فصل: الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.أهل التوحيد:

الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
وهو الذي خلق كل شيء، وبيده أمر كل شيء.
خلق الكائنات وحركاتها.. وخلق العباد وأفعالهم.. فهو الذي وفق العبد للعمل ثم أثابه عليه.. ووفقه للتوبة ثم قبلها منه.. ووفقه للدعاء ثم أجابه.
فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون شيء إلا بإذنه ومشيئته وعلمه.
فلابد للمسلم من العلم بأمرين:
العلم بأن الله وحده تفرد بالخلق والأمر، والهداية والإضلال.
أن ذلك وقع منه سبحانه على وجه الحكمة والعدل لا بالاتفاق.
بل بحكمة اقتضت هدى مَنْ عَلِمَ أنه يزكو على الهدى ويقبله ويثمر عنده، وإضلال مَنْ عَلِمَ أنه لا يزكو على الهدى ولا يقبله ولا يثمر عنده.
فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
لم يطرد عن بابه، ولم يبعد من جنابه من يليق به التقريب والهدى والإكرام، بل طرد من لا يليق به إلا الطرد والإبعاد والإهانة.
فإن قيل: لِمَ خلق من هو بهذه المثابة؟
قيل: لأن خلق الأضداد والمتقابلات من كمال ربوبيته.
كالليل والنهار.. والخير والشر.. والحر والبرد.. والبر والفاجر.. والجنة والنار.. ونحو ذلك.
وكمال التوحيد وتمامه أن يعلم العبد أن الخلق والأمر كله بيد الله لا بيد غيره.
فلا يرى نفعاً ولا ضراً.. ولا حركة ولا سكوناً.. ولا ظلمة ولا نوراً.. ولا قبضاً ولا بسطاً.. إلا ويعلم أن الله خالقه.. وهو مقتضى الحكمة والعدل، والإحسان والرحمة.
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [53]} [الأنعام:53].
وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ [124]} [الأنعام:124].

.فقه التوحيد:

الله تبارك وتعالى هو الرب الحكيم العليم.
له الخلق والأمر كله.. ما شاء الله كان.. وما لم يشأ لا يكون أبداً، يفعل ما يشاء بحكمته.
يعطي ويمنع.. ويعز ويذل.. ويهدي ويضل.. ويسعد ويشقى.. هو الذي جعل المسلم مسلماً، وجعل المصلي مصلياً، وهو الذي جعل هذا يدعو إلى الخير، وذاك يدعو إلى الشر، وله سبحانه في كل ما خلقه وقدَّره:
حكمة بالغة.. ونعمة سابغة.. ورحمة عامة.. وعلم محيط، لا يفعل شيئاً لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته، ورحمته وحكمته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
والله حكيم عليم رحيم، أحسن كل شيء خلقه، والخير كله بيديه، والشر كله ليس إليه، فلا يفعل قط إلا ما هو خير.
وما خلقه الله من الآلام والأمراض، والسيئات والعقوبات، وجهنم وإبليس، فله فيه حكم عظيمة، ونعم جسيمة، وهو سبحانه يستحق الحمد والحب والرضا لذاته وإحسانه.
وهو سبحانه الذي خلق كل شيء، وبيده كل شيء.
خلق النفس وألهمها فجورها وتقواها، وجعل إبراهيم وآله ومن تبعه أئمة يدعون إلى الخير بأمره، وجعل إبليس وفرعون أئمة يدعون إلى النار.
قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [54]} [الأعراف: 54].
وقال الله تعالى في آل إبراهيم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [73]} [الأنبياء:73].
وقال الله تعالى في فرعون وآله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ [41] وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [42]} [القصص:41- 42].

.ما يجب على المسلم:

يجب على المسلم أن يثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته الله ورسوله، وينفى عنه ما نفاه الله ورسوله، ويثبت خلقه وأمره.
فيؤمن بخلقه سبحانه لكل شيء، المتضمن كمال علمه وقدرته ومشيئته ويؤمن بنفوذ أمره في كل شيء، ويؤمن بأمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال.
ويؤمن بشرعه وقضائه وقدره، ويعبد ربه بموجب ذلك.
قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [285]} [البقرة:285].

