فصل: قنطرة الأميرية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 قنطرة الأميرية

‏:‏ هذه القنطرة هي آخر ما على الخليج الكبير من القناطر بضواحي القاهرة وهي تجاه الناحية المعروفة بالأميرية فيما بينها وبين المطرية أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وعند هذه القنطرة ينسدّ ماء النيل إذا فتح الخليج عند وفاء زيادة النيل ست عشرة ذراعًا فلا يزال الماء عند سدّ الأميرية هذا إلى يوم النوروز فيخرج والي القاهرة إليه ويشهد على مشايخ أهل الضواحي بتغليق أراضي نواحيم بالريّ ثم يُفتح هذا السدّ فيمرّ الماء إلى جسر شيبين القصر ويسدّ عليه حتى يروى ما على جانبي الخليج من البلاد فلا يزال الماء واقفًا عند سدّ شيبين إلى يوم عيد الصليب وهو اليوم السابع عشر من النوروز فيفتح حينئذ بعد شمول الريّ جميع تلك الأراضي وليس بعد قنطرة الأميرية هذه قنطرة ناحية سرياقوس وهي أيضًا إنشاء الملك الناصر محمد بن قلاون وبعد قنطرة سرياقوس جسر شيبين القصر وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى عند ذكر الجسور من هذا الكتاب‏.‏

قنطرة الفخر‏:‏ هذه القنطرة بجوار موردة البلاط من أراضي بستان الخشاب برأس الميدان وهي أوّل قنطرة عمرت على الخليج الناصريّ على فمه أنشأها القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله بن خروف القبطيّ المعروف بالفخر ناظر الجيش في سنة خمس وعشرين وسبعمائة عند انتهاء حفر الخليج الناصري ومات في رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وقد أناف على السبعين سنة وتمكن في الرياسة تمكنًا كبيرًا‏.‏

قنطرة قدادار‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الناصريّ يتوصل إليها من اللوق ويُمشي فوقها إلى برّ الخليج الناصريّ مما يلي الفيل وأوّل ما وضعت كانت تجاه البستان الذي كان ميدانًا في زمن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس إلى أن أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان الموجود الآن بموردة البلاط من جملة أراضي بستان الخشاب فغرس في الميدان الظاهريّ الأشجار وصار بستانًا عظيمًا كما ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب وعُرفت هذه القنطرة بالأمير سيف الدين قدادار مملوك الأمير برلغي وكان من خبره أنه تنقل في الخدم حتى وليَّ الغريبة من أراضي مصر في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فلقي أهل البلاد منه شرًّا كثيرًا ثم انتقل إلى ولاية البحيرة فلما كان في سنة أربع وعشرين كثرت الشناعة في القاهرة بسبب الفلوس وتعنت الناس فيها وامتنعوا من أخذها حتى وقف الحال وتحسن السعر وكان حينئذ يتقلد الوزارة الأمير علاء الدين مغلطاي الجماليّ ويتقلد ولاية القاهرة الأمير علم الدين سنجر الخازن فلما توجه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون من قلعة الجبل لى السرحة بناحية سرياقوس بلغه توقف الحال وطمع السوقة في الناس وأن متولي القاهرة فيه لين وانه قيل الحرمة على السوقة وكان السلطان كثير النفور من العامّة شديد البغض لهم ويريد كل وقت من الخازن أن يبطش بالحرافيش ويؤثر فيهم آثارًا قبيحة ويشهر منهم جماعة فلم يبلغ من ذلك غرضه فكرهه واستدعى الأمير أرغون نائب السلطنة وتقدّم إليه بالأغلاظ في القول على الخازن بسبب فساد حال الناس وهمّ ببروز أمره بالقبض عليه وأخذ ماله فما زال به النائب حتى عفا عنه‏.‏

وقال السلطان يعزله ويولي من ينفع في مثل هذا الأمر فاختار ولاية قدادار عوضه لما يُعرف من يقظته وشهامته وجراءته على سفك الدماء فاستدعاه من البحيرة وولاه ولاية القاهرة في أوّل شهر رمضان من السنة المذكورة‏.‏

