فصل: من شعر البدر محمد بن فضل الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 بدر الدين‏:‏ محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله ولاّه الملك الأشرف شعبان بن حسين كتابة السرّ وأبوه في مرض موته يوم الخميس ثامن عشري شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة وله من العمر تسع عشرة سنة وجعل أخاه عز الدين حمزة نائبًا عنه فباشر إلى شوّال سنة أربع وثمانين وسبعمائة وفصرف بأوحد الدين فنزل إليه الأمير إسماعيل بن يس ولزم داره فلم يره أحد بثياب جلوسه من غير خف ولا فرجية ولا شاش وصعد إلى القلعة فخلع عليه في اليوم الرابع من ذي الحجة سنة ست وثمانين فلما ثار الأمير يلبغا الناصري على الملك الظاهر وخلعه من الملك وأقام الملك الصالح حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين ولقبه بالملك المنصور ثم خرج الملك الظاهر برقوق من محبسه بالكرك وسار إلى محاربة الأمير تمربغ منطاش ومعه المنصور حاجي فخرج ابن فضل الله فلما انهزم منطاش على شعجب واستولى برقوق على المنصور والخليفة والقضاة والخزائن وكان ابن فضل الله وأخوه عز الدين قي من فرّ مع منطاش إلى دمشق فأقام بها واستولى برقوق على تخت المالك بقلعة الجبل فولى علاء الدين عليّ بن عيسى الكركي كتابة السرّ وأخذ ابن فضل الله يتحيل في الخروج من دمشق وسيّر إلى السلطان مطالعة فيها من شعره‏:‏ يُقبل الأرض عبد بعد خدمتكم قد مسّه ضررٌ مثله ضرَرُ حصرٌ وحبسٌ وترسيمٌ أقام به وفرقةٌ الأهلِ والأولادُ والفكرُ والشغل يقضي لأن الناسَ قد ندموا يرجو بكم فرجًا يأتي وينتظرُ والشغل يقضي لأن الناسَ قد ندموا إذ عاينوا الجورَ من منطاشَ ينتشرُ جورًا كما فرّطوا في حقكم ورأوا ظلمًا عظيمًا به الأكباد تنفطرُ والله إن جاءهم من بابكم أحدٌ قاموا لكم معَهُ بالروحِ وانتصروا اللهُ ينصركم طول المدا أبدًا يا من زمانهم من دهرنا غررُ قدم إلى القاهرة ومعه أخوه عز الدين حمزة وجمال الدين محمود القيصري ناظر الجيش وتاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر وشمس الدين محمد بن الصاحب فما زال في داره إلى أن سافر الملك الظاهر إلى بلاد الشام في سنة ثلاث وتسعين فتقدّم أمره إليه بالمسير مع العسكر فسار بطالًا وقدّر الله تعالى علاء الدين الكركي فولاه كتابة السرّ وصرف الكركي في شوّال فسار بطالًا وقدّر الله تعالى علاء الدين الكركي فولاه كتابة السرّ وصرف الكركي في شوّال وكانت هذه ولاية ثالثة فباشر وتمكن هذه المرّة من سلطان تمكنًا زائدًا إلى أن سافر الملك الظاهر إلى بلاد الشام في سنة ثلاث وتسعين فتقدّم أمره إليه بالمسير مع العسكر فسار بطالًا وقدّر الله تعالى ضعف علاء الدين الكركي فولاه كتابة السرّ وصرف الكركي في شوّال وكانت هذه ولاية ثالثة فباشر وتمكن هذه المرّة من سلطان تمكنًا زائدًا إلى أن سافر السلطان إلى البلاد الشامية في سنة ست وتسعين فمات بدمشق يوم الثلاثاء لعشرين من شوّال سنة ست وتسعين وسبعمائة ودفن بتربتهم بسفح قاسيون ومات أخوه حمزة بدمشق أيضًا في أوائل المحرم سنة سبع وتسعين وسبعمائة ودفن بها وانقطع بموتهما هذا البيت فلم يبق من بعدهما إلاّ كما قال الله سبحانه ‏"‏ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا ‏"‏‏.‏و

 

