فصل: قناطر الخليج الكبير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 وقال ابن قديد‏:‏ أمر أبو جعفر المنصور بسدّ الخليج حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة ليقطع عنه الطعام فسُدّ إلى الآن‏.‏

وذكر البلادري أن أبا جعفر المنصور لما ورد عليه قيام محمد بن عبد الله قال‏:‏ يُكتب الساعة وقال ابن الطوير وقد ذكر ركوب الخليفة لفتح الخليج وهذا الخليج هو الذي حفره عمرو بن العاص لما ولي على مصر في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بحر فسطاط مصر الحلو وألحقه بالقلزم بشاطيء البحر الملح فكانت مسافته خمسة أيام لتقرب معونة الحجاز من ديار مصر في أيام النيل فالمراكب النيلية تفرّغ ما تحمله من ديار مصر بالقلزم فإذا فرغت حملت ما في القلزم مما وصل من الحجاز وغيره إلى مصرن وكان مسلكًا للتجار وغيرهم في وقته المعلوم وكان أوّل هذا الخليج من مصر يشق الطريق الشارع المسلوك منه اليوم إلى القاهرة حافًا بالقريوص الذي عليه البستان المعروف بابن كيسان مادًا وآثاره اليوم مادة باقية إلى الحوض المعروف بسيف الدين حسين صار ابن رزيك والبستان المعروف بالمشتهى وفيه آثار المنظرة التي كانت معدّة لجلوس الخليفة لفتح الخليج من هذا الطريق ولم تكن الآدر المبنية على الخليج ولا شيء منها هناك وما برح هذا الخليج منتزهًا لأهل القاهرة يعبرون فيه بالمراكب للنزهة إلى أن حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج المعروف الآن بالخليج الناصريّ‏.‏

قال المسبحيّ‏:‏ وفي هذا الشهر يعني المحرّم سنة إحدى وأربعمائة منع الحاكم بأمر الله من الركوب في القوارب إلى القاهرة في الخليج وشدّد في المنع وسدّت أبواب القاهرة التي يتطرّق منها إلى الخليج وأبواب الطاقات من الدور التي تشرف على الخليج وكذلك أبواب الدور قال القاضي الفاضل في متجدّدات حوادث سنة أربع وتسعين وخمسائة‏:‏ ونهى عن ركوب المتفرّجين في المراكب في الخليج وعن إظهار المنكر وعن ركوب النساء مع الرجال وعلّق جماعة من رؤساء المراكب بأيديهم‏.‏

قال‏:‏ وفي يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان ظهر في هذه المدّة من المنكرات ما لم يعهد في مصر في وقت من الأوقات ومن الفواحش ما خرج من الدور إلى الطرقات وجرى الماء في الخليج بنعمة الله تعالى بعد القنوط ووقوف الزيادة في الذراع السادس عشر فركب أهل الخلاعة وذوو البطالة في مراكب في نهار شهر رمضان ومعهم النساء الفواجر وبأيديهن المزاهر يضربن بها وتسمع اصواتهن ووجوههن مكشوفة وحرفاؤهن من الرجال معهنّ في المراكب لا يمنعون عنهنّ الأيدي ولا الأبصار ولا يخافون من أمير ولا مأمور شيئًا من أسباب الإنكار وتوقع أهل المراقبة ما يتلوا هذا الخطب من المعاقبة‏.‏

وقال جامع سيرة الناصر محمد بن قلاوون‏:‏ وفي سنة ست وسبعمائة رسم الأميران بيبرس وسلار بمنع الشخاتير والمراكب من دخول الخليج الحاكميّ والتفرّج فيه بسبب ما يحصل من الفساد والتظاهر بالمنكرات اللاتي تجمع الخمر آلات الملاهي والنساء المكشوفات الوجوه المتزينات بأفخر زينة من كوافي الزركش والقنابيز والحلي العظيم ويُصرف على ذلك الأموال الكثيرة ويُقتل فيه جماعة عديدة ورسم الأميران المذكوران لمولي الصناعة بمصر أن يمنع المراكب من دخول الخليج المذكور إلاّ ما كان فيه غلة أو متجرًا وما ناسب ذلك فكان هذا معدودًا من حسناتهما ومسطورًا في صحائفهما‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله تعالى‏:‏ أخبرني شيخ معمر ولد بعد سنة سبعمائة يعرف بمحمد المسعودي أنه أدرك هذا الخليج والمراكب تمرّ فيه بالناس للنزهة وأنها كانت تعبر من تحت باب القنطرة غادية ورائحة والآن لا يمرّ بهذا الخليج من المراكب إلاّ ما يحمل متاعًا من متجر أو نحوه وصارت مراكب النزهة والتفرج إنما تمرّ في الخيج الناصريّ فقط وعلى هذا الخليج الكبير في زماننا هذا أربع عشرة قنطرة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في القناطر وحافتا هذا الخليج الآن معمورتان بالدور وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك في مواضعه من هذا الكتاب‏.‏

