فصل: سوق الشرابشيين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 سوق الشرابشيين

وهذا السوق مما أحدث بعد الدولة الفاطمية ويباع فيها الخلع التي يُلبسها السلطان للأمراء والوزراء والقضاة وغيرهم وإنما قيل له سوق الشرابشيين لأنه كان من الرسم في الدولة التركية أنّ السلطان والأمراء وسائر العساكر إنما يلبسون على رؤوسهم كلوتة صفراء مضرّبة تضريبًا عريضًا ولها كلاليب بغير عمامة فوقها وتكون شعورهم مضفورة مدلاة بدبوقة وهي في كيس حرير إمّا أحم أو أصفر وأوساطهم مشدودة ببنود من قطن بعلبكيّ مصبوغ عوضًا عن الحوائص وعليهم أقبية إمّا بيض أو مشجرة أحمر وأزرق وهي ضيقة الأكمام على هيئة ملابس الفرنج اليوم وإخفافهم من جاد بلغاريّ أسود وفي أرجلهم من فوق الخف سقمان وهو خف ثان ومن فوق القبا كمران بحلق وأبزيم وصوالق بلغاري كبار يَسَعُ الواحد منها أكثر من نصف ويبة غلة مغروز فيه منديل طوله ثلاثة أذرع فلم يزل هذا زيهم منذ استولوا بديار مصر على الملك من سنة ثمان وأربعين وستمائة إلى أن قام في المملكة الملك المنصور قلاوون فغيّر هذا الزيّ بأحسن منه ولبسوا الشاشات وأبطلوا لبس الكم الضيق واقترح كل أحد من المنصورية ملابس حسنة فلما ملك ابنه الأشرف خليل جمع خاصكيته ومماليكه وتخير لهم ملابس بالكلوتات الزركش والطرازات الزركش والكنابيش الزركش والأقبية الأطلس المعدني حتى يُميزُ الأمير بلبسه عن غيره وكذلك في الملبوس الأبيض أن يكون رفيعًا واتخذ السروج المرصعة والأكوار المرصعة فعرفت بالأشرفية وكانت قبل ذلك سروجهم بقرابيس كبار شنعة وركب كبار بشعة فلما ملك ديار مصر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون استجد العمائم الناصرية وهي صغار‏.‏

فلما قام الأمير يلبغا العمريّ الخاصكيّ عمل الكلوتات اليلبغاوية وكانت كبارًا واستجدّ الأمير سلار في أيام الملك الناصر محمد القباء الذي يعرف بالسلاري وكان قبل ذلك يُعرف ببغلوطاق فلما تملك الملك الظاهر برقوق عمل هذه الكلوتات الجركسية وهي أكبر من اليلبغاوية وفيها عوج وأما الخلع فإن السلطان كان إذا أمّر أحدًا من الأتراك ألبسه الشربوش وهو شيء يشبه التاج كأنه شكل مثلث يجعل على الرأس بغير عمامة ويلبس معه على قدر رتبته إمّا ثوب بخ أو طرد وحش أو غيره فعُرف هذا السوق بالشرابشيين نسبة إلى الشرابيش المذكورة وقد بطل الشربوش في الدولة الجركسية‏.‏

وكان بهذا السوق عدّة تجار لشراء التشاريف والخلع وبيعها على السلطان في ديوان الخاص وعلى الأمراء وينال الناس من ذلك فوائد جليلة ويقتنون بالمتجر في هذا الصنف سعادات طائلة فلما كانت هذه الحوادث مُنع الناس من بيع هذا الصنف إلاّ للسلطان وصار يجلس به قوم من عمال ناظر الخاص لشراء سائر ما يُحتاج إليه ومن اشترى من ذلك شيئًا سوى عمال السلطان فله من العقاب ما قدّر عليه والأمر على هذا إلى يومنا الذي نحن فيه‏.‏