من شعر البدر محمد بن فضل الله

ما كتبه عنوانًا لكتاب الملك الظاهر برقوق جوابًا عن كتاب تمرلنك الوارد إلى مصر في سنة ست وتسعين وسبعمائة وعنوانه‏:‏

سلامٌ وإهداءُ السلام مِن البعدِ ** دليلٌ على حفظ المودّةِ والعهدِ

فافتتح البدر العنوان بقوله‏:‏

طويلُ حياةُ المرءِ كاليوم فِي العدِّ ** فخبرته أن لا يزيدُ على العدِّ

وكتب فيه من شعره أيضًا جوابًا عن كثرة تهديد تمرلنك وافتخاره‏:‏

السيفُ والرمحُ والنشابُ قد علم** ت منا الحروبَ فسل منها تلبيكا

إذا التقينا تجد هذا مشاهدة ** في الحرب فأثبت فأمرُ الله آتــيكا

بخدمة الحرمين اللهُ شرَّفنا ** فضلًا وملّكنا الأمصارَ تمـــليكا

وبالجميلِ وحلو النصرِ عوّدنا ** خذ التواريخَ واقرأها فَتُنــبيكا

والأنبياء لنا الركنُ الشديدُ وكم ** بجاهِهِمْ من عدوٍّ راح مفكوكـا

ومن يكن ربه الفتاحُ ناصِرُهُ ** ممنْ يخافُ وهذا القول يكفيكــا

وقال‏:‏

إذا المرء لم يعرف قبيحُ خطيئةٍ ** ولا الذنب منه مع عظيم بلـيتهِ

ذلك عينُ الجهلِ منه مع الخطا ** وسوف يرى عقباهُ عند منـيـتهِ

وليس يجازي المرء إلا بفعله ** وما يرجع الصياد إلا بنــيتــهِ

وهذه الدار كانت موجودة قبل بني فضل الله وتعرف بدار بيبرس فعمر فيها محيي الدين وابنه علاء الدين وكانت من أبهج دور القاهرة وأعظمها وما زالت بيد أولاد بدر الدين وأخيه الدين أحمد الحاجب المعروف بسيدي أحمد بن أخت جمال الدين دار بني فضل الله منهم كما أخذ خاله دور الناس وأوقافهم وعوض أولاد ابن فضل الله عنها وغيّر كثيرًا من معالمها وشرع في الازدياد من العمارة اقتداءً بخاله فأخذ دورًا كانت بجوار مستوقد حمام ابن عبود المقابلة لدار ابن فضل الله واغتصب لها الرخام والأحجار والأخشاب وهدم عدّة دور وكثيرًا من الترب بالقرافة منها تربة الشيخ عز الدين بن عبد السلام وكانت عجيبة البناء وأدخل ذلك في عمارته المذكورة ووسع فيها من جهة البندقانيين ما كان خرابًا منذ الحريق الذي تقدّم ذكره وأنشأ من هناك حوض ماء يشرب منه الدواب فلما قارب إكمالها قبض الملك الناصر فرج على خاله جمال الدين يوسف استادار وقتله وكان أحمد هذا ممن قبض عليه معه فوضع الأمير تغري بردي وهو يومئذٍ أجلُّ أمراء الناصر يده على هذه الدار وما رضي بأخذها حتى طلب كتابها فإذا به قد تضمن أنّ أحمد قد وقف هذه الدار وما رضي بأخذها حتى طلب كتابها فإذا به قد تضمن أنّ أحمد قد وقف هذه الدار فلم يزل بقضاة العصر حتى حكموا له بهذه الدار وجعلوها له بطريق من طرقهم فأقام فيها حتى أخرجه الناصر لنيابة دمشق في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فنزل بها الأمير دمرداش بإرث ابنة جمال الدين وهي امرأة أحمد المذكور ولها منه أولاد وأرادت استرجاع الدار كما فعلت في مدرسة أبيها وكان دار بيبرس‏:‏ هذه الدار فيما بين دار ابن فضل الله والسبع قاعات في ظهر حارة زويلة وقيبة من سيوقة المسعودي تشبه أن تكون من جملة اصطبل الجميزة كانت دار الشريف بن تغلب صاحب المدرسة الشريفية برأس حارة الجودية ثم عُرفت بالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فإنه كان يسكنها وهو أمير قبل أن يلي السلطنة وجدّد رخامها من الرخام الذي دل عليه الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح بالقصر الذي عرف بقصر أمير سلاح من جملة قصر الخلفاء كما سيأتي خبر ذلك عند ذكر الخانقاة الركنية بيبرس فإن بيبرس هذا هو الذي أنشأها ولم تزل إلى أن هدمها ناصر الدين محمد بن البارزي الحمويّ كاتب السرّ بعدما اشتراها نقضًا كما اشترى غيرها من الأوقاف وذلك فس سنة إحدى وعشرين وثمانمائة‏.‏

