فصل: تابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 وكانت ثمود تسميها‏:‏ موجب وموجر ومورد وملزم ومصد وهوبر وهوبل وموها وديمر ودابر وحيقل ومسيل فموجب هو‏:‏ المحرم وموجر‏:‏ صفر إلا انهم كانوا يبدأون بالشهور من ديمر وهو شهر رمضان فيكون أول شهور السنة عندهم ثم كانت العرب تسميها بأسماء أخر هي‏:‏ مؤتمر وناجر وخوان وصوان وحنتم وزبا والأصم وعادل وبايق ووعل وهواع وبرك ومعنى المؤتمر‏:‏ أنه يأتمر بكل شيء مما تأتي به السنة من أقضيتها وناجر‏:‏ من النجر وهو شدة الحر وخوان‏:‏ فعال من الخيانة وصوان بكسر الصاد وضمها‏:‏ فعال من الصيانة والزبا‏:‏ الداهية العظيمة المتكاثفة سمي بذلك لكثرة القتال فيه ومنهم من يقول‏:‏ بعد صوان الزبا وبعد الزبا بائدة وبعد بائدة الأصم ثم واغل وباطل وعادل ورنه وبرك فالبائد من القتال إذ كان فيه يبيد كثير من الناس وجرة المثل بذلك فقيل العجب كل العجب بين جمادى ورجب وكانوا يستعجلون فيه ويتوخون بلوغ النار والغارات قبل رجب فإنه شهر حرام ويقولون له الأصم لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال فلا يسمع فيه صوت السلاح والواغل الداخل على شرب ولم يدعوه وذلك لأنه تهجم على شهر رمضان وكان يكثر في شهر رمضان شربهم الخمر لأن الذي يتلوه ثي شهور الحج وباطل هو مكيال الخمر سمي به لإفراطهم فيه في الشرب وكثرة استعمالهم لذلك المكيال وأما العادل فهو من العدل لأنه من أشهر الحج وكانوا يشتغلون فيه عن الباطل وأما الزبا فلأن الأنعام كانت تزب فيه لقرب النحر وأما برك فهو لبروك الإبل إذا حضرت المنحر‏.‏

