فصل: الإيوان الكبير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 الإيوان الكبير

قال القاضي الرئيس محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر الروحي الكاتب في كتاب الروضة البهية الزهراء في خطط المعزية القاهرة الإيوان الكبير بناه العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز لدين الله معد في سنة تسع وستين وثلثمائة انتهى‏.‏

وكان الخلفاء أولًا يجلسون به في يومي الاثنين والخميس إلى أن نقل الخليفة الآمر بأحكام الله الجلوس منه في اليومين المذكورين إلى قاعة الذهب كما تقدم وبصدر هذا الإيوان كان الشباك الذي يجلس فيه الخليفة وكان يعلو هذا الشباك قبة وفي هذا الإيوان كان يمد سماط الفطرة بكرة يوم عيد الفطر كما تقدم به وبه أيضًا كان يعمل الاجتماع والخطبة في يوم عيد الغدير وكان بجانب هذا الإيوان الدواوين وكان بهذا الإيوان ضلعًا سمكة إذا أقيما واريا الفارس بفرسه ولم يزالا حتى بعثهما السلطان صلاح الدين يوسف إلى بغداد في هدية‏.‏

عيد الغدير‏:‏ إعلم أن عيد الغدير لم يكن عيدًا مشروعًا ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم وأول ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدًا وأصلهم فيه ما خرجه الإمام أحمد في مسنده الكبير من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر لنا فنزلنا بغدير خم ونودي الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال‏:‏ ‏"‏ ألستم أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ ألستم أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا‏:‏ بلى فقال‏:‏ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال‏:‏ هنيئًا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة‏.‏

وغدير خم‏:‏ على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق وتصب فيه عين وحوله شجر كثير ومن سنتهم في هذا العيد هو أبدًا يوم الثامن عشر من ذي الحجة أن يحيوا ليلته بالصلاة ويصلوا في صبيحته ركعتين قبل الزوال يلبسوا فيه الجديد ويعتقوا الرقاب ويكثروا من عمل البر ومن الذبائح ولما عمل الشيعة هذا العيد بالعراق أرادت عوام السنية مضاهاة فعلهم ونكايتهم فاتخذوا في سنة تسع وثمانين وثلثمائة بعد عيد الغدير بثمانية أيام عيدًا وأكثروا فيه من السرور واللهو وقالوا‏:‏ هذا يوم دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وبالغوا في هذا اليوم في إظهار الزينة ونصب القباب وإيقاد النيران ولهم في ذلك أعمال مذكورة في أخبار بغداد‏.‏

وقال ابن زولاق‏:‏ وفي يوم ثمانية عشر من ذلك الحجة سنة اثنتين وستين وثلثمائة وهو يوم الغدير‏:‏ تجمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء لأنه يوم عيد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه فأعجب المعز ذلك من فعلهم وكان هذا أول ما عمل بمصر‏.‏

