فصل: من ولي مصر من الأمراء بعد خراب القطائع إلى أن بنيت قاهرة المعز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 من ولي مصر من الأمراء بعد خراب القطائع إلى أن بنيت قاهرة المعز

على يد القائد جوهر وكان أول من ولي مصر بعد زوال دولة بني طولون وخراب القطائع‏.‏

محمد بن سليمان الكاتب كاتب لؤلؤ غلام أحمد بن طولون دخل مصر يوم الخميس مستهل ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائتين ودعا على المنبر لأمير المؤمنين المكتفي بالله وحده وجعل أبا علي الحسين بن أحمد المادراني علىالخراج عوضًا عن أحمد بن علي المادراني‏.‏

ثم ورد كتاب المكتفي بولاية‏:‏ عيسى بن محمد النوشري أبي موسى فولي علىالصلاة ودخل خليفته لأربع عشرة خلت من جمادى الأولى فتسلم الشرطتين وسائر الأعمال ثم قدم عيسى لسبع خلون من جمادى الآخرة وخرج محمد بن سليمان مستهل رجب وكان مقامه بمصر أربعة أشهر فأخرج كل من بقي من الطولونية فلما بلغوا دمشق انخنس عنهم محمد بن علي الخليج في جمع كثير ممن كره مفارقة مصر من القواد فعقدوا له عليهم وبايعوه بالإمرة في شعبان ورجع إلى مصر فبعث إليه النوشري بجيش أول رمضان وقد دخل أرض مصر ثم خرج إليه النوشري وعسكر بباب المدينة أول ذي القعدة وسار إلى العباسة ثم رجع لثلاث عشرة خلت منه وخرج إلى الجيزة من غده وأحرق الجسرين وسار يريد الإسكندرية ففر عنه طائفة إلى ابن الخليج فبعث إليه بجيش فهزمه وسار إلى الصعيد‏.‏

ودخل محمد بن الخليج الفسطاط لأربع عشرة بقيت من ذي القعدة فوضع العطاء وفرض الفروض وقدم أبو الأعز من قبل المكتفي في طلب ابن الخليج فخرج إليه لثلاث خلون من المحرم سنة ثلاث وتسعين وحاربه فانهزم منه أبو الأعز وأسر من أصحابه جمعًا كثيرًا وعاد لثمان بقين منه فقدم فاتك المعتضدي من بغداد في البر فعسكر وقدم دميانة في المراكب فنزل فاتك النويرة فخرج ابن الخليج وعسكر بباب المدينة وقام في الليل بأربعة آلاف من أصحبه ليبيت فاتكًا فأضلوا الطريق وأصبحوا من قبل أن يبلغوا النويرة فعلم بهم فاتك فنهض بأصحابه وحارب ابن الخليج فانهزم عنه أصحابه وثبت في طائفة ثم انهزم إلى الفسطاط لثلاث خلون من رجب فاستتر ودخل دميانة في مراكب الثغور وأقبل عيسى النوشري ومعه الحسين المادراني ومن كان معهما لخمس خلون منه فعاد النوشري إلى ما كان عليه من صلاتها والمادراني إلى ما كان عليه من الخراج وعرف النوشري بمكان ابن الخليج فهجم عليه وقيده لست خلون من رجب وكانت مدة ابن الخليج بمصر سبعة أشهر وعشرين يومًا ودخل فاتك في عسكره إلى الفسطاط لعشر خلون من رجب فأخرج ابن الخليج في البحر لست خلون من شعبان فلما قدم بغداد طيف به وبأصحابه وهم ثلاثون نفرًا فكان يومًا مذكورًا وابتدئ في هدم ميدان بني طولون في شهر رمضان وبيعت أنقاضه وخرج فاتك إلى العراق للنصف من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وأمر النوشري بنفي المؤنثين ومنع النوح والنداء على الجنائز وأمر بإغلاق المسجد الجامع فيما بين الصلاتين ثم أمر بفتحه بعد أيام ومات المكتفي في ذي القعدة سنة خمس وتسعين فشغب الجند بمصر وحاربوا النوشري على طلب مال البيعة فظفر بجماعة منهم وبويع جعفر المقتدر فأقر النوشري على الصلاة وقدم زياردة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية مهزومًا من أبي عبد الله الشيعي في رمضان سنة ست وتسعين إلى الجيزة فمنعهالنوشري من العبور وكانت بين أصحابه وبين جند مصر منافسة ثم أذن له أن يعبر وحده ومات النوشري لأربع بقين من شعبان سنة سبع وتسعين وهو وال فكانت ولايته خمس سنين وشهرين ونصفًا منها مدة ابن الخليج سبعة أشهر وعشرون يومًا وقام من بعده ابنه أبو الفتح محمد بن عيسى‏.‏

