فصل: ذكر مدينة الإسكندرية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 وفي كتاب هروشيش‏:‏ أن سلطان المصريين في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام كان بأيدي قوم يدعون ببني فاليق بن دارش ودام ملكهم بمصر مائة وعشرين سنة وقال ابن إسحاق عن بعضهم‏:‏ إن فراعنة مصر من ولد دان بن فهلوج بن امراز بن أشود بن سام بن نوح قال‏:‏ والمشهور أنهم من العماليق منهم الريان بن الوليد ويقال‏:‏ الوليد بن الريان فرعون يوسف والوليد بن مصعب فرعون موسى ومنهم سنان بن علوان‏.‏

قال ابن وصيف شاه‏.‏

وإنما قيل له‏:‏ فرعون لأنه أكثر القتل ولم يرزق غير ابنة وكانت عاقلة فخافت لكثرة قتله الناس فقتلته بسُمّ وله في الملك مائة وسبعون سنة‏.‏

وملكت بعده جورياق‏:‏ فوعدت الناس بالإحسان وجمعت الأموال وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ورؤساء السحرة ورفعت أقدارهم وجددت الهياكل وصار من لم يرضها إلى ملينة أتريب وملكوا رجلًا من وُلد أتريب وقد تقدّم خبره في الإسكندرية وجورياق أوّل امرأة ملكت مصر من ولد نوح عليه السلام وماتت‏.‏

فملكت بعدها ابنة عمها زلفى بنت مأمون‏:‏ وكانت عذراء عاقلة فوعدت الناس بالجميل وقام عليها أيمن الإتريبيّ واستنصر بملك العمالقة فسير معه قائدًا فأخرجت إليه جيشًا فالتقوا بالعريش واقتتلوا حتى فني منهم كثير من الناس ثم انهزم أصحاب زلفى إلى منف وهم في أقفيتهم فخرجت زلفى إلى الصعيد ونزلت الأشمونين فكان بينها وبين عساكر العمالقة حروب انهزموا فيها وخرجوا عن منف بعدما عاثوا فيها وعدّوا إلى الجرف فامتنعوا به وصارت مصر بينهم نصفين ثم إنّ زلفى عاودت الحرب فاستمرّت ثلاثة أشهر حتى انهزمت إلى قوص وأيمن خلفها فلما أيقنت أنها تؤخذ سَمَّتْ نفسها فهلكت‏.‏

وقال ابن عبد الحكم‏:‏ ثم توفي طوطيس بن ماليا فاستخلفت ابنته جورياق ابنة طوطيس ولم يكن له ولد غيرها ثم توفيت جورياق فاستخلفت ابنة عمها زلفى ابنة مأمون بن ماليا فعمرت دهرًا طويلًا وكثروا ونموا وملأوا أرض مصر كلها فطمعت فيهم العمالقة فغزاهم الوليد بن دومع فقاتلهم قتالًا عظيمًا ثم رضوا أن يملكوه عليهم فملكهم نحوًا من مائة سنة فطغى وتكبر وأظهر الفاحشة فسلط اللّه عليه سبعًا فافترسه وأكل لحمه‏.‏و

 

الذي ملك مصر من الفراعنة خمسة

‏:‏ وملك أيمن وتجبر وقتل خلقًا ممن حاربه وكان الوليد بن دومع العمليقي قد خرج في جيش كثيف فبعث غلامًا يقال له‏:‏ فرعون إلى مصر ففتحها‏.‏

ثم قدم بعده واستباح أهل مصر وأخذ أموالهم ثم خرج ليقف على مصب النيل فرأى جبل القمر وأقام في غيبته أربعين سنة ورجع إلى مصر وقد خالفه فرعون وفرّ منه فاستعبد أهل مصر وملكهم مائة وعشرين سنة حتى هلك‏.‏

وملك ابنه الريان بن الوليد بن دومع‏:‏ أحد العمالقة والعمالقة‏:‏ ولد عمليق بن لاود بن سام بن نوح وهو فرعون يوسف عليه السلام والقبط تسميه‏:‏ نهراوش وقيل‏:‏ فرعون يوسف اسمه‏:‏ الريان بن الوليد بن ليث بن قاران بن عمرو بن عمليق بن بلقع بن عابر بن اشليخا بن لود بن سام بن نوح وقيل‏:‏ فرعون يوسف هو‏:‏ جدّ فرعون موسى أبو أبيه واسمه‏:‏ برخو وكان عظيم الخلق جميل الوجه عاقلًا فوعد الناس الجميل وأسقط عنهم الخراج لثلاث سنين وفرّق المال فيهم‏.‏

