي طريق سلكوا؟ أترى أي شعب أخذوا؟.
حمامة الواديين ما الخبر ** أعرسوا بالفرات أم عبروا

ما وصل القوم إلى المنزل. إلا بعد طول السرى، ما نالوا حلاوة الراحة إلا بعد مرارة التعب.
لصردر:
لو قَرُبَ الدر على جلابه ** ما لجّج الخايص في طِلابه

ولو أقام لازمًا أصدافَه ** لم تكن التيجان في حسابه

ما لؤلؤ البحر ولا مرجانه ** إلا وراء الهول من عُبابه

من يعشق العلياء يلق عندها ** ما لقي المحب من أحبابه

ما حظي الدينار بنقش اسم الملك، حتى صبرت سبيكته على التردد على النار، فنفت عنها كل كدر، ثم صبرت على تقطيعها دنانير ثم صبرت على ضربها على السكة، فحينئذٍ ظهر عليها رقم النقش {كتب في قلوبهم الإيمان}.
كم أحمل في هواك ذلًا وعنا ** كم أصبر فيك تحت سقم وضنا

لا تطردني فليس لي عنك غنا ** هذا نفسي إذا أردت الثمنا

من طلب الأنفس، هجر الألذ، من اهتم بالجوهر نسي العرض، يا صفراء يا بيضاء غرى غيري.
من أجل هواكم عشقت العشقا ** قلبي كلف ودمعتي ما ترقا

في حبكم يهون ما قد ألقى ** ما يحصل بالنعيم من لا يشقى

يا معشر التائبين {اصبروا وصابروا ورابطوا} مكابدة البادية تهون عند ذكر منى المضحى في بوادي الجوع والمعشى بوادي السهر إلى أن تلوح بوادي القبول، إن ونت في السير ركائبكم. فأقيموا حداة العزم تدلج.
البين يا أيدي المطايا البينا ** لا تتشكى شوطك البطينا

يا حادييها من نمير عامر ** خذا بها عن حاجر يمينا

حلا على وادي الغضى نسوعها ** وارخيا برامة الوضينا

رُدا بها ماء العذيب عله ** يشفى ويطفي داءها الدفينا

واستخبرا بالجزع أنفاس الصبا ** أين استقل الجيرة الغادونا

يا مطرودًا عن صحبة الصالحين، امش في أعراض الركب، وناشد حادي القوم، لعله يتوقف لك.
يا حادي العيس اصخ لمدنف ** متيم لجَّ به الغرامُ

إذا وقفتَ في ثنيات اللوى ** ولا الديار والخيامُ

وافترت الرياض عن أزهارها ** عقيب ما قد رحل الغمامُ

وهبت الريح فهب شيحها ** وانتبه الحوذان والثمامُ

فقف قليلًا نتزود نظرة ** تحيى بها الأرواح والسلامُ

.الفصل السادس:

أخواني: انتبهوا من رقدات الأغمار، وانتبهوا لحظات الأعمار، وقاطعوا الكسل فقد قطع الأعذار، واسمعوا زواجر الزمن فما داجي الدجى ولقد بهر النهار، وخذوا بالحزم فقد شقي تلف من رضي بشفا جرف هار.
للشريف الرضي:
تفوز بنا المنون وتستبد ** ويأخذنا الزمان ولا يَرُد

وانظر ماضيًا في أثر ماضٍ ** لقد أيقنتُ أن الأمر جد

رويدًا بالفرار من المنايا ** فليس يفوتها الساري المُجِدُّ

فأين ملوكنا الماضون قِدمًا ** أعدوا للنوائب واستعدوا

أعارهم الزمانُ نعيم عيش ** فيا سرعان ما استلبوا وردوا

هم فرطٌ لنا في كل يوم ** نمدهمُ وإن لم يستمدوا

العمر يسير وهو يسير، فاقصروا عن التقصير في القصير، أما دراك دراك قبل امتناع الفكاك، حذار حذار قبل قدوم القرار، أما يحرك سوق الرهب سوق الهرب؟ أما يحث التعليم على الدأب الأدب؟ أليس الزمان يعير ثم يغير؟ وهب إنه وهب، أما ضرب الدهر؟ فاستحال الضرب، مر العمر والغمر مشغول عما ذهب بالذهب، كم فارق من رافق فسلا من سلا بالسلب، أين الفهم؟ فقد المعنّى المعنى وعج العجب، أين الثمرة؟ أيتها.. في الغرب، حالت غمايم الهوى، بينكم وبين شمس الهدى، وغدا ما في يومكم ينسيكم غدًا حتى كأن الرحيل حديث خرافة، أو كان الزاد يفضل عن المسافة.
أيها الشيوخ: آن الحصاد، أيها الكهول: قرب الجداد، أيها الشباب: كم جرد الزرع جراد.
يا ابن آدم لا تغررك عافية ** عليك شاملة فالعمر معدود

