فصل: منظرة الدكة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 وقال ابن الطوير‏:‏ إذا أذن الله سبحانه وتعالى بزيادة النيل المبارك طالع ابن أبي الرداد بما استقر عليه أذرع القاع في اليوم الخامس والعشرين من بؤونة وأرخه بما يوافقه من أيام الشهور العربي فعلم ذلك من مطالعته وأخرجت إلى ديوان المكاتبات فنزلت في السير المرتب بأصل القاع والزيادة بعد ذلك في كل يوم تؤرخ بيومه من الشهر العربي ما وافقه من أيام الشهر القبطي لا يزال كذلك وهو محافظ على كتمان ذلك لا يعلم به أحد قبل الخليفة وبعده الوزير فإذا انتهى أمر أن يحمل إلى المقياس في تلك الليلة من المطابخ‏:‏ عشرة قناطير من الخبز السميذ وعشرة من الخراف المشوية وعشرة من الجامات الحلواء وعشر شمعات ويؤمر بالمبيت في تلك الليلة بالمقياس فيحضر إليه قراء الحضرة والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ومن يجري مجراهم فيستعملون ذلك ويقدون الشمع عليهم من العشاء الآخرة وهم يتلون القرآن برفق ويطربون بمكان التطريب فيختمون الختمة الشريفة ويكون هذا الاجتماع في جامع المقياس فيوفي الماء ستة عشر ذراعًا في تلك الليلة ولوفاء النيل عندهم قدر عظيم ويبتهجون به ابتهاجًا زائدًا وذلك لأن عمارة الديار وبه التئام الخلق على فضل الله فيحسن عند الخليفة موقعه ويهتم بأمره اهتمامًا عظيمًا أكثر من كل المواسم فإذا أصبح الصبح من هذا اليوم وحضرت مطالعة ابن أبي الرداد إليه بالوفاء ركب إلى المقياس لتخليقه فيستدعي الوزير على العادة فيحضر إلى القصر فيركب الخليفة بزي أيام الركوب من غير مظلة ولا ما يجري مجراها بل في هيئة عظيمة من الثياب والوزير تابعه في الجمع الهائل على ترتيب الموكب ويخرج شاقًا من باب زويلة وسالكًا الشارع إلى آخر الركن من بستان عباس المعروف اليوم‏:‏ بسيف الإسلام فيعطف سالكًا على جامع ابن طولون والجسر الأعظم بين الركنين إلى الساحل بمصر إلى الطريق المسلوكة على طرف الخشابين الشرقي على دار الفاضل إلى باب الصاغة بجوارها وله دهليز ماد بمصاطب مفروشة بالحصر العبداني بسطًا وتأزيرًا فيشقها والوزير تابعه فيخرج منها منعطفًا على الصناعة الأخرى وكانت برسم المكس إلى السيوفيين ثم على منازل العز التي هي اليوم مدرسة ثم إلى دار الملك فيدخل من الباب المقابل لسلوكه فيترجل الوزير عنده للدخول بين يديه ماشيًا إلى المكان المعد له ويكون قد حمل أمس ذلك اليوم من القصر البيت المتخذ للعشاري الخاص وهو بيت مثمن من عاج وأبنوس عرض كل جزء ثلاثة أذرع وطوله قامة رجل تام فيجمع بين الأجزاء الثمانية فيصير بيتًا دوره أربعة وعشرون ذراعًا وعليه قبة من خشب محكم الصناعة وهو بقبته ملبس بصفائح الفضة والذهب فيتسلمه رئيس العشاريات الخاص ويركبه على العشاري المختص بالخليفة ويجعل باكر ذلك اليوم الذي يركب فيه الخليفة على الباب الذي يخرج منه للكوب إلى المقياس‏.‏

فإذا استقر الخليفة بالمنظرة بدار الملك التي يخرج من بابها إلى العشاري وأسند إليه استدعى الوزير من مكانه فيحضر إليه ويخرج بين يديه إلى أن يركب في العشاري فيدخل البيت المذهب وحده ومعه من الأستاذين المحنكين من يأمره من ثلاثة إلى أربعة ثم يطلع في العشاري خواص الخليفة خاصة ورسم الوزير اثنان أو ثلاثة من خواصه وليس في العشاري من هو جالس سوى الخليفة باطنًا والوزير ظاهرًا في رواق من باب البيت الذي هو بعرانيس من الجانبين قائمة مخروطة من أخف الخشب وهي مدهونة مذهبة وعليها من جانبيها ستور معمولة برسمها على قدرها‏.‏

