فصل: السلطان الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 وقد خرج الألمان من قسطنطينية في زيادى ألف ألف يريد بلاد الإسلام فاشتّ الأمر ودخلت سنة ست وثمانين والسلطان بالخروبة على حصار الفرنج والإمداد تصل إليه وقد الألمان طرسوس يريد بيت المقدس فخرب السلطان سور طبرية ويافا وأرسوف وقيسارية وصيدا وجبيل وقوي الفرنج بقدوم ابن الألمان إليهم تقوية لهم وقد مات أبو بطرسوس وملك بعده فقدر الله تعالى موته أيضًا على عكا ودخلت سنة سبع وثمانين فملك الفرنج عكا في سابع عشر جمادى الآخرة وأسروا من بها من المسلمين وحاربوا السلطان وقتلوا جميع من أسروه من المسلمين وساروا إلى عسقلان فرحل السلطان في أثرهم وواقعهم بأرسوف فانهزم من معه وهو ثابت حتى عادوا إليه فقاتل الفرن وسبقهم إلى عسقلان وخربها ثم مضى إلى الرملة وخرب حصنها وخرب كنيسة له ودخل القدس فأقام بها إلى عاشر رجب سنة ثمان وثمانين ثم سار إلى يافا فأخذها بعد حروب وعاد إلى القدس وعقد الهدنة بينه وبين الفرنج مدة ثلاث سنين وثلاثة أشهر أولها حادي عشر شعبان على أن للفرنج من يافا إلى عكا إلى صور وطرابلس وإنطاكية ونودي بذلك فكان يومًا مشهودًا وعاد السلطان إلى دمشق فدخلها خامس عشري شوال وقد غاب عنها أربع سنين فمات بها في يوم الأربعاء سابع عشري صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة عن سبع وخمسين سنة منها مدة ملكه بعد موت العاضد اثنتان وعشرون سنة وستة عشر يومًا فقام من بعده بمصر ولده‏.‏

 

السلطان الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان

‏:‏ وقد كان يومئذ ينوب عنه بمصر وهو مقيم بدار الوزارة من القاهرة وعنده جل عساكر أبيه من الأسدية والسلاحية والأكراد فأتاه ممن كان عند أخيه الملك الأفضل علي الأمير فخر الدين جهاركس والأمير فارس الدين ميمون القصري والأمير شمس الدين سنقر الكبير وهم عظماء الدولة فأكرمهم‏.‏

وقدم عليه القاضي الفاضل فبالغ في كرامته وتنرك ما بينه وبين أخيه الأفضل فسار من مصر لمحاربته وحصره بدمشق فدخل بينهما العادل أبو بكر حتى عاد العزيز إلى مصر على صلح فيه دخل فلم يتم ذلك وتوحش ما بينهما وخرج العزيز ثانيًا إلى دمشق فدبر عليه عمه العادل حتى كاد أن يزول ملكه وعاد خائفًا فسار إليه الأفضل والعادل حتى نزلا بلبيس فرجت أمور آلت إلى الصلح وأقام العادل مع العزيز بمصر عاد الأفضل إلى ملكته بدمشق فقام العادل بتدبير أمور الدولة وخرج بالعزيز لمحاربة الأفضل فحصرا بدمشق حتى أخذاها منه بعد حروب وبعثاه إلى صرخد وعاد العزيز إلى مصر وأقام العادل بدمشق حتى مات العزيز في ليلة العشرين من محرم سنة خمسين وتسعين وخمسمائة عن سبع وعشرين سنة وأشهر منها مدة سلطنته بعد أبيه ست سنين تنقص شهرًا واحدًا فأقيم بعده ابنه‏.‏

السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد‏:‏ وعمره تسع سنين وأشهر بعهد من أبيه وقام بأمور الدولة بهاء الدين قراقوش الأسدي الأتابك فاختلف عليه أمراء الولة وكاتبوا الملك الأفضل علي بن صلاح الدين فقدم من صرخد في خامس ربيع الأول فاستولى على الأمور ولم يبق للمنصور معه سوى الإسم ثم سار به من القاهرة في ثالث رجب يريد أخذ دمشق من عمه العادل بعدما قبض على عدة من الأمراء وقد توجه العادل إلى ماردين فحصر الأفضل دمشق وقد بلغ العادل خبره فعاد وسار يريده حتى دخل دمشق فجرت حروب كثيرة آلت إلى عود الأفضل إلى مصر بمكيدة دبرها عليه العادل وخرج العادل في أثره وواقعه على بلبيس فكسره في سادس ربيع الآخر سنة ست وتسعين التجأ إلى القاهرة وطلب الصلح فعوضه العادل صرخد ودخل إلى القاهرة في يوم السبت ثامن عشره وأقام بأتابكية المنصور ثم خلعه في يوم الجمعة حادي عشر شوال وكانت سلطنته سنة وثمانية أشهر وعشرين يومًا واستبد بالسلطنة بعده عم أبيه‏.‏

السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب‏:‏ فخطب له بديار مصر وبلاد الشام وحران والرها وميافارقين وأخرج المنصور وإخوته من القاهرة إلى الرها واستناب ابنه الملك الكامل محمدًا عنه وعهد إليه بعده بالسلطنة وحلف له الأمراء فسكن قلعة الجبل واستمر أبوه في دار الوزارة وفي أيامه توقفت زيادة النيل ولم يبلغ سوى ثلاثة عشر ذراعًا تنقص ثلاث أصابع وشرقت أراضي مصر إلى الأقل وغلت اوسعار وتعذر وجود الأقوات حتى أكلت الجيف وحتى أكل الناس بعضهم بعضًا وتبع ذلك فناء كبير وامتدّ ذلك ثلاث سنين فبلغت عدة من كفنه العادل وحده من الأموات في مدة يسيرة نحو مائتي ألف وعشرين ألف إنسان فكان بلاء شنيعًا وعقب ذلك تحرك الفرنج على بلاد المسلمين في سنة تسع وتسعين فكانت معهم عدة حروب على بلاد الشام آلت إلى أن عقد العادل معهم الهدنة فعاودوا الحرب في سنة ستمائة وعزموا على أخذ القدس وكثر عيثهم وفسادهم وكانت لهم وللمسلمين شؤون آلف إلى نزولهم على مدينة دمياط في رابع ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة والعادل يومئذ بالشام فخرج الملك الكامل لمحاربتهم فمات العادل بمرج الصفر في يوم الخميس سابع جمادى الآخرة منها وحمل إلى دمشق فكانت مدة سلطنته بديار مصر تسع عشرة سنة وشهرًا واحدًا وتسعة عشر يومًا وقام من بعده ابنه‏.‏

السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد‏:‏ بعهد أبيه‏.‏

فاقام في السلطنة عشرين سنة وخمس وأربعين يومًا ومات بدمشق يوم الأربعاء حادي عشري رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة‏.‏

وأقيم بعده أبنه‏.‏

السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر‏:‏ فاشتغل باللهو عن التدبير خرجت عنه حلب واستوحش منه الأمراء لتقريبه الشباب وسار أخوه الملك الصالح نجم الدين أيوب من بلاد الشرق إلى دمشق وأخذها في أوّل جمادى الأولى سنة ست وثلاثين جرت له أمور آخرها أنها سار إلى مصر فقبض الأمراء على العادل وخلعوه يوم الجمعة ثامن ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة فكانت سلطنته سنتين وثلاثة أشهر وتسعة‏.‏

وقام بعده بالسلطنة أخوه‏.‏

السلطان الملك الصالح نجم الدين أبو الفتوح أيوب‏:‏ فاستولى على قلعة الجبل في يوم الأحد رابع عشر ذي القعدة وجلس على سرير الملك بها وكان قد خطب له قبل قدومه فضبط الأمور وقام بأعباء المملكة أتم قيام وجمع الأموال التي أتلفها أخوه وقبض على الأمراء ونظر في عمارة أرض مصر وحارب عربان الصعيد وقدم مماليكه وأقامهم أمراء وبنى قلعة الروضة وتحول من قلعة الجبل إليها وسكنها وملك مكة وبعث لغزو اليمن وعمر المدارس الصالحية بين القصرين من القاهرة وقرّر بها دروسًا أربعة للشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وفي أيامه نزل الفرنج على دمياط في ثالث عشري صفر سنة سبع وأربعين وعليهم الملك روادفرنس وملكوها وكان السلطان بدمشق فقدم عندما بلغه حركة الفرنج ونزل أشموم طناح وهو مريض فمات بناحية المنصورة مقابل الفرنج في يوم الأحد رابع عشر شعبان منها وكانت مدّة سلطنته بعد أخيه تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يومًا فقامت أم ولده خليل واسمها شجرة الدر بالأمر وكتمت موته واستدعت ابنه توران شاه من حصن كيفا وسلمت إليه مقاليد الأمور‏.‏