وقال ابن سعد‏:‏ وفيها خليج لايزال يضعُفُ بين خضرتها حتى يصير كما قال الرصافي‏:‏ ما زالتِ الأنحاء تأخُذُهُ حتى غدا كذؤابةِ النَجْمِ وقال في نور الكتان الذي على جانبي هذا الخليج‏:‏ انظر إلى النهرِ والكتانُ يرمُقُهُ مِنْ جانبيهِ بأجفانٍ لها حدقُ قدْ سلَّ سيفًا عليه للصِبا شطبُ فقابَلَتْهُ بأحداقٍ بها أرقُ وأصبحت في يد الأرواح تنسُجُها حتى غدتْ حَلَقًا من فوقها حلقُ قال وقد ذكر مصر ولا ينكر فيها إظهار أواني الخمر ولا آلات الطرب ذوات الأوتار ولا تبرّج النساء العواهر ولا غير ذلك مما ينكر في غيرها وقد دخلت في الخليج الذي بين القاهرة ومصر ومعظم عمارته فيما يلي القاهرة فرأيت فيه من ذلك العجائب وربما وقع فيها قتل بسب بالسكر فيمنع فيه الشرب وذلك في بعض الأحيان وهو ضيق وعليه من الجهتين مناظر كثيرة العمارة بعالم الطرب والتحكم والمجانة حتى أن المحتشمين والؤساء لا يجيزون العبور به في مركب وللسُرُجِ في جانبيه بالليل منظر فتَّانٌ وكثيرًا ما يتفرّج فيه أهل الستر وفي ذلك أقول‏:‏ لا تركبنَّ في خليج مصر إلاّ إذا يُسدل الظلامُ فقد علمتُ الذي عليه من عالمٍ كلهُمُ طِغَامُ صفانِ للحربِ قد أظلاّ سلاحَ ما بينهم كلامُ يا سيدي لا تسر إليه إلاّ إذا هوَم النيامُ والليلُ سترٌ على التصابي عليهِ من فضلهِ الثامُ والسُرُجُ قد بدّدت عليه منها دنانيرُ لا ترامُ وهو قد امتدّ والمباني عليهِ في خدمةِ قيامُ لله كم دوحة جنينا هناكَ أثمارَها الآثامُ وقال ابن عبد الظاهر عن مختصر تاريخ ابن المأمون أنّ أوّل من رتب حفر خليج القاهرة على الناس المأمون بن البطائحيّ وكذلك على أصحاب البساتين في دولة الأفضل وجعل عليه واليًا بمفرد ولله در الأسعد بن خطير المماتي حيث يقول‏:‏ خليجٌ كالحسام له صقالٌ ولكنْ فيهِ للرائي مسرّهْ رأيتُ به الملاحُ تُجيدُ عومًا كأنهُمْ نجومٌ في مجرّهْ وقال بهاء الدين أبو الحسن عليّ بن الساعاتي في يوم كسر الخليج‏:‏ إنّ يومَ الخليجِ يومٌ من الحس - نِ بديعُ المرئيّ والمسموعِ كم لديه من ليثٍ غابَ صؤولٌ ومهاةٌ مثلُ الغزالِ المروعِ وعلى السدّ عزةٌ قبلَ أن تم - لِكُهُ ذلةُ المحبِ الخضوعِ كسروا جسرهُ هناكَ فحاكى كسرَ قلبٍ يتلوهُ فيضُ دموعِ خليج فم الخور وخليج الذكر قاب ابن سيده في كتاب المحكم‏.‏