وقد روي‏:‏ أنهم كانوايسمون المحرم مؤتم وصفر‏:‏ ناجر وربيع الأول‏:‏ نصار وربيع الآخر‏:‏ خوان وجمادى الأولى‏:‏ حمتن وجمادى الآخرة‏:‏ الرنة ورجب‏:‏ الأصم وهو شهر مضر وكانت العرب تصومه في الجاهلية وكانت تمتار فيه وتمير أهلها وكان يأمن بعضهم بعضًا فيه ويخرجون إلى الأسفار ولا يخافون وشعبان‏:‏ عادل ورمضان‏:‏ ناتق وشوال‏:‏ واغل وذو القعدة‏:‏ هواع وذو الحجة‏:‏ برك ويقال فيه أيضًا‏:‏ أبروك وكانوا يسمونه الميمون ثم سمت العرب أشهرها بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الاخرة ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وذي الحجة واشتقوا أسماءها من أمور اتفق وقوعها عند تسميتها وفالمحرم كانوا يحرمون فيه القتال وصفر كانت تصفر فيه بيوتهم لخروجهم إلى الغزو وشهرا ربيع كانا زمن الربيع وشهرا جمادى كانا يجمد فيهما الماء لشدة البرج ورجب الوسط وشعبان يشعب فيه القتال ورمضان من الرمضاء لأنه كان يأتي فيه القيظ وشوال تشيل فيه الإبل أذنابها وذو القعدة لقعودهم في دورهم وذو الحجة لأنه شهر الحج وأنت إذا تأملت اشتقاق أسماء شهور الجاهلية أولًا ثم اشتقاقها ثانيًا تبين لك أن بين التسميتين زمانًا طويلًا فإن صفر في أحدهما هو‏:‏ صميم الحروب وفي الآخر رمضان ولا يمكن ذلك في وقت واحد أو وقتين متقاربين وكانت العرب أولًا تستعمل هذه الشهور على نحو ما يستعمله أهل الإسلام إما بطريق إلهي أو لأن العرب لم يكن لها دراية بمراعاة حساب حركات النيرين فاحتاجت إلى استعمال مبادي الشهور لرؤية الأهلة وجعلت زمان الشهر بحسب ما يقع بين كل هلالين فربما كان بعض الشهور تامًا أعني ثلاثين يومًا وربما كان ناقصًا أعني تسعة وعشرين يومًا وربما كانت أشهر متوالية تامة أكثرها أربعة وهذا نادر وربما كانت أشهر متوالية ناقصة أكثرها ثلاثة وكان يقع حج العرب في أزمنة السنة كلها وهو أبدًا عاشر ذي الحجة من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإذا انقضى موسم الحج تفرقت العرب طالبة أماكنها وأقام أهل مكة بها فلم يزالوا على ذلك دهرًا طويلًا إلى أن غيروا دين أبراهيم وإسماعيل فإحبوا أن يتوسعوا في معيشتهم ويجعلوا حجهم في وقت إدراك شغلهم من الأدم والجلود والثمار ونحوها وأن يثبت ذلك على حالة واحدة في أطيب الأزمنة وأخصبها فتعلموا كبس الشهور من اليهود الذين نزلوا يثرب من عهد شمويل نبي بني إسرائيل وعملوا النسيء قبل الهجرة بنحو مائتي سنة وكان الذي يلي النسيء يقال له‏:‏ القلمس يعني الشريف وقد اختلف في أول من أنسأ الشهور منهم فقيل‏:‏ القلمس هو‏:‏ عدي بن زيد وقيل‏:‏ القلمس هو‏:‏ سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة وإنه قال‏:‏ أرى شهور الأهلة ثلثمائة وأربعة وخمسين يومًا وأرى شهور العجم ثلثمائة وخمسة وستين يومًا فبيننا وبينهم أحد عشر يومًا ففي كل ثلاث سنين ثلاثة وثلاثون يومًا ففي كل ثلاث سنين شهر وكان إذا جاءت ثلاث سنين قدم الحج في ذي القعدة فإذا جاءت ثلاث سنين أخر في المحرم وكانت العرب إذا حجت قلدت الإبل النعال وألبستها الجلال وأشعرتها فلا يتعرض لها أحد إلا خثعم وكان النسيء في بني كنانة ثم في بني ثعلبة بن مالك بن كنانة وكان الذي يلي ذلك منهم‏:‏ أبو ثمامة المالكي ثم من بني فقيم وبنو فقيم هم النساءة وهو منسيء الشهور وكان يحله عامًا ويحرمه عامًا وكان إتباعهم على ذلك غطفان وهوازن وسليم وتميم وآخر النساءة‏:‏ جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن عباد بن حذيفة بن عبد بن فقيم‏.‏

وقيل القلمس هو‏:‏ حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ثم توارث ذلك منه بنوه من بعده حتى كان آخرهم الذي قام عليه السلام أبو ثمامة جنادة وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فأحل لهم من الشهور وحرم فأحلوا ما أحل وحرموا ما حرم وكان إذا أراد أن ينسيء منها شيئًا أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفر فحرموه ليواطشوا عدة الأربعة فإذا أرادوا الهدي اجتمعوا إليه فقال‏:‏ اللهم إني لا أجاب ولا أعاب في ا والأمر لما قضيت اللهم إني قد أحللت دماء المحلين من طي وخثعم فاقتلوهم حيث ثقفتموهم أي ظفرتم به اللهم إني قد أحللت أحد الصفرين الصفر الأول وأنسأت الآخر من العام المقبل وإنما أحل دم طي وخثعم لأنهم كانوا يعدون على الناس في الشهر الحرام من بين جميع العرب‏.‏

