فصل: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

رضي الله عنه‏:‏ هل كان في الأرض خلق قبل آدم يعبدون الله تعالى فقال‏:‏ نعم خلق الله الأرض وخلق فيها الجن يسبحون الله ويقدسونه لا يفترون وكانوا يطيرون إلى السماء ويلقون الملائكة ويسلمون عليهم ويستعملون منهم خبر ما في السماء ثم إن طائفة منهم تمردت وعتت عن أمر ربها وبغت في الأرض بغير الحق وعدا بعضهم على بعض وجحدوا الربوبية وكفروا بالله وعبدوا ما سواه وتغايروا على الملك حتى سفكوا الدماء وأظهروا في الأرض الفساد وكثر تقاتلهم وعلا بعضهم على بعض وأقام المطيعون لله تعالى على دينهم وكان إبليس من الطائفة المطيعة لله والمسبحين له وكان يصعد إلى السماء فلا يحجب عنها لحسن طاعته‏.‏

ويروى‏:‏ أن الجن كانت تفترق على إحدى وعشرين قبيلة وأن بعد خمسة آلاف سنة ملكوا عليهم ملكًا يقال له‏:‏ شملال بن ارس ثم افترقوا فملكوا عليهم‏:‏ خمسة ملوك وأقاموا على ذلك دهرًا طويلًا ثم أغار بعضهم على بعض وتحاسدوا فكانت بينهم وقائع كثيرة فأهبط الله تعالى إبليس وكان اسمه بالعربية‏:‏ الحارث وكنيته أبو مرة ومعه عدد كثير من الملائكة فهزمهم وقتلهم وصار إبليس ملكًا على وجه الأرض فتكبر وطغى وكان من امتناعه من السجود لآدم ما كان فأهبطه الله تعالى إلى الأرض فسكن البحر وجعل عرشه على الماء فألقيت عليه شهوة الجماع وجعل لقاحه لقاح الطير وبيضه‏.‏

ويقال‏:‏ إن قبائل الجن من الشياطين خمس وثلاثون قبيلة خمس عشرة قبيلة تطير في الهواء وعشر قبائل مع لهب النار وثلاثون قبيلة يسترقون السمع من السماء ولكل قبيلة ملك موكل بدفع شرها ومنهم صنف من السعالي يتصورون في صور النساء الحسان ويتزوجن برجال الأنس ويلدن منهم ومنهم صيف على صور الحيات إذا قتل أحد منهم واحدة هلك من وقته فإن كانت صغيرة هلك ولده أو عزيز عنده‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‏:‏ إن الكلاب من الجن فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم فإن لهم أنفسًا يعني إنهم يأخذون بالعين‏.‏

وقد روي‏:‏ أن الأرض كانت معمورة بأمم كثيرة منهم‏:‏ الطم والرم والجن والبن والحسن والبسن وأن الله تعالى لما خلق عمرها بالملائكة ولما خلق الله الأرض عمرها بالجن فعاثوا وسفكوا الدماء فأنزل الله إليهم جندًا من الملائكة فأتوا على أكثرهم قتلًا وأسرًا وفكان ممن أسر إبليس وكان اسمه عزازيل فلما صعد به إلى السماء أخذ نفسه بالاجتهاد في العبادة والطاعة رجاء أن يتوب الله عليه فلما لم يجد ذلك شيئًا خامر الملائكة القنوط فأراط الله أن يظهر لهم خبث طويته وفساد نيته فخلق آدم فامتحنه بالسجود له ليظهر للملائكة تكبره وإبانة ما خفي عنهم من مكتوم أنبائه وإلى عمارة الأرض قبل آدم ممن أفسد فيها أشار بقوله تعالى حكاية عن الملائكة‏:‏ ‏"‏ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ‏"‏ البقرة ‏"‏ يعنون كما فعل بها من قبل والله أعلم بمراده‏.‏

