فصل: 3- جميع الأنبياء والرسل بشر مخلوقون.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.صفات الأنبياء والرسل:

.1- جميع الأنبياء والرسل رجال من البشر:

اجتباهم الله واصطفاهم على سائر الناس، وفضّلهم بالنبوة والرسالة، وجمّلهم بأحسن الأخلاق.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [43]} [النحل:43].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [33]} [آل عمران:33].
وقال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [4]} [القلم:4].

.2- جميع الأنبياء والرسل أفضل الخلق إيماناً وعلماً:

وعملاً وتعبداً، وأخلاقاً وتواضعاً، فقد وصف الله سيدهم وأفضلهم بالعبودية والرحمة في كتابه.
قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [1]} [الفرقان:1].
وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [107]} [الأنبياء:107].

.3- جميع الأنبياء والرسل بشر مخلوقون.

يأكلون.. ويشربون.. وينسون.. وينامون.. ويمرضون.. ويموتون.
وهم كغيرهم من البشر لا يملكون شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من الأمر شيء.
فلا يملكون النفع والضر لأحد إلا ما شاء الله، ولا يملكون شيئاً من خزائن الله جل جلاله، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه.
لكنهم قدوة البشر في الإيمان، والطاعة، والعبادة، والعمل الصالح، والخلق الحسن.
قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [188]} [الأعراف:188].
وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [50]} [الأنعام:50].
وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب:21].

.4- الأنبياء والرسل أطهر البشر قلوباً:

وأصدقهم إيماناً، وأقواهم عبادة، وأذكاهم عقولاً، وأحسنهم أخلاقاً، وأكملهم ديناً، وأقواهم صبراً، وأشدهم بأساً، وأعظمهم رحمة، وأكملهم أجساماً، وأحسنهم صورة، وأصدقهم حديثاً.
قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [159]} [آل عمران:159].
وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [29]} [الفتح: 29].

.خصائص الأنبياء والرسل:

خص الله الأنبياء والرسل بخصائص أهمها:

.1- أن الله اصطفاهم بالوحي والرسالة.

قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [75]} [الحج:75].
وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [163]} [النساء: 163].

.2- أنهم معصومون فيما يبلغونه للناس من الدين.

قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى [1] مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [2] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [3] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [4] عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [5]} [النجم:1- 5].

.3- أنهم لا يورثون بعد موتهم.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أنَّ أزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله، أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ألَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ الله: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». متفق عليه.

.4- أنها تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم.

عَنْ أنَسَ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- في قصة الإسراء- وفيه: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأنْبِيَاءُ تَنَامُ أعْيُنُهُمْ وَلا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. متفق عليه.

.5- أنهم يخيرون عند الموت بين الدنيا والآخرة.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». متفق عليه.

.6- أنهم يقبرون حيث ماتوا.

عَنْ أَبي بَكْرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «لَنْ يُقْبَرَ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ يَمُوتُ» أخرجه أحمد.

.7- أنهم أحياء في قبورهم يصلون.

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله: «لَقَدْ رَأيْتُنِي فِي الحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْألُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَألَتْنِي عَنْ أشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ لَمْ أثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قال: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) فَحَانَتِ الصَّلاةُ فَأمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأنِي بِالسَّلامِ» أخرجه مسلم.

.8- أن أزواجهم لا تنكح من بعدهم.

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [53]} [الأحزاب: 53].

.9- أن الله يرسل الأنبياء والرسل من الرجال لا من النساء.

قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [43]} [النحل:43].

.إلى من بعث الله الأنبياء والرسل:

بعث الله جميع الأنبياء والرسل السابقين إلى أقوامهم خاصة.
وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، والعالم أجمع.
فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم، وأرسله الله رحمة للعالمين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وقال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [7]} [الرعد:7].
وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [28]} [سبأ:28].
وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [107]} [الأنبياء:107].

.الأصول التي دعا إليها الأنبياء والرسل:

جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالتوحيد الخالص... الذي لا ظل فيه للشرك في صورة من صوره، وأمروا الناس بعبادة الله وحده.. وأخبروا أممهم أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه.. ولا يملكون بسط الرزق لأحد.. ولا قبض الرزق عن أحد.
وأنذروا قومهم الآخرة، ورغَّبوهم في الجنة.. وحذروهم من النار.. وأمروهم بطاعة الله.. ونهوهم عن معصية الله.. ودعوا إلى مكارم الأخلاق.
فهذه الأصول التي دعا إليها كل رسول من رسل الله إلى عباده.
قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [151]} [الأنعام:151].
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36].

.حاجة البشرية إلى الأنبياء والرسل:

الأنبياء والرسل هم مصابيح الدجى، وينابيع الهدى في هذه الأرض، فهُدى الله للبشر جاء بواسطتهم.
وما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا، وما أنزل الله الكتب إلا ليُحكم بها بين الناس، ليُعبد الله وحده، ويكون الدين كله لله.
وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وإحسانه، فما كان الله ليخلق بني آدم، ويجمعهم في الأرض، ثم يتركهم سدى، ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث إليهم رسولاً يبين لهم ما يتقون، وينزل عليهم كتاباً به يرشدون.
بل مَنَّ الله على البشرية كافة ببعثة الأنبياء والرسل إليهم كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [164]} [آل عمران:164].

