فصل: ما كان يعمل يوم فتح الخليج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ما كان يعمل يوم فتح الخليج

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز لدين الله‏:‏ وفي ذي القعدة يعني من سنة اثنتين وستين وثلثمائة وهي السنة التي قدم فيها الخليفة المعز لدين الله إلى القاهرة من بلاد المغرب ركب المعز لدين الله عليه السلام لكسر خليج القنطرة فكسر بين يديه ثم سار على شاطئ النيل حتى بلغ إلى بني وائل ومر على سطح الجرف في موكب عظيم وخلفه وجوه أهل الدولة ومعه أبو جعفر أحمد بن نصر يسير معه ويعرفه بالمواضع التي يجتاز عليها ونجعت له الرعية بالدعاء ثم عطف على بركة الحبش ثم على الصحراء على الخندق الذي حفره القائد جوهر ومر على قبر كافور وعلى قبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا الحسني وعرفه ثم عاد إلى قصره‏.‏

وذكر الأمير المسبحي في تاريخه الكبير‏:‏ ركوب العزيز بالله بن المعز وركوب الحاكم بأمر الله بن العزيز وركوب الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم في كل سنة لفتح الخليج‏.‏

وقال ابن المأمون‏:‏ في سنة ست عشرة وخمسمائة وعندما بلغ النيل ستة عشر ذراعًا أمر بإخراج الخيم وأن يضرب الثوب الكبير الأفضلي المعروف بالقاتول وهو أعظم ما في الحاصل بأربعة دهاليز وأربع قاعات خارجًا عن القاعة الكبيرة ومساحته على ذكر‏:‏ ألف ألف ذراع وأربعمائة ذراع بالذراع الكبير خارجًا عن القاعة الكبيرة منه ارتفاعه‏:‏ خمسون ذراعًا وما كمل استعماله في أيام الأفضل ونصب تأذى منه جماعة ومات رجلان فسمي‏:‏ بالقاتول لأجل ذلك وما زال لا يضرب إلا بحضور المهندسين وتنصب له أساقيل عدة بأخشاب كثيرة والمستخدمون يكرهون ضربه ويرغبون في ضرب أحد الثوبين الجيوشيين وإن كانا عظيمين إلا أنهما لا يصلان بجملتهما إلى مقايسته ولا مؤنته ولا صنعته‏.‏

وأقام هذا الثوب في الاستعمال عدة سنين مع جمع الصناع عليه وما يضرب منه سوى القاعدة الكبيرة لا غير وأربعة الدهاليز وبعض السرادق الذي هو سور عليه لضيق المكان الذي يضرب فيه وكونه لا يسعه بجملته‏.‏

قال‏:‏ ووصلت كسوة موسم فتح الخليج وهي ما يختص بالخليفة وأخيه وبعض جهاته والوزير‏.‏

فأما ما يختص بالخليفة خاصة‏:‏ فبدلة شرحها بدنة طميم منديل سلفه‏:‏ مائة وعشرون دينارًا وأحد طرفين ثلاثة عشر ذراعًا ذهبًا عراقيًا دمجًا لوحًا واحدًا والثاني ثلاثة أذرع سلفه أربعة وعشرون دينارًا ثوب طميم سلفه‏:‏ خمسون دينارًا والذهب الذي في الثوب والمنديل والحنك ألف دينار وخمسة دنانير فتكون جملتها بالسلف‏:‏ ألف دينار ومائة وخمسة وسبعين دينارًا شاشية طميم للسلف‏:‏ دينارًا وسبعون قصبة ذهبًا عراقيًا فتكون جملة سلفها وقيمة ذهبها ثمانية دنانير منديل سلام سلفه‏:‏ ديناران وسبعون قصبة قيمته كذلك وسط برسم المنديل بخوص ذهب سلفه اثنا عشر دينارًا وسبعون قصبة قيمة ذلك عشرون دينارًا شقة ديبقي وسطاني حريري السلف‏:‏ اثنا عشر دينارًا غلالة ديبقي حريري السلف‏:‏ عشرة دنانير منديل كم ثان حريري‏:‏ خمسة دنانير حجره‏:‏ أربعة دنانير عرضي لفافة خاص‏:‏ خمسة دنانير وستة عشر مثقالًا ذهبًا مصريًا فتكون سلفه وذهبه‏:‏ خمسة وعشرين دينارًا عرضي ثان برسم تغطية التخت‏:‏ دينار واحد ونصف تخت ثان ضمنه‏:‏ بدلة خاص حريري برسم العود من السكرة شرحها منديل حريري وسلفه‏:‏ ستون دينارًا وسط شرب رسمه اثنا عشر دينارًا شقة ديبقي‏:‏ وكم وعشرون دينارًا شقة وسطاني اثنا عشر دينارًا غلالة‏:‏ خمسة عشر دينارًا وغلالة‏:‏ عشرة دنانير منديل سلام ديناران منديل كم خمسة دنانير منديل كم ثان أيضًا خمسة دنانير شاشية حريري ديناران حجره أربعة دنانير عرضي لفافة خمسة دنانير عرضي ثان برسم لفافة التخت دينار واحد ونصف‏.‏

