فصل: كِتَابُ: الْجِهَادِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***


كِتَابُ‏:‏ الْجِهَادِ

‏[‏فصل‏:‏ في من يجب عليه الجهاد‏]‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَجِبُ إلَّا على ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ وهو الصَّحِيحُ الْوَاجِدُ لِزَادِهِ وما يَحْمِلُهُ إذَا كان بَعِيدًا‏.‏

فَلَا يَجِبُ على أُنْثَى بِلَا نِزَاعٍ وَلَا خُنْثَى صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَلَا عَبْدٍ وَلَوْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا يَجِبُ على كَافِرٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في أَوَاخِرِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ‏.‏

قَوْلُهُ مُسْتَطِيعٍ وهو الصَّحِيحُ هذا شَرْطٌ في الْوُجُوبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُلْزَمُ الْعَاجِزُ بِبَدَنَةٍ في مَالِهِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ في سُورَةِ بَرَاءَةٌ‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَلْزَمُ ضَعِيفًا وَلَا مَرِيضًا مَرَضًا شَدِيدًا أَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الذي لَا يَمْنَعُ الْجِهَادَ كَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالصُّدَاعِ الْخَفِيفِ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ‏.‏

وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْمَى وَيَلْزَم الْأَعْوَرَ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا الْأَعْشَى وهو الذي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يَلْزَمُ أَشَلَّ وَلَا أَقْطَعَ الْيَدِ أو الرِّجْلِ وَلَا من أَكْثَرُ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٌ أو إبْهَامُهُ أو ما يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ نَفْعُ الْيَدِ أو الرِّجْلِ‏.‏

وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْرَجَ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْعَرَجُ الْيَسِيرُ الذي يَتَمَكَّنُ معه من الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ عليه شِدَّةُ الْعَدْوِ لَا يَمْنَعُ‏.‏

قال في الْبُلْغَةِ يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَسِيرًا وقال في الْمُذْهَبِ بَعْدَ تَقْدِيمِهِ عَدَمَ اللُّزُومِ وقد قِيلَ في الْأَعْرَجِ إنْ كان يقدر ‏[‏قدر‏]‏ على الْمَشْيِ وَجَبَ عليه‏.‏

قَوْلُهُ وهو الْوَاجِدُ لِزَادِهِ‏.‏

كَذَا قال الْجُمْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ وهو‏.‏

الصَّحِيحُ الْوَاجِدُ بِمِلْكٍ أو بَذْلٍ من الْإِمَامِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

تنبيه‏:‏

مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بَعِيدًا مَسَافَةُ الْقَصْرِ‏.‏

فائدة‏:‏

فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ على الْجَمِيعِ نَصَّ عليه في الْجِهَادِ وإذا قام بِهِ من يَكْفِي سَقَطَ الْوُجُوبُ عن الْبَاقِينَ لَكِنْ يَكُونُ سُنَّةً في حَقِّهِمْ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وهو مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَأَنَّ ما عَدَا الْقِسْمَيْنِ هُنَا سُنَّةٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

قُلْت إذَا فَعَلَ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَرَّتَيْنِ فَفِي كَوْنِ الثَّانِي فَرْضًا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ‏.‏

قال وَكَلَامُ بن عَقِيلٍ يَقْتَضِي أَنَّ فَرْضِيَّتَهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَكَلَامُ أَحْمَدَ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى‏.‏

وَقَدَّمَ بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ أَنَّهُ ليس بِفَرْضٍ‏.‏

وَيَنْبَنِي على الْخِلَافِ جَوَازُ فِعْلِ الْجِنَازَةِ ثَانِيًا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ‏.‏

وَإِنْ فَعَلَهُ الْجَمِيعُ كان كُلُّهُ فَرْضًا ذَكَرَه ابن عقيل مَحَلُّ وِفَاقٍ‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَعَلَّهُ إذَا فَعَلُوهُ جميعا فإنه لَا خِلَافَ فيه انْتَهَى‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ فَيَهْجُوهُمْ الشَّاعِرُ‏.‏

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ منه ما يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَالدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبَدَنِ فَيَجِبُ بِغَايَةِ ما يُمْكِنُهُ‏.‏