ثم ولي تكين الخزري أبو منصور من قبل المقتدر على الصلاة فدعي له بها يوم الجمعة لإحدى عشرة خلت من شوال وقدم خليفته لسبع بقين منه ثم قدم تكين لليلتين خلتا من ذي الحجة وتقدم إليه بالجد في أمر المغرب والاحتراس منه فبعث جيشًا إلى برقة عليه أبو اليمن فحاربه حباسة بن يوسف بعساكر المهدي عبيد الله الفاطمي صاحب إفريفية واستولى على برقة وسار إلى الإسكندرية في زيادة على مائة ألف فدخلها في المحرم سنة اثنتين وثلثمائة فقدمت الجيوش من العراق مددًا لتكين في صفر وقدم الحسين المادراني وأحمد بن كيغلغ في جمع من القواج وبرزت العساكر إلى الجيزة في جمادى الأولى وخرج تكين فكانت واقعة حباسة‏:‏ قتل فيها آلاف من الناس وعاد حباسة إلى المغرب وقدم مونس الحادم من بغداد في جيوشه للنصف من رمضان ومعه جمع من الأمراء فنزل الحمراء ولقي الناس منهم شدائد وخرج ابن كيغلغ إلى الشام في رمضان وصرف تكين لأربع عشرة خلت من ذي القعدة صرفه مؤنس فخرج لسبع خلون من ذي الحجة وأقام مونس يدعى ويخاطب بالأستاذ‏.‏

ثم ولي‏:‏ ذكا الرومي أبو الحسن الأعور من قبل المقتدر على الصلاة فدخل لثنتي عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلثمائة وخرج موسى بجميع جيوشه لثمان خلون من ربيع الآخر وخرج ذكا إلى الإسكندرية في المحرم سنة أربع وثلثمائة ثم عاد في ثامن ربيع الأول وتتبع كل من يومأ إليه بمكاتبة المهدي صاحب إفريقية فسجن منهم وقطع أيدي أناس وأرجلهم وجلا أهل لوبية ومراقية إلى الإسكندرية خوفًا من صاحب برقة وسير العساكر إلى الإسكندرية ثم فسد ما بينه وبين الرعية بسبب سب الصحابة رضي الله عنهم وسب القرآن وقدمت عساكر المهدي صاحب إفريقية إلى لوبية ومراقية عليها أبو القاسم فدخل الإسكندرية ثامن صفر سنة سبع وثلثمائة وفر الناس من مصر إلى الشام في البر والبحر فهلك أكثرهم وأخرج ذكا الجند المخالفون له فعسكر بالجيزة وقدم أبو الحسن بن المادراني واليًا على الخراج فوضع العطاء وجد ذكا في أمر الحرب واحتفر خندقًا على عشكره بالجيزة فمرض ومات لإحدى عشرة فولي‏:‏ تكين مرة ثانية من قبل المقتدر وقدمت جيوش العراق عليها محمود بن حمل وإبراهيم بن كيغلغ في ربيع الأول ودخل تكين لإحدى عشرة خلت من شعبان فنزل الجيزة وحفر خندقًا ثانيًا وأقبلت مراكب المغرب فظفر بها في شوال وقدم مونس الخادم من بغداد بعساكره لخمس خلون من المحرم سنة ثمان وثلثمائة فنزل الجيزة وكان في نحو ثلاثة آلاف وسير ابن كيغلغ إلى الأشمونين فمات بالبهنساء أول ذي القعدة وملك أصحاب المهدي الفيوم وجزيرة الأشمونين فقدم جنى الخادم من بغداد في عسكر آخر ذي الحجة فعسكر بالجيزة فكانت حروب مع أصحاب المهدي بالفيوم والإسكندرية ورجع أبو القاسم بن المهدي إلى برقة وصرف تكين لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول سنة تسع وثلثمائة‏.‏