قال المسبحي وفي يوم الغدير وهو ثامن عشر ذي الحجة اجتمع الناس بجامع القاهرة والقراء والفقهاء والمنشدون فكان جمعًا عظيمًا أقاموا إلى الظهر ثم خرجوا إلى القصر فخرجت إليهم الجائزة وذكر أن الحاكم بأمر الله كان قد منع من عمل عيد الغدير قال ابن الطوير‏:‏ إذا كان العشر الأوسط من ذي الحجة اهتم الأمراء والأجناد بركوب عيد الغدير وهو في الثامن عشر منه وفيه خطبة وركوب الخليفة بغير مظلمة ولا سمة ولا خروج عن القاهرة ولا يخرج لأحد شيء فإذا كان اليوم ركب الوزير بالاستدعاء الجاري به العادة فيدخل القصر وفي دخوله بروز الخليفة لركوبه من الكرسي على عادته فيخدم ويخرج ويركب من مكانه من الدهليز ويخرج فيقف قبالة باب القصر ويكون ظهره إلى دار فخر الدين جهاركس اليوم ثم يخرج الخليفة راكبًا أيضًا فيقف في الباب ويقال له‏:‏ القوس وحواليه الأستاذون المحنكون رجالة ومن الأمراء المطوقين من يأمره الوزير بإشارة خدمة الخليفة على خدمته ثم يجوز زي كل من له زي على مقدار همته فأول ما يجوز زي الخليفة وهو الظاهر في ركوبه فتجد الجنائب الخاص التي قدمنا ذكرها أولًا ثم زي الأمراء المطوقين لأنهم غلمانه واحدًا فواحد بعددهم وأسلحتهم وجنائبهم إلى آخر أرباب القصب والعماريات ثم طوائف العسكر أزمتها أمامها وأولادهم مكانهم لأنهم في خدمة الخليفة وقوف بالباب طائفة طائفة فيكونون أكثر عددًا من خمسة آلاف فارس ثم المترجلة الرماة بالقسي بالأيدي والأرجل وتكون عدتهم قريبًا من ألف ثم الراجل من الطوائف الذين قدمنا ذكرهم في الركوب فتكون عدتهم قريبًا من سبعة آلاف كل منهم بزمام وبنود ورايات وغيرها بترتيب مليح مستحسن ثم يأتي زي الوزير مع ولده أو أحد أقاربه وفيه جماعته وحاشيته في جمع عظيم وهيئة هائلة ثم زي صاحب الباب وهم أصحابه وأجناده ونواب الباب وسائر الحجاب ثم يأتي زي اسفهسلار العساكر بأصحابه وأجناده في عدة وافرة ثم يأتي زي والي القاهرة وزي والي مصر فإذا فرغا خرج الخليفة من باب الزهومة بالقصر انعطف على يساره داخلًا من الدرب هناك جائزًا على الخوخ فإذا واصل إلى باب الديلم الذي داخله المشهد الحسيني فيجد في دهليز ذلك الباب‏:‏ قاضي القضاة والشهود فإذا وازاهم خرجوا للخدمة والسلام عليه فيسلم القاضي كما ذكرنا من تقبيل رجله الواحدة التي تليه والشهود أمام رأس الدابة بمقدار قصبة ثم يعودون ويدخلون من ذلك الدهليز إلى الإيوان الكبير وقد علق عليه الستور القرقوبية جميعه على سعته وغير القرقوبية سترًا فسترًا ثم يعلق بدائرة على سعته ثلاث صفوف‏:‏ الأوسط طوارق فارسيات مدهونة والأعلى والأسفل درق وقد نصب فيه كرسي الدعوة وفيه تسع درجات لخطابة الخطيب في هذا العيد فيجلس القاضي والشهود تحته والعالم من الأمراء والأجناد والمتشيعين ومن يرى هذا الرأي من الأكابر والأصاغر فيدخل الخليفة من باب العيد إلى الإيوان إلى باب الملك فيجلس بالشباك وهو ينظر القوم ويخدمه الوزير عندما ينزل ويأتي هو ومن معه فيجلس بمفرده على يسار منبر الخطيب ويكون قد سير لخطيبه بدلة حرير يخطب فيها وثلاثون دينارًا ويدفع له كراس محرر من ديوان الإنشاء يتضمن نص الخلافة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه بزعمهم فإذا فرغ ونزل صلى قاضي القضاة بالناس ركعتين فإذا قضيت الصلاة قام الوزير إلى الشباك فيخدم الخليفة وينفض الناس بعد التهاني من الإسماعيلية بعضهم بعضًا وهو عندهم أعظم من عيد النحر وينحر فيه أكثرهم‏.‏

قال‏:‏ وكان الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد‏:‏ لما سلم من يد أبي علي بن الأفضل الملقب كتيفات لما وزر له وخرج عليه عمل عيدًا في ذلك اليوم وهو السادس عشر من المحرم من غير ركوب ولا حركة بل إن الإيوان باق على فرشه وتعليقه من يوم الغدير فيفرش المجلس المحول اليوم في الإيوان الذي بابه خورنق‏.‏