وقيل‏:‏ أول من أنسأ سرير بن ثعلبة وانقرض فأنسأ من بعده ابن أخيه‏:‏ القلمس واسمه عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن كنانة ثم صار النسيء في ولده وكان آخرهم أبو ثمامة جنادة وقيل‏:‏ وقيل عوف بن أمية بن قلع عن أبيه أمية بن قلع عن جده قلع بن عباد عن جد أبيه عباد بن حذيفة عن جد جده حذيفة بن عبد بن فقيم وكان يقال لحذيفة القلمس وهو أول من أنسأ الشهور على العرب فأحل منها ما أحل وحرم ما حرم ثم كان بعد عوف المذكور ولده أبو ثمامة جنادة بن عوق وعليه قام الإسلام وكان أبعدهم ذكرًا وأطولهم أمدًا يقال إنه أنسأ أربعين سنة ولهم يقول عمير بن قيس جذل الطعان يفتخر‏:‏ وأي الناس لم يسبق بوتر وأي الناس لم يعلك لجاما ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما وقال آخر‏:‏ لهم ناسيء يمشون تحت لوائه يحل إذا شاء الشهور ويحرم وقيل‏:‏ كانت العرب تكبس في كل أربع وعشرين سنة قمرية بتسعة أشهر فكانت شهورهم ثابتة مع الأزمنة جارية على سنن واحد لا تتأخر عن أوقاتها ولا تتقدم وكان النسيء الول للمحرم فسمي صفر باسمه فسمي الذي كان يتلوه بصفر أيضًا وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الإثني عشر وعاد إلى المحرم فإعادوا فعلهم الأول وكانوا يعدون أدوار النسيء ويحدون بها الأزمنة فيقولون‏:‏ قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلأى زمان كذا‏:‏ وكذا دورة فإن ظهر لهم مع ذلك تقدم شهر عن فصله من الفصول الأربعة لما يجتمع من كسور سنة الشمس بقية فضل ما بينها وبين سنة القمر الذي ألحقوه بها كبسوها كبسًا ثانيًا وكان يظهر لم ذلك بطلوع منازل القمر وسقوطها حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت نوبة النسيء بلغت شعبان فسمي‏:‏ محرمًا وشهر رمضان‏:‏ صفر وقيل‏:‏ إن الناسيء الأول نسأ المحرم وجعله كبسًا وأخر المحرم إلأى صفر وصفر إلى ربيع الأول وكذا بقية الشهور فوقع لهم في تلك السنة عاشر المحرم وجعل تلك السنة ثلاثة عشر شهرًا ونقل الحج بعد كل ثلاث سنين شهرًا فمضى على ذلك مائتان وعشر سني وكان انقضاؤها سنة حجة الوداع وكان وقوع الحج في السنة التاسعة من الهجرة عاشر ذي القعدة وهي السنة التي حج فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالناس ثم حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجة الوداع لوقوع الحج فيها عاشر ذي الحجة كما كان في عهد إبراهيم وإسماعيل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حجته هذه‏:‏ ‏"‏ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ‏"‏ يعني رجوع الحج والشهور إلى الوضع وأنزل الله تعالى إبطال النسيء بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما النيسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم ‏"‏ ‏"‏ التوبة ‏"‏ فبطل ما أحدثته الجاهلية من النسيء واستمر وقوع الحج والصوم برؤية الأهلة ولله الحمد‏.‏

وكانت العرب لها تواريخ معروفة عندها قد بادت فما كانت تؤرخ به إن كنانة أرخت من موت كعب بن لؤي حتى كان عام الفيل فأرخوا به وهو عام مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بين كعب بن لؤي والفيل خمسمائة وعشرون سنة وكان بين الفيل وبين الفجار أربعون سنة ثم عدوا من الفجار إلى وفاة هشام بن المغيرة فكان ست سنين ثم عدوا من وفاة هشام بن المغيرة إلى بنيان الكعبة فكان تسع سنين ثم كان بين بنائها وبين هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة‏.‏

ثم وقع التاريخ من الهجرة النبوية فعن سعيد بن المسيب قال‏:‏ جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ فقال علي بن أبي طالب‏:‏ من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر وعن سهل بن سعد الساعدي قال‏:‏ أخطأ الناس في العدد ما عدوا من مبعثه ولا من وفاته إنما عدوا من مقدمه المدينة وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كان التاريخ من السنة التي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقال قرة بن خالد عن محمد‏:‏ كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه عامل جاء من اليمن فقال لعمر‏:‏ أما تؤرخون تكتبون في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا فأراد عمر والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا‏:‏ من عند وفاته ثم أرادوا أن يكون ذلك من الهجرة ثم قالوا‏:‏ من أي شهر فأرادوا أن يكون من رمضان ثم بدا لهم فقالوا‏:‏ من المحرم‏.‏

