فصل: مذاهبهم في أول الشهور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 مذاهبهم في أول الشهور

اعلم أن القوم كانوا شيعة ثم غلوا حتى عدوا من غلاة أهل الرفض للشيعة في أثناء الشهور عمل أحسن ما رأيت فيه‏.‏

ما حكاه أبو الريحان محمد بن أحمد البيروتي في كتاب الآثار العافية عن القرون الخالية قال‏:‏ وفي سنين من الهجرة نجمت ناجمة لأجل أخذهم بالتأويل إلى اليهود والنصارى فإذا لهم جداول وحسبانات يستخرجون بها شهورهم ويعرفون منها صيامهم والمسملون مضطرون إلى رؤية الهلال وتفقد ما اكتساه القمر من النور وجدوهم شاكين في ذلك مختلفين فيه مقلدين بعضهم بعضًا في عمل رؤية الهلال بطريق الزيجات فرجعوا إلى أصحاب علم الهيئة فألفوا زيجاتهم مفتتحة بمعرفة أوائل ما يراد من شهور العرب بصنوف الحسبانات فظنوا أنها معمولة لرؤية الأهلة فأخذوا بعضها ونسبوه إلى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام وزعموا أنه سر من أسرار النبوة وتلك الحسبانات مبنية على حركات التدبير الوسطى دون المعدلة أم معمولة على سنة القمر التي هي‏:‏ ثلثمائة وأربعة وخمسون يومًا وخمس يوم وسدس يوم وأن ستة أشهر من السنة تامة وستة أشهر ناقصة وإن كل ناقص منها فهو تال لتام فلما قصدوا استخراج الصوم والفطر بها خرجت قبل الواجب بيوم في أغلب الأحوال فأولوا قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ‏"‏ وقالوا‏:‏ معنى صوموا لرؤيته‏:‏ أي صوموا اليوم الذي يرى في عشيته كما يقال‏:‏ تهيؤا لاستقباله فيقدم التهيؤ على الاستقبال قال‏:‏ ورمضان لا ينقص عن ثلاثين يومًا أبدًا‏.‏

قافلة الحج‏:‏ قال في كتاب الذخائر والتحف‏:‏ إن المنفق على الموسم كان في كل سنة تسافر فيها القافلة‏:‏ مائة ألف وعشرين ألف دينار منها‏:‏ ثمن الطيب والحلواء والشمع راتبًا في كل سنة‏:‏ عشرة آلاف دينار ومنها‏:‏ نفقة الوفد الواصلين إلى الحضرة‏:‏ أربعون ألف دينار ومنها في ثمن الحمايات والصدقات وأجرة الجمال ومعونة من يسير من العسكرية وكبير الموسم وخدم القافلة وحفر الآبار وغير ذلك‏:‏ ستون ألف دينار وإن النفقة كانت في أيام الوزير البازوري‏:‏ قد زادت في كل سنة وبلغت إلى مائتي ألف دينار ولم تبلغ النفقة على الموسم مثل ذلك في دولة من الدول‏.‏

موسم عيد الفطر‏:‏ وكان لهم في موسم عيد الفطر عدة وجوه من الخيرات منها‏:‏ تفرقة الفطرة وتفرقة الكسوة وعمل السماط وركوب الخليفة لصلاة العيد وقد تقدم ذكر ذلك كله فيما سبق‏.‏

عيد النحر‏:‏ فيه تفرقة الرسوم من الذهب والفضة وتفرقة الكسوة لأرباب الخدم من أهل السيف والقلم وفيه ركوب الخليفة لصلاة العيد وفيه تفرقة الأضاحي كما مر ذلك مبينًا في موضعه من هذا الكتاب‏.‏

عيد الغدير‏:‏ فيه تزويج الأيامى وفيه الكسوة وتفرقة الهبات لكبراء الدولة ورؤسائها شيوخها وأمرائها وضيوفها والأستاذين المحنكين والمميزين وفيه النحر أيضًا وتفرقة النحائر على أرباب الرسوم وعتق الرقاب وغير ذلك كما سبق بيانه فيما تقدم‏.‏

كسوة الشتاء والصيف‏:‏ وكان لهم في كل من فصلي الشتاء والصيف كسوة تفرق على أهل الدولة وعلى أولادهم ونسائهم وقد مر ذكر ذلك‏.‏