فإذا اجتمع في العشاري من جرت عادته بالاجتماع اندفع من باب القنطرة طالبًا باب المقياس العالي على الدرج التي يعلوها النيل فيدخل الوزير ومعه الأستاذون بين يدي الخليفة إلى الفسقية فيصلي هو والوزير ركعات كل واحد بمفرده فإذا فرغ من صلاته أحضرت الآلة التي فيها الزعفران والمسك فيديفها بيده بآلة ويتناولها صاحب بيت المال فيناولها لابن أبي الرداد فيلقي نفسه في الفسقية وعليه غلالته وعمامته والعمود قريب من درج الفسقية فيتعلق فيه برجليه ويده اليسرى ويخلقه بيده اليمنى وقراء الحضرة من الجانب الآخر يقرؤون القرآن نوبة بنوبة ثم يخرج على فوره راكبًا في العشاري المذكور وهو بالخيار إما أن يعود إلى دار الملك ويركب منها عائدًا إلى القاهرة أو ينحدر في العشاري إلى المقس فيتبعه الموكب إلى القاهرة ويكون في البحر في ذلك اليوم ألف قرقورة مشحونة بالعالم فرحًا بوفاء النيل وبنظر الخليفة‏.‏

فإذا استقر بالقصر اهتم بركوب فتح الخليج وفيه همة عظيمة ظاهرة للابتهاج بذلك ثم يصير ابن أبي الرداد باكر ثاني ذلك اليوم إلى القصر بالإيوان الكبير الذي في الشباك إلى باب الملك بجواره فيجد خلعة معبأة هناك فيؤمر بلبسها ويخرج من باب العيد شاقًا بها بين القصرين من أوله قاصدًا لإشاعة ذلك فإن ذلك من علامة وفاء النيل ولأهل البلاد إلى ذلك تطلع وتكون خلعة مذهبة وكان من العدول المحنكين فيرشف في الخلعة بالطيلسان المقور ويندب له من التغييرات ولمن يريده خمس تغييرات مركبات بالحلي ويحمل أمامه على أربع بغال مع أربعة من مستخدمي بيت المال أربعة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم ظاهرة في أكفهم وبصحبته أقاربه وبنو عمه وأصدقاؤه ويندب له الطبل والبوق ويكتنف به عدة كثيرة من المتصرفين الرجالة فيخرج من باب العيد ويركب إحدى التغييرات وهي أميزها وشرف أمامه بجملين من النقارات التي قدمنا ذكرها يعني في ركوب أول العام من زي الموكب فيسير شاقًا القاهرة والأبواق تضرب أمامه كبارًا وصغارًا والبطل وراءه مثل الأمراء وينزل على كل باب يدخل منه الخليفة ويخرج من باب القصر فيقبله ويركب‏.‏

وهكذا يعمل كل من يخلع عليه من كبير وصغير من الأمراء المطوقين إلى من دونهم سيفًا وقلمًا ويخرج من باب زويلة طالبًا مصر من الشارع الأعظم إلى مسجد عبد الله إلى دار الأنماط جائزًا على الجامع إلى شاطئ البحر فيعدي إلى المقياس بخلعه وأكياسه وهذه الأكياس معدة لأرباب الرسوم عليه في خلعه ولنفسه ولبني عمه بتقرير من أول الزمان فإذا انقضى هذا الشأن شرع في الركوب إلى فتح الخليج ثاني يوم وقد كان وقع الاهتمام به منذ دخلت زيادة النيل ذراع الوفاء اهتمامًا عظيمًا فيعمل في بيت المال من التماثيل شكل الوحوش من الغزلان والسباع والفيلة والزرافات‏:‏ عدة وافرة منها ما هو ملبس بالعنبر ومنها ما هو ملبس بالصندل ثم شكل التفاح والأترج اللطيف والوحوش مفسرة الأعيان والأعضاء بالذهب إلى غير ذلك‏.‏