قَوْلُهُ وَأَقَلُّ ما يُفْعَلُ مَرَّةً في كل عَامٍ‏.‏

مُرَادُهُ مع الْقُدْرَةِ على فِعْلِهِ‏.‏

قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ‏.‏

وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ في كل عَامٍ مَرَّةً مع الْقُدْرَةِ قال في الْمُحَرَّرِ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُهُ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ زَادَ في الرِّعَايَةِ أو قِلَّةِ عَلَفٍ في الطَّرِيقِ أو انْتِظَارِ مَدَدٍ أو غَيْرِ ذلك‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ‏.‏

بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ في عَدَدٍ أو عُدَّةٍ أو يَكُونُ مُنْتَظِرًا لِمَدَدٍ يَسْتَعِينُ بِهِ أو يَكُونُ في الطَّرِيقِ إلَيْهِمْ مَانِعٌ أو ليس فيها عَلَفٌ أو مَاءٌ أو يَعْلَمُ من عَدُوِّهِ حُسْنَ الرَّأْيِ في الْإِسْلَامِ وَيَطْمَعُ في إسلامهم ‏[‏إسلامه‏]‏ إنْ أَخَّرَ قِتَالَهُمْ وَنَحْوَ ذلك جَازَ تَرْكُهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيُفْعَلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً إلَّا لِمَانِعٍ بِطَرِيقٍ وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُهَا فَإِنْ وَضَعَهُ على الْخَوْفِ‏.‏

وَعَنْهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِحَاجَةٍ وَعَنْهُ وَمَصْلَحَةٍ كَرَجَاءِ إسْلَامٍ وَهَذَا الذي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ خِلَافُ ما قَطَعَا بِهِ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ من أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ تَعَيَّنَ عليه‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو اسْتَنْفَرَهُ من له اسْتِنْفَارُهُ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ قَوْلِهِ من أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عليه أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ على الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ وهو احد الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ اسْتِئْجَارِهِمْ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ عليه وَالْحَالَةُ هذه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال النَّاظِمُ‏.‏

وَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ إيجَابُهُ على النِّسَاءِ في حُضُورِ الصَّفِّ دَفْعًا وأعبد ‏[‏واحدا‏]‏‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ هُنَا وَيَجِبُ على الْعَبْدِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

وقال أَيْضًا هو فَرْضُ عَيْنٍ في مَوْضِعَيْنِ أحداهما إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وهو حَاضِرٌ وَالثَّانِي إذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ على أَهْلِهِ النَّفِيرُ إلَيْهِمْ إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ من تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْأَهْلِ أو الْمَكَانِ‏.‏

أو الْمَالِ وَالْآخَرُ من يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ من الْخُرُوجِ هذا في أَهْلِ النَّاحِيَةِ وَمَنْ بِقُرْبِهِمْ أَمَّا الْبَعِيدُ على مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يَجِبُ عليه إلَّا إذَا لم يَكُنْ دُونَهُمْ كِفَايَةٌ من الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى‏.‏

وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ وقال أو كان بَعِيدًا أو عَجَزَ عن قَصْدِ الْعَدُوِّ‏.‏

قُلْت أو قَرُبَ منه وَقَدَرَ على قَصْدِهِ لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ أو بِمَنْعِ أَمِيرٍ أو غَيْرِهِ بِحَقٍّ كَحَبْسِهِ بِدَيْنٍ انْتَهَى‏.‏

تنبيه‏:‏

مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَعِيدَ وهو الصَّحِيحُ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى حُضُورِهِ كَعَدَمِ كِفَايَةِ الْحَاضِرِينَ لِلْعَدُوِّ فَيَتَعَيَّنُ أَيْضًا على الْبَعِيدِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْبُلْغَةِ‏.‏

تنبيه‏:‏

آخَرُ قَوْلُهُ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ هو بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَظَاهِرُ بَحْثِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ في ذلك وَيَلْزَمُ الْحَصْرَ الْحُضُورُ وَلَا عَكْسُهُ‏.‏