فولى مونس‏:‏ أبا قابوس محمود بن حمل فأقام ثلاثة أيام وعزله ورد تكين لخمس بقين من ربيع الأول ثم صرفه بعد أربعة أيام وأخرجه إلى الشام في أربعة آلاف من أهل الديوان‏.‏

ثم ولي‏:‏ هلال بن بدر من قبل المقتدر على الصلاة فدخل لست خلون من ربيع الآخر وخرج مونس لثمان عشرة خلت منه ومعه ابن حمل فشغب الجند على هلال وخرجوا إلى منية الأصبغ ومعهم محمد بن طاهر صاحب الشرط فكثر النهب والقتل والفساد بمصر إلى أن صرف عنها في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلثمائة وخرج في نفر من أصحابه‏.‏

فولي‏:‏ أحمد بن كيغلغ من قبل المقتدر على الصلاة وقدم ابنه أبو العباس خليفة له أول جمادى الأولى ثم قدم ومعه محمد بن الحسين بن عبد الوهاب المادراني على الخراج في رجب فأحضرا الجند ووضعا العطاء وأسقطا كثيرًا من الرجالة وكان ذلك بمنية الأصبغ فثار الرجالة به ففر إلى فاقوس وأدخل المادراني إلى المدينة لثمان خلون من شوال وأقام ابن كيغلغ بفاقوس إلى أن صرف بقدوم رسول تكين في ثالث ذي القعدة‏.‏

فولي‏:‏ تكين المرة الثالثة من قبل المقتدر على الصلاة وخلفه ابن منجور إلى أن قدم يوم عاشوراء سنة اثنتي عشرة وثلثمائة فأسقط كثيرًا من الرجالة وكانوا أهل الشر والنهب ونادى ببراءة الذمة ممن أقام منهم بالفسطاط وصلى الجمعة في دار الإمارة بالعسكر وترك حضور الجمعة في مسجد العسكر والمسجد الجامع العتيق في سنة سبع عشرة ولم يصل قبله أحد من الأمراء في دار الإمارة الجمعة ثم قتل المقتدر في شوال سنة عشرين وبويع أبو منصور القاهر بالله فأقر تكين حتى مات في سادس عشر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلثمائة فحمل إلى بيت المقدس وكانت إمرته هذه تسع سنين وشهرين وخمسة أيام‏.‏

فقام ابنه محمد بن تكين موضعه وقام أبو بكر محمد بن علي المادراني بأمر البلد كله ونظر في أعماله فشغب الجند عليه في طلب أرزاقهم وأحرقوا دوره ودور أهله فخرج ابن تكين إلى منية الأصبغ فبعث إليه المادراني يأمره بالخروج من أرض مصر وعسكر بباب المدينة وأقام هناك بعدما رحل ابن تكين إلى سلخ ربيع الأول فلحق ابن تكين بدمشق ثم أقبل يريد مصر فمنعه المادراني‏.‏