في اللغة الخور مصب الماء في البحر وقيل هو خليج من البحر والخور المطمئن من الأرض وخليج فم الخور يخرج الآن من بحر النيل ويصب في الخليج الناصريّ ليقوّي جري الماء فيه ويغزره وكان قبل أن يُحفر الخليج الناصريّ يمدّ خليج الذكر وكان أصله ترعة يدخل منها ماء النيل للبستان الذي عُرف بالمقسي ثم وُسِّع‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ وكان يخرج من البحر للمقسيّ الماء في البرابخ فوسَّعه الملك الكامل وهو خليج الذكر‏.‏

ويقال أن خليج الذكر حفره كافور الأخشيدي فلما زال البستان المقسيّ في أيام الخليفة الظاهر بن الحاكم وجعله بركة قدّام المنظرة المعروفة باللؤلؤة صار يدخل الماء إليها من هذا الخليج وكان يُفتح هذا الخليج قبل الخليج الكبير ولم يزل حتى أمر الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة أربع وعشرين وسبعمائة بحفره فحفر وأوصل بالخليج الكبير وشرع الأمراء والجند في حفره من أخريات جمادى الآخرة فلما فُتح كادت القاهرة أن تغرق فسدّت القنطرة التي عليه فهدمها الماء ومن حينئذٍ عزم السلطان على حفر الخليج الناصري وأنا أدركت آثاره وفيه ينبت القصب المسمى بالفارسيّ‏.‏

وأخبرني الشيخ المعمر حسام الدين حسين بن عمر الشهرزوريّ أنه يعرف خليج الذكر هذا وفيه الماء وسبح فيه غير مرّة وأراني آثاره وكان الماء يدخل إليه من تحت قنطرة الدكة الآتي ذكرها في القناطر إن شاء الله تعالى وعلى خليجفم الخور الآن قنطرة وعلى خليج الذكر قنطرة يأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى عند ذكر القناطر وإنما قيل له خليج الذكر لأن بعض أمراء الملك الظاهر ركن الدين بيبرس كان يعرف بشمس الدين الذكر الكركيّ كان له فيه أثر من حفره فعرف به وكان للناس عند هذا الخليج مجتمع يكثر فيه لهوهم ولعبهم‏.‏

قال المسبحيّ وفي يوم الثلاثاء لخمس بقين منه يعني المحرّم سنة خمس عشرة وأربعمائة كان ثالث الفتح فاجتمع بقنطرة المقس عند كنيسة المقس من النصارى والمسلمين في الخيام المنصوبة وغيرها خلق كثير للأكل والشرب واللهو ولم يزالوا هناك إلى أن انقضى ذلك اليوم وركب أمير المؤمنين يعني الظاهر لاعزاز دين الله أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله في مركبه إلى المقس وعليه عمامة شرب مفوّطة بسواد وثوب ديبقي من شكل العمامة ودار هناك طويلًا وعاد إلى قصره سالمًا وشوهد من سكر النساء وتهتكهن وحملهن في قفاف الحمالين سكارى واجتماعهن مع الرجال أمر يقبح ذكره‏.‏