فأوّل ما بدأ به أن أحضر الخبازين والباعة وضرب كثيرًا منهم بالمقارع ضربًا مبرّحًا وسمر عدّة منهم في دراريب حوانيتهم ونادى في البلد من ردّ فلسًا سُمِّر ثم عرض أهل السجن ووسط جماعة من المفسدين عند باب زويلة فهابته العامّة وذعروا منه وأخذ يتتبع من عَصَرَ خمرًا وأحضر عريف الحمالين وألزمه بإحضار من كان يحمل العنب فلما حضروا عنده استملاهم أسماء من يشتري العنب ومواضع مساكنهم ثم أحضر خفارء الحارات والأخطاط ولم يزل بهم حتى دلوه على سائر من عصر الخمر فاشتهر ذلك بين الناس وخافوه فحوّل أهل حارة وزيلة وأهل حارتي الروم والديلم وغير ذلك من الأماكن ما عندهم من الخمر وصبوها في البلاليع والأقنية وألقوها في الأزقة وبذلوا المال لمن يأخذها منهم فحصل لكثير من العامّة والأطراف منها شيء كثير حتى صارت تباع كل جرّة خمر بدرهم ويمرّ الناس بأبواب الدور والأزقة فترى من جرار الخمر شيئًا كثيرًا ولا يقدر أحد أن يتعرّض لشيء منها ثم ركب وكبس خط باب اللوق وأخذ منه شيئًا كثيرًا من الحشيش وأحرقه عند باب زويلة واستمرّ الحال مدّة شهر ما من يوم إلاّ ويهرق فيه خمر عند باب زويلة ويحرق حشيش فطهر الله به البلد من ذلك جميعه وتتبع الزعَار وأهل الفساد فخافوه وفرّوا من البلد فصار السلطان يشكره ويثني عليه لما يبلغه من ذلك وأما العامّة فإنه ثقل عليها وكرهته حتى أنه لما تأمّر ابن الأمير بكتمر الساقي وركب إلى القبة المنصورية على العادة ومعه أبوه النائب وسائر الأمراء صاحت العامّة للأمير بكتمر الساقي يا أمير بكتمر بحياة ولدك أعزل هذا الظالم ورد علينا وإلينا يعنون الخازن فلما عرّف بكتمر السلطان ذلك أعجبه وقال‏:‏ يا أمير ما تخشى العامّة والسوقة إلاَّ ظالمًا مثل هذا ما يخاف الله تعالى وزاد إعجاب السلطان به حتى قال له‏:‏ لا تشاور في أمر المفسدين فلم يغترّ بذلك ورفع إليه جميع ما يتفق له وشاوره في كل جليل وحقير وقال له إن جماعة من الكتاب والتجار قد عصر والخمر واستأذنه في طلبهم ومصادرتهم فتقدّم له بمشاورة النائب في ذلك وإعلامه أن السلطان قد رسم بالكشف عمن عصر من الكتاب والتجار الخمر فلما صار إلى النائب وعرّفه الخبر أهانه وقال‏:‏ إن السلطان لا يرضى بكبس بيوت الناس وهتك حرمهم وسترهم وإقامة الشناعات وقام من فوره إلى السلطان وعرّفه ما يكون في فهل ذلك من الفساد الكبير وما زال به حتى صرف رأيه عما أشار به قدادار من كبس الدور وأخذ الناس في مماقتته والإخراق به في كل وقت فإنه كان يعني بالخازن ولم يعجبه عزله عن الولاية فكثر جورقدادار وزاد تتبعه للناس ونادى أن لا يعمل أحد حلقة فيما بين القصرين ولا يَسْمَر هناك وأمر أن لا يخرج أحد من بيته بعد عشاء الآخرة وأقام عنه نائبًا من بطالي الحسينية ضمن المسطبة منه في كل يوم بثلثمائة درهم وانحصر الناس منه وضاقوا به ذرعًا لكثرة ما هتك أستارهم وخرق بكثير من المستورين وتسلطت المستصنعة وأرباب المظالم على الناس وكانوا إذا رأوا سكران أوشموا منه رائحة خمر أحضروه إليه فتوقى الناس شرّه وشكاه الأمراء غير مرّة إلى السلطان فلم يلتفت لما يُقال فيه والنائب مستمرّ على الإخراق به إلى أن قبض عليه السلطان فخلا الجوّ لقدادار وأكثر من سفك الدماء وإتلاف النفوس والتسلط على العامّة لبغضهم إياه والسلطان يعجبه منه ذلك بحيث أنه أبرز مرسومًا لسائر عماله وولاته إن أحدًا منهم لا يقتص ممن وجب عليه القصاص في النفس أو القطع إلا أن يشاور فيه ويطالع بأمره ما خلا قدادار مستولي القاهرة فإنه لا يشاور على مفسد ولا غيره ويده مطلقة في سائر الناس فدهى الناس منه بعظائم وشرع في كبس بيوت السعداء ومشت جماعة من المستصنعين في البلد وكتبوا الأوراق ورموها في بيوت الناس بالتهديد فكثرت أسباب الضرر وكثر بلاء الناس به وتعنت على الباعة ونادى أن لا يفتح أحد حانوته بعد عشاء الآخرة فامتنع الناس من الخروج بالليل حتى كانت المدينة في الليل موحشة واستجدّ على كل حارة دربًا وألزم الناس بعمل ذلك فجبيت بهذا السبب دراهم كثيرة وصار الخفراء في الليل يدورون معهم الطبول في كل خط فظفر بإنسان قد سرق شيئًا من بيت في الليل وتزيا بزي النساء فسمَّرَهُ على باب زويلة وما زال على ذلك حتى كثرت الشناعة فعزله السلطان في سنة تسع وعشرين بناصر الدين بن الحسنيّ فأقام إلى أيام الحج وسافر إلى الحجاز ورجع وهو ضعيف فمات في سادس عشر صفر سنة ثلاثين وسبعمائة‏.‏

