فصل: ساحل النيل بمدينة مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


فأقول‏:‏ إن مدينة مصر محدودة الآن بحدود أربعة‏:‏ فحدها الشرقي اليوم‏:‏ من قلعة الجبل وأنت آخذ إلى باب القرافة فتمر من داخل السور الفاصل بين القرافة ومصر إلى كوم الجارح وتمر من كوم الجارح وتجعل كيمان مصر كلها عن يمينك حتى تنتهي إلى الرصد حيث أول الحبش فهذا طول مصر من جهة المشرق وكان يقال لهذه الجهة عمل فوق‏.‏

وحدها الغربي‏:‏ من قناطر السباع خارج القاهرة إلى موردة الحلفاء وتأخذ على شاطئ النيل إلى دير الطين فهذا أيضًا طولها من جهة المغرب‏.‏

وحدها القبلي من شاطئ النيل بدير الطين حيث ينتهي الحد الغربي إلى بركة الحبش تحت الرصد حيث انتهى الحد الشرقي فهذا عرض مصر من جهة الجنوب التي تسميها أهل مصر الجهة القبلية‏.‏

وحدها البحري‏:‏ من قناطر السباع حيث ابتداء الحد الغربي إلى قلعة الجبل حيث ابتداء الحد الشرقي فهذا عرض مصر من جهة الشمال التي تعرف بمصر بالجهة البحرية وما بين هذه الجهات الأربع فإنه يطلق عليه الآن مصر فيكون أول عرض مصر في الغرب بحر النيل وآخر عرضها في الشرق أول القرافة وأول طولها من قناطر السباع وآخره بركة الحبش فإذا عرفت ذلك ففي الجهة الغربية خط السبع سقايات ويجاوره الخليج وعليه من شرقيه حكر أقبغا ومن غربيه المريس ومنشأه المهراني ويحاذي المنشأة من شرقي الخليج خط قنطرة السد وخط بين الزقاقين وخط موردة الحلفاءن وخط الجامع الجديد ومن شرقي خط الجامع الجديد خط المراغة ويتصل به خط الكبارة وخط المعاريج ويجاوز خط الجامع الجديد من بحريه الدور التي تطل على النيل وهي متصلة إلى جسر الأفرام المتصل بدير الطين وما جاوره إلى بركة الحبش وهذه الجهة هي أعمر ما في مصر الآن وأما الجهة الشرقية فليس فيها شيء عامر إلا قلعة الجبل وخط المراغة المجاور لباب القرافة إلى مشهد السيدة نفيسة ويجاور خط مشهد السيدة نفيسة من قبليه الفضاء الذي كان موضع الموقف والعسكر إلى كوم الجارح ثم خط كوم الجارح وما بين كوم الجارح إلى آخر حد طول مصر عند بركة الحبش تحت الرصد فإنه كيمان وهي الخطط التي ذكرها الفضاعي وخربت في الشدة العظمى زمن المستنصر وعند حريق شاور لمصر كما تقدم وأما عرض مصر الذي من قناطر السباع إلى القلعة فإنه عامر ويشتمل على بركة الفيل الصغرى وبجوار خط السبع سقايات ويجاور الدور التي على هذه البركة من شرقيها خط الكبش ثم خط جامع أحمد بن طولون ثم خط القبيبات وينتهي إلى الفضاء الذي يتصل بقلعة الجبل وأما عرض مصر الذي من شاطئ النيل بخط دير الطين إلى تحت الرصد حيث بركة الحبش فليس فيه عمارة سوة خط درير الطين وما عدا ذلك فقد خرب بخراب الخطط وكان فيه خط بني وائل وخط راشدة فأما خط السبع سقايات‏:‏ فإنه من جملة الحمراء الدنيا وسيرد ذكر الأخطاط إن شاء الله تعالى وما عدا ذلك فإنه يتبين من ذكر ساحل مصر‏.‏