الخليج الناصريّ هال الخليج يخرج من بحر النيل ويصب في الخليج الكبير وكان سبب حفره أنَّ الملك الناصر محمد بن قولان لما أنشأ القصور والخانقاه بناحية سرياقوس وجعل هناك ميدانًا يسرح إليه وأبطل ميدان القبق المعروف بالميدان الأسود ظاهر باب النصر من القاهرة وترك المسطبة التي بناها بالقرب من بركة الحبش لمطعم الطيور والجوارح اختار أن يُحفر خليجًا من بحر النيل لتمرّ فيه المراكب إلى ناحية سرياقوس لحمل ما يحتاج إليه من الغلال وغيرها فتقدّم إلى الأمير سيف الدين أرغون نائب السلطنة بديار مصر بالشكف عن عمل ذلك فنزل من قلعة الجبل بالمهندسين وأرباب الخبرة إلى شاطىء النيل وركب النيل فلم يزل القوم في فحص وتفتيش إلى أن وصلوا بالمراكب إلى موردة البلاط من أراضي بستان الخشاب فوجدوا ذلك الموضع أوطأ مكان يمكن أن يحفرو إلاّ أن فيه عدّة أراضي بستان الخشاب فوجدوا ذلك الموضع أوطأ مكان يمكن أن يحفر إلاّ أن فيه عدّة دور فاعتبروا فم الخليج من موردة البلاط وقدّروا أنه إذا حُفر مرّ الماء فيه من موردة البلاط إلى الميدان الظاهريّ الذي أنشأه الملك الناصر بستانًا ويمرّ من البستان إلى بركة قرموط حتى ينتهي إلى ظاهر باب البحر ويمرّ من هناك على أرض الطبالة فيصب في الخليج الكبير فلما تعين لهم ذلك عاد النائب إلى القلعة وطالعه بما تقرّر فبرز أمره لسائر أمراء الدولة بإحضاء الفلاحين من البلاد الجارية في إقطاعاتهم وكتب إلى ولاة الأعمال بجمع الرجال لحفر الخليج فلم يمض سوى أيام قلائل حتى حضر الرجال من الأعمالن وتقدّم إلى النائب بالنزول للحفر ومعه الحجاب فنزل لعمل ذلك وقاس المهندسون طول الحفر من موردة البلاط حيث تعين فم الخليج إلى أن يصب في الخليج الكبير وألزم كل أمير من الأمراء بعمل أقصاب فرضت له فلما أهلّ شهر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقع الشروع في العمل فبدأوا بهدم ما كان هناك من الأملاك التي من جهة باب اللوق إلى بركة قرموط وحصل الحفر في البستان الذي كان للنائب فأخذوا منه قطعة ورُسم أن يُعطى أرباب الأملاك أثمانها فمنهم من باع ملكه وأخذ ثمنه من مال السلطان ومنهم من هدم داره ونقل أنقاضها فهدمت عدّة دور ومساكن جليلة وحفر في عدّة بساتين فانتهى العمل في سلخ جمادى الآخرة على رأس شهرين وجرى الماء فيه عند زيادة النيل فأنشأ الناس عدّة سواق وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها فسَر السلطان بذلك وحصل للناس رفق وقويت رغبتهم فيه فاشتروا عدّة أراض من بيت المال غرست فيها الأشجار وصارت بساتين جليلة وأخذ الناس في العمارة على حافتي الخليج فعمر ما بين المقس وساحل النيل ببولاق وكثرت العمائر على الخليج حتى اتصلت من أوّله بموردة البلاط إلى حيث يصب في الخليج الكبير بأرض الطبالة وصارت البساتين من وراء الأملاك المطلة على الخليج وتنافس الناس في السكنى هناك وأنشأوا الحمّامات والمساجد والأسواق وصار هذا الخليج مواطن أفراح ومنازل لهو ومغنى صبابات وملعب أتراب ومحل تيه وقصف فيما يمرّ فيه من المراكب وفيما عليه من الدور وما برحت مراكب النزهة تمرّ فيه بأنواع الناس على سبيل اللهو إلى أن مُنعت المراكب منه بعد قتل الأشراف كما يرد عند ذكر القناطر إن شاء الله تعالى‏.‏

خليج قنطرة الفخر هذا الخليج يبتدىء من الموضع الذي كان ساحل النيل ببولاق وينتهي إلى حيث يصب في الخليج الناصريّ ويصب أيضًا في خليج لطيف تُسقى منه عدّة بساتين وكان من هذين الخليجين معمور الجانبين بالأملاك المطلق عليه والبساتين وجميع المواضع التي يمرّ فيها الخليج الناصريّ وأرض هذين الخليجين كانت غامرة بالماء ثم انحسر عنها الماء شيئًا بعد شيء كما ذكر في ظواهر القاهرة وهذا الخليج حفر بعد الخليج الناصريّ‏.‏

القناطر اعلم أن قناطر الخليج الكبير عدّتها الآن أربع عشرة قنطرة وعلى خليج فم الخور قنطرة واحدة وعلى خليج الذكر قنطرة واحدة وعلى الخليج الناصريّ خمس قناطر وعلى بحر أبي المنجا قنطرة عظيمة وبالجيزة عدّة قناطر‏.‏

 

قناطر الخليج الكبير

قال القضاعي‏:‏ القنطرتان اللتان على هذا الخليج يعني خليج مصر الكبير أما التي في طرف الفسطاط بالحمراء القصوى فإن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بناها في سنة تسع وستين وكتب عليها اسمه وابتنى قناطر غيرها وكتب على هذه القنطرة المذكورة هذه القنطرة أمر بها عبد العزيز بن مروان الأمير اللهمّ بارك له في أمره كله وثبت سلطانه على ما ترضى وأقرّ عينه في نفسه وحشمه أمين‏.‏