وقال ميمون بن مهران‏:‏ رفع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صك محله شعبان فقال‏:‏ أي شعبان هو أشعبان الذي نحن فيه أو الآتي ثم جمع وجوه الصحابة فقال‏:‏ إن الأموال قد كثرت وما قسمنا منها غير مؤقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك فقالوا‏:‏ يجب أن يعرف ذلك من رسوم الفرس فعندها استحضر عمر رضي الله عنه الهرمزان وسأله عن ذلك فقال‏:‏ إن لنا حسابًا نسميه‏:‏ ماه روز معناه‏:‏ حساب الشهور والأيام فعربوا الكلمة وقالوا‏:‏ مؤرخ ثم جعلوه اسم التاريخ واستعملوه ثم طلبوا وقتًا يجعلونه أولًا لتاريخ دولة الإسلام فاتفقوا على أن يكون المبدأ من سنة الهجرة وكانت الهجرة النبوية من مكة إلى المجينة وقد تصرم من شهور السنة وأيامها المحرم وصفر وأيام من ربيع الأول فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقرى ثمانية وستين يومًا وجعلوا التاريخ من أول محرم هذه السنة ثم أحصوا من أول يوم في المحرم إلى آخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عشر سنين وشهرين وأما إذا حسب عمره المقدس من الهجرة حقيقة فيكون قد عاش صلى الله عليه وسلم بعدها تسع سنين وأحد عشر شهرًا واثنين وعشرين يومًا وكان بين مولده صلى الله عليه وسلم وبين مولد المسيح عليه السلام خمسمائة وثمان وسبعون سنة تنقص شهرين وثمانية أيام‏.‏

وابتداء تاريخ الهجرة يوم الخميس أول شهر الله المحرم وبينه وبين الطوفان ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثون سنة وعشرة أشهر واثنان وعشرون يومًا على ما عرفناه من الخلاف في ذلك وبينه وبين تاريخ الإسكندر بن فيليبس المقدوني الرومي‏:‏ تسعمائة وإحدى وستون سنة قمرية وأربعة وخمسون يومًا لتكون من السنين الشمسية تسعمائة واثنتين وثلاثين سنة ومائتين وتسعة وثمانين يومًا عنها تسعة أشهر وتسعة عشر يومًا ولينه وبين تاريخ القبط‏:‏ ثلثمائة وسبع وثلاثون سنة وتسعة وثلاثون يومًا‏.‏

وقال ابن ماشا الله‏:‏ إن انتقال المرمن المثلثة الهواشة التي هي برج الجوزاء دولتها إلى برج السرطان ومثلثته المائية التي كانت دولة الإسلام فيها عند تمام ستة آلاف وثلثمائة وخمس وأربعين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يومًا من وقت القران الأول الواقع في بدء التحرك يعني خلق آدم عليه السلام وإن القارن من هذه المثلثة وقع في أربع درج ودقيقة واحدة من برج العقرب وهو قران الملة الإسلامية قال‏:‏ وفي السنة الثانية من هذا القران ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بين دخول الشمس برج الحمل في هذه السنة وبين أول يوم من سنة الهجرة سنون فارسية عدتها إحدى وخمسون سنة وثلاثة أشهر وثمانية أيام وست عشرة ساعة فكان من وقت الطوفان إلى وقت قران الملة ثلاثة آلاف وتسعمائة واثنتا عشرة سنة وستة أشهر وأربعة عشر يومًا‏.‏

وزعمت اليهود أن من آدم عليه السلام إلى سنة الهجرة أربعة آلاف واثنتين وأربعين سنة وثلاثة أشهر‏.‏

