فصل: منزلة العبد عند الخلق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.أمهات العلوم:

أمهات العلوم ثلاث:
معرفة النفس.. ومعرفة الرب.. ومعرفة الدين.
فمعرفة النفس تكون عن طريق الذي خلقها وصورها.
ومعرفة الرب بآياته ومخلوقاته، والنظر في ملكوت السماوات والأرض.
ومعرفة الدين تكون بواسطة الرسل الذين بعثهم الله إلى عباده، فإذا عرف الإنسان نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة.. وإذا عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغنى.. وإذا عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالعلم.. وهكذا.
إذا عرف ربه بالعدل عرف نفسه بالظلم.. وإذا عرف ربه بالقوة عرف نفسه بالضعف.. وإذا عرف ربه بالعزة عرف نفسه بالذلة.
فلله صفات الكمال المطلق، وللعبد صفات النقص المطلق.
وإذا عرف الإنسان ربه بالجلال والجمال والكمال آمن به وأطاعه واتبع شرعه، وتقرب إليه بما يحب.
قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [19]} [محمد: 19].
وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [5]} [البيِّنة: 5].

.مكانة الإنسان:

لقد أكرم الله بني آدم، وعظَّم حرمة المسلم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه، وذِكْر الله بما لا ينبغي؛ حفظاً لنفسه، وأوجب الحد بقذفه، والقطع بسرقته، وأباح له المحرم عند الضرورة، وأنزل إليه الكتب، وأرسل إليه الرسل، وأطعمه من جوع، وسقاه من عطش، ورزقه وهداه، وزوده بالسمع والبصر والعقل.
إن رباً هذه صفاته، وهذا إحسانه، لحقيق أن تعظَّم شعائره، وتوقر أوامره.
أيحسن مع هذا الإكرام أن يرى الرب عبده عاصياً لأمره، معرضاً عن دينه، مطيعاً لعدوه.
بينما هو بحضرة الحق والملائكة سجود له، تترامى به الأحوال والجهالات، فيوجد ساجداً لصنم من حجر، أو شجر، أو مخلوق.
لا يليق بهذا الإنسان الكريم على ربه أن يُرى إلا عابداً لله في الدنيا، مجاوراً له في دار الجزاء، وما بين ذلك فهو واضع نفسه في غير موضعها.
قال الله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [76]} [المائدة: 76].
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [21] الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [22]} [البقرة: 21- 22].

.منزلة العبد عند الخلق:

العبد كلما كان أذل لله، وأعظم افتقاراً إليه، كان أقرب إليه، وأعزّ له، وأعظم لقدره.
والرب أكرم ما تكون عليه أحوج ما تكون إليه، فكلما سألته زاد قدرك ومحبتك عنده.
والخلق أهون ما يكون عليهم أحوج ما يكون إليهم، وأعظم ما يكون العبد قدراً عند الخلق إذا لم يحتج إليهم.
فإنْ أحسن إليهم مع الاستغناء عنهم كان أعظم ما يكون عندهم.
ومتى احتاج إليهم ولو في شربة ماء نقص عندهم بقدر حاجته إليهم.
وهذا من حكمة الله ورحمته؛ ليظل العبد دائماً واقفاً بباب مولاه العزيز الكريم، ولا يذل نفسه لمخلوق مثله أو دونه.
قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]} [البقرة: 186].
وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].

.الغاية من الخلق والأمر:

المقصود من إظهار الخلق والأمر في العالم العلوي، والعالم السفلي، أن يعرف الناس ربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإذا عرفوه عبدوه وحده لا شريك له بما شرعه لهم من الدين، وهو القسط الذي أرسل الله به رسله إلى خلقه.
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [12]} [الطلاق: 12].
وقال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

.حاجة الأمة للدين:

أعظم حاجات البشر معرفة الدين الحق، والعمل به.
ولا بقاء ولا سعادة لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم.
فإذا درست آثار الرسل من الأرض، وزالت بالكلية، دمر الله وأنهى العالم العلوي والسفلي، وأقام القيامة، وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسل والهدى الذي جاؤا به كحاجتهم إلى الشمس، أو الهواء، أو الماء، أو الطعام؛ بل هي أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يخطر بالبال.
فالرسل رحمة من الله لعباده.. جعلهم الله وسائط بينه وبين خلقه في أمره ونهيه.. وسفراء في دينه وشرعه.
قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [164]} [آل عمران: 164].
وقال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [17]} [الحُجُرات: 17].