فقام من بعده ابنه‏.‏

السلطان الملك المعظم غياث الدين توران شاه‏:‏ وقد سار من حصن كيفا في نصر شهر رمضان فمر على دمشق وتسلطن بقلعتها في يوم الاثنين لليلتين بقيتا منه وركب إلى مصر فنزل الصالحية طرف الرمل لأربع عشرة بقيت من ذي القعدة فأعلن حينئذٍ بموت الصالح ولم يكن أحد قبل ذلك يتفوه بموت السلطان بل كانت الأمور على حالها والخدمة تعمل بالدهليز والسماط يمد وشجرة الدر تدبر أمور الدولة وتوهم الكافة أن السلطان مريض ما لأحد عليه سبيل ولا وصول ثم سار المعظم من الصالحية إلى المنصورة فقدمها يوم الخميس حادي عشريه فأساء تدبير نفسه وتهدد البحرية حتى خافوه وهم يومئذٍ جمرة العسكر فقتلوه بعد سبعين يوما في يوم الاثنين تاسع عشري المحرم سنة ثمان وربعين وستمائة وبموته انقضت دولة بني أيوب من ديار مصر بعدما ماتت إحدى وثمانين سنة وسبعة عشر يومًا وملك منهم ثمانية ملوك‏.‏

دولة المماليك البحرية وهم الملوك الأتراك وكان ابتداء أمر هذه الطائفة أن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب كان قد أقره أبو السلطان الملك الكامل محمد ببلاد الشرق وجعل ابنه العادل أبا بكر ولي عهده في السلطنة بمصر فلما مات قام من بعده العادل في السلطنة وتنكر ما بينه وبين ابن عمه الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن العادل أبي بكر بن أيوب وهو نائب دمشق فاستدعى الصالح نجم الدين من بلاد الشرق ورتب المعظم ثوران شاه على بلاد الشرق وأقره بحصن كيفا وقدم دمشق وملكها فكاتبه أمراء مصر تحثه على أخذها من أخيه العادل وخامر عليه بعضهم فسار من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين فانزعج العادل انزعاجًا كبيرًا وكتب إلى الناصر داود صاحب الكرك فسار إليه ليعاونه على أخيه الصالح فاتفق مسير الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب من حماه وأخذه دمشق للملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد في سابع عشري صفر سنة سبع وثلاثين والملك الصالح نجم الدين أيوب يومئذٍ على نابلس فانحر أمره وفارقه من معه حتى لم يبق معه إلا مماليكه وهم نحو الثمانين وطائفة من خواصه نحو العشرين وأما الجميع فإنهم مضوا إلى دمشق وكان الناصر داود قد فارق العادل وسار من القاهرة مغاضبًا له إلى الكرك ومضى إلى الصالح نجم الدين أيوب وقبضه بنابلس في ثاني عشر ربيع الأول منها وسجنه بالكرك فأقام مماليك الصالح بالكرك حتى خلص من سجنه في سابع عشري شهر رمضان منها فاجتمع عليه مماليكه وقد عظمت مكانتهم عنده وكان من أمره ما كان حتى ملك مصر فرعى لهم ثباتهم معه حين تفرّق عنه الأكراد وأكثر من شرائهم وجعلهم أمراء دولته وخاصته وبطانته والمحيطين بدهليزه إذا سافر واسكنهم معه في قلعة الروضة وسماهم البحرية وكانوا دون الألف مملوك قيل ثمانمائة وقيل سبعمائة وخمسون كلهم أتراك‏.‏