وكان يقابل الإيوان الكبير الذي هو اليوم‏:‏ خزائن السلاح بأحسن فرش وينصب له مرتبة هائلة قريبًا من باذهنجه فيجتمع أرباب الدولة سيفًا وقلمًا ويحضرون إلى الإيوان إلى باب الملك المجاور للشباك فيخرج الخليفة راكبًا إلى المجلس فيترجل على بابه وبين يديه الخواص فيجلس على المرتبة ويقفون بين يديه صفين إلى باب المجلس ثم يجعل قدامه كرسي الدعوة وعليه غشاء قرقوبي وحواليه الأمراء الأعيان وأرباب الرتب فيصعد قاضي القاضة ويخرج من كمه كراسة مسطحة تتضمن فصولًا كالفرج بعد الشدة بنظم مليح يذكر فيه كل من أصابه من الأنبياء والصالحين والملوك شدة وفرج الله عنه واحدًا فواحدًا حتى يصل إلى الحافظ وتكون هذه الكراسة محمولة من ديوان الإنشاء فإذا تكاملت قراءتها نزل عن المنبر ودخل إلى الخليفة ولا يكون عنده من الثياب أجل مما لبسه ويكون قد حمل إلى القاضي قبل خطابته بدلة مميزة يلبسها للخطابة ويوصل إليه بعد الخطابة خمسون دينارًا‏.‏

وقال الأمير جمال الدين أبو علي موسى بن المأمون أبي عبد الله محمد بن فاتك بن مختار الطائحي في تاريخه واستهل عيد الغدير يعني من سنة ست عشرة وخمسمائة وهاجر إلى باب الأجل يعني الوزير المأمون البطائحي الضعفاء والمساكين من البلاد ومن انضم إليهم من العوالي والأدوان على عادتهم في طلب الحلا وتزويج الأيامى وصار موسمًا يرصده كل أحد ويرتقبه كل غني وفقير فجرى في معروفه على رسمه وبالغ الشعراء في مدحه بذلك ووصلت كسوة العيد المذكور فحمل ما يختص بالخليفة والوزير وأمر بتفرقة ما يختص بأزمة العساكر فارسها وراجلها من عين وكسوة ومبلغ ما يختص بهم من العين سبعمائة وتسعون دينارًا ومن الكسوات مائة وأربع وأربعون قطعة والهيئة المختصة بهذا العيد برسم كبراء الدولة وشيوخها وأمرائها وضيوفها والأستاذين المحنكين والمميزين منهم خارجًا عن أولاد الوزير وإخوته ويفرق من مال الوزير بعد الخلع عليه ألفان وخمسمائة دينار وثمانون دينارًا وأمر بتعليق جميع أبواب القصور وتفرقة المؤذنين بالجوامع والمساجد عليها وتقدم بأن تكون الأسمطة بقاعة الذهب على حكم سماط أول يوم من عيد النحر وفي باكر هذا اليوم توجه الخليفة إلى الميدان وذبح ما جرت به العادة وذبح الجزارون بعده مثل عدد الكباش المذبوحة في عيد النحر وأمر بتفرقة ذلك للخصوص دون العموم وجلس الخليفة في المنظرة وخدمت الرهجية‏.‏

وتقدم الوزير والأمراء وسلموا فلما حان وقت الصلاة والمؤذنون على أبواب القصر يكبرون تكبير العيد إلى أن دخل الوزير فوجد الخطيب على المنبر قد فرغ فتقدم القاضي أبو الحجاج يوسف بن أيوسف فصلى به وبالجماعة صلاة العيد وطلع الشريف بن أنس الدولة وخطب خطبة العيد ثم توجه الوزير إلى باب الملك فوجد الخليفة قد جلس قاصدًا للقائه قد ضربت المقدمة فأمره بالمضي إليها وخلع عليه خلعة مكملة من بدلات النحر وثوبها أحمر بالشدة الدائمية وقلده سيفًا مرصعًا بالياقوت والجواهر وعندما نهض ليقبل الأرض وجده قد أعد له العقد الجوهر وربطه في عنقه بيده وبالغ في إكرامه وخرج من باب الملك فتلقاه المقربون وسارع الناس إلى خدمته وخرج من باب العيد وأولاده وإخوته والأمراء المميزون بحجبه وخدمت الرهجية وضربت العربية والموكب جميعه بزيه وقد اصطفت العساكرن وتقدم إلى ولده بالجلوس على أسمطته وتفرقتها برسومها وتوجه إلى القصر واستفتح المقرئون فسلم الحاضرون وجرى الرسم في السماط الأول والثاني وتفرقة الرسوم والموائد على حكم أول يوم من عيد النحر وتوجه الخليفة بعد ذلك إلى السماط الثالث الخاص بالدار الجليلة لأقاربه وجلسائه‏.‏

