فصل: البساتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 البساتين

‏:‏ وكان للخلفاء عدة بساتين يتنزهون بها‏:‏ منها البساتين الجيوشية وهما بستانان كبيران أحدهما من عند زقاق الكحل خارج باب الفتوح إلى المطرية والآخر يمتد من خارج باب القنطرة إلى الخندق وكان لهما شأن عظيم ومن شدة غرام الأفضل بالبستان الذي كان يجاور بستان البعل عمل له سورًا مثل سور القاهرة وعمل فيه بحرًا كبيرًا وقبة عشاري تحمل ثمانية أرادب وبنى في وسط البحر منظرة محمولة على أربع عواميد من أحسن الرخام وحفها بشجر النارنج فكان نارنجها لا يقطع حتى يتساقط وسلط على هذا البحر أربع سواق وجعل له معبرًا من نحاس مخروط زنته قنطار وكان يملأ في عدة أيام وجلب إليه من الطيور المسموعة شيئًا كثيرًا واستخدم للحمام الذي كان به عدة مطيرين وعمر بن أبراجًا عدة للحمام والطيور المسموعة وسرح فيه كثيرًا من الطاوس وكان البستانان اللذان على يسار الخارج من باب الفتوح بينهما بستان الخندق لكل منهما أربعة أبواب من الأربع جهات على كل منها عدة من الأرمن وجميع الدهاليز مؤزرة بالحصر العبداني وعلى أبوابها سلاسل كثيرة من حديد ولا يدخل منها إلا السلطان وأولاده وأقاربه‏.‏

قال ابن عبد الظاهر‏:‏ واتفقت جماعة على أن الذي يشتمل عليه مبيعهما في السنة من زهر وثمر‏:‏ نيف وثلاثون ألف دينار وإنها لا تقوم بمؤنهما على حكم اليقين لا الشك وكان الحاصل بالبستان الكبير والمحسن إلى آخر الأيام الآمرية وهي سنة‏:‏ أربع وعشرين وخمسمائة‏:‏ ثمانمائة وأحد عشر رأسًا من البقر ومن الجمال‏:‏ مائة وثلاثة رؤوس ومن العمال وغيرهم ألف رجل‏.‏

وذكر أن الذي دار سور البساتين من سنط وجميز وأثل من أول حدها الشرقي وهو ركن بركة الأرمن مع حدهما البحري والغربي جميعًا إلى آخر زقاق الكحل في هذه المسافة الطويلة‏:‏ سبعة عشر ألف ألف مائتا شجرة وبقي قبليهما جميعًا لم يحصن‏.‏

وإن السنط تغصن حتى لحق بالجميز في العظم وإن معظم قرظه يسقط إلى الطريق فيأخذه الناس وبعد ذلك يباع بأربعمائة دينار وكان به كل ثمرة لها دويرة مفردة وعليها سياج وفيها نخل منقوش في ألواح عليها برسم الخاص لا تجنى إلا بحضور المشارف وكان فيهما ليمون تفاحي يوكل بقشرة بغير سكر وأقام هذان البستانان بيد الورثة الجيوشية مع البلاد التي لهم مدة أيام الوزير المأمون لم تخرج عنهم وكشف ذلك في أيام الخليفة الحافظ فكان فيهما ستمائة رأس من البقر وثمانون جملًا وقوم ما عليهما من الأثل والجميز فكانت قيمته‏:‏ مائتي ألف دينار وطلب الأمير شرف الدين وكانت له حرمة عظيمة من الخليفة الحافظ قط شجرة واحدة من سنط فأبى عليه فتشفع إليه وقومت بسبعين دينارًا فرسم الخليفة إن كانت وسط البستان تقطع وإلا فلا ولما جرى في آخر أيام الحافظ ما جرى من الخلف ذبحت أبقاره وجماله ونهب ما فيه من الآلات والأنقاض ولم يبق إلا الجميز والسنط والأثل لعدم من يشتريه انتهى‏.‏

