فصل: باب الصلح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اختلاف الأئمة العلماء



.باب الصلح:

اتفقوا على أن من علم أن عليه حقا فصالح على بعضه لم يحل لأنه هضم للحق.
ثم اختلفوا فيما إذا لم يعلم أن قبله ما يدعيه عليه خصمه فأنكر ذلك، فهل يجوز أن يصالح عليه؟
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يصح.
وقال الشافعي: لا يصح.
وكذلك اختلافهم في الصلح مع السكوت.
واختلفوا في الصلح عن المجهول.
فأجازه أبو حنيفة ومالك وأحمد، ومنعه الشافعي.

.باب التنازع في الجدار:

واختلفوا فيما إذا تنازع نفسان في جدار بين دار لهما هل يحكم به منها لمن إليه الدواخل والخوارج وهو صحاح الإجراء ومعاقد القمط أم لا؟
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يحكم بذلك ويكون بينهما.
وقال مالك: إذا كان لأحدهما تأثير يشهد العرف بأنه فعله المالك حكم له به مع يمينه وذلك كمعاقد القمط والرباط ووجوه الإجراء.
واختلفوا فيما إذا تنازع رجلان جدارا بين دارين لأحدهما عليه جذوع هل يحكم به لمن له عليه الجذوع أو يكون بينهما.
فقال أبو حنيفة: إن كان عليه ثلاث جذوع فصاعدا، أو جذعان رجحت دعواه بذلك وقضى له به، وإن كان له عليه جذع واحد لم يرجح وهو بينهما.
وقال مالك: يرجح دعوى صاحب الخشب ويقضي له به سواء كان قليلا أو كثيرا، ولو كان له جذع واحد رجحت دعواه.
وقال الشافعي وأحمد: لا تأثير لصاحب الخشب ولا ترجح دعواه على الإطلاق، والحائط بينهما مناصفة.
واختلفوا فيما إذا كان السفل لواحد والعلو لآخر، وبينهما سقف فتداعياه.
فقال مالك وأبو حنيفة: السقف لصاحب السفل، ولصاحب العلو حق السكنى عليه.
وقال الشافعي وأحمد: هو بينهما نصفين.
واختلفوا فيما إذا كان السفل لواحد، والعلو لآخر فانهدم السفل، فهل يجبر صاحب السفل على بناء المهدم بحق صاحب العلو أم لا؟
هكذا اختلافهم فيما إذا كان بين رجلين جدار فسقط فطالب أحدهما الآخر ببنائه فامتنع، وكذلك إذا كان بينهما دولاب فانهدم أو قناة أو نهر فتعطل، أو بئر فنسفت.
فقال أبو حنيفة: يجبر على البناء في النهر والدولاب والقناة والبئر، فأما في الجدار وصاحب العلو والسفل فلم يجبر الممتنع منها على الإنفاق، ويقال للآخر: إن شئت فابن وأمنعه من الانتفاع حتى يعطيك قيمة البناء.
وقال مالك بالإجبار على البناء لمن امتنع منه في النهر والدولاب والقناة والبئر كأبي حنيفة وكقوله في المنفق منع من لم ينفق من الانتفاع حتى يعطيه قيمة بنائه.
واختلف قوله في الجدار المشترك على روايتين إحداهما: أنه يجبر الممتنع، والأخرى: لا يجبر الممتنع، وإذا اختلفا قسمت عرضة الجدار بينهما.
وقال في صاحب السفل والعلو: يلزم صاحب السفل بإصلاحه ولم شعثه وبنائه إذا انهدم، ولصاحب العلو حق الجلوس عليه.
وللشافعي قولان: القديم منهما يجبر الممتنع في جميع المسائل المذكورة، والجديد منهما: لا يجبر الممتنع. وإذا بنى أحدهما كان للذي لم يبن الانتفاع وليس لمن بنى منعه منه.
وقال أحمد: يجبر الممتنع منهما على الإنفاق في جميع الحالات إلا مسالة صاحب العلو مع صاحب السفل رواية واحدة، فإن لم ينفق منعه المنفق من الانتفاع حتى يعطيه قيمة البناء أو قدر حصته من النفقة على روايتين في هذا المعنى خاصة، وأما صاحب العلو والسفل فعنه ثلاث روايات، إحداهن: يجبر الذي له السفل على البناء منفردا بنفقه جميعه، والرواية الثانية: يجبر صاحب السفل على الإنفاق، مشاركا لصاحب العلو فيه، والثالثة: لا يجبر صاحب السفل على الإنفاق، ولكن إن أنفق كان له منع صاحب العلو من الانتفاع حتى يعطيه بقدر حصته من النفقة.

