فصل: خط سقيفة العدّاس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 خط سقيفة العدّاس

هذا الخط قيّمًا بين درب شمس الدولة والبندقانيين كان يقال له أولًا سقيفة العدّاس ثم عرف بالصاغة القديمة ثم عُرف بالأساكفة ثم هو الآن يعرف بالحريين الشرايين وبسوق الزجّاجين وفيه يباع الزجاج‏.‏

وهو خط عامر وهذا العدّاس هو‏:‏ علي بن عمر بن العدّاس أبو الحسن‏.‏

ضمن في أيام المعز لدين الله كورة بوصير فخلع عليه جمله وسار خليفته بالبنود والطبول في جمادى الأولى سنة أربع وستين وثلثمائة‏.‏

فلما كان في أوّل خلافة العزيز بالله بن المعز لدين الله ولاّه الوساطة وهي رتبة الوزارة بعد موت الوزير يعقوب بن كلس ولم يلقبه بالوزير فجلس في القصر لتسع عشر خلت من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وأمر ونهى ونظر في الأموال ورتّب العمال وأمر أن لا يطلق شيء إلا بتوقيعه ولا ينفذ إلاّ ما أمر به وقرّره وأمره العزيز بالله أن لا يرتفق أي برتشي ولا يرتزق يعني أنّه لا يقبل هدية ولا يضيع دينارًا ولا درهمًا فأقام سنة وصُرِف في أوّل المحرّم من سنة ثلاث وثمانين فقرّر في ديوان الإستيفاء إلى أن كان جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة حسن لأبي طاهر محمود النحوي الكاتب وكان منقطعًا إليه أن يلقى الحاكم بأمر الله ويبلغه ما تشكوه الناس من تظافر النصارى وغلبتهم على المملكة وتوازرهم وأنّ فهد بن إبراهيم هو الذي يقوْي نفوسهم ويفوّض أمر الأموال والدواوين إليهم وأنه آفة على المسلمين وعدّة للنصارى فوقف أبو الطاهر للحاكم ليلًا في وقت طوافه في الليل وبلّغه ذلك‏.‏

ثم قال‏:‏ يا مولانا إن كنت تؤثر جمع الأموال وإعزاز الإسلام فأرني رأس فهد بن إبراهيم في طشت وإلاّ لم يتم من هذا شيء‏.‏

فقال له الحاكم‏:‏ ويحك ومن يقوم بهذا الأمر الذي تذكره ويضمنه‏.‏

فقال‏:‏ عبدك عليّ بن عمر بن العدّاس‏.‏

فقال‏:‏ ويحك أو يفعل هذا قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ قل له يلقاني ههنا في غد‏.‏

ومضى الحاكم فجاء أبو طاهر إلى ابن العدّاس وأعلمه بما جرى‏.‏

فقال‏:‏ ويحك فتلتني وقتلت نفسك‏.‏

فقال‏:‏ معاذ الله افنصبر لهذا الكلب الكافر على ما يفعل بالإسلام والمسلمين ويتحكم فيهم من اللعب بالأموال والله إن لم تسع في قتله ليسعين في قتلك فلما كان في الليلة القابلة وقف عليّ بن عمر العدّاس للحاكم ووافقه على ما يحتاج إليه فوعدوه بانجاز ما اتفقا عليه وأمر بالكتمان وانصرف الحاكم‏.‏

فلما أصبح ركب العداس إلى جار قائد القوّاد حسن بن جوهر القائد فلقي عنده فهد بن إبراهيم فقال له فهد‏:‏ يا هذا كم تؤذيني وتقدح فيّ عند سلطاني‏.‏

فقال العداس‏:‏ والله ما يقدح ولا يؤذيني عند سلطاني ويسعى عليّ غيرك‏.‏

فقال فهد‏:‏ سلط الله على من يؤذي صاحبه فينا ويسعى به سيف هذا الإمام الحاكم بأمر الله‏.‏