وقال أبو بكر بن أحمد بن علي بن وحشية في كتاب الفلاحة‏:‏ إنه عرب هذا الكتاب نقله من لسان الكلدانيين إلى اللغة العربية وإنه وجده من وضع ثلاثة حكماء قدماء وهم‏:‏ صعريت وسوساد وفوقاي ابتدأه الأول وكان ظهوره في الألف السابعة من سبعة آلاف سني زحل وهي الألف التي يشارك فيها زحل القمر وتممه الثاني وكان ظهوره في آخر هذه الألف وأكمله الثالث وكان ظهوره بعد مضى أربعة آلاف سنة من دور الشمس الذي هو سبعة آلاف سنة وإنه نظر إلى ما بين زمان الأول والثالث فكان ثمانية عشر ألف سنة شمسية وبعض الألف التاسعة عشر وقد اختلف أهل الإسلام في هذه المسألة أيضًا فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‏:‏ الدنيا جمعة من جمع الآخرة واليوم ألف سنة فذلك سبعة آلاف سنة وروى سفيان عن الأعمش عن أبي صالح قال‏:‏ قال كعب الأحبار‏:‏ الدنيا ستة آلاف سنة‏.‏

وعن وهب بن منبه أنه قال‏:‏ قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة إني لأعرف كل زمان منها ومن فيه من الأنبياء فقيل له‏:‏ فكم الدنيا قال‏:‏ ستة آلاف سنة‏.‏

وروى عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ‏"‏ وفي حديث أبي هريرة‏:‏ الحقب ثمانون عامًا اليوم منها سدس الدنيا والحقب هنا بكسر الحاء وضمها‏.‏

قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في كتاب الإكليل‏:‏ وكأن الدنيا جزء من أربعة آلاف وسبعمائة وثلاثة وعشرين جزءًا وثلث جزء من الحقب على أن السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يومًا وخمس وسدس يوم فإذا كانت الدنيا ستة آلاف سنة واليوم ألف سنة تكون سنين قمرية ستة آلاف ألف سنة فإذا جعلناه جزءًا وضربناه في أجزاء الحقب وهي أربعة آلاف وسبعمائة سنة وثلاث وعشرون وثلث خرج من السنين‏:‏ ثمانية وعشرون ألف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وأربعون ألف ألف وإذا كانت جمعة من جمع الآخرة زدنا مع هذا العدد مثل سدسه وهذا عدد الحقب‏.‏

وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري‏:‏ الصواب من القول ما دل على صحته الخبر الوارد فذكر قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ‏"‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ‏"‏ وأشار بالسبابة والوسطى وقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ بعثت أنا والساعة جميعًا أن كادت لتسبقني ‏"‏ قال‏:‏ فمعلوم إن كان اليوم أوله طلوع الشمس وآخره غروب الشمس وكان صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ‏"‏ ألكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ‏"‏ وقوله ‏"‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ‏"‏ وأشار بالسبابة والوسطى وكان قدر ما بين أوسط أوقات العصر وذلك إذا صار ظل كل شيء مثليه على التحري إنما يكون قدر نصف سبع اليوم يزيد قليلًا أو ينقص قليلًا وكذلك فضل ما بين الوسطى والسبابة إنما يكون نحوًا من ذلك وكان صحيحًا مع ذلك قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم ‏"‏ يعني نصف اليوم الذي مقداره ألف سنة فأولى القولين اللذين أحدهما عن ابن عباس والآخر عن كعب‏.‏