وقام ببنائها سعد أبو عثمان وكتب عبد الرحمن في صفر سنة تسع وستين ثم زاد فيها تكين أمير مصر في سنة ثمان عشرة ثلثمائة ورفع سمكها ثم زاد عليها الأخشيد في سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة ثم عمرت في أيام العزيز بالله‏.‏

وقال ابن عبد الظاهر‏:‏ وهذه القنطرة ليس لها أثر في هذا الزمان قلت موضعها الآن خلف خط السبع سقايات وهذه القنطرة هي التي كانت تُفتح عند وفاء النيل في زمن الخلفاء فلما انحسر النيل عن ساحل مصر اليوم أُهملت هذه القنطرة وعُملت قنطرة السدّ عند فم بحر النيل فإنالنيل كان قد ربى الجرف حيث غيط الجرف الذي على يُمنة من سلك من المراغة إلى باب مصر بجوار الكبارة‏.‏

قنطرة السد هذه القنطرة موضعها مما كان غامرًا بماء النيل قديمًا وهي الآن يتوصل من فوقها إلى منشأة المهرانيّ وغيرها من برّ الخليج الغربيّ وكان النيل عند إنشائها يصل إلى الكوم الأحمر الذي هو جانب الخليج الغربيّ الآن تجاه خط بين الزقاقين فإن النيل كان قد ربى جرفًا قدّام الساحل القديم كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب فأُهملت القنطرة الأولى لبعد النيل وقدّمت هذه القنطرة إلى حيث كان النيل ينتهي وصار يتوصل منها إلى بستان الخشاب الذي موضعه اليوم يعرف بالمريس وما حوله وكان الذي أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في أعوام بضع وأربعين وستمائة ولها قوسان وعُرفت الآن بقنطرة السدّ من أجل أن النيل لما انحسر عن الجانب الشرقيّ وانكشفت الأراضي التي عليها الآن خُط بين الزقاقين إلى موردة الحلفاء وموضع الجامع الجديد إلى دار النحاس وما وراء هذه الأماكن إلى المراغة وباب مصر بجوار الكبارة وانكشف من أراضي النيل أيضًا الموضع الذي يعرف اليوم بمنشأة المهرانيّ وصار ماء النيل إذا بدت زيادته يُجعل عند هذه القنطرة سدّ حينئذ من التراب حتى يُسند الماء إليه إلى أن تنتهي الزيادة إلى ست عشرة ذراعًا فيفتح السدّ حينئذ ويمرّ الماء في الخليج الكبير كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب والأمر على هذا إلى اليوم‏.‏

قناطر السباع هذه القناطر جانبها الذي يلي خط السبع سقايات من جهة الحمراء القصوى وجانبها الآخر من جهة جنان الزهريّ وأوّل من أنشأها الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ ونصب عليها سباعًا من الحجارة فإن رنكه كان على شكل سبع فقيل لها قناطر السباع من أجل ذلك وكانت علية مرتفعة فلما أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان السلطانيّ في موضع بستان الخشاب حيث موردة البلاط وتردّد إليه كثيرًا وصار لا يمرّ إليه من قلعة الجبل حتى يركب قناطر السباع فتضرّر من علوّها وقال لو مراء انّ هذه القنطرة حين اركب الميدان وأركب عليها يتألم ظهري من علوّها ويقال أنه أشاع هذا والقصد إنما هو كراهته لنظر أثر أحد من الملوك قبله وبغضه أن يذكر لأحد غيره شيء يُعرف به وهو كلما يمرّ بها يرى السباع التي هي رنك الملك الظاهر فأحب أن يزيلها لتبقى القنطرة منسوبة إليه ومعروفة به كما كان يفعل دائمًا في محو آثار من تقدّمه وتخليد ذكره ومعرفة الآثار به ونسبتها له فاستدعى الأمير علاء الدين عليّ بن حسن المروانيّ والي القاهرة وشادّ الجهات وأمره بهدم قناطر السباع وعمارتها أوسع مما كانت بعشرة أذرع وأقصر من ارتفاعها الأوّل فنزل ابن المروانيّ وأحضر الصناع ووقف بنفسه حتى انتهى في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة في أحسن قالب على ما هي عليه الآن ولم يضع سباع الحجر عليها وكان الأمير الطنبغا الماردينيّ قد مرض ونزل إلى الميدان السلطانيّ فأقام به ونزل إليه السلطان مرارًا فبلغ الماردينيّ ما يتحدّث به العامّة من أن السلطان لم يخرّب قناطر السباع إلا حتى تبقى باسمه وأنه رسم لابن المروانيّ أن يكسر سباع الحجر ويرميها في البحر واتفق أنه عوفي عقيب الفراغ من بناء القنطرة وركب إلى القلعة فسرّبه السلطان وكان قد شغفه حبًان فسأله عن حاله وحادثه إلى أن جرى ذكر القنطرة فقال له السلطان‏:‏ أعجبتك عمارتها فقال والله يا خوند‏:‏ لم يُعمل مثلها ولكن ما كملت‏.‏