.كتاب التصرف في الطرقات:

اختلفوا في جواز إخراج الرجل من ملكه إلى الطريق الأعظم جناحا أو ميزابا أو مظلة أو يبني فيه دكانا ينتفع به.
فقال أبو حنيفة: له فعل ذلك كله ما لم يضر بالمسلمين ولرجل من بعض الناس أن يبطله ولا ضمان على المبطل.
وقال الشافعي ومالك: له ذلك ما لم يضر بالمسلمين وليس لأحد من الناس منعه وإن منعه لم يلزمه لامتناع على الإطلاق سواء كان فيه ضررا أو لم يكن.
واتفقوا على أن الطريق لا يجوز تضييقها.
واختلفوا في الجار هل يجوز أن يضع خشبة على جدار جاره؟
فقال أبو حنيفة: ليس ذلك له على الإطلاق.
وقال مالك والشافعي في الجديد: يستحب له أن لا يمنعه فإن شدد ومنع لم يحكم عليه.
وقال الشافعي في القديم وأحمد: له أن يضع خشبة على جدار جاره إذا كان لا يضر به، ولا يجد بدا من ذلك مثل أن يكون الموضع له أربعة حيطان. ثلاثة منها لجاره وواحد له فأما إن كان له حائطان فليس له ذلك.
وانفرد أحمد بأنه إذا امتنع من ذلك مع الصفة التي شرطا ما ألزمه الحاكم بذلك، وقد تقدم في الصحيح حديث أبي هريرة حجة الجواز.
واتفقوا على أن للرجل التصرف في ملكه إذا لم يضر بالجار ثم اختلفوا فيما إذا كان تصرفه يضر بجاره.
فأجازه أبو حنيفة والشافعي، ومنع منه مالك وأحمد في الأظهر من الروايتين عنه.
ومثال ذلك أن يبني حماما أو مقصرة أو يحفر بئرا مجاورة لبئر شريكه تنقصها من مائها أو نحو ذلك.
واتفقوا على أن الرجل المسلم له أن يعلى بناه في ملكه ولا يحل له أن يتطلع على عورات جيرانه، فإن كان سطحه أعلى من سطح غيره فهل يلزم بناء ستره تحجر عن النظر لمن عساه ينظر.
قال مالك وأحمد: يجب عليه بناء سترة تمنعه من الإشراف على جاره.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يلزمه ذلك.
وقال أبو الليث السمرقندي من الحنفية وغيره منهم يلزمه ذلك.
واتفقوا على أن الحائط المشترك بين اثنين ليس لأحدهما التصرف فيه دون شريكه.
واتفقوا على أن من له حق في إجزاء ماء على سطح غيره أن نفقة السطح على صاحبه.

.باب الحوالة:

اتفقوا على جواز الإحالة، وقال اللغويون: الحوالة تحول الحق من قولك: تحول فلان من داره.
واتفقوا على براءة ذمة المحيل إذا كان للحيل على المحال عليه دين ورضي المحتال والمحال عليه.
وقال مالك: إنما يستثنى صحة هذا الباب وهو الحوالة مما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو بيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين فكان هذا مستثنى من ذلك كما استثنيت العرايا من بيع الثمر بالرطب. ثم اختلفوا إذا لم يرض المحتال.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يعتبر رضاه.
وعن أحمد روايتان، إحداهما: لا يعتبر رضاه، والأخرى: يعتبر كمذهب الباقين.
واختلفوا في رضا المحال عليه هل يعتبر؟
فقال أبو حنيفة: يعتبر رضاه.
وقال مالك: إن كان عدوا له اعتبر رضاه، وإلا لم يعتبر.
وقال الشافعي وأحمد: لا يعتبر على الإطلاق.
واختلفوا فيما إذا نوى المال المحال به بجحود المحال عليه أو فلسه، فهل يرجع على المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا أو حجر الحق وحلف ولم يكن للمحتال بينة.
وقال مالك: إذا كان المحال عليه مليا في الظاهر، ولا يعلم المحيل منه فلسا، فإنه يصير المحتال كالقابض. فلا يرجع على المحيل بحال وإن كان المحال عليه مفلسا وقت الحوالة، والمحيل عالما بذلك فما راب صاحب الحق من ذمة المفلس فإنه يرجع عليه وإن كان المحتال عالما بذلك ورضي به لم يكن له الرجوع وهي اختيار أبي العباس ابن سريج، وإن حدث الفلس بعد ذلك لم يرجع.
وقال الشافعي وأحمد: لا يرجع على المحيل بحال.