ثم ولي‏:‏ محمد بن طغج بن جف الفرغاني أبو بكر من قبل القاهر بالله على الصلاة فورد كتابه لسبع خلون من رمضان سنة إحدى وعشرين ودعي له وهو بدمشق مدة اثنتين وثلاثين يومًا إلى أن قدم رسول أحمد بن كيغلغ بولايته الثانية من قبل القاهر بالله لتسع خلون من شوال واستخلف أبا الفتح بن عيسى النوشري فشغب الجند في أرزاقهم على المادراني صاحب الخراج فاستتر منهم فأحرقوا دوره ودور أهله وكانت فتن قتل فيها جماعة إلى أن أتاهم محمد بن تكين من فلسطين لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين فأنكر المادراني ولايته وتعصب له طائفة ودعي له بالإمارة وخرج قوم إلى الصعيد فيهم‏:‏ ابن النوشري فأمروه عليهم وهم على الدعاء لابن كيغلغ فنزل منية الأصبغ لثلاث خلون من رجب فلحق به كثير من أصحاب تكين ففر ابن تكين ليلًا ودخل ابن كيغلغ المدينة لست خلون منه وكان مقام ابن تكين بالفسطاط مائة يوم واثني عشر يومًا وخلع القاهر وبويع أبو العباس الراضي بالله فعاد ابن تكين وأظهر أن الراضي ولاه فخرج إليه العسكر وحاربوه فيما بين بلبيس وفاقوس فانهزم وجيء به إلى المدينة فحمل إلى الصعيد فورد الخبر بأن محمد بن طفج سار إلى مصر بولاية الراضي له فبعث إليه ابن كيغلغ بجيش ليمنعوه من دخول الفرما فأقبلت مراكب ابن طغج إلى تنيس وسارت مقدمته في البر وكانت بينهما حروب في تاسع عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين كانت لأصحاب ابن طفج وأقبلت مراكبه إلى الفسطاط سلخ شعبان وأقبل فعسكر ابن كيغلغ لليصف من رمضان ولاقاه لسبع بقين منه فسلم ابن كيغلغ إلى محمد بن طفج من غير قتال‏.‏

وولي‏:‏ محمد بن طغج الثانية من قبل الراضي على الصلاة والخراج فدخل لست بقين من رمضان وقدم أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن فرات بالخلع لمحمد بن طغج وكانت حروب مع أصحاب ابن كيغلغ انهزموا منها إلى برقة وساروا إلى القائم بأمر الله محمد بن المهدي بالمغرب فحرضوه على أخذ مصر فجهز جيشًا إلى مصر فبعث ابن طغج عسكره إلى الإسكندرية والصعيد ثم ورد الكتاب من بغداد بالزيارة في اسم الأمير محمد بن طغج فلقب الإخشيد ودعي له بذلك على المنبر في رمضان سنة سبع وعشرين وسار محمد بن رائق إلى الشامات ثم سار في المحرم سنة ثمان وعشرين واستخلف أخاه الحسن بن طغج فنزل الفرما وابن رائق بالرملة فسفر بينهما الحسن بن طاهر بن يحيى العلوي في الصلح حتى تم وعاد إلى الفسطاط مستهل جمادى الأولى ثم أقبل ابن رائق من دمشق في شعبان فسير إليه الإخشيد الجيوش ثم خرج لست عشرة خلت من شعبان والتقيا للنصف من رمضان بالعريش فكانت بينهما وقعة عظيمة انكسرت فيها ميسرة الإخشيد ثم حمل بنفسه فهز أصحاب ابن رائق وأسر كثيرًا منهم وأثخنهم قتلًا وأسرًا ومضى ابن رائق فقتل الحسين بن طغج باللجون ودخل الإخشيد الرملة بخمسمائة أسير فتداعى ابن طغج وابن رائق إلى الصلح فمضى ابن رائق إلى دمشق على صلح وقدم الإخشيد محمد بن طغج إلى مصر لثلاث خلون من المحرم سنة تسع وعشرين ومات الراضي بالله وبويع المتقي لله إبراهيم في شعبان فأقر الإخشيد وقتل محمد بن رائق بالموصل قتله بنو حمدان في شعبان سنة ثلاثين وثلثمائة فبعث الإخشيد بجيوشه إلى الشام ثم سار لست خلون من شوال واستخلف أخاه أبا المظفر الحسن بن طغج ودخل دمشق ثم عاد لثلاث خلت من جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين فنزل البستان الذي يعرف اليوم بالكافوري من القاهرة ثم دخل داره وأخذ البيعة لابنه أبي القاسم أونوجور على جميع القواد آخر ذي القعدة وسار المتقي لله إلى بلاد الشام ومعه بنو حمدان فسار الإخشيد لثمان خلون من رجب سنة اثنتين وثلاثين واستخلف أخاه الحسن فلقي المتقي ثم رجع فنزل البستان لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وخلع المتقي وبويع عبد الله المستكفي لسبع خلون من جمادى الآخرة فأقر الإخشيد وبعث الإخشيد بحانك وكافور في الجيوش إلى الشام‏.‏