وكان هذان البستانان من جملة الحبس الجيوشي وهو أن أمير الجيوش بدر الجمالي حبس عدة بلاد وغيرها منها في البر الشرقي بناحية بهتيت والأميرية والمنية وفي البر الغربي ناحية سفط ونهيا ووسيم مع هذين البستانين المذكورين على عقبة فاستأجر هذا الحبس الوزير مدة سنين بأجرة يسيرة وصار يزرع في الشرقي منه الكتان ومنه ما تبلغ قطيعته ثلاثة دنانير ونصفًا وربعًا عن كل فدان فيتناولون فيه ربحًا جزيلًا لأنفسهم فلما بعد العهد انقرضت أعقابه ولم يبق من ذريته سوى امرأة كبيرة فأفتى الفقهاء بأن هذا الحبس باطل فصار للديوان السلطاني يتصرف فيه ويحمل متحصله مع أموال بيت المال وتلاشت البساتين وبنى في أماكنها ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى وبنى العزيز بالله بستانًا بناحية سردوس‏.‏

قبة الهواء‏:‏ وكان من أحسن منتزهات الخلفاء الفاطميين قبة الهواء وهي مستشرف بهج بديع فيما بين التاج والخمس وجوه يحيط به عدة بساتين لكل بستان منها‏:‏ اسم ولهذه القبة فرش معدة في الشتاء والصيف ويركب إليها الخليفة في أيام الركوبات التي هي يوم السبت والثلاثاء‏.‏

بحر أبي المنجا‏:‏ وكان من منتزهات الخلفاء يوم فتح بحر أبي المنجا قال ابن المأمون‏:‏ وكان الماء لا يصل إلى الشرقية إلا من السردوسي ومن الصماصم ومن المواضع البعيدة فكان أكثرها يشرق في أكثر السنين وكان أبو المنجا اليهودي مشارف الأعمال المذكورة فتضرر المزارعون إليه وسألوا في فتح ترعة يصل الماء منها في ابتدائه إليهم فابتدأ بحفر خليج أبي المنجا في يوم الثلاثاء السادس من شعبان سنة ست وخمسمائة وركب الأفضل بن أمير الجيوش ضحى وصحبته القائد أبو عبد الله محمد بن فاتك البطائحي وجميع إخوته والعساكر تحاذيه في البر وجمعت شيوخ البلاد وأولادها وركبوا في المراكب ومعهم حزم البوص في البحر وصار العشاري والمراكب تتبعها إلى أن رماها الموج إلى الموضع الذي حفروا فيه البحر وأقام الحفر في سنتين وفي كل سنة تتبين الفائدة فيه ويتضاعف من ارتفاع البلاد ما يهون الغرامة عليه‏.‏

ولما عرض على الأفضل جملة ما أنفق فيه استعظمه وقال‏:‏ غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبي المنجا فغير اسمه ودعي بالبحر الأفضلي فلم يتم ذلك ولم يعرف إلا بأبي المنجا ثم جرى بين أبي المنجا وبين ابن أبي الليث صاحب الديوان بسبب الذي أنفق خطوب أدت إلى اعتقال أبي المنجا عدة سنين ثم نفي إلى الإسكندرية بعد أن كادت نفسه تتلف ولم يزل القائد أبو عبد الله بن فاتك يتلطف بحاله إلى تضاعف من عبرة البلاد ما سهل أمر النفقة فيه‏.‏

ورأيت بخط ابن عبد الظاهر وهذا أبو المنجا هو جد بني صفير الحكماء اليهود والذين أسلموا منهم ولما طال اعتقال أبي المنجا في الإسكندرية في مكان بمفرده مضيقًا عليه تحيل في تحصيل مصحف وكتب ختمة وكتب في آخرها‏:‏ كتبها أبو المنجا اليهودي وبعثها إلى السوق ليبعها فقامت قيامة أهل الثغر وطولع بأمره إلى الخليفة فأخرج‏.‏

وقيل له‏:‏ ما حملك على هذا فقال‏:‏ طلب الخلاص بالقتل فأدب وأطلق سبيله‏.‏

وقيل‏:‏ إنه كان في محبسه حية عظيمة فأحضر إليه في بعض الأيام لبن فرأى الحية وقد شربت منه ودخلت حجرها فصار في كل يوم يحضر لها لبنًا فتخرج وتشرب منه وتدخل مكانها ولم تؤذه‏.‏