.باب الضمان والكفالة:

اتفقوا على جواز الضمان وإنه لا ينتقل الحق عن المضمون عنه الحي بنفس الضمان، وإنما ينتقل بأداء الضامن.
قال اللغويون: والضمين الذي يجعل الشيء في ضمانه والتضمين أن يحوي الشيء الشيء.
واختلفوا هل تبرأ ذمة الميت من الدين المضمون عنه بنفس الضمان.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا ينتقل الحق عن ذمته أيضا إلا بالأداء الحي.
واختلف عن أحمد على روايتين إحداهما: كمذهبهم، والأخرى بنفس الضمان، ينتقل الدين عن ذمة الميت.
واختلفوا هل يصح لضمان بغير قبول الطالب.
فقال مالك والشافعي وأحمد: يصح على الإطلاق قياسا على الحوالة.
وقال أبو حنيفة: لا يصح بغير قبول الطالب إلا في موضع واحد وهو أن يقول المريض لبعض ورثته: اضمن عني ديني، فيضمنه والغرماء غيب فيجوز وإن لم يسم الدين، وإن كان في الصحة لم يلزم الكفيل شيء.
واختلفوا في ضمان دين الميت هل يصح إذا لم يخلف وفاء به.
فقال أبو حنيفة: لا يصح إلا أن يخلف وفاء به.
وقال الباقون: يصح على الإطلاق سواء خلف وفاء به أو لم يخلف.
واختلفوا في ضمان المجهول وهو مثل أن يقول: ضمنت ماله من ذمة فلان وهما لا يعلمان مبلغة وكذلك ما لم يجب مثل أن يقول: ما دانيت فلانا فأنا ضامته.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يصح الضمان فيهما.
وقال الشافعي: لا يصح.
واختلفوا هل لصاحب الحق مطالبة من شاء من الضامن والمضمون عنه أو لأحدهما؟
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: له مطالبة أيهما شاء، وعن مالك روايتان إحداهما مثل مذهبهم والأخرى لا يطالب الضامن إلا أن تعذر الاستيفاء من المضمون عنه.
واتفقوا على أنه إذا ضمن حقا عن رجل بإذنه وأداه أنه يجب له الرجوع به على المضمون عنه.
ثم اختلفوا فيما إذا ضمن عن غيره حقا بغير أمره وأداه فهل يجب له الرجوع على المضمون به؟
فقال أبو حنيفة والشافعي: هو متطوع وليس له الرجوع.
وقال مالك في المشهور عنه: له الرجوع به عليه.
وعن أحمد روايتان أحدهما كمذهب مالك وهي التي اختارها الخرقي، والأخرى: كمذهب أبي حنيفة والشافعي.
واتفقوا على أن ضمان الأعيان كالغضب والوديعة والعارية يصح ويلزم خلافا لأحد وجهي الشافعية وهو الظاهر من مذهبهم.
والوجه الآخر: أنه يصح كمذهب الجماعة.
واتفقوا على أن الكفالة بالنفس جائزة، خلاف لأحد قولي الشافعي.
واتفقوا على أنه إذا تكفل بنفس فماتت النفس قبل الوقف أو فيه أنه قد برئ.
ثم اختلفوا فيه إذا تكفل بنفس إلى وقت بعينه فلم يسلمها وعند ذلك الوقت لا لموت المكفول به بل لتعينه أو لهربه.
فقال أبو حنيفة والشافعي على القول الذي يجيز فيه الكفالة بالنفس ليس عليه غير إحضاره ولا يلزمه المال، فإن تعذر عليه إحضاره أمهل عند أبي حنيفة مدة السيد والرجوع بكفيل إلى أن يأتي به فإن لم يأت به حبس حتى يأتي به.
وقال مالك وأحمد: إن لم يحضره وإلا غرم المال، وأما الشافعي فلا يغرم المال عنده. وقال ابن سريج كمذهب مالك وأحمد.