وملك رجلًا من أهل بيته يقال له‏:‏ أطفين وهو الذي يقال له‏:‏ العزيز وكان عاقلًا أديبًا مستعملًا للعدل والعمارة فأمر أن يُنصب له سرير من فضة في قصر الملك يجلس عليه ويخرج وجميع الكتاب والوزراء بين يديه فكفى نهراوش ما خلف ستره وقام بجميع أموره وخلاه للذاته فأقام على قصفه مدة والبلد عامر فقصده رجل من العمالقة وسار إلى مصر في جيوشه فخرج إليه وقاتله وهزمه وسار خلفه ودخل الشام وعاث هنالك فهابته الملوك ولاطفته‏.‏

وقيل‏:‏ إنه بلغ الموصل وضرب على أهل الشام خراجًا وخرج لغزو بلاد المغرب في تسعمائة ألف ومرّ بأرض البربر وجلا كثيرًا منهم ومرّ إلى البحر الأخضر وسار إلى الجنوب فقدم النوبة وعاد إلى مدينة منف وكان من خبر يوسف معه ما ذكر عند ذكر الفيوم‏.‏

وملك بعده ابنه دريموش‏:‏ ويقال‏:‏ له دارم بن الريان وهو الفرعون الرابع فخالف سنة أبيه وكان يوسف خليفته فيقبل منه تارة ويخالفه تارةً وظهر في أيامه معدن فضة فأثار منه شيئًا عظيمًا‏.‏

وفي أيامه مات يوسف عليه السلام فاستوزر بعده رجلًا حمله على أذى الناس وأخذ أموالهم فبلغ ذلك منهم مبلغًا عظيمًا ثم زاد في التجرّي حتى اقتلع كل امرأة جميلة بمدينة منف من أهلها فكان لا يسمع بامرأة حسناء في موضع إلا وجه إليها فحملت إليه فاضطرب الناس وشنعوا عليه وعطلوا الصنائع والأعمال والأسواق فعدا عليهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وزاد الأمر حتى اجتمعوا على خلعه فبرز لهم وأسقط عنهم خراج ثلاث سنين وأنفق فيهم مالًا فسكتوا وفي أيامه ثار القبط على بني إسرائيل وطلبوا من الوزير أن يخرجهم من مصر فما زال بهم حتى أمسكوا وبلغ الملك ذلك وكان قد خرج إلى الصعيد فتوعد أهل مصر فشغبوا عليه وحشدوا له فحاربوه فقتل منهم خلقًا كثيرًا وظفر بمن بقي فقتلهم وصلبهم على حافتي النيل وعاد إلى أعظم ما كان عليه من أخذ الأموال والنساء واستخدام أشراف القبط وبني إسرائيل فأجمع الكل على ذمه فركب النيل للنزهة وثار به ريح عاصف فغرق فلم يوجد إلا بناحية شطنوف وقيل‏:‏ فيما بين طرا وحلوان‏.‏

فقدّم الوزير ابنه معاديوس‏:‏ وكان صبيًا ويقال له‏:‏ معدان فأسقط عن الناس ما أسقطه أبوه من الخراج ووعد بالإحسان فاستقام له الأمر وردّ نساء الناس وهو خامس الفراعنة وحدث في زمانه طوفان مصر وكثر بنوا إسرائيل وعابوا الأصنام فأفردوا ناحية عن البلد بحيث لا يختلط بهم غيرهم وأقطعوا موضعًا في قبليّ منف فاجتمعوا فيه وبنو فيه معبدًا وغلب بعض الكنعانيين على الشام ومنع من الضريبة التي كانت على أهل الشام لملك مصر فاجتمع الناس إلى معدان وحثوه على المسير لحربه فامتنع من المسير ولزم الهيكل فزعموا أنه قام في هيكل زحل للعبادة فتجلى له زحل وخاطبه‏.‏

وقال له‏:‏ قد جعلتك ربًا على أهل بلدك وحبوتك بالقدرة عليهم وعلى غيرهم وسأرفعك إليّ فلا تخل من ذكري فعظم عند نفسه وتجبر وأمر الناس أن يسموه ربًا وترفع عن أن ينظر في شيء من أمر الملك وجعل عليه ابنه اكسامس‏.‏