موسم فتح الخليج‏:‏ وكانت لهم في موسم فتح الخليج وجوه من البر منها‏:‏ الركوب لتخليق المقياس ومبيت القراء بجامع المقياس وتشريف ابن أبي الرداد بالخلع وغيرها وركوب الخليفة إلى فتح الخليج وتفرقة الرسوم على أرباب الدولة من الكسوة والعين والمآكل والتحف وقد تقدم تفصيل ذلك‏.‏

النوروز وكان النوروز القبطي في أيامهم من جملة المواسم فتتعطل فيه الأسواق ويقل فيه سعي الناس في الطرقات وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأولادهم ونسائهم والرسوم من المال وحوائج النوروز‏.‏

قال ابن زولاق‏:‏ وفي هذه السنة يعني سنة ثلاث وستين وثلثمائة منع المعز لدين الله من وقود النيران ليلة النوروز في السكك ومن صب الماء يوم النوروز‏.‏

وقال‏:‏ في سنة أربع وستين وثلثمائة‏:‏ وفي يوم النوروز زاد اللعب بالماء ووقود النيران وطاف أهل الأسواق وعملوا فيلة وخرجوا إلى القاهرة بلعبهم ولعبوا ثلاثة أيام وأظهروا السماجات والحلي في الأسواق ثم أمر المعز بالنداء بالكشف وأن لا توقد نار ولا يصب ماء وأخذ قوم فحبسوا وأخذ قوم فطيف بهم على الجمال‏.‏

وقال ابن ميسر‏:‏ في حوادث سنة ست عشرة وخمسمائة‏:‏ وفيها أراد الآمر بأحكام الله أن يحضر إلى دار الملك في النوروز الكائن في جمادى الآخرة في المراكب على ما كان عليه الأفضل بن أمير الجيوش فأعاد المأمون عليه أنه لا يمكن فإن الأفضل لا يجري مجراه مجرى الخليفة وقال ابن المأمون‏:‏ وحل موسم النوروز في التاسع من رجب سنة سبع عشرة وخمسمائة ووصلت الكسوة المختصة به من الطراز وثغر الإسكندرية مع ما يبتاع من المذاب المذهبة والحريري والسوادج وأطلق جميع ما هو مستقر من الكسوات الرجالية والنسائية والعين والورق وجميع الأصناف المختصة بالموسم على اختلافها بتفصيلها وأسماء أربابها وأصناف النوروز البطيخ والرمان وعراجين الموز وأفراد البسر وأقفاص التمر القوصي وأقفاص السفرجل وبكل الهريسة المعمولة من لحم الدجاج ولحم الضأن ولحم البقر من كل لون بكلة مع خبز بر مارق‏.‏

قال‏:‏ وأحضر كاتب الدفتر‏:‏ الإثبابات بما جرت العادة به من إطلاق العين والورق والكسوات على اختلافها في يوم النوروز وغير ذلك من جميع الأصناف وهو أربعة آلاف دينار وخمسة عشر ألف درهم فضة والكسوات عدة كثيرة من شقق ديبقي مذهبات وحريريات ومعاجر وعصائب مشاومات ملونات وشقق لاذ مذهب وحريري ومشفع وفوط ديبقي حريري‏.‏

فأما العين والورق والكسوات فذلك لا يخرج عمن تحوزه القصور ودار الوزارة والشيوخ والأصحاب والحواشي والمستخدمون ورؤساء العشاريات وبحارتها ولم يكن لأحد من الأمراء على اختلاف درجاتهم في ذلك نصيب وأما الأصناف من البطيخ والرمان والبسر والتمر والسفرجل والعناب والهرائس على اختلافها فيشمل ذلك جميع من تقدم ذكرهم ويشكرهم في ذلك جميع الأمراء أرباب الأطواق والأقصاب وسائر الأماثل وقد تقدم شرح ذلك فوقع الوزير المأمون على جميع ذلك بالإنفاق‏.‏