فقال العدّاس‏:‏ آمين وعجِّل ذلك ولا تمهله‏.‏

فقتل فهد في ثامن جمادى الآخرة وضربت عنقه وكان له منذ نظر في الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثني عشر يومًا وقتل العداس بعده بتسعة وعشرين يومً واستجيب دعاء كل منهما في الآخرة وذهبا جميعًا ولا يظلم ربك أحدًا‏.‏

وذلك أن الحاكم خلع على العداس في رابع عشره وجعله مكان فهد وخلع على ابنه محمد بن عليّ فهناه الناس واستمرّ إلى خامس عشري رجب منها فضربت رقبة أبي طاهر محمود بن النحوي وكان ينظر في أعمال الشام لكثرة ما رفع عليه من التجبر والعسف ثم قتل العدّاس في سادس شعبان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وأحرق بالنار‏.‏

خط البندقانيين هذا الخط كان قديمًا إصطبل الجميزة أحد إصطبلات الخلفاء الفاطميين فلما زالت الدولة اختط وصارت فيه مساكن وسوق من جملته عدّة دكاكين لعمل قسيّ البندق فعرف الخط بالندقانيين لذلك ثم أنه احترق يوم الجمعة للنصف من صفر سنة إحدى وعمسين وسبعمائة والناس في صلاة الجمعة فما قضى الناس الصلاة إلاّ وقد عظم أمره فركب إليه وإلى القاهرة والنيران قد ارتفع لهبها واجتمع الناس فلم يعرف مناين كان ابتداء الحريق واتفق هبوب رياح عاصفة فحملت شرر النار إلى آمد بعيد ووصلت أشعتها إلى أن رؤيت من القلعة فركب الوزير منجك بمماليك الأمراء وجمعت السقاؤون لطفي النار فعجزوا عن اطفائها واشتدّ الأمر فركب الأمير شيخو والأمير طاز والأمير مغلطاي أميرأخور وترجلوا عن خيولهم ومنعوا النهابة من التعرّض إلى نهب البيوت التي احترقت وعمّ الحريق دكاكين البندقانيين ودكاكين الرسامين وحوانيت الفقاعين والفندق المجاور لها والربع علوّه وعملت إلى الجانب الذي يلي بيت بيبرس ركن الدين الملقب بالملك المظفر والربع المجاور لعالي زقاق الكنيسة فما زال الأمير شيخو واقفًا بنفسه ومماليكه ومعه الأمراء إلى أن هدم ما هنالك والنار تأكل ما تمرّ به إلى أن وصلت إلى بئر الدلاء التي كانت تعرف قديمًا ببئر زويلة ومنها كان يستقى لأصطبل الجميزة فأحرقت ما جاور البئر من الأماكن إلى حوانيت الفكاه والطباخ وما يجاورهما من الحوانيت‏.‏

والربع المجاور لدار الجوكندار وكادت أن تصل إلى دار القاضي علاء الدين عليّ بن فضل الله كاتب السرّ المجاورة لحمام الشيخ نجم الدين ابن عبود ولم يبق أحد في ذلك الخط حتى حوّل متاعه خوفًا من الحريق فكان أهل البيت بينما هم في نقل ثيابهم وإذا بالنار قد أحاطت بهم فيتركون ما في الدار وينجون بأنفسهم والأمر يعظم والهدم واقع في الدور المجاورة لأماكن الحريق خشية من تعلق النار بها فسرى إلى جميع البلد إلى أن أتى الهدم على سائر ما كان هنالك فأقام الأمر كذلك يومين وليلتين والأمراء وقوف فلما طفئه ثلاثة أيام أُخر وكان المصاب بهذا الحريق عظيمًا تلف فيه للناس من المال والثايب والمصاغ وغيره بالحريق والنهب ما لا يعلم قدره إلا الله هذا مع ما كان فيه الأمراء من منع النهَّابة وكفهم عن أموال الناس إلا أنّ الأمر كان قد تجاوز الحدّ وعطب بالنار جماعة كثيرة ووصل حريق النار إلى قيسارية طشتمر وربع بكتمر الساقي فلما كفى الله أمر هذا الحريق وأعان على طفئه بعد أن هدمت عدّة أماكن جليلة ما بين رباع وحوانيت وقع الحريق في أماكن من داخل القاهرة وخارج باب زويلة ووجد في بعض المواضع التي بها الحريق كعكات بزيت وقطران وقد ذكر في خبر السيرة الناصرية فنودي في الناس أن يحترسوا على مساكنهم فلم يبق أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى أعدّ في داره أوعية ملآنة بالماء ما بين أ واض وأزيار وصاروا يتناوبون السهر في الليل ومع ذلك فلا يدري أهل البيت إلاّ والنار قد وقعت في بيتهم فيتداركون طفئها لئلا تشتعل ويصعب أمرها‏.‏