فقام ابنه اكسامس في الملك ويقال‏:‏ كلسم بن معدان فرتب الناس مراتب وقسم الكور والأعمال وأمر باستنباط العمارات وإظهار الصناعات ووسع على الناس في أرزاقهم وأمر بتنظيف الهياكل وتجديد لباسها وأوانيها وزاد في القرابين وهو الذي يقال له‏:‏ كاشم بن معدان بن دارم بن الريان بن الوليد بن دومع العمليقي وهو سادس الفراعنة وسموا فراعنة بفرعان الأوّل فصار اسمًا لكل من تجبر وعلا أمره فطال ملكه وأقام أعلامًا كثيرة حول منف وعمل مدنًا كثيرة ومناير للوقودات وطلسمات وأقام سبع سنين بأجمل أمر فلما مات وزير أبيه استخلف رجلًا من أهل بيت المملكة يقال له ظلما بن قومس وكان شجاعًا ساحرًا كاهنًا كاتبًا حكيمًا متصرّفًا في كل فنّ وكانت نفسه تنازعه الملك فأصلح أمر الملك وبنى مدنًا من الجانبين ورأى في نجومه أنه سيكون حدث فبنى بناحية رقودة والصعيد ملاعب ومصانع وشكا إليه القبط من الإسرائيليين فقال‏:‏ هم عبيدكم فأذلوهم من حينئذ وخرج إلى ناحية البربر فعاث وقتل وسبى وفي أيامه‏:‏ بُنيت منارة الإسكندرية وهاج البحر الملح فغرّق كثيرًا من القرى والجنان والمصانع ومات اكسامس وكان ملكه إحدى وثلاثين سنة منها إحدى عشرة سنة يدبر أمره ظلمًا فلما مات اضطرب الناس واتهموا ظلمًا أنه سمه فقام‏.‏

وولي لاطيس بن اكسامس‏:‏ وكان جريئًا معجبًا صلفًا فأمر ونهى وألزم الناس أعمالهم وقال‏:‏ أنا مستقيم ما استقمتم وإن ملتم عن الواجب ملت عنكم وحط جماعة عن مراتبهم وصرف ظلمًا عن خلافته واستخلف غيره وأنفذ ظلمًا إلى الصعيد في جماعة من الإسرائيليين وجدّد بناء الهياكل وبنى القرى وأثار معادن كثيرة وكنز في صحراء الشرق عدّة كنوز وكان يحب الحكمة ثم تجبر وعلا أمره وأمر أن لا يجلس أحد في مجلسه ولا في قصر الملك لا كاهن ولا غيره بل يقومون على أرجلهم حتى يمضوا وزاد في أذى الناس والعنف بهم ومنع فضول ما بأيديهم وقصرهم على القوت وجمع أموالهم وطلب النساء وانتزع كثيرًا منهنّ وفعل أكثر مما فعله من تقدّم قبله واستعبد بني إسرائيل وقتل جماعة من الكهنة فابغضه الخاص والعام وثار ظلما بالصعيد وكاتب وجوه الناس فكتب لاطيس بصرفه عن العمل فامتنع وحارب عساكره وزحف حتى دخل منف‏.‏

ظلما بن قومس‏:‏ فرعون موسى يقال‏:‏ إن اسمه الوليد بن مصعب بن اراهون بن الهلوت بن قاران بن عمرو بن عمليق بن بلقع بن عابر بن اشليخا بن لود بن سام بن نوح وإنه من العمالقة وكان قصيرًا طويل اللحية أشهل العين اليمنى صغير العين اليسرى أعرج وزعم قوم‏:‏ أنه من القبط وأن نسبه ونسب أهل بيته مشهور عندهم وقيل غير ذلك وكان من خبره ما ذكرنا في كنيسة دموة‏.‏

وقال ابن عبد الحكم‏:‏ ولما أغرق اللّه فرعون بقيت مصر بعد غرقه ليس فيها من أشراف أهلها أحد ولم يبق إلا العبيد والأجراء والنساء فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولين منهم أحدًا وأجمع رأيهنّ أن يولين امرأة يقال لها‏:‏ دلوكة‏.‏

فملكت دلوكة ابنة زبا‏:‏ ويقال‏:‏ دلوكهّ بنت فاران وكان لها عقل وتجارب ومعرفة وكانت في شرف منهنّ وهي يومئذ بنت مائة وستين سنة فبت جدارًا حصنت به مصر من الأعداء وكان من حدّ زنج إلى إفريقية إلى الواحات إلى بلد النوبة على كل موضع منه حرس قيام ليلهم ونهارهم يقدون النار وقودًا لا يطفأ أبدًا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها في ستة أشهر وهو حائط العجوز وفي أيامها بنت تدورة الساحرة البرابي في وسط منف فملكتهم دلوكة عشرين سنة حتى بلغ صبيّ من أبناء أكابرهم يقال له‏:‏ دركون بن بلاطس ثم مات واستخلف ابنه تودست ثم توفي تودست بن دركون فاستخلف أدقاش فلم يملك إلا ثلاث سنين حتى مات فاستخلف أخوه مرينا بن مرينوس ثم توفي فاستخلف أستادس بن مرينا فطغى وتكبر وسفك الدم وأظهر الفاحشة فخلعوه وقتلوه وبايعوا رجلًا من أشرافهم يقال له‏:‏ بلطوس بن مينا كيل فملكهم أربعين سنة ثم توفي فقام ابنه مالوس ثم توفي مالوس فاستخلفط أخوه ميناكيل بن بلطوس بن ميناكيل فملكهم زمانًا ثم توفي واستخلف ابنه نوله بن ميناكيل فملكهم مائة وعشرين سنة وهو الأعرج الذي سبى ملك بيت المقدس وقدم به إلى مصر وكان قد تمكن وطغى وبلغ مبلغًا لم يبلغه أحد ممن قبله بعد فرعون فصرعته دابته فمات‏.‏