قنطرة الكتبة‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الناصريّ بخط بركة قرموط عُرفت بذلك لكثرة من كان يسكن هناك من الكتاب أنشأها القاضي شمس الدين عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرور الشهير بغبريال بن سعيد ناصر الدولة وولي نظر الدواوين بدمشق في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة إليها من نظر البيوت بديار مصر ثم استُدعي من دمشق وقُرر في وظيفة ناظر النظار شريكًا للقاضي شهاب الدين الأفقهسيّ واستقرّ كريم الدين الصغير مكانه ناظرًا بدمشق وذلك في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبعمائة ثم صرف غبريال من النظر بديار مصر وسفر إلى دمشق في ثامن عشر صفر سنة ست وعشرين وطُلب كريم الدين الصغير من دمشق ثم قُرّر في مكان غبريال في وظيفة النظر بديار مصر الخطير كاتب أرغون أخو لموفق وأُعيد غبريال إلى نظر دمشق ومات بدمشق بعدما صودر وأخذ منه نحو ألفي درهم في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وادركنا الأملاك منتظمة بجانبي هذه الخليج من أوّله بموردة البلاد إلى هذه القنطرة ومن هذه القنطرة إلى حيث يصب في الخليج الكبير فلما كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة شرع الناس في هدم ما علي هذا الخليج الكبير فلما كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة شرع الناس في هدم ما على هذا الخليج من المناظر البهجة والمساكن الجليلة وبيع أنقاضها حتى ذهب ما كان على هذا الخليج من المنازل ما بين قنطرة الفخر التي تقدّم ذكرها وآخر خط بركة قرموط واصبحت موحشة قفراء بعدما كانت مواطن أفراح ومغنى صبابات لايأويها إلاّ الغربان والبوم سنة الله في الذين خلوا من قبل‏.‏