قال‏:‏ ورأيت شاهدًا أن قيمة كل حلة من هذه الحلل وسلفها إذا كانت حريري ثلثمائة وستة دنانير وإذا كانت مذهبة ألف دينار واختصر ما باسم أبي الفضل جعفر أخي الخليفة وأربع جهات‏.‏

وأما ما يختص بالوزير فبدلة مذهبة شرحها منديل سلفه سبعون دينارًا وخمسمائة وسبعون قصبة عراقي جملة سلفه وذهبه‏:‏ مائة وأربعة عشر دينارًا شقة ديبقي وكم السلف ستة عشر دينارًا وثمانية وعشرون مثقالًا ذهبًا عاليًا تكون جملة ذلك خمسين دينارًا تصف شقة ديبقي وسطاني اثنا عشر دينارًا ونصف شقة وسطاني برسم العود ثلاثة دنانير غلالة ديبقي سبعة دنانير ونصف شقة برسم الغلالة ديناران ونصف منديل كم سبعة دنانير واثنا عشر مثقالًا ذهبًا تكون قيمته تسعة عشر دينارًا حجره ثلاثة دنانير عرضي أربعة دنانير وأحد عشر مثقالًا تكون سلفه وذهبه سبعة عشر دينارًا‏.‏

ثم ذكر بعد ذلك ما يكون لجهة الوزير وما يكون برسم صبيان الحمام وما يفصل برسم المماليك الخاص‏:‏ صبيان الرايات والرماح خمسمائة شقة سقلاطون داري تكون قيمتها‏:‏ سبعمائة وخمسين قباء يحمل منها برسم غلمان الوزير مائة قباء ويفرق جميع ذلك‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن لأحد من الأصحاب والحواشي وغيرهم في هذا الموسم شيء فيذكر بل لهم من الهبات العين والرسوم الخارجة عن ذلك ما يأتي ذكره في موضعه وفي صبيحة هذا الموسم خلع على ابن أبي الرداد وعلى رؤساء المراكب وغيرهم وحمل إلى المقياس برسم المبيت وركوب الخليفة بتجمله ومواكبه إلى السكرة ما فصله وبينه مما يطول ذكره‏.‏

وقال‏:‏ في سنة سبع عشرة وخمسمائة ولما جرى النيل وبلغ خمسة عشر ذراعًا أمر بإخراج الخيام والمضارب الديبقي والديباج وتحول الخليفة إلى اللؤلؤة بحاشيته وتحول المأمون إلى دار الذهب ووصلت كسوة الموسم المذكور من الطراز وإن كانت يسيرة العدة فهي كثيرة القيمة ولم تكن للعموم من الحاشية والمستخدمين بل للخليفة خاصة وإخوته وأربع من خواص جهاته والوزير وأولاده وابن أبي الرداد فلما وفى النيل ستة عشر ذراعًا ركب الخليفة والوزير إلى الصناعة بمصر‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