وقيل له‏:‏ الأعرج لأنه لما غزا أهل بيت المقدس ونهبهم وسبى ملكهم يوشيا بن أمون بن منشا بن حزقيا همَّ أن يصعد على كرسيّ نبيّ اللّه سليمان بن داود وكان بلولب لا يمكن أحدًا أن يصعد عليه إلا برجليه جميعًا فصعد برجل واحدة وهي اليمنى فدار اللولب على ساقه فاستخلف مرينوس بن نولة فملكهم زمانًا ثم توفي واستخلف ابنه قرقورة فملكهم ستين سنة ثم توفي واستخلف أخوه نقاس بن مرنيوس وانهدم البربا في زمنه فلم يقدر أحد على إصلاحه ثم توفي نقاس واستخلف ابنه قوميس بن نقاس فملكهم دهرًا وحاربه بخت نصر وقتله وخرب مدينة منف وغيرها من المدائن وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدًا حتى بقيت أرض مصر أربعين سنة خرابًا ليس فيها ساكن‏.‏

وذكر في ترجمة كتاب هروشيش الأندلسي في وصف الدول والحروب أنَّ فيما بين غرق فرعون موسى إلى مائة وسبع سنين كان بمصر ملك يُسمى نوشردس كان يقتل الغرباء والأضياف ويذبحهم لأوثانه ويجعل دماءهم قربانًا لها وأن بعد غرق فرعون إلى ثلثمائة وثمان وعشرين سنة كان بمصر ملك يُسمى‏:‏ بروبة وكان عظيم المملكة قويّ السلطان أخذ بالحرب أكثر نواحي الجنوب برًّا وبحرًا وهو أوّل من حارب الروم الذين قيل لهم بعد ذلك الغوط وكان قد أرسل إليهم يدعوهم إلى طاعته ويخوّفهم حربه فأجابوه ليس من الرأي المحمود للملك الغنيّ محاربة قوم فقراء لكثرة نوازل الحروب واختلاف حوادثها بالظفر والهلاك وإنا لا ننتظر مجيئك بل نسرع لغارتك وأتبعوا قولهم عملًا وخرج فرعون إليهم فخرجوا مسرعين إليه وهزموا جيوشه ونهبوا عساكره وأمواله وعدده وجميع ذخائره ومضوا فنهبوا أرض مصر حتى كادوا يغلبون عليها لولا وحول عرضت لهم منعتهم مما خلفها ثم انصرفوا إلى بلاد الشام بحروب متصلة حتى أذلوا أهلها وجعلوهم يؤدون إليهم المغارم وأقاموا محاربين لمن خالفهم في غزوتهم خمس عشرة سنة ولم ينصرفوا إلى بلادهم حتى أتتهم من نسائهم من يقلن لهم‏:‏ إما أن تنصرفوا وإما أن تتخذ الأزواج ونطلب النسل من عند المجاورين لنا فعند ذلك انصرفوا إلى بلادهم وقد امتلأت أيديهم أموالًا وأوقارًا جمة وقد خلفوا وراءهم ذكرًا مفزعًا‏.‏

ويقال‏:‏ إن ملوك مدين ملكوا مصر خمسمائة عام بعد غرق فرعون وهلاك دلوكة حتى أخرجهم منها نبي الله سليمان بن داود فعاد الملك بعدهم إلى القبط وإنّ جالوت بن بالوت لما قتله داود سار ابنه جالوت بن جالوت إلى مصر وبها ملوك مدين فأنزله ملك مصر بالجانب الغربيّ فأقام بها مدة ثم سار إلى بلاد الغرب‏.‏

ويقال‏:‏ إنّ القبط ملكوا مصر بعد دلوكة وابنها مدّة ستمائة سنة وعشرين سنة وعدتهم سبعة وعشرون ملكًا هم‏:‏ ديوسقوليطا ومدّته ثمان وسبعون سنة وقيل‏:‏ ثمان وثمانون سنة‏.‏

ثم ملك بعده سمانادوس ستًا وعشرين سنة وقام بعده سوماناس مدة مائة سنة ثم ملك مفخراس أربع سنين ثم ملك أماناقوناس تسع سنين ثم اسحوريس ست سنين ثم فسيناخس تسع سين ثم فسوسانس خمسًا وثلاثين سنة ثم ملك سسوناخوسيس إحدى وعشرين سنة ثم ملك اساليون خمس عشرة سنة ثم طافالهلييس ثلاث عشرة سنة ثم نطافاناسطلس خمسًا وعشرين سنة ثم أساراثون تسع سنين ثم ملك فسامرس عشر سنين ثم أوفاينواس أربعًا وأربعين سنة ثم ساياقور اثنتي عشرة سنة ثم سخس الحبشي اثنتي عشرة سنة ثم طراحوش الحبشي عشرين سنة ثم أمراس الحبشي اثنتي عشرة سنة ثم استطافينياس سبع سنين ثم باخفاسوس ست سنين ثم ياخو ثمان سنين ثم فساماملطيقوش أربعًا وأربعين سنة ثم بحنوقا ست سنين ثم فسامرتاس سبع عشرة سنة ثم وافرس خمسًا وعشرين سنة ثم أماسلس اثنتين وأربعين سنة‏.‏