وقال القاضي الفاضل في تعليق المتجددات لسنة أربع وثمانين وخمسمائة‏:‏ يوم الثلاثاء أربع عشر رجب يوم النوروز القبطي وهو مستهل توت وتوت أول سنتهم وقد كان بمصر في الأيام الماضية والدولة الخالية يعني دولة الخلفاء الفاطميين من مواسم بطالاتهم ومواقيت ضلالاتهم فكانت المنكرات ظاهرة فيه والفواحش صريحة في يومه ويركب فيه أمير موسوم‏:‏ بأمير النوروز ومعه جمع كثير ويتسلط على الناس في طلب رسم رتبه على دور الأكابر بالجمل الكبار ويكتب مناشير ويندب مترسمين كل ذلك يخرج مخرج الطير ويقنع بالميسور من الهبات ويتجمع المؤنثون والفاسقات تحت قصر اللؤلؤة بحيث يشاهدهم الخليفة وبأيديهم الملاهي ويتراش الناس بالماء وبالماء والخمر وبالماء ممزوجًا بالأقدار فإن غلط مستور وخرج من داره لقيه من يرشه ويفسد ثيابه ويستخف بحرمته فإما فدى نفسه وإما فضح ولم يجر الحال في هذا النوروز على هذا ولكن قد رش الماء في الحارات وأحيى المنكر في الدور أرباب الخسارات‏.‏

وقال‏:‏ في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة‏:‏ وجرى الأمر النوروز على العادة من رش الماء واستجد فيه هذا العام التراجم بالبيض والتصافع بالأنطاع وانقطع الناس عن التصرف ومن ظفر به في الطريق رش بمياه نجسة وخرق به‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله تعالى‏:‏ إن أول من اتخذ النوروز‏:‏ جمشيد ويقال في اسمه أيضًا‏:‏ جمشاد أحد ملوك الفرس الأول ومعناه‏:‏ اليوم الجديد وللفرس فيه آراء وأعمال على مصطلحهم غير أنه في غير هذا اليوم‏.‏

وقد صنف علي بن حميرة الأصفهاني كتابًا مفيدًا في أعياد الفرس‏.‏

وذكر الحفاظ أبو القاسم بن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال‏:‏ كان اليوم الذي رد الله فيه إلى سليمان بن داود خاتمه يوم النوروز فجاءت إليه الشياطين بالتحف وكانت تحفة الخطاطيف أن جاءت بالماء في مناقيرها فرشته بين يدي سليمان فاتخذ الناس رش الماء من ذلك اليوم‏.‏

وعن مقاتل بن سليمان قال‏:‏ سمي ذلك اليوم‏:‏ نيروزًا وذلك أنه وافق هذا اليوم الذي يسمونه النيروز فكانت الملوك تتيمن بذلك اليوم واتخذوه عيدًا وكانوا يرشون الماء في ذلك اليوم ويهدون كفعل الخطاف ويتيمنون بذلك ولله در القائل‏:‏ فناره كلهيب النار في كبدي وماؤه كتوالي دمعتي فيه وقال آخر‏:‏ نورز الناس ونورز - ت ولكن بدموعي وذكت نارهم والن - ار ما بين ضلوعي وقال غيره‏:‏ ولما أتى النوروز يا غاية المنى وأنت على الإعراض والهجر والصد بعثت بنار الشوق ليلًا إلى الحشى فنورزت صبحًا بالدموع على الخد الميلاد‏:‏ وهو اليوم الذي ولد فيه عبد الله ورسوله المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم والنصارى تتخذ ليلة يوم الميلاد عيدًا وتعمله قبط مصر في التاسع والعشرين من كيهك وما برح لأهل مصر به اعتناء وكان من رسوم الدولة الفاطمية فيه‏:‏ تفقة الجامات المملوءة من الحلاوات القاهرية والمتارد التي فيها السمك وقرابات الجلاب وطيافير الزلابية والبوري فيشمل ذلك أرباب الدولة أصحاب السيوف والأقلام بتقرير معلوم على ما ذكره ابن المأمون في تاريخه‏.‏

الغطاس‏:‏ ومن مواسم النصارى بمصر عمل الغطاس في اليوم الحادي عشر من طوبة‏.‏

قال المسعودي في مروج الذهب‏:‏ ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها وهي ليلة إحدى عشرة من طوبة ولقد حضرت سنة ثلاثة وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمد بن طفج في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة على النيل والنيل مطيف بها وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع وقد حضر النيل في تلك الليلة‏:‏ مئو ألوف من الناس من المسلمين والنصارى منهم‏:‏ في الزواريق ومنهم في الدور الدانية من النيل ومنهم على الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ونشرة للداء‏.‏