العشريات بين أيديهما ثم عديا في إحداها إلى المقياس وصليا ونزل الثقة صدقة بن أبي الرداد منزلته وخلق العمود ودعا الخليفة على فوره وركب البحر في العشاري الفضي والوزير صحبته والرهجية تخدم برًا وبحرًا والعساكر طول البر قبالته إلى أن وصل إلى المقس ورتب الموكب وقدم العشاري بالخليفة الآمر بأحكام الله والوزير المأمون وسار الموكب والرهجية تخدم والصدقات والرسوم تفرق ودخل من باب القنطرة وقصد باب العيد واعتمد ما جرت به العادة من تقديم الوزير وترجله في ركابه إلى أن دخل من باب العيد إلى قصره وتقدم بالخلع على ابن أبي الرداد‏:‏ بدلة مذهبة وثوب ديبقي حريري وطيلسان مقور وبياض مذهب وشقة سقلاطون وشقة تحتاني وشقة خز وشقة ديبقي وأربعة أكياس دراهم ونشرت قدامه الأعلام الخاص الديبقي المحاومة بالألوان المختلفة التي لا ترى إلا قدامه لأنها من جملة تجمل الخليفة وأطلق له برسم المبيت من البخور والشموع والأغنام والحلاوات كثير‏.‏

قال‏:‏ وهيئت المقصورة في منظرة السكرة برسم راحة الخليفة وتغيير ثيابه وقد وقعت المبالغة في تعليفها وفرشها وتعبيتها وقدم بين يديه الصواني الذهب التي وقع التناهي فيها من همم الجهات من أشكال الصور الآدمية والوحشية من الفيلة والزرافات ونحوها المعمولة من الذهب والفضة والعنبر والمرسين المشدود والمظفور عليها المكلل باللؤلؤ والياقوت والزبرجد من الصور الوحشية ما يشبه الفيلة‏.‏

جميعها عنبر معجون كخلفة الفيل وناباه فضة وعيناه جوهرتان كبيرتان في كل منهما مسمار ذهب مجرى سواده وعليه سرير منجور من عود بمتكآت فضة وذهب وعليه عدة من الرجال ركبان وعليهم اللبوس تشبه الزرديات وعلى رؤوسهم الخود وبأيديهم السيوف المجردة والدرق وجميع ذلك فضة ثم صور السباع منجورة من عود وعيناه ياقوتتان حمراوان وهو على فريسته وبقية الوحوش وأصناف تشد من المرسين المكلل باللؤلؤ شبه الفاكهة‏.‏

قال‏:‏ ومن جملة ما وقع الاهتمام به في هذا الموسم ما صار يستعمل في الطراز وإن لم يتقدم نظيره للولائم التي تتخذ برسم تغطية الصواني عدة من عراضي ديبقي ثم قوارات شرب تكون من تحت العراضي على الصواني مفتح كل قوارة منهن دون أربعة أشبار سلف كل واحدة منهن خمسة عشر دينارًا ورقم في كل منهن سجف ذهب عراقي ثمنه‏:‏ من أربعين إلى ثلاثين دينارًا تكون الواحدة بخمسين دينارًا ويستعمل أيضًا برسم الطرح من فوق القوارات الإسكندراني التي تشد على الموائد التي تحمل من عند كل جهة قوارات ديبقي مقصور من كل لون محاومة بالرقم الحريري مفتح كل قوارة أربعة أذرع يكون الثمن عن كل واحدة‏:‏ أربعين دينارًا ولقد بيعت عدة من القوارات الشرب فسارع التجار العراقيون إلى شرائها ونهاية ما بلغ ثمن كل واحدة منهن‏:‏ ستة عشر دينارًا وسافروا بها إلى البلاد فلم يبع لهم منها سوى اثنتين وعادوا بالبقية إلى الديار المصرية في سنة ست وثمانين وخمسمائة وحفظوا منهن شيئًا عن السوق فلم يحفظ لهم رأس مالهن‏.‏