فلما مات الملك الصالح بالمنصورة أحس الفرنج بشيء من ذلك فركبوا من مدينة دمياط وساروا على فارسكور وواقعوا العسكر في يوم الثلاثاء أول شهر رمضان سنة سبع وأربعين ونزلوا بقرية شرمشاح ثم بالبرمون ونزلوا تجاه المنصورة فكانت الحروب بين الفريقين إلى إلى خمس ذي القعدة فلم يشعر المسلمون إلاّ والفرنج معهم في المعسكر فقتل الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ وانهزم الناس ووصل رودافرنس ملك الفرنج إلى باب قصر السلطان فبرزت البحرية وحملوا على الفرنج حملة منكرة حتى أزاحوهم وولوا فأخذتهم السيوف والدبابيس وقتل من أعيانهم ألف وخمسمائة فظهرت البحرية من يومئذٍ واشتهرت ثم لما قدم الملك المعظم توران شاه أخذه في تهديد شجرة الدر ومطالبتها بمال أبيه فكاتبت البحرية تذكرهم بما فعلته من ضبط المملكة حتى قدم المعظم وما هي فيه من الخوف منه فشق ذلك عليهم وكان قد وعد الفارس أقطاي المتوجه إليه من المنصورة لاستدعائه من حصن كيفا بإمرة فلم يف له فتنكر له وهو من أكابر البحرية وأعرض مع ذلك عن البحرية وأطرح جانب الأمراء وغيرهم حتى قتلوه وأجمعوا على أن يقيموا بعده في السلطنة سرية أستاذهم‏.‏

الملك عصمة الدين أم خليل شجرة الدر الصالحية‏:‏ فاقاموها في السلطنة وحلفوا لها في عاشر صفر ورتبوا الأمير عز الدين أيبك التركاني الصالحي أحد البحرية مقدم العسكر وسار عز الدين أيبك الرومي من العسكر إلى قلعة الجبل وأنها ذلك إلى شجرة الدر فقامت بتدبير المملكة وعلمت على التواقيع بما مثاله والدة خليل ونقش على السكة اسمها ومثاله المستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل خليفة أمير المؤمنين وكانت البحرية قد تسلمت مدينة دمياط ن الملك روادفرنس بعدما قرر على نفسه أربعمائة ألف دينار وعاد العساكر من المنصورة إلى القاهرة في تاسع صر وحلفوا لشجرة الدر في ثالث عشره فخلعت عليهم وأنفقت فيهم الأموال ولم يوافق أهل الشام على سلطنتها وطلبوا الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز صاحب حلب فسار إليهم بدمشق وملكها فانزعج العسكر بالقاهرة وتزوج الأمير عز الدين أيبك التركماني بالملكة شجرة الدر ونزلت له عن السلطنة وكانت مدتها ثمانين يومًا‏.‏

وملك بعدها‏.‏

السلان الملك المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني الصالحي‏:‏ أحد المماليك الأتراك البحرية وكان قد انتقل إلى الملك الصالح من أولاد ابن التركماني فعرف بالتركماني ورقاه في خدمه حتى صار من جملة الأمراء ورتبة جاشنكيره فلما مات الصالح وقدمته البحرية عليهم في سلطنة شجرة الدر كتب إليهم الخليفة المستعصم من بغداد بذمهم على إقامة امرأة ووافق مع ذلك أخذ الناصر لدمشق وحركتهم لمحاربته فوقع الاتفاق على إقامة أيبك في السلطنة فأركبوه بشعار السلطنة في يوم السبت آخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة ولقبوه بالملك المعز وجلس على تخت الملك بقلعة الجبل فورد الخبر من الغد بأخذ الملك المغيث عمر بن العادل الصغير الكرك والشوبك وأخذ الملك السعيد قلعة الصبيبة فاجتمع رأي الأمراء على إقامة الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر ويقال المسعود يوسف بن الملك المسعود يوسف ويقال طسز ويقال أيضًا اقسيس بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب شريكًا للمعز في السلطنة فأقاموه معه وعمره نحو ست سنين في خمس جمادى الأولى وصارت المراسيم تبرز عن الملكين إلا أن الأمر والنهي للمعز وليس للأشرف سوى مجرد الإسم وولى المعز الوزارة لشرف الدين أبي سعيد هبة الله بن صاعد الفائزي وهو أول قبطي ولي وزارة مصر وخرج المعز بالعساكر وعربان مصر لمحاربة الناصر يوسف في ثالث ذي القعدة وخيم بمنزلة الصالحية وترك الأشرف بقلعة الجبل واقتتل مع الناصر في عاشره فكانت النصرة له على الناصر وعاد في ثاني عشره فنزل بالناس من البحرية بلاءً لا يوصف ما بين قتل ونهب وسبي بحيث لو ملك الفرنج بلاد مصر ما زادوا في الفساد على ما فعله الحبرية وكان كبرؤهم ثلاثة الأمير فارس الدين اقطاي وركن الدين بيبرس البندقداري وبليان الرشيدي ثم في محرم سنة تسع وأربعين خرج المعز بالأشرف والعساكر فنزل بالصالحية وأقام بها نحو سنتين والرسل تتردد بينه وبين الناصر وأحدث الوزير الأسد هبة الله الفائزي مظالم لم تعهد بمصر قبله فورد الخبر في سنة خمسين بحركة التتر على بغداد فقطع المعز من الخطبة اسم الأشرف وانفرد بالسلطنة وقبض على الأشرف وسجنه وكان الأشرف موسى آخر ملوك بني أيوب بمصر ثم إن المعز جمع الأموال فأحدث الوزير مكوسًا كثيرة سماها الحقوق السلطانية وعاد المعز إلى قلعة الجبل في سنة إحدى وخمسين وأوقع بعرب الصعيد وقبض على الشريف حصن الدين ثعلب بن ثعلب وأذل سائر عرب الوجهين القبلي والبحري وأفناهم قتلًا وأسرًا وسبيًا وزاد في القطيعة على من بقي منهم حتى ذلوا وقلوا ثم قتل الفارس أقطاي ففر منه معظم البحرية بيبرس وقلاونى في عدد كثير منهم إلى الشام وغيرها ولم يزل إلى أن قتلته شجرة الدر في الحمام ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة فكانت مدّته سبع سنين تنقص ثلاث وثلاثين يومًا وكان ظلومًا غشومًا سفاكًا للدماء أفنى عوالم كثيرة بغير ذنب وقام من بعده ابنه‏.‏