.ثمرات التوحيد:

.1- ثمرات التوحيد في الدنيا:

الله عز وجل له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولكماله وجماله، وجلاله وكبريائه استحق أن يعبد، ويعبد لما له من الأسماء الحسنى، والصفات العلا، التي تستلزم أن يكون هو المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له، المحبوب غاية الحب لذاته وكماله وإحسانه.
الذي يستحق التعظيم والتكبير والحمد والتسبيح والتقديس لذاته وكماله وجلاله وجماله.
وإذا عَرَفت القلوب ذلك أثمر لها في الدنيا ما يلي:
التوكل على الله وحده.. والإنابة إليه.. والسكون إليه.. والطمأنينة بذكره.. وخوفه ورجائه.. ومحبته وحمده.. وذكره وشكره.. وتعظيمه وإجلاله.. وحسن عبادته.. والأنس به.. والتلذذ بطاعته.. والتسليم لحكمه.. والصبر على ما يحب.. والرضا عنه.. وترك شكاية الخلق ولومهم.. والتوجه إلى الله في كل حال.. وعدم الالتفات إلى ما سواه.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [31] نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [32]} [فصلت:30- 32].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [3]} [الطلاق:2- 3].

.2- ثواب أهل التوحيد في الآخرة:

الله تبارك وتعالى يكرم المؤمنين الموحدين يوم القيامة بسبع كرامات، وهي: دخول الجنة.. ورؤية الرب جل جلاله.. والقرب منه.. ورضاه عنهم.. وسماع كلامه.. والتلذذ بنعيم الجنة.. والخلود في دار النعيم.
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [25]} [البقرة:25].
وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [72]} [التوبة:72].
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ» أخرجه مسلم.

.الباب الثاني: كتاب الإيمان:

ويشتمل على ما يلي:
الإسلام.
أركان الإسلام، وتشمل:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
إقام الصلاة.
إيتاء الزكاة.
صوم رمضان.
الحج.
الإيمان.
أركان الإيمان، وتشمل:
الإيمان بالله.
الإيمان بالملائكة.
الإيمان بالكتب.
الإيمان بالرسل.
الإيمان باليوم الآخر.
الإيمان بالقدر.
الإحسان.
العبادة.

.1- الإسلام:

الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.
والإسلام له معنيان:
عام: وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.
وهذا هو الإسلام والإيمان الذي دعت إليه جميع الأنبياء والرسل.
خاص: وهو أركان الإسلام الخمسة الواردة في شريعتنا.

.2- أركان الإسلام:

الأركان التي بني عليها الإسلام خمسة وهي:

.الأول: الشهادتان:

وهي مركبة من ركنين:

.1- الأول: شهادة أن لا إله إلا الله.

ومعناها: أن يقر الإنسان بقلبه ولسانه أنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، وأن ما سواه من المعبودات فألوهيتها باطلة، وعبادتها باطلة.
ولا إله إلا الله مشتملة على ركنين:
لا إله نفي جميع ما يعبد من دون الله.
إلا الله إثبات العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ربوبيته وخلقه وملكه.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [30]} [لقمان:30].

.2- الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله.

ومعناها: أن يقر الإنسان بقلبه ولسانه أن محمداً رسول الله، فيطيعه فيما أمر.. ويصدقه فيما أخبر.. ويجتنب ما نهى عنه وزجر.. ولا يعبد الله إلا بما شرع.
وشهادة أن محمداً رسول الله تتضمن ما يلي:
الإيمان به.. اليقين التام بأنه رسول الله حقاً للعالمين.. وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.. وأن كتابه القرآن آخر الكتب المنزلة.. وأن شريعته ناسخة للشرائع قبلها.. وأن محمداً عبد الله ورسوله.. عبد لا يُعبد.. ورسول لا يُكذب..
فتجب محبته، وطاعته، ونصرته، وتحكيم شرعه، والرضا بما جاء به، والتسلم والانقياد لجميع ما جاء به، وعدم الالتفات إلى غير ما جاء به.
قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [65]} [النساء:65].
وقال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [158]} [الأعراف: 158].