ثم تخرج الخيمة التي يقال لها القاتول لأن فراشًا سقط من أعلى عامودها فمات فسميت بذلك وطوله سبعون ذراعًا وأعلاه صفرية فضة تسع راوية ماء وعليه الفلكة التي كانت في الإيوان إلى قريب الوقت ثم يعمل في أول العمود شقة دائرة ثم أوسع منها ويتوالى ذلك إلى إحدى عشرة شقة فتصير سعة الخيمة ما يزيد على فدانين مستديرة وتنصب في بر الخليج الغربي على حافته مكان بستان الحلي اليوم وكانت ثم منظرة يقال لها السكرة برسم جلوس الخليفة لفتح الخليج في مثل هذا اليوم وينصب أرباب الرتب من الأمراء من بحري تلك لخيمة الكبرى خيامًا كثيرة ويتمايزون فيها على قدر هممهم وضربهم إياها في الأماكن الأقرب فالأقرب على قدر رتبهم فإذا تم ذلك وعزم الخليفة على الركوب ثالث يوم التخليق أو رابعه أخرج كل من المستخدمين في المواضع المقدم ذكرها في ركوب أول العام‏:‏ آلات الموكب على عادته ويزاد فيه إخراج أربعين بوقًا عشرة من الذهب وثلاثون من الفضة ويكون بواقوها ركبانًا وأرباب الأبواق النحاس مشاة ومن الطبول الكبار التي مكان خشبها فضة عشرة‏.‏

فإذا حضر الوزير إلى باب القصر خرج الخليفة في هيئة عظيمة وهمة عالية وقد تضاعفت هم الأجناد في ذلك اليوم فارسها وراجلها ويخرج زي الخليفة من المظلة والسف والرمح والألوية والدواة وغير ذلك من الأستاذين المحنكين ويركب في ذلك اليوم من الأقارب المقيمين بالقصر‏:‏ عشرون أو ثلاثون وهم بالنوبة في كل سنة فيتقدمون إلى المنظرة في مكان لهم صحبة أستاذين لخدمتهم وحفظهم ويكون قد لف عمود الخيمة الكبرى المشار إليها إما بديباج أبيض أو أحمر أو أصفر من أعلاه إلى أسفله وينصب مسندًا إليه سرير الملك ويغشى بقرقوبي وعرانيسه ذهب ظاهرة‏.‏