قال‏:‏ وكان ما تقدم من الزبادي في الطيافير من الصيني إلى آخر أيام الأفضل بن أمير الجيوش وأيام المأمون وإنما استجدت الأواني الذهب في أواخر الأيام الآمرين والذي يعبئ بين يديه الخليفة قوائمية ضمنها‏:‏ عدة من الطيافير المحمولة بالمرافع الفضة برسم الأطباق الحارة وليس في المواسم مائدة بغير سماط للأمراء ويجلس عليها الخليفة غير هذا الموسم وإن كان يجري مجرى الأعياد وله البخور مطلق مثلها وينفرد بالجلوس معه الجلساء المميزون والمستخدمون وعند كمال تعبيتها وبخورها جلس الخليفة عليها عن يمينه‏:‏ وزيره وعن يساره‏:‏ أخوه ومن شرف بحضوره وفي آخرها فرق منها ما جرت به العادة على سبيل البركة‏.‏

وقال‏:‏ في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ووصلت الكسوة المختصة بفتح الخليج وهي برسم الخليفة تختان ضمنهما بدلتان إحداهما منديلها وثوبها طميم برسم المضي والأخرى جميعها حريري برسم العود وكذلك ما يخص إخوته وجهاته‏:‏ بدلتان مذهبتان وأربع حلل مذهبة وبرسم الوزير بدلة موكبية مذهبة في تخت وبرسم أولاده الثلاثة ثلاث بدلات مذهبة وبرسم جهته حلة مذهبة في تخت وهؤلاء المميزون لكل منهم تخت وبقية ما يخص المستخدمين وابن أبي الرداد في تخوت كل تخت فيه‏:‏ عدة بدلان وحضر متولي الدفتر واستأذن على ما يحمل برسم الخليفة وما يفرق وما يفصل برسم الخلع وما يخرج من حاصل الخزائن غير الواصلن وهو ما يفصل برسم الغلماء الخاص عن سبعمائة قباء‏:‏ خمسمائة وشقتان سقلاطون داري وبرسم رؤساء العشاري من الشقق الدمياطي والمناديل السوسي والفوط الحرير الأحمر وبرسم النواتية التي برسم الخاص من العشارية من الشقق الإسكندراي والكلوتات فوقع بإنفاق جميع ذلك وتفصيل ما يجب منه ثم ابتيع ذلك بمطالعة ثانية برسم ما هو مستمر العموم من النقد العين والورق للموسم المذكورة وهو من العين‏:‏ أربعة آلاف وخمسمائة دينار ومن الورق‏:‏ خمسة عشر ألف درهم فوق بإطلاق ذلك‏.‏

وذكر تفصيل الكسوات والهبات بأسماء أربابها وحضر متولي المائدة الآمرية بمطالعة يستدعي ما جرت به العادة في هذا الموسم من الحيوان والضأن والبقر وغير ذلك من الأنصاف برسم التفرقة والأسمطة وحضر متولي دار التعبية يستدعي ما يبتاع به الثمرة والزهرة وهيئة المتعينين لتعبية السكرة لأجل حلول الركاب بها ومقامه فيها وتعبية جميع مقاصيرها التي برسم الأستاذين والأصحاب والحواشي وهو‏:‏ مائة دينار فوقع بإطلاقها وفي العاشر من الشهر المذكور يعني شهر رجب وفي النيل‏:‏ ستة عشر ذراعًا فتوجه المأمون إلى صناعة العمائر بمصر ورميت العشاريات بين يديه وقد حددت وزينت جميعها بالستور الديبقي الملونة والكوامخ والأهلة الذهب والفضة وشمل الإنعام أرباب الرسوم على عادتهم وعدى في إحدى العشاريات إلى المقياس وخلق العمود بما جرت به عادتهم من الطيب وفرقت رسوم الإطلاق وانكفأ إلى دار الذهب وأمر بإطلاق ما يخص المبيت في المقياس بجميع الشهود والمتصدرين وهي العشرات من الخبز‏:‏ عشرة قناطير وعشرة خراف شوي وعشر جامات حلوى وعشر شمعات وأول من يحضر المبيت‏:‏ الشريف الخطيب سيد المقربين وإمام المتصدرين وله وللجماعة من الدراهم التي تفرق أوفى نصيب‏.‏

