فصل: تابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 وأما الفرس‏:‏ فإنهم جعلوا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يومًا من غير كبس حتى اجتمع لهم من ربع اليوم في مائة وعشرين سنة أيام شهر تام ومن خمس الساعة الذي يتبع ربع اليوم عندهم يوم واحد فألحقوا الشهر التام بها في كل مائة وست عشرة سنة واقتفى أثرهم في هذا أهل خوارزم القدماء والصفد ومن دان بدين فارس وكانت الملوك البيشدادية منهم وهم الذين ملكوا الدنيا بحذافيرها يعملون السنة ثلثمائة وخمسة وستين يومًا كل شهر منها‏:‏ ثلاثون يومًا سواء وكانوا يكبسون السنة كل ست سنين بيوم ويسمونها كبيسة وكل مائة وعشرين سنة بشهرين أحدهما بسبب خمسة الأيام والثاني بسبب ربع اليوم وكانوا يعظمون تلك السنة ويسمونها المباركة‏.‏

وأما قدماء القبط‏:‏ وأهل فارس في الإسلام وأهل خوارزم والصفد فتركوا الكسور أعنى الربع وما يتبعه أصلًا‏.‏

وأما العبرانيون وجميع بني إسرائيل والصابئون والحرانيون فإنهم أخذوا السنة من مسير الشمس وشهورها من مسير القمر لتكون أعيادهم وصيامهم على حساب قمري وتكون مع ذلك حافظة لأوقاتها من السنة فكبسوا كل تسع عشرة سنة قمرية بستة أشهر ووافقهم النصارى في صومهم وبعض أعيادهم لأن مدار أمرهم على نسخ اليهود خالفوهم في الشهور إلى مذهب الروم والسريانيين وكانت العرب في جهالتها تنظر إلى فضل ما بين سنتهم وسنة القمر وهو عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس ساعة فيلحقون ذلك بها شهرًا كلما تم منها ما يستوفي أيام شهر ولكنهم كانوا يعملون على أنه عشرة أيام وعشرون ساعة وكان يتولى ذلك النسأة من بني كنانة المعروفون بالقلامس وأحدهم قلمس وهو البحر الغزير وهو أبو تمام جنادة بن عوف بن أمية بن قلع وأول من فعل ذلك منهم‏:‏ حذيفة بن عبد فقيم وآخر من فعله أبو تمامة وأخذ العرب الكبس من اليهود قبل مجيء الإسلام بنحو المائتي سنة وكانوا يكبسون في كل أربعة وعشرين سنة تسعة أشهر حتى تبقى أشهر السنة ثابتة مع الأزمنة على حالة واحدة لا تتأخر عن أوقاتها ولا تتقدم إلى أن حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى عليه‏:‏ ‏"‏ إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يجلونه عامًا ويحرمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ‏"‏ ‏"‏ التوبة ‏"‏ فخطب صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏"‏ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فبطل النسيء وزالت شهور العرب عما كانت عليه وأما أهل الهند فإنهم يستعملون رؤية الأهلة في شهورهم ويكبسون كل تسعمائة سنة وسبعين يومًا بشهر قمري ويجعلون ابتداء تاريخهم‏:‏ اتفاق اجتماع في أول دقيقة من برج ما وأكثر طلبهم لهذا الاجتماع أن يتفق في إحدى نقطتي الاعتدالين ويسمون السنة الكبيسة بذمات فهذه آراء الخليقة في السنة‏.‏