وأوّل من علمته خلع عليه من أهل الدول جعفر بن يحيى البرمكيّ وذلك أنّ أمير المؤمنين هارون الرشيد قال في اليوم الذي انعقد له فيه المُلك‏:‏ يا أخي يا جعفر قد أمرت لك بمقصورة في داري وما يصلح لها من الفراش وعشر جوارتكن فيها ليلة مبيتك عندنا‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما من نعمة متواترة ولا فضل متظاهر إلاّ ورأيُ أمير المؤمنين أجمل وأتم ثم انصرف وقد خلع عليه الرشيد وحمل بين يديه مائة بدرة دراهم ودنانير وأمر الناس فركبوا إليه حتى سلموا عليه وأعطاه خاتم الملك ليختم به على ما يريد فبلغ بذلك صيته أقطار الأرض ووصل إلى ما لم يصل إليه كاتب بعده فاقتُديَ بالرشيد من بعده وخلعوا على أولياء دولتهم وولاة أعمالهم واستمرّ ذلك إلى اليوم‏.‏

وأوّل ما عرف شدّ السيوف في أوساط الجند‏:‏ أنّ سيف الدين غازي بن عماد الدين أتابك زنكي بن أق سنقر صاحب الموصل أمر الأجناد أن لا يركبوا إلا بالسيوف في أوساطهم والدبابيس تحت ركبهم فلما فعل ذلك اقتدى به أصحاب الأطراف وهو أيضًا أوّل من حمل على رأسه الصنجق في ركوبه وغازي هذا هو أخو الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ومات في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وولي الموصل بعده أخوه قطب الدين مودود‏.‏

سوق الحوائصين هذا السوق بسوق الشرابشيين وتباع فيه الحوائص وهي التي كانت تعرف بالمنطقة في القديم فكانت حوائص الأجناد أوّلًا أربعمائة درهم فضة ونحوها ثم عمل المنصور قلاوون حوائص الأمراء الكبار ثلثمائة دينار وأمراء الطبلخانات مائتي دينار ومقدّمي الحلقة من مائة وسبعين إلى مائة وخمسين دينارًا ثم صار الأمراء والخاصكية في الأيام الناصرية وما بعدها يتخذون الحياصة من الذهب ومنها ما هو مرصع بالجوهر ويفرّق السلطان في كا سنة على المماليك من حوائص الذهب والفضة شيئًا كثيرًا ومازال الأمر على ذلك إلى أن ولي الناصر فرج فلما كان أيام الملك المؤيد شيخ قلّ ذلك ووجد في تركة الوزير الصاحب علم الدين عبد الله بن زنبور لما قبض عليه ستة آلاف حياصة وستة آلاف كلوتة جهاركس وما برح تجار هذا السوق من بياض العامة وقد قلّ تجار هذا السوق في زمننا وصار أكثر حوانيته يباع فيها الطواقي التي يلبسها الصبيان وصارت الآن من ملابس الأجناد‏.‏

سوق الحلاويين هذا السوق معدّ لبيع ما يتخذ من السكر حلوى وإنما يعرف اليوم بحلاوة منوّعة وكان من أبهج الأسواق لما يشاهد في الحوانيت التي بها من الأواني وآلات النحاس الثقيلة الوزن البديعة الصنعة ذات القيم الكبيرة ومن الحلاوات المصنعة عدّة ألوان وتسمى المجمعة وشاهدتُ بهذا السوق السكّر ينادي عليه كل قنطار بمائة وسبعين درهمًا فلما حدثت المحن وغلا السكر لخراب الدواليب التي كانت بالوجه القبليّ وخراب مطابخ السكر التي كانت بمدينة مصر قلّ عمل الحلوى ومات بعض صناعها ولقد رأيت مرّة طبقًا فيه نقل وعدّة شقاف من خزف أحمر في بعضها لبن وفي بعضها أنواع الأجبان وفيما بين الشقاف الخيار والموز وكل ذلك من السكر المعمول بالصناعة وكانت أيضًا لهم عدّة أعمال من هذا النوع يحير الناظر حسنها وكان هذا السوق في موسم شهر رجب من أحسن الأسياء منظرًا فإنه كان يصنع فيه من السكر أمثال خيول وسباع وقطاط وغيرها تسمى العلاليق واحدها علاقة ترفع بخيوط على الحوانيت فمنها ما يزن عشرة أرطال إلى ربع رطل تشترى للأطفال فلا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده وتمتلىء أسواق البلدين مصر والقاهرة وأريافهما من هذا الصنف وكذلك يعمل في موسم نصف شعبان وقد بقي من ذلك إلى اليوم بقية غير طائلة وكذلك كانت تروق رؤية هذا السوق في موسم عيد الفطر لكثرة ما يوضع فيه من حب الخشكنانج‏.‏