ولما ولي المأمون البطائحي وزارة الآمر بأحكام الله بعد الأفضل بن أمير الجيوش تحدث الآمر معه في رؤية فتح هذا الخليج وأن يكون له يوم كخليج القاهرة فندب الآمر معه عدي الملك أبا البركات بن عثمان وكيله وأمره بأن يبني على مكان السد منظرة متسعة تكون من بحري السد وسرع في عمارتها بعد كمال النيل وما زال يوم فتح سد هذا البحر يومًا مشهودًا إلى أن زالت الدولة الفاطمية‏.‏

فلما استولى بنو أيوب من بعدهم على مملكة مصر أجروا الحال فيه على ما كان قال القاضي الفاضل في متجددات سنة سبع وسبعين وخمسمائة‏:‏ وركب السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب لفتح بحر أبي المنجا وعاد‏.‏

وقال‏:‏ وفي سنة تسعين وخمسمائة كسر بحر أبي المنجا بعد أن تأخر كسره عن عيد الصليب بسبعة أيام وكان ذلك لقصور النيل في هذه السنة ولم يباشر السلطان الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين بنفسه وركب أخوه شرف الدين يعقوب الطواشي لكسره وبدت في هذا اليوم من مخايل القبوط ما يوجبه سوء الأفعال من المجاهرة بالمنكرات والإعلان بالفواحش وقد أفرط هذا الأمر واشترك فيه الآمر والمأمور ولم ينسلخ شهر رمضان إلا وقد شهد ما لم يشهده رمضان قبله في الإسلام وبدا عقاب الله في الماء الذي كانت المعاصي على ظهره فإن المراكب كان يركب فيها في رمضان الرجال والنساء مختلطين مكشفات الوجوه وأيدي الرجال تنال منها ما تنال في الخلوات والطبول والعيدان مرتفعات الأصوات والصنجات واستنابوا في الليل عن الخمر بالماء والجلاب ظاهرًا وقيل‏:‏ إنهم شربوا الخمر مستورًا وقربت المراكب بعضها من بعض وعجز المنكر عن الإنكار إلا بقلبه ورفع الأمر إلى السلطان فندب حاجبه في بعض الليالي ففرق منهم من وجده في الحالة الحاضرة ثم عادوا بعد عوده وذكر أنه وجد في بعض المعادي خمرًا فأراقه‏.‏

ولما استهل شوال وهو مطموع فيه تضاعف هذا المنكر وفشت هذه الفاحشة ونسأل اللهالعفو والعافية عن الكبائر والتجاوز عما تسقط فيه المعاذر‏.‏

وقال‏:‏ في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة‏:‏ كسر بحر أبي المنجا وباشر العزيز كسره وزاد النيل فيه إصبعًا وهي الإصبع الثامنة عشرة من ثماني عشر ذراعًا وهذا الحد يسمى عند أهل مصر‏:‏ اللجة الكبرى وقد تلاشى في زمننا أمر الاجتماع في يوم فتح سد بحر أبي المنجا وقل الاحتفال به لشغل الناس بهتم المعيشة‏.‏

قصر الورد بالخاقانية‏:‏ وكان من أيام منتزهات الخلفاء يوم قصر الورد بناحية الخاقانية وهي قرية من قرى قليوب كانت من خاص الخليفة وبها جنان كثيرة للخليفة وكانت من أحسن المنتزهات المصرية وكان بها عدة دويرات يزرع فيها الورد فيسير إليها الخليفة يومًا ويصنع له فيها قصر عظيم من الورد ويخدم بضيافة عظيمة‏.‏