السبع قاعات‏:‏ هذه الدار عرفت بالسبع قاعات وهي يُتوصل إليها من جوار دار بيبرس المذكورة ومن سويقة الصاحب وقد صارت عدّة مساكن جليلة ومكانها من جملة اصطبل الجميزة أنشأها الوزير الصاحب علم الدين بن زنبور ووقفها من جملة ما وقف فلما قبض عليه الأمير صرغتمش في حل أوقافه ووعد بالسبع قاعات خوند قطلوبنك ابنة الأمير تنكز الحساميّ نائب الشام أمّ السلطان الملك الصالح صالح بن الناصر محمد بن قلاوون ولقَّنه الشريفان سرف الدين عليذ بن حسين بن محمد نقيب الأشراف وأبو العباس الصفراويّ أنّ الناصر لما قبض على كريم الدين الكبير بعث إلى كريم الدين من شهد عليه أنّ جميع ما صار بيده من الأملاك وقفها وطلقها إنما هو من مال السلطان دون ماله وشهد بذلك عند قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة فأثبت بهذه الشهادة أن أملاك كريم الدين جارية في أملاك السلطان فأقرّ السلطان ما وقفه كريم الدين منها على حاله وسماه الوقف الناصري فلما جلس السلطان الملك الصالح بدار العدل وحضر قاضي القضاة والأمراء وغيرهم من أهم الدولة على العادة تكلم الأمير صرغتمش مع قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن جماعة في حل أوقاف ابن زنبور فإنها ملك السلطان ومن ماله اشتراها وذكر قضية كريم الدين فأجابه بأنّ تلك القضيى كانت صحتها مشهورة وذلك أنّ خزائن السلطان وحواصله وأمواله كلها كانت بيد كريم الدين وفي داره يتصرف فيها على ما يختاره جعل له السلطان بتوكيله والإذن له في التصرّف بخلاف ابن زنبور فإنه كان يتصرّف في ماله الذي اكتسبه من المتجر وغيره فما وقفه وثبت وقفه وحكم قضاة الإسلام بصحته لا سبيل إلى حله وساعده في ذلك القاضي موفق الدين عبد الله الحنبليّ وتردّد الكلام بينهما في ذلك فاحتج عليهما الأمير صرغتمش بما لقناه الشريفان من مشاطرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عماله وأخذه من كل عامل نصف ماله وأن مال الوزير جميعه من مال السلطان فقال له ابن جماعة‏:‏ يا أمير إن كنت تبحث معنا في هذه المسألة بحثنا معك وإن كان أحد قد ذكرها لك فليحضر حتى نبحث معه فيها فإنّ الذي ذكر لك هذه المسألة إنما قصد أن تصادر الناس وتأخذ أموالهم فوافقه رفقته الثلاثة قضاة على قوله وأرد ابن جماعة بقوله هذا التعريض بالشريفين وكان اختصاصهما بالأمير صرغتمش وقيامهما على ابن زنبور مشهورًا فشق هذا على الأمير صرغتمش وانفض المجلس وقد اشتدّ حنقه لما رُدّ عليه من كلامه وعورض فيها من مراده فبعثت خوند أم السلطان إلى ابن جماعة تعرّفه ما وُعدت به من مصير السبع قاعات إليها وأكدت عليه في أنْ لا يعارضها في حلٍّ أوقاف ابن زنبور فأجابها بتقبيح هذا وخوّفها سوء عاقبته فكفت عنه ولقوّة غيظ الأمير صرغتمش مرض مرضًا شديدًا من انفتاح صدره ونفثه الدم حتى خيف عليه الموت ثم عوفي بعد ذلك بأيام وذلك كله في سنة أربع وخمسين وسبعمائة واستمرت السبع قاعات وقفا بيد ذرية ابن زنبور إلى يومنا هذا إلاَّأنّ الأمير صرغتمش المذكور أخذ رخامها ووجد فيها شيئًا كثيرًا من صينيّ ونحاس وقماش وغير ذلك قد أثخفي في زواياها‏.‏