وترك جماعة من الناس الطبخ في الدور وتمادى ذلك في الناس من نصف صفر إلى عاشر ربيع الأوّل فأحضر الأمير سيف الدين تشتمرشاد الدواوين نشابة في وسطها نقط قد وجدها في سطح داره فأراها للأمراء وهي محروقة النصر فصدر أمر الوزير منجك للأمير علاْ الدين عليّ بن الكوراني والي القاهرة بالقبض على الحرافيش وتقييدهم وسجنهم خوفًا من غائلتهم ونهبهم الناس عند وقوع الحريق فتتبعهم وقبض عليهم في الليل من بيوتهم ومن الحوانيت حتى خلت السكك منهم‏.‏

ثم إن الأمراء كلموا الوزير في أمرهم فأمر بإطلاقهم ونودي في البلد أن لا يقيم فيها غريب وطلبواالخفراء وولاة المراكز وأمروا بالاحتفاظ وتتبع الناس وأخذ منن تتوهم فيه ريبة أو يذكر بشيء من أمر هذا والحريق أمره في تزايد وصاروا إلى القاهرة من ذلك في تعب كبير لا ينام هو ولا أعوانه في الليل ألبتة لكثرة الضجات في الليل ووقع حريق في شونة حلفاء بمصر مجاورة لمطابخ السكر السلطانية فركب القاضي علم الدين بن زنبور ناظر الخاص في جماعة وخرج عامّة أهل مصر وتكاثروا على الشونة حتى طفئت ووقع الحريق في عدّة أماكن بمصر واستمرّ كثر خط البندقانيين خرابًا إلىأن عمر الأمير يونس النوروزيّ دوادار الملك الظاهر برقوق الربع فوق بئر الدلاء التي كانت تعرف ببئر زويلة وأنشأ بجوار درب الأندب الحوانيت والرباع والقياسرية في سنة تسع وثمانين وسبعمائة‏.‏

ثم أنشأ الأمير شهاب الدين أحمد الحاجب ابن أخت الأمير جمال الدين يوسف الاستادار داره بجوار حمام ابن عبود فاتصل ظهرها بدكاكين البندقانيين فصار فيها ما كان من خراب الحريق هناك حيث الحوض الذي أنشأه تجاه دار بيبرس‏.‏

ولقد أدركنا في خط البندقانيين عدّة كثيرة من الحوانيت التي يباع فيها الفقاع تبلغ نحو العشرين حانوتًا وكانت من أنزه ما يرى فإنها كانت كلها مرخمة بأنواع الرخام الملوّن وبها مصانع من ماء تجري إلى فوّارات تقذف بالماء على ذلك الرخام حيث كيزان الفقاع مرصوصة فيستحسن منظرها إلى الغاية لأنها من الجانبين والناس يمرّون بينهما وكان بهذا الخط عدّة حوانيت لعمل قسيّ البندق وعدّة حوانيت لرسم إشكال ما يطرّز بالذهب والحرير وقد بقيت من هذه الحوانيت بقايا يسيرة وهو من اخطاط القاهرة الجسيمة‏.‏