وملك بعد هؤلاء‏:‏ مصر خمسة ملوك من ملوك بابل وهم‏:‏ أمرطيوش ست سنين ثم مافرطاس سبع سنين ثم أوخرس اثنتي عشرة سنة ثم فساموت مدة سنتين ثم ملك موتاطوس سبع سنين‏.‏

ثم ملك ثلاثة ملوك من أثور وهم‏:‏ الجرامقة الذين ملكوا الموصل والجزيرة وهم‏:‏ نافاطانبوش ثلاث عشرة سنة ثم طوس سبع سنين ثم نافاطانيناس ثمان عشرة سنة‏.‏

ثم انتقل ملك مصر منهم‏:‏ إلى الإسكندر بن فيليبس اليوناني وهذه أسماء رومية ولعلها أو بعضها متداخل فيما تقدّم ذكره ممن ملك بعد دلوكة‏.‏

وبين بخت نصر وبين الطوفان ألفا سنة وثلثمائة وست وخمسون سنة وأشهر ويجتمع من حساب ما وقع في التوراة أنّ بين الطوفان وبين خراب بيت المقدس على يد بخت نصر من السنين ألفا وستمائة وأربعًا وثمانين سنة وهذا خلاف ما نقله المسعوديّ واللّه تعالى أعلم بالصواب‏.‏

 ذكر مدينة الإسكندرية هذه المدينة من أعظم مدائن الدنيا وأقدمها وضعًا وقد بُنيت غير مرّة فأوّل ما بنيت بعد كون الطوفان في زمان مصرايم بن بيصر بن نوح وكان يقال لها‏:‏ إذ ذاك مدينة رقودة ثم بنيت بعد ذلك مرّتين‏.‏

فلما كان في أيام اليونانيين جدّدها الإسكندر بن فيليبس المقدونيّ الذي قهر دارًا وملك ممالك الفرس بعد تخريب بخت نصر مدينة منف بمائة وعشرين سنة شمسية فعرفت به ومنذ جدّدها الإسكندر المذكور انتقل تخت المملكة من مدينة منف إلى الإسكندرية فصارت دار المملكة بديار مصر ولم تزل على ذلك حتى ظهر دين الإسلام وقدم عمرو بن العاص بجيوش المسلمين وفتح الحصن والإسكندرية وصارت ديار مصر أرض إسلام فانتقل تخت الملك حينئذِ من الإسكندرية إلى فسطاط مصر وصار الفسطاط من بعد الإسكندرية دار مملكة ديار مصر‏.‏

وسأقص عليك من أخبار الإسكندرية ما وصل إليه علمي إن شاء اللّه تعالى‏.‏

ذكر أبو الحسن المسعوديّ في كتاب أخبار الزمان‏:‏ أنّ الكوكة وهي أمّة في غابر الدهر من أهل أيلة ملكوا الأرض وقسموها على ثلاثين كورة وأربعة أقسام كل قسم عمل وبنوا في كل عمل مدينة بها ملك يجلس على منبر من ذهب وله بربا وهي بيت الحكمة وله هيكل على اسم كوكب فيه أصنام من ذهب وجعلوا الإسكندرية واسمها رقودة خمس عشرة كورة وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصنام الذهب أكثر مما نصبوا في غيرها فكان ما بها مائتا صنم من ذهب وقسموا الصعيد ثمانين كورة على أربعة أقسام وثلاثين مدينة فيها جميع العجائب‏.‏

وذكر بطليموس في كتاب الأقاليم ووصف الجزائر والبحار والمدن‏:‏ أنّ مدينة الإسكندرية لبرج الأسد ودليلها المرّيخ وساعاتها أربع عشرة ساعة وطولها ستون درجة ونصف درجة يكون ذلك أربع ساعات مستوية وثلث عشر ساعة‏.‏