قنطرة المقسيّ‏:‏ هذه القنطرة على خليج فم الخور وهو الذي يخرج من بحر النيل ويلتقي مع الخليج الناصريذ عند الدكة فيصيران خليجًا واحدًا يصب في الخليج الكبير كان موضعها جرسًا يستند عليه الماء إذا بدت الزيادة إلى أن تكمل أربعة عشر ذراعًا فيفتح ويمرّ الماء فيه إلى الخليج الناصريّ وبركة الرطليّ ويتأخر فتح الخليج الكبير حتى يرقي الماء ستة عشر ذراعًا فلما انطرد ماء النيل عن البرّ الشرقيّ بقي تاجه هذا الخليج في أيام احتراق النيل رملة لا يصل إليها الماء إلاّ عند الزيادة وصار يتأخر دخول الماء في الخليج مدّة وإذا كُسر سدّ الخليج الكبير عند الوفاء مرّ الماء هذا الخليج مرورًا قليلًا وما زال موضع هذه القنطرة سدًّا إلى أن كانت وزارة الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد الله المقسيّ في أيام السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين فأنشأ بهذا المكان القنطرة فعرفت به واتصلت العمائر أيضًا بجانبي هذا الخليج من حيث يبتدىء إلى أن يلتقي مع الخليج الناصريّ ثم خرب أكثر ما عليه من العمائر والمساكن بعد سنة ست وثمانمائة وكان للناس بهذا الخليج مع الخليج الناصريذ في أيام النيل مرور في المراكب للنزهة يخرجون فيه عن الجدّ بكثرة التهتك والتمتع بكل ما يُلهي إلى أن ولي أمر الدولة بعد قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين الأميران برقوق وبركة فقام الشيخ محد المعروف بصائم الدهر في منع المراكب من المرور بالمتفرّجين في الخليج واستفتى شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ فكتب له بوجوب منعهم لكثرة ما ينتهك في المراكب من الحرمات ويتجاهر به من الفواحش والمنكرات فبرز مرسوم الأميرين المذكورين بمنع المراكب من الدخول إلى الخليج وركّبت سلسلة على قنطرة المقسيّ هذه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فامتنعت المراكب بأسرها من عبور هذا الخليج إلاّ أن يكون فيها غلة أو متاع فقلق الناس لذلك وشق عليهم وقال الشهاب أحمد بن العطار الدنيسريّ في ذلك‏:‏ حديثُ فم الخورِ المُسلسلِ ماؤهُ بقنطرةِ المقسيّ قدْ سارَ في الخلقِ ألا فاعجبوا من مُطَلَقٍ ومسلسلٍ يقول لقد أوقفتهم الماء في حلقي وقال‏:‏ تسلسلتْ قنطرةُ المقسيّ مم - ا قد جرى والمنعُ أضحى شاملًا وقالّ أهلُ طبنة في مجنهم قوموا بناء نقطَعُ السلاسلا ولم تزل مراكب الفرجة ممتنعة من عبور الخليج إلى أن زالت دولة الظاهر برقوق في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فأذن في دخولها وهي مستمرّة إلى وقتنا هذا‏.‏

قنطرة باب البحر‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الناصريُ يتوصل إليها من باب البحر ويمرّ الناس من فوقها إلى بولاق وغيره وهي مما أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون نعند انتهاء حفر الخليج الناصريّ في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقد كان موضعها في القديم غامرًا بالماء عندما كان جامع المقس مطلًا على النيل فلما انحسر الماء عن برّ القاهرة صار ما قدّام باب البحر رملة فإذا وقف الإنسان عند باب البحر رأى البرّ الغربيّ لا يحول بينه وبين رؤيته بُنيان ولا غيره فإذا كان أوان زيادة ماء النيل صار الماء إلى باب البحر وربما جلفط في بعض السنين خوفًا من غرق المقس ثم لما طال المدى غرق خارج باب البحر بأرض باطن اللوق وغرس فيه الأشجار فصار بساتين ومزارع وبقي موضع هذه القنطرة جرفًا ورمى الناس عليه التراب فصار كومًا يشنق عليه أرباب الجرائم ثم نُقل ما هنالك من التراب وأنشئت هذه القنطرة ونودي في الناس بالعمارة فأوّل ما بُني في غربيّ هذه القنطرة مسجد المهاميزيّ وبستانه ثم تتابع الناس في العمارة حتى انتظم ما بين شاطيء النيل ببولاق وباب البحر عرضًا وما بين منشأة المهراني ومنية الشيرج طولًا وصار ما بجانبي الخليج معمورًا بالدور ومن ورائها البساتين والأسواق والحمّامات والمساجد وتقسمت الطرق وتعدّدت الشوارع وصارت خارج القاهرة من الجهة الغربية عدّة مدائن‏.‏