خط دار الديباج هذا الخط هو فيما بين خط البندقانيين والوزيرية وكان أوّلًا يعرف بخط دار الديباج لأن دار الوزير يعقوب بن كلس التي من جملتها اليوم المدرسة الصاحبية ودرب الحريري والمدرسة السيفية عملت دارًا ينسج فيها الديباج والحرير برسم الخلفاء الفاطميين وصارت تعرف بدار الديباج فنسب إليها الخط إلى ان سكن هناك الوزير صفيّ الدين عبد الله بن عليّ بن شكر في أيام العادل أبي بكر بن أيوب فصار يعرف بخط سويقة الصاحب وهو خط جسيم به مساكن جليلة وسوق ومدرسة‏.‏

خط المحليين هذا الخط فيما بين الوزيرية والبندقانيين من وراء دار الديباج وتسميه العامة خط طواحين الملوحيين بواو بعد اللم وقبل الحاء المهملة وهو تحريف وإنما هو خط الملوحيين عرف بطائفة من طوائف العسكر في أيام الخليفة المستنصر بالله يقال لها الملحية وهم الذي قاموا بالفتنة في أيام المستنصر إلى أن كان من الغلاء ما أوجب خراب البلاد ونهب خزائن الخليفة المستنصر فلما قدم أمير الجيوش بدر الجمالي إلى القاهرة وتقلد وزارة المستنصر وتردد لإصلاح إقليم مصر وتتبع المفسدين وقتلهم وسار في سنة سبع وستين وأربعمائة إلى الوجه البحريّ وقتل لواته وقتل مقدّمهم سليمان اللواتي وولده واستصفى أموالهم ثم توجه إلى دمياط وقتل فيها عدّة من المفسدين فلما أصلح جميع البرج الشرقيّ عدّى إلى البرّ الغربيّ وقتل جماعة من الملحية وأتباعهم بثغر الإسكندرية بعدما أقام أيامًا محاصر البلد وهم يمتنعون عليه وقاتلونه إلى أن أخذها عنوة فقتل منهم عدّة كثيرة وكان بهذا الخط عدّة من الطواحين فسمي بخط طواحين الملحيين وبه إلى الآن يسير من الطواحين‏.‏

خط المسطاح هذا الخط فيما بين خط الملحيين وخط سويقة الصاحب وفيه اليوم سوق الرقيق الذي يعرف بسوق الحوار والمدرسة الحسامية وما دار به ويعرف بالمسطاح وبخارج باب القنطرة قريب من باب الشعرية أيضًا خط يعرف بالمسطاح‏.‏

خط قصر أمير سلاح هذا الخط تجاه حمام البيسري بين القصرين يسلك فيه إلى مدرسة الطواشي سابق الدين المعروفة بالسابقية وكان يخرج منه إلى رحبة باب العيد من باب القصر إلى أن هدمه الأمير مال الدين يوسف الاستادار وبنى في مكانه القيسارية المستجدّة بجوار مدرسته من رحبة باب العيد فصار هذا الخط غير نافذ وكان شارعًا مسلوكًا يمرّ فيه الناس والدواب والأحمال فركب عليه جمال الدين المذكور دروبًا لحفظ أمواله وكان هذا الخط من أخص أماكن القصر الكبير الشرقي فلما زالت الدولة الفاطمية وتفرّق أمراء صلاح الين يوسف القصر عرف هذا المكان بقصر شيخ الشيوخ بن حموية الوزير لسكنه فيه ثم عرف بعد ذلك بقصر أمير سلاح وبصر سابق الدين وهو إلى الآن يعرف بذلك وسبب شهرته بأمير سلاح أنه اتخذ به عمائر جليلة هي بيد ورثته إلى الآن وأمير سلاح هذا هو بكتاش الفخريّ الأمير بدر الدين أمير سلاح الصالحي النجمي كان أوّلًا مملوكًا لفخر الدين ابن الشيخ فصار إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب وتقدّم عنده من جملة ما قدّمه من المماليك البحرية الذين ملكوا الديار المصرية من بعد انقضاء الدولة الأيوبية وتأمّر في أيام الملك الصالح وتقدّم في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ واستمر أميرًا ما ينيف على الستين سنة لم يُنكب فيها قط وعظم في أيام الملك المنصور قلاون الألفيّ بحيث أنّ الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة بديار مصر في أيام قلاون تجارة مرّة مع السلطان في حديث الأمراء فقال له المنصور‏:‏ أما اليوم فما بقي في الأمراء خير أمير سلاح إذا قلت فارس خيل شجاع ما يردّ وجهه من عدوّه وإذا حلف ما يخون وإذا قال صَدَق‏.‏