وقال المسبحي‏:‏ في سن ثمان وثمانين وثلثمائة‏:‏ كان غطاس النصارى فضربت الخيام والمضارب والأشرعة في عدة مواضع على شاطئ النيل فنصبت أسرة للرئيس فهد ابن إبراهيم النصراني كاتب الأستاذ برجوان وأوقدت له الشموع والمشاعل وحضر المغنون والملهون وجلس مع أهله يشرب إلى أن كان وقت الغطاس فغطس وانصرف‏.‏

وقال‏:‏ في سنة خمس عشرة وأربعمائة وفي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة كان غطاس النصارى فجرى الرسم من الناس في شراء الفواكه والضأن وغيره ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم لقصر جده العزيز بالله بمصر لنظر الغطاس ومعه الحرم ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم إلى البحر في الليل وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين خيمة عند الجسر وجلس فيها وأمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بأن توقد المشاعل والنار في الليل فكان وقيدًا كثيرًا وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان والنيران فقسسوا هناك طويلًا إلى أن غطسوا‏.‏

وقال ابن المأمون‏:‏ إنه كان من رسوم الدولة أنه يفرق على سائر أهل الدولة الترنج والنارنج والليمون المراكبي وأطنان القصب والسمك والبوري برسوم مقررة لكل واحد من أرباب السيوف والأقلام‏.‏

خميس العهد‏:‏ ويسميه أهل مصر من العامة‏:‏ خميس العدس ويعمله نصارى مصر قبل الفصح بثلاثة أيام ويتهادون فيه وكان من جملة رسوم الدولة الفاطمية في خميس العدس ضرب خمسمائة دينار ذهبًا عشرة آلاف خروبة وتفرقتها على جميع أرباب الرسوم كما تقدم‏.‏أيام الركوبات‏:‏ وكان الخليفة يركب في كل يوم سبت وثلاثاء إلى منتزهاته بالبساتين والتاج وقبة الهواء والخمس وجوه وبستان البعل ودار الملك ومنازل العز والروضة فيعم الناس في هذه الأيام من الصدقات أنواع ما بين ذهب ومآكل وأشربة وحلاوات وغير ذلك كما تقدم بيانه في موضعه من هذا الكتاب‏.‏

صلاة الجمعة‏:‏ وكان الخليفة يركب في كل سنة ثلاث ركبات لصلاة الجمعة بالناس في جامع القاهرة الذي يعرف بالجامع الأزهر مرة وفي جامع الخطبة المعروف‏:‏ بالجامع الحاكمي مرة وفي جامع عمرو بن العاص بمصر أخرى فينال الناس منه في هذه الجمع الثلاث رسوم وهبات وصدقات كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى عند ذكر الجامع الأزهر‏.‏