وقطع البسندود والمشاش ويشرع في عمل ذلك من نصف شهر رمضان فتملأ منه أسواق القاهرة ومصر والأرياف ولم ير في موسم سنة سبع عشرة وثمانمائة من ذلك شيء بالأسواق البتة فسبحان محيل الأحوال لا إله إلا هو‏.‏

سوق الشوّايين هذا السوق أوّل سوق وضع بالقاهرة وكان يُعرف بسوق الشرايحيين وهو من باب حارة الروم إلى سوق الحلاويين ومازال يُعرف بسوق الشرايحيين إلى أن سكن فيه عدّة من بياعي الشواء في حدود السبعمائة من سني الهجرة فزالت عنه النسبة إلى الشرايحيين وعرف بالشوّايين وهو الآن سكن المتعيشين وانتقل سوق الشرايحيين في زماننا إلى خارج باب زويلة وعرف بالبسطسيين كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز وفي شهر صفر من سنة خمس وستين وثلاثمائة أنشيء سوق الشرايحيين بالقاهرة وذكر ذلك ابن عبد الظاهر في كتاب خطط القاهرة‏.‏

وكان في القديم زويلة الذي وضعه القائد جوهر عند رأس حارة الروم حيث العقد المجاور الآن للمسجد الذي عرف اليوم بسام بن نوح وكان بجواره باب آخر موضعه الآن سوق الماطيين فلما نقل أمير الجيوش باب زويلة إلى حيث هو الآن اتسع ما بين سوق الشرايحيين المذكور وبين باب زويلة الكبير وصار الآن فيه سوق الغرابليين وفيه عدّة حوانيت تعمل مناخل الدقيق والغرابيل ويقابلهم عدّة حوانيت يصنع فيها الأغلاق المعروفة بالضبب وما بعد ذلك إلى باب زويلة فيه كثير من الحوانيت يجلس ببعضها عدّة من الجبانين لبيع أنواع الجبن المجلوب من البلاد الشامية وأدركنا هناك إلى أن حدثت المحن من ذلك شيئًا كثيرًا يتجاوز الحد في الكثرة وفي بعض تلك الحوانيت قوم يجلسون لعلاج من عساه ينصدع له عظم أو ينكسر أو يصيبه جرح يعرفون بالمجبرين وهناك منهم بقية إلى يومنا هذا وبقية الحوانيت ما بين صيارفة وبياعي طرف ومتعيشين في المآكل وغيرها‏.‏

فهذه قصبة القاهرة وما في ظاهر باب زويلة فإنه خارج القاهرة والله تعالى أعلم‏.‏

الشارع خارج باب زويلة هذا الشارع هو تجاه من خرج من باب زويلة ويمتدّ فيما بين الطريق السالك ذات اليمين إلى الخليج وبين الطريق المسلوك فيه ذات اليسار إلى قلعة الجبل‏.‏