فقال كيف قال السباع التي كانت عليها لم توضع مكانها والناس يتحدّثون أن السلطان له غرض في إزالتها لكونها رنك سلطان غيره فامتعض لذلك وأمر في الحال بإحضار ابن المروانيّ وألزمه بإعادة السباع على ما كانت عليه فبادر إلى تركيبها في أماكنها وهي باقية إلى يومنا هذا إلاّ أنّ الشيخ محمدًا المعروف بصائم الدهر شوّه صورتها كما فعل بوجه أبي الهول ظنًا منه أن هذا الفعل من جملة القربات ولله در القائل‏:‏ وإنما غايةُ كلّ مَن وَصَلَ صيدًا بنى الدنيا بأنواعِ الحيل قنطرة عمر شاه‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الكبير يُتوصل منها إلى برّ الخليج الغربيّ‏.‏

قنطرة طقزدمر‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الكبير بخط المسجد المعلق يتوصل منها إلى برّ الخليج الغربيّ وحكر قوصون وغيره‏.‏

قنطرة آق سنقر هذه القنطرة على الخليج الكبير يتوصل إليها من خط قبو الكرمانيّ ومن حارة البديعيين التي تعرف اليوم بالحبانية ويمرّ من فوقها إلى برّ الخليج الغربيّ وعُفت بالأمير اق سنقر شادّ العمائر السلطانية في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون عمرها لما أنشأ الجامع بالبركة الناصرية ومات بدمشق سنة أربعين وسبعمائة‏.‏

قنطرة باب الخرق يقال للأرض البعيدة التي تخرُقُها الؤيح لاستوائها الخرق‏.‏

وهذه القنطرة على الخليج الكبير كان موضعها ساحلًا وموردة للسقائين في أيام الخلفاء الفاطميين فلما أنشأ الملك الصالح نجم الدين ايوب الميدان السلطانيّ بأرض اللوق وعمريه المناظر في سنة تسع وثلاثين وستمائة أنشأ هذه القنطرة ليمرّ عليها إلى الميدان المذكور وقيل قنطرة باب الخرق‏.‏

قنطرة الموسكي هذه القنطرة على الخليج الكبير يتوصل إليها من باب الخوخة وباب القنطرة ويمرُّ فوقها إلى برّ الخليج الغربيّ أنشأها الأمير عز الدين موسك قريب السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان خيّرًا يحفظ القرآن الكريم ويواظب على تلاوته ويحب أهل العلم والصلاح ويؤثرهم ومات بدمش يوم الأرعاء ثامن عشري شعبان سنة أربع وثمانين وخمسمائة‏.‏

قنطرة الأمير حسين هذه القنطرة على الخليج الكبير ويتوصل منها إلى برّ الخليج الغربيّ فلما أنشأ الأمير سيف الدين حسين بن أبي بكر بن إسماعيل بن حيدر بك الروميّ الجامع المعروف بجامع الأمير حسين في حكر جوهر النوبيّ انشأ هذه القنطرة ليصل فوقها إلى الجامع المذكور وكن يُتوصل إليها من باب القنطرة فثقل عليه ذلك واحتاج إلى أن فتح في سور الخوخة المعروفة بخوخة الأمير حسين من الوزيرية فصارت تجاه هذه القنطرة وذكر خبرها عند ذكر الخوخ من هذا الكتاب والله تعالى أعلم‏.‏