فقال طرنطاي والله يا خوند له إقطاع عظيم ما كان يصلح إلاّ لي‏.‏

فأحمرّ وجه السلطان وغضب وقال له‏:‏ ويلك إيّاك أن تتلكم بهذا والله مكانٌ يصل فيه سيف أمير صح ما يصلنشابك ولا نشاب غيرك وكان كريمًا شجاعًا يسافر كل سنة مجردًّا بالعسكر فيصل إلى حلب للغارة ومحاصرة قلاع العدوّ فاشتهر بذلك في بلاد العدو وعظم صيته واشتدّت مهابته وكانت له رغبة في شراء المماليك والخيول بأغلى القيم وكان يبعث للأمراء المجرّدين منه النفقة ويقوم لهم بالشعير والأغنام وبلغت مماليكه الغاية في الحشمة وكان إقطاع كل منهم في السنة عشرين ألف درهم فضة عنها يومئذ ألف مثقال من الذهب ولكل من جنده خبز مبلغه في السنة عشرة آلاف درهم سوء كلفهم من الشعير واللحم ومع ذلك فكان خيرًا ديِّنًا له صدقات ومعروف وإحسان كثير وما بعدما ترك أمرته في مرضه الذي مات فيه للنصف من ربيع الآخر سنة ست وسبعمائة رحمه الله‏.‏

وبهذا الخط عدّة دور جليلة يأتي ذكرها عند ذكر الدور من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

أولاد شيخ الشيوخ‏:‏ جماعة أصلهم الذي ينتسبون إليه حَمَوية بن عليّ يقال أنه من ولد رزم بن يونان أحد قوّاد كسرى أنو شروان وولي قيادة جيش نصر بن نوح بن سامان ودبر دولته وهو جدّ شيخ الإسلام محمد وأخيه أبي سعد بني حَمَوية بن محمد بن حَمَوية وكان محمد وأبو سعد من ملوك خراسان فتركا الدنيا وأقبلا على طريق الآخرة ومات ركب الإسلام أبو سعد بنجران من قرى جوين في سنة سبع وعشرين وخمسمائة ومات أخوه شيخ الإسلام محمد بها في سنة ثلاثين وخمسمائة وترك أبو سعد زيد الدين أحمد وبنات وترك شيخ الإسلام محمد ولدًا واحدًا وهو أبو الحسن عليّ فتزوّد عليّ بن محمد بابنة عمه أبي سعد ورزق منها سعد الدين ومعين الدين حسنًا وعماد الدين عمر وترك زين الدين أحمد بن أبي سعد ركن الدين أبا سعد وعزيز الدين وزير الدين القاسم فقدّم عليه ابنه شيخ الشيوخ صدر الدين عليّ فلما مات عمر في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدمشق أقرّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولده صدر الدين محمدًا موضعه وصار شيخ الشيوخ بدمشق فتزوّد بابنة القاضي شهاب الدين ابن أبي عصرون ورزق منها عشرة بنين منهم عماد الدين عمر وفخر الدين يوسف وكمال الدين أحمد ومعين الدين حسن فأرضت أمّهم بنت أبي عصرون السلطان الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكب بن أيوب فصار أخًا لأولاد صدر الدين شيخ الشيوخ من الرضاعة وقدم صدر إلى القاهرة وولي تدريس الشافعيّ بالقرافة ومشيخة الخانقاه الصلاحية سعيد السعدا ثم سافر فمات بالموصل في رابع عشر جمادى الأولى سنة سبع عشر وستمائة واستبدّ الملك الكامل بمملكة مصر بعد أبيه فرقّى أولاد صدر الدين شيخ الشيوخ محمد بن جويه الأربعة وبعث عماد الدين عمر في الرسالة إلى الخليفة ببغداد وجمع له بين رياسة العلم والقلم في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ولم يجتمع ذلك لأحد في زمانه وما زال على ذلك إلى أن مات الملك الكامل وقام من بعده في سلطنة مصر ابنه الملك العادل أبو بكر بن الكامل فخرج إلى دمشق ليحضر إليه الجواد مظفر الدين يونس بن مردود بن العادل أبي بكر بن أيوب نائب السلطنة بدمشق فدسّ عليه من قتله على باب الجامع في سادس عشري جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وستمائة‏.‏