وأما اليوم فإنه عبارة عن عود الشمس بدوران الكل إلى دائرة قد فرضت وقد اختلف فيه فجعله العرب من غروب الشمس إلى غروبها من الغد ومن أجل أن شهور العرب مبنية على مسير القمر وأوائلها مقيدة برؤية الهلاب والهلال يرى لدن غروب الشمس صارت الليلة عندهم قبل النهار وعند الفرس والروم اليوم بليلته من طلوع الشمس بارزة من أفق المشرق إلى وقت طلوعها من الغد فصار النهار عندهم قبل الليل واحتجوا على قولهم‏:‏ بأن النور وجود والظلمة عدم والحركة تغلب على السكون لأنها وجود لا عدم وحياة لا موت والسماء أفضل من الأرض والعامل الشاب أصح والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد واحتج الآخرون بأن الظلمة أقدم من النور والنور طارئ عليها فالأقدم يبدأ به وغلبوا السكون على الحركة بإضافة الراحة والدعة إليه وقالوا‏:‏ الحركة إنما هي الحاجة والضرورة والتعب تنتجه الحركة والسكون إذا دام في الاستقصاءات مدة لم يولد فسادًا فإذا دامت الحركة في الاستقصاءات واستحكمت أفسدت وذلك كالزلازل والعواصف والأمواج وشبهها وعند أصحاب التنجيم أن اليوم بليلته من موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في الغد وذلك من وقت الظهر إلى وقت العصر وبنوا على ذلك حساب أزياجهم وبعضهم ابتدأ باليوم من نصف الليل وهو صاحب زيج شهر بارازانساه وهذا هو حد اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب فأما على التفصيل‏:‏ فاليوم بانفراده والنهار بمعنى واحد وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروب جرمها والليل خلاف ذلك وعكسه وحد بعضهم أول النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخليط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ‏"‏ ‏"‏ البقرة 137 ‏"‏ وقال‏:‏ هذان الحدان هما طرفا النهار وعورض بأن الآية إنما فيها بيان طرفي الصوم لا تعريف أول النهار وبأن الشفق من جهة المغرب نظير الفجر من جهة المشرق وهما متساويان في العلة فلو كان طلوع الفجر أول النهار لكان غروب الشفق آخره وقد التزم ذلك بعض الشيعة فإذا تقرر ذلك فنقول تاريخ القبط يعرف عند نصارى مصر الآن بتاريخ الشهداء ويسميه بعضهم تاريخ دقلطيانوس‏.‏

دقلطيانوس الذي يعرف تاريخ القبط به اعلم‏:‏ أن دقلطيانوس هذا‏:‏ أحد ملوك الروم المعروفين بالقياصرة ملك في منتصف سنة خمس وتسعين وخمسمائة من سني الإسكندر وكان من غير بيت الملك فلما ملك تجبر وامتد ملكه إلى مدائن الأكاسرة ومدينة بابل فاستخلف ابنه على مملكة رومة واتخذ تخت ملكه بمدينة أنطاكية وجعل لنفسه بلاد الشام ومصر إلى أقصى المغرب فلما كان في السنة التاسعة عشر من ملكه وقيل‏:‏ الثانية عشر خالف عليه أهل مصر والإسكندرية فبعث إليهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا وأوقع بالنصارى فاستباح دماءهم وغلق كنائسهم ومنع من دين النصارى وحمل الناس على عبادة الأصنام وبالغ في الإسراف في قتل النصارى وأقام ملكًا إحدى وعشرين سنة وهلك بعد علل صعبة دود منها بدنه وسقطت أسنانه وهو آخر من عبد الأصنام من ملوك الروم كل من ملك بعده فإنما كان على دين النصرانية فإن الذي ملك بعده ابنه سنة واحدة وقيل‏:‏ أكثر من ذلك ثم ملك قسطنطين الأكبر فأظهر دين النصرانية ونشره في الأرض ويقال‏:‏ إن رجلًا ثار بمصر يقال له‏:‏ أجله وخرج عن طاعة الروم فسار إليه دقلطيانوس وحصر الإسكندرية دار الملك يومئذ ثمانية أشهر حتى أخذ أجله وقتله وعم أرض مصر كلها بالسبي والقتل وبعث قائده فحارب سابور ملك فارس وقتل أكثر عسكره وهزمه وأسر امرأته وإخوته وأثخن في بلاده وعاد بأسرى كثيرة من رجال فارس ثم أوقع بعامة بلاد رومة فأكثر في قتلهم وسبيهم فكانت أيامه شنعة قتل فيها من أصناف الأمم وهدم من بيوت العبادات ما لا يدخل تحت حصر وكانت واقعته بالنصارى هي الشدة العاشرة وهي أشنع شدائدهم وأطولها لأنها دامت عليهم مدة عشر سنين لا يفتر يومًا واحدًا يحرق فيها كنائسهم ويعذب رجالهم ويطلب من استتر منهم أو هرب ليقتل يريد بذلك قطع أثر النصارى وإبطال دين النصرانية من الأرض فلهذا اخذوا ابتداء ملك دقلطيانوس تاريخًا وكان ابتداء ملكه يوم الجمعة وبينه وبين يوم الاثنين أول يوم من توت وهو أول أيام ملك الإسكندرية بن فيلبس المقدوني خمسمائة وأربع وتسعون سنة وأحد عشر شهرًا وثلاثة أيام وبين يوم الجمعة أول يوم من تاريخ دقلطيانوس وبين يوم الخميس أول يوم من سنة الهجرة النبوية ثلثمائة وثمان وثلاثون سنة قمرية وتسعة وثلاثون يومًا وجعلوا شهور السنة القبطية اثني عشر شهرًا كل شهر منها عدده ثلاثون يومًا سواء فإذا تمت الأشهر الإثنا عشر أتبعوها بخمسة أيام زيادة على عدد أيامها وسموا هذه الخمسة الأيام أبو عمنا وتعرف اليوم‏:‏ بأيام النسيء فيكون الحال في النسيء على ذلك ثلاث سنين متواليات فإذا كان في السنة الرابعة جعلوا النسيء ستة أيام فتكون سنوهم ثلاث سنين متواليات كل سنة ثلثمائة وخمسة وستون يومًا والرابعة يصير عددها ثلثمائة وستة وستين يومًا ويرجع حكم سنتهم إلى حكم سنة اليونانيين بأن تصير سنتهم الوسطى ثلثمائة وخمسة وستين يومًا وربع يوم إلا أن الكبس يختلف فإذا كان كبس القبط في سنة كان كبس اليونانيين في السنة الداخلة‏.‏