قال‏:‏ وخرج الخليفة بزي الخلافة ووقارها وناموسها بالثياب الطميم التي تذهل الأبصار والمنديل بالشدة العربية التي ينفرد بلباسها في الأعياد والمواسم خاصة لا على الدوام وكانت تسمى عندهم‏:‏ شدة الوقار مرصعة بغالي الياقوت والزمرذ والجوهر وعند لباسها تخفق لها الأعلام ويتجنب الكلام ويهاب ولا يكون سلام قريب منه وخليل غير الوزير إلا بتقبيل الأرض من بعيد من غير دنو ثم بين يديه من مقدمي خزائنه من يحمل سيفه ورمحه المرصعين بأفخر ما يكون ثم المذاب التي كان منها عمودها ذهب وينفرد بحملها الصقالبة ويمشي بين الصفين المرتبين راجلًا على بسط حرير فرشت له وكل من الصفين يتناهى في مواصلة تقبيل الأرض إلى أن وصل إلى مجلس خلافته وصعد على الكرسي المغشى بالديباج المنصوب رسم ركوبه وقد صفت الرواض وأزمة الاصطبلات خيل المظلة بعد أن أزالت الأغشية الحرير والشقق الديبقي المذهبة عن السروج وبقيت كما وصفها الله تعالى في كتابه فقدم إليه ما وقع اختياره عليه وأمر أن يجنب البقية في الموكب بين يديه‏.‏

ولما علا ما قدم إليه استفتح مقرئو الحضرة وتسلم جميع مقدمي الركاب ركابه والرواض الشكيمة وزال حكم الأستاذين المستخدمين في الركاب وعادت الموالي والأقارب إلى محالهم واستدعي بالوزير بجميع نعوته فواصل تقبيل الأرض إلى أن قبل ركابه وشرفه بتقبيل يده بحكم خلوها من قضيب الملك في هذه المواسم ولما أدى ما يجب من فرض السلام أخذ السيف من الأمير افتخار الدولة أحد الأمراء الأستاذين المميزين المحنكين متولي خزانة الكسوة الخاص وسلمه بعد أن قبله لأخيه الذي يتولى حمله في الموكب بعد أن أرخيت عذبته تشريفًا له مدة حمله خاصة وترفع بعد ذلك وشد وسطه بالمنطقة الذهب تأدبًا وتعظيمًا لما معه وسلم الرمح والدرقة لمن يتولى حملهما بلواء الموكب‏.‏

ولم يكن للخدمة المذكورة عذبة مرخاة ولا منطقة واستدعى ركوب الوزير وأولاده من عند باب قاعة الذهب وخرج الخليفة من القاعة المذكورة إلى أول دهليز فتلقته جماعة صبيان ركابه العشرة المقدمين أرباب الميمنة والميسرة وصبيان وراء صبيان الرسائل وصبيان السلام كل منهم في الخدمة المعينة لا يخرج عنها لسواها وجميعهم بالمناديل الشروب المعلمة وبأوساطهم العراض الديبقي المقصورة وليس الجميع عبيدًا بشراء ولا سودان بل مولدة وأولاد أعيان وأهل فهم ولسان ثم احتاط بركابه بعدهم من هو على غير زيهم بل بالقنابيز المفرجة والمناديل السوسي وهم المتولون لحمل السلاح الخاص الذي لا يكون إلا في موكبه خاصة على الاستمرار من الصواري والفرنجيات والدبابيس واللتوت والصماصم بالدرق الصيني واليمني بالكوامخ الفضة والذهب ويحصل الاستدعاء من صبيان السلام في مسافة الدهاليز لكل من هو مستخدم في الموكب ركوبه من محل حجبته إلى أن خرج الخليفة من باب الذهب وقد ضربت الغربية وأبواق السلام واجتمع الرهج من كل مكان ونشرت المظلة فاجتمع إليها الزويلية بالعدد الغريبة وظلل بها وسارت بسيره والقرآن الكريم عن يمينه ويساره والحجرية الصبيان المنشدون واجتمع الموكب بجملته على ما ذكر أولًا والترتيب أمامه لمتولي الباب وحجابه وتلوه لمتولي الستر وكل منهم على حكم المدارج التي وصلت إليه لا سبيل إلى الخروج هما رسم فيها وسار بجملة موكبه على ترتيب أوضاعه بين حصنين مانعين من طوارق عساكره فارسها وراجلها كل طائفة المضيئة وليس بينهم طريق لسالك وقد زين لهم جميع ما يكون أمامهم من الطرق جميعها حوانيتها وآدرها وجميع مساكنها وأبواب حاراتها بأنواع من الستور والديباج والديبقي على اختلاف أجناسها ثم بأصناف السلاح وملأت النظارة الفجاج والبطاح والوها والربا والصدقات والرسوم تعم أهل الجانبين من أرباب الجوامع والمساجد وبوابي الأبواب والسقائين والفقراء والمساكين في طول الطريق إلى أن أظل على الخيام المنصوبة‏.‏

