فصل: باب القنطرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


ومن آثاره الباقية بالقاهرة‏:‏ باب زويلة وباب الفتوح وباب النصر وقام من بعده بالأمر ابنه شاهنشاه الملقب بالأفضل بن أمير الجيوش وبه وبابنه الأفضل أبهة الخلفاء الفاطمية بعد تلاشي أمرها وعمرت الديار المصرية بعد خرابها واضمحلال أحوال أهلها وأظنه هو الذي أخبر عنه المعز فيما تقدم من حكاية جوهر عنه فإنه لم يتفق ذلك لأحد من رجال دولتهم غيره والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏.‏

 باب القنطرة

عرف بذلك لأن جوهر القائد بنى هناك قنطرة فوق الخليج الذي بظاهر القاهرة ليمشي عليها إلى المقس عند مسير القرامطة إلى مصر في شوال سنة ستين وثلثمائة‏.‏

باب الشعرية يعرف بطائفة من البربر يقال لهم‏:‏ بنو الشعرية هم ومزانة ويارة وهوارة من أحلاف لواتة الذين نزلوا بالمنوفية‏.‏

باب سعادة عرف بسعادة بن حيان غلام المعز لدين الله لأنه لما قدم من بلاد المغرب بعد بناء القائد جوهر القاهرة نزل بالجيزة وخرج جوهر إلى لقائه فلما عاين سعادة جوهرًا ترجل وسار إلى القاهرة في رجب سنة ستين وثلثمائة فدخل إليها من هذا الباب فعرف به وقيل له‏:‏ باب سعادة ووافى سعادة هذا القاهرة بجيش كبير معه فلما كان في شوال سيره جوهر في عسكر مجر عند ورود الخبر من دمشق بمجيء الحسين بن أحمد القرمطي المعروف‏:‏ بالأعصم إلى الشام وقتل جعفر بن فلاح فسار سعادة يريد الرملة فوجد القرمطي قد قصدها فانحاز بمن معه إلى يافا ورجع إلى مصر ثم خرج إلى الرملة فملكها في سنة إحدى وستين فأقبل إليه القرمطي ففر منه إلى القاهرة وبها مات لخمس بقين من المحرم سنة اثنتين وستين وثلثمائة وحضر جوهر جنازته وصلى عليه الشريف أبو جعفر مسلم وكان فيه بر وإحسان‏.‏

الباب المحروق كان يعرف قديمًا بباب القراطين فلما زالت دولة بني أيوب واستقل بالملك‏:‏ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني أول من ملك من المماليك بمملكة مصر في سنة خمسين وستمائة كان حينئذ أكبر الأمراء البحرية مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب الفارس أقطاب الجمدار وقد استفحل أمره وكثرت أتباعه ونافس المعز أيبك وتزوج بابنة الملك المظفر صاحب حماه وبعث إلى المعز بأن ينزل من قلعة لجبل ويخليها له حتى يسكنها بامرأته المذكورة فقلق المعز منه وأهمه شأنه وأخذ يدبر عليه فقرر مع عدة من مماليكه أن يقفوا بموضع من القلعة عينه لهم وإذا جاء الفارس أقطاي فتكوا به وأرسل إليه وقت القائلة يستدعيه ليشاوره في أمر مهم فركب في قائلة يوم الاثنين حادي عشري شعبان سنة اثنتين وخمسين وستمائة في نفر من مماليكه وهو آمن مطمئن بما صار له في الأنفس من الحرمة والمهابة وبما يثق به من شجاعته فلما صار بقلعة الجبل وانتهى إلى قاعة العواميد عوق من معه من المماليك عن الدخول معه ووثب به المماليك الذين أعدهم المعز وتناولوه بالسيوف فهلك لوقته وغلقت أبواب القلعة وانتشر الصوت بقتله في البلد فركب أصحابه وخشداشيته وهم نحو السبعمائة فارس إلى تحت القلعة وفي ظنهم أن الفارس أقطاي لم يقتل وإنما قبض عليه السلطان وإنهم يقاتلونه حتى يطلقه لهم فلم يشعروا إلا برأس الفراس أقطاي وقد ألقيت عليهم من القلعة فانفضوا لوقتهم وتواعدوا على الخروج من مصر إلى الشام وأكابرهم يومئذ بيبرس البندقداري وقلاون الإلفي وسنقر الأشقر وبيسري وسكز وبرامق فخرجوا في الليل من بيوتهم بالقاهرة إلى جهة باب القراطين ومن العادة أن تغلق أبواب القاهرة بالليل فألقوا النار في الباب حتى سقط من الحريق وخرجوا منه فقيل له من ذلك الوقت‏:‏ الباب المحروق وعرف به وأما القوم فإنهم ساروا إلى الملك الناصر يوسف بن العزيز صاحب الشام فقبلهم وأنعم عليهم وأقطعهم إقطاعات واستكثر بهم وأصبح المعز وقد علم بخروجهم إلى الشام فأوقع الحوطة على جميع أموالهم ونسائهم وأولادهم وعامة تعلقاتهم وسائر أسبابهم وتتبعهم ونادى عليهم في الأسواق بطلب البحرية وتحذير العامة من إخفائهم فصار إليه من أموالهم ما ملأ عينه واستمرت البحرية في الشام إلى أن قتل المعز أيبك وخلع ابنه المنصور وتسلطن الأمير قطز فتراجعوا في أيامه إلى مصر وآلت أحوالهم إلى أن تسلطن منهم‏:‏ بيبرس وقلاون ولله عاقبة الأمور‏.‏