علم الدين‏:‏ عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم المعروف بابن زنبور أوّل ما باشر به استيفاء الوجه القبلي شريكًا لوهب بن سنجر وطلع صحبته الأمير علم الدين عبد الرزاق كاشف الوجه القبليّ ونهض فيها فلما كانت مصادرة ابن الجيعان كاتب الإصطبل طلب السلطان سائر الكتاب وكان منهم ابن زنبور فعرضهم ليخار منهم فشكر الفخر ناظر الجيش منه وقال‏:‏ هو ولد تاج الدين رفيقه وشكره الأكوز فلما انفض المجلس طلبه خلع عليه فباشر نظر الإصطبل في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ونال فيه سعادة طائلة واستمرّ إلى أن مات السلطان الملك محمد وحكم الأمير ايدغمش فباشر استيفاء الصحبة فلما قبض على حمال الكفاة ناظر الخاص وناظر الجيش وعلى الموفق ناظر الدولة وعلى الصفيّ ناظر البيوت المرعوف بكاتب قوصون في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ومات حمال الكفاة في العقوبة يوم الأحد سادس شهر ربيع الأوّل عيّن ابن زنبور لوظيفة نظر الخاص ثم قرّر فيها القاضي موفق الدين هبة الله بن إبراهيم ناظر الدولة وكان ابن زنبور وهو مستوفي الصحبة قد سيّره حمّال الكفاة قبل القبض عليه لكشف القلاع الشامية ومعه جاراكتمر الحاجب إبعادًا له وكان الأمير أرغون العلائي يعنى به فلما قبض على حمّال الكفاة تحدّث له العلائي مع السلطان الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون في نظر الخاص فبعض في طلبهن ثم لم يحضر إلاَّ بعد شهر فتحدّث الوزير نجم الدين محمود بن عليّ المعروف بوزير بغداد مع السلطان في ولاية الموفق نظر الخاص فخلع عليه وحضر ابن زنبور من الشام فباشر نظر الولة علم الدين بن سهلوك وابن زنبور على ما هي عادته في استيفاء الصحبة ونهض في المباشرة وحصّل الأموال ودخل هو والوزير نجم الدين وشكيا توقف الدولة من كثرة الإنعامات والإطلاقات للخدم والجواري ومن يلوذ بهم فتقرّر الحال مع الأمراء على كتابة أوراق بكلفة الدولة فلما قُرئت بمحضر ن الأمراء بلغت الكلف ثلاثين ألف ألف درهم والمتحصل خمسة عشر ألف درهم فأبطل ما استجدّ بعد موت الملك الناصر بأسره فلم يستمرّ غير شهر واحد حتى عاد الأمر على ما كان عليه بحيث بلغ مصروف الحوائج خاناه في كل يوم اثنين وعشرين ألف درهم بعد ما كانت في أيام الناصر محمد ثلاثة عشر ألف درهم فلما مات الملك الصالح إسماعيل وأقيم في الملك من بعده أخوه الملك الكامل سيف الدين شعبان بن محمد صرف الموفق عن نظر الخاص ونقل ابن زنبور من استيفاء الصحبة إليها واستقرّ فخر الدين السعيد في استيفاء الصحبة وذلك في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة فباشر ذلك إلى أخريات رجب نيفًا وثمانين يومًا فولى الملك الكامل نظر الخاص لخفر الدين ابن السعيد مستوفي الدولة وأعاد ابن زنبور من نظر الخاص إلى استيفاء الدولة فلما كان في المحرّم سنة سبع وأربعين أعين نجم الدين وزير بغداد إلى الوزارة وقرّر ابن زنبور في نظر الدولة فاستمرّ إلى أن قُتل الكامل شعبان وأقيم في الملك من بعده أخوه الملك الظفر حاجي في مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين فطلب ابن زنبور وأعيد إلى نظر الخاص وقبض على فخر الدين بن سعيد وطولب بالحمل وأضيف إليه نظر الجيش فباشر ذلك إلى سنة إحدى وخمسين فأضيف إليه الوزارة في يوم الخميس سابع عشري ذي القعدة وخلع عليه وكان له يوم عظيم جدًّا فلما كان يوم السبت جلس بشباك قاعة الصاحب من القلعة في دست الوزارة واستدعى جمع المباشرين وطلب المقدّم ابن يوسف وشدّ وسطه على ما كان عليه وطلب المعاملين وسلفهم على اللحم وغيره واستكتب المباشرين أنه لم يكن في بيت المال ولا الاهرا من الدراهم والغلال شيء البتة ودخل بها وقرأها على السلطان والأمراء وشرع في عرض أرباب الوظائف كلهم وطلب حساب الأقاليم بأسرها وولى صهره فخر الدين ماجد فرويتة نظر البيوت وأنفق جامكية شهر وحمل الرواتب إلى الدور السلطانية‏.‏