 ساحل النيل بمدينة مصر

قد تقدم أن مدينة فسطاط مصر اختطها المسلمون حول جامع عمرو بن العاص وقصر الشمع وأن بحر النيل كان ينتهي إلى باب قصر الشمع الغربي المعروف بالباب الجديد ولم يكن عند فتح أرض مصر بين جامع عمرو وبين النيل حائل ثم انحسر ماء النيل عن أرض تجاه الجامع وقصر الشمع فابتنى فيها عبد العزيز بن مروان وحاز منه بشر بن مروان لما قدم على أخيه عبد العزيز ثم حاز منه هشام بن عبد الملك في خلافته وبنى فيه فلما زالت دولة بني أمية قبض ذلك في الصوافي ثم أقطعه الرشيد السري بن الحكم فصار في يد ورثته من بعده يكترونه ويأخذون حكره وذلك أنه كان قد اختط فيها المسلمون شيئًا بعد شيء وصار شاطئ النيل بعد انحساره ماء النيل عن الأرض المذكورة حيث الموضع الذي يعرف اليوم بسوق المعاريج‏.‏

قال القضاعي‏:‏ كان ساحل أسفل الأرض بإزاء المعاريج القديم وكانت آثار المعاريج قائمة سبع درججحول ساحل البيما إلى ساحل البوري اليوم فعرف ساحل البوري بالمعاريج الجديد يعني بالمعاريج الجديد‏:‏ موضع سوق المعاريج اليوم وكان من جملة خطط مدينة فسطاط مصرك الحمراوات الثلاث فالحمراء الأولى من جملتها سوق وردان وكان يشرف بغربيه على النيل ويجاوره‏:‏ الحمراء الوسطى ومن بعضها الموضع الذي يعلاف اليوم بالكبارة وكانت على النيل أيضًا وبجانب الكبارة‏:‏ الحمراء القصوى وهي من بحري الحمراء الوسطى إلى الموضع الذي هو اليوم‏:‏ خط قناطر السباع ومن جملة الحمراء القصوى‏:‏ خط خليج مصر من حد قناطر السباع إلى تجارة قنطرة السد من شرقيها وبآخر الحمراء القصوى‏:‏ الكبش وجبل يشكر وكان الكبش يشرف على النيل من غربيه وكان الساحل القديم فيما بين سوق المعاريج اليوم إلى دار التفاح بمصر وأنت مار إلى باب مصر بجوار الكبارة وموضع الكوم المجاور لباب مصر من شرقيه فلما خربت مصر بحريق شاور بن مجير إياها صار هذا الكوم من حينئذ وعرف بكوم المشانيق فأنه كان يشنق بأعلاه أرباب الجرائم ثم بنى الناس فوقه دورًا فعرف إلى يومنا هذا بكوم الكبارة وكان يقال لما بين سوق المعاريج وهذا الكوم لما كان ساحل النيل القالوص‏.‏

قال القضاعي‏:‏ رأيت بخط جماعة من العلماء القالوص‏:‏ بألف والذي يكتب في هذا الزمان القلوص بحذف الألف فأما القلوس‏:‏ بحذف الألف فهي من الإبل والنعام الشابة وجمعها قلص وقلاص وقلائص والقلوص من الحباري الأنثى الصغيرة فلعل هذا المكان سمي بالقلوص لأنه في مقابلة الجمل الذي كان على باب الريحان الذي يأتي ذكره في عجائب مصر وأما القالوص بالألف‏:‏ فهي كلمة رومية ومعناها بالعربية‏:‏ مرحبًا بك ولعل الروم كانوا يصفقون لراكب هذا الجمل ويقولون هذه الكلمة على عاداته‏.‏

وقال ابن المتوج‏:‏ والساحل القديم أوله من باب مصر المذكور يعني المجاور للكبارة وإلى المعاريج جميعه كان بحرًا يجري فيه ماء النيل وقيل‏:‏ إن سوق المعاريج كان موردة سوق السمك يعني ما ذكره القضاعي من أنه كان يعرف بساحل البوري ثم عرف بالمعاريج الجديد‏.‏