باب البرقية قصور الخلفاء ومناظرهم والإلماع بطرف من مآثرهم وما صارت إليه أحوالها من بعدهم اعلم أنه كان للخلفاء الفاطميين بالقاهرة وظواهرها‏:‏ قصور ومناظر منها‏:‏ القصر الكبير الشرقي الذي وضعه القائد جوهر عندما أناخ في موضع القاهرة ومنها‏:‏ القصر الصغير الغربي والقصر اليافعي وقصر الذهب وقصر الأقيال وقصر الظفر وقصر الشجرة وقصر الشوك وقصر الزمرذ وقصر النسيم وقصر الحريم وقصر البحر وهذه كلها قاعات ومناظر من داخل سور القصر الكبير ويقال لها‏:‏ القصور الزاهرة ويسمى مجموعها‏:‏ القصر وكان بجوار القصر الغربي‏:‏ الميدان والبستان الكافوري وكان لهم عدة مناظر وآدر سلطانية غير هذه القصور منها‏:‏ دار الضيافة ودار الوزارة ودار الوزارة القديمة ودار الضرب والمنظرة بالجامع الأزهر والمنظرة بجوار الجامع الأقمر ومنظرة اللؤلؤة على الخليج بظاهر القاهرة ومنظرة الغزالة ودار الذهب ومنظرة المقس ومنظرة الدكة والبعل والخمس وجوه والتاج وقبة الهواء والبساتين الجيوشية والبستان الكبير ومنظرة السكرة والمنظرة ظاهر باب الفتوح ودار الملك بمدينة مصر ومنازل العز بها ومنظرة الصناعة بالساحل ومنظرة بجوار جامع القرافة الكبرى المعروف اليوم‏:‏ بجامع الأولياء والأندلس بالقرافة والمنظرة ببركة الحبش وسأذكر من أخبار هذه الأماكن في مدة الدولة الفاطمية وما آل إليه حالها بحسب ما انتهى إلي علمه إن شاء الله تعالى‏.‏

القصر الكبير هذا القصر كان في الجهة الشرقية من القاهرة فلذلك يقال له‏:‏ القصر الكبير الشرقي ويسمى‏:‏ القصر المعزي لأن المعز لدين الله أبا تميم معدًا هو الذي أمر عبده وكاتبه جوهرًا ببنائه حين سيره من رمادة أحد بلاد غفريقية بالعساكر إلى مصر وألقى إليه ترتيبه فوضعه على الترتيب على رسمه له ويقال‏:‏ إن جوهرًا لما أسسه في الليلة التي أناخ قبلها في موضعه وأصبح رأي فيه ازورارات غير معتدلة لم تعجبه فقيل له في تغييرها فقال‏:‏ قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة فتركه على حاله‏.‏