وقال ابن وصيف شاه في ذكر أخبار مصرايم بن بيصر بن نوح وعلمهم أيضًا عمل الطلسمات وكانت تخرج من البحر دواب تفسد زرعهم وجنانهم وبنيانهم فعملوا لها الطلسمات فغابت ولم تعد وبنوا على غير البحر مدنًا منها مدينة رقودة مكان الإسكندرية وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من نحاس مذهب والقبة مذهبة ونصبوا فوقها مرآة من أخلاط شتى قطرها خمسة أشبار وارتفاع القبة مائة ذراع فكانوا إذا قصدهم قاصد من الأمم التي حولهم فإن كان مما يهمهم وكان من البحر عملوا لتلك المرآة عملًا فألقت شعاعها على ذلك الشيء فأحرقته فلم تزل إلى أن غلب البحر عليها‏.‏

ويقال‏:‏ إنّ الإسكندر إنما عمل المنارة تشبيهًا بها وكان عليها أيضًا مرآة يُرى فيها من يقصدهم من بلاد الروم فاحتال عليهم بعض ملوكهم ووجه إلي إليها من أزالها وكانت من زجاج مدبر‏.‏

قال‏:‏ وذكر بعض القبط أن رجلًا من بني الكهنة الذين قتلهم ايساد ملك مصر سار إلى ملك كان في بلاد الإفرنجة فذكر له كثرة كنوز مصر وعجائبها وضمن له أن يوصله إلى ملكها وأموالها ويرفع عنه أذى طلسماتها حتى يبلغ جميع ما يريد فلما اتصل صا بن مرقونس أخي ايساد وهو ملك مصر يومئذِ أنّ صاحب بلاد الإفرنجة يتجهز إليه عمد إلى جبل بين البحر الملح وشرقيّ النيل فأصعد إليه أكثر كنوزه وبنى عليها قبابًا مصفحة بالرصاص وظهر صاحب بلاد الإفرنجة في ألف مركب فكان لا يمرّ بشيء من أعلام مصر ومنازلها إلا هدمه وكسر الأصنام بمعونة ذلك الكاهن حتى أتى الإسكندرية الأولى فعاث فيها وفيما حولها وهدم أكثر معالمها إلى أن دخل النيل من ناحية رشيد وصعد إلى منف وأهل النواحي يحاربونه وهو ينهب ما مرّ به ويقتل ما قدر عليه إلى أن طلب المدائن الداخلة لأخذ كنوزها فوجدها ممتنعة بالطلسمات الشداد والمياه العميقة والخنادق والشداخات فأقام عليها أيامًا كثيرة فلم يمكنه الوصول إليها وغضب على الكاهن فقتله من أجل أنّ جماعة من أصحابه هلكوا فاجتمع أهل النواحي وقتلوا من أصحابه الذين بالمراكب خلقًا وأحرقوا بعض المراكب وقام أهل مصر بسحرهم وتهاويلهم فأتت رياح أغرقت أكثر مراكبه حتى نجا بنفسه وقد خرج فعاد الناس إلى منازلهم وقراهم ورجع الملك صا إلى مدينة منف وأقام بها وتجهز لغزو بلدان الروم وبعث إليها وخرّب الجزائر فهابته الملوك وتتبع الكهنة فقتل منهم خلقًا كثيرًا وأقام ملكًا سبعًا وستين سنة ومات وعمره مائة وسبعون سنة ودفن بمنف في وسطها تحت الأرض ومعه الأموال والجواهر والتماثيل والطلسمات كما فعل آباؤه منها‏:‏ أربعة آلاف مثقال ذهبًا على صور حيوانات برّية وبحرية وتمثال عقاب من حجر أخضر وتمثال تنين من ذهب وزبروا عليها اسمه وغلبته الملوك وسيرته وعهد إلى ابنه تدراس‏.‏

قال‏:‏ ولما جلست جورياق ابنة طوطيس أوّل فراعنة مصر وهو فرعون إبراهيم الخليل عليه السلام على سرير الملك بعد قتلها لأبيها وعدت الناس بالإحسان وأخذت في جمع الأموال فاجتمع لها ما لم يجتمع لملك وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ورؤساء السحرة ورفعت أقدارهم وأمرت بتجديد الهياكل وصار من لم يرضها إلى مدينة أتريب وملكوا عليها رجلًا من ولد أتريب يقال له‏:‏ إيداخس فعقد على رأسه تاجًا واجتمع إليه جماعة فأنفذت إليه جيشًا فهزموه وقتلوا أكثر أصحابه فهرب إلى الشام وبها الكنعانيون فاستغاث بملكهم فجهزه بجيش عظيم ففتحت جورياق الخزائن وفرّقت الأموال وقوّت السحر فعملوا أعمالهم وتقدّم إيداخس بجيوش الكنعانيين وعليها قائد منهم يقال له‏:‏ جيرون‏.‏