ولم يكن هذا الشارع موجودًا على ما هو عليه الآن عند وضع القاهرة وإنما حدث بعد وضعها بعدّة أعوام على غير هذه الهيئة فلما كثرت العمائر خارج باب زويلة بعد سنة سبعمائة من سني الهجرة صار على ما هو عليه الآن فأما أوّل أمره‏:‏ فإن الخليفة الحاكم بأمر الله أنشأ الباب الجديد على يُسرة الخرج من باب زويلة على شاطىء بركة الفيل وهذا الباب أدركت عقده عند رأس المنجبية بجوار سوق الطيور ثم لما اختطت حارة اليانسية وحارة الهلالية صار ساحل بركة الفيل قبالتها واتصلت العمائر من الباب الجديد إلى الفضاء الذي هو الآن خارج المشهد النفيسيّ فلما كانت الشدّة العظمى من خلافة المستنصر وخربت القطائع والعسكر صارت مواضعها خرابًا إلى خلافة الآمر بأحكام الله فعمر الناس حتى صارت مصر والقاهرة لا يتخللهما خراب وبنى الناس في الشارع من الباب الجديد إلى الجبل عرضًا حيث قلعة الجبل الآن وبنى حائط يستر خراب القطائع والعسكر فعمر من الباب الجديد طولًا إلى باب الصفا بمدينة مصر حتى صار المتعيشون بالقاهرة والمستخدمون يصلون العشاء الآخرة بالقاهرة يتوجهون إلى سكنهم في مصر ولايزالون في ضوء وسرج وسوق موقود من الباب الجديد خارج باب زويلة إلى باب الصفا حيث الآن كوم الجارح والمعاش مستمرّ في الليل والنهار‏.‏

ووقف القاضي الرئيس المختار العدل زكيّ الدين أبو العباس أحمد بن مرتضى بن سيد الأهل بن يوسف حصة من البستان الكبير المعروف يومئذٍ بالمخاريق الكبرى الكائن فيما بين القاهرة ومصر بعدوة الخليج على الفربات وشرط أنّ الناظر يشتري في كل فصل من فصول الشتاء من قماش الكتان الخام أو القطن ما يراه ويعمل ذلك جبابًا وبغالطيقًا محشوة قطنًا وتفرّق على الأيتام الذكور والإناث الفقراء غير البالغين بالشارع الأعظم خارج باب زويلة فيدفع لكل واحد جبة واحدة أو بغلطاقًا فإن تعذر ذلك كان على الأيتام المتصفين بالصفات المذكورة فلما كثرت العمائر خارج باب زويلة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون بعد سنة سبعمائة صار هذا الشارع أوّله تجاه باب زويلة وآخره في الطول الصليبة التي تنتهي إلى جامع ابن طولون وغيره لكنهم لا يريدون بالشارع سوى إلى باب القوس الذي بسوق الطيوريين وهو الباب الجديد وبعد باب القوس سوق الطيوريين ثم سوق جامع قوصون وسوق حوض ابن هنس وسوق ربع طفجي وهذه أسواق بها عدّة حوانيت لكنها لا تنتهي إلى عِظَمِ أسواق القاهرة بل تكون أبدًا دونها بكثير فهذا حال القصبة والشارع خارج باب زويلة وقد بقيت عدّة أسواق في جانبي القصبة ولها أبواب شارعة وفيها أسواق أخر في نواحي القاهرة ومسالكها سيأتي ذكرها بحسب القدرة إن شاء الله تعالى‏.‏

سويقة أمير الجيوش‏:‏ هذه السويقة الآن فيما بين حارة برجوان وحارة بهاء الدين كانت تعرف بسوق الخروقيين فيما بعد زوال الدولة الفاطمية وفي هذا السوق عمر الأمير مازكوج الأسدي مدرسته المعروفة الآن بالأكجية وأدركت الناس إلى هذا الزمن الذي نحن فيه لا يعرفون هذا السوق إلاّ بسوق أمير الجيوش ويعبّرون عنه بصيغة التصغير ولا أعرف لهم مستندًا في ذلك والذي تشهد به الأخبار أن سوق أمير الجيوش هو السوق الذي برأس حارة برجوان ويمتدّ إلى رأس سويقة أمير الجيوش الآن وهذه السويقة من أكبر أسواق القاهرة بها عدّة حوانيت فيها الرفاؤون والحباكون وعدّة حوانيت للرسامين وعدّة حوانيت للفرّايين وعدّة حوانيت للخياطين ومعظمها لسكن البزازين والخلعيين وفيها عدّة من بياعي الأقباع ويباع في هذا السوق سائر الثياب المخيطة والأمتعة من الفرش ونحوها‏.‏