وأسماء شهور القبط‏:‏ توت بابه‏.‏

هتور كهيك طوبه أمشير برمهات برموده بشنس بؤونة أبيب مسرى فهذه اثنا عشر شهرًا كل شهر منها عدده ثلاثون يومًا وإذا كانت عدة شهر مسري وهو الشهر الثاني عشر زادوا أيام النسيء بعد ذلك وعملوا النوروز أول يوم من شهر توت‏.‏

ذكر أسابيع الأيام اعلم‏:‏ أن القدماء من الفرس والصفد وقبط مصر الأول لم يكونوا يستعملون الأسابيع من الأيام في الشهور وأول من استعملها أهل الجانب الغربي من الأرض لا سيما أهل الشام وما حواليه من أجل ظهور الأنبياء عليهم السلام فيما هنالك وأخبارهم عن الأسبوع الأول وبدء العالم فيه وإن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام من الأسبوع ثم انتشر ذلك منهم في سائر الأمم واستعملته العرب العاربة بسبب تجاوز ديارهم وديار أهل الشام فإنهم كانوا قبل تحولهم إلى اليمن ببابل وعندهم أخبار نوح عليه السلام ثم بعث الله تعالى إليهم هودًا ثم صالحًا عليهما السلام وأنزل فيهم إبراهيم خليل الرحمن ابنه إسماعيل عليهما السلام فتعرب إسماعيل وكانت القبط الأول تستعمل أسماء الأيام الثلاثين من كل شهر فتجعل لكل يوم منها اسمًا كما وهو العمل في تاريخ الفرس ومازالت القبط على هذا إلى أن ملك مصر أغشطش بن بوحس فاراد أن يحملهم على كبس السنين ليوافقوا الروم أبدًا فيها فوجدوا الباقي حينئذ إلى تما السنة الكبيسة الكبرى خمس سنين فانتظر حتى مضى من ملكه خمس سنين ثم حملهم على كبس الشهور في كل أربع سنين بيوم كما تفعل الروم فترك القبط من حينئذ استعمال أسماء الأيام الثلاثين لاحتياجهم في يوم الكبس إلى اسم يخصه وانقرض بعد ذلك مستعملو أسماء الأيام الثلاثين من أهل مصر والعارفون بها ولم يبق لها ذكر يعرف في العالم بين الناس بل دثرت كما دثر غيرها من أسماء الرسوم القديمة والعادات الأول سنة الله في الذين خلوا من قبل وكانت أسماء شهور القبط في الزمن القديم‏:‏ توت بؤوني أتور سواق طوبى ماكيرن فامينوت برموتي باحون باوني افيعي ابيقا وكل شهر منها ثلاثون يومًا ولكل يوم اسم يخصه ثم أحدث بعض رؤساء القبط بعد استعمالهم الكبس الأسماء التي هي اليوم متداولة بين الناس بمصر إلا أن من الناس من يسمى كيهك كياك ويقول في برمهات برمهوط وفي بشنس بشانس في مسري ماسوري ومن الناس من يسمى الخمسة الأيام الزائدة أيام النسيء ومنهم من يسميها أبو عمنا ومعنى ذلك الشهر الصغير وهي كما تقدم تلحق في آخر مسرى وفيه يزداد اليوم الكبيس فيكون أبو عمنا ستة أيام حينئذ ويسمون السنة الكبيسة النقط ومعناه العلامة ومن خرافات القبط أن شهورهم هي شهور سني نوح وشيث