السلطان الملك المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك‏:‏ في يوم الخمس خامس عشري ربيع الأول وعمره خمس عشرة سنة فدبر أمره نائب أبيه الأمير سيف الدين قطز ثم خلعه في يوم السبت رابع عشري ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة فكانت مدّته سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام وقام من بعده‏.‏

السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز‏:‏ في يوم السبت وأخرج المنصور بن المعز منفيًا هو وأمه إلى بلاد الأشكري وقبض على عدّة من الأمراء وسار فأوقع بجمع هولاكو علىعين جالوت وهزمهم في يوم الجمعة خامس عشري رمضان سنة ثمان وخمسين وقتل منهم وأسر كثيرًا بعدما ملكوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله عبد الله وأزالوا دولة بني العباس وخربوا بغداد وديار بكر وحلب ونازلوا دمشق فملكوها فكانت هذه الوقعة أول هزيمة عرفت للتتر منذ قاموا ودخل المظفر قطز إلى دمشق وعاد منها يريد مصر فقتله الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري قريبًا من المنزلة الصالحية في يوم السبت نصف ذي القعدة منها فكانت مدّته سنة تنقص ثلاثة عشر يومًا وقام من بعده‏.‏

السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداري الصالحي‏:‏ التركيّ الجنس أحد المماليك البحرية وجلس على تخت السلطنة بقلعة الجبل في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين فلم يزل حتى مات بدمشق في يوم الخمسي سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين وستمائة فكانت مدّته سبع عشرة سنة وشهرين واثني عشر يومًا وقام من بعده ابنه‏.‏السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة قان‏:‏ وهو يومئذٍ بقلعة الجبل ينوب عن أبيه وقد عهد إليه بالسلطنة وزوجه بابنة الأمير سيف الدين قلاون الألفي فجلس على التخت في يوم الخميس سادس عشري صفر سنة ست وسبعين إلى أن خلعه الأمراء في سابع ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وكانت مدّته سنتين وشهرين وثمانية أيام لم يحسن فيها تدبير ملكه وأوحش ما بينه وبين الأمراء‏.‏

فأقيم بعده أخوه‏.‏

السلطان الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر بيبرس‏:‏ وعمره سبع سنين وأشهر وقام بتدبيره الأمير قلاون أتابك العساكر ثم خلعه بعد مائة يوم وبعث به إلى الكرم فسُجن مع أخيه بركة بها‏.‏