فيخرج الخليفة للركوب ويركب فيخرج من باب القصر وعليه ثوب يقال له‏:‏ البدنة وهو كله ذهب وحرير مرقوم والمظلة من شكله ولا يلبس هذا الثوب في غير هذا اليوم ويسير بالموكب الهائل شاقًا القاهرة من الطريق التي ركب منها لتخليق المقياس إلا أنه لا يدخل طرق مصر من الخشابين بل خارجها من طريق الساحل فإذا جاز على جامع ابن طولون وجد قد ربط من رأس المارة من مكان العشاري النحاس حبل طويل قوي موضوع آخره في الطريق وفيه قوم يقال لهم‏:‏ التحتبارية واحد في زي فارس على شكل فرس وفي يده رمح وبكتفه درقة فينحدر على بكرة وفي رجليه آخر ممسكها وهو يتقلب في الهواء بطنًا وظهرًا حتى يصل إلى الأرض ويكون قاضي القضاة وأعيان الشهود جلوسًا في باب الجامع من هذه الجهة فإذا وازاهم الخليفة وكانوا قد ركبوا وقف لهم وقف فيسلم على القاضي ثم يدخل فيقبل الرجل التي من جانبه لا غير ويدخل بالشهود في الفرجة أمام وجه الدابة بمقدار قصبة المساحة فيسلم عليهم ويرجعون إلى دوابهم فيركبون ويكون قد نصب لهم بالقرب من الخيمة الكبرى‏:‏ خيمتان إحداهما ديباج أحمر والأخرى ديبقي أبيض بصفاري فضة لكل واحدة فيتم الخليفة بهيئته إلى أن يدخل من باب الخيمة ويكون الوزير قد تقدمه على العادة ليخدمه فيجده راجلًا على باب الخيمة فيمشي بين يديه إلى سرير الملك فينزل ويجلس على المرتبة المنصوبة فيه ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوقون بعدهم ويوضع للوزير الكرسي الجاري به عادته فيجلس عليه ورجلاه تحك الأرض ويقف أرباب الرتب صافين من ناحية سرير الملك إلى ناحية الخيمة والقراء يقرؤون القرآن ساعة زمانية فإذا ختموا قراءتهم استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة بما يطلق هذا اليوم فيؤمر بتقديمهم واحدًا بعد واحد ولهم منازل على مقدار أقدارهم فالواحد يتقدم الواحد بخطوة في الإنشاد وهو أمر معروف عند مستخدم يقال له النائب وتقدم شاعر يقال له ابن جبر وأنشأ قصيدة منها‏:‏ فصفت موارده لنا فكأنه كف الأمام فعرفها الإعطاء فانتقد الناس عليه في قوله فسال منه الماء وقالوا‏:‏ أي شيء يخرج من البحر غير الماء فضيع ما قاله بعد هذا المطلع وتقدم شاعر يقال له مسعود الدولة بن جرير وأنشد‏:‏ ما زال هذا السد ينظر فتحه إذن الخليفة بالنول المرسل حتى إذا برز الإمام بوجهه وسطا عليه كل حامل معول فجرى كأن قد ديف فيه عنبر يعلوه كافور بطيب المندل فانتقدوا عليه أيضًا قوله في البيت الثاني وقالوا‏:‏ أهلك وجه الإمام بسطوات المعاول عليه وإن كان قصد فتح السد بالمعاول لكنه ما نظمه إلا قلقًا ثم تقدم له شاعر شاهد يقال له‏:‏ كافي الدولة أبو العباس أحمد وأنشد قصيد شهد له جماعة منهم القاضي الأثير بن سنان فإنه عملها بحضوره بديهًا‏:‏ لمن اجتماع الخلق في ذا المشهد للنيل أم لك يا ابن بنت محمد أم لاجتماعكما معًا في موطن وافيتما فيه لأصدق موعد ليس اجتماع الخلق إلا للذي حاز الفضيلة منكما في المولد شكروا لكل منكما لوفائه بالسعي لكن ميلهم للأجود هذا يفي ويعود ينقص تارة وتسد أنت النقص إن لم يردد وقواه إن بلغ النهاية قصرت وإذا بلغت إلى النهاية تبتدي فالآن قد ضاقت مسالك سعيه بالسد فهو به بحال مقيد فإذا أردت صلاحه فافتح ليرى جنابًا مخصبًا وترى ندي وأمر بفصد العرق منه فما شكا جسم فصيح الجسم إن لم يقصد واسلم إلى أمثال يومك هذا في عيش مغبوط وعز مخلد فأمر له على الفور بخمسين دينارًا وخلع عليه وزيد في جاريه ثم يقوم الخليفة عن السرير راكبًا والوزير بين يديه حتى يطلع على المنظرة المعروفة بالسكرة وقد فرشت بالفرش المعدة لها فيجلس فيها ويتهيأ أيضًا للوزير مكان يجلس فيه ويحيط بالسد حامي البساتين ومشارفها لأنه من حقوق خدمتهما فتفتح إحدى طاقات المنظرة ويطل منها الخليفة على الخليج وطاقة تقاربها يتطلع منها أستاذ من الخواص ويشير بالفتح فيفتح بأيدي عمال البساتين بالمعاول ويخدم بالطبل والبوق من البرين‏.‏

فإذا اعتدل الماء في الخليج دخلت العشاريات اللطاف ويقال لها السماوات وكأنها خدم بين يدي العشاري الذهبي المقدم ذكره ثم العشاريات الخاص الكبار وهي ستة‏:‏ الذهبي المذكور والفضي والأحمر والأصفر واللازوردي والصقلي وكان أنشأه نجار من رؤساء الصناعة صقلي وزاد فيه على الإنشاء المعتاد فنسب إليه وهذه العشاريات لا تخرج عن خاص الخليفة في أيام النيل وتحوله إلى اللؤلؤة للفرجة وسارت في الخليج وعلى بيت كل منهما الستور الديبقي الملونة وبرؤوسها وفي أعناقها الأهلة وقلائد من الخرز فتسند إلى البر الذي فيه المنظرة الجالس فيها الخليفة فإذا استقر جلوس الخليفة والوزير بالمنظرة ودخل قاضي القضاة والشهود الخيمة الديبقي البيضاء وصلت المائدة من القصر من الجانب الغربي من الخليج على رؤوس الفراشين صحبة صاحب المائدة وعدتها مائة شدة في الطيافير الواسعة وعليها القوارات الحرير وفوقها الطراحات ولها رواء عظيم ومسك فاتح فتوضع في خيمة واسعة منصوبة لذلك ويحمل للوزير ما هو مستقر له بعادة جارية ومن صواني التماثيل المذكورة‏:‏ ثلاث صوان ويخصص منها أيضًا لأولاده وإخوته خارجًا عن ذلك إكرامًا وافتقادًا ويحمل إلى قاضي القضاة والشهود شدة طعام وصينية تماثيل ويصل بمن ذلك إلى الناس شيء كثير ولا يزالون كذلك إلى أن يؤذن بالظهر فيصلون ويقيمون إلى العصر فإذا أذن به صلى وركب الموكب كله لانتظار ركوب الخليفة‏.‏