والأسمطة من السكر والزيت والقلوبات وغير ذلك وأقام بكتمر المومني في وظيفة شدّ الدواوين وألزم نفسه في المجلس السلطاني بحضرة الأمراء أنه يباشر الوزارة بغير معلوم وقرّر ابنه في ديوانه المماليك والتزم أنّه لا يتناول معلومًا بل يوفر المعلومين للسلطان وأبطل رمي الشعير والبرسيم من بلاد مصر وكان يحصل برميها ضرر كبير فإن ذلك كان يحصل من سائر البلاد فيغرم على كل أردب أكثر من ثمنه والتزم بتكفية بيت المال من الشعير والبرسيم بغير ذلك فبطل على يديه وكتب به مرسوم وكتب نقشًا على حجر في جانب باب القلعة من قلعة الجبل وأمر بقياس أراضي الجيزة فجاء زيادتها عن الارتفاع الذي مضى ثلثمائة ألف درهم وعنها خمسة عشر ألف دينار فلم يزل إلى سابع عشري شوّال سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فأحيط به وقبض عليه حسدًا له على ما صار إليه ولم يجتمع لغيره في الدولة التركية وتولى القيام عيه الأمير صرغتمش لأنه علم أنه من جهة الأمير شيخو ويقوم له بجميع ما يختاره وأعانه عليه الأمير طاز وما زال يدأب في ذلك إلى أن عاد السلطان الملك الصالح من دمشق في يوم الإثنين خامس عشري شوّال سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة إلى قلعة الجبل وعمل يوم الخميس سماطًا مهمًا في القلعة ولما انفض السماط خلع على سائر أرباب الوظائف من الأمراء وعلى الوزير وسائل المباشرين فاتفق لما قدّره الله تعالى أنه حضر إلى الأمير صرغتمش وهو يومئذ رأس نوبة عشر تشريف غيّر تشريفه ودون رتبته فأخذه ودخل إلى الأمير شيخو وألقى البلقجة قدّامه وقال‏:‏ أنظر فعل الوزير معي وكشف الخلعة فقال شيخو هذا غلط فقام وقد أخذه من الغضب شهب الجنون وقال‏:‏ هذا شغل الوزير وأنا ما اصبر على أن أهان لهذا الحدّ ولا بدّ لي من القبض عليه ومهما شئت أنت افعل بي وخرج فإذا الوزير داخل لشيخو وعليه خلعة فصاح في مماليكه خذوه فكشفوا الخلعة عنه وسحبوه إلى بيت صرغتمش وسرّح مماليكه في القبض على جميع حاشية الوزير فقبض على سائر من يلوذ به لأنهم كانوا قد اجتمعوا بالقلعة وخالطت العامّة المماليك في القبض علءس الكتاب وأخذوا منهم في ذلك اليوم شيئًاكثيرا حتىأن بعض الغلمان صار إليه في ذلك اليوم ستة عشر دواة من دوي الكتاب فلم يمكن منها أربابها إلاّ بمال يأخذه على كل دواة ما بين عشرين إلى خمسين درهمًا وأمّا ما سلبوه من العمائم والثياب المهاميز الفضة فشيء كثير وخرج الأمير قشتمر الحاجب وغيره في جماعة إلى دوره التي بالصوصة من مصر فاوقعوا الحوطة على حريمه وأولاده وختموا سائر بيوته وبيوت حواشيه وكانوا قد اجتماعوا وتزينوا لقدوم رجالهم من السفر وأنزل الوزير في مكان مظلم من بيت صرغتمش فلما أصبح طلب ولد الوزير وصار به صرغتمش إلى بيت أبيه وأحضر أمّه ليعاقبه وهي تنظره حتى يدلوه على المال ففتحوا له خزانة وجد فيها خمسة عشر ألف دينار وخمسين ألف درهم فضة وأخرج من بئر صندوق فيه ستة آلاف دينار وشيء من المصالح وحضرت أحماله من السفر فوجد فيها ستة آلاف دينار ومائة وخمسون ألف درهم فضة وغير ذلك من تحف وثياب وأصناف وألزم والي مصر بإحضار بناته فنودي عليهنّ في مصر والقاهرة وهجمت عدّة دور بسببهن ونال الناس من نكاية أعدائهم في هذه الكائنة كل غرض فإن كان الرجل يتوجه إلى أحد من جهة صرغتمش ويرمي عدوذه بأنّ عنده بعض حواشي ابن زنبور فيؤخذ التهمة ولقي الناس من ذلك بلاءً عظيمًا‏.‏