ما أنت إلا كزرع عند خضرته ** بكل شيء من الأوقات مقصود

فإن سلمت من الآفات أجمعها ** فأنت عند كمال الأمر محصود

واعجبا!.. يتأمل الحيوان البهيم العواقب، وأنت لا ترى إلا الحاضر، ما تكاد تهتم بمؤنة الشتاء حتى يقوى البرد، ولا بمؤنة الصيف حتى يشتد الحر، ومن هذه صفته في أمور الدنيا {فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} هذا الطائر إذا علم أن الأنثى قد حملت، أخذ ينقل العيدان لبناء العش قبل الوضع، أفتراك ما علمت قرب رحيلك إلى القبر؟ فهلا بعثت لك فراش تقوى {فلأنفسهم يمهدون} هذا اليربوع لا يتخذ بيتًا إلا في موضع طيب مرتفع، ليسلم من سيل أو حافر، ثم لا يجعله إلا عند أكمة أو صخرة، فإذا أتى من باب دفع برأسه مارق وخرج.
اسمع يا من قد ضيق على نفسه الخناق في فعل المعاصي، فما أبقى لعذر موضعًا، يا مقهورًا بغلبة النفس صل عليها بسوط العزم، فإنها إن علمت جدك استأسرت لك، امنعها ملذوذ مباحها ليقع الصلح على ترك الحرام، فإذا ضجت لطلب المباح {فإمّا منًّا بعدُ وإمّا فداء} الدنيا والشيطان خارجيان، خارجان عليك خارجان عنك، فالنفس عدو مباطن، ومن آداب الجهاد {قاتِلوا الذي يَلونكم} ليس من بارز المحاربة كمن كمن، ما دامت النفس حية تسعى، فهي حية تسعى، أقل فعل لها تمزيق العمر بكف التبذير، كالخرقاء وجدت صوفًا، أخل بها في بيت الفكر ساعة، وانظر، هل هي معك أو عليك؟ نادها بلسان التذكرة، يا نفس ذهب عرش بلقيس، وبلي جمال شيرين، وتمزق فرش بوران، وبقي نسك رابعة، يا نفس صابري عطش الهجير يحصل الصوم، وتحزمي تحزم الأجير فإنما هو يوم:
جد في الجد قد تولى العمر ** كم ذا التفريط قد تدانى المر

أقبل فعسى يُقبل منك العذر ** كم تبني وكم تنقض كم ذا الغدر

يا هذا ذرات الوجود تستدعيك إلى الموجد، ورسايل العتاب على انقطاعك متصلة، فما هذا التوقف؟
كم كم ذا الهجر وافتراق الأحباب ** هل بعد البعد للذي غاب إياب

كم قد خطت إليكم الكف كتاب ** خلوا العتب ثم ما جاء جواب

يا هذا! دبر دينك كما دبرت دنياك، لو علق بثوبك مسمار رجعت إلى وراء لتخلصه، هذا مسمار الإضرار قد تشبث بقلبك، فلو عدت إلى الندم خطوتين تخلصت، هيهات صبي الغفلة كلما حرك نام، يا مجنون الهوى أما مارستان العزلة، وقيد الحمية، ومعالجة سلاسل التقوى، ومرافقة بشر ومعروف، وإلا فمارستان جهنم، في أنكال العقوبة، وصحبة إبليس، لا بد من جرم عزم، يؤخذ بالحزم لينتصر من عايث الشره، سلطان الأزم، من رق لبكاء الطفل لم يقدر على فطامه، كل يوم تحضر المجلس يقف لك الشيطان على الباب، فإذا خرجت كما دخلت قال فديت من لا يفلح، وأسفي كم تطلب الخضر وما ترى إلا اليأس، ويحك اعرف ما ضاع منك، وابك بكاء من يدري قيمة الفايت، وصح في السحر.
إن كان عهود وصلكم قد درست ** فالروح إلى سواكم ما أنست

أغصان هواكم بقلبي غرست ** منوا بلقائكم وإلا يبست

واستنشقت ريح الأسحار لأفاق قلبك المخمور وتخايلت قرب الأحباب أقمت المآتم على بعدك.
ما أشوقني إلى نسيم الرند ** يشفي سقمي إذا أتى من نجد

والشيح فإنه مثير الوجد ** شوقي شوقي له ووجدي وجدي

كان بعض السلف يقول في مناجاته: إلهي! إنما أبكي لما قسمت الأقسام. جعلت التفريط حظي فأنا أبكي على بختي.
قد كنت من قبل النوى ** مما ألاقي جزعا

تركتموني بعدكم ** أشرب دمعي جرعا

أخواني. تعالوا نرق دمع تأسفنا على قبح تخلفنا، ونبعث مع قاصدي الحبيب رسالة محصر لعلنا باجر المصاب. إن لم يرجع المفقود، يا أرباب القلوب الضايعة {اذهبوا فتحسَّسوا من يوسف}.
هذي معالمهم وما ** لي منذ بان القوم عهد

واها لعيش بالحمى ** لو كان لي يومًا يرد

ويلي أحظِّي كله ** من حبكم هجر وصد