فوائد‏:‏

لو نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ مَعًا صلى وَنَفَرَ بَعْدَهَا إنْ كان الْعَدُوُّ بَعِيدًا وَإِنْ كان قَرِيبًا نَفَرَ وَصَلَّى رَاكِبًا وَذَلِكَ أَفْضَلُ‏.‏

وَلَا يَنْفِرُ في خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ لها نَصَّ على الثَّلَاثَةِ‏.‏

وَنَقَلَ أبو دَاوُد في الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يَنْفِرُ إنْ كان عليه وَقْتٌ قُلْت لَا يَدْرِي نَفِيرٌ حَقٌّ أَمْ لَا قال إذَا نَادَوْا بِالنَّفِيرِ فَهُوَ حَقٌّ قُلْت إنْ أَكْثَرَ النَّفِيرَ لَا يَكُونُ حَقًّا قال يَنْفِرُ بِكَوْنِهِ يَعْرِفُ مَجِيءَ عَدُوِّهِمْ كَيْفَ هو‏.‏

قَوْلُهُ وَأَفْضَلُ ما يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ‏.‏

وَقِيلَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ من الْجِهَادِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُنَاكَ وَالْحَوَاشِي‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ من الْجِهَادِ الذي لم تَذْهَبْ فيه نَفْسُهُ وَمَالُهُ وَهِيَ في غَيْرِهِ بِعَدْلِهِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ‏.‏

وَعَنْهُ الْعِلْمُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ أَفْضَلُ من الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِأَتَمَّ من هذا‏.‏

فوائد‏:‏

إحْدَاهَا الْجِهَادُ أَفْضَلُ من الرِّبَاطِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هو الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد اللَّهِ وابن الْحَكَمِ في تَفْضِيلِ تَجْهِيزِ الْغَازِي على الْمُرَابِطِ من غَيْرِ غَزْوٍ‏.‏

وقال أبو بَكْرٍ في ال

تنبيه‏:‏

الرِّبَاطُ أَفْضَلُ من الْجِهَادِ لِأَنَّ الرِّبَاطَ أَصْلٌ وَالْجِهَادَ فَرْعُهُ لِأَنَّهُ مَعْقِلٌ لِلْعَدُوِّ وَرَدَّ لهم عن الْمُسْلِمِينَ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْعَمَلُ بِالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ أَفْضَلُ من النَّفْرِ وفي غَيْرِهَا نَظِيرُهَا وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا هُنَاكَ في أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ‏.‏

الثَّانِيَةُ الرِّبَاطُ أَفْضَلُ من الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا وَالصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ من الصَّلَاةِ بِالثَّغْرِ نَصَّ عليه‏.‏

الثَّالِثَةُ قِتَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ من غَيْرِهِمْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ من غَزْوِ الْبَرِّ وَمَعَ كل بَرٍّ وَفَاجِرٍ‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ منهم مخذلا ‏[‏مخدلا‏]‏ وَلَا مُرْجِفًا وَنَحْوَهُمَا وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا نَصَّ على ذلك‏.‏

قَوْلُهُ وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وهو لُزُومُ الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ‏.‏

وَهَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيهِمَا وَيُسْتَحَبُّ وَلَوْ سَاعَةً نَصَّ عليه وقال الْآجُرِّيُّ وأبو الْخَطَّابِ وابن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَأَقَلُّهُ سَاعَةٌ انْتَهَى‏.‏

وَأَفْضَلُ الرِّبَاطِ أَشَدُّهُ خَوْفًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ‏.‏

يَعْنِي يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَنْتَقِلُ بِأَهْلِهِ إلَى مَدِينَةٍ تَكُونُ مَعْقِلًا لِلْمُسْلِمِينَ كَأَنْطَاكِيَةَ وَالرَّمْلَةِ وَدِمَشْقَ‏.‏

تنبيه‏:‏

مَحَلُّ هذا إذَا كان الثَّغْرُ مَخُوفًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ كان الثَّغْرُ آمِنًا لم يُكْرَهْ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ‏.‏

فَأَمَّا أَهْلُ الثُّغُورِ فَلَا بُدَّ لهم من السُّكْنَى بِأَهْلَيْهِمْ وَلَوْلَا ذلك لَخَرِبَتْ الثغور ‏[‏الثغر‏]‏ وَتَعَطَّلَتْ‏.‏