فيركب لابسًا غير البدنة بل بهيئته والمظلة مناسبة لثيابه التي عليه واليتيمة والترتيب بأجمعه على حاله ويسير في البر الغربي من الخليج شاقًا البساتين هناك حتى يدخل من باب القنطرة إلى القصر والوزير تابعه على الرسم المعتاد ويمر فيه لقوم أحسن الأيام ويمضي الوزير إلى داره مخدومًا على العادة‏.‏

وقال في كتاب الذخائر والتحف‏:‏ إن المستعمل من الفضة قبة العشاري المعروف بالمقدم وقاربه وكسوة رحله في سنة ست وثلاثين وأربعمائة في وزارة علي بن أحمد الجرجرائي‏:‏ مائة ألف وسبعة وستون ألفًا وسبعمائة درهم نقرة وإن المطلق للصناع عن أجرة الصناعة وفي ثمن ذهب لطلائه خاصة‏:‏ ألفان وتسعمائة دينار وسبعون وكانت الفضة في ذلك الوقت كل مائة درهم‏:‏ بستة دنانير وربع سعر ستة عشر درهمًا بدينار‏.‏

ولما تولى أبو سعيد التستري الوساطة سنة ست وثلاثين وأربعمائة استعمل لأم المستنصر عشاريًا يعرف‏:‏ بالفضي وحلي رواقه بفضة تقديرها‏:‏ مائة ألف وثلاثون ألف درهم ولزم ذلك أجرة الصناعة ولطلاء بعضه‏:‏ ألفان وأربعمائة دينار سوى كسوة له بمال جليل والمنفق على ستة وثلاثين عشاريًا برسم النزه البحرية لآلاتها وحلاها من مناطق ورؤوس منجوقات وأهله وصفريات وغير ذلك‏:‏ أربعمائة ألف دينار وكانت العادة عندهم إذا حصل وفاء النيل أن يكتب إلى العمال‏.‏

فمما كتب من إنشاء تاج الرياسة أبي القاسم علي بن منجب بن سليمان الصيرفي‏:‏ أما بعد‏:‏ فإن أحق ما أوجبت به التهنئة والبشرى وغدت المسار منتشرة تتوالى وتترى وكان من اللطائف التي غمرت بالمنة العظمة والنعمة الجسيمة الكبرى ما استدعى الشكر لموجد العالم وخالقه وظلت النعمة به عامة لصامت الحيوان وناطقه وتلك الموهبة بوفاء النيل المبارك الذي يسره الله تعالى وله الحمد يوم كذا فإن هذه العطية تؤدي إلى خصب البلاد وعمارتها وشمول المصالح وغزارتها وتفضي بتضاعف المنافع والخيرات وتكاثر الأرزاق والأقوات ويتساهم الفائدة فيها جميع العباد وتنتهي البركة بها إلى كل دان وناء وكل حاضر وباد فأذع هذه النعمة قبلك وانشرها في كل من يتدبر عملك وحثهم على مواصلة الشكر لهذه الألطاف الشاملة لهم ولك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب أيضًا‏:‏ إن أولى ما تضاعف به الابتهاج والجذل وانفتح فيه الرجاء واتسع الأمل ما عم نفقه صامت الحيوان وناطقه وأحدث لكل أحد اغتباطًا لزمه وآلى أن لا يفارقه وذلك ما من الله به من وفاء النيل المبارك الذي تحيى به كل أرض موات وتكتسى بعد اقشعرارها حلة النبات ويكون سببًا لتوافر الأقوات فإنه وفى المقدار الذي يحتاج إليه فلتذع هذه المنة في القاصي والداني ولتستعمل الكافة بينهم ضروب البشائر والتهاني إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب أيضًا‏:‏ من لطف الله الواجب حمده اللازم شكره وفضله الذي لا يمل بشره ولا يسأم ذكره ومنه الذي استبشر به الأنام وتضاعف فيه الإنعام ومثل الله الحياة به في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما مثل الحياة الدنيا كما أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ‏"‏ أمر النيل المبارك الذي يعم النجود والتهائم وتنتفع به الخلائق وترتع فيما يظهره البهائم وقد توجه إليك بهذا الكتاب بهذه البشرى فلان فأجره على رسمه في إظهاره مجملًا وإيصاله إلى رسمه مكملًان وإذاعة هذه النعمة على الكافة ليتساهموا الاغتباط بها ويبالغوا في الشكر لله سبحانه وتعالى بمقتضاها وعلى حسبها فاعلم ذلك واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