قول ابن عباس‏:‏ إن الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف وإذا كان كذلك وكان قد جاء عنه عليه السلام‏:‏ أن الباقي من ذلك في حياته نصف يوم وذلك خمسمائة عام إذا كان ذلك وقت قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة ‏"‏ أو نحو ذلك وقد جاء عنه عليه السلام خبر يدل على صحة قول من قال‏:‏ إن الدنيا كلها ستة آلاف سنة لو كان صحيحًا لم يعد القول به إلى غيره وهو حديث أبي هريرة يرفعه الحقب ثمانون عامًا اليوم منها سدس الدنيا فتبين من هذا الخبر ان الدنيا كلها ستة آلاف سنة وذلك أنه حيث كان اليوم الذي هو من أيام الآخرة مقداره ألف سنة من سني الدنيا وكان اليوم الواحد من ذلك سدس الدنيا وكان معلومًا أن جميعها ستة أيام من أيام الآخرة وذلك ستة آلاف سنة وقال أبو القاسم السهيلي‏:‏ وقد مضت الخمسمائة من وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم بنيف عليها وليس في قوله‏:‏ لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم ما ينفي الزيادة على النصف ولا في قوله‏:‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ما يقطع به على صحة تأويله يعني الطبري فقد نقل في تأويله غير هذا وهو أنه ليس بينه وبين الساعة نبي ولا شرعة غير شرعته مع التقريب لحينها كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ اقتربت الساعة ‏"‏ ‏"‏ القمر ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ أتى أمر الله فلا تستعجلوه ‏"‏ ‏"‏ النحل ‏"‏ لكن إذا قلنا‏:‏ إنه عليه السلام إنما بعث في الألف الآخر بعدما مضت منه سنون ونظرنا إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفًا يجمعها قولك‏.‏

‏"‏ ألم يسطع نص حق كره ‏"‏‏.‏

ثم تأخذ العدد على حساب أبي جاد فيجيء تسعمائة وثلاثة ولم يسم الله تعالى أوائل السور إلا هذه الحروف فليس يبعد أن يكون من بعض مقتضياتها وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين لما قدمناه من حديث الألف السابع الذي بعث عليه السلام فيه غير أن الحساب يحتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته وكل قريب بعضه من بعض فقد جاء أشراطها ولكن لا تأتيكم إلا بغتة وقد روى أنه عليه السلام قال‏:‏ ‏"‏ إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة ‏"‏ وذلك ألف سنة وإن أساءت فنصف يوم‏.‏

ففي الحديث تتميم للحديث المتقدم وبيان له إذ قد نقضت الخمسمائة والأمة باقية وقال شادان البلخي المنجم‏:‏ مدة ملة الإسلام ثلثمائة وعشرين سنين وقد ظهر كذب قوله ولله الحمد وقال أبو معشر‏:‏ يظهر بعد المائة والخمسين من سني الهجرة اختلاف كثير‏.‏

وقال حراس‏:‏ إن المنجمين أخبروا كسرى أنوشروان بتملك العرب وظهور النبوة فيهم وأن دليلهم الزهرة وهي في شرفها والزهرة دليل العرب فتكون مدة ملك نبوتهم ألفًا وستين سنة ولأن طالع القرآن الدال على ذلك برج الميزان والزهرة صاحبته في شرفها قال‏:‏ وسأل كسرى وزيره بزرجمهر عن ذلك فأعلمه أن الملك يخرج من فارس وينتقل إلى العرب وتكون ولادة القائم بإمرة العرب لخمس وأربعين سنة من وقت القران وأن العرب تملك المشرق والمغرب من أجل أن المشتري دليل فارس قد قبل تدبير الزهرة دليل العرب والقران قد انتقل من المثلثة الهوائية إلى المثلثة المائية وإلى برج العقرب منها وهو دليل العرب أيضًا وهذه الأدلة تقتضي بقاء الملة الإسلامية بقدر دور الزهرة وهو ألف وستون سنة شمسية‏.‏

وقال نفيل الرومي‏:‏ وكان في أيام بني أمية تبقى ملة الإسلام بقدر مدة القرآن الكبيرة وهي تسعمائة وستون سنة شمسية فإذا عاد القران بعد هذه المدة إلى برج العقرب كما كان في ابتداء الملة وتغير وضع تشكيل الفلك عن هيئته في الابتداء فحينئذ يفتر العمل ويتجدد ما يوجب خلاف الظن‏.‏