فوقف بموكبه واستدعى الوزير بعده من مقدمي ركابه فاجتاز راكبًا بمفرده وجمع حاشيته بسلاحهم رجالة في ركابه بعد أن بالغ في الإيماء بتقبيل الأرض أمامه فرد عليه بكمه السلام‏.‏

وعاد الخليفة في سيره بالموكب بعد أن حصل الوزير أمامه وترجل جميع من شرف بحجبته في ركابه وآخرهم متولي حمل سيفه ورمحه وصبيان السلام يستدعون كل منهم إلى تقبيل الأرض بجميع نعوته إكبارًا له وتمييزًا واحتاطوا بركابه ووصل إلى المضارب في الحرس الشديد على أبوابها وسرادقاتها من كل جانب وقد تبين وجاهة من حصل بها ومكن من الدخول إليها وترجل الوزير في الدهليز الثالث من دهاليزها وتقدم إلى الخليفة وأخذ شكيمة الفرس من يد الرواض وشق به الخيام التي جمعت جمع الصور الآدمية والوحشية وقد فرشت جميعها بالبسط الجهرمية والأندلسية إلى أن وصل إلى القاعة الكبرى فيها وترجل على سرير خلافته وجلس في محل عظمته وأجلس وزيره على الكرسي الذي أعد له واحتاط به المستخدمون من جملة السلاح المنتصب جميعه وحجبوا العيون عن النظر إليه وصف بين يديه الأمراء والضيوف والمشرفون بحجبته وختم المقرئون القرآن العظيم وقدم عدي الملك النائب‏:‏ شعراء المجلس على طبقاتهم وعند انقضاء خدمة آخرهم عادت المستخدمون والرواض مقدمة ما أمروا به من الدواب فعلاه الخليفة والوزير يمسك الشكيمة بيده وانتظم موكبًا عظيمًا والقراء عوض الرهجية والجماعة في ركابه رجالة على حكم ما كانوا عليه أولًا وصعد من القاعة التي في دهاليز الباب القبلي منها فخرج منه وانفصلت خدمة جميع الأمراء والضيوف من ركابه بأحسن وداع من تقبيل الأرض‏.‏وصعد الخليفة ووزيره وأولاده وإخوته والأصحاب والحواشي إلى السكرة وهي من جنات الدنيا المزخرفة وتلقاه أخوه بعظمة سلامه وتقبيل الأرض بين يديه وجلس لوقته وفتحت الطاقات التي في المنظرة وعن يمينه وزيره وعن يساره أخوه جالسان واعتمد الناس جميعهم عند مشاهدته تقبيل الأرض له وإدامة النظر نحوه والمستخدمون جميعهم على السد مشدودي الأوساط واقفين عليه‏.‏

فلما أمرهم الوزير أن يكسروه‏:‏ قبلوا الأرض جميعًا وانصرفوا عنه وتولته الفعلة في البساتين السلطانية بالفتح من الحانيين والقرآن والتكبير من الجانب الغربي حيث الخليفة والرهج واللعب من الجانب الشرقي ولما كمل فتحه‏:‏ انحدرت العشاريات عن آخرها اللطيف منها يقدم الكبير والجميع مزينة بالذهب والفضة والستور المرقومة ورؤساؤهم وخدامهم بالكسوات الجميلة وبعد ذلك غلقت الطاقات وحل الخليفة بالمقصورة التي لراحته وكذلك الوزير وأولاده وإخوته وجميع الأمراء الأستاذين والأصحاب والحواشي واستدعي للوقت والي مصر من البر الشرقي وخلع عليه بدلة منديلها وثوبها مذهبان وثوبان عتابي وسقلاطون وقبل الأرض من تحت المنظرة وعدى في البحر إلى حفظ مكانه‏.‏

