فصل: حكم الطاغوت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.أقسام الشرك الخفي:

الشرك الخفي قسمان:
1- شرك خفي أكبر، كالنفاق الأكبر، وهو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله كالخلق والعبادة ونحوهما.
2- شرك خفي أصغر، وهو مراتب متفاوتة يعلمها علام الغيوب، فالأول مخلد في النار.. والثاني على خطر عظيم، لكنه تحت المشيئة.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء: 48].

.حكم الشرك الأكبر:

الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة.
وصاحبه مخلد في النار.. وهو محبط لجميع الأعمال.. مبيح للدم والمال.
1- قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء: 48].
2- وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [65]} [الزُّمَر: 65].


.حكم الشرك الأصغر:

الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد، ولا يخلد صاحبه في النار، بل يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار، وقد يتوب الله عليه فلا يدخل النار.
والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال، وإنما يحبط العمل الذي خالطه.
ولا يبيح الدم والمال كالأكبر، وحكم فاعله حكم عصاة الموحدين، وقد يكون الأصغر أكبراً بحسب ما يقوم في قلب صاحبه، فيجب على المسلم الحذر من الشرك مطلقاً.


.خطر الشرك:

1- الشرك بالله ظلم عظيم؛ لأنه اعتداء على حق الله الخاص به وهو التوحيد.
فالتوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم، وأقبح القبائح؛ لأنه تنقص لرب العالمين، واستكبار عن طاعته، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولعظيم خطره فإن من لقي الله مشركاً فإن الله لا يغفر له كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء: 48].
2- الشرك بالله أعظم الذنوب، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك ظلم عظيم كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [13]} [لقمان: 13].
3- الشرك الأكبر مخرج من الملة، محبط لجميع الأعمال، مبيح للدم والمال.. موجب للهلاك والخسران، وهو أكبر الكبائر، وصاحبه محروم من الجنة، مخلد في النار، وكفى بذلك خيبة وخسارة وهلاكاً.
1- قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [65] بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [66]} [الزُّمَر: 65- 66].
2- وقال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [5]} [التوبة: 5].
3- وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [72]} [المائدة: 72].
4- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله». متفق عليه.
5- وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قال: «الإِشْرَاكُ بِالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ-وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه.

.حكم الطاغوت:

الطاغوت: هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع.
فالمعبود كالأصنام والأوثان.. والمتبوع كالكهان وعلماء السوء.. والمطاع كالرؤساء والأمراء الخارجين عن طاعة الله.

.معرفة الطواغيت:

الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة:
إبليس أعاذنا الله منه.. ومن عُبد وهو راض.. ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه.. ومن ادعى شيئاً من علم الغيب.. ومن حكم بغير ما أنزل الله.
فيجب على المسلم اتباع ما أنزل الله، والكفر بالطاغوت.
1- قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [257]} [البقرة: 257].
2- وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
3- وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ [17] الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [18]} [الزُّمَر: 17- 18].

.أقوال وأفعال من الشرك أو من وسائله:

كل ما ورد في القرآن من لفظ الشرك فالمراد به الشرك الأكبر.
أما الأصغر فقد ورد في السنة الصحيحة.
وهناك أقوال وأفعال مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، بحسب ما يقوم بقلب فاعلها، وما يصدر عنه.
وهي تنافي التوحيد، أو تعكِّر صفاءه، وقد حذر الشرع منها كلها.
ومن تلك الأقوال والأفعال ما يلي:
1- تعليق التمائم على الأولاد اتقاء للعين.
والتمائم: كل ما يعلق على الأشخاص، أو الأشياء، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله عز وجل.
عَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» أخرجه أحمد وأبو داود.
2- لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله.
3- التبرك بالأشجار والأحجار والقبور والآثار ونحوها، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله في حصول البركة.
4- التطير: وهو التشاؤم ببعض الطيور، أو الأشخاص، أو البقاع، أو الأشياء ونحو ذلك، وذلك شرك؛ لكونه تعلق بغير الله باعتقاد حصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته، وهو ينافي التوكل.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ عَدْوَىَ وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَة، الكَلِمَةُ الطّيّبَةُ». متفق عليه.
5- السحر: وهو ما خفي ولَطُف سببه.
وهو عبارة عن رقى، وعزائم، وكلام يتكلم به، وأدوية، فيؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض، أو يقتل، أو يفرق بين المرء وزوجه.
والسحر كفر؛ لما فيه من التعلق بغير الله من الشياطين، ولما فيه من ادعاء علم الغيب.
قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].
6- الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع مستقبلاً في الأرض استناداً إلى الشياطين.
والعَرّاف: الذي يدعي معرفة الأمور التي وقعت وذلك شرك؛ لما فيها من التقرب إلى غير الله، ودعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي اختص به.
فمن أتى الكاهن أو العراف لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد.
1- عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ أَتَىَ عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». أخرجه مسلم.
2- وَعن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى محمد صلى الله عليه وسلم» أخرجه أحمد والحاكم.
7- التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية بواسطة النجوم.
كأوقات هبوب الرياح.. ومجيء المطر.. وحدوث الأمراض.. والوفيات.. ومجيء الحر والبرد.. وتغير الأسعار ونحو ذلك.
وذلك شرك؛ لما فيه من نسبة الشريك لله في التدبير، وفي علم الغيب.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ». أخرجه أحمد وأبو داود.
8- الاستسقاء بالنجوم: وهو نسبة نزول المطر إلى طلوع النجم أو غروبه.
كأن يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، فينسب نزول المطر إلى الكوكب لا إلى الله.
فهذا شرك، لأن نزول المطر بيد الله لا بيد الكوكب ولا غيره.
1- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأمَّا مَنْ قال: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ». متفق عليه.
2- وَعَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم.
9- نسبة النعم إلى غير الله: فالنعم كلها من الله، ومن نسبها إلى غيره فهو مشرك.
كمن ينسب نعمة حصول المال أو الشفاء إلى فلان أو فلان، أو ينسب نعمة السير والسلامة في البر والبحر والجو إلى السائق والملاح والطيار.
أو ينسب نعمة حصول النعم، ودفع النقم، إلى جهود الحكومة، أو الأفراد، أو العَلم ونحو ذلك.
فيجب نسبة جميع النعم إلى الله وحده.
وما يحصل على يد بعض المخلوقين إنما هي أسباب قد تثمر وقد لا تثمر، وقد تقع وقد لا تقع.
1- قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [53] ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [54] لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [55]} [النحل: 53- 55].
10- الذبح لغير الله: كمن ذبح للجن، أو الشياطين، أو الأولياء ونحوهم.
فهذا كله من الشرك؛ لأن الذبح عبادة لا يجوز صرفها إلا لله.
ومن ذبح لغير الله فذبيحته حرام؛ لأنها مما أُهل لغير الله به، ولأنها ذبيحة مرتد، فلا يجوز أكلها ولو سمى الله عليها.
والعبد مأمور أن يكون كل عمله لله، كما قاله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [162] لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [163]} [الأنعام: 162- 163].