ثم حمل إلى داره وعرّي ليضرب فدل على مكان استخرج منه نحو من خمسة وستين ألف دينار فضرب بعد ذلك وعرّيت زوجته وضرب ولده فوجد له شيء كثير إلى الغاية‏.‏

قال الصفديّ خليل بن أيبك الملقب صلاح الدين في كتاب أعيان العصر‏:‏ وأمّا ما أُخذ منه في المصادرة في حال حياته فنقلت من خط الشيخ بدر الدين الحمصيّ في ورقة بخطه على ما أملاه القاضي شمس الدين البهنسيّ أواني ذهب وفضة ستون قنطارًا جوهر ستون رطلًا لؤلؤ أردبان ذهب مصكوك مائتا ألف وأربعة آلاف دينار ضمن صندوق ستة آلاف حياصة ضمن صناديق زركش ستة آلاف كلوته ذخائر عدّة قماش بدنه ألفان وستمائة فرجية بسط آلاف صنجة دراهم خمسون ألف درهم شاشات ثلثمائة شاش دواب عاملة سبعة آلاف حلابة ستة آلاف خيل وبغالألف دراهم ثلاثة أرداب معاصر سكر خمسة وعشرون معصرة إقطاعات سبعمائة كل إقطاع خمسة وعشرون ألف درهم عبيد مائة خدّام ستون جواري سبعمائة أملاك القيمة أربعة آلاف دينار مراكب سبعمائة رخام القيمة عنه مائتا ألف درهم نحاس قيمته أربعة آلاف دينار سروج وبدلات خمسمائة مخازن ومتاجر أربعمائة ألف دينار نطوع سبعة آلاف دواب خمسمائة بساتين مائتان سواقي ألف وأربعمائة‏.‏

وكان في وقت القبض عليه أشدّ الناس قيامًا في إفساد صورته الشريف شرف الدين عليّ بن الحسين نقيب الأشراف والشريف أبو العباس الصفراوي وبدر الدين ناظر الخاص وأمير المؤمنين والصوّاف واتادار الأمير صرغتمش فأوّل ما فتحوه من أبواب المكايد أن حسنوا الصرغتمش أن يأمر بالإشهاد عليه‏.‏