ولله در الفقيه عمارة اليمني فقد ضمن مرثيته أهل القصر جملًا مما ذكر وهي القصيدة التي قال ابن سعد فيها ولم يسمع فيما يكتب في دولة بعد انقراضها أحسن منها‏:‏ رميت يا دهر كف المجد بالشلل وجيده بعد حسن الحلي بالعطل سعيت في منهج الرأي العثور فإن قدرت من عثرات الدهر فاستقل جدعت ما رنك الأقنى فأنفك لا ينفك ما بين قرع السن والخجل هدمت قاعدة المعروف عن عجل سعيت ملهًا أما تمشي على مهل لهفي ولهف بني الآمال قاطبة على فجيعتها في أكرم الدول قدمت مصر فأولتني خلائفها من المكارم ما أربى على الأمل وكنت من وزراء الدست حين سما رأس الحصان يهاديه على الكفل ونلت من عظماء الجيش مكرمة وخلة حرست من عارض الخلل يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة لك الملامة إن قصرت في عذلي بالله در ساحة القصرين وابك معي عليهما لا على صفين والجمل وقل لأهليهما والله ما التحمت فيكم جراحي ولا قرحي بمندمل ماذا عسى كانت الإفرنج فاعلة في نسل آل أمير المؤمنين علي هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما ملكتموا بين حكم السبي والنفل وقد حصلتهم عليها واسم جدكم محمد وأبوكم غير منتقل مررت بالقصر والأركان خالية من الوقود وكانت قبلة القبل فملت عنها بوجهي خوف منتقد من الأعادي ووجه الود لم يمل أسلت من أسفي دمعي غداة خلت رحابكم وغدت مهجورة السبل أبكي على ما تراءت من مكارمكم حال الزمان عليها وهي لم تحل وموسم كان في يوم الخليج لكم يأتي تجملكم فيه على الجمل وأول العام والعيدين كم لكم فيهن من وبل جود ليس بالوشل والخيل تعرض في وشي وفي شية مثل العرائس في حلي وفي حلل ولا حملتم قرى الأضياف من سعة الأطباق إلا على الأكتاف والعجل وما خصصتم ببر أهل ملتكم حتى عممتم به الأقصى من الملل كانت رواتبكم للذمتين وللضيف المقيم وللطاري من الرسل ثم الطراز بتنيس الذي عظمت مه الصلات لأهل الأرض والدول وللجوامع من إحسانكم نعم لمن تصدر في علم وفي عمل وربما عادت الدنيا فمعقلها منكم وأضحت بكم محلولة العقل والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم ولا نجا من عذاب الله غير ولي ولا سقى الماء من حر ومن ظمأ من كف خير البرايا خاتم الرسل ولا رأى جنة الله التي خلقت من خان عهد الإمام العاضد ابن علي باب النجاة هم دنيا وآخرة وحبهم فهو أصل الدين والعمل نور الهدى ومصابيح الدجى ومحل الغيث إن ربت الأنواء في المحل أئمة خلقوة نورًا فنورهم من محض خالص نور الله لم يغل والله ما زلت عن حبي لهم أبدًا ما أخر الله لي في مدة الأجل وبسبب هذه القصيدة قتل عمارة رحمه الله وتمحلت له الذنب انتهى ما ذكره رحمه الله تعالى‏.‏

ما كان من أمر القصرين والمناظر بعد زوال الدولة الفاطمية ولما مات العاضد لدين الله في يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة احتاط الطواشي قراقوش على أهل العاضد وأولاده فكانت عدة الأشراف في القصور‏:‏ مائة وثلاثين والأطفال خمسة وسبعين وجعلهم في مكان أفرد لهم خارج القصر وجمع عمومته وعشيرته في إيوان بالقصر واحترز عليهم وفرق بين الرجال والنساء لئلا يتناسلوا وليكون ذلك أسرع لانقراضهم‏.‏

وتسلم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب القصر بما فيه من الخزائن والدواوين وغيرها من الأموال والنفائس وكانت عظيمة الوصف واستعرض من فيه من الجواري والعبيد فأطلق من كان حرًا ووهب واستخدم باقيهم وأطلق البيع في كل جديد وعتيق فاستمر البيع فيما وجد بالقصر‏:‏ عشر سنين وأخلى القصور من سكانها وأغلق أبوابها ثم ملكها أمراءه وضرب الألواح على ما كان للخلفاء وأتباعهم من الدور والرباع وأقطع خواصه منها وباع بعضها‏.‏

ثم قسم القصور فأعطى القصر الكبير‏:‏ للأمراء فسكنوا فيه وأسكن أباه نجم الدين أيوب بن شادي في قصر اللؤلؤة على الخليج وأخذ أصحابه دور من كان ينسب إلى الدولة الفاطمية قال القاضي الفاضل‏:‏ وفي ثالث عشريه يعني ربيعًا الآخر سنة سبع وستين‏:‏ كشف حاصل الخزائن الخاصة بالقصر فقيل‏:‏ إن الموجود فيه مائة صندوق كسوة فاخرة من موشح ومرصع وعقود ثمينة وذخائر فخمة وجواهر نفيسة وغير ذلك من ذخائر جمة الخطر وكان الكاشف بهاء الدين قراقوش وبيان وأخليت أمكنة من القصر الغربي سكن بها الأمير موسك والأمير أبو الهيجاء السمني وغيره من الغزو ملئت المناظر المصونة عن الناظر والمنتزهات التي لم يخطر ابتذالها في الخاطر فسبحان مظهر العجائب ومحدثها ووارث الأرض ومورثها‏.‏