ثم استدعي بعده حامي البساتين ومشارفها فخلع عليهما بدلتين حريري وثوبين سقلاطون وعتابي ثم متولي ديوان العمائر كذلك ثم مقدمي الرؤساء كذلك واعتمد كل من سلم إليه الإثباتات المشتملة على أصناف الأنعام من العين والورق وصواني الفطرة والموائد التي يهتم بها جميع الجهات والخراف المشوية والجامات الحلواء تفرقة ذلك على ما رسم وهو شامل غير مخصص من أخي الخليفة والوزير إلى الأصحاب والحواشي من أرباب السيوف والأقلام ثم الأمراء المستخدمين والضيوف المميزين من الأجناد وغيرهم من الأدوان ممن يتعلق به خدمة تختص بالموسم من البحارة وأرباب اللعب وغيرهم وعبيت الأسمطة في المسطحات المنصوبة لها بالجانب من الباب الغربي من الخيام‏.‏

وأمر الوزير أخاه‏:‏ بالمضي إليها والجلوس عليها فتوجه وبين يديه متولي حجبة الباب ونوابه والمعروفية والحجاب واستدعت الأمراء والضيوف بالسقاة من خيامهم وأجلس كل منهم على السماط في موضعه على عادتهم وتلاهم العساكر على طبقاتهم ولم يمنع حضورهم ما يسير لكل منهم من جميع ما ذكر على حكم ميزته‏.‏

ولما انقضى حكم الأسمطة المختصة بالأمراء الكبار عاد أخو الوزير إلى حيث مقر الخلافة وبقي متولي الباب جالسًا لأسطمة العبيد وجميع المستخدمين من الراجل والسودان وعبيت المائدة الخاص بالسكرة التي ما يحضرها إلا العوالي الخاص المستخدمون في الخدم الكبار ويجمع له حالتان حضوره في أشرف مقام‏.‏

وجلوسه في محل يحصل له به حرمة وذمام‏.‏

وجلس الخليفة عليها وأخوه على شماله ووزيره على يمينه بعد أن أدى كل منهما ما يجب من سلامه وتعظيمه وحضر أولاد الوزير وإخوته والشيخ أبو الحسن‏:‏ كاتب الدست وابنه سالم ومن الأستاذين المحنكين أرباب الخدم وجرى الحال في المائدة الشريفة على ما هو مألوف وفرق من جملتها لكل من أرباب الخدمة الذين لم يحضروا عليها ما هو لكل منهم على سبيل الشرف وتميز في ذلك اليوم خاصة ما يختص بالقاضي وشهوده والداعي وابن خاله الذين يخصصون عن سواهم بمقامهم دون غيرهم في قاعة الخيمة الكبرى أمام سرير الخلافة المنصور مدة النهار ولما تكامل وضع المائدة وانقضى حكمها قبل كل من الحاضرين الأرض وانصرف بعد أن استصحب منها ما تقتضيه نفسه على حكم الشرف والبركة‏.‏