وهو شارع من شوارع القاهرة يُسلك فيه من باب الفتوح وبين القصرين وباب النصر إلى باب القنطرة وشاطئي النيل وغيره وكان ما بعد هذا السوق إلى باب القنطرة معمور الجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع الظرائف والمغازل والكتان والأنواع من المأكل والعطر وغيره وقد خرب أكثر هذه الحوانيت في سني المحنة وما بعدها ولسويقة أمير الجيوش عدّة قياسرة وفنادق والله أعلم‏.‏

سوق الجملون الصغير هذا السوق يسلك فيه من رأس سويقة أمير الجيوش إلى باب الجوانية وباب النصر ورحبة باب العيد وهو مجاور لدرب الفرحية وفيه المدرسة الصيرمية وباب زيادة الجامع الحاكمي وكان أوّلًا يُعرف بالأمراء القرشيين بني النوري ثم عُرف بالجملون الصغير ويجملون ابن صيرم وهو الأمير جمال الدين شويخ بن صيرم أحد الأمراء في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب وإليه تنسب المدرسة الصيرمية والخط المعروف خارج باب الفتوح ببستان ابن صيرم وأدركتُ هذا الجملون معمور الجانبين من أوّله إلى آخره بالحوانيت ففي أوّله كثير من البزازين الذين يبيعون ثياب الكتان من الخام والأزرق وأنواع الطرح وأصناف ثياب القطن وينادي فيه على الثياب بحراج حراج وفيه عدّة من الخياطين وعدّة من البابية المعدّين لغسل الثياب وصقالها وبآخره كثير من الضبيين بحيث لو أراد أحد أن يشتري منه ألف ضبة في يوم لما عَسُرَ عليه ذلك فلما حدثت المحن خرب هذا السوق بخلوّ حوانيته وصار مقفرًا من ساكنيه ثم إنه عمر بعد سنة عشر وثمانمائة وفيه الآن نفر من البزازين وقليل ممن سواهم‏.‏

سوق المحايريين هذا السوق فيما بين الجامع الأقمر وبين جملون ابن صيرم يشلك فيه من سوق حارة برجوان ومن سوق الشماعين إلى الركن المخلق ورحبة باب العيد وهو من شوارع القاهرة المسلوكة وفيه عدّة حوانيت لعمل المحاير التي يسافر فيها إلى الحجاز وغيره وكان فيه تاجران قد تراضيا على ما يشتريانه من المحاير المعرّضة للبيع ولهذا السوق موسم عظيم عند سفر الحاج وعند سفر الناس إلى القدس‏.‏

وبلغني عن شيخ كان بهذا السوق أنه أوصى بعض صبيانه فقال له‏:‏ يا بنيّ لا تراعِ أحدًا في بيع فإنه لا يحتاج إليك إلاّ مرّة في عمره فخذ عدلك في ثمن المحارة فإنَك لا تخشى من عوده مرّة أخرى إليك وسوف إذا عاد من سفره إما إلى الحجاز أو القدس فإنه يحتاج إلى بيعها فتراقد عليه في ثمنها واشتراها بالرخيص‏.‏

وكذلك يفعل أهل هذا السوق إلى اليوم فإنهم لا يراعون بائعًا ولا مشتريًا إلا أن سوقهم لم يبق كما أدركناه فإنه حدث سوق آخر يباع فيه المحاير بسوق الجامع الطولوني وصار بسوق الخيميين أيضًا صناع للمحاير وبلغني أنّ بالمحايريين هذا أوقف هل مصر امرأة من جريد مؤتزرة بيدها ورقة فيها سب الخليفة الحاكم بأمر الله ولعنه عندما منع النساء من الخروج في الطرقات فعندما مرّ من هناك حسبها امرأة تسأله حاجة‏.‏