.أصل العبادة:

الله عز وجل غني كريم، وله ملك السماوات والأرض، وهو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد، القادر الذي لا يستعين بأحد، الخالق الذي خلق كل شيء، المالك الذي يملك كل شيء.
أمرنا الله بشكره لا لحاجته إليه، ولكن لننال به المزيد من فضله.
وأمرنا بذكره سبحانه ليذكرنا بفضله وإحسانه فنسأله.
وأمرنا بسؤاله ليعطينا، بل أعطانا أجلّ العطايا بلا سؤال.
وأمرنا بالتوكل عليه والاستعانة به وحده حتى لا يذلنا لأحد سواه.
وأرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتب، ليسعدنا في الدنيا والآخرة.
ولكن أكثر الناس لا يعرف ربه، ومن ثم لا يشكره، ولا يطيع أمره، لأنه لا يعرفه، ولا يعرف فضله وإحسانه.
والإنسان بدون الإيمان ظلوم كفار، إنْ أنعم الله عليه بالعافية والمال والجاه استعان بنعمه على معاصيه، وإن سلبه ذلك ظل ساخطاً على ربه، شاكياً له على خلقه.
لا يصلح له على عافية ولا على بلاء.. العافية تلقيه في مساخطه.. والبلاء يدفعه إلى كفرانه، وشكايته على خلقه.
والله دعاه إلى بابه فما وقف عليه، وأرسل إليه رسوله يدعوه إلى ما يسعده في دنياه وأخراه فعصاه، وحذره من عدوه الشيطان فأطاعه، ودعاه إلى دار كرامته فاشتغل عنها بدنياه.
ومع هذا لم يؤيسه من رحمته، بل قال متى جئتني قبلتك، ومتى استغفرتني غفرت لك، رحمتي سبقت غضبي، وعفوي سبق عقوبتي.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [15]} [فاطر: 15].
وقال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [152]} [البقرة: 152].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [60]} [غافر: 60].
وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [53]} [الزُّمَر: 53].

.حق الله على العباد:

حق الله على أهل السماوات والأرض أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
بأن يطاع فلا يُعصى.. ويُذكر فلا يُنسى.. ويُشكر فلا يُكفر.
فهو سبحانه أحق من عُبد، وأجود من سُئل، وأرحم من ملك، وأكرم من أعطى، وأعدل من حكم، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وهو الغفور الرحيم.
فمَنْ مِنْ أهل الأرض لم يصدر منه خلاف ما خُلق له.
إما عجزاً.. وإما جهلاً.. وإما تفريطاً.. وإما غلواً.. وإما إعراضاً.
لهذا فلو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم؛ لأنهم ملكه، وهم عبيده، والمالك يتصرف في ملكه بما شاء.
ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [91]} [النمل: 91].
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ الله، عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، قال: فَقَالَ «يَا مُعَاذُ! تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله؟» قال قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «فَإِنَّ حَقَّ الله عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ أنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قال قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أفَلا أبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا». متفق عليه.

.طريق العبودية:

الدين يقوم على أصلين عظيمين:
عبادة الله وحده لا شريك له.. وعبادته سبحانه بما شرعه رسوله؟.
وعبادة الله عز وجل مبنية على أصلين عظيمين:
حب كامل لله عز وجل.. وذل تام له.
وهذان الأصلان مبنيان على أصلين عظيمين:
الأول: مشاهدة منة الله، وفضله، وإحسانه، ورحمته التي توجب محبة العبد له.
الثاني: مطالعة عيب النفس، وتقصيرها، وغفلتها، وعجزها، وفقرها، وسوء عملها الذي يورث الذل التام لله عز وجل.
وأقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه باب الافتقار إلى ربه.
فلا يرى نفسه إلا مفلساً.. ولا يرى ربه إلا ملكاً غنياً.. قادراً رحيماً.. فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً.. ولا سبباً يتعلق به.. ولا وسيلة يمنّ بها.
بل يشهد ضرورته كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه خسر وهلك.
قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [53]} [النحل: 53].
وقال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [18]} [النحل: 18].
وقال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ [73]} [النمل: 73].

.العبادة المقبولة:

العبادة حق الله على خلقه، وفائدتها تعود عليهم.
فمن عبد الله وحده بما شرع فهو مؤمن، وعبادته مقبولة.
ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع، وعبادته مردودة.
ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك، وعبادته مردودة.
ومن عبد غير الله فهو كافر، وعبادته مردودة.
ومن عبد الله في الظاهر، وكفر به في الباطن، فهو منافق، وعبادته مردودة.
قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [110]} [الكهف: 110].
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [65] بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [66]} [الزُّمَر: 65- 66].
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [145]} [النساء: 145].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه.