.الثاني: إقام الصلاة:

وهي الصلوات الخمس المفروضة على كل مسلم ومسلمة.
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [103]} [النساء: 103].

.الثالث: إيتاء الزكاة:

وهي الزكاة الواجبة في الأموال.
قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [103]} [التوبة: 103].

.الرابع: صوم شهر رمضان:

وهو صوم رمضان في كل عام.
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [185]} [البقرة: 185].

.الخامس: حج بيت الله الحرام:

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].
فهذه أركان الإسلام الواجبة على كل مسلم ومسلمة.
فالشهادتان على الدوام.. والصلاة في كل يوم وليلة في أوقاتها.. والزكاة على من ملك النصاب في كل عام.. والصوم في كل سنة شهر.. والحج في العمر مرة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُول الله: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه.

.3- مراتب الدين:

الدين ثلاث مراتب هي:
الإسلام والإيمان والإحسان.
وكل مرتبة لها أركان.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ- رضي الله عنه- قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ الله: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا». قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ.
قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قال: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِل». قال: فَأخْبِرْنِي عَنْ أمَارَتِهَا. قال: «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وَأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ، العَالَةَ، رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ». قال ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً. ثُمَّ قال لِي: «يَا عُمَرُ! أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» أخرجه مسلم.

.الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان:

الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا قُرن الإسلام بالإيمان كما في حديث جبريل، فالمقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة، وهي أركان الإسلام الخمسة، والمقصود بالإيمان الأعمال الباطنة، وهي أركان الإيمان الستة، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [85]} [آل عمران:85].
وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [10]} [الحجرات:10].
الإسلام والإيمان متلازمان كالروح والبدن، فكما أن الإنسان مركب من بدن وروح، فكذلك الدين مركب من الإسلام والإيمان، فلا إسلام بلا إيمان، ولا إيمان بلا إسلام.
قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ [1] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [2] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [3]} [العصر:1- 3].
الإسلام أعم من جهة أهله، والإيمان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام.
فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً.
الإحسان أعم من الإيمان، والإيمان أعم من الإسلام، ولكل منهما عموم وخصوص.
فالإحسان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإيمان، والإيمان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإسلام.
والإحسان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإحسان طائفة من أهل الإيمان، وأهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام، فكل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسناً.
الإسلام هو الاستسلام لله وحده، وفعل الطاعات الظاهرة، والإيمان هو التصديق بالغيب، وفعل الطاعات الباطنة، وهذا قدر زائد.

.درجات الإسلام والإيمان:

مَنْ فعل ما أمره الله، واجتنب ما نهاه عنه، فقد استكمل الإيمان والإسلام الواجب عليه.
ومن ترك شيئاً من ذلك نقص من إسلامه وإيمانه بقدر ذلك، فمن نقص من الصلاة والزكاة والصوم والحج نقص من إسلامه بحسب ذلك، والنقصان في الإيمان يكون في الإيمان الذي في القلوب من المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ونقص الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
فإذا زاد الإيمان زادت الطاعات، وإذا نقص الإيمان زادت المعاصي، فالإيمان والإسلام لكل منهما مبدأ وكمال.. وظاهر وباطن.. وقوة وضعف.. وطعم وحلاوة.
الإسلام يتناول من أتى بالإسلام الواجب، وما يلزمه من الإيمان، ولم يأت بالإيمان الواجب.
ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن، لكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا، ولا من هذا، وهم الفساق يكون في أحدهم شعبة نفاق أو أكثر.
ويتناول من أظهر الإسلام وليس معه شيء من الإيمان، وهو المنافق المحض.
فهذا تثبت له أحكام الإسلام في الدنيا لعدم معرفة ما في قلبه، لكنه في الآخرة في الدرك الأسفل من النار.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [2] الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [3] أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [4]} [الأنفال: من 2- 4].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [145]} [النساء:145].