.حكم الإتيان إلى الكهان:

الإتيان إلى الكهان وأمثالهم له ثلاث حالات:
الأولى: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، أو يستمع إليه من غير أن يصدقه عن طريق القنوات أو الأشرطة ونحوها.
فهذا حرام، وعقوبته أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.
عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ عَنِ النَّبِىِّ؟ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شيء لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» أخرجه مسلم.
الثانية: أن يأتي إليه ويسأله فيصدقه بما يقول.
فهذا كفر والعياذ بالله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى محمد صلى الله عليه وسلم». أخرجه أحمد والحاكم.
الثالثة: أن يأتي إليه فيسأله ليبين للناس حاله ليحذروه.
فهذا لا بأس به كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهمُا أنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقال: أشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقال ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ الله؟ قال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «آمَنْتُ بِالله وَرُسُلِهِ». قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَاذَا تَرَى». قال ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُلِطَ عَلَيْكَ الأمْرُ». قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً». قال ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ». قال عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، ائْذَنْ لِي فِيهِ أضْرِبْ عُنُقَهُ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ». متفق عليه.

.فتنة السحرة والكهان:

الإتيان إلى السحرة والعرافين والكهان من نواقض الإيمان.
وقد ابتلى الله عز وجل العباد، فجعل عند هؤلاء الإصابة في بعض الأحيان، فيغتر الناس بإصابتهم، كل ذلك فتنة وابتلاءً للعباد.
1- قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [35]} [الأنبياء: 35].
2- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ، وَهُوَ السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ». متفق عليه.

.حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين:

الاستغاثة بالأموات والغائبين ودعاؤهم كله من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وهم من جنس عبّاد الأوثان، إنما يعبدون الشيطان.
يتصور لهم الشيطان بصورة المستغاث به، ويخاطبهم مكاشفة، ويقضي بعض حوائجهم، كما تدخل الشياطين في الأصنام، وتكلم عابديها، وتقضي بعض حاجاتهم، فيظن الجاهل أن ذلك كرامة للشيخ.
وهذا من أعظم الأسباب التي عُبدت بها الأوثان.
وكذا الكهان والسحرة تقترن بهم الشياطين؛ لما فيهم من الكفر، والفسوق، والعصيان.
فتظهر منهم الأحوال الشيطانية وتقوى بحسب ذلك، فيطيرون في الهواء، ويخبرون بأمور غائبة، وتأتيهم الشياطين بالأموال والطعام.
فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [5] وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [6]} [الأحقاف: 5- 6].
2- وقال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [221] تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [222] يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [223]} [الشعراء: 221- 223].

.معبود المشركين:

المشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان:
قوم نوح.. وقوم إبراهيم.
فقوم نوح؟ كان أصل شركهم أرضي بالعكوف على قبور الصالحين، ودعاء الله عندها، ثم زين لهم الشيطان فصوروا تماثيلهم، ثم أمرهم بعبادتها.
وقوم إبراهيم؟ كان أصل شركهم سماوي بعبادة الكواكب، والشمس، والقمر، فزين لهم الشيطان اتخاذها شفعاء عند الله، ثم أمرهم بعبادتها.
فكل هؤلاء وهؤلاء.. وكل مشرك.. إنما يعبدون الجن والشياطين، وهم لا يُرون في صورة مخلوق يُرى.
فإن الشياطين تخاطبهم.. وتعينهم على الأشياء.. وتتصور لهم بصورة الآدميين فيرونهم بأعينهم.
والجن كالإنس فيهم المؤمن والكافر، والشياطين يوالون وينفعون مَنْ فعل ما يحبون من الشرك، والكفر، والفسوق، والعصيان.
1- قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ [40] قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [41]} [سبأ: 40- 41].
2- وقال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [60] وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [61] وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [62]} [يس: 60- 62].