وقال‏:‏ واتفقوا على أن خراب العالم يكون باستيلاء الماء والنار حتى تهلك المكونات بأسرها وذلك إذا قطع قلب الأسد أربعا وعشرين درجة من برج الأسد الذي هو حد المريخ بعد تسعمائة وستين سنة شمسية من قران الملة ويقال‏:‏ إن ملك رابلستان وهي عزبة بعث إلى عبد الله أمير المؤمنين المأمون بحكيم اسمه دوبان في جملة هدية فأعجب به المأمون وسأله عن مدة ملك بني العباس فأخبره بخروج الملك عن عقبه واتصاله في عقب أخيه وأن العجم تغلبهم على الخلافة فيتغلب الديلم أولًا ثم يسوء حالهم حتى يظهر الترك من شمال المشرق فيملكون الفرات والروم والشام وقال يعقوب بن إسحاق الكندي‏:‏ مدة ملة الإسلام ستمائة وثلاث وقال الفقيه الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم‏:‏ وأما اختلاف الناس في التاريخ فإن اليهود يقولون‏:‏ أربعة آلاف سنة والنصارى يقولون‏:‏ الدنيا خمسة آلاف سنة وأما نحن يعني أهل الإسلام فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا ومن ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد قال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح بل صح عنه عليه السلام خلافه بل نقطع على أن الدنيا أمدًا لا يعلمه إلا الله تعالى قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ‏"‏ ‏"‏ الكهف ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود والشعرة السوداء في الثور الأبيض ‏"‏‏.‏

وهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار عدد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وإنه الأكثر علم أن للدنيا أمدًا لا يعلمه إلا الله تعالى وكذلك قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ‏"‏ وضم إصبعيه المقدستين السبابة والوسطى وقد جاء النص‏:‏ بأن الساعة لا يعلم متى تكون إلا الله تعالى لا أحد سواه فصح أنه صلى الله عليه وسلم إنما عني شدة القرب لا فضل السبابة على السباحة إذ لو أراد ذلك لأخذت نسبة ما بين الإصبعين ونسب من طول الإصبع فكان يعلم بذلك متى تقوم الساعة وهذا باطل وأيضًا فكان تكون نسبته صلى الله عليه وسلم إيانا من قبلنا بأننا كالشعرة في الثور كذبًا ومعاذ الله من ذلك فصح أنه عليه السلام إنما أراد شدة القرب وله صلى الله عليه وسلم منذ بعث أربعمائة عام ونيف والله تعالى أعلم بما بقي للدنيا فإذا كان هذا العدد العظيم لا نسبة له عندما سلف لقتله وتفاهته بالإضافة إلى ما مضى فهو الذي قاله صلى الله عليه وسلم من أننا فيمن مضى كالشعرة في الثور أو الرقمة في ذراع الحمار‏.‏

وقد رأيت بخط الأمير أبي محمد عبد الله بن الناصر قال‏:‏ حدثني محمد بن معاوية القرشي أنه رأى بالهند بلدًا له اثنتان وسبعون ألف سنة وقد وجد محمود بن سبكتكين بالهند مدينة يؤرخون بأربعمائة ألف سنة قال أبو محمد‏:‏ إلا أن لكل ذلك أولًا ولا بد ونهاية لم يكن شيء من العالم موجودًا قبله ولله الأمر من قبل ومن بعد والله أعلم‏.‏

التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط التاريخ‏:‏ كلمة فارسية أصلها‏:‏ ماروز ثم عرب‏.‏