وأما فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين فإن الملك الكامل جعله أحد الأمراء والبسه الشربوش والقباء ونادمه وبعثه في الرسالة عنه إلى ملك الفرنج ثم إلى أخيه المعظم بدمشق ثم إلى الخليفة ببغداد وأقامه يتحدّث بمصر في تدبير المملكة وتحصيل الأموال ثم بعثه حتى تسلم حران والرها وجهزه إلى مكة على عسكر فقاتل صاحبها الأمير راجح الدين بن قتادة وأخذها بالسيف وقتل عسكر اليمن وما زال مكرّمًا محترمًا حتى مات الملك الكامل فقبض عليه العادل ابن الكامل واعتقله فلما خلع العادل بأخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب أطلقه وأمّره وبالغ في الإحسان إليه وبعثه على العساكر إلى الكرك فأوقع بالخوارزمية وبدّد شملهم وكانوا قد قدموا من المشرق إلى غزة وأقام الدعوة للصالح في بلاد الشام وعاد ثم قدّمه على العساكر فأخذ طبرية من الفرنج وهدمها وأخذ عسقلان من الفرنج وهدم حصونها ونازل حمص حتى أشرف على أخذها ثم تقدّم على العساكر بقتال الفرنج بدمياط فمات السلطان عند المنصورة وقام بتدبير الدولة بعده خمسة وسبعين يومًا إلى أن استشهد في رابع ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة فحمل من المنصورة إلى القرافة فدفن بها‏.‏

وأما كمال الدين أحمد فإن لملك الكامل استنابه بحران والجزيرة وولي تدريس المدرسة الناصرية بجوار الجامع العتيق بمصر وتدريس الشافعيّ بالقرافة ومشيخة الشيوخ بديار مصر وقدّمه الملك الصالح نجم الدين أيوب على العساكر غير مرّة ومات بغزة في صفر سنة تسع وثلاثين وستمائة‏.‏

وأما معين الدين حسن فنه وليَّ مشيخة الشيوخ بديار مصر وبعثه الملك الكامل في الرسالة عنه إلى بغداد ثم أقامه نائب الوزارة إلى أن مات فاستوزره الملك الصالح نجم الدين أيوب في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة وجهّره على العساكر في هيئة الملوك إلى دمشق فقاتل الصالح إسماعيل ابن العادل حتى ملكها ومات بها في ثاني عشري رمضان سنة ثلاث وأربعين وستمائة وقد ذكرت أولاد شيخ الشيوخ في كتاب تاريخ مصر الكبير واسقصيت فيه أخبارهم والله تعالى أعلم‏.‏

خط قصر بشتاك هذا الخط من جملة القصر الكبير ويتوصل إليه من تجاه المدرسة الكاملية حيث كان باب القصر المعروف بباب البحر وهدمه الملك الظاهر بيبرس كما تقدّم في ذكر أبواب القصر وصار اليوم في داخل هذا الباب حارة كبيرة فيها عدّة دور جليلة منها قصر الأمير بشتاك وبه عرف هذا الخط‏.‏