وكان ابتداء وضعه مع وضع أساس سور القاهرة في ليلة الأربعاء الثامن عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وركب عليه بابان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين ثم إنه أدار عليه سورًا محيطًا به في سنة ستين وثلثمائة وهذا القصر كان دار الخلافة وبه سكن الخلفاء إلى آخر أيامهم فلما انقرضت الدولة على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أخرج أهل القصر منه وأسكن فيه الأمراء ثم خرب أولًا فأولًا‏.‏

وذكر ابن عبد الظاهر في كتاب خطط القاهرة عن مرهف بواب باب الزهومة أنه قال‏:‏ أعلم هذا الباب المدة الطويلة وما رأيته دخل إليه حطب ولا رمي منه تراب قال‏:‏ وهذا أحد أسباب خرابة لوقود أخشابه وتكوين ترابه قال‏:‏ ولما أخذه صلاح الدين وأخرج من كان كان فيه اثنا عشر ألف نسمة ليس فيهم فحل إلا الخليفة وأهله وأولاده فأسكنهم دار المظفر بحارة برجوان وكانت تعرف‏:‏ بدار الضيافة قال‏:‏ ووجد إلى جانب القصر بئر تعرف ببئر الصنم كان الخلفاء يرمون فيها القتلى فقيل‏:‏ إن فيها مطلبًا وقصد تغويرها فقيل‏:‏ إنها معمورة بالجان وقتل عمارها جماعة من أشياعه فردمت وتركت انتهى‏.‏

وكان صلاح الدين لما أزال الدولة أعطى هذا القصر الكبير لأمراء دولته وأنزلهم فيه فسكنوه وأعطى القصر الصغير الغربي لأخيه الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب فسكنه وفيه ولد له ابنه الكامل ناصر الدين محمد وكان قد أنزل والده نجم الدين أيوب بن شادي في منظرة اللؤلؤة ولما قبض على الأمير داود بن الخليفة العاضد وكان ولي عهد أبيه وينعت بالحامد لله اعتقله وجميع إخوته وهم‏:‏ أبو الأمانة جبريل وأبو الفتوح وابنه أبو القاسم وسليمان بن داود بن العاضد وعبد الوهاب بن إبراهيم بن العاضد وإسماعيل بن العاضد وجعفر بن أبي الطاهر بن جبريل وعبد الظاهر بن أبي الفتوح بن جبريل بن الحافظ وجماعة فلم يزالوا في الاعتقال بدار المظفر وغيرها إلى أن انتقل الكامل محمد بن العادل من دار الوزارة بالقاهرة إلى قلعة الجبل فنقل معه ولد العاضد وإخوته وأولاد عمه واعتقلهم بها وفيها مات داود بن العاضد ولم يزل بقيتهم معتقلين بالقلعة إلى أن استبد السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري فأمر في سنة ستين بالإشهاد على كمال الدين إسماعيل بن العاضد وعماد الدين أبي القاسم ابن الأمير أبي الفتوح بن العاضد وبدر الدين عبدالوهاب بن إبراهيم بن العاضد أن جميع المواضع التي قبلي المدارس الصالحية من القصر الكبير والموضع المعروف بالتربة باطنًا وظاهرًا بخط الخوخ السبع وجميع الموضع المعروف بالقصر اليافعي بالخط المذكور وجميع الموضع المعروف بالجباسة بالخط المذكور وجميع الموضع المعروف بالجباسة بالخط المذكور وجميع الموضع المعروف‏:‏ بخزائن السلاح السلطانية وما هو بخطه وجميع الموضع المعروف بسكن أولاد شيخ الشيوخ وغيرهم من القصر الشارع بابه قبالة دار الحديث النبوي الكاملية وجميع الموضع المعروف بالقصر الغربي وجميع الموضع المعروف بدار القنطرة بخط المشهد الحسيني وجميع الموضع المعروف بدار الضيافة بحارة برجوان وجميع الموضع المعروف بدار الذهب بظاهر القاهرة وجميع الموضع المعروف باللؤلؤة وجميع قصر الزمرذ وجميع البستان الكافوري ملك لبيت المال بالنظر المولولي السلطاني الملكي الظاهري من وجه صحيح شرعي لا رجعة لهم فيه ولا لواحد منهم في ذلك ولا في شيء منه ولاء ولا شبهة بسبب يد ولا ملك ولا وجه من الوجوه كلها خلا ما في ذلك من مسجد لله تعالى أو مدفن لآبائهم فأشدهوا عليهم بذلك وورخوا الإشهاد بالثالث عشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة وأثبت على يد قاضي القضاة الصاحب تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز الشافعي وتقرر مع المذكورين أنه مهما كان قبضوه من أثمان بعض الأماكن المذكورة التي عاقد عليها وكلاؤهم واتصلوا إليه يحاسبوا به من جملة ما تحرر ثمنه عند وكيل بيت المال وقبضت أيدي المذكورين عن التصرف في الأماكن المذكورة وغيرها مما هو منسوب إلى آبائهم ورسم ببيع ذلك فباعه وكيل بيت المال كمال الدين ظافر شيئًا بعد شيء ونقضت تلك المباني وابتنى في مواضعها على غير تلك الصفة من المساكن وغيرها كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى وكان هذا القصر يشتمل على مواضع منها‏:‏ قاعة الذهب‏:‏ وكان يقال لقاعة الذهب‏:‏ قصر الذهب وهو أحد قاعات القصر الذي هو قصر المعز لدين الله معد وبنى قصر الذهب العزيز بالله نزار بن المعز وكان يدخل إليه من باب الذهب الذي كان مقابلًا للدار القطبية التي هي اليوم المارستان المنصوري ويدخل إليه أيضًا من باب البحر الذي هو الآن تجاه المدرسة الكاملية وجدد هذا القصر من بعد العزيز الخليفة المستنصر في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وبهذه القاعة كانت الخلفاء تجلس في الموكب يوم الاثنين ويوم الخميس وبها كان يعمل سماط شهر رمضان للأمراء وسماط العيدين وبها كل سرير الملك‏.‏