.حاجة الإنسان إلى الدين:

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وخلق فيه العين يبصر بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأصوات، والعقل يستفيد به من طاقات الأرض التي سخرها الله له، ويميز به بين البدائل الممكنة، وما كان الله ليدع هذا الإنسان وحده بدون منهج يعتمد عليه، ومبادئ يرجع إليها في أقواله وأفعاله، فالعقل لا يستقل بمعرفة ما ينفعه وما يضره، وتسيطر عليه رغباته وشهواته.
وليس العقل موكلاً بصياغة نظام للحياة، فهذا مجال الدين والشريعة التي تأتي من الله بواسطة رسله، فيؤمن بها، ويتبع ما جاءت به.
ومن ثم لا يكل الله الإنسان إلى العقل وحده، ولا إلى ما أودع في فطرته من معرفة ربه، ولجوئه إليه في الشدائد.
فهذه الفطرة قد تفسد بسبب الإغواء والتضليل والتزيين الذي يقوم به شياطين الإنس والجن.
إنما يكل الله الناس إلى وحيه المنزل على رسله، الذي كله هدى ورحمة وشفاء، يكمل به فطرتهم، ويصحح به عقولهم، ويجلو به غاشية الظلام الذي أصابهم.
قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [104]} [الأنعام:104].
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [170]} [النساء:170].

.ثمرات الإيمان بالأنبياء والرسل:

معرفة الأنبياء والرسل، والإيمان بهم، له ثمرات:
منها: معرفة كمال رحمة الله بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يأمرونهم بعبادة الله وحده، ويبينون لهم كيف يعبدونه.
ومنها: حمد الله وشكره على هذه النعمة.
ومنها: محبة الرسل، وتصديقهم، والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله آمنوا بالله، وقاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [2]} [الجمعة:2].
وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [128]} [التوبة:128].
وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين». متفق عليه.

.فقه الإيمان بالأنبياء والرسل:

أكرم الله آدم عليه السلام بكرامات:
فخلقه سبحانه بيده... ونفخ فيه من روحه.. وأسجد له ملائكته.. وأسكنه جنته.. وجعله خليفة في الأرض.
وأكرم الله بني آدم بكرامات:
ففطرهم على التوحيد، ووهبهم العقول والأسماع والأبصار، وجعل منهم الأنبياء والرسل، وأرسلهم إلى خلقه بالدين، واصطفى الله هؤلاء الأنبياء والرسل، وجعلهم أئمة الناس في الخير والهدى، وحسن العبادة، وحسن الخلق.
والإيمان بالأنبياء والرسل ليس فقط اعتقاداً بالقلب، بل هو مع ذلك عمل إيجابي في تنفيذ جميع ما جاءوا به، وفيما وقفوا حياتهم كلها من أجله، وهو إبلاغ رسالة الله إلى عباده.
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ودينه وشرعه مقتضاه أن ينهض المؤمن لينصر ما آمن به، وليقيمه في الأرض، وليحققه في حياة الناس كافة.
والشرائع السابقة أكملها الله بالإسلام، ورسول الله جاء ليكمل اللبنة الناقصة في البناء الإيماني، ليكمل البناء، ويكون صالحاً مفتوحاً لكل فرد من البشرية إلى يوم القيامة.
فما أعظم فضل الرب على الناس.. وما أعظم رحمته بهم... وما أعظم عنايته بهم.. وتودده إليهم.
يرسل إليهم رسولاً بعد رسول، ويهديهم بكتاب بعد كتاب، حتى أكمل الله الدين، وبعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
إن مصائر البشرية كلها في الدنيا والآخرة منوطة بالرسل، وبأتباعهم من بعدهم، وهي أمانة عظيمة ثقيلة جسيمة كبيرة، إنها أمانة إبلاغ رسالة الله إلى خلقه، والتي عليها مدار سعادتهم وشقاوتهم في الدنيا والآخرة.
ولهذا قام بها الأنبياء والرسل على أكمل وجه، وبذلوا كل ما يملكون من أجل وصول الحق إلى الخلق، والله يعينهم ويحفظهم وينصرهم، لمحبته لعباده، ورحمته لهم، وشدة عنايته بهم.
فكم أرسل الله من الأنبياء والرسل إلى البشرية..؟
وكم من رسالة حملوها إلى ذرية آدم.. عليه السلام؟
وكم بذلوا من الأوقات والأموال والأنفس في سبيل إبلاغ دين الله إلى الناس..؟
وكم تركوا من الديار والأهل والأموال والشهوات من أجل أن يكون الدين كله لله...؟
وكم تعرضوا للسب والشتم والقتل وهم يبلغون رسالات الله..؟
وكم صبروا على الأذى والظلم، والافتراء والتكذيب، والاستهزاء والسخرية من أقوامهم..؟
وكم وقفوا بين يدي ربهم ركعاً وسجداً وبكيًّا..؟
وكم أحسنوا إلى الناس..؟
وكم رحموا من أهل الأرض؟
وكم من البشرية هداهم الله على أيديهم..؟
فنالوا رضوان ربهم.. وبلغوا رسالات الله.. وفازوا بأعلى الجنان.
ثم مضى هؤلاء الأنبياء والرسل من أول الرسل نوح عليه السلام، إلى خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبقي هذا الواجب العظيم الثقيل على من بعد محمد صلى الله عليه وسلم من المؤمنين برسالته.
ولا فكاك أبداً من هذه التبعة الثقيلة إلا بإبلاغ رسالة الله على ذات المنهج الذي بلَّغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين للناس كافة.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [70]} [الإسراء:70].
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [36]} [النحل: 36].
وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [3]} [المائدة: 3].
وقال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [108]} [يونس:108].
وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [52]} [إبراهيم:52].

.2- محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.نسبه صلى الله عليه وسلم:

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه آمنة بنت وهب، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة.
عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» أخرجه مسلم.