ثم خرج لخمس خلون من شعبان سنة ست وثلاثين واستخلف أخاه الحسن فلقي علي بن عبد الله بن حمدان بأرض قنسرين وحاربه ومضى فأخذ من حلب وخلع المستكفي ودعي للمطيع لله الفضل بن جعفر في شوال سنة أربع وثلاثين وفأقر الإخشيد إلى أن مات بدمشق يوم الجمعة لثمان بقين من ذي الحجة‏.‏

فولي بعده ابنه ‏"‏ أونوجور ‏"‏ أبو القاسم باسخلافه إياه وقبض على أبي بكر محمد بن علي بن مقاتل في ثالث المحرم سنة خمس وثلاثين وجعل مكانه على الخراج محمد بن علي المادراني وقدم العسكر من الشام أول صفر فلم يزل أونوجور واليًا إلى أن مات لسبع خلون من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وثلثمائة وحمل إلى القدس فدفن عند أبيه وكان كافور متحكمًا في أيامه ويطلق له في السنة أربعمائة ألف دينار فلما مات قوي كافور وكانت ولايته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر‏.‏

فأقام كافو أخاه علي بن الإخشيد أبا الحسن لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة فأقر المطيع لله على الحرب والخراج بمصر والشام والحرمين وصار خليفته على ذلك كافور غلام أبيه وأطلق له ما كان يطلق لأخيه في كل سنة وفي سنة إحدى وخمسين ترفع السعر واضطربت الإسكندرية والبحيرة بسبب المغاربة الواردين إليها وتزايد الغلاء وعز وجود القمح وقدم القرمطي إلى الشام في سنة ثلاث وخمسين وقل ماء النيل ونهبت ضياع مصر وتزايد الغلاء وسار ملك النوبة إلى أسوان ووصل إلى إخميم فقتل ونهب وأحرق واشتد اضطراب الأعمال وفسد ما بين كافور وبين علي بن الأخشيد فمنع كافور من الاجتماع به واعتل علي بعد ذلك علة أخيه ومات لإحدى عشر خلت من المحرم سنة خمس وخمسين وثلثمائة فحمل إلى القدس وبقيت مصر بغير أمير أيامًا ولم يدع بها إلا للمطيع لله وحده وكافور يدبر أمورها ومعه أبو الفضل جعفر بن الفرات‏.‏

ثم ولي كافور الخصي الأسود مولى الإخشيد من قبل المطيع على الحرب والخراج وجميع أمور مصر والشام والحرمين فلم يغير لقبه وإنما يدعى ويخاطب بالأستاذ وأخرج كتاب المطيع بولايته لأربع بقين من المحرم سنة خمس وخمسين فلم يزل إلى أن توفي لعشر بقين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلثمائة‏.‏

فولي أحمد بن علي الإخشيد أبو الفوارس وسنة إحدى عشرة سنة في يوم وفاة كافور وجعل الحسين بن عبيد الله بن طغج يخلفه وأبو الفضل جعفر بن الفرات يدبر الأمور وسمول الإخشيدي العساكر إلى أن قدم جوهر القائد من المغرب بجيوش المعز لدين الله في سابع عشر شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ففر الحسين بن عبيد الله وتسلم جوهر البلاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى فكانت مدةالدعاء لبني العباس بمصر منذ ابتدئت دولتهم إلى أن قدم القائد جوهر إلى مصر‏:‏ مائتي سنة وخمسًا وعشرين سنة ومدة الدولة الإخشيدية بها أربعًا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا ومنذ افتتحت مصر إلى أن انتقل كرسي الإمارة منها إلى القاهرة ثلثمائة سنة وسبع وثلاثون سنة وأشهر والله تعالى أعلم‏.‏

ما كانت عليه مدينة الفسطاط من كثرة العمارة قال ابن يونس عن الليث بن سعد‏:‏ أن حكيم بن أبي راشد حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن‏:‏ أنه وقف على جزار فسأله عن السعر فقال‏:‏ بأربعة أفلس الرطل فقال له أبو سلمة‏:‏ هل لك أن تعطينا بهذا السعر ما بدا لنا وبدا لك قال‏:‏ نعم فأخذ منه أبو سلمة ومر في القصبة حتى إذا أراد أن يوفيه قال‏:‏ بعثني بدينار ثم قال‏:‏ اصرفه فلوسًا ثم وفه‏.‏