وبشتاك هذا‏:‏ هو الأمير سيف الدين بشتاك الناصري قرّبه الملك الناصر محمد بن قلاون وأعلن محله وكانيسميه بعد موت الأمير بكتمر الساقي بالأمير في غيبته وكان زائد التيه لا يكلم استاداره وكاتبه الأبتر جان ويعرف بالعربيّ ولا يتكلم به وكان إقطاعه ست عشرة طبلخانة أكبر من إقطاع قرصون ولما مات بكتمر الساقي ورثه في جميع أ واله واصطبله الذي على بركة الفيل وفي امرأته أمّ أحمد واشترى جاريته خوبي بستة آلاف دينار ودخل معها ما قيمته عشرة آلاف دينار وأخذ ابن بكتمر عنده وزاد أمره وعظم محله فثقل على السلطان وأراد الفتك به فما تمكن وتوجه إلى الحجاز وأنفق في الأمراء وأهل الركب والفقراء والمجاورين بمكة والمدينة شيًا كثيرًا إلى الغاية وأعطى من الألف دينار إلى المائة دينار إلى الدينار بحسب مراتب الناس وطبقاتهم فلما عاد من الحجاز لم يشعر به السلطان إلاّ وقد حضر في نفر قليل من مماليكه وقال‏:‏ إن أردت إمساكي فها أنا قد جئت إليك برقبتي فغالطه السلطان وطيب خاطره وكان يرمى بأوابد ودواهي من أمر الزنا وجرّده السلطان لإسماك تنكر نائب الشام فحضر إلى دمشق بعد إمساكه هو وعشرة من الأمراء فنزلوا القصر الأبلق وحلف الأمراء كلهم للسلطان ولذريته واستخرج ودائع تنكر وعرض حواصله ومماليكه وجواريه وخيله وسائر ما يتعلق به ووسط طغاي وحفاي مملوكي تنكر في سوق الخيل ووسط دران أيضًا بحضوره يوم الموكب وأقام بدمشق خمسة عشر يومًا وعاد إلى القلعة وبقي في نفسه من دمشق وما تجاسر يفاتح السلطان في ذلك فلما مرض السلطان وأشرف على الموت ألبس الأمير قوصون مماليكه فدخل بشتاك فعرف السلطان ذلك فجمع بينهما وتصالحها قدّامه ونصر السلطان على أن الملك بعده لولده أبن بكر فلم يوافق بشتاك وقال‏:‏ لا أريد إلاَّ سيدي أحمد فلما مات السلطان قام قوصون إلى الشباك وطلب بشتاك وقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين أناما يجيء مني سلطان لأني كنت أبيع الطسما والبرغالي والكشاتوين وأنت اشتريت مني وأهل البلاد يعرفون ذلك وأنت ما يجيء منك سلطان لأنك كنت تبيع البوز وأنا اشتريت منك وأهل البلاد يعرفون ذلك وهذا أستاذنا هو الذي وصى لمن هو أخبر به من أولاده وما يسعنا إلا امتثال أمره حيًا وميتًا وأنا ما أخالفك إن أردت أحمد أو غيره ولو أردت أن تعمل كل يوم سلطانًا ما خالفتك‏.‏

فقال بشتاك‏:‏ هذا كله صحيح والأمر أمرك وأحضر المصحف وحلفا عليه وتعانقا ثم قاما إلى رجلي السلطان فقبلاهما ووضعا أبا بكر ابن السلطان على الكرسيّ وقبَّلا له الأرض وحلفا له وتلقب بالملك المنصور ثم إن بشتاكًا طلب من السلطان الملك المصور نيابة دمشق فأمر له بذلك‏.‏