هيئة جلوس الخليفة بمجلس الملك‏:‏ قال الفقيه أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق في كتاب سيرة المعز‏:‏ وكان وصول المعز لدين الله إلى قصره بمصر في يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة ولما وصل إلى قصره خر ساجدًا ثم صلى ركعتين وصلى بصلاته كل من دخل معه واستقر في قصره بأولاده وحشمه وخواص عبيده والقصر يومئذ يشتمل على ما فيه من عين وورق وجوهر وحلى وفرش وأوان وثياب وسلاح وأسفاط وأعدال وسروج ولجم وبيت المال بحاله بما فيه وفيه جميع ما يكون للملوك وللنصف من رمضان جلس المعز في قصره على السرير الذهب الذي عمله عبده القائد جوهر في الإيوان الجديد وأذن بدخول الأشراف أولاص ثم أذن بعدهم للأولياء ولسائر وجوه الناس وكان القائد جوهر قائمًا بين يديه يقدم الناس قومًا بعد قوم ثم مضى القائد جوهر وأقبل بهديته التي عباها ظاهرة يراها الناس وهي‏:‏ من الخيل مائة وخمسون فرسًا مسرجة ملجمة منها مذهب ومنها مرصع ومنها معنبر وإحدى وثلاثون قبة على نوق بخاتي بالديباج والمناطق والفرش منها تسعة بديباج مثقل وتسع نوق مجنوبة مزينة بمثقل وثلاثة وثلاثون بغلًا منها سبعة مسرجة ملجمة ومائة وثالثون بغلًا للنقل وتسعون نجيبًا وأربعة صناديق مشبكة يرى ما فيها وفيها أواني الذهب والفضة ومائة سيف محلى بالذهب والفضة ودرجان من فضة مخرقة فيها جوهر وشاشية مرصعة في غلاف وتسعمائة ما بين سفط وتخت فيها سائر ما أعدل له من ذخائر مصر‏.‏