قال‏:‏ ومقدار ما يحدس أنه خرج من القصر ما بين دينار ودرهم ومصاغ وجوهر ونحاس وملبوس وأثاث وقماش وسلاح مالا يقي به ملك الأكاسرة ولا تتصوره الخواطر الحاضرة ولا يشتمل على مثله الممالك العامرة ولا يقدر على حسابه إلا من يقدر على حساب الخلق في الآخرة‏.‏

وقال الحافظ جمال الدين يوسف اليغموري‏:‏ وجدت بخط المهذب أبي طالب محمد ابن علي بن الخيمي حدثني الأمير عضد الدين مرهف بن مجد الدين سويد الدولة بن منقذ‏:‏ أن القصر أغلق على ثمانية عشر ألف نسمة عشرة آلاف شريف وشريفة وثمانية آلاف عبد وخادم وأمة ومولدة وتربية‏.‏

وقال ابن عبد الظاهر عن القصر لما أخذه صلاح الدين وأخرج من به كان فيه اثنا عشر ألف نسمة ليس فيهم فحل إلا الخليفة وأهله وأولاده ولما أخرجوا منه أسكنوا في دار المظفر وقبض أيضًا صلاح الدين على الأمير داود بن العاضد وكان ولي العهد وينعت بالحامد لله واعتقل معه جميع إخوته الأمير أبو الأمانة جبريل وأبو الفتح وابنه أبو القاسم وسلميان بن داود وعبد الظاهر حيدرة بن العاضد وعبد الوهاب بن إبراهيم ابن العاضد وإسماعيل بن العاضد وجعفر بن أبي الظاهر بن جبريل وعبد الظاهر بن أبي الفتوح بن جبريل بن الحافظ وجماعة من بني أعمامه فلم يزالوا في الاعتقال بدار الأفضل من حارة برجوان إلى أن انتقل الملك الكامل محمد بن العادل بن أبي بكر بن أيوب من دار الوزارة بالقاهرة إلى قلعة الجبل فنقل معه ولد العاضد وإخوته وأولاد عمه واعتقلهم بالقلعة وبهامات العاضد واستمر البقية حتى انقرضت الدولة الأيوبية وملك الأتراك إلى أن تسلطن الملك الظاهر‏:‏ ركن الدين بيبرس البندقداري‏.‏

فلما كان في سنة ستين وستمائة‏:‏ أشهد على من بقي منهم وهم كمال الدين إسماعيل بن العاضد وعماد الدين أبو القاسم بن الأمير أبي الفتوح بن العاضد وبدر الدين عبد الوهاب بن إبراهيم بن العاضد أن جميع المواضع التي قبلي المدارس الصالحية من القصر الكبير والموضع المعروف‏:‏ بالتربة ظاهرًا وباطنًا بخط الخوخ السبع وجميع الموضع المعروف بالقصر اليافعي بالخط المذكور وجميع الموضع المعروف بسكن أولاد شيخ الشيوخ وغيرهم من القصر الشارع بابه قبالة دار الحديث النبوي الكاملية وجميع الموضع المعروف بالقصر الغربي وجميع الموضع المعروف‏:‏ بدار الفطرة بخط المشهد الحسيني وجميع الموضع المعروف‏:‏ بدار الضيافة بحارة برجوان وجميع الموضع‏:‏ المعروف باللؤلؤة وجميع قصر الزمرذ وجميع البستان الكافوري‏:‏ ملك لبيت المال المولوي السلطاني الملكي الظاهري من وجه صحيح شرعي لا رجعة لهم فيه ولا لواحد منهم في ذلك ولا في شيء منه ولا مثوبة بسبب يد ولا ملك ولا وجه من الوجوه كلها خلا ما في ذلك من مسجد لله تبارك وتعالى أو مدفن لآبائهم وورخ ذلك الإشهاد بثالث عشر ربيع الأول سنة ستين وستمائة وأثبت على قاضي القضاة الصاحب تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز الشافعي رحمه الله تعالى‏.‏