قال ابن المتوج‏:‏ ونقل أن بستان الجرف المقابل لبستان حوض ابن كيسان كان صناعة العمارة وأدركت أنا فيه بابها ورأيت زريبة من ركن المسجد المجاور للحوض من غربيه تتصل إلى قبالة مسجد العادل الذي بمراغة الدواب الآن‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله‏:‏ بستان الجرف يعرف بذلك إلى اليوم وهو على يمنة من سلك إلى مصر من طريق المراغة وهو جار في وقف الخانقاه التي تعرف بالواصلة بين الزقاقين وحوض ابن كيسان يعرف اليوم‏:‏ بحوض الطواشي تجاه غيط الجرف المذكور يجاوره بستان ابن كيسان الذي صار صناعة وقد ذكر خبر هذه الصناعة عند ذكر مناظر الخلفاء ويعرف بستان ابن كيسان اليوم ببستان الطواشي أيضًا وبين بستان الجرف وبستان الطواشي هذا مراغة مصر قال ابن المتوج‏:‏ ورأيت من نقل عمن نقل عمن رأى هذا القلوص يتصل إلى آدر الساحل القديم وأنه شاهد ما عليه من العمائر المطلة على بحر النيل من الرباع والدور المطلة وعد الأسطال التي كانت بالطاقات المطلة على بحر النيل فكانت عدتها ستة عشر ألف سطل مؤبدة ببكر مؤبدة فيها أطناب ترخى بها وتملأ أخبرني بذلك من أثق بنقله وقال‏:‏ إنه أخبره به من يثق به متصلًا بالمشاهد له الموثوق به قال‏:‏ وباب مصر الآن بين البستان الذي قبلي الجامع الجديد يعني بستان العالمة وبين كوم المشانيق يعني كوم الكبارة ورأيت السور يتصل به إلى دار النحاس وجميع ما بظاهره شون ولم يزل هذا السور القديم الذي هو قبلي بستان العالمة موجودًا أراه وأعرفه إلى أن اشترى أرضه من باب مصر إلى موقف المكارية بالخشابين القديمة الأمير حسام الدين طرنطاي المنصوري فأجر مكانه للعامة وصار كل من استأجر قطعة هدم ما بها من البناء بالطوب اللبن وقلع الأساس الحجر وبنى به فزال السور المذكور ثم حدث الساحل الجديد‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله‏:‏ وهذا الباب الذي ذكره ابن المتوج كان يقال له‏:‏ باب الساحل وأول حفر ساحل مصر في سنة ست وثلاثين وثلثمائة وذلك أنه جف النيل عن بر مصر حتى احتاج الناس أن سيتقوا من بحر الجيزة الذي هو فيما بين جزيرة مصر التي تدعى الآن بالروضة وبين الجيزة وصار الناس يمشون هم والدواب إلى الجزيرة فحفر الأستاذ كافور الإخشيدي وهو يومئذ مقدم أمراء الدولة لأونوجور بن الإخشيد خليجًا حتى اتصل بخليج بني وائل ودخل الماء إلى ساحل مصر ثم إنه لما كان قبل سنة ستمائة تقلص الماء عن ساحل مصر القديمة وصار في زمن الاحتراق يقل حتى تصير الطريق إلى المقاييس يبسًا فلما كان في سنة ثمان وعشرين وستمائة خاف اللطان الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب من تباعد البحر عن العمران بمصر فاهتم بحفر البحر من دار الوكالة بمصر إلى صناعة التمر الفاضلية وعمل فيه بنفسه فوافقه على العمل في ذلك الجم الغفير واستوى في المساعدة السوقة والأمير وقسط مكان الحفر على الدور بالقاهرة ومصر والروضة والمقياس فاستمر العمل فيه من مستهل شعبان إلى سلخ شوال مدة ثلاثة أشهر حتى صار الماء يحيط بالمقياس وجزيرة الروضة دائمًا بعدما كان عند الزيادة يصير جدولًا رقيقًا في ذيل الروضة فإذا اتصل ببحر بولاق في شهر أبيب كان ذلك من الأيام المشهودة بمصر فلما كانت أيام الملك الصالح وعمر قلعة الروضة أراد أن يكون الماء طول السنة كثيرًا فيما دار الروضة فإخذ في الاهتمام بذلك وغرق عدة مراكب مملوءة بالحجارة في بر الجيزة تجاه باب القنطرة خارج مدينة مصر ومن قبلي جزيرة الروضة فانعكس الماء وجعل البحر حينئذ يمر قليلًا قليلًا وتكاثر أولًا فأولًا في بر مصر قال ابن المتوج عن موضع الجامع الجديد‏:‏ وكان في الدولة الصالحية يعني الملك الصالح نجم الدين أيوب‏:‏ رملة تمرغ الناس فيها الدواب في زمن احتراق النيل وجفاف البحر الذي هو أمامها فلما عمر السلطان الملك الصالح قلعة الجزيرة وصار في كل سنة يحفر هذا البحر بجنده ونفسه ويطرح بعض رمله في هذه البقعة شرع خواص السلطان في العمارة على شاطئ هذا البحر فذكر من عمر على هذا البحر من قبالة موضع الجامع الجديد الآن إلى المدرسة المعزية وذكر ما وراء هذه الدور من بستان العالمة المطل عليه الجامع الجديد وغيره ثم قال‏:‏ وإنما عرف بالعالمة لأنه كان قد حله السلطان الملك الصالح لهذه العالمة فعمرت بجانبه منظرة لها وكان الماء يدخل من النيل لباب المنظرة المذكورة فلما توفيب بقي البستان مدة في يد وزثتها ثم أخذ منهم وذكر أن بقعة الجامع الجديد كانت قبل عمارته شونًا للأتبان السلطانية وكذلك ما يجاورها فلما عمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون الجامع الجديد كثرت العمائر من حد موردة الحلفاء على شاطئ النيل حتى اتصلت بدير الطين وعمر أيضًا ما وراء الجامع من حد باب مصر الذي كان بحرًا كما تقدم إلى حد قنطرة السد وأدركنا ذلك كله على غاية العمارة وقد اختل منذ الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة فخرب خط بين الزقاقين المطل من غربيه على الخليج ومن شرقيه على بستان الجرف ولم يبق به إلا القليل من الدور وموضعه كما تقدم كان في قديم الزمان غامرًا بماء النيل ثم ربى جرفًا وهو بين الزقاقين المذكور فعمر عمارة كبيرة ثم خرب الآن وخرب أيضًا خط موردة الحلفاء وكان في القديم غامرًا بالماء فلما ربى النيل الجرف المذكور وتربت الجزيرة قدام الساحل القديم الذي هو الآن البكارة إلى المعاريج وأنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الجامع الجديد عمرت موردة الحلفاء هذه واتصلت من بحريها بمنشأة المهراني ومن قبليها بالأملاك التي تمتد من تجاه الجامع الجديد إلى دير الطين وصارت موردة الحلفاء عظيمة تقف عندها المراكب بالغلال وغيرها ويملأ منها الناس الروايا وكان البحر لا يبرح طول السنة هناك ثم صار ينشف في فصل الربيع والصيف واستمر على ذلك إلى يومنا هذا وخراب ما خلف الجامع الجديد ايضًا من الأماكنالتي كانت بحرًا تجاه الساحل القديم ثم لما انحسر الماء صارت مراغة للدواب فعرفت اليوم بالمراغة وهي من آخر خط قنطرة السد إلى قريب من الكبارة ويحصرها من غربيها بستان الجرف المقدم ذكره وعدة دور كانت بستانًا وشونًا إلى باب مصر ومن شرقيها بستان ابن كيسان الذي صار صناعة وعرف الآن ببستان الطواشي ولم يبق الآن بخط المراغة إلا مساكن يسيرة حقيرة‏.‏