قال محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف البلخي في كتاب مفاتيح العلوم وهو كتاب جليل القدر وهذا اشتقاق بعيد لولا أن الرواية جاءت به وقال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج‏:‏ تاريخ كل شيء آخره وهو في الوقت غايته يقال‏:‏ فلان تاريخ قومه أي إليه ينتهي شرفهم ويقال‏:‏ ورخت الكتاب توريخًا وأرخته تأريخًا اللغة الأولى لتميم والثانية لقيس لكل أهل ملة تاريخ فكانت الأمم تؤرخ أولًا بتاريخ الخليقة هو ابتداء كون النسل من آدم عليه السلام ثم أرخت بالطوفان وأرخت ببخت نصر وأرخت بفيلبس وأرخت بالإسكندر ثم بأغشطش ثم بأنطيس ثم بدقلطيانوس وبه تؤرخ القبط لم يكن بعد تاريخ القبط إلا تاريخ الهجرة ثم تاريخ يزدجرد فهذه تواريخ الأمم المشهورة وللناس تواريخ أخر قد انقطع ذكرها‏.‏

فأما تاريخ الخليقة ويقال له‏:‏ ابتداء كون النسل وبعضهم يقول‏:‏ بدو التحرك فإن لأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس في كيفيته وسياقة التاريخ منه خلافًا كثيرًا قال المجوس والفرس عمر العالم اثنا عشر ألف عام على عدد بروج الفلك وشهور السنة وزعموا أن زرادشت صاحب شريعتهم قال‏:‏ إن الماضي من الدنيا إلى وقت ظهوره ثلاثة آلاف ومائتا سنة وثمان وخمسون سنة وإذا حسبنا من أول يوم كيومرت الذي هو عندهم الإنسان الأول وجمعنا مدة كل من ملك بعده فإن الملك ملصق فيهم غير منقطع عنهم كان العدد منه إلى الإسكندرية ثلاثة آلاف وثلثمائة وأربعًا وخمسين سنة فإذًا لم يتفق التفصيل مع الجملة وقال قوم‏:‏ الثلاثة الآلاف الماضية إنما هي من خلق كيومرت فإنه مضى قبله ألف سنة والفلك فيها واقف غير متحرك والطبائع غير مستحيلة والأمهات غير متمازجة والكون والفساد غير موجود فيها والأرض غير عامرة فلما تحرك الفلك حدث الإنسان الأول في معدن النهار وتولد الحيوان وتوالد وتناسل الإنس فكثروا وامتزجت أجزاء العناصر للكون والفساد فعمرت الدنيا وأنتظم العالم‏.‏

وقال اليهود‏:‏ الماضي من آدم إلى الإسكندرية ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان وأربعون سنة‏.‏

وقال النصارى‏:‏ المدة بينهما خمسة آلاف ومائة وثمانون سنة وزعموا أن اليهود نقصوها ليقع خروج عيسى ابن مريم عليه السلام في الألف الرابع وسط السبعة آلاف التي هي مقدار العالم عندهم حتى تخالف ذلك الوقت الذي سبقت البشارة من الأنبياء الذين كانوا بعد موسى بن عمران عليه السلام بولادة المسيخ عيسى وإذا جمع ما في التوارة التي بيد اليهود من المدة التي بين آدم عليه السلام وبين الطوفان كانت ألفًا وستمائة وستًا وخمسين سنة وعند النصارى في إنجيلهم ألفان ومائتا سنة واثنتان وأربعون سنة وتزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط وتزعم النصارى‏:‏ أن توراة السبعين التي هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف ولا تبديل وتقول اليهود‏:‏ فيها خلاف ذلك وتقول السامرية‏:‏ بأن توراثهم هي الحق وما عداها باطل ولس في اختلافهم ما يزيل الشك بل يقوي الجالبة له وهذا الاختلاف بعينه بين النصارى أيضًا في الإنجيل وذلك أن له عند النصارى أربع نسخ مجموعة في مصحف واحد أحدها إنجيل متى والثاني لمارقوس والثالث للوقا والرابع ليوحنا وقد ألف كل من هؤلاء الأربعة إنجيلًا على حسب دعوته في بلاده وهي مختلفة اختلافًا كثيرًا حتى في صفات المسيح عليه السلام وأيام دعوته ووقت الصلب بزعمهم وفي نسبه أيضًا وهذا الاختلاف لا يحتمل مثله ومع هذا فعند كل من أصحاب مرقيون وأصحاب ابن ديصان إنجيل يخالف بعضه هذه الأناجيل ولأصحاب ماني إنجيل على حدة يخالف ما عليه النصارى من أوله إلى آخره ويزعمون أنه هو الصحيح وما عداه باطل‏.‏