 

منظرة الدكة

‏:‏ وكان من جملة مناظر الخلفاء الفاطميين منظرة تعرف‏:‏ بالدكة لها بستان عظيم بجوار المقس فيما بينه وبين أراضي اللوق وما زالت باقية حتى زالت الدولة وحكر مكان البستان وصار خطة تعرف إلى اليوم بخط الدكة فخربت المنظرة وزال أثرها‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ الدكة بالمقس كانت بستانًا وكان الخليفة إذا ركب من كسر الخليج من السكرة بمظلته يسير في البر الغربي ومضارب الناس والأمراء وخيمهم عن يمينه وشماله إلى أن يصل إلى هذا البستان المعروف بالدكة‏:‏ وقد غلقت أبوابه ودهاليزه فيدخل إليه بمفرده ويسقي منه الفرس الذي تحته وهي قضية ذكر المؤرخ للسيرة المأمونية‏:‏ أنهم كانوا يعتمدونها إلى آخر وقت ولم يعلم سببها ثم يخرج ويسير إلى أن يقف على الترعة الآتي ذكرها ويدخل من باب القنطرة وينزل إلى القصر والدكة الآن‏:‏ آدر وحارات شهرتها تغني عن وصفها فسبحان من لا يتغير‏.‏

وقال ابن الطوير عن الظاهر لإعزاز دين الله أبي هاشم علي بن الحاكم بأمر الله‏:‏ كان بمنظرة يقال لها‏:‏ الدكة بساحل المقس يعني أنه مات بها‏.‏

منظرة المقس‏:‏ وكان من جملة مناظرهم أيضًا‏:‏ منظرة بجوار جامع المقس الذي تسميه العامة اليوم‏:‏ جامع المقسي وكانت هذه المنظرة بحري الجامع المذكور وهي مطلة على النيل الأعظم وكان حينئذ ساحل النيل بالمقس وكانت هذه المنظرة‏:‏ معدة لنزول الخليفة بها عند تجهيز الأسطول إلى غزو الفرنج فتحضر رؤساء المراكب بالشواني وهي مزينة بأنواع العدد والسلاح ويلعبون بها في النيل حيث الآن الخليج الناصري تجاه الجامع وما وراء الخليج من غربيه‏.‏

قال ابن المأمون‏:‏ وذكر تجهيز العساكر في البر عند ورود كتب صاحبي دمشق وحلب في سنة سبع عشرة وخمسمائة ما يحث على غزو الفرنج ومسيرها مع حسام الملك وركب الخليفة الآمر بأحكام الله وتوجه إلى الجامع بالمقس وجلس بالمنظرة في أعلاه واستدعى مقدم الأسطول الثاني وخلع عليه وانحدرت الأسطايل مشحونة بالرجال والعدد والآلات والأسلحة واعتمد ما جرت العادة به من الإنعام عليهم وعاد الخليفة إلى البستان المعروف بالبعل إلى آخر النهار وتوجه إلى قصره بعد تفرقة جميع الرسوم والصدقات والهبات الجاري بها العادة في الركوبات‏.‏