وآدم منذ ابتداء العالم وإنها لم تزل على ذلك إلى أن خرج موسى ببني إسرائيل من مصر فعملوا أول سنتهم خامس عشر نيسان كما أمروه به في التوراة إلى أن نقل الإسكندر رأس سنتهم إلى أول تشرين وكذلك المصريون نقل بعض ملوكهم أول سنتهم إلى أول يوم من ملكه فصار أول توت عندهم يتقدم أول يوم خلق فيه العالم بمائتين وثمانية أيام أولها يوم الثلاثاء وآخرها يوم السبت وكان توت أوله في ذلك الوقت يوم الأحد وهو أول يوم خلق الله فيه العالم الذي يقال له الآن‏:‏ تاسع عشري برمهات وذلك أن أول من ملك على الأرض بعد الطوفان نمرود بن كنعان بن حام بن نوح فعمر بابل وهو أبو الكلدانيين وملك بنو مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام متش فبنى منف بمصر على النيل وسماها باسم جده مصرايم وهو ثاني ملك ملك على الأرض وهذان الملكان استعملا تاريخ جدهما نوح عليه السلام واستن بسنتهم من جاء بعدهم حتى تغيرت كما تقدم‏.‏

أعياد القبط من النصارى بديار مصر روى يونس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ اجتنبوا عيد اليهود والنصارى فإن السخط ينزل عليهم في مجامعهم ولا تتعلموا رطانتهم فتخلقوا ببعض خلقهم‏.‏

وعن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كرامًا ‏"‏ ‏"‏ الفرقان 72 ‏"‏ قال‏:‏ أعياد المشركين فقيل له‏:‏ أو ما هذا في الشهادة بالزور فقال لا إنما أية شهادة الزور ولا تقف ما ليس له به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا‏.‏

اعلم‏:‏ أن نصارى من القبط ينحلون مذهب اليعقوبية كما تقدم ذكره وأعيادهم الآن التي هي مشهورة بديار مصر أربعة عشر عيدًا في كل سنة من سنيهم القبطية منها سبعة أعياد يسمونها أعيادًا كبارًا وسبعة يسمونها أعيادًا صغارًا‏.‏

فالأعياد الكبار عندهم‏:‏ عيد البشارة وعيد الزيتونة وعيد الفصح وعيد خميس الأربعين وعيد الخميس وعيد الميلاد وعيد الغطاس‏.‏

والأعياد الصغار‏:‏ عيد الختان وعيد الأربعين وخميس العهد وسبت النور وأحد الحدود والتجلي وعيد الصليب ولهم مواسم أخر ليست هي عندهم من الأعياد الشرعية لكنها عندهم من المواسم العادية وهو يوم النوروز وسأذكر من خبر هذه الأعياد ما لا تجده مجموعًا في غير هذا الكتاب على ما استخرجته من كتب النصارى وتواريخ أهل الإسلام‏.‏

عيد البشارة‏:‏ هذا العيد عيد النصارى أصله بشارة جبريل مريم بميلاد المسيح عليهما السلام وهم يسمون جبريل غبريال ويقولون‏:‏ مات مريم ويسمون المسيح‏:‏ ياشوع وربما قالوا‏:‏ السيد يشوع وهذا العيد تعمله نصارى مصر في اليوم التاسع والعشرين من شهر برمهات‏.‏