فلما نزلوا أرض مصر بعثت ظئرًا لها من عقلاء النساء إلى القائد سرًّا عن إيداخس تعرّفه رغبتها في تزوجه وأنها لا تختار أحدًا من أهل بيتها وأنه إن قتل إيداخس تزوّجت به وسلمته ملك مصر ففرح بذلك وسم إيداخس بسُم أنفذته إليه فقتله وبعثت إليه بعد قتل إيداخس أنه لا يجوز أن أتزوّجك حتى يظهر قومك في بلدي وتبني لي مدينة عجيبة وكان افتخارهم حينئذِ بالبنيان وإقامة الأعلام وعمل العجائب وقالت‏:‏ انتقل من موضعك إلى غربيّ بلدي فثم آثار لنا كثيرة فاقتف تلك الأعمال وابنِ عليها ففعل وبنى مدينة في صحراء الغرب يقال لها‏:‏ قيدومة وأجرى إليها من النيل نهرًا وغرس حولها غروسًا كثيرة وأقام بها منارًا عاليًا فوقه منظر مصفح بالذهب والفضة والزجاج والرخام وهي تمده بالأموال وتكاتب صاحبه عنه وتهاديه وهو لا يعلم‏.‏

فلما فرغ منها قالت له‏:‏ إن لنا مدينة أخرى حصينة كانت لأوائلنا وقد خرّبت منها أمكنة وتشعث حصنها فامضِ إليها واعمل في إصلاحها حتى أنتقل أنا إلى هذه المدينة التي بنيتها فإذا فرغت من إصلاح تلك المدينة فانفذ إليّ جيشك حتى أصير إليك وأبعد عن مدينتي وأهل بيتي فإني أكره أن تدخل عليّ بالقرب منهم فمضى وجدّ في عمل الإسكندرية الثانية‏.‏

وأهل التاريخ يذكرون أنّ الذي قصدها الوليد بن دومع العمليقي ثاني الفراعنة وكان سبب قصدها أنه كان به عدة فوجه إلى الأقطار ليحمل إليه من مائها حتى يرى ما يلائمه فوجه إلى مملكة مصر غلامًا فوقف على كثرة خيراتها وحمل إليه من مائها وألطافها وعاد إليه فعرّفه حال مصر فسار إليها في جيش كثيف وكاتب الملكة يخطبها لنفسه فأجابته وشرطت عليه أن يبني لها مدينة يظهر فيها أيم وقوّته ويجعلها لها مهرًا فأجابها وشق مصر إلى ناحية الغرب فبعثت إليه أصناف الرياحين والفواكه وخلقت وجوه الدواب فمضى إلى الإسكندرية وقد خربت بعد خروج العادية منها فنقل ما كان من حجارتها ومعالمها وعمدها ووضع أساس مدينة عظيمة وبعث إليها مائة ألف فاعل وأقام في بنائها مدّة وأنفق جميع ما كان معه من المال وكلما بنى شيئًا خرج من البحر دواب فتقلعه فإذا أصبح لم يجد من البناء شيئًا فاهتم لذلك وكانت جورياق قد أنفذت إليه ألف رأس من المعز اللبون يستعمل ألبانها في مطبخه وكانت مع راع تثق به يرعاها هنالك فكان إذا أراد أن ينصرف عند المساء خرجت إليه من البحر جارية حسناء فتتوق نفسه إليها فإذا كلمها شرطت عليه أن تصارعه فإن صرعها كانت له وإن صرعته أخذت من المعز رأسين فكانت طول الأيام تصرعه وتأخذ الغنم حتى أخذت أكثر من نصفها وتغير باقيها لشغله بحبّ الجارية عن رعيها ونحل جسمه فمرّ به صاحبه وسأله عن حاله فأخبره الخبر خوفًا من سطوته فلبس ثياب الراعي وتولى رعي الغنم يومه إلى المساء فخرجت إليه الجارية وشرطت عليه الشرط فأجابها وصارعها فصرعها وشدّها فقالت‏:‏ إن كان ولا بدّ من أخذي فسلمني لصاحبي الأول فإنه ألطف بي وقد عذبته مدة فردّها إليه وقال له‏:‏ سلها عن هذا البنيان الذي نبنيه ويزال من ليلته من يفعل ذلك وهل في ثباته من حيلة‏.‏فسألها الراعي عن ذلك فقالت‏:‏ إنّ دواب البحر التي تنزع بنيانكم فقال‏:‏ فهل من حيلة قالت‏:‏ نعم تعملون توابيت من زجاج كثيف بأغطية وتجعلون فيها أقوامًا يحسنون التصوير ويكون معهم صحف وأنقاش وزاد يكفيهم أيامًا وتحمل التوابيت في المراكب بعدما تشدّ بالحبال فإذا توسطوا الماء أمروا المصوّرين أن يصوّروا جميع ما يمرّ بهم ثم ترفع تلك التوابيت فإذا وقفتم على تلك الصور فاعملوا لها أشباهًا من صفر أو حجارة أو رصاص وانصبوها قدّام البنيان الذي تبنونه من جانب البحر فإن تلك الدواب إذا خرجت ورأت صورها هربت ولم تعد فعرّف الراعي صاحبه ذلك ففعله وتمّ البنيان وبنى المدينة‏.‏