وزعمت النصارى أن بينهماخمسة آلاف وتسعمائة وتسعين سنة وثلاثة أشهر‏.‏

وزعمت المجوس أعني الفرس أن بينهما أربعة آلاف ومائة واثنتين وثمانين سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يومًا وقد عرفت أن شهور تاريخ الهجرة قمرية وأيام كل سنة منها عدتها ثلثمائة وأربعة وخمسون يومًا وخمس وسدس يوم وجميع الأحكام الشرعية مبنية على رؤية الهلال عند جميع فرق الإسلام ما عدا الشيعة فإن الأحكام مبنية عندهم على عمل شهور السنة بالحساب على ما ستراه في ذكر القاهرة وخلفائها ثم لما احتاج منجمو الإسلام إلى استخراج من لا بد منه من معرفة الأهلة وسمت القبلة وغير ذلك بنوا أزياجهم على التاريخ العربي وجعلوا شهور السنة العربية شهرًا كاملًا وشهرًا ناقصًا وابتدأوا بالمحرم اقتداء بالصحابة رضي الله عنهم فجعلوا المحرم ثلاثين يومًا وجمادى الأولى ثلاثين يومًا وجمادى الآخرة تسعة وعشرين يومًا ورجب ثلاثين يومًا وشعبان تسعة وعشرين يومًا ورمضان ثلاثين يومًا وشوالًا تسعة وعشرين يومًا وذا القعدة ثلاثين يومًا وذا الحجة تسعة وعشرين يومًا وزادوا من أجل كسر اليوم الذي هو خمس وسدس يومًا في ذي الحجة إذا صار هذا الكسر أكثر من نصف يوم فيكون شهر ذي الحجة في تلك السنة ثلاثين يومًا ويسمون تلك السنة كبيسة ويصير عددها ثلثمائة وخمسة وخمسين يومًا ويجتمع في كل ثلاثين من الكبس أحد عشر يومًا والله أعلم‏.‏

وأما تاريخ الفرس ويعرف أيضًا بتاريخ يزدجرد فإنه من ابتداء تملك يزدجرد بن شهربار بن كسرى أبرويز أرخ به الفرس من أجل أن يزدجرد قام في المملكة بعدما تبدد ملك فارس واستولى عليه النساء والمتغلبون وهو أيضًا آخر ملوك فارس وبقتله تمزق ملكهم وأول هذا التاريخ يوم الثلاثاء وبينه وبين تاريخ الهجرة تسع سنين وثلثمائة وثمانية وثلاثون يومًا وأيام سنة هذا التاريخ تنقص عن السنة الشمسية ربع يوم فيكون في كل مائة وعشرين سنة شهرًا واحدًا ولهم في كبس السنة آراء ليس هذا موضع إيرادها وعلى هذا التاريخ يعتمد في زمننا أهل العراق وبلاد العجم ولله عاقبة الأمور‏.‏

 

ذكر فسطاط مصر

قال الجوهري‏:‏ الفسطاط بيت من شعر قال‏:‏ ومنه فسطاط مدينة مصر اعلم‏:‏ أن فسطاط مصر اختط في الإسلام بعدما فتحت أرض مصر وصارت دار إسلام وقد كانت بيد الروم والقبط وهم نصارى ملكانية ويعقوبية وميانية وحين اختط المسلمون الفسطاط انتقل كرسي المملكة من مدينة الإسكندرية بعدما كانت منزل الملك ودار الإمارة زيادة على تسعمائة سنة وصار من حينئذ الفسطاط دار إمارة ينزل به أمراء مصر فلم يزل على ذلك حتى بنى العسكر بظاهر الفسطاط فنزل فيه أمراء مصر وسكنوه وربما سكن بعضهم الفسطاط فلما أنشأ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون فصار أمراء مصر من بعد ذلك ينزلون بالعسكر خارج الفسطاط وما زالوا على ذلك حتى قدمت عساكر الإمام المعز لدين الله أبي تميم معد الفاطمي مع كاتبه جوهر القائد فبنى القاهرة وصارت خلافة واستمر سكنى الرعية بالفسطاط وبلغ من وفور العمارة وكثرة الخلائق ما أربى على عامة مدن المعمور حاشا بغداد ومازال على ذلك حتى تغلب الفرنج على سواحل البلاد الشامية ونزل مخري ملكالفرنج بجموعه الكثيرة على بركة الحبش يريد الاستيلاء على مملكة مصر وأخذ الفسطاط والقاهرة فعجز الوزير شاور ابن مجير السعدي عن حفظ البلدين معًا فأمر الناس بإخلاء مدينة الفسطاط واللحاق بالقاهرة للامتناع من الفرنج وكانت القاهرة إذ ذاك من الحصانة والامتناع بحيث لا ترام فارتحل الناس من الفسطاط وساروا بأسرهم إلى القاهرة وأمر شاور فألقى العبيد النار في الفسطاط فلم تزل به بضعًا وخمسين يومًا حتى احترقت أكثر مساكنه فلما رحل مري عن القاهرة واستولى شيركوه على الوزارة تراجع الناس إلى الفسطاط ورموا بعض شعثه ولم يزل في نقص وخراب إلى يومنا هذا وقد صار الفسطاط يعرف في زمننا بمدينة مصر والله أعلم‏.‏