.باب الشركة:

واتفقوا على أن الشركة جائزة من كل مطلق التصرف.
واتفقوا على أن شركة العنان جائزة واشتقاقها من عناني الفرسين في التساوي.
وقال الفراء: اشتقاقها من عن الشيء إذا عرض، فالشريكان كل واحد منهما يعن له شركة الآخر وهي في الشرع عبارة عن الشريكين يشتركان بماليهما وأبدانهما.
واختلفوا هل يجوز أن يكون ما يخرجه واحد منهما أقل من الآخر أو يكون من غير جنس مال الآخر وصفته.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز حتى يكون مال كل واحد منهما من جنس مال الآخر وعلى صفته، فإن كان لأحدهما دراهم وللآخر دنانير لم يصح وكذلك إن كان لأحدهما صحاح وللآخر قراضه.
واختلف عنه في تساوي المالين، فقيل عنه: لا يجوز حتى يتساوى المالان، وقيل: يجوز والأظهر الجواز. واختلفوا في قسمة الربح.
فقال أبو حنيفة وأحمد: ذلك على ما اصطلحا عليه.
وقال مالك والشافعي: على قدر المال فإن تساويا في المال وشرطا التفاضل في الربح أو تفاضلا في المال. وشرطا التساوي في الربح بطل العقد.
واختلفوا في ما إذا اشترطا في الوضعية شرطا.
فقال أحمد وأبو حنيفة: الوضعية على قدر المال.
وقال الشافعي وبعض أصحاب مالك: يبطل الشرط من أصله.
واختلفوا في شركة الوجوه.
فقال أبو حنيفة: تصح كلها.
وقال أحمد: كلها صحيحة إلا شركة المفاوضة فإنها باطلة.
وقال مالك: تصح شركة المفاوضة في الجملة وشركة الأبدان إلا مع اختلاف الصناعين كقصار وحداد فلا تصح، وكذلك شرط أيضا اتفاق المكان فيها وأبطل شركة الوجوه وحدها.
وقال الشافعي: كلها باطلة سوى شركة العنان وحدها وأما شركة المفاوضة التي أجازها أبو حنيفة ومالك وأبطلها الشافعي وأحمد إلا أبا حنيفة أجازها بشروط الحائزي التصرف، ولا يجوز بين حر وعبد، ولا بين صبي وبالغ، ولا بين مسلم وكافر، ويكون المالان منهما متساويين وتصرفهما جميعا متساو، وإن يتساويا في الربح، وأن لا يبقيا من جنس مال الشركة شيئا، إلا ويدخلاه في الشركة وأن يضمن كل واحد منهما ما ضمنه صاحبه بعقد ضمان أو عصب أو شراء فاسد وما اشتراه كل واحد منهما يكون على الشركة إلا طعام أهله وكسوتهم وتنعقد على الكفالة والوكالة فمتى اختل شيء من هذه الأوصاف بطلت المفاوضة وصارت شركة عنان إلا أنه لا يطالب الواحد منهما بمن كفله الآخر ببدنه، ولا يشاركه فيما ملكه بالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والوصية والإرث والهبة والمعدن والركاز والمهر لكن متى ملك أحدهما بهذه الأقسام شيئا من جنس مال الشركة بطلت المفاوضة وصارت شركة عنان.
قال مالك: تصح شركة المفاوضة وصفتها عنده أن يفوض كل منهما إلى الآخر التصرف مع حضوره وغيبته وتكون يده كبيرة، ولا تكون شركة إلا بما يعقدان الشركة عليه، ولا يشترط أن يتساوى المالان، ولا أن لا يبقي أحدهما مالا إلا ويدخله في الشركة. وأما شركة الأبدان فاتفق مجيزوها، وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد، أنها تجوز مع اتفاق الصنعة.
واختلفوا فيما إذا اختلف الصنائع.
فقال أبو حنيفة وأحمد: تصح مع اختلافها أيضا.
وتصح وإن عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر مجتمعين ومنفردين.
وقال مالك: لا تصح مع اختلافهم في الصنعة كقصار ودباغ ولا مع اختلاف المكان كما قدمنا.
ومن أصحاب الشافعي من قال: للشافعي قولا آخر في صحة هذه الشركة.
واختلفوا أيضا هل تصح الشركة في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء وما يؤخذ من الجبال والمعادن وشبهه فأجازها فيه مالك وأحمد ومنع منها أبو حنيفة والشافعي، فأما شركة الوجوه التي أجازها أبو حنيفة وأحمد وأبطلها مالك والشافعي فهي أن يشتركا على أن يشتريا في ذممهما والضمان عليهما والربح، فما حصل من كسب بينهما.