وقال ابن الطوير‏:‏ فإذا تكملت النفقة وتجهزت المراكب وتهيأت للسفر ركب الخليفة والوزير إلى ساحل المقس وكان هناك على شاطئ البحر بالجامع منظرة يجلس فيها الخليفة برسم وداعه يعني الأسطول ولقائه إذا عاد فإذا جلس هو والوزير للوداع جاءت القواد بالمراكب من مصر إلى هناك للحركات في البحر بين يديه وهي مزينة بأسلحتها ولبوسها وفيها المنجنيقات تلعب فتنحدر وتقلع بالمجاذيف كما يفعل في لقاء العدو بالبحر الملح ويحضر بين يدي الخليفة المقدم والرئيس فيوصيهما ويدعو للجماعة بالنصرة والسلامة ويعطي المقدم مائة دينار والرئيس‏:‏ عشرين دينارًا وتنحدر إلى دمياط وتخرج إلى البحر الملح فيكون لها ببلاد العدو صيب وهيبة فإذا وقع لهم مركب لا يسألون عما في سوى الصغار والرجال والنساء والسلاح وما عدا ذلك فللأسطول‏.‏

واتفق مرة أن قدم على الأطول سيف الملك الجمل فكسب بطشة عظيمة فيها ألف وخمسمائة شخص‏.‏

بعد أن بعث عليهم بالقتال وقتل منهم نحوًا من مائة وعشرين رجلًا وحضر إلى القاهرة ففرح الخليفة وركب إلى المقس وجلس بالمنظرة للقائهم وأطلقوا الأسرى بين يديه تحت المنظرة من جانب البر فاستدعيت الجمال لركوبهم وشق بهم القاهرة ومصر وهم كل اثنين على جمل ظهر الظهر وعاد الخليفة إلى القصر فجلس في إحدى مناظره لنظرهم في جوازهم فلما عادوا بهم من مصر صاروا بهم إلى المناخات فصح منهم ألف رجل فانضافوا إلى من في المناخ وأما النساء والصبيان فإنهم دخلوا بهم إلى القصر بعد أن حمل منهم للوزير نصيب وافر وأخذ الجهات والأقارب بقيتهن فيستخدمونهن ويعلمونهن الصنائع ويتولى الأستاذون تربية الصبيان وتعليمهم الخط والرماية ويقال لهم‏:‏ الترابي ومن استريب به من الأسرى ونبه عليه بقوة أوقع به والشيخ الذي لا ينتفع به يمضي فيه حكم السيف بمكان يقال له‏:‏ بئر المنامة في الخراب قريب مصر ولم يسمع على الدولة قط أنها فادت أسيرًا بمال ولا بأسير مثله وهذه الحال في كل سنة آخذة في الزيادة لا النقص وقدم على الأسطول مرة أمير يقال له‏:‏ حرب بن فور صاحب الحاجب لؤلؤ فكسب بطشة حصل فيها‏:‏ خمسمائة رجل انتهى‏.‏

وقد خربت هذه المنظرة وكان موضعها برج كبير صار يعرف في الدولة الأيوبية بقلعة المقس مشرف على النيل فلما جدد الصاحب الوزير شمس الدين عبد الله المقسي جامع المقس على ما هو عليه الآن في سنة سبعين وسبعمائة هدم هذا البرج وجعل مكانه جنينة شرقي الجامع وتحدث الناس أنه وجد فيه مالًا والله أعلم‏.‏

منظرة البعل‏:‏ وكان من مناظرهم بظاهر القاهرة منظرة في بستان أنيق يعرف‏:‏ بالبعل أنشأه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي وموضع هذا البستان إلى اليوم يعرف بالبعل وصارت أرضه مزرعة في جانب الخليج الغربي بحري أرض الطبالة في كوم الريش مقابل قناطر الأرز وقد خربت المنظرة وبقي منها آثار أدركتها يعطن بها الكتان تدل على عظمها وجلالتها في حال عمارتها وكانت منظرة البعل من أجل منتزهاتهم وكان لهم بها أوقات عميمة جليلة الخيرات‏.‏