ولما اقنضى حكم التعييد جلس الوزير في مجلسه واستفتح المقرئون وحضر الكبراء وبياض البلدين لتهنئ بالعيد والخلع وخرج الرسم وتقدم الشعراء فأنشدوا وشرحوا الحال وحضر متولي خزائن الكسوة الخاص بالثياب التي كانت على المأمون قبل الخلع وقبضوا الرسم الجاري به العادة وهو مائة دينار وحضر متولي بيت المال وصحبته صندوق فيه خمسة آلاف دينار برسم فكاك العقد الجوهر والسيف المرصع فأمر الوزير المأمون الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامه‏:‏ كاتب الدست الشريف بكتب مطالعة إلى الخليفة بما حمل إليه من المال برسم منديل الكم وهو ألف دينار ورسم الأخوة والأقارب ألف دينار وتسلم متولي الدولة بقية المال ليفرق على الأمراء المطوقين والمميزين والضيوف والمستخدمين‏.‏

المحول‏:‏ قال ابن عبد الظاهر‏:‏ المحول هو مجلس الداعي ويدخل إليه من باب الريح وبابه من باب البحر ويعرف بقصر البحر وكان في أوقات الاجتماع يصلي الداعي بالناس في رواقه‏.‏

وقال المسبحي‏:‏ وفي ربيع الأول يعني من سنة خمس وثمانين وثلثمائة جلس القاضي محمد بن النعمان على كرسي بالقصر لقراءة علوم آل البيت على الرسم المعتاد المتقدم له ولأخيه بمصر ولأبيه بالمغرب فمات في الزحمة أحد عشر رجلًا فكفنهم العزيز بالله وقال ابن الطوير‏:‏ وأما داعي الدعاة فإنه يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيا بزيه في اللباس وغيره ووصفه أنه يكون عالمًا بجميع مذاهب أهل البيت يقرأ عليه ويأخذ العهد على من ينتقل من مذهبه إلى مذهبهم وبين يديه من نقباء المعلمين اثنا عشر نقيبًا وله نواب كنواب الحكم في سائر البلاد ويحضر إليه فقهاء الدولة ولهم مكان يقال له‏:‏ دار العلم ولجماعة منهم على التصدير بها أرزاق واسعة وكان الفقهاء منهم يتفقون على دفتر يقال له‏:‏ مجلس الحكمة في كل يوم اثنين وخميس ويحضر مبيضًا إلى داعي الدعاة فيفنذه إليهم ويأخذه منهم ويدخل به إلى الخليفة في هذين اليومين المذكورين فيتلوه عليه إن أمكن ويأخذ علامته بظاهره ويجلس بالقصر لتلاوته على المؤمنين في مكانين للرجال على كرسي الدعوة بالإيوان الكبير وللنساء بمجلس الداعي وكان من أعظم المباني وأوسعها‏.‏

فإذا فرغ من تلاوته على المؤمنين والمؤمنات حضروا إليه لتقبيل يديه فيمسح على رؤوسهم بمكان العلامة أعني خط الخليفة وله أخذ النجوى من المؤمنين بالقاهرة ومصر وأعمالهما لا سيما الصعيد ومبغلها ثلاثة دراهم وثلث فيجتمع من ذلك شيء كثير يحمله إلى الخليفة بيده بينه وبينه وأمانته في ذلك مع الله تعالى فيفرض له الخليفة منه ما يعينه لنفسه وللنقباء وفي الإسماعيلية الممولين من يحمل ثلاثة وثلاثين دينارًا وثلثي دينار على حكم النجوى وصحبة ذلك رقعة مكتوبة باسمه فيتميز في المحول فيخرج له عليها خط الخليفة بارك الله فيك وفي مالك وولدك ودينك فيدخر ذلك ويتفاخر به وكانت هذهالخدمة متعلقة بقوم يقال لهم‏:‏ بنو عبد القوي أبًا عن جد آخرهم الجليس وكان الأفضل بن أمير الجيوش نفاهم إلى المغرب فولد الجليس بالمغرب وربي به وكان يميل إلى مذهب أهل السنة وولي القضاء مع الدعوة وأدركه أسد الدين شيركوه وأكرمه وجعله واسطة عند الخليفة العاضد وكان قد حجر على العاضد ولولاه لم يبق في الخزائن شيء لكرمه وكأنه علم أنه آخر الخلفاء‏.‏