قال ابن الطوير عن الخليفة الآمر بأحكام الله‏:‏ وعمل له بالخاقانية وكانت من خاص الخليفة قصر من ورد فسار إليها يومًا وخدم بضيافة عظيمة فلما استقر هناك خرج إليه أمير يقال له‏:‏ حسام الملك من الأمراء الذين كانوا مع المؤتمن أخي المأمون البطائحي وتخاذلوا عنه فوصل إلى الخاقانية وهو لابس لأمة حربه والتمس المثول بين يديه يعني الخليفة فاستقل ما جاء به في ذلك الوقت مما ينافي ما فيه الخليفة من الراحة والنزهة وحيل بينه بين مقصوده فقال لجماعة من حواشي الخليفة‏:‏ أنتم منافقون على الخليفة إن لم أصل إليه فإنه يعاقبكم بذلك فأطلعوا الخليفة على أمره وحليته بالسلاح وقوله فأمر بإحضاره فلما وقعت عينه عليه قال‏:‏ يا مولانا لمن تركت أعداءك يعني الوزير المأمون البطائحي وأخاه وكان الآمر قد قبض عليهما واعتقلهما هذا والعهد قريب غير بعيد أأمنت الغدر فما أجابه إلا وهو على الرهاويج من الخيل فلم تمض ساعة غلا وهو بالقصر فمضى إلى مكان اعتقال المأمون وأخيه فزادهما وثاقًا وحراسة وفي أثناء ذلك وصل ابن نجيب الدولة الذي كان سيره المأمون في وزارته إلى اليمن لتحقيق نسبه أنه ولد من جارية نزار بن المستنصر لما خرجت من القصر وهي به حال ويدعو إليه بقية الناس وأحضر إلى القاهرة على جمل مشوه فأدخل خزانة البنود وقتل هو والمأمون وجماعة في تلك الليل وصلبوا ظاهر القاهرة‏.‏

بركبة الجب‏:‏ هي بظاهر القاهرة من بحريها وتسميها العامة في زمننا هذا الذي نحن فيه‏:‏ بركة الحاج لنزول الحجاج بها عند مسيرهم من القاهرة إلى الحج في كل سنة ونزولهم عند العود بها ومنها يدخلون إلى القاهرة ومن الناس من يقول‏:‏ جب يوسف وهو خطأ وإنما هي أرض جب عميرة وعميرة هذا هو‏:‏ ابن تميم بن جزء التجيبي من بني القرناء نسبت هذه الأرض غليه فقيل لها‏:‏ أرض جب عميرة ذكره ابن يونس وكان من عادة الخليفة المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر بن الحاكم في كل سنة أن يركب على النجب مع النساء والحشم إلى رجب عميرة هذا وهو موضع نزهة بهيئة أنه خارج إلى الحج على سبيل اللعب والمجانة وربما حمل معه الخمر في الروايا عوضًا عن الماء ويسقيه من معه وأنشده مرة الشريف أبو الحسن علي بن الحسين بن حيدرة العقيلي في يوم عرفة‏:‏ قم فانحر الراح يوم النحر بالماء ولا تضح ضحى إلا بصهباء وادرك حجيج الندامى قبل نفرهم إلى منى قصفهم مع كل هيفاء وعج على مكة الروحاء مبتكرًا فطف بها حول ركن العود والنائي قال ابن دحية‏:‏ فخرج في ساعته بروايا الخمر تزجي بنغمات حداة الملاهي وتساق حتى أناخ بعين شمس في كبكبة من الفساق فأقام بها سوق الفسوق على ساق وفي ذلك العام أخذه الله تعالى وأهل مصر بالسنين حتى بيع في أيام الرغيف‏:‏ بالثمن الثمين وعاد ماء النيل بعد عذوبته كالفسلين ولم يبق بشاطئيه أحد بعد أن كانا محفوفين بحور عين‏.‏

وقال ابن ميسر‏:‏ فلما كان في جمادى الآخرة من سنة‏:‏ أربع وخمسين وأربعمائة خرج المستنصر على عادته إلى بركة الجب فاتفق أن بعض الأتراك جرد سيفًا في سكر منه على بعض عبيد الشراء فاجتمع عليه طائفة من العبيد وقتلوه فاجتمع الأتراك بالمستنصر وقالوا‏:‏ إن كان هذا عن رضاك فالسمع والطاعة وإن كان عن غير رضاك فلا نرضى بذلك فأنكر المستنصر ما وقع وتبرأ مما فعله العبيد فتجمع الأتراك لحرب العبيد وبرز بعضهم إلى بعض وكان بين الفريقين قتال شديد على كوم شريك انهزم فيه العبيد وقتل منهم عدد كثير وكانت أم المستنصر تعين العبيد وتمدهم بالأموال والأسلحة فاتفق في بعض الأيام أن بعض الأتراك ظفر بشيء مما تبعث به أم المستنصر إلى العبيد فأعلم بذلك أصحابه وقد قويت شوكتهم بانهزام العبيد فاجتمعوا بأسرهم ودخلوا على المستنصر وخاطبوه في ذلك وأغلظوا في القول وجهروا بما لا ينبغي وصار السيف قائمًا والحروب متتابعة إلى أن كان من خراب مصر بالغلاء والفتن ما كان وكان من قبل المستنصر يترددون إلى بركة الجب‏.‏