.أصول العبادة:

أصول العبادة التي أمر الله عباده بها هي:
أن تكون العبادة خالصة لله عز وجل.
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [5]} [البيِّنة: 5].
أن يشرعها الله عز وجل.
قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [18] إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [19]} [الجاثية: 18- 19].
أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله؟.
قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [7]} [الحشر: 7].
أن تكون العبادة قائمة على محبة الله، وتعظيمه، والذل له، وخوفه ورجائه.
قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [90]} [الأنبياء: 90].
أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها.
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [103]} [النساء: 103].
وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
أن يقوم بالعبادة من البلوغ إلى الوفاة.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [97] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [98] وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [99]} [الحِجر: 97- 99].

.أحوال العباد في العبادات:

العبادات المأمور بها شرعاً لها ثلاثة أحوال:
حال السابق: وهو من أتى فيها بالواجب والمستحب.
حال المقتصد: وهو من أتى فيها بالواجب فقط.
حال الظالم لنفسه: وهو مَنْ نقص من الواجب فيها.
والنقص من الواجب نوعان:
نوع يبطل العبادة كنقص ركن من أركان الطهارة، أو الصلاة ونحوهما.
ونوع لا يبطل العبادة، ولكن ينقصها، كنقص واجبات الصلاة، أو الحج، إذا تركها سهواً.
والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين:
الأول: العلم بما أنزل الله.. والثاني: القدرة على العمل به.
فأما العاجز عن العلم كالمجنون، والعاجز عن العمل كالمخرِّف فلا أمر عليه ولا نهي.
قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [32] جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [33]} [فاطر: 32- 33].
وقال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [15]} [الإسراء: 15].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». أخرجه أبو داود والنسائي.

.أقسام الناس في الدنيا:

البشر في الدنيا أربعة أقسام:
قسم خلقهم الله لعبادته وجنته، وهم الأنبياء والرسل وأتباعهم، وهؤلاء أفضل الخلق.
وقسم خلقهم الله لعبادته وناره، وهم المراؤن بأعمالهم كالمنافقين.
وقسم خلقهم الله لجنته لا لعبادته كمن مات وهو طفل.
وقسم خلقهم الله لمعصيته وناره كإبليس وفرعون ونحوهما ممن مات كافراً.

.كمال العبودية:

تكمل العبودية لله بأربعة أمور:
الأول: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
الثاني: أعمال القلوب كالمحبة والخوف والرجاء واليقين والتوكل ونحوها.
الثالث: أعمال الجوارح بامتثال أوامر الله حسب سنة رسول الله؟.
الرابع: حسن الخلق: مع الخالق بلزوم العبادة والطاعة، ومع المخلوق بالنصح له، والإحسان إليه.
وأشرف أهل الأرض عبوديةً الأنبياء والرسل؛ لكمال معرفتهم بالله وما يجب له.
وكل عبد يتقلب بين ثلاثة أمور:
نعم من الله تترادف عليه، فواجبه فيها الحمد والشكر.
وذنوب اقترفها، فواجبه فيها الاستغفار والتوبة.
ومصائب يبتليه الله بها، فواجبه فيها الصبر.
ومن قام بواجب هذه الثلاث فقد أكمل العبودية، وله السعادة في الدنيا والآخرة.
ولله على كل عبد عبوديتان:
عبودية في السراء.. وعبودية في الضراء.. وعبودية فيما يحب.. وعبودية فيما يكره.
وأكثر الناس يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن إعطاء العبودية في المكاره.
فالوضوء بالماء البارد في الصيف عبودية، والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية.. والصبر عن المعاصي عبودية، والصبر على الجوع عبودية، ولكن فرق بين العبوديتين.
فمن كان قائماً لله بالعبوديتين في حال السراء والضراء، وحال المحبوب والمكروه، فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وليس لعدوه سلطان عليه.
والله عز وجل يريد من الإنسان تكميل محبوباته وهي أوامره سبحانه، والنفس تريد من الإنسان تكميل محبوباتها وهي الشهوات.
والله يريد منا العمل للآخرة، والنفس تريد العمل للدنيا.
وكمال العبودية بحمل النفس على الإيمان والأعمال الصالحة.
وتكميل ما يحب الرب في الدنيا، ليكمل للإنسان ما يحب في الآخرة.
قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [2] وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [3]} [العنكبوت: 2- 3].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [31] نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [32]} [فُصِّلَت: 30- 32].