اعلم أن خليج مصر كان يخرج من بحر النيل فيمر بطريق الحمراء القصوى وكان في الجانب الغربي من هذا الخليج عدة بساتين من جملتها بستان عرف ببستان الخشاب ثم خرب هذا البستان وموضعه الآن يعرف‏:‏ بالمريس فلما كان بعد الخمسمائة من سني الهجةر انحسر النيل عن أرض فيما بين ميدان اللوق الآتي ذكره في الأحكار ظاهر القاهرة إن شاء الله تعالى وبين بستان الخشاب المذكورة فعرفت هذه الأرض بمنشأة الفاضل لأن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي اليساني أنشأ بها بستانًا عظيمًا كان يمير أهل القاهرة من ثماره وأعنابه وعمر بجانبه جامعًا وبنى حوله فقيل لتلك الخطة منشأة الفاضل وكثرت بها العمارة وأنشأ بها موفق الدين محمد بن أبي بكر المهدوي العثماني الديباجي بستانًا دفع له فيه ألف دينار في أيام الظاهر بيبرس وكان الصرف قد بلغ كل دينار ثمانية وعشرين درهمًا ونصفًا فاستولى البحر على بستان الفاضل وجامعه وعلى سائر ما كان بمنشأة الفاضل من البساتين والدور وقطع ذلك حتى لم يبق لشيء منه أثر وما برح باعة العنب بالقاهرة ومصر تنادي على العنب بعد خراب بستان الفاضل هذا عدة سنين‏:‏ رحم الله الفاضل يا عنب إشارة لكثرة إعناب بستان الفاضل وحسنهان وكان أكل البحر لمنشأة الفاضل هذه بعد سنة ستين وستمائة وكان الموفق الديباجي المذكور يتولى خطابة جامع الفاضل الذي كان بالمنشأة فلم تلف الجامع باستيلاء النيل عليه سأل‏:‏ الصاحب بهاء الدين بن حنا وألح عليه وكان من ألزامه حتى قام في عمارة الجامع بمنشأة المهراني ومنشأة المهراني هذه موضعها فيما بين النيل والخليج وفيها من الحمراء القصوى فوهة الخليج انحسر عنها ماء النيل قديمًا وعرف موضعها بالكوم الأحمر من أجل أنه كان يعمل فيها أقمنة الطوب فلما سأل الصاحب بهاء الدين بن حنا الملك الظاهر بيبرس في عمارة جامع بهذا المكان ليقوم مقام الجامع الذي كان بمنشأة الفاضل أجابه إلى ذلك وأنشأ الجامع بخط الكوم الأحمر كما ذكر في خبره عند ذكر الجوامع فأنشأ هناك الأمير سيف الدين بلبان المهراني دارًا وسكنها وبنى مسجدًا فعرفت هذه الخطة به وقيل لها‏:‏ منشأة المهراني فإن المهراني المذكور أول من ابتنى فيها بعد بناء الجامع وتتابع الناس في البناء بمنشأة المهراني وأكثروا من العمائر حتى يقال‏:‏ إنه كان بها فوق الأربعين من أمراء الدولة سوى من كان هناك من الزراء وأماثل الكتاب وأعيان القضاة ووجوه الناس ولم تزل على ذلك حتى انحسر الماء عن الجهة الشرقية فخربت وبها الآن بقية يسيرة من الدور ويتصل بخط الجامع الجديد خط دار النحاس وهو مطل على النيل ودار النحاس هذه من الدور القديمة وقد دثرت وصارت الخط‏:‏ يعرف بها‏.‏