قنطرة الحاجب‏:‏ هذه القنطرة على الخليج الناصري يُتوصل إليها من أرض الطبالة ويسير الناس عليها إلى منية الشيرج وغيرها أنشأها الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب في سنة ست وعشرين وسبعمائة وذلك أنه كانت أرض الطبالة بيده فلما شرع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في حفر الخليج الناصريّ التمس بكتمر من المهندسين إذا وصلوا بالحفر إلى حيث الجرف أني مرّوا به على بركة الطوّابين التي تعرف اليوم ببركة الرطليّ وينتهوا من هناك إلى الخليج الكبير ففعلوا ذلك وكان قصدهم أولًا أنه إذا انتهى الحفر إلى الجرف مرّوا فيه إلى الخليج الكبير من طرف البعل فلما تهيأ لبكتمر ذلك عمرت له أراضي الطبالة كما يتي ذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر البرك فعمرت هذه القنطرة في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وأسند إليها جسرًا عمله حاجزًا بين بركة الحاجب المعروفة ببركة الرطليّ وبين الخليج الناصريّ وسيرد ذكره إن شاء الله تعالى عن ذكر الجسور ولما عمرت هذه القنطرة اتصلت العمائر فيما بينها وبين كوم الريش وعمر قبالتها ربع عرف بربع الزيتيّ وكان على ظهر القنطرة صفان من حوانيت وعليها سقيفة تقي حرّ الشمس وغيره فلما غرق كوم الريش في سنة بضع وستين وسبعمائة صار هذا الكوم الذي خارج القنطرة ومن تحت هذه القنطرة يصب الخليج الناصريّ في الخليج الكبير ويمرّ إلى حيث القنطرة الجديدة وقناطر الأوز وغيرها كما تقدّم ذكره‏.‏

قنطرة الدكة‏:‏ هذه القنطرة كانت تُعرف بقنطرة الدكة ثم عُرفت بقنطرة التركمانيّ من أجل أن الأمير بدر الدين التركمانيّ عمرها وهذه القنطرة كانت على خليج الذكر وقد انطم ما تحتها وصارت معقودة على التراب لتلاف خليج الذكر ولله در ابراهيم المعمار حيث يقول‏:‏ يا طالبَ الدَّكَّةِ نلتَ المنى وفزتَ منها ببلوغ الوطَرِ قنطرةٌ من فوقها دِكَّةٌ من تحتها تلقى خليج الذكرِ قناطر بحر أبي المنجا‏:‏ هذه القناطر من أعظم قناطر مصر وأكبرها أنشأها السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري في سنة خمس وستين وستمائة وتولى عمارتها الأمير عز الدين أيبك الأقرم‏.‏

قناطر الجيزة‏:‏ قال في كتاب عجائب البنيان‏:‏ أن القناطر الموجودة اليوم في الجيزة من الأبنية العجيبة‏.‏

ومن أعمال الجبارين وهي نيف وأربعون قنطرة عمرها الأمير قراقوش الأسديّ وكان على العمائر في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بما هدمه من الأهرام التي كانت بالجيزة وأخذ حجرها فبنى منه هذه القناطر وبنى سور القاهرةومصر وما بينهما وبنى قلعة الجبل وكان خصيًا روميًا سامي الهمة وهو صاحب الأحاكم المشهورة والحكايات المذكورة وفيه صنف الكتاب المشهور المسمى بالفاشوش في أحكام قراقوش وفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة تولى أمر هذه القناطر من لا بصيرة عنده فسدّها رجاء أن يحبس الماء فقويت عليها جرية الماء فقويت عليها جرية الماء فزلزلت منها ثلاث قناطر وانشقت ومع ذلك فما روى ما رجا أن يروي وفي سنة ثمان وسبعمائة رسم الملك المظفر بيبرس الجاشنكير برمّها فعمر ما خرب منها وأصلح ما فسد فيها فحصل النفع بها‏.‏