ولهم أيضًا إنجيل يسمى‏:‏ إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس والنصارى وغيرهم ينكرونه وإذا كان الأمر من الاختلاف بين أهل الكتاب كما قد رأيت ولم يكن للقياس والرأي مدخل في تمييز حق ذلك من باطلة امتنع الوقوف على حقيقة ذلك من قبلهم ولم يعول على شيء من أقوالهم فيه وأما غير أهل الكتاب فإنهم أيضًا مختلفون في ذلك‏.‏

قال أسوش‏:‏ بين خلق آدم وبين ليلة الجمعة أول الطوفان ألفا سنة ومائتا سنة وست وعشرون سنة وثلاثة وعشرون يومًا وأربع ساعات وقال ماشاه‏:‏ واسمه منشا بن أثري منجم المنصور والمأمون في كتاب القرانات‏:‏ أول قران وقع بين زحل والمشتري في بدء التحرك يعني ابتداء النسل من آدم كان على مضي خمسمائة وتسع سنين وشهرين وأربعة وعشرين يومًا مضت من ألف المريخ فوقع القران في برج الثور من المثلثة الأرضية على سبع درج واثنتين وأربعين دقيقة وكان انتقال الممر من برج الميزان ومثلثته الهوائية إلى برج العقرب ومثلثته المائية بعد ذلك بألفي سنة وأربعمائة سنة واثنتي عشرة سنة وستة أشهر وستة وعشرين يومًا ووقع الطوفان في الشهر الخامس من السنة الأولى من القران الثاني من قرانات هذه المثلثة المائية وكان بين وقت القران الأول الكائن في بدء التحرك وبين الشهر الذي كان فيه الطوفان ألفان وأربعمائة وثلاث وعشرون سنة وستة أشهر واثنا عشر يومًا قال‏:‏ وفي كل سبعة آلاف سنة وسنتين وعشرة أشهر وستة أيام يرجع القران إلى موضعه من برج الثور الذي كان في بدء التحرك وهذا القول أعزك الله هو الذي اشتهر حتى ظن كثير من الملل أن مدة بقاء الدنيا سبعة آلاف سنة فلا تغتر به وتنبه إلى أصله تجده أوهى من بيت العنكبوت فاطرحه‏.‏

وقيل‏:‏ كان بين آدم وبين الطوفان ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثون سنة وقيل‏:‏ كانت بينهما مدة ألفين ومائتين وست وخمسين سنة وقيل‏:‏ ألفان وثمانون سنة‏.‏