قال المسبحي‏:‏ ولاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة أربع وثمانين وثلثمائة عرض العزيز بالله عساكره بظاهر القاهرة عند سطح الجب فنصب له مضرب ديباج رومي فيه ألف ثور بصفرية فضة ونصبت له فازة مثقل وقبة مثقل بالجوهر وضرب لابنه الأمير أبي علي منصور مضرب آخر وعرضت العساكر وكان عدتها مائة عسكري وأقبلت أسارى الروم وعدتهم مائتان وخمسون فطيف بهم وكان يومًا عظيمًا حسنًا لم تزل العساكر تسير بين يديه من ضحوة النهار إلى صلاة المغرب وما زالت بركة الجب منتزهًا للخلفاء والملوك من بني أيوب وكان السلطان صلاح الدين يبرز إليها للصيد ويقيم فيها الأيام وفعل ذلك الملوك من بعده واعتنى بها الملك الناصر محمد بن قلاون وبنى بها أحواشًا وميدانًا كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وبركة الجب وما يليها في درك بني صبرة وهم ينسبون إلى صبرة ابن بطيح بن مغالة بن عجان بن عنب بن الكليب بن أبي عمرو بن دمية بن جدس بن أريش بن أراش بن جزيلة بن لخم فهم أحد بطون لخم وفيهم بنو جذام بن صبرة بن بصرة بن غنم غطفان بن سعد بن مالك بن حرام بن جذام أخي لخم‏.‏المشتهى‏:‏ وكان من مواضعهم التي أعدت للنزهة في المشتى‏.‏

الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة‏:‏ أعياد ومواسم وهي‏:‏ موسم رأس السنة وموسم أول العام ويوم عاشوراء ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام ومولد الخليفة الحاضر وليلة أول رجب وليلة نصفه وليلة أول شعبان وليلة نصفه وموسم ليلة رمضان وغرة رمضان وسماط رمضان وليلة الختم وموسم عيد الفطر وموسم عيد النحر وعيد الغدير وكسوة الشتاء وكسوة الصيف وموسم فتح الخليج ويوم النوروز ويوم الغطاس ويوم الميلاد وخميس العدس وأيام الركوبات‏.‏موسم رأس السنة‏:‏ وكان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول المحرم في كل عام لأنها أول ليالي السنة وابتداء أوقاتها وكان من رسومها في ليلة رأس السنة أن يعمل بمطبخ القصر عدة كثيرة من الخراف المقموم والكثير من الرؤوس المقموم وتفرق على جميع أرباب الرتب وأصحاب الدواوين من العوالي والأدوان أرباب السيوف والأقلام مع جفان اللبن والخبز وأنواع الحلواء فيعم ذلك سائر الناس من خاص الخليفة وجهاته والأستاذين المحنكين إلى أرباب الضوء وهم المشاعلية ويتنقل ذلك في أيدي أهل القاهرة ومصر‏.‏

موسم أول العام‏:‏ وكان لهم بأول العام عناية كبيرة فيه يركب الخليفة بزيه المفخم وهيئته العظيمة كما تقدم ويفرق فيه دنانير الغرة التي مر ذكرها عند ذكر دار الضرب ويفرق من السماط الذي يعمل بالقصر لأعيان أرباب الخدم من أرباب السيوف والأقلام بتقرير مرتب خرفان شواء وزبادي طعام وجامات حلواء وخبر وقطع منفوخة من سكر وأرز بلبن وسكر فيتناول الناس من ذلك ما يجل وصفه ويتبسطون بما يصل إليهم من دنانير الغرة من رسوم الركوب كمال شرح فيما تقدم‏.‏

يوم عاشوراء‏:‏ كانوا يتخذونه يوم حزن تتعطل فيه الأسواق ويعمل فيه السماط العظيم المسمى‏:‏ سماط الحزن وقد ذكر عند ذكر المشهد الحسيني فانظره‏.‏