فأمر بأخذ الورقة منها فإذا فيها من السب ما أغضب فأمر بها أن تؤخذ فإذا هي من جريد قد ألبس ثيابًا وعمل كهيئة امرأة فاشتدّ عند ذلك غضبه وأمر العبيد بإحراق مدينة مصر فأضرموا فيها النار‏.‏

ولم أقف على هذا الخبر مسطورًا وقد ذكر المسبحيّ حريق الحاكم بأمر الله لمصر ولم يذكر قصة المرأة‏.‏

الصاغة‏:‏ هذا المكان تجاه المدارس الصالحية بخط بين القصرين‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ الصاغة بالقاهرة كانت مطبخًا للقصر يُخرج إليه من باب الزهومة وهو الباب الذي هُدم وبني مكانه قاعة شيخ الحنابلة من المدارس الصالحية وكان يخرج من المطبخ المذكور مدّة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع الألوان في كل يوم تفرّق على أرباب الرسوم والضعفاء وسُمّي باب الزهومة أي باب الزفر لأنه لا يدخل باللحم وغيره إلا منه فاختص بذلك‏.‏

انتهى‏.‏

والصاغة الآن وقف على المدارس الصالحية وقفها الملك السعيد بركة خان المسمى بناصر الدين محمد ولد الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقاري على الفقهاء المقرّرين بالمدارس الصالحية‏.‏

سوق الكتبيين هذا السوق فيما بين الصاغة والمدرسة الصالحية أُحدث فيما أظن بعد سنة سبعمائة وهو جار في أوقاف المارستان المنصوري وكان سوق الكتب قبل ذلك بمدينة مصر تجاه الجانب الشرقي من جامع عمرو بن العاص في أوّل زقاق القناديل بجوار دار عمرو وأدركته وفيه بقية بعد سنة ثمانين وسبعمائة وقد دُثر الآن فلا يُعرف موضعه وكان قد نُقل سوق الكتبيين من موضعه الآن بالقاهرة إلى قيسارية كانت فيما بين سوق الدجاجين المجاور للجامع الأقمر وبين سوق الحصريين المجاور للركن المخلق وكان يعلو هذه القيسارية ربع فيه عدّة مساكن فتضرّرت الكتب من نداوة أقبية البيوت وفسد بعضها فعادوا إلى سوق الكتب الأوّل حيث هو الآن وما برح هذا السوق مجمعًا لأهل العلم يتردّدون إليه‏.‏

وقد أنشدت قديمًا لبعضهم مجالسةُ السوقِ مذمومةٌ ومنها مجالسُ قد تُحتسبْ فلا تقربنَّ غير سوقِ الجيادِ وسوقُ السلاحِ وسوقُ الكتبْ فهاتيكَ آلةُ أهلِ الوغى وهاتيكَ آلةُ أهلِ الأدبْ سوق الصنادقيين هذا السوق تجاه المدرسة السيوفية كان موضعه في القديم من جملة المارستان ثم عُرف بفندق الدبابليين وقيل له الآن سوق الصنادقيين وفيه تباع الصناديق والخزائن والأسرَّة مما يُعمل من الخشب وكان ما بظاهرها قديمًا يُعرف بسكن الدجاجين وأدركناه يُعرف بسوق السيوفيين وكان فيه عدّة طباخين لا يزال دخان كوانينهم منعقدًا لكثرته‏.‏

حتى قال لي شيخنا قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الحنفي‏:‏ أن قاضي القضاة جلال الدين جاد الله قال له‏:‏ هذا السوق قطب دائرة الدخان وفي سوق الصنادقيين إلى الآن بقية‏.‏