قال القضاعي‏:‏ دار النحاس اختطها‏:‏ وردان مولى عمرو بن العاص فكتب مسلمة بن مخلد وهو أمير مصر إلى معاوية يسأله أن يجعلها ديوانًا فكتب معاوية إلى وردان يسأله فيها وعوضه فيها دار وردان التي بسوقه الآن وقال ربيعة‏:‏ كانت هذه الدار من خطة الحجر من الأزد فاشتراها عمر بن مروان وبناها فكانت في يد ولده وقبضت عنهم وبيعت في الصوافي سنة ثمان وثلثمائة ثم صارت إلى شمول الإخشيدي فبناها قيسارية وحمامًا فصارت دار النحاس قيسارية شمول‏.‏

وقال ابن المتوج‏:‏ دار النحاس خط نسب لدار النحاس وهو الآن فندق الأشراف ذو البابين أحدهما من رحبة أمامه والثاني شارع بالساحل القديم وبآخر هذه الشقة التي تطل على النيل ‏"‏ جسر الأفرام ‏"‏ وهو في طرف مصر فيما بين المدرسة المعزية وبين رباط الآثار كان مطلًا على النيل دائمًا والآن ينحسر الماء عنه عند هبوط النيل وعرف بالأمير عز الدين أيدمر الأفرم الصالحي النجمي أمير جندار وذلك أنه لما استأجر بركة الشعيبية كما ذكر عند ذكر البرك من هذا الكتاب جعل منها فدانين من غربيها أذن للناس في تحكيرها فحكرت وبنى عليها عدة دور بلغت الغاية في إتقان العمارة وتنافس عظماء دولة الناصر محمد بن قلاون من الوزراء وأعيان الكتاب في المساكن بهذا الجسر وبنوا وتأنقوا وتفننوا في بديع الزخرفة وبالغوا في تحسين الرخام وخرجوا عن الحد في كثرة إنفاق الأموال العظيمة على ذلك بحيث صار خط الجسر خلاصة العامر من إقليم مصر وسكانه أرق الناس عيشًا وأترف المتنعمين حياة وأوفرهم نعمة ثم خرب هذا الجسر بأسره وذهبت دوره‏.‏

وأما الجهة الشقية من مصر‏:‏ ففيها قلعة الجبل وقد أفردنا لها خبرًا مستقلًا يحتوي على فوائد كثيرة تضمنه هذا الكتاب فانظره ويتصل آخر قلعة الجبل بخط باب القرافة وهو من أطراف القطائع والعسكر ويلي خط باب القرافة الفضاء الذي كان يعرف بالعسكر وقد تقدم ذكره وكان بأطراف العسكر مما يلي كوم الجارح‏.‏