قال المسبحي‏:‏ وكان الداعي يواصل الجلوس بالقصر لقراءة ما يقرأ على الأولياء والدعاوي المتصلة فكان يفرد للأولياء مجلسًا وللخاصة وشيوخ الدولة ومن يختص بالقصور من الخدم وغيرهم مجلسًا ولعوام الناس وللطارئين على البلد مجلسًا وللنساء في جامع القاهرة المعروف بالجامع الأزهر مجلسًا وللحرم وخواص نساء القصر مجلسًا وكان يعمل المجالس في داره ثم ينفذها إلى من يختص بخدمة الدولة ويتخذ لهذه المجالس كتبًا يبيضونها بعد عرضها على الخليفة وكان يقبض في كل مجلس من هذه المجالس ما يتحصل من النجوى من كل من يدفع شيئًا من ذلك عينًا وورقًا من الرجال والنساء ويكتب أسماء من يدفع شيئًا على ما يدفعه وكذلك في عيد الفطر يكتب ما يدفع عن الفطرة ويحصل من ذلك مال جليل يدفع إلى بيت المال شيئًا بعد شيء وكانت تسمى مجالس الدعوة‏:‏ مجالس الحكمة وفي سنة أربعمائة كتب سجل عن الحاكم بأمر الله فيه رفع الخمس والزكاة والفطرة والنجوى التي كانت تحمل ويتقرب بها وتجري على أيدي القضاة وكتب سجل آخر بقطع مجالس الحكمة التي تقرأ على الأولياء يوم الخميس والجمعة انتهى‏.‏

ووظيفة داعي الدعاة كانت مفردات الدولة الفاطمية وقد لخصت وصف الدعوة وترتيبها‏:‏ وكانت الدعوة مرتبة على منازل‏:‏ دعوة بعد دعوة‏.‏

الدعوة الأولى‏:‏ سؤال الداعي لمن يدعوه إلى مذهبه عن المشكلات وتأويل الآيات ومعاني الأمور الشرعية وشيء من الطبيعيات ومن الأمور الغامضة فإن كان المدعو عارفًا سلم له الداعي وإلا تركه يعمل فكره فيما ألقاه عليه من الأسئلة وقال له‏:‏ يا هذا إن الدين لمكتوم وإن الأكثر له منكرون وبه جاهلون ولو علمت هذه الأمة ما خص الله به الأئمة من العلم لم تختلف فيتشوق حينئذ المدعو إلى معرفة ما عند الداعي من العلم فإذا علم منه الإقبال أخذ في ذكر معاني القراءات وشرائع الدين وتقرير أن الآفة التي نزلت بالأمة وشتت الكلمة وأورثت الأهواء المضلة ذهاب الناس عن أئمة نصبوا لهم وأقيموا حافظين لشرائعهم يؤدونها على حقيقتها ويحفظون معانيها ويعرفون بواطنها غير أن الناس لما عدلوا عن الأئمة ونظروا في الأمور بعقولهم واتبعوا ما حسن في رأيهم وقلدوا أسفلتهم وأطاعوا سادتهم وكبراءهم اتباعًا للملوك وطلبًا للدنيا التي هي أيدي متبعي لإثم وأجناد الظلمة وأعوان الفسقة الذين يحبون العاجلة ويجتهدون في طلب الرئاسة على الضعفاء ومكايدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته وتغيير كتاب الله عز وجل وتبديل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة دعوته وإفساد شريعته وسلوك غير طريقته ومعاندة الخلفاء الأئمة من بعده بختر من قبل ذلك وصار الناس إلى أنواع الضلالات فإن دين محمد صلى الله عليه وسلم ما جاء بالتحلي ولا بأماني الرجال ولا شهوات الناس ولا بما خف على الألسنة وعرفته دهماء العامة ولكنه صعب مستصعب وأمر مستقبل وعلم خفي غامض ستره الله في حجبه وعظم شأنه عن ابتذال أسراره فهو سر الله المكتوم وأمره المستور الذي لا يطيق حمله ولا ينهض بأعبائه وثقله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للتقوى فإذا ارتبط المدعو على الداعي وأنس له نقله إلى غير ذلك‏.‏