وقال قوم‏:‏ إنّ صاحب البناء والغنم هو جيرون كان قصدهم قبل الوليد وإنما أتاهم الوليد وذكروا‏:‏ أنَّ الأموال التي كانت مع جيرون نفدت كلها في تلك المدينة ولم تتم فأمر الراعي أن يخبر الجارية فقالت‏:‏ إنّ في المدينة التي خربت ملعبًا مستديرًا حوله سبعة عمد على رؤوسها تماثيل من صفر قيام فقرّب لكل تمثال منها ثورًا سمينًا ولطخ العمود الذي تحته من دم الثور وبخره بشعر من ذنبه وشيء من نحاتة قرونه وأظلافه وقل له‏:‏ هذا قربانك فأطلق لي ما عندك ثم قس من كل عمود إلى الجهة التي يتوجه إليها وجه التمثال مائة ذراع واحفر عند امتلاء القمر واستقامة زحل فإنك تنتهي بعد خمسين ذراعًا إلى بلاطة عظيمة فلطخها بمرارة الثور وأقلها فإنك تنزل إلى سرب طوله خمسون ذراعًا في آخره خزانة مقفلة ومفتاح القفل تحت عتبة الباب فخذه ولطخ الباب ببقية المرارة ودم الثور وبخره بنحاتة قرونه وأظلافه وشعر ذنبه وأدخل فإنه يستقبلك صنم في عنقه لوح من صفر مكتوب فيه جميع ما في الخزانة فخذ ما شئت ولا تعترض ميتًا تجده ولا ما عليه وكذلك كل عمود وتمثاله فإنك تجد مثل تلك الخزانة وهذه نواويس سبعة من الملوك وكنوزهم فلما سمع ذلك سر به وامتثله فوجد ما لا يدرك وصفه ووجد من العجائب شيئًا كثيرًا فتمّ بناء المدينة وبلغ ذلك جورياق فساءها وكانت قد أرادت إتعابه وهلاكه بالحيلة‏.‏

ويقال‏:‏ إنه وجد فيما وجد درجًا من ذهب مختومًا فيه مكحلة زبرجد فيها ذرور أخضر ومعها عرق أحمر من اكتحل من ذلك الذرور بالعرق وكان أشيب عاد شابًا واسودّ شعره وأضاء بصره حتى يدرك الروحانيين ووجد تمثالًا من ذهب إذ ظهر غيمت السماء وأمطرت وتمثال غراب من حجر إذا سئل عن شيء صوت وأجاب عنه ووجد في كل خزانة عشر أعجوبات‏.‏

فلما فرغ من بناء المدينة وجه إلى جورياق يحثها على القدوم إليه فحملت إليه فرشًا فاخرًا ليبسطه في المجلس الذي يجلس فيه وقالت له‏:‏ اقسم جيشك أثلاثًا فانفذ إليّ ثلثه حتى إذا بلغت ثلث الطريق فانفذ الثلث الآخر فإذا جُرت نصف الطريق فانفذ الثلث الباقي ليكونوا من ورائي لئلا يراني أحد إذا دخلت عليك ولا يكون عندك إلا صبية تثق بهم يخدمونك فإني أوافيك في جوار تكفيك الخدمة ولا أحتشمهنّ ففعل‏.‏

وأقامت تحمل الجهاز إِليه والأموال حتى علم بمسيرها فوجه إليها ثلث جيشه فعملت لهم الأطعمة والأشربة المسمومة وأنزلهم جواريها وحشمها وقدموا إليهم الأطعمة والأشربة والطيب وأنواع اللهو فلم يصبح منهم أحد حيًا وسارت فلقيها الثلث الآخر ففعلت به مثل ذلك وهي توجه إليه أنها أنفذت جيشه إلى قصرها ومملكتها يحفظونهما وسارت حتى دخلت عليه هي وظئرها وجواريها فنفخت ظئرها في وجهه نفخة بهت إليها ورشت عليه ما كان معها فارتعدت أعضاؤه وقال‏:‏ من ظن أنه يغلب النساء‏.‏

فقد كذبته نفسه وغلبته النساء ثم إنها فصدت عروقه وقالت‏:‏ دماء الملوك شفاء وأخذت رأسه ووجهت به إلى قصرها ونصبته عليه وحوّلت تلك الأموال إلى مدينة منف وبنت منارًا بالإسكندرية وزبرت عليه اسمها واسمه وما فعلت به وتاريخ الوقت‏.‏

فلما بلغ خبرها الملوك هابوها وأطاعوها وهادوها وعملت بمصر عجائب كثيرة وبنت على حدّ مصر من ناحية النوبة حصنًا وقنطرة يجري ماء النيل من تحتها واعتلت فقلدت ابنة عمها زلفى بنت مأمون وماتت‏.‏