الموقف قال ابن وصيف شاه في أخبار الريان بن الوليد‏:‏ وهو فرعون نبي الله يوسف صلوات الله عليه ودخل إلى البلد في أيامه غلام من أهل الشام احتال عليه إخوته وباعوه وكانت قوافل الشام تعرس بناحية الموقف اليوم فأوقف الغلام ونودي عليه وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم فاشتراه أطفين العزيز ويقال‏:‏ إن الذي أخرج يوسف من الجب‏:‏ مالك بن دعر بن حجر بن جزيلة بن لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏

وقال القضاعي‏:‏ كان الموقف فضاء لأم عبد الله بن مسلمة بن مخلد فتصدقت به على المسلمين فكان موقفًا تباع فيه الدواب ثم ملك بعد وقد ذكرته في الظهر يعني في خطط أهل وقال ابن المتوج‏:‏ بقعة ‏"‏ خط الصفا ‏"‏ هذا الخط دهر جميعه ولم يبق له أثر وهو قبلي الفسطاط أوله بجوار المصنع وخط الطحانين أدركته كان صفين طواحين متلاصقة متصلة من درب الصفاء إلى كوم الجارح وأدركت به جماعة من أكابر المصريين أكثرهم عدول وكان المار بين هذين الصفين لا يسمع حديث رفيقه إذا حدثه لقوة دوران الطواحين وكان من جملتها طاحون واحد فيه سبعة أحجار دثر جميع ذلك ولم يبق له أثر‏.‏

قال‏:‏ وبقعة درب الصفاء هو الدرب الذي كان باب مصر وقيل‏:‏ إنه كان بظاهره سوق يوسف عليه السلام وكان بابًا بمصراعين يعلوهما عقد كبير وهو بعتبة كبيرة سفلى من صوان وكان بجوار المصنع الخراب الموجود الآن وكان حول المصنع عمد رخام بدائرة حاملة الساباط يعلوه مسجد معلق هدم ذلك جميعه في ولاية سيف الدين المعروف بابن سلار والي مصر في دولة الظاهر بيبرس وهذا الدرب يسلك منه إلى درب الصفاء والطحانين‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله‏:‏ كان هذا الباب المذكور أحد أبواب مدينة مصر وبابها الآخر من ناحية الساحل الذي موضعه اليوم باب مصر بجوار الكبارة وأنا أدركت آثار درب الصفاء المذكور والمصنع الخراب وكان يصب فيه الماء للسبيل وهو قريب من كوم الجارح وسيأتي ذكر كوم الجارح في ذكر الكيمان من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما الذي يلي كوم الجارح إلى آخر حد طول مصر عند بركة الحبش فإنها الخطط القديمة وأدركتها عامرة لا سيما خط النخالين وخط زقاق القناديل وخط المصاصة وقد خرب جميع ذلك وبيعت أنقاضه من بعد سنة تسعين وسبعمائة‏.‏

وأما الجهة القبلية من مصر‏:‏ فإن خط دير الطين حدثت العمارة فيه بعد سنة ستمائة لما أنشأ الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين علي بن حنا الجامع هناك وعمر الناس في جسر الأفرم وكان قبل ذلك آخر عمارة مدينة مصر دار الملك التي موضعها الآن بجوار المدرسة المعزية وأما موضع الجسر فإنه كان بركة ماء تتصل بخط راشدة حيث جامع راشدة ومن قبلي هذه البركة البستان الذي كان يعرف ببستان الأمير تميم بن المعز ويعرف اليوم‏:‏ بالمعشوق وهو على رباط الآثار ويجاور المعشوق بركة الحبش وما بين خط دير الطين وآخر عرض مصر من الجهة القبلية طرف خط راشدة‏.‏

وأما الجهة البحرية من مصر‏:‏ فإنه يتصل بخط السبع سقايات الدور المطلة على البركة التي يقال لها بركة قارون وهي التي تجاور الآن حدرة ابن قميحة وهي من جملة الحمراء القصوى وبقبلي البركة المذكورة الكوم المعروف بالأسرى وهو من جملة العسكر وسيرد إن شاء الله تعالى ذكره عند ذكر الكيمان ويجاور البركة المذكورة خط الكبش وقد ذكر في الجبال ويأتي إن شاء الله تعالى له خبر عند ذكر الأخطاط ويلي خط الكبش خط الجامع الطولوني ويلي خط الجامع القبيبات وخط المشهد النفيسي وجميع ذلك إلى قلعة الجبل من جملة القطائع‏.‏