وقال الشريف أبو عبد الله محمد بن أسعد الجواني النسابة في كتاب النقط على الخطط‏:‏ سمعت الأمير تأييد الدولة تميم بن محمد المعروق بالضمام يقول‏:‏ في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وجدثني القاضي أبو الحسين علي بن الحسين الخلعي عن القاضي أبي عبد الله القضاعي قال‏:‏ كان في مصر الفسطاط من المساجد ستة وثلاثون ألف مسجد وثمانية آلاف شارع مسلوك وألف ومائة وسبعون حمامًا وإن حمام جنادة في القرافة ما كان يتوصل إليها إلا بعد عناء من الزحام وإن قبالتها في كل يوم جمعة خمسمائة درهم‏.‏

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي في كتاب الخطط‏:‏ إنه طلب لقطر الندى ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون ألف تكة بعشرة آلاف دينار من أثمان كل تكة بعشرة دنانير فوجدت في السوق في أيسر وقت وبأهون سعي وذكر عن القاضي أبي عبيد‏:‏ أنه لما صرف عن قضاء مصر كان في المودع مائة ألف دينار وإن فائقًا مولى أحمد بن طولون اشترى دارًا بعشرين ألف دينار وسلم الثمن إلى البائعين وأجلهم شهرين فلما انقضى الأجل سمع فائق صياحًا عظيمًا وبكاء فسأل عن ذلك فقيل‏:‏ هم الذين باعوا الدار فدعاهم وسألهم عن ذلك فقالوا‏:‏ إنما نبكي على جوارك فأطرق وأمر بالكتب فردت عليهم ووهب لهم الثمن وركب إلى أحمد بن طولون فأخبره فاستصوب رأيه واستحسن فعله‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كان لفائق ثلثمائة فرشة كل فرشة لحظية مثمنة وإن دار الحرم بناها خمارويه لحرمه وكان أبوه اشتراها له فقام عليه الثمن وأجرة الصناع والبناء بسبعمائة ألف دينار وإن عبد الله بن أحمد بن طباطبا الحسيني دخل الجامع فلم يجد مكانًا في الصف الأول فوقف في الصف الثاني فالتفت أبو حفص بن الجلاب فلما رآه تأخر وتقدم الشريف مكانه فكافأه على ذلك نعمة حملها إليه ودارًا ابتاعها له ونقل أهله إليها بعد أن كساهم وحلاهم‏.‏

وذكر غير القضاعي‏:‏ أنه دفع إليه خمسمائة دينار قال‏:‏ ويقال‏:‏ إنه أهدى إلى أبي جعفر الطحاوي كتبًا قيمتها ألف دينار وإن رشيقًا الإخشيد استحجبه أبو بكر محمد بن علي المادراني فلما مضت عليه سنة رفع فيه أنه كسب عشرة آلاف دينار فخاطبه في ذلك فحلف بالإيمان الغليظة على بطلان ذلك فأقسم أبو بكر المادراني بمثل ما أقسم به لئن خرجت سنتنا هذه ولم تكسب هذه الجملة لأصحبتني ولم يزل في صحبته إلى أن صودر أبو بكر فأخذ منه ومن رشيق مال جزيل وذكر‏:‏ أن الحسن بن أبي المهاجر موسى بن إسماعيل بن عبد الحميد بن بحر بن سعد كان على البريد في زمن أحمد بن طولون وقتله خمارويه وسبب ذلك ما كان في نفس علي بن أحمد المادراني منه فأغرى خمارويه به وقال‏:‏ قد بقي لأبيك مال غير الذي ذكره في وصيته ولم يقف عليه غير ابن مهاجر فطالبه فلم يزل خمارويه بابن مهاجر إلى أن وصف له موضع المال من دار خمارويه فأخرج فكان مبلغه ألف ألف دينار فسلمه إلى أحمد المادراني فحمله إلى داره وأقبلت توقيعات خمرويه فأخرج فكان مبلغه ألف ألف دنار فسلمه أموال الضياع والمرافق وحصلت له تلك الأموال ولم يضع يده عليها إلى أن قتل وصودر أبو بكر محمد بن علي في أيام الإخشيد وقبضت ضياعه فعاد إلى تلك الألف ألف دينار مع ما سواها من ذخائره وأعراضه وعقده فما ظنك برجل ذخيرته ألف ألف دينار سوى ما ذكر عن أبي بكر محمد بن علي المادراني أنه قال‏:‏ بعث إلى أبو الجيش خمارويه أن أشتري له أردية وأقنعة للجواري وعمل دعوة خلا فيها بنفسه وبهم وغدوت متعرفًا لخبره فقيل له‏:‏ إنه طرب لما هو فيه فنثر دنانير على الجواري والغلمان وتقدم إليهم أن ما سقط من ذلك في البركة فهو لمحمد بن علي كاتبي فلما حضرت وبلغني ذلك أمرت الغلمان فنزلوا في البركة فأصعد إلي منها سبعين ألف دينار فما ظن بمال نثر على أناس فتطاير منه إلى بركة ماء هذا المبلغ‏.‏