وفي يوم عرفة نصب المعز الشمسية التي عملها للكعبة على إيوان قصره وسعتها‏:‏ اثنا عشر شبرًا في اثني عشر شبرًا وأرضها ديباج أحمر ودورها اثنا عشر هلال ذهب في كل هلال أترجة ذهب مسبك جوف كل أترجة خمسون درة كبارة كبيض الحمام وفيها الياقوت الأحمر والأصفر والأزرق وفي دورها كتابة آيات الحج بزمرذ أخضر قد فسر وحشو الكتابة در كبير لم ير مثله وحشو الشمسية‏:‏ المسك المسحوق يراها الناس في القصر ومن خارج القصر لعلو موضعها وإنما نصبها عدة فراشين وجروها لثقل وزنها‏.‏

وقال في كتاب الذخائر والتحف‏:‏ وما كان بالقصر من ذلك إن وزن ما استعمل من الذهب الإبريز الخالص في سرير الملك الكبير مائة ألف مثقال وعشرة آلاف مثقال ووزن ما حلي به الستر الذي أنشأه سيد الوزراء أبو محمد البازري من الذهب أيضًا ثلاثون ألف مثقال وإنه رصع بألف وخمسمائة وستين قطعة جوهر من سائر ألوانه وذكر أن في الشمسية الكبيرة ثلاثين ألف مثقال ذهبًا وعشرين ألف درهم مخرقة وثلاثة آلاف وستمائة قطعة جوهر من سائر ألوانه وأنواعه وأن في الشمسية التي لم تتم من الذهب سبعة عشر ألف مثقال‏.‏