ما كان عليه موضع الفسطاط قبل الإسلام إلى أن اختطه المسلمون مدينة اعلم‏:‏ أن موضع الفسطاط الذي يقال له اليوم‏:‏ مدينة مصر كان فضاء ومزارع فيما بين النيل والجبل الشرقي الذي يعرف بالجبل المقطم ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن يعرف اليوم بعضه‏:‏ بقصر الشمع وبالمعلقة ينزل به شحنة الروم المتولي على مصر من قبل القياصر ملوك الروم عند مسيره من مدينة الإسكندرية ويقيم فيه ما شاء ثم يعود إلى دار الإمارة ومنزل الملك من الإسكندرية وكان هذا الحصن مطلًا على النيل وتصل السفن في النيل إلى بابه الغربي الذي كان يعرف بباب الحديد ومنه ركب المقوقس في السفن في النيل من بابه الغربي حين غلبه المسلمون على الحصن المذكور وصار فيه إلى الجزيرة التي تجاه الحصن وهي التي تعرف اليوم‏:‏ بالروضة قبالة مصر وكان مقياس النيل بجانب الحصن‏.‏

وقال ابن المتوج‏:‏ وعمود المقياس موجود في زقاق مسجد ابن النعمان قلت‏:‏ وهو باق إلى يومنا هذا اعني سنة عشرين وثمانمائة وكان هذا الحصن لا يزال مشحونًا بالمقاتلة وسيرد في هذا الكتاب خبره إن شاء الله تعالى وكان بجوار هذا الحصن من بحريه وهي الجهة الشمالية أشجار وكروم صار موضعها الجامع العتيق وفيما بين الحصن والجبل عدة كنائس وديارات للنصارى في الموضع الذي يعرف اليوم براشدة وبجانب الحصن فيما بين الكروم التي كانت بجانبه وبين الجرف الذي يعرف اليوم‏:‏ بجبل يشكر حيث جامع ابن طولون والكبش عدة كنائس وديارات للنصارى في الموضع الذي كان يعرف في أوائل الإسلام بالحمراء وعرف الآن بخط قناطر السباع والسبع سقايات وبقي بالحمراء عدة من الديارات إلى أن هدمت في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون على ما ذكر في هذا الكتاب عند ذكر كنائس النصارى فلما افتتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية الفتح الأول نزل بجوار هذا الحصن واختط الجامع المعروف بالجامع العتيق وبجامع عمرو بن العاص واختطت قبائل العرب من حوله فصارت مدينة عرفت بالفسطاط ونزل الناس بها فانحسر بعد الفتح بأعوام ماء النيل عن أرض تجاه الحصن والجامع العتيق فصار المسلمون يوقفون هناك دوابهم ثم اختطوا فيه المساكن شيئًا بعد شيء وصار ساحل البلد حيث الموضع الذي يقال له اليوم في مصر‏:‏ المعاريج مارًا إلى الكوم الذي على يسرة الداخل من باب مصر بحد الكبارة وفي موضع هذا الكوم كانت الدور المطلة على النيل ويمر الساحل من باب مصر المذكور إلى حيث بستان ابن كيسان الذي يعرف اليوم‏:‏ ببستان الطواشي في أول مراغة مصر وجميع الأماكن التي تعرف اليوم‏:‏ مراغة مصر وبالجرف إلى الخليج عرضًا ومن حيث قنطرة السد إلى سوق المعاريج طولًا كان غامرًا بماء النيل إلى أن انحسر عنه ماء النيل بعد سنة ستمائة من سني الهجرة فصار رملة ثم اختط فيه الأمراء مما يلي النيل آدرًا عندما عمر الملك الصالح نجم الدين أيوب قلعة الروضة واختط بعضه شونًا إلى أن أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون جامعه المعروف بالجامع الجديد الناصري ظاهر مصر فعمر ما حوله وقد كان عند فتح مصر سائر المواضع التي من منشأة المهراني إلى بركة الحبش طولًا ومن ساحل النيل بموردة الحلفاء وتجاه الجامع الجديد إلى سوق المعاريج وما على سمته إلى تجاه المشهد الذي يقال له‏:‏ مشهد الراس وتسميه العامة اليوم‏:‏ مشهد زين العابدين كلها بحرًا لا يحول بين الحصن والجامع وما على سمتهما إلى الحمراء الدنيا التي منها اليوم‏:‏ خط قناطر السباع وبين جزيرة مصر التي تعرف اليوم‏:‏ بالروضة شيء سوى ماء النيل وجميع ما في هذه المواضع من الأبنية انكشف عنه النيل قليلًا قليلًا واختط على ما يتبين لك في هذا الكتاب‏.‏