وكتب تقليده وبرز إلى ظاهر القاهرة وأقام يومين ثم طلع في اليوم الثالث إلى السلطان ليودّعه فوثب عليه الأمير فطلوبغا الفخريّ وأمسك سيفه وتكاثروا عليه فأمسكوه وجهزوه إلى الإسكندرية فاعتقل بها ثم قتل في الخامس من ربيع الأول سنة اثنين وأربعين وسبعمائة لأوّل سلطنة الملك الأشرف كجك وكان شابًا أبيض اللون طريفًا مديد القامة نحيفًا خفيف اللحية كأنها عذار على حركاته رشاقة حسن العمة يتعمم الناس على مثالها وكان يشبّه بأبي سعيد ملك العراق إلاّ أنه كان غير عفيف الفرج زائد الهرج والمرج لم يعف عن مليحة ولا قبية ولم يدع أحدًا يفوته حتى يمسك نساء الفلاحين وزوجات الملاحين‏.‏

وأشتهر بذلك ورمي فيه بأوابد وكان زائد البذخ منهمكًا على ما يقتضيه عنفوان الشبيبة كثيرا الصلف والتيه ولا يظهر الرأفة ولا الرحلة في تأنيه ولما توجه بأولاد السلطان ليفرّهم في دمياط كان يذبح لسماطه في كل يوم خمسين رأسًا من الغنم وفرسًا لا بد منه خارجًا عن الأز والدجاج وكان راتبه دائمًا كل يوم من الفحم برسم المشوي مبلغ عشرين درهمًا عنها مثقال ذهب وذلك سوى الطوارىء وأطلق له السلطان كل يوم بقجة قماش من اللفافة إلى الخف إلى القميص واللباس والملوطة والغلطاق والقباء الفوقاني بوجه اسكندراني على سنجاب طريق مطرّز مزركش رقيق وكلوته وشاش ولم يزل يأخذ ذلك كل يوم إلى أن مات السلطان وأطلق له في يوم واحد عن ثمن قرية تبنى بساحل الرملة مبلغ ألف درهم فضة عنها يومئذ خمسون ألف مثقال من الذهب وهو أوّل من أمسك بعد موت الملك الناصر‏.‏

وقال الأديب المؤرخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ومن كتابه نقلت ترجمة بشتاك‏:‏ قالَ الزمانُ وما سمعنا قولهُ والناسُ فيه رهائنُ الأشراكِ من ينصرِ المنصورَ من كيدي وقد صاد الردى بشتاك لي بشراك خط باب الزهومة هذا الخط عرف بباب الزهومة أحد أبواب القصر الكبير الشرقي الذي تقدّم ذكره فإنه كان هناك وقد صار الآن في هذا الخط سوق وفندق وعدّة آدر يأتي ذكر ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

خط الزراكشة العتيق هذا الخط فيما بين خط باب الزهومة وخط السبع خوخ وبعضه من دار العلم الجديدة وبعضه من جملة القصر النافعي وبعضه من تربة الزعفران وفيه اليوم فندق المهمندار الذي يدق فيه الذهب وخان الخليلي وخان منجك ودار خواجا ودرب الحبش وغير ذلك كما ستقف عليه إن شاء الله‏.‏

خط السبع خوخ العتيق هذا الخط فيما بين خط اصطبل الطارمة وخط الزراكشة العتيق كان فيه قديمًا أيام الخلفاء الفاطميين سبع خوخ يتوصل منها إلى الجامع الأزهر فلما انقضت أيامهم اختط مساكن وسوقًا يباع فيه الإبر التي يخاط بها وغير ذلك فعرف بالأبارين‏.‏

خط اصطبل الطارمة هذا الخط كان اصطبلًا لخاص الخليفة يشرف عليه قصر الشوك والقصر النافعي وقد تقدّم الكلام عليه وكانت فيه طارمة يجلس الخليفة تحتها فعرف بذلك ثم هو الآن حارة كبيرة فيها عدّة من المساكن وبه سوق وحمّام ومساجد وهذا الخط فيما بين رحبة قصر الشوك ورحبة الجامع الأزهر كما ستقف عليه ن شاء الله تعالى في ذكر الرحاب‏.‏

خط الأكفانيين هذا الخط كان يعرف بخط الخرقيين جمع خرقة‏.‏