وقال ابن سعيد في كتاب المعرب في حل المغرب‏:‏ وفي الفسطاط دار تعرف بعبد العزيز يصب فيها لمن بها في كل يوم أربعمائة راوية ماء وحسبك من دار واحدة يحتاج أهلها في كل يوم إلى هذا القدر من الماء‏.‏

وقال ابن المتوج في كتاب إيقاظ المتغفل واتعاظ المتأمل عن ساحل مصر ورايت من نقل عمن نقل عمن رأى الأسطال التي كانت بالطاقات المطلة على النيل وكان عددها ستة عشر ألف سطل مؤبدة ببكر وأطناب بها ترخى وتملأ‏.‏

اخبرني بذلك من أثقل بنقله قال‏:‏ وكان بالفسطاط في جهته الشرقية حمام من بناء الروم عامرة زمن أحمد بن طولون‏.‏

قال الراوي‏:‏ دخلتها في زمن خمارويه بن أحمد بن طولون وطلتب بها صانعًا يخدمني فلم أجد فيها صانعًا متفرغًا لخدمتي وقيل لي‏:‏ إن كل صانع معه اثنان يخدمهم وثلاثة فسألت كم فيها من صانع فأخبرت‏:‏ أن بها سبعين صانعًا قل من معه دون ثلاثة سوى من قضى حاجته وخرج قال‏:‏ فخرجت ولم أدخله لعدم من يخدمني بها ثم طفت غيرها فلم أقدر على من أجده فارغًا إلا بعد أربع حمامات وكان الذي خدمني فيها نائبًا فانظر رحمك الله ما اشتمل عليه هذا الخبر مع ما ذكره القضاعي من عدد الحمامات وانها ألف ومائة وسبعون حمامًا تعرف من ذلك كثرة ما كان بمصر من الناس هذا والسعر راخ والقمح كل خمسة أرادب بدينار بيعت عشرة أرادب بدينار في زمن أحمد بن طولون‏.‏

قال ابن المتوج‏:‏ خطة مسجد عبد الله أدركت بها آثار دار عظيمة قيل‏:‏ إنها كانت دار افور الإخشيدي ويقال‏:‏ إن هذه الخطة تعرف بسوق العسكر وكان به مسجد الزكاة وقيل‏:‏ إنه كان منه قصبة سوق متصلة إلى جامع أحمد بن طولون وأخبرني بعض المشايخ العدول عن والده وكان من أكابر الصلحاء أنه قالك عددت من مسجد عبد الله إلى جامع ابن طولون ثلثمائة وتسعين قد حمي مصلوق بقصبة هذا السوق بالأرض سوى المقاعد الحوانيت التي بها الحمص فتأمل أعزك الله ما في هذا الخبر مما يدل على عظمة مصر فإن هذا السوق كان خارج مدينة الفسطاط وموضعه اليوم الفضاء الذي بين كوم الجارح وبين جامع ابن طولون ومن المعروف أن الأسواق التي تكون بداخل المدينة أعظم من الأسواق التي هي خارجها ومع ذلك ففي هذا السوق من صنف واحد من المآكل هذا القدر فكم ترى تكون جملة ما فيه من سائر أصناف المآكل وقد كان إذ ذاك بمصر عشرة أسواق كلها أو أكثرها أجل من هذا السوق قال‏:‏ ودرب السفافير بني فيه زقاق بني الرصاص كان به جماعة إذا عقد عندهم عقد لا يحتاجون إلى غريب وكانوا هم وأولادهم نحوًا من أربعين نفسًا‏.‏