قصر الشمع ذكر الحصن الذي يعرف بقصر الشمع اعلم‏:‏ أن هذا القصر أحدث بعد خراب مصر على يد بخت نصر وقد اختلف في الوقت الذي بني فيه ومن أنشأه من الملوك فذكر الواقدي‏:‏ أن الذي بناه اسمه‏:‏ الريان بن الوليد بن أرسلاوس كان هذا القصر يوقد عليه الشمع في رأس كل شهر وذلك أنه إذا حلت الشمس في برج من البروج أوقد في تلك الليلة الشمع في رأس كل شهر وذلك أنه إذا حلت الشمس في برج من البروج أوقد في تلك الليلة الشمع على رأس ذلك القصر فيعلم الناس بوقود الشمع أن الشمس انتقلت من البرج الذي كانت فيه إلى برج آخر غيره ولمي يزل القصر على حاله إلى أن خربت مصر زمن بخت نصر بن نيروز الكلداني فأقام خرابًا خمسمائة سنة ولم يبق منه إلا أثره فقط فلما غلب الروم على مصر وملكوها من أيدي اليونانيين ولي مصر من قبلهم رجل يقال له‏:‏ أرجاليس بن مقراطيس فبنى القصر على ما وجد من أساسه‏.‏

وقال ابن سعيد‏:‏ وصارت مصر والشام بعد بخت نصر في مملكة الفرس فوليهامنهم‏:‏ كشرجوش الفارسي باني قصر الشمع وبعده طخارست الطويل الولاية وتوالت بعده نواب الفرس إلى ظهور الإسكندر وقال غيره‏:‏ إن الذي بناه طخشاشت أحد ملوك الفرس عندما سار لمحاربة أهل مصر فلما غلب قسطو ملك مصر الذي يعرف بفرعون سابان وفر منه إلى مقدونية غلب على ملك مصر واستولى عليها وبنى للفرس قصرًا وجعل فيه بيت نار على شاطئ النيل الشرقي وعرف بقصر الشمع لأنه كان له باب يقال له‏:‏ باب الشمع وجعل في القصر بيت نار وهو باق‏.‏

وقال ابن عبد الحكيم عن الليث بن سعد‏:‏ وكانت الفرس قد أسست بناء الحصن الذي يقال له‏:‏ باب اليون وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم فلما انكشفت جموع فارس عن الروم وأخرجتهم الروم من الشام أتمت بناء ذلك الحصن وأقامت به فلم تزل مصر في ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين قال‏:‏ وكان أبو الأسود نصر بن عبد الجبار يقولها بالميم يعني باب اليوم ويقال‏:‏ إنما سمي كذا لأنهم كانوا يقولون‏:‏ من يقاتل اليوم‏.‏