قال ابن المأمون‏:‏ فأما يوم السبت والثلاثاء فيكون ركوب الوزير من داره بالرهجية ويتوجه إلى القصر فيركب الخليفة إلى ضواحب القاهرة للنزهة في مثل الروضة والمشتهي ودار الملك والتاج والبعل وقبة الهواء والخمسة وجوه والبستان الكبير وكان لكل منظرة منهن فرش معلوم مستقر فيها من الأيام الأفضلية للصيف والشتاء وتفرق الرسوم ويسلم لمقدمي الركاب اليمين والشمال لكل واحد عشرون دينارًا وخمسون رباعيًا ولتالي مقدم الركاب اليمين مائة كاغدة في كل كاغدة ثلاثة دراهم ومائة كاغدة في كل كاغدة درهمان ولتالي مقدم الشمال مثل ذلك فأما الدنانير فلكل باب يخرج منه من البلد دينار ولكل باب يدخل منه دينار ولكل جامع يجتاز عليه دينار ما خلا جامع مصر فإن رسمه خمسة دنانير ولكل مسجد يجتاز عليه رباعي ولكل من يقف ويتلو القرآن‏:‏ كاغدة والفقراء والمساكين من الرجال والنساء لكل من يقف كاغدة ولكل من يركب الخليفة ديناران ويكون مع هذا متولي صناديق الإنفاق يحجب الخليفة وبيده خريطة ديباج فيها خمسمائة دينار لما عساه يؤمر به‏.‏

فإذا حصل في إحدى المناظر المذكورة فرق من العين ما مبلغه‏:‏ سبعة وخمسون دينارًا ومن الرباعية‏:‏ مائة وستة وثمانون دينارًا للحواشي والأستاذين وأصحاب الدواوين والشعراء والمؤذنين والمقرئين والمنجمين وغيرهم ومن الخزاف الشواء‏:‏ خمسون رأسًا منها طبقان حارة مكملة مشورة برسم المائدة الخاص مضافًا لما يحضر من القصور من الموائد الخاص والحلاوات وطبق واحد برسم مائدة الوزير وبقية ذلك بأسماء أربابه ورأسا بقر برسم الهرائس فإذا جلس الخليفة على المائدة استدعى الوزير وخواصه ومن جرت العادة بجلوسه معه ومن تأخر عن المائدة ممن جرت عادته بحضورها حمل إليه من بين يدي الخليفة على سبيل التشريف وعند عود الخليفة إلى القصر يحاسب متولي الدفتر مقدمي الركاب على ما أنفق عليه في مسافة الطريق من جامع ومسجد وباب ودابة‏.‏

وأما تفرقة الصدقات فهم فيها على حكم الأمانة قال‏:‏ وإذا وقع الركوب إلى الميادين جرى الحال فيها على الرسم المستقر من الإنعام ويؤمر متولي خزائن الخاص وصناديق الإنفاق أن يكون معه خريطة في السرج ديباج تسمى خريطة الموكب فيها ألف دينار معدة لمن يؤمر بالإنعام عليه في حال الركوب‏.‏

منظرة التاج‏:‏ هي من جملة المناظر التي كانت الخلفاء تنزلها للنزهة بناها الأفضل بن أمير الجيوش وكان لها فرش معد لها للشتاء والصيف وقد خربت ولم يبق لها سوى أثر كوم توجد تحته الحجارة الكبار وما حول هذا الكوم صار مزارع من جملة أراضي منية الشيرج‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ وأما التاج فكان حوله البساتين عدة وأعظم ما كان حوله‏:‏ قبة الهواء وبعدها الخمس وجوه التي هي باقية‏.‏

منظرة الخمس وجوه‏:‏ كانت أيضًا من مناظرهم التي يتنزهون فيها وهي من إنشاء الأفضل بن أمير الجيوش وكان لها فرش معد لها وبقي منها آثار بناء جليل على بئر متسعة كان بها‏:‏ خمسة أوجه من المحال الخشب التي تنقل الماء لسقي البستان العظيم الوصف البديع الزي البهيج الهيئة والعامة تقول التاج والسبع وجوه إلى الآن وموضعها إلى وقتنا هذا من أعظم متفرجات القاهرة وبنيت هناك في أيام النيل عندما يعم تلك الأراضي البشنين فتفتن رؤيته وتبهج النفوس نضارته وزينته فإذا نضب ماء النيل زرعت تلك البسطة قرطًا وكتانًا يقصر الوصف عن تعداد حسنه وأدركت حول الخمس وجوه‏:‏ غروسًا من نخل وغيره تشبه أن تكون من بقايا البستان القديم وقد تلاشت الآن ثم إن السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودي الظاهري جدد عمارة منظرة‏:‏ فوق الخمس وجوه ابتدأ بناءها في يوم الاثنين أول شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة‏.‏