وقال ابن زولاق في كتاب سيرة المادرانيين‏:‏ ولما قدم الأستاذ مونس الخادم من بغدا إلى مصر استدعى أبو علي الحسين بن أحمد المادراني المعروف بأبي زنبور الدقاق وهو الذي نسميه اليوم الطحان وقال‏:‏ إن الأستاذ مؤنسًا قد وافى ولي بمشتول قدر ستين ألف أردب قمحًا فإذا وافى فقم له بالوظيفة فكان يقوم له بما يحتاج إليه من دقيق حواري مدة شهر فلماكمل الشهر قال كاتب مونس للدقاق‏:‏ كم لك حتى ندفعه إليك فأعلمه الخبر فقال‏:‏ ما أحسب الأستاذ يرضى أن يكون في ضيافة أبي علي وأعلم مونسًا بذلك فقال‏:‏ أنا آكل خبز حسين‏!‏ لا يبرح الرجل حتى يقبض ماله فمضى الدقاق وعلم أبا زنبور فقام من فوره إلى مونس فأكب على رجليه فاحتشم منه وقال‏:‏ والله لا أجيبك إلا هذا الشهر الذي مضى ولا تعاود ثم رجع فقال الدقاق‏:‏ قم له بالوظيفة في المستقبل واعمل ما يريده قال‏:‏ فجئته وقد فرغ القمح ومعي الحساب وأربعمائة دينار قال‏:‏ إيش هذا فقلت‏:‏ بقية ذلك القمح فقال‏:‏ أعفني منه وتركه فتأمل ما اشتمل عليه هذا الخبر من سعة حال كاتب من كتاب مصر كيف كان له في قرية واحدة هذا القدر من صنف القمح وكيف صار مما يفضل عنه حتى يجعله ضيافة وكيف لم يعبأ بأربعمائة دينار حتى وهبها لدقاق قمح وما ذاك إلا من كثرة المعاش وقس عليه باقي الأحوال‏.‏

وقال عن أبي بكر محمد بن علي المادراني‏:‏ أنه حج اثنتين وعشرين حجة متوالية أنفق في كل حجة مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار وأنه كان يخرج معه بتسعين ناقعة لقبته التي يركبها وأربعمائة لجهازه وميرته ومعه المحامل فيها أحواض البقل وأحواض الرياحين وكلاب الصيد وينفق على الأشراف وأولاد الصحابة ولهم عنده ديوان بأسمائهم وأنه أنفق في خمس حجات أخر ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار وكانت جاريته تواصل معه الحج ومعها لنفسها ثلاثون ناقة لقبتها ومائة وخمسون عربيًا لجهازها وأحصى ما يعطيه كل شهر لحاشيته وأهل الستر وذوي الأقدار جراية من الدقيق الحواري فكان بضعًا وثمانين ألف رطل وكان سنة الفرمطي بمكة فمن جملة ما ذهب له به مائتا قميص ديبقي ثمن كل ثوب منها خمسون دينارًا وقال مرة وهو في عطلته أخذ مني محمد بن طفج الإخشيد عينًا وعرضًا يبلغ نيفًا وثمانين ويبة دنانير فاستعظم من حضر ذلك فقال ابنه الذي أخذ أكثر‏:‏ وأنا أوقفه عليه ثم قال لأبيه‏:‏ يا مولاي أليس نكتب ثلاث مرات قال‏:‏ قريب منها قال‏:‏ وعرض وعين قال‏:‏ كذلك فأمر بعض الحساب بضبط ذلك فجاء ما ينيف عن ثلاثين أردبًا من ذهب‏!‏ فانظر ما تضمنته أخبار المادراني وقس عيها بقية أحوال مصر فما كان سوى كاتب الخراج وهذه أمواله كما قد رأيت‏.‏