سوق الحريريين‏:‏ هذا السوق من باب قيسارية العنبر إلى خط البندقانيين كان يُعرف قديمًا بسقيفة العداس ثم عمل صاغة القاهرة ثم سكن هناك الأساكفة‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ وكان الصاغة قديما فيما تقدّم مكان الأساكفة الآن وهو إلى الأن معروف بالصاغة القديمة وكان يعرف بسقيفة العداس كذا رأيت في كتب الأملاك وعُرف هذا السوق في زماننا بالحريريين الشراربيين وعُرف بعضه بسوق الزجاجيين وكان يسكن فيه أيضًا الأساكفة فلما أنشأ الأمير يونس الدوادار القيسارية على بئر زويلة بخط البندقانيين في أعوام بضع وثمانين وسبعمائة نقل الأساكفة من هذا الخط ونقل منه أيضًا بياعي أخفاف النساء إلى قيساريته وحوانيته المذكورة‏.‏

سوق العنبريين هذا السوق فيما بين سوق الحريريين الشراربيين وبين قيسارية العصفر وهو تجاه الخرّاطين كان في الدولة الفاطمية مكانه سجنًا لأرباب الجرائم يُعرف بحبس المعونة وكان شنيع المنظر ضيقًا لايزال من يجتاز عليه يجد منه رائحة منكرة فلما كان في الدولة التركية وصار قلاوون من جملة الأمراء الظاهرية بيبرس صار يمرَ من داره إلى قلعة الجبل على حبس المعونة هذا فيشمّ منه رائحة رديئة ويسمع منه صراخ المسجونين وشكواهم الجوع والعري والقمل فجعل على نفسه أنّ الله تعالى جعل له من الأمر شيئًا أن يبني هذا الحبس مكانًا حسنًا فلما صار إليه مُلك ديار مصر والشام هدم حبس المعونة وبناء سوقًا ليسكنه بياعي العنبر وكان للعنبر إذ ذاك بديار مصر نفاق ولناس فيه رغبة زائدة لا يكاد يوجد بأرض مصر امرأة وإن سفلت إلاّ ولها قلادة من عنبر وكان يُتَّخذ منه المخادّ والكلل والستور وغيرها وتجار العنبر يعدّون من بياض الناس ولهم أموال جزيلة وفيه رؤساء وأجلاّء فلما صار المُلك إلى الملك الناصر محمد بن قلاون جعل هذا السوق وما فوقه من المساكن وقفًا على الجامع الذي أنشأه بظاهر مصر جوار موردة الخلفاء المعروف بالجامع الجديد الناصري وهو جار في أقاف إلى يومنا هذا‏.‏

إلاّ أن العنبر من بعد سنة سبعين وسبعمائة كثر فيه الغش حتى صار إسمًا لا معنى له وقلّت رغبة الناس ي استعماله فتلاشى أمر هذا السوق بالنسبة لما كان ثم لما حدثت المحن بعد سنة ست وثمانمائة قلّ ترفُهِ أهل مصر عن استعمال الكثير من العنبر فطرق هذا السوق ما طرق غيره من أسواق البلد وبقيت فيه بقية يسيرة إلى أن خلع الخليفة المستعين بالله العباسي بن محمد في سنة خمس عشرة وثمانمائة وكان نظر الجامع الجديد بيده وبيد ابيه الخليفة المتوكل على الله محمد فقصد بعض سفهاء العامّة يكاتبه بتعطيل هذا السوق فاستأجر قيسارية العصفر ونقل سوق العنبر إليها وصار معطلًا نحو سنتين ثم عاد أهل العنبر إلى هذا السوق على عادتهم في سنة ثمان عشرة وثمانمائة‏.‏