عيد الزيتونة‏:‏ ويعرف عندهم‏:‏ بعيد الشعانين ومعناه التسبيح ويكون في سابع أحد من صومهم وسنتهم في عيد الشعانين أن يخرجوا سعف النخل من الكنيسة ويرون أنه يوم ركوب المسيح العنو وهو الحمار في القدس ودخوله إلى صهيون وهو راكب والناس بين يديه يسبحون وهو يأمر بالمعروف ويحث على عمل الخير وينهى عن المنكر ويباعد عنه وكان عيد الشعانين من مواسم النصارى بمصر التي تزين فيها كنائسهم فلما كان لعشر خلون من شهر رجب سنة ثمان وسبعين وثلثمائة كان عيد الشعانين فمنع الحاكم بأمر الله أبو علي منصور بن العزيز بالله النصارى من تزيين كنائسهم وحملهم الخوص على ما كانت عادتهم وقبض على عدة ممن وجد معه شيئًا من ذلك وأمر بالقبض على ما هو محبس على الكنائس من الأملاك وأدخلها في الديوان وكتب لسائر الأعمال بذلك وأحرقت عدة من صلبانهم على باب الجامع العتيق والشرطة‏.‏

 

عيد الفصح

هذا العيد عندهم هو العيد الكبير ويزعمون أن المسيح عليه السلام‏.‏

لما تمالأ اليهود عليه واجتمعوا على تضليله وقتله قبضوا عليه وأحضروه إلى خشبة ليصلب عليها فصلب على خشبة عليها لصان وعندنا وهو الحق أن الله تعالى رفعه إليه ولم يصلب ولم يقتل وأن الذي صلب على الخشبة مع اللصين غير المسيح ألقى الله عليه شبه المسيح وقالوا‏:‏ واقتسم الجند ثيابه وغشي الأرض ظلمة من الساعة السادسة من النهار إلى الساعة التاسعة من يوم الجمعة خامس عشر هلال نيسان للعبرانيين وتاسع عشري برمهات وخامس عشري آذار سنة ودفن الشبيه آخر النهار بقبر وأطبق عليه حجر عظيم وختم عليه رؤساء اليهود وأقاموا عليه الحرس باكر يوم السبت كيلا يسرق فزعموا أن المقبور قام من القبر ليلة الأحد سحرًا مضى بطرس ويوحنا التلميذان إلى القبر وإذا الثياب التي كانت على المقبور بغير ميت وعلى القبر ملاك الله بثياب بيض فأخبرهما بقيام المقبور من القبر قالوا‏:‏ وفي عشية يوم الأحد هذا دخل المسيح على تلاميذه وسلم عليهم وأكل معهم وكلمهم وأوصاهم وأمرهم بأمور قد تضمنها إنجيلهم وهذا العيد عندهم بعد عيد الصلبوت بثلاثة أيام‏.‏

خميس الأربعين‏:‏ ويعرف عند أهل الشام بالمسلاق ويقال له أيضًا‏:‏ عيد الصعود وهو الثاني والأربعون من الفطر ويزعمون أن المسيح عليه السلام بعد أربعين يومًا من قيامته خرج إلى بيت عينا والتلاميذ معه فرفع يديه وبارك عليهم وصعد إلى السماء وذلك عند إكماله ثلاثًا وثلاثين سنة وثلاثة أشهر فرجع التلامذة إلى أوراسليم يعني بيت المقدس وقد وعدهم باشتهار أمرهم وغير ذلك مما هو معروف عندهم فهذا اعتقادهم في كيفية رفع المسيح من أصدق من الله حديثًا‏.‏

عيد الخميس‏:‏ وهو العنصرة ويعملونه بعد خمسين يومًا من يوم القيام وزعموا أن بعد عشرة أيام من الصعود وخمسين يومًا من قيامة المسيح اجتمع التلاميذ في علية صهيون فتجلى لهم روح القدس في شبه ألسنة من نار فامتلأوا من روح القدس وتكلموا بجميع الألسن وظهرت على أيديهم آيات كثيرة فعاداهم اليهود وحبسوهم فنجاهم الله منهم وخرجوا من السجن فساروا في الأرض متفرقين يدعون الناس إلى دين المسيح‏.‏