أبواب مدينة مصر وكان لفسطاط مصر أبواب في القديم خربت وتجدد لها بعد ذلك أبواب أخر‏.‏

باب الصفاء هذا الباب كان هو في الحقيقة باب مدينة مصرن وهي في كمالها ومنه تخرج العساكر وتعبر القوافل وموضعه الآن بالقرب من كوم الجارح وهدم في أيام الملك الظاهر بيبرس‏.‏

باب الساحل‏:‏ كان يفضي بسالكه إلى ساحل النيل القديم وموضعه قريب من الكبارة‏.‏

باب مصر‏:‏ هذاالباب هو الذي بناه قراقوش ومنه يسلك الآن من دخل إلى مدينة مصر من الطريق التي تعرف بالمراغة وهو مجاور للكوم الذي يقال له‏:‏ كوم المشانيق ويعرف اليوم بالكبارة وكان موضع هذا الباب عامرًا لماء النيل فلما انحسر الماء عن ساحل مصر صار الموضع المعروف بالمراغة والموضع المعروف بغيط الجرف إلى موردة الحلفاء فضاء لا يصل إليه ماء النيل البتة فأحب السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أن يدير سورًا يجمع فيه القاهرة ومصر وقلعة الجبل فزاد في سور القاهرة على يد قراقوش من باب القنطرة إلى باب الشعرية وإلى باب البحر يريد أن يمد السور من باب البحر إلى الكوم الأحمر الذي هو اليوم حافة خليج مصر تجاه خط بين الزقاقين ليصل أيضًا من الكوم الأحمر إلى باب مصر هذا فلم يتهيأ له هذا وانقطع السور من عند جامع المقس وزاد في سور القاهرة أيضًا من باب النصر إلى قلعة الجبل فلم يكمل له ومد السور من قلعة الجبل إلى باب القنطرة خارج مصر فصار هذا الباب غير متصل بالسور‏.‏

باب القنطرة‏:‏ هذا الباب في قبلي مدينة مصر عرف بقنطرة بني وائل التي كانت هناك وهو أيضًا من بناء قراقوش‏.‏

ذكر القاهرة قاهرة المعز لدين الله اعلم‏:‏ أن القاهرة المعزية رابع موضع انتقل سرير السلطنة إليه من أرض مصر في الدولة الإسلامية وذلك أن الإمارة بمدينة الفسطاط ثم صار محلها العسكر خارج الفسطاط فلما عمرت القطائع صارت دار الإمارة إلى أن خربت فسكن الأمراء بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر بعساكر مولاه المعز لدين الله معد فبنى القاهرة حصنًا ومعقلًا بين يدي المدينة وصارت القاهرة دار خلافة ينزلها الخليفة بحرمه وخواصه إلى أن انقرضت الدولة الفاطمية‏.‏

فسكنها من بعدهم‏:‏ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وابنه الملك العزيز عثمان وابنه الملك المنصور محمد ثم الملك العادل أبو بكر بن أيوب وابنه الملك الكامل محمد وانتقل من القاهرة إلى قلعة الجبل فسكنها بحرمه وخواصه وسكنها الملوك من بعده إلى يومنا هذا فصارت القاهرة مدينة سكنى بعدما كانت حصنًا يعتقل به ودار خلافة يلتجأ إليها فهانت بعد العز وابتذلت بعد الاحترام وهذا شأن الملوك ما زالوا يطمسون آثار من قبلهم ويميتون ذكر أعدائهم فقد هدموا بذلك السبب أكثر المدن والحصون وكذلك كانوا أيام العجم وفي الجاهلية العرب وهم على ذلك في أيام الإسلام فقد هدم عثمان بن عفان صومعة غمدان وهدم الآطام التي كانت بالمدينة وقد هدم زياد كل قصر ومصنع كان لابن عامر وقد هدم بنو العباس مدن الشام لبني مروان‏:‏ وإذا تأملت البقاع وجدتها تشقى كما تشقى الرجال وتسعد وسيأتي من أخبار القاهرة والكلام على خططها وآثارها ما تنتهي إليه قدرتي ويصل إلى معرفته علمي وفوق كل ذي علم عليم‏.‏