وكان يصل إلى الناس منه شيء كثير فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور يوسعون فيه على عيالهم ويتبسطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام جريًا على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن فيه على الحسين بن علي لأنه قتل فيه وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط وكلا الفعلين غير جيد والصواب ترك ذلك والاقتداء بفعل السلف فقط‏.‏

وما أحسن قول أبي الحسين الجزار الشاعر يخاطب الشريف شهاب الدين ناظر الأهراء وكتب بها إليه ليلة عاشوراء عندما أخر عنه ما كان من جاريه في الأهراء‏:‏ قل لشهاب الدين ذي الفضل الندي والسيد بن السيد بن السيد أقسم بالفرد العلي الصمد إن لم يبادر لنجاز موعدي لأحضرن للهناء في غد محكل العينين مخضوب اليد يعرض للشريف‏:‏ بما يرمي به الأشراف من التشيع وإنه إذا جاء بهيئة السرور في يوم عاشوراء غاظه ذلك لأنه من أفعال الغضب وهو من أحسن ما سمعته في التعريض فلله دره‏.‏

عيد النصر‏:‏ وهو السادس عشر من المحرم عمله‏:‏ الخليفة الحافظ لدين الله لأنه اليوم الذي ظهر فيه من محبسه ويفعل فيه ما يفعل في الأعياد منن الخطبة والصلاة والزينة والتوسعة في النفقة وكتب فيه أبو القاسم علي بن الصيرفي إلى بعض الخطباء‏:‏ عيد النصر وهو أفضل الأعياد وأسناها وأعلاها وأدلها على تقصير الواصف إذا بلغ وتناهى ونحن نأمرك أن تبرز في يوم الأحد السادس عشر من المحرم سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة على الهيئة التي جرت العادة بمثلها في الأعياد وتوعد بأن تقرأ على الناس الخطبة التي سيرناها إليك قرين هذا الأمر بشرح هذا اليوم وتفصيله وذكر ما خصه الله به من تشريفه وتفضيله وتعتمد في ذلك ما جرى الرسم فيه كل يعيد وتنتهي فيه إلى الغاية التي ليس عليها مزيد فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

المواليد الستة‏:‏ كانت مواسم جليلة عمل الناس فيها ميزان من ذهب وفضة وخشكنانج وحلواء كما مر ذلك‏.‏

ليالي الوقود الأربع‏:‏ كانت من أبهج الليالي وأحسنها يحشر الناس لمشاهدتها من كل أوب وتصل إلى الناس فيها أنواع من البر وتعظم فيها ميزة أهل الجوامع والمشاهد فانظره في موضعه تجده‏.‏

موسم شهر رمضان‏:‏ وكان لهم في شهر رمضان عدة أنواع من البر منها‏:‏ كشف المساجد قال الشريف الجواني في كتاب النقط‏:‏ كان القضاة بمصر إذا بقي لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يومًا على المشاهد والمساجد بالقاهرة ومصر فيبدأون بجامع المقس ثم بجوامع القاهرة ثم بالمشاهد ثم بالقرافة ثم بجامع مصر ثم بمشهد الرأس لنظر حصر ذلك وقناديله وعمارته وإزالة شعثه وكان أكثر الناس ممن يلوذ بباب الحكم والشهود والطفيليون يتعينون لذلك اليوم والطواف مع القاضي لحضور السماط‏.‏

إبطال المسكرات‏:‏ قال ابن المأمون‏:‏ وكانت العادة جارية من الأيام الأفضلية في آخر جمادى الآخرة من كل سنة‏:‏ أن تغلق جميع قاعات الخمارين بالقاهرة ومصر وتختم ويحذر من بيع الخمر فرأى الوزير المأمون لما ولي الوزارة بعد الأفضل بن أمير الجيوش أن يكون ذلك في سائر أعمال الدولة فكتب به إلى جميع ولاة الأعمال وأن ينادى بأنه من تعرض لبيع شيء من المسكرات أو لشرائها سرًا أو جهرًا فقد عرض نفسه لتلافها وبرئت الذمة من هلاكها‏.‏

ومنها غرة رمضان‏:‏ وكان في أول يوم من شهر رمضان يرسل لجميع الأمراء وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه حلواء وبوسطه صرة من ذهب فيعم ذلك سائر أهل الدولة ويقال لذلك غرة رمضان‏.‏