ويقضي بعد ذلك الفرائض الواجبة في وقتها ولا بد من راحة بعدها وحضر مقدمًا الركاب وحاسبًا كاتب الدفتر على ما معهما برسم تفرقة الرسوم والصدقات في مسافة الطريق فكمل لهما على ما بقي معهما مثل ما كان أولًا ولما استحق العود عاد كل من المستخدمين إلى شغلة من ترتيب الموكب ومصفات العساكر وترتيب من يشرف بالحضرة من الأمراء والضيوف وفرقت الصواني الخاص التي تكون بين يدي الخليفة مدة النهار الجامعة للثروة من كل جهة والزينة من كل معنى والغرابة من كل صنف وقد جمعت ملاذ جميع الحواس والعدة منها يسيرة وليس ذلك لتقصير من هم الجهات التي تتنوع فيها بالغرائب بل للتعب الشديد عليها ثم لضيق الزمان لأن كلًا منها لا مندوحة أن يكون فيه زهرة وثمرة وطول المكث كذلك يتلف ما فيها وإذا شملت مع قلتها من له الوجاهة العالية من أخي الخليفة والوزير لم يكن له غير صينية واحدة وأخذ كل من الحاشية أهبة تجمله لموضع ميزته وغير الخليفة ثيابه بما يقتضيه الموكب وهو بدلة حريري بشدة الوقار وعلم الجوهر وسير إلى الوزير صحبة مقدم خزانة الكسوة الخاص على يد المستخدمين عنده من الأستاذين من جملة بدلات الجمع التي يتوجه منها إلى زيه ما يؤمر به من السعي إليه بدلة مكملة حريري ومنديلها بياض بالشدة الدانية غير العربية‏.‏

ولما لبس ما سير إليه وحضر بين يديه لشكر نعمته أمره بركوب أخيه في إحدى العشريات فامتثل أمره وتوجه صحبته من السكرة بجميع خواصه وحواشيه وفتح لهم الباب الذي هو منها بشاطئ الخليج وقدم له إحدى العشاريات الموكبية وفيها مقدم رياسة البحرية فركب فيها بجمعه والوزير واقف راجل على شاطئ الخليج خدمة له إلى أن انحدرت العشاريات جميعها قدامه ومراكب اللعب بغير أحد من أرباب الرهج والمستخدمون في البرين يمنعون من يقاربه والمتفرجون لا يصدهم ويردهم ما يحل بهم بل يرمون أنفسهم من على الدواب ويسيرون بسيره‏.‏

وعاد الوزير إلى السكرة فلما شاهد الخليفة الدواب الخاص التي برسم ركوبه أمره بما وقع عليه اختيار منها وعلاه فاحتاط بركابه مقدمو الركاب واستفتح القراء وخرج من باب السكرة ودخل من باب الخليفة القبلي وشق قاعتها على سرير مملكته وخص بالسلام فيها شيوخ الكتاب العوالي والقاضي الداعي ومن معهما ولهم بذلك ميزة عظيمة يختصون بها دون غيرهم وخرج منها إلى البستان المعروف‏.‏

بنزار وسار في ميدانه وجميعه من الجانبين صور معقود من شجر نارنج أصولها مفترقة وفروعها مجتمعة وظللت الطريق وعليها من الثمرة التي أخرجها من وقته إلى هذا اليوم وقد خرجت بهجتها عن المعتاد وحصل عليها ثمرة سنتين إحداهما انتهت والأخرى في الابتداء وهو بهيئته وزيه وترتيب عساكره وأمرائه وخرج من الباب بعد أن عم من له رسم بإنعامه وعاد الرهج والموكب على ما كان عليه‏.‏

فلما وصل إلى وقال في كتاب الذخائر‏:‏ إن مما أخرج من القصر في سنة إحدى وستين وأربعمائة في خلافة المستنصر قبة العشاري وقاربه وكسوة رحله وهو مما استعمله الوزير أحمد بن علي الجراجراي في سنة ست وثلاثين وأربعمائة وكان فيه مائة ألف وسبعة وستون ألفًا وسبعمائة درهم فضة نقرة وإن المطلق لصناع الصاغة عن أجرة ذلك وفي ثمن لطلائه خاصة ألفان وسبعمائة دينار وعمل أبو سهل التستري لوالدة المستنصر عشاريًا يعرف بالفض وحلي رواقة بفضة تقديرها مائة ألف وثلاثون ألف درهم ولزم ذلك أجرة الصناعة ولطلاء بعضه‏:‏ ألفان وأربعمائة دينار واستعمل كسوة برسمه بمال جليل وأنفق على العشاريات التي برسم النزه البحرية التي عدتها ستة وثلاثون عشاريًا بالتقدير بجميع آلاتها وكساها وحلاها من مناطق ورؤوس منجوقات وأهلة وصفريات وغير ذلك‏:‏ أربعمائة ألف دينار‏.‏