قنطرة باب القنطرة‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الكبير يُتوصل إليها من القاهرة ويمرّ فوقها إلى المقس وأرض الطبالة وأوّل من بناها القائد جوهر لما نزل بمناخه وأدار السور عليه وبنى القاهرة ثم قدم عليه القرطميّ فاحتاج إلى الاستعداد لمحاربته فحفر الخندق وبنى هذه القنطرة على الخليج عند باب جنان أبي المسك كافور الإخشيديّ الملاصق للميدان والبستان الذي للأمير أبي بكر محمد الأخشيد ليتوصل من القاهرة إلى المقس وذلك في سنة ثنتين وستين وثلثمائة وبها تسمى باب القنطرة وكانت مرتفعة بحيث تمرّ المراكب من تحتها وقد صارت في هذا الوقت قريبة من أرض الخليج لا يمكن المراكب العبور من تحتها وتُسدّ بأبواب خوفًا من دخول الزعار إلى القاهرة‏.‏

قنطرة باب الشعيرية‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الكبير يُسلك غليها من باب الفتوح ويُمشي من فوقها إلى أرض الطبالة وتعرف اليوم بقنطرة الخرّوبيّ‏.‏

القنطرة الجديدة‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الكبير يُتوصل إليها من زقاق الكحل وخط جامع الظاهر ويتوصل منها إلى أرض الطبالة وإلى منية الشيرج وغير ذلك أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة عندما انتهى حفر الخليج الناصريّ وكان ما على جانبي الخليج من القنطرة الجديدة هذه إلى قناطر الإوز عامرًا بالأملاك ثم خربت شيئًا بعد شيء من حين حدث فصل الباردة بعد سنة ستين وسبعمائة وفحش الخراب هناك منذ كانت سنة الشراقي في زمن الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة سبع وسبعين وسعمائة فلما غرقت الحسينية بعد سنة الشراقي خربت المساكن التي كانت في شرقيّ الخليج ما بين القنطرة الجديدة وقناطر الإوز وأُخذت أنقاضها وصارت هذه البرك موجودة الآن‏.‏

قناطر الإوز‏:‏ هذه القناطر على الخليج الكبير يُتوصل إليها من الحسينية ويُسلك من فوقها إلى أراضي البعل وغيرها وهي ايضًا مما أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وأدركت هناك أملاكًا مُطلّة على الخليج بعد سنة ثمانين وسبعمائة وهذه القناطر من أحسن منتزهات أهل القاهرة أيام الخليج لما يصير فيه من الماء ولما على حافته الشرقية من البساتين الأنيقة إلاّ أنها قد خربت‏.‏

وتجاه هذه القنطرة منظرة البعل التي تقدّم ذكر مناظر الخلفاء وبقيت آثارها إلى الآن أدركناها يعطن فيها الكتان وبها عُرفت الأرض التي هناك فسميت إلى الآن بأرض البعل وكان هناك صف من شجر السنط قد امتدّ من تجاه قناطر الإوز إلى منظرة البعل وصار فاصلًا بين مزرعتين يجلس الناس تحته في يومي الأحد والجمعة للنزهة فيكون هناك من أصناف الناس رجالهم ونسائهم ما لا يقع عليه بصر ويباع هناك مآكل كثيرة وكان هناك حانوت من طين تجاه القنطرة يباع فيها السمك أدركتها وقد استؤجرت بخمس آلاف درهم في السنة عنها يومئذ نحو مائتين وخمسين مثقالًا من الذهب على أنه لا يباع فيما السمك إلاّ نحو ثلاثة اشهر أو دون ذلك ولم يزل هذا السنط إلى نحو سنة تسعين وسبعمائة فقّطع‏.‏

وغلى اليوم تجتمع الناس هناك ولكن شتان بين ما أدركنا وبين ما هو الآن وقيل لها قناطر الإوز‏.‏

قناطر بني وائل‏:‏ هذه القناطر على الخليج الكبير تجاه التاج أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وعُرفت بقناطر بني وائل من أجل أنه كان بجانبها عدّة منازل يسكنها عرب ضعاف بالجانب الشرقيّ يُقال لهم بنو وائل ولم يزالوا هناك إلى نحو سنة تسعين وسبعمائة وكان بجانب هذه القناطر من الجانب الغربيّ مقعد أحدثه الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقريّ لأخذ المكوس واستمرّ مدّة ثم خرب ولم ير أحسن منظرًا من هذه القنطرة في أيام النيل وزمن الربيع‏.‏