وتقرر مع المذكورين أن مهما كان قبضوه من أثمان بعض الأماكن المذكورة التي عاقد عليها وكلاؤهم واتصلوا إليها يحاسبوا به من جملة ما يحرز ثمنه عند وكيل بيت المال وقبضت أيدي المذكورين عن التصرف في الأماكن المذكورة وغيرها ورسم ببيعها فباعها وكيل بيت المال كمال الدين ظافر أولًا فأولًا ونقضت شيئًا فشيئًا وبنى في أماكنها ما يأتي ذكره إن شاء الله واشترى قاعدة السدرة بجوار المدرسة والتربة الصالحية قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن مسرور المقدسي الحنبلي مدرس الحنابلة بالمدرسة الصالحية‏:‏ بألف وخمسة وسبعين دينارًا في رابع جمادى الآخرة سنة ستين وستمائة من كمال الدين ظافر بن الفقيه نصر وكيل بيت المال ثم باعها المذكور للملك الظاهر بيبرس في حمادي عشري جمادى الآخرة المذكورة وقاعة السدرة هذه قد صارت هي وقاعة الخيم أصل المدرسة الظاهرية الركنية البيبرسية البندقدارية‏.‏

قال القاضي الفاضل‏:‏ وفي يوم الاثنين سادس شهر رجب يعني من سنة أربع وثمانين وخمسمائة ظهر تسحب رجلين من المعتقلين في القصر أحدهما من أقارب المستنصر والآخر من أقارب الحافظ وأكبرهما سنًا كان معتقلًا بالإيوان حدث به مرض وأثخن فيه ففك حديده ونقل إلى القصر الغربي في أوائل سنة ثلاث وثمانين واستمر لما به ولم يستقل من المرض وطلب ففقد واسمه‏:‏ موسى بن عبد الرحمن أبي حمزة بن حيدرة بن أبي الحسن أخي الحافظ واسم الآخر‏:‏ موسى بن عبد الرحمن بن أبي محمد بن أبي اليسر بن محسن بن المستنصر وكان طفلًا في وقت الكائنة بأهله وأقام بالقصر الغربي مع من أسر به إلى أن كبر وشب‏.‏

قال‏:‏ وذكر أن القصر الغربي قد استولى عليه الخراب وعلا على جدرانه التشعث والهدم وإنه يجاور اصطبلات فيها جماعة من المفسدين وربما تسلق إليه للتطرق للنساء المعتقلات والمتسلق منه إذا قويت نفسه على التسحب لم تكن عقلته في القصر المذكور مانعة من التسحب‏.‏

قال‏:‏ وعدد من بقي من هذه الذرية بدار المظفر والقصر الغربي والإيوان‏:‏ مائتان واثنان وخمسون شخصًا ذكر ثمانية وتسعون وإناث مائة وأربعة وخمسون تفصيله المقيمون بدار المظفر‏:‏ أحد وثلاثون ذكور أحد عشر كلهم أولاد العاضد لصلبه أناث عشرون‏:‏ بنات العاضد خمسة إخوته أربع جهات العاضد أربع بنات الحافظ ثلاث جهات يوسف ابنه وجبريل ابن عمه أربع المعتقلون بالإيوان خمسة وخمسون رجلًا منهم الأمير أبو الظاهر بن جبريل بن الحافظ المقيمون بالقصر الغربي‏:‏ مائة وستة وستون شخصًا ذكور اثنان وثلاثون أكبرهم‏:‏ عمره عشرون سنة وأصغرهم عمره سبع عشرة سنة إناث‏:‏ مائة وأربع وثلاثون‏:‏ بنات أربع وستون أخوات وعمات وزوجات سبعون‏.‏

قال‏:‏ وفي جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة كانت عدة من في دار المظفر بحارة برجوان والقصر الغربي والإيوان من أولاد العاضد وأقاربه ومن معهم مضافًا إليهم ثلثمائة واثنتين وسبعين نفسًا‏.‏

دار المظفر أحرار ومماليك‏:‏ مائة وست وستون نفسًا القصر الغربي‏:‏ أحرار مائة وأربعون نفسًا الإيوان‏:‏ تسعة وسبعون رجلًا بالغون وأما منازل العز فاشتراها الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدين أيوب بن شادي في نصف شعبان سنة‏:‏ ست وستين وخمسمائة وجعلها مدرسة للفقهاء الشافعية واشترى الروضة وجعلها وقفًا على المدرسة المذكورة والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وسلم‏.‏

تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله‏:‏ ‏"‏ ذكر حارات القاهرة وظواهرها ‏"‏