عيد الميلاد‏:‏ يزعمون أنه اليوم الذي ولد فيه المسيح وهو يوم الاثنين فيحيون عشية ليلة الميلاد وسنتهم فيه كثرة الوقود بالكنائس وتزيينها ويعملونه بمصر في التاسع والعشرين من كيهك ولم يزل بديار مصر من المواسم المشهورة فكان يفرق فيه أيام الدولة الفاطمية على أرباب الرسوم من الأستاذين المحنكين والأمراء المطوقين وسائر الموالي من الكتاب وغيرهم الجامات من الحلاوة القاهرية والمثارد التي فيها السميذ وقربات الجلاب وطمافير الزلابية والسمك المعروف بالبوري ومن رسم النصارى في الميلاد اللعب بالنار‏.‏

ومن أحسن ما قيل‏:‏ ما اللعب بالنار في الميلاد من سفه وإنما فيه للإسلام مقصود ففيه بهت النصارى أن ربهم عيسى ابن مريم مخلوق ومولود وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسمًا جليلًا يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري من ذلك لأولاده وأهله وكانوا يسمونها‏:‏ الفوانيس واحدها فانوس ويعلقون منها في الأسواق بالحوانيت شيئًا يخرج عن الحد في الكثرة والملاحة ويتنافس الناس في المغالات في أثمانها حتى لقد أدركت شمعة عملت فبلغ مصروفها‏:‏ ألف درهم وخمسمائة درهم فضة عنها يومئذ ما ينيف على سبعين مثقالًا من الذهب واعرف السؤال في الطرقات أيام هذه المواسم وهم يسألون الله أن يتصدق عليهم بفانوس فيشتري لهم من صغار الفوانيس ما يبلغ ثمنه الدرهم وما حوله ثم لما اختلت أمور مصر كان من جملة ما بطل من عوايد الترف عمل الفوانيس في الميلاد إلا قليلًا‏.‏

الغطاس‏:‏ ويعمل بمصر في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة وأصله عند النصارى أن يحيى بن زكرياء عليهما السلام المعروف عندهم بيوحنا المعمداني‏:‏ عمد المسيح أي غسله في بحيرة الأردن وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء اتصل به روح القدس فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم وينزلون فيه بأجمعهم ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد ويسمونه يوم الغطاس وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية‏.‏

قال المسعودي‏:‏ ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها وهي ليلة الحادي عشر من طوبه ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمد بن طفج أمير مصر في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة للنيل والنيل يطيف بها وقد أمر فأسرج في جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع وقد حضر بشاطئ النيل في تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين ومن النصارى منهم في الزواريق ومنهم في الدور الدانية من النيل ومنهم على سائر الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجوهر والملاهي والعزف والقصف وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ونشزة للداء‏.‏

وقال المسبحي في تاريخه‏:‏ من حوادث سنة سبع وستين وثلثمائة‏:‏ منع النصارى من إظهار ما كانوا يفعلونه في الغطاس من الاجتماع وزول الماء وإظهار الملاهي ونودي أن من عمل ذلك نفي من الحضرة وقال في سنة ثمان وثمانين وثلثمائة‏:‏ كان الغطاس فضربت الخيام والمضارب والأسرة في عدة مواضع على شاطئ النيل ونصبت أسرة للرئيس فهد بن إبراهيم النصراني كاتب الأستاذ برجوان وأوقدت الشموع والمشاعل وحضر المغنون والملهون وجلس مع أهله يشرب إلى أن كان وقت الغطاس فغطس وانصرف‏.‏