وقال المرتضى أبو محمد عبد السلام بن محمد بن الحسن بن عبد السلام بن الطوير الفهري القيسراني‏:‏ الكاتب المصري في كتاب نزهة المقلتين في أخبار الدولتين الفاطمية والصلاحية الفصل العاشر في ذكر هيئتهم في الجلوس العام بمجلس الملك ولا يتعدى ذلك يومي الاثنين والخميس ومن كان أقرب الناس إليهم ولهم خدم لا تخرج عنهم وينتظر لجلوس الخليفة أحد اليومين المذكورين وليس على التوالي بل على التفاريق فإذا تهيأ ذلك في يوم من هذه الأيام استدعى الوزير من داره صاحب الرسالة على الرسم المعتاد في سرعة الحركة فيركب في أبهته وجماعته على الترتيب المقدم ذكره يعني في ذكر الركوب أول العام وسيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من هذا الكتاب فيسير من مكان ترجله عن دابته بدهليز العمود إلى مقطع الوزارة وبين يديه أجلاء أهل الإمارة كل ذلك بقاعة الذهب التي كان يسكنها السلطان بالقصر وكان الجلوس قبل ذلك بالإيوان الكبير الذي هو خزائن السلاح في صدره على سير الملك وهو باق في مكانه إلى الآن من هذا المكان إلى آخر أيام المستعلي ثم إن الآمر نقل الجلوس في هذا المكان واسمه مكتوب بأعلى باذهنجه إلى اليوم ويكون المجلس المذكور معلقًا فيه ستور الديباج شتاءً والديبقي صيفًا وفرش الشتاء بسط الحرير عوضًا عن الصوف مطابقًا لستور الديباج وفرش الصيف مطابقًا لستور الديبقي ما بين طبري وطبرستاني مذهب معدوم المثل وفي صدره‏:‏ المرتبة المؤهلة لجلوسه في هيئة جليلة على سرير الملك المغشى بالقرقوبي فيكون وجه الخليفة عليه قبالة وجوه الوقوف بين يديه فإذا تهيًا الجلوس استدعى الوزير من المقطع إلى باب المجلس المذكور وهو مغلق عليه ستر فيقف بحذائه وعن يمينه زمام القصر وعن يساره زمام بيت المال فإذا انتصب الخليفة على المرتبة وضع أمين الملك مفلح أحد الأستاذين المحنكين الخواص الدواة مكانها من المرتبة وخرج من المقطع الذي يقال له فردًا لكم فإذا الوزير واقف أمام باب المجلس وحواليه الأمراء المطوقون أرباب الخدم الجلية وغيرهم وفي خلالهم قراء الحضرة فيشير صاحب المجلس إلى الأستاذين فيرفع كل منهم جانب الستر فيظهر الخليفة جالسًا بمنصبه المذكور فتستفتح القراء بقراءة القرآن الكريم ويسلم الوزير بعد دخوله إليه فيقبل يديه ورجليه ويتأخر مقدار ثلاثة أذرع وهو قائم قدر ساعة زمانية ثم يؤمر بأن يجلس على الجانب الأيمن وتطرح له مخدة تشريفًا ويقف الأمراء في أماكنهم المقررة فصاحب الباب واسفهسلار العساكر من جانبي الباب يمينًا ويسارًا ويليهم من خارجه لاصقًا بعتبته زمام الآمرية والحافظية كذلك ثم يرتبهم على مقاديرهم فكل واحد لا يتعدى مكانه هكذا إلى آخر الرواق وهو الإفريز العالي عن أرض القاعة ويعلوه الساباط على عقود القناطي التي على العهد هناك ثم أرباب القصب والعماريات يمنة ويسرة كذلك ثم الأماثل والأعيان من الأجناد المترشحين للتقدمة ويقف مستندًا للصدر الذي يقابل باب المجلس‏:‏ بواب الباب والحجاب ولصاحب الباب في ذلك المحل الدخول والخروج وهو الموصل عن كل قائل ما يقول فإذا انتظم ذلك النظام واستقر بهم المقام فأول ماثل للخدمة بالسلام‏:‏ قاضي القضاة والشهود المعروفون بالاستخدام فيجيز صاحب الباب القاضي دون منن معه فيسلم متأدبًا