وكان قراقوش لما أراد بناء هذه القناطر بنى رصيفًا من حجارة ابتدأ به من حيز النيل بإزاء مدينة مصر كأنه جبل ممتدّ على الأرض مسيرة ستة أميال حتى يتصل بالقناطر‏.‏

البرك قال ابن سيده‏:‏ البركة مستنقع الماء والبركة شبه حوض يُحفر في الأرض‏.‏

انتهى‏.‏

وقد رأيت بخط معتبرٍ ما مثاله‏:‏ وملؤا البَرَكَة مَاء فنصب الماء وكسر الراء وفتح الكاف والتار‏.‏

بركة الحبش هذه البركة كانت تعرف ببكرة المغافر وتعرف ببركة حمير وتعرف أيضًا باصطبل قرّة وعُرفت أيضًا باصطبل قامش وهي من أشهر برك مصر وهي في ظاهر مدينة الفسطاط من قبليها فيما بين الجبل والنيل وكانت من الموات فاستنبطها قرّة بن شريك العنبسيّ أمير مصر وأحياها وغرسها قصبًا فعرفت باصطبل قرّة وعرفت أيضًا باصطبل قامش وتنقلت حتى صارت تعرف ببركة الحبش‏.‏

ودخلت في ملك أبي بكر الماردانيّ فجعلها وقفًا ثم أرصدت لبني حسن وبني حسين ابني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم فلم تزل جارية في الأوقاف عليهم إلى وقتنا هذا‏.‏

قال أبو بكر الكنديّ في كتاب الأمراء‏:‏ وقدِم قرّة بن شريك من وفادته في سنة ثلاث وتسعين فاستبنط الإصطبل لنفسه من الموات وأحياه وغرسه قصبًا فكان يُسمى اصطبل قرّة ويُسمى أيضًا اصطبل القامش يعنون القصب كما يقولون قامش مروان‏.‏

وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر‏.‏

وكان الإصطبل للأزد فاشتراه منهم الحكم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم فبناه وكان يجري على الذي يقرأ في المصحف الذي وضعوه في المسجد الذي يقال له مصحف أسماء من كراه في كل شهر ثلاثة دنانير فلما حيزت أموالهم يعني أموال بني أمية وضمت إلى مال الله حيز الأصطبل فيما حيز وكتب بأمر المصحف إلى أيمر المؤمنين أبي العباس السفاح فكتب أن أقرّوا مصحفهم في مسجدهم على حاله وأجروا على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير في كل شهر من مال الله تعالى‏.‏

وقال القضاعيّ‏:‏ بركة الحبش كان تعُرف ببركة المغافر وحمير وتعرف باصطبل قامش وكانت في ملك أبي بكر محمد بن عليّ الماردانيّ بجميع ما تشتمل عليه من المزارع والجنان خلا الجنان التي في شرقيها وأظنها الجنان المنسوبة إلى وهب بن صدقة وترعف بالحبش فإني رأيت في شرط هذه البركة أن الحدّ الشرقيّ ينتهي إلى الفضاء الفاصل بينها وبين الجنان المعروفة بالحبش فدلّ على أن الجنان خارجة عنها‏.‏

وذكر ابن يونس في تاريخه‏:‏ أن في قبليّ بركة الحبش جنانًا تُعرف بقتادة بن قيس بن حبشيّ الصدفيّ شهد فتح مصر والجنان تُعرف بالحبش وبه تعرف بركة الحبش وذكر بعض هذا الشرط أنّ الحدّ البحري ينتهي إلى البئر الطولونية وإلى البئر المعروفة بموسى بن أبي خليد وهذه البئر هي البئر المعروفة بالنعش‏.‏

ورأيت في كتاب شرط هذه البركة أنها محبسة على البئرين اللتين استنبطهما أبو بكر الماردانيّ في بني وائل بحضرة الخليج والقنطرة المعروفة أحدهما بالفندق والأخرى بالعتيق وعلى السرب الذي يدخل منه الماء إلى البئر الحجارة المعروفة بالروا التي في بني وائل ذات القناطر التي يجري فيها الماء إلى المصنعة التي بحضرة العقبة التي يصار منها إلى يحصب وهي المصنعة المعروفة بدليلة وعلى القنوات المتصلة بها التي تصب في المصنعة ذات العمد الرخام القائمة فيها المعروفة بسمينة وهي التي في وسط يحصب‏.‏