وأما تاريخ الطوفان‏:‏ فإنه يتلو تاريخ الخليقة وفيه من الاختلاف ما يطمع في حقيقته من أجل الاختلاف فيما بين آدم وبينه وفيما بينه وبين تاريخ الإسكندر فإن اليهود عندهم أن بين الطوفان وبين الإسكندر ألفًا وسبعمائة واثنتين وتسعين سنة وعند النصارى بينهما ألفا سنة وتسعمائة وثمان وثلاثون سنة والفرس وسائر المجوس والكلدانيون أهل بابل والهند وأهل الصين وأصناف الأمم المشرقية ينكرون الطوفان وأقر به بعض الفرس لكنهم قالوا‏:‏ لم يكن الطوفان بسوى الشام والمغرب ولم يعم العمران كله و لا غرق إلا بعض الناس ولم يتجاوز عقبة حلوان ولا بلغ إلى ممالك المشرق قالوا‏:‏ ووقع في زمان طمهورت وإن أهل المغرب لما أنذر حكماؤهم بالطوفان اتخذوا المباني العظيمة كالهرمين بمصر ونحوهما ليدخلوا فيها عند حدوثه ولما بلغ طمهورت الإنذار بالطوفان قبل كونه بمائة وإحدى وثلاثين سنة أمر باختيار مواضع في مملكته صحيحة الهواء والتربة فوجد ذلك بأصبهان فأمر بتجليد العلوم ودفنها فيها في أسلم المواضع ويشهد لهذا ما وجد بعد الثلثمائة من سني الهجرة في حي من مدينة أصبهان من التلال التي انشقت عن بيوت مملوءة أعد الأعدة كثيرة قد ملئت من لحاء الشجر التي تلبس بها القسي وتسمى‏:‏ التور مكتوبة بكتابة لم يدر أحد ما هي‏.‏

وأما المنجمون‏:‏ فإنهم صححوا هذه السنين من القران الأول من قرانات العلويين‏:‏ زحل والمشتري التي أثبت علماء أهل بابل والكلدانيين مثلها إذا كان الطوفان ظهوره من ناحيتهم فإن السفينة استقرت على الجودي وهو غير بعيد من تلك النواحي قالوا‏:‏ وكان هذا القران قبل الطوفان بمائتين وعشرين سنة ومائة وثمانية أيام واعتنوا بأمرها وصححوا ما بعدها فوجدوا ما بين الطوفان وبين أول ملك بخت نصر الأول ألفي سنة وستمائة وأربع سنين وبين بخت نصر هذا وبين الإسكندر أربعمائة وست وثلاثون سنة وعلى ذلك بنى أبو معشر أوساط الكواكب في زيجه وقال‏:‏ كان الطوفان عند اجتماع الكواكب في آخر برج الحوت وأول برج الحمل وكان بين وقت الطوفان وبين تاريخ الإسكندر قدر ألفي سنة وسبعمائة وتسعين سنة مكبوسة وسبعة أشهر وستة وعشرين يومًا وبينه وبين يوم الخميس أول المحرم من السنة الأولى من سني الهجرة النبوية ألف ألف يوم وثلثمائة ألف يوم وتسعة وخمسون ألف يوم وتسعمائة يوم وثلاثة وسبعون يومًا يكون من السنين الفارسية المصرية ثلاثة آلاف سنة وسبعمائة وخمسًا وعشرين سنة وثلثمائة يوم وثمانية وأربعين يومًا‏.‏

ومنهم من يرى أن الطوفان كان يوم الجمعة وعند أبي معشر أنه كان يوم الخميس ولما تقرر عنده الجملة المذكورة وخرجت له المدة التي تسمى‏:‏ أدوار الكواكب وهي بزعمهم ثلثمائة ألف وستون ألف سنة شمسية وأولها متقدم على وقت الطوفان بمائة ألف وثمانين ألف سنة شمسية حكم بأن الطوفان كان في مائة ألف وثمانين ألف سنة وسيكون فيما بعد كذلك ومثل هذا لا يقبل إلا بحجة أو من معصوم‏.‏

وأما تاريخ بخت نصر‏:‏ فإنه على سني القبط وعليه يعمل في استخراج مواضع الكواكب من كتاب المجسطي ثم أدوار قالليس وأول أدواره في سنة ثماني عشرة وأربعمائة لبخت نصر وكل دور منها ست وسبعون سنة شمسية وكان قالليس من جلة أصحاب التعاليم وبخت نصر هذا ليس هو الذي خرب بيت المقدس وإنما هو آخر كان قبل بخت نصر مخرب بيت المقدس بمائة وثلاث وأربعين سنة وهو اسم فارسي أصله بخت برسي ومعناه كثير البكاء والأنين ويقال له بالعبرانية‏:‏ نصار وقيل تفسيره‏:‏ عطارد وهو ينطق وذلك لتحيبه على الحكمة وتغريب أهلها ثم عرب فقيل‏:‏ بخت نصر‏.‏