فمن مسائلهم ما معنى‏:‏ رمي الجمار والعدو بين الصفا والمروة ولم كانت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة وما بال الجنب يغتسل من ماء دافق يسير ولا يغتسل من البول النجس الكثير القذر وما بال الله خلق الدنيا في ستة أيام أعجز عن خلقها في ساعة واحدة وما معنى الصراط المضروب في القرآن مثلاص والكاتبين الحافظين وما لنا لا نراهما أخاف أن نكابره ونجاحده حتى أدلى العيون وأقام علينا الشهود وقيد ذلك في القرطاس بالكتابة وما تبديل الأرض غير الأرض وما عذاب جهنم وكيف يصح تبديل جلد مذنب بجلد لم يذنب حتى يعذب وما معنى‏:‏ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وما إبليس وما الشياطين وما وصفوا به وأين مستقرهم وما مقدار قدرهمظ وما يأجوج ومأجوج وهاروت وماروت وأين مستقرهم وما سبعة أبواب النار وما ثمانية أبواب الجنة وما شجرة الزقوم النابتة في الجحيم وما دابة الأرض ورؤوس الشياطين والشجرة المعلونة في القرآن والتين والزيتون وما الخنس الكنس وما معنى ألم والمص وما معنى كهيعص وحمعسق ولم جعلت السموات سبعًا والأرضون سبعًا والمثاني من القرآن سبع آيات ولم فجرت العيون اثنتي عشرة عيناص ولم جعلت الشهور اثني عشر شهرًا وما يعمل معكم عمل الكتاب والسنة ومعاني الفرائض اللازمة فكروا أولًا في أنفسكم أين أرواحكم وكيف صورها وأين مستقرها وما أول أمرها والإنسان ما هو وما حقيقته وما الفرق بين حياته وحياة البهائم وفضل ما بين حياة البهائم وحياة الحشرات وما الذي بانت به حياة الحشرات من حياة النبات ومامعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ خلقت حواء من ضلع آدم ‏"‏ وما معنى قول الفلاسفة‏:‏ الإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير ولم كانت قامة الإنسان متنصبة دون غيره من الحيوانات ولم كان في يديه من الأصابع عشر وفي رجليه عشر أصابع وفي كل إصبع من أصابع يديه ثلاثة شقوق إلا الإبهام فإن فيه شقين فقط ولم كان في وجهه سبع ثقب وفي سائر بدنه ثقبان ولم كان في ظهره اثنتا عشرة عقدة وفي عنقه سبع عقد ولم جعل عنقه صورة ميم ويداه‏:‏ حاء وبطنه‏:‏ ميم ورجلاه‏:‏ دالًا حتى صار ذلك كتبًا مرسومًا يترجم عن محمد ولم جعلت قامته إذا انتصب صورة ألف وإذا ركع صارت صورة‏:‏ لام وإذا سجد صارت صورة هاء فكان كتابًا يدل على الله ولم جعلت أعداد عظام الإنسان كذا وأعداد أسنانه كذا والأعضاء الرئيسة كذا إلى غير ذلك من التشريح والقول في العروق والأعضاء ووجوه منافع الحيوان ثم يقول الداعي‏:‏ ألا تتفكرون في حالكم وتعتبرون وتعلمون أن الذي خلقكم حكيم غير مجازف وأنه فعل جميع ذلك لحكمة وله فيها أسرار خفية حتى جمع ما جمع وفرق ما فرق فكيف يسعلكم الإعراض عن هذه الأمور وأنتم تسمعون قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ‏"‏ ‏"‏ الذاريات 21 ‏"‏ ‏"‏ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ‏"‏ ‏"‏ إبراهيم ‏"‏ ‏"‏ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ‏"‏ ‏"‏ فصلت ‏"‏‏.‏