ويقال أ هناك كانت سوق ليحصب وذكر في هذا الشرط دارًا له في موضع السقاية المعروفة زوف وشرط أن تنشأ هذه الدار مصنعة على مثل هذه المصنعة المقدّم ذكرها المعروف بسمينة وهي سقاية زوف اليوم وعلى القناة التي يجري فيها الماء إلى مصنعة ذكر أنّه أنشأها عند البئر المعروفة اليوم ببئر القبة والحوض الذي هناك بحضرة المسجد المعروف بمسجد القبة وكانت هذه المصنة تسمى ريًا وجعل هذا الحبس أيضًا على البئر التي لها بالحبانية بحضرة الخندق وذكر أنها تعرف بالقبانية وأن ماءها يجري إلى المصنعة المقابلة للميدان من دار الإمارة في طريق المصلى القديم ثم إلى المصنعة التي تحت مسجد المقابل لدار عبد العزيز ثم إلى المصنعة المقابلة لمسجد التربة المجاورة لمسجد الأخضر وتاريخ هذا الشرط شهر رمضان سنة سبع وثلاثمائة وجعل ما يفضل عن جميع ذلك مصروفًا في ابتياع بقر وكباش تذبح ويطبخ لحمها ويُبتاع أيضًا معها خبز برّ ودراهم وأكسية وأعبية ويتصدّ بذلك على الفقراء والمساكين بالمغافر وغيرها من القبائل بمصر وكان بناؤه السقايتين اللتين بالموقف والسقايات التي بالمغافر وبزوف وبيحصب وبني وائل وعمل المجاري في سنة أربع وقيل في سنة ثلاثمائة وقد حبس أبو بكر على الحرمين ضياعًا كان ارتفاعها نحو مائة ألف دينار ومنها سيوط وأعمالها وغيرها‏.‏

انتهى‏.‏

وفي تواريخ النصارى‏:‏ أن الأمير أحمد بن طولون صادر البطريق ميخائيل بطرك اليعاقبة على عشرين ألف دينار فباع النصارى رباع الكنائس بالاسكندرية وأرض الحبش بظاهر مصر والكنيسة المجاورة للمعلقة بقصر الشمع بمصر لليهود‏.‏

قلت هكذا في تواريخهم ولا أعلم كيف ملكوا أرض الحبش فلعلّ الماردانيّ هو الذي اشتراها ثم وقفها‏.‏

وقال ابن المتوج‏:‏ بركة الحبش هذه البركة مشهورة في مكانها وقد اتصل ثبوت وقفها عند قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن سعد الله بن جماعة رحمة الله عليه على أنها وقف على الأشراف الأقارب والطالبيين نصيف بينهما بالسوية النصف الأوّل على الأقارب والنصف الآخر على الطالبيين وثبت قبله عن قاضي القضاة بدر الدين أبي المحاسن يوسف بن الحسن السنجاويّ أن النصف منها وقف على الأشراف الأقارب بالاستفاضة بتاريخ ثالث عشر ربيع الأوّل سنة أربعين وستمائة وهم الأقارب الحسينيون وهو إذ ذاك قاضي القضاة بالقاهرة والوجه البحريّ وما مع ذلك من البلاد الشامية المضافة إلى مُلك الملك الصالح نجم الدين أيوب وثبت عند قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله تعالى وكان قاضي القضاة بمصر والوجه القبليّ خطيب مصر بالاٍستفاضة أيضًا أن البركة المذكورة وقف على الأشراف الطالبيين بتاريخ التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة وبعدهما قاضي القضاة وجيه الدين البهنسيّ في ولايته ثم نفذهما بعد تنفيذ وجيه الدين المذكور في شعبان سنة ثلاث عشرة وسبعمائة قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن جماعة وهو حاكم الديار المصرية خلا ثغر الإسكندرية ويأتي أصل خبر هذه البركة مبينًا مشروحًا من أصلها في مكانه إن شاء الله تعالى‏.‏