أن جميع ماله فصير إليه ابن الصدر عمر وشهود الخزانة فاشهد عليه بذلك ثم كتبوا فُتي في رجل يدعي الإسلام ويوجد في بيته كنيسة وصلبان وشخوص من تصاوير النصارى ولحم الخنزير وزوجته نصرانية وقد رضي لها بالكفر وكذلك بناته وجواريه وأنه لا يصلي ولا يصوم ونحو ذلك وبالغوا في تحسين قتله حتى قالوا لصرغتمش‏:‏ والله لو فتحت جزيرة قبرص ما كتب لك أجر من الله بقدر ما يؤجرك الله على ما فعلته مع هذا فأخرج في باشا وزنجير وضرب رحبة قاعة الصاحب من القلعة بالمقارع وتوالت عقوبته وأسلم لشادّ الدواوين ليعاقبه حتى يموت فقام الأمير شيخو في أمره فردّه صرغتمش إلى داره وأكرمه وأقام عنده إلى سابع عشري المحرّم سنة أربع وخمسين فأخرجه من داره وتسلمه شادّ الدواوين وعاقبه عقوبة الموت في قاعة الصاحب فاتفق ركوب الأمير شيخو من داره إلى القلعة وابن زنبور يعاقب فغضب من ذلك ووقف ومنع من ضربه وبلغ الخبر صرغتمش فصعد إلى القلعة وجرى له مع شيخو عدّة مفاوضات كادت تفضي إلى فتنة وآل الأمر فيها إلى تسفير ابن زنبور إلى قوص فأخرج من ليلته وكانت مدّة ثلاثة أشهر وأقام بمدينة قوص إلى أن عرض له مرض أقام به أحد عشر يومًا ومات يوم الأحد سابع عشري ذي القعدة سنة أربع وخمسين وسبعمائة وله بالقاهرة السبيل الذي على يسرة من دخل من باب زويلة بجوار خزانة شمائل وقد دخل في الجامع المؤيدي‏.‏

دار الدوادار‏:‏ هذه الدار فيما بين حارة زويلة واصطبل الجميزة وهي اليوم من جملة خط السبع قاعات عرفت‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏‏.‏

‏.‏

دار فتح الله‏:‏ هذه الدار اليوم بخط سويقة المسعوديّ كان موضعها زقاقًا يعرف بزقاق البناده وفيه باب قاعة أنشأها سعد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب بن النجيب أبي الفضائل الميمونيّ أحد مباشري ديوان الجيش وهي قاعة في غاية الملاحة من جودة رخام وكثرة دهان وحسن ترتيب ومات الميمونيّ في ثاني ذي الحجة سنة خمس وتسعين وسبعمائة فسكنها فتح الله بن معتصم وهو يومئذ رئيس الأطباء فلما ولي كتابة السر شره إلى العمارة فأخذ ما في الزقاق المذكور من الدور شيئًا بعد شيء وأخرج منها سكانها وهدمها وابتنى قاعة تجاه قاعة الميمونيّ وجعل فيها بئرًا وفسقية ماء وبنى بها حمّامًا ثم أنشأ اصطبلًا كبيرًا لخيوله ولم يقنع بذلك حتى حمل القضاة على الحكم له باستبدال دار الميمونيّ وكانت وقفًا على أولاد الميمونيّ ومن بعدهم على الحرمين فعمل له طرف في جواز الاستبدال بها على ما صار القضاة يعتمدونه منذ كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة فلما تم حكم القضاة له بتملكها غير بابها وزادفي سعتها‏.‏

وأضاف إليها عدّة مواضع مما بجوارها وغرس في جانبها عدّة أشجار وزرع كثيرًا من الأزهار التي حُملت إليه من بلاد الشام وبالغ في تحسين رخام هذه الدار وأنشأ دهيشة كيسة إلى الغية بوسطها فسيقة ماء ينخرط إليها الماء من شاذروان عجيب الصنعة بهج الزيّ وتشرف هذه الدهيشة على هذه الجنينة التي أبدع فيها كل الأبداع وركب علو هذه القاعة الأروقة العظيمة وبنى بجوارها عدّة مساكن لمماليكه ومسجدًا معلقًا كان يصلي فيه وراء إمام راتب قرّره له بمعلوم جار فجاءت هذه الدار من أجلّ دور القاهرة وأبهجها ووقف ذلك كله مع أشياء غيرها على تربتها التي أنشأها خارج باب البرقية وعلى عدّة جهات من البر فلما نكب أكره حتى رجع عن وقف هذه الدار على ما عينه في كتاب وقفه وجعلها وقفًا على أولاد السلطان الملك المؤيد شيخ فلما مات المؤيد عاد ذلك إلى وقف فتح الله‏.‏