ومنها ركوب الخليفة في أول شهر رمضان‏:‏ قال ابن الطوير‏:‏ فإذا انقضى شعبان اهتم بركوب أول شهر رمضان وهو يقوم مقام الرؤية عند المتشيعين فيجري أمره في اللباس والآلات والأسلحة والعرض والركوب والترتيب والموكب والطريق المسلوكة كما وصفناه في أول العام لا يختل ومنها سماط شهر رمضان‏:‏ وقد تقدم ذكر السماط في قاعة الذهب من القصر‏.‏

سحور الخليفة‏:‏ قال ابن المأمون‏:‏ وقد ذكر أسمطة رمضان وجلوس الخليفة بعد ذلك في الروشن إلى وقت السحور والمقرئون تحته يتلون عشرًا ويطربون بحيث يشاهدهم الخليةف ثم حضر بعدهم المؤذنون وأخذوا في التكبير وذكر فضائل السحور وختموا بالدعاء وقدمت المخاد للوعاظ فذكروا فضائل الشهر ومدح الخليفة والصوفيات وقام كل من الجماعة للرقص ولم يزالوا إلى أن انقضى من الليل أكثر من نصفه فحضر بين يدي الخليفة أستاذ بما أنعم به عليهم وعلى الفراشين وأحضرت جفان القطائف جرار الجلاب برسمهم فأكلوا وملأوا أكمامهم وفضل عنهم ما تخطفه الفراشون ثم جلس الخليفة في السدلا التي كان بها عند الفطور وبين يديه المائدة معبأة جميعها من جميع الحيوان وغيره والقعبة الكبيرة الخاص مملوءة أوساطه بالهمة المعروفة وحضر الجلساء واستعمل كل منهم ما اقتدر عليه وأومأ الخليفة بأن يستعمل من القعبة فيفرق الفراشون عليهم أجمعين وكل من تناول شيئًا قام وقبل الأرض وأخذ منه على سبيل البركة لأولاده وأهله لأن ذلك كان مستفاضًا عندهم غير معيب على فاعله ثم قدمت الصحون الصيني مملوءة قطائف فأخذ منها الجماعة الكفاية‏.‏

وقام الخليفة وجلس بالباذهنج وبين يديه السحورات المطيبات من لبئين رطب ومخض وعدة أنواع عصارات وأفطلوات وسويق ناعم وجريش جميع ذلك بقلوبات وموز ثم يكون بين يديه صينية ذهب مملوءة سفوفًا وحضر الجلساء وأخذ كل منهم في تقبيل الأرض والسؤال بما ينعم عليه منه فتناوله المستخدمون والأستاذون وفرقوه فأخذه القوم في أكمامهم ثم سلم الجميع وانصرفوا‏.‏

ومنها الختم في آخر رمضان‏:‏ وكان يعمل في التاسع والعشرين منه‏.‏

قال ابن المأمون‏:‏ ولما كان التاسع والعشرون من شهر رمضان خرج الأمر بأضعاف ما هو مستقر للمقرئين والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختم الشهر وحضر الأجل الوزير المأمون في آخر النهار إلى القصر للفطور مع الخليفة والحضور على الأسمطة على العادة وحضر إخوته وعمومته وجميع الجلساء وحضر المقرئون والمؤذنون وسلموا على عادتهم وجلسوا تحت الروشن وحمل من عند معظم الجهات والسيدات والمميزات من أهل القصور ثلاجي وموكبيات مملوءة ملفوفة في عراضي ديبقي وجعلها أمام المذكورين لتشملها بركة ختم القرآن الكريم واستفتح المقرئون من الحمد إلى خاتمة القرآن تلاوة وتطريبًا ثم وقف بعد ذلك من خطب فأسمع ودعا فأبلغ ورفع الفراشون ما أدوه برسم الجهات ثم كبر المؤذنون وهللوا وأخذوا في الصوفيات إلى أن نثر عليهم من الروشن دنانير ودراهم ورباعيات وقدمت جفان القطائف على الرسم مع البسندود والحلواء فجروا على عادتهم وملأوا أكمامهم ثم خرج أستاذ من باب الدار الجديدة بخلع خلعها على الخطيب وغيره ودراهم تفرق على الطائفتين من المقرئين والمؤذنين‏.‏