وقام من بعده‏.‏

السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون الألفي العلائي الصالحي‏:‏ أحد المماليك الأتراك البحرية كان قبجاقي الجنس من قبيلة مرج أغلى فجلب صغيرًا واشتراه الأمير علاء الدين آق سنقر الساقي العادليّ بألف دينار وصار بعد موته إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب في سنة سبعوأربعين وستمائة فجعله من جملة البحرية فتنقلت به الأحوال حتى صار أتابك العساكر في أيام العادل سلامش وذُكر اسمه مع العادل على المنابر ثم جلس على التخت بقلعة الجبل في يوم الأحد العشرين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين وتلقب بالملك المنوصر وأبطل عدّة مكوس فثار عليه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر بدمشق وتسلطن ولقب نفسه بالملك الكامل في يوم الجمعة رابع عشري ذي الحجة فبعث إليه وهزمه واستاد دمشق ثم قمت التتر إلى بلاد حلب وعاثوا بها فتوجه إليهم السلطان بعساكره وأوقع بهم على حمص في يوم الخميس رابع عشري رجب سنة ثمانين وستمائة وهزمهم بعد مقتلة عظيمة وعاد إلى قلعة الجبل وتوجه في سنة أربع وثمانين حتى نازل حصن المرقب ثمانية وثلاثين يومًا وأخذه عنوة من الفرنج وعاد إلى القلعة ثم بعث العسكر فغزا بلاد النوبة في سنة سبع وثمانين وعاد بغنائم كثيرة ثم سار في سنة ثمان وثمانين لعز الفرنج بطرابلس فنازلها أربعة وثلاثين يومًا حتى فتحها عنوة في رابع ربيع الآخر وهدمها جميعها وأنشأ قريبًا منها مدينة طرابلس الموجودة الآن وعاد إلى قلعة الجبل وبعث لغزو النوبة ثانيًا عسكرًا فقتلوا وأسروا وعادوا ثم خرج لغزو الفرنج بعكا وهو مريض فمات خارج القاهرة ليلة السبت سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة فكانت مدته إحدى عشرة سنة وشهرين وأربعة وعشرين يومًا‏.‏

وقام من بعده ابنه‏.‏

السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل‏:‏ في يوم الأحد سابع ذي القعدة المذكور وسار لفتح عكا في ثالث ربيع الأول سنة تسعين وستمائة ونصب عليها اثنين وتسعين منجنيقًا وقاتل من بعها من الفرنج أربعة وأربعين يومًا حتى فتحها عنوة في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولء وهدمها كلها بما فيها وحرّقها وأخذ صور وحيفا وعتليت وانطرسوس وصيدا وهدمها وأدلى الفرنج من الساحل فلم يبق منهم أحد ولله الحمد وتوجه إلى دمشق وعاد إلى مصر فدخل قلعة الجبل يوم الإثنين تاسع شعبان ثم خرج في ثامن ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وستمائة بعدما نادى بالنفير للجهاد فدخل دمشق وعرض العساكر ومضى منها فمرّ على حلب ونازل قلعة الروم ونصب عليها عشرين منجنيقًا حتى فتحها بعد ثلاثة وثلاثين يومًا عنوة وقتل من بها من النصارى الأرمن وسبى نساءهم وأولادهم وسماها قلعة المسلمين فُعرفت بذلك وعاد إلى مصر فدخل قلعة الجبل في يوم الأربعاء ثاني ذي القعدة وسار في رابع المحرم سنة اثنتين وتسعين حتى بلغ مدينة قوص من صعيد مصر ونادى فيها بالتجهز لغزة اليمن وعاد ثم سار مخفًا على الهجن في البرية إلى الكرك ومضى إلى دمشق فقدمها في تاسع جمادى الآخرة وقصد غزو بهنسا وأخذها من الأرمن فقدموا إليه وسلموها من تلقاء أنفسهم وسملوا أيضًا مرعش وتل حمدون ومضى من دمشق في ثاني رجب وعبر من حمص إلى سلمية وهجم على الأمير مهنا بن عيسى وقبضه وإخوته وملهم في الحديد إلى قلعة الجبل وعاد إلى دمشق ثم رجع إلى مصر فقدم قلعة الجبل في ثامن عشري رجب ثم توجه للصيد فبلغ الطرّانة وانفرد في نفر يسير ليصطاد فاقتحم عليه الأمير بيدار في عدّة معه وقتلوه في يوم السبت ثاني عشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة فكانت مدته ثلاث سنين وشهرين وأربعة أيام ثم حمل ودفن بمدرسة الأشرفية واقيم من بعده أخوه‏.‏

السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون‏:‏ وعمره سبع سنين وقام الأمير زين الدين كتبغا بتدبيره ثم خلعه بعد سنة نقص ثلاثة أيام وقام من بعده‏.‏

السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوريّ‏:‏ أحد مماليك الملك المنصور قلاون وجلس على التخت بقلعة الجبل في يوم الأربعاء حادي عشر المحرّم سنة أربع وتسعين وتلقب بالملك العادل فكانت أيامه شرّ أيام لما فيها من قصور مدّ النيل وغلاء الأسعار وكثرة الوباء في الناس وقدوم الأويراتية‏.‏

فقام عليه نائبه الأمير حسام الدين لاجين وهو عائد من دمشق بمنزلة العرجاء في يوم الاثنين ثامن عشري المحرم سنة ست وتسعين ففرّ إلى دمشق واستولى لاجين على الأمراء فكانت مدّته سنتين وسبعة عشر يومًا وقد لاجين بالعسكر إلى مصر وقام في السلطنة‏.‏

السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوريّ‏:‏ أحد مماليك المنصور قلاون وجلس على التخت بقلعة الجبل وتلقب بالملك المنصور في يوم الاثنين ثامن عشري المحرم المذكور واستناب مملوكه منكوتمر فنفرت القلوب عنه حتى قتل في ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة فكانت مدّته سنتين وشهرين وثلاثة عشر يومًا ودبر الأمراء بعده أمور الدولة حتى قدم من الكرك‏.‏

السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون‏:‏ وأعيد إلى السلطنة مرّة ثانية في يوم الإثنين سادس جمادى الأولى وقام بتدبير الأمور الأميران سلار نائب السلطنة وبيبرس الجاشنكير أستادار حتى صار كأنه يريد الحج فمضى إلى الكرك وانخلع من السلطنة فكانت مدّته تسع سنين وستة أشهر وثلاثة عشر يومًا فقام من بعده‏.‏

السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير‏:‏ أحد مماليك المنصور قلاون في يوم السبت ثالث عشري ذي الحجة سنة ثمان وسبعمائة حى فرّ من قلعة الجبل في يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان سنة تسع وسبعمائة فكانت مدّته عشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا‏.‏

ثم قدم من الشام في العساكر‏.‏

السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون‏:‏ وأعيد إلى السلطنة مرّة ثالثة في يوم الخميس ثاني شوّال منها فاستبدّ بالأمر حتى مات في ليلة الخميس حادي عشري ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وكانت مدّته الثالثة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة وعشرين يومًا ودفن بالقبة المنصورية على أبيه وأقيم بعده ابنه‏.‏

السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو بكر‏:‏ بعهد أبيه في يوم الخميس حادي عشري ذي الحجة وقام الأمير قوصون بتدبير الدولة ثم خلعه بعد تسعة وخمسين يومًا في يوم الأحد لعشرين من صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وأقام بعده أخاه‏.‏

السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاون‏:‏ ولم يكمل له من العمر ثمان سنين فتنكرت قلوب الأمراء على قوصون وحاربوه وقبضوا عليه كما ذكر في ترجمته وخلعوا الأشرف في يوم الخميس أوّل شعبان فكانت مدّته خمسة أشهر وعشرة أيام وقام الأمير أيدغمش بأمر الدولة وبعث يستدعي من بلاد الكرم‏.‏

السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن قلاون‏:‏ وكان مقيمًا بقلعة الكرك من أيام أبيه فقدم على البريد في عشرة من أهل الكرك ليلة الخميس ثامن عشري شهر رمضان وعبر الدور من قلعة الجبل بمن قدم معه واحتجب عن الأمراء ولم يخرج لصلاة العيد ولا حضر السماط على العادة إلى أن لبس شعار السلطنة وجلس على التخت في يوم الاثين عاشر شوّال وقلوب الأمراء نافرة منه لإغراضه عنهم فساءت سيرته ثم خرج إلى الكرك في يوم الأربعاء ثاني ذي القعدة واستخلف الأمير آق سنقر السلاري نائب الغيبة‏.‏

فلما وصل قبة النصر نزل عن فرسه ولبس ثياب العرب ومضى مع خواصه أهل الكرك على البريد وترك الأطلاب فسارت على البر حتى وافته بالكرك فرد العسكر إلى بلد الخليل وأقام بقلعة الكرك وتصرف أقبح تصرف فخلعه الأمراء في يوم الأربعاء حادي عشري المخرّم سنة ثلاث وأربعين فكانت مدّته ثلاثة أشهر وثلاثة عشر يومًا‏.‏

وأقاموا بعده أخاه‏.‏