فتح الله بن المعتصم بن نفيس الإسرايلي الداوديّ التبريزسّ رئيس الأطباء وكاتب السرِّ ولد بتبريز في سنة تسع وخمسين وسبعمائة وكان قد قدم جدّه نفيس إلى القاهرة في سنة أربع وخمسين فأسلم وعظم بين الناس ثم قدم فتح الله مع أبيه فنشأ بالقاهرة في كفالة عمه ونظر في الطب وعاشر الفقهاء واتصل بصحبة بعض الأمراء فعرف منه أحد مماليكه وكان يسمى بشيخ فلما تأمّر شيخ فرّبه وأنكحه وفوّض إمر ديوانه ثم مات عمه بديع ابن نفيس فأقرّه الملك الظاهر برقوق مكانه في رياسة الأطباء فباشرها مباشرة مشكورة واختص بالملك الظاهر برقوق اختصاصًا كبيرًا فلما مات بدر الدين محمود الكلسانيّ قلده وظيفة كتابة السرّ وخلع عليه في يوم الإثنين حادي عشر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة فقُبض عليه واستقرّ بدله في كتابة السر سعد الدين إبراهيم بن غراب وضرب حتى حمل مالً ثم أفرج عنه فلزم داره إلى شهر رمضان فحمل إلى دار الوزير فخر الدين ماجد بن غراب وألزم بمال آخر فحمله وأطلق فقام الأمير جمال الدين يوسف الأستادار في أمره ومازال بالملك الناصر فرج إلى أن أعاده إلى كتابة السرّ في أوائل ذي الحجة فاستقرّ فيها وتمكن من أعدائه وأراه الله مصارعهم واتسعت أحواله وانفرد بسلطانه وأنيط به جلّ الأمور فأصبح عظيم المصر نافذ الأمر بتدبير الدولة لا يجد أحد من عظماء الدولة بدا من حسن سفارته وأبدا للناس دينًا وخيرًا وتواضعًا وحسن وساطة بين الناس وبين السلطان فلما كان من أمر الناصر وهزيمته على اللجون ما كان وقع فتح الله مع الخليفة المستعين بالله العباسي ابن محمد المتوكل على الله وعدّة من كتاب الدولة في قبضة الأميرين شيخ ونوروز ومازال عندهما حتى قُتل الناصر وأقيم من بعده أمير المؤمنين المستعين بالله وهو على حاله من نفوذ الكلمة وتدبير الأمور فلما استبدّ الأمير شيخ بمملكة الديار المصرية واعتقل الخليفة وتلقب بالملك المؤيد شيخ في شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة أقرّ فتح الله على رتبته ثم قبض عليه يوم الخميس تاسع شوال وعوقب غير مرّة وأحيط بجميع أمواله وأسبابه وحواشيه وبيع عليه بعض ما وجد له وحمل ما تحصل منه فبلغ ما ينيف عن أربعين ألف دينار سوى ما أخذ مما لم يبع وهو ما يتجاوز ذلك ومازال في العقوبة إلى أن خُنق في ليلة الأحد خامس عشر شهر ربيع سنة ست عشرة وثمانمائة وحمل من الغد إلى تربته فدفن بها وكان رحمه الله من خير أهل زمانه رياضة وديانة وطيب مقال وتأله وتنسك ومحبة لستة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن قيام مع السلطان في أمر الناس وبه كفى الله عن الناس من شرّ الناصر فرج شيئًا كثيرًا وقد ذكرته بأبسط من هذا في كتابي ‏"‏ درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة ‏"‏ وفي كتابي ‏"‏ خلاصة التبر في أخبار كتاب السرّ ‏"‏‏.‏