وقال‏:‏ في سنة إحدى وأربعمائة وفي ثامن عشري جمادى الأولى وهو عاشر طوبه منع النصارى من الغطاس وفلم يغطس أحد منهم في البحر وقال‏:‏ في حوادث سنة خمس عشرة وأربعمائة ولي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة كان غطاس النصارى فجرى الرسم من الناس في شراء الفواكه والضأن وغيره ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله لقصر جده العزيز بالله في مصر لنظر الغطاس ومعه الحرم ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم في البحر في النيل وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين خيمة عند الجسر وجلس فيها وأمر أمير المؤمنين بأن توقد النار والمشاعل في الليل وكان وقيدًا كثيرًا وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان والنيران فقسسوا هناك طويلًا إلى أن غطسوا وقال ابن المأمون في تاريخه‏:‏ من حوادث سنة سبع عشرة وخمسمائة وذكر الغطاس ففرق أهل الدولة ما جرت به العادة لأهل الرسوم من الأترج والنارنج والليمون في المراكب وأطنان القصب والبوري بحسب الرسوم المقررة بالديوان لكل واحد‏.‏

الختان‏:‏ يعمل في سادس شهر بؤونة ويزعمون أن المسيح ختن في هذا اليوم وهو الثامن من الميلاد والقبط من دون النصارى تختن بخلاف غيرهم‏.‏

الأربعون‏:‏ هو عندهم دخول المسيح الهيكل ويزعمون أن سمعان الكاهن‏:‏ دخل بالمسيح مع أمه وبارك عليه ويعمل في ثامن شهر أمشير‏.‏

خميس العهد‏:‏ ويعمل قبل الفصح بثلاثة أيام وسنتهم فيه أن يملؤوا إناء من ماء ويزمزمون عليه ثم يغسل للتبرك به أرجل سائر النصارى ويزعمون أن المسيح فعل هذا بتلامذته في مثل هذا اليوم كي يعلمهم التواضع ثم أخذ عليهم العهد أن لا يتفرقوا وأن يتواضع بعضهم لبعض وعوام أهل مصر في وقتنا يقولون‏:‏ خميس العدس من أجل أن النصارى تطبخ فيه العدس المصفى ويقول أهل الشام‏:‏ خميس الأرز وخميس البيض ويقول أهل الأندلس‏:‏ خميس أبريل وأبريل اسم شهر من شهورهم وكان في الدولة الفاطمية تضرب في خميس العدس هذا خمسمائة دينار فتعمل خراريب تفرق في أهل الدولة برسوم مفردة كما ذكر في أخبار القصر عند ذكر دار الضرب من هذا الكتاب وأدركنا خميس العدس هذا في القاهرة ومصر وأعمالها من جملة المواسم العظيمة فيباع في أسواق القاهرة من البيض المصبوغ عدة ألوان ما يتجاوز حد الكثرة فيقامر به العبيد والصبيان والغوغاء وينتدب لذلك من جهة المحتسب من يردعهم في بعض الأحيان ويهادي النصارى بعضهم بعضًا ويهدون إلى المسلمين أنواع السمك المنوع مع العدس المصفى والبيض وقد بطل ذلك لما حل بالناس وبقيت منه بقية‏.‏

سبت النور‏:‏ وهو قبل الفصح بيوم ويزعمون‏:‏ أن النور يظهر على قبر المسيح بزعمهم في هذا اليوم بكنيسة القيامة من القدس فتشعل مصابيح الكنيسة كلها وقد وقف أهل الفصح والتفتيش على أن هذا من جملة مخاريق النصارى لصناعة يعملونها وكان بمصر هذا اليوم من جملة المواسم ويكون ثالث يوم من خميس العدس ومن توابعه‏.‏

حد الحدود‏:‏ وهو بعد عيد الفصح بثمانية أيام فيعمل أول أحد بعد الفطر لأن الآحاد قبله مشغولة بالصوم وفيه يجدون الآلات والأثاث واللباس ويأخذون في المعاملات والأمور الدنيوية والمعاش‏.‏

عيد التجلي‏:‏ يعمل في ثالث عشر شهر مسرى يزعمون أن المسيح تجلى لتلاميذه بعدما رفع وتمنوا عليه أن يحضر لهم إيلياء وموسى عليهما السلام فأحضرهما إليهم بمصلى بيت المقدس ثم صعد إلى السماء وتركهم‏.‏

عيد الصليب‏:‏ ويعمل في اليوم السابع عشر من شهر توت وهو من الأعياد المحدثة وسببه ظهور الصليب بزعمهم على يد هيلانة أم قسطنطين وله خبر طويل عندهم ملخصه ما أنت تراه‏.‏