سوق الخرّاطين‏:‏ هذا السوق يُسلك فيه من سوق المهامزيين إلى الجامع الأزهر وغيره وكان قديمًا يُعرف بعقبة الصباغين ثم عُرف بسوق القشاشين وكان فيما بين دار الضرب والوكالة الآمرية وبين المارستان ثم عرف الآن بسوق الخرّاطين وكان سوقًا كبيرًا معمورًا لجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع المهد الذي يُربى فيه الأطفال وحوانيت الخرّاطين وحوانيت صناع السكاكين وصناع الدوى يشتمل على نحو الخمسين حانوتًا فلما حدثت المحن تلاشى هذا السوق واغتصب الأمير جمال الدين يوسف الاستادار منه عدّة حوانيت من أوّله إلى الحمام التي تُعرف بحمام الخرّاطين وشرع في عمارتها فعوجل بالقتل قبل إتمامها وقبض عليها الملك الناصر فرج فيما أحاط به من أمواله وأدخلها في الديوان‏.‏

فقام بعمارة الحوانيت التي تجاه قيسارية العصفر من درب الشمسي إلى أوّل الخرّاطين القاضي الرئيس تقيّ الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر فلما كملت جعلها الملك الناصر فيما هو موقوف على ترتبته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر وأفرد الحمّام وبعض الحوانيت القديمة للمدرسة التي أنشأها الأمير جمال الدين يوسف الأستادار برحبة باب العيد وما يقابل هذه الحوانيت هو وما فوقه وقف على المدرسة القراسنقرية وغيرها وهو متخرّب متهدّم‏.‏

سوق الجملون الكبير هذا السوق بوسط سوق الشرابشيين يتُوصل منه إلى البندقانيين وإلى حارة الجودرية وغيرها أُنشيء فيه حوانيت سكنها البزازون وقفه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون عرى تربة مملوكه بلبغا التركمانيّ عندما مات في سنة سبع وسبعمائة وثم عمل عليه بابان بطرفيه بعد سنة تسعين وسبعمائة فصارت تغلق في الليل وكان فيما أدركناه شارعًا مسلوكًا طول الليل يجلس تجاه صاحب العسس الذي عرفته العامة في زماننا بوالي الطوف من بعد صلاة العشاء في كل ليلة وينصب قدّامه مشعل يشعل بالنار طول الليل وحوله عدّة من الأعوان وكثيرمن السقائين والنجارين والقصارين والهدّادين بنوب مقرّرة لهم خوفًا من أن يحدث بالقاهرة في الليل حريق فيتداركون إطفاءه ومن حدث منه في الليل خصومة أو وجد سكران أو قبض عليه من السرّاق تولى أمره والي الطوف وحكم فيه بما يقتضيه الحال‏.‏

فلما كانت الحوادث بطل هذا الرسم في جملة ما بطل وهذا السوق الآن جار في وقف‏.‏

سوق الفرّايين‏:‏ هذا السوق يُسلك فيه من سوق الشرابشيين إلى الأكفانيين والجامع الأزهر وغير ذلك‏.‏

كان قديمًا يُعرف بسوق الخروقيين ثم سكن فيه صناع الفراء وتجّاره فعرف بهم وصار بهذا السوق في أيام الملك الظاهر برقوق من أنواع الفراء ما يجلّ أثمانها وتتضاعف قيمها لكثرة استعمال رجال الدولة من الأمراء والماليك لبس السمور والوشق والقماقم والسنجاب بعدما كان ذلك في الدولة التركية من أعز الأشياء التي لايستطيع أحد أن يلبسها ولقد أخبرني الطواشي الفقيه الكاتب الحاسب الصوفيّ زين الدين مقبل الروميّ الجنس المعروف بالشامي عتيق السلطان الملك الناصر الحسين بن محمد بن قلاون‏:‏ أنه وجب في تركة بعض أمراء السلطان حسن قباء بفرو قاقم فاستكثر ذلك عليه وتعجب منه وصار يُحكى ذلك مدَّة لعزّة هذا الصنف واحترامه لكونه من ملابس السلطان وملابس نسائه ثم تبذلت الأصناف المذكورة حتى صار يلبس السمور آحاد الأجناد وآحاد الكتاب وكثير من العوام ولا تكاد امرأة من نساء بياض الناس تخلو من لبس السمور ونحوه وإلى الآن عند الناس من هذا الصنف وغيره من الفرو شيء كثير‏.‏