ويقف قريبًا ومعنى الأدب في السلام أنه يرفع يده اليمنى ويشير بالمسبحة ويقول بصوت مسموع‏:‏ السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فيتخصص بهذا الكلام دون غيره من أهل السلام ثم يسلم بالأشراف الأقارب زمامهم وهو من الأستاذين المحنكين وبالأشراف الطالبيين نقيبهم وهو من الشهود المعدلين وتارة يكون من الأشراف المميزين فيمضي عليهم كذلك ساعتان زمانيتان أو ثلاث ويخص بالسلام في ذلك الوقت خلع عليه‏:‏ لقوص أو الشرقية أو الغربية أو الإسكندرية فيشرفون بتقبيل القبة فإن دعت حاجة الوزير إلى مخاطبة الخليفة في أمر قام من مكانه وقرب منه منحنيًا على سيفه فيخاطبه مرة أو مرتين ثم يؤمر الحاضرون فيخرجون حتى يكون آخر من يخرج الوزير بعد تقبيل يد الخليفة ورجله ويخرج فيركب على عادته إلى داره وهو مخدوم بأولئك ثم يرخي الستر ويغلق باب المجلس إلى يوم مثله فيكون الحال كما ذكر ويدخل الخليفة إلى مكانه المستقر فيه ومعه خواص أستاذيه وكان أقرب الناس إلى الخلفاء‏:‏ الأستاذون المحنكون وهم أصحاب الأنس لهم ولهم من الخدم ما لا يتطرق إليه سواهم ومنهم زمام القصر وشاد التاج الشريف وصاحب بيت المال وصاحب الدفتر وصاحب الرسالة وزمام الأشراف الأقارب وصاحب المجلس وهم المطلعون على أسرار الخليفة وكانت لهم طريقة محمودة في بعضهم بعضًا منها‏:‏ أنه متى ترشح أستاذ للتحنيك وحنك‏:‏ حمل إليه كل واحد من المحنكين بدلة من ثياب ومنديلًا وفرشًا وسيفًا فيصبح لاحقًا بهم وفي يديه مثل ما في أيديهم وكان لا يركب أحد في القصر إلا الخليفة ولا ينصرف ليلًا ونهارًا إلا كذلك وله في الليل شدادات من النساء يخدمن البغلات والحمير الإناث للجواز في السراديب القصيرة الأقباء والطلوع على الزلاقات إلى أعالي المناظر والأماكن وفي كل محلة من محلات القصر فسقية مملوءة بالماء خيفة من حدوث حريق في الليل‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ فإذا كان اليوم الرابع من شهر رمضان رتب عمل السماط كل ليلة بالقاعة بالقصر إلى السادس والعشرين منه ويستدعى له‏:‏ قاضي القضاة ليالي الجمع توقيرًا له فأما الأمراء ففي كل ليلة منهم قوم بالنوبة ولا يحرمونهم الإفطار مع أولادهم وأهاليهم ويكون حضورهم بمسطور يخرج إلى صاحب الباب وأسفهسلاره فيعرف صاحب كل نوبة ليلته فلا يتأخر ويحضر الوزير فيجلس صدره فإن تأخر كان ولده أو أخوه وإن لم يحضر أحد من قبله كان صاحب الباب ويهتم فيه اهتمامًا عظيمًا تامًا بحيث لا يفوته شيء من أصناف المأكولات الفائقة والأغذية الرائقة وهو مبسوط في طول القاعة ماد من الرواق إلى ثلثي القاعة المذكورة والفراشون قيام لخدمة الحاضرين وحواشي الأستاذين يحضرون الماء المبخر في كيزان الخزف برسم الحاضرين ويكون انفصالهم العشاء الآخرة فيعمهم ذلك ويصل منه شيء إلى أهل القاهرة من بعض الناس لبعض ويأخذ الرجل الواحد ما يكفي جماعة فإذا حضر الوزير أخرج إليه مما هو بحضرة الخليفة وكانت يده فيه تشريفًا له وتطييبًا لنفسه وربما حمل لسحوره من خاص ما يعين لسحور الخليفة نصيب وافر ثم يتفرق الناس إلى أماكنهم بعد العشاء الآخرة بساعة أو ساعتين قال‏:‏ ومبلغ ما ينفق في شهر رمضان لسماطه مدة سبعة وعشرين يومًا ثلاثة آلاف دينار‏.‏