فأي شيء رآه الكفار في أنفسهم وفي الآفاق حتى عرفوا أنه الحق وأي حق عرفه من جحد الديانة ألا يدلكم هذا على أن الله جل اسمه أراد أن يرشدكم إلى بواطن الأمور الخفية وأسرار فيها مكتومة لو نبهتم لها وعرفتموها لزالت عنكم كل حيرة ودحضت كل شبعة وظهرت لكم المعارف السنية ألا ترون أنكم جهلتم أنفسكم التي من جهلها كان حريًا أن لا يعلم غيرها أليس الله تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا ‏"‏ ‏"‏ الإسراء ‏"‏ ونحو ذلك من تأويل القرآن وتفسير السنن والأحكام وإيراد أبواب من التجويز والتعليل فإذا علم الداعي أن نفس المدعو قد تعلقت بما سأله عنه وطلب منه الجواب عنها قال له‏:‏ حينئذ لا تعجل فإن دين الله أعلى وأجل من أن يبذل لغير أهله ويجعل غرضًا للعب وجرت عادة الله وسنته في عباده عند شرع نم نصبه أن يأخذ العهد على من يرشده ولذلك قال‏:‏ ‏"‏ وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوج إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذها منهم ميثاقًا غليظًا ‏"‏ ‏"‏ الأحزاب ‏"‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏"‏ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا ‏"‏ ‏"‏ الأحزاب وقال جل جلاله‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ‏"‏ ‏"‏ المائدة ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلًا إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا ‏"‏ ‏"‏ النحل ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ‏"‏ ‏"‏ المائدة ‏"‏‏.‏

ومن أمثال هذا فقد أخبر الله تعالى أنه لم يملك حقه إلا لمن أخذ عهده فأعطنا صفقة يمينك وعاهدنا بالموكد من أيمانك وعقودك أن لا تفشي لنا سرًا ولا تظاهر علينا أحداص ولا تطلب لنا غيلة ولا تكتمنا نصحًا ولا توالي لنا عدوًا فإذا أعطى العهد قال له الداعي‏:‏ أعطنا جعلًا من مالك نجعله مقدمة أمام كشفنا لك الأمور وتعريفك إياها والرسم في هذا الجعل بحسب ما يراه الداعي فإن امتنع المدعو أمسك عنه الداعي وإن أجاب وأعطى نقله إلى الدعوة الثانية وإنما سميت الإسماعيلية بالباطنية لأنهم يقولون‏:‏ لكل ظاهر من الأحكام الشرعية باطن ولكل تنزيل تأويل‏.‏

الدعوة الثانية‏:‏ لا تكون إلا بعد تقدم الدعوى الأولى فإذا تقرر في نفس المدعو جميع ما تقدم وأعطى الجعل قال له الداعي‏:‏ إن الله تعالى لم يرض في إقامة حقه وما شرعه لعباده إلا أن يأخذوا ذلك عن أئمة نصبهم للناس وأقامهم لحفظ شريعته على ما أراده الله تعالى ويسلك في تقرير هذا ويستدل عليه بأمور مقررة في كتبهم حتى يعلم أن اعتقاد الأئمة قد ثبت في نفس المدعو فإذا اعتقد ذلك نقله إلى الدعوة الثالثة‏.‏

الدعوة الثالثة‏:‏ مرتبة على الثانية وذلك أنه إذا علم الداعي ممن دعاه أن ارتباطه على دين الله لا يعلم إلا من قبل الأئمة قرر حينئذ عنده أن الأئمة سبعة قد رتبهم الباري تعالى كما رتب الأمور الجليلة فإنه جعل الكواكب السيارة سبعة وجعل السموات سبعًا وجعل الأرضين سبعًا ونحو ذلك مما هو سبع من الموجودات‏.‏

وهؤلاء الأئمة السبعة هم‏:‏ علي بن أبي طالب والحسن بن علي والحسين بن علي وعلي بن الحسين الملقب زين العابدين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد الصادق والسابع هو‏:‏ القائم صاحب الزمان‏.‏