وأما تاريخ فيلبس‏:‏ فإنه على سني القبط وكثيرًا ما يستعمل هذا التاريخ من موت الإسكندر البناء المقدوني وكلا الأمرين سواء فإن القائم بعد البناء هو فيلبس فسواء كان من موت الأول أو من قيام الآخر فإن الحالة المؤرخة هي كالفصل المشترك بينهما وفيلبس هذا هو أبو الإسكندر المقدوني ويعرف هذا التاريخ‏:‏ بتاريخ الإسكندرانيين وعله بنى تاون الإسكندراني في تاريخه المعروف بالقانون والله أعلم‏.‏

وأما تاريخ الإسكندرية فإنه على سني الروم عليه يعمل أكثر الأمم إلى وقتنا هذا من أهل الشام وأهل بلاد الروم وأهل المغرب والأندلس والفرنج واليهود وقد تقدم الكلام عليه عند ذكر الإسكندرية من هذا الكتاب‏.‏

وأما تاريخ أغشطش فإنه لا يعرف اليوم أحد يستعمله وأغشطش هذا هو أول القياصرة ومعنى قيصر بالووية شق عنه فإن أغشطش هذا لما حملت به أمه ماتت في المخاض فشق بطنها حتى أخرج منه فقيل‏:‏ قيصر وبه يلقب من بعده ملوك الروم ويزعم النصارى أن المسيح عليه السلام‏:‏ ولد لأربعين سنة من ملكه وفي هذا القول نظر فإنه لا يصح عند سياقه السنين والتواريخ بل يجيء تعديل ولادته عليه السلام في السنة السابعة عشر من ملكه‏.‏

وأما تاريخ أنطينس‏:‏ فإن بطليموس صحح الكواكب الثابتة في كتابه المعروف بالمجسطي لأول ملكه على الروم وسنو هذا التاريخ رومي‏.‏

ذكر تاريخ القبط اعلم‏:‏ أن السنة الشمسية عبارة عن عود الشمس في فلك البروج إذا تحركت على خلاف حركة الكل إلى أي نقطة فرضت ابتداء حركتها وذلك أنها تستوفي الأزمنة الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء وتحوز طبائعها الأربع وتنتهي إلى حيث بدأت وفي هذه المدة يستوفي القمر اثنتي عشرة عودة وأقل من نصف عودة ويستهل اثنتي عشرة مرة فجعلت المدة التي فيها عودات القمر الإثنتا عشرة في فلك البروج سنة للقمر على الاصطلاح وأسقط الكسر الذي هو أحد عشر يومًا بالتقريب فصارت السنة على قسمين‏:‏ سنة شمسية وسنة قمرية وجميع من على وجه الأرض من الأمم أخذوا تواريخ سنيهم من مسير الشمس والقمر فالآخذون بسير الشمس خمس أمم وهم‏:‏ اليونانيون والسريانيون والقبط والروم والفرس والآخذون بسير القمر خمس أمم هم‏:‏ الهند والعرب واليهود والنصارى والمسلمون‏.‏

فأهل قسنطينية والإسكندرية وسائر الروم والسريانيون والكلدانيون وأهل مصر ومن يعمل برأي المعتضد أخذوا بالسنة الشمسية التي هي ثلثمائة وخمسة وستون يومًا وربع يوم بالتقريب وصيروا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يومًا وألحقوا الأرباع بها في كل أربع سنين يومًا حتى وأما قبط مصر القدماء‏:‏ فإنهم كانوا يتركون الأرباع حتى يجتمع منها أيام سنة تامة وذلك في ألف وأربعمائة وستين سنة ثم يكبسونها سنة واحدة ويتفقون حينئذ في أول تلك السنة مع أهل الإسكندرية وقسطنطينية‏.‏