قال الأمير المختار عز الملك بن عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز المسبحي في تاريخه الكبير‏:‏ وفي آخر يوم منه يعني شهر رمضان سنة ثمانين وثلثمائة حمل يانس الصقلبي صاحب الشرطة السفلى السماط وقصور السكر والتماثيل وأطباقًا فيها تماثيل حلوى وحمل أيضًا علي بن سعد المحتسب القصور وتماثيل السكر‏.‏

وقال ابن الطوير‏:‏ فأما الأسمطة الباطنة التي يحضرها الخليفة بنفسه ففي يوم عيد الفطر‏:‏ اثنان ويوم عيد النحر‏:‏ واحد فأما الأول من عبيد الفطر فإنه يعين في الليل بالإيوان قدام الشباك الذي يجلس فيه الخليفة فيمد ما مقدار ثلثمائة ذراع في عرض سبعة أذرع من الخشكنان والفانيذ والبسندود المقدم ذكر عمله بدار الفطرة فإذا صلى الفجر في أول الوقت حضر إليه الوزير وهو جالس في الشباك ومكن الناس من ذلك الممدود فأخذ وحمل ونهب فيأخذه من يأكله في يومه ومن يدخره لغده ومن لا حاجة له به فيبيعه ويتسلط عليه أيضًا حواشي القصر المقيمون هناك فإذا فرغ من ذلك وقد بزغت الشمس ركب من باب الملك بالإيوان وخرج من باب العيد إلى المصلى والوزير معه كما وصفنا في هيئة ركوب هذا العيد في فصله مخليًا لقاعة الذهب لسماط الطعام فينصب له سرير الملك قدام باب المجلس في الرواق وينصب فيه مائدة من فضة ويقال لها‏:‏ المدورة وعليها أواني الفضيات والذهبيات والصيني الحاوية للأطعمة الخاص الفائحة الطيب الشهية من غير خضراوات سوى الدجاج الفائق المسمن المعمول بالأمزجة الطيبة النافعة ثم ينصب السماط أمام السرير إلى باب المجلس قبالته ويعرف بالمحول طول القاعة وهو اليوم الباب الذي يدخل منه إليها من باب البرح الذي هو باب القصر اليوم والسماط خشب مدهون شبه الدكك اللاطية فيصير من جمعه للأواني سماطًا عاليًا في ذلك الطول وبعرض عشرة أذرع فيفرش فوق ذلك الأزهار ويرص الخبز على حافتيه سواميذ كل واحد ثلاثة أرطال من نقي الدقيق ويدهن وجهها عند خبزها بالماء فيحصل لها بريق ويحسن منظرها ويعمر داخل ذلك السماط على طوله بأحد وعشرين طبقًا في كل طبق أحد وعشرون ثنيًا سمينًا مشويًا وفي كل من الدجاج والفراريج وفراخ الحمام ثلثمائة وخمسون طائرًا فيبقى طائلًا مستطيلًا فيكون كقامة الرجل الطويل ويسور بشرائح الحلواء اليابسة ويزين بألوانها المصبغة ثم يسد خلل تلك الأطباق بالصحون الخزفية التي في كل واحد منها سبع دجاجات وهي مترعة بالألوان الفائقة من الحلواء المائعة والطباهجة المشققة والطيب غالب على ذلك كله فلا يبعد أن تناهز عدة الصحون المذكورة خمسمائة صحن ويرتب ذلك أحسن ترتيب من نصف الليل بالقاعة إلى حين عود الخليفة من المصلى والوزير معه فإذا دخل القاعة وقف الوزير على باب دخول الخليةف لينزع عنه الثياب العيدية التي في عمامته السمة ويلبس سواها من خزائن الكسوات الخاصة التي قدمنا ذكرها وقد عمل بدار الفطرة قصران من حلوى في كل واحد سبعة عشر قنطارًا وحملا فمنهما واحد يمضي به من طريق قصر الشوك إلى باب الذهب والآخر يشق به بين القصرين يحملهما العتالون فينصبان أول السماط وآخره وهما شكل مليح مدهونان بأوراق الذهب وفيهما شخوص ناتئة كأنها مسبوكة في قوالب لوحًا لوحًا فإذا عبر الخليفة راكبًا ونزل على السرير الذي عليه المدورة الفضة وجلس قام على رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنكين وأربعة من خواص الفراشين ثم يستدعي الوزير فيطلع إليه ويجلس عن يمينه ويستدعي الأمراء المطوقين ومن يليهم من الأمراء دونهم فيجلسون على السماط كقيامهم بين يديه فيأكل من أراد من غير إلزام فإن في الحاضرين من لا يعتقد الفطر في ذلك اليوم فيستولي على ذلك المعمول الآكلون وينقل إلى دار أرباب الرسوم ويباح فلا يبقى منه إلا السماط فقط فيعم أهل القاهرة ومصر من ذلك نصيب وافر فإذا انقضى ذلك عند صلاة الظهر انفض الناس وخرج الوزير إلى داره مخدومًا بالجماعة الحاضرين وقد عمل سماطًا لأهله وحواشيه ومن يعز عليه لا يلحق بأيسر يسير من سماط الخليفة وعلى هذا العمل يكون سماط عيد النحر أول يوم منه وركوبه إلى المصلى كما ذكرنا ولا يخرج عن هذا المنوال ولا ينقص عن هذا المثال ويكون الناس كلهم مفطرين ولا يفوت أحدًا قال‏:‏ ومبلغ ما ينفق في سماط الفطر والأضحى أربعة آلاف دينار وكان يجلس على أسمطة الأعياد في كل سنة رجلان من الأجناد يقال لأحدهما‏:‏ ابن فائز والآخر الديلمي يأكل كل واحد منهما خروفًا مشويًا وعشر دجاجات محلاة وجام حلوى عشرة أرطال ولهما رسوم تحمل إليهما بعد ذلك من الأسمطة لبيوتهما ودنانير وافرة على حكم الهبة وكان أحدهما أسر بعسقلان في تجريدة جرد إليها وأقام مدة في الأسر فاتفق أنه كان عندهم عجل سبمين فيه عدة قناطير لحم فقال له الذي أسره وهو يداعبه‏:‏ إن أكلت هذا العجل أعتقتك ثم ذبحه وسوى لحمه وأطعمه حتى أتى على جميعه فوفى له وأعتقه فقدم على أهله بالقاهرة ورأيته يأكل على السماط‏.‏