فائدة‏:‏

يُسْتَحَبُّ تَشْيِيعُ الْغَازِي لَا تَلَقِّيه نَصَّ عليه وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ تَهْنِئَةٌ بِالسَّلَامَةِ من الشَّهَادَةِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في حَجٍّ وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ‏.‏

وَنَقَلَ عنه في حَجٍّ لَا إنْ كان قَصْدُهُ أو كان ذَا عِلْمٍ أو هَاشِمِيًّا وَيَخَافُ شَرَّهُ وَشَيَّعَ أَحْمَدُ أُمَّهُ لِلْحَجِّ‏.‏

وقال في الْفُنُونِ وَتَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ‏.‏

وفي نِهَايَةِ أبي الْمَعَالِي وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وقال في الرِّعَايَةِ يُوَدِّعُ الْقَاضِي الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ ما لم يَشْغَلْهُ عن الْحُكْمِ‏.‏

وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَدْعُوَ له‏.‏

قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ على من يَعْجِزُ عن إظْهَارِ دِينِهِ في دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَدَارُ الْحَرْبِ ما يَغْلِبُ فيها حُكْمُ الْكُفْرِ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أو بَلَدُ بُغَاةٍ أو بِدْعَةٍ كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ‏.‏

قُلْت وهو الصَّوَابُ وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَطَاقَهُ فإذا أَطَاقَهُ وَجَبَتْ الْهِجْرَةُ وَلَوْ كانت امْرَأَةً في الْعِدَّةِ وَلَوْ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ‏.‏

وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ في قَوْله تَعَالَى ‏{‏فما لَكُمْ في الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ‏}‏ عن الْقَاضِي أَنَّ الْهِجْرَةَ كانت فَرْضًا إلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ إنْ أَمِنَتْ على نَفْسِهَا من الْفِتْنَةِ في دِينِهَا لم تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ‏.‏

وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ إنْ أَمْكَنَهَا إظْهَارُ دِينِهَا وَأَمِنَتْهُمْ على نَفْسِهَا لم تُبَحْ إلَّا بِمَحْرَمٍ كَالْحَجِّ وَإِنْ لم تَأْمَنْهُمْ جَازَ الْخُرُوجُ حتى وَحْدَهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ‏.‏

قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عليها‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال ابن الْجَوْزِيِّ تَجِبُ عليه وَأَطْلَقَ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا تُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ‏.‏

فائدة‏:‏

لَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ من بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي‏.‏

‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يُجَاهِدُ من عليه دَيْنٌ لَا وَفَاءَ له إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ‏.‏

وَقِيلَ يَسْتَأْذِنُهُ في دَيْنٍ حَالٍّ فَقَطْ‏.‏

وَقِيلَ إنْ كان الْمَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا لم يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ‏.‏

قُلْت يَأْتِي حُكْمُ هذه الْمَسْأَلَةِ في كِتَابِ الْحَجْرِ بِأَتَمَّ من هذا مُحَرَّرًا‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو أَقَامَ له ضَامِنًا أو رَهْنًا مُحْرِزًا أو وَكِيلًا يَقْضِيهِ جَازَ

تنبيه‏:‏

ان‏:‏

أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا وَفَاءَ له أَنَّهُ إنْ كان له وَفَاءٌ يُجَاهِدُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وهو صَحِيحٌ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُهُ في الْفُرُوعِ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ‏.‏

وَقِيلَ لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظاهر ‏[‏ظاهره‏]‏ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ لاطلاقهم عَدَمَ الْمُجَاهَدَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏

قُلْت لَعَلَّ مُرَادَ من أَطْلَقَ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ حَكَى وَجْهَيْنِ فَقَالُوا وَيَسْتَأْذِنُ الْمَدْيُونُ وَقِيلَ الْمُعْسِرُ‏.‏

الثَّانِي عُمُومُ قَوْلِهِ وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ إلَّا بِإِذْنِ أبيه‏.‏

يقتضي ‏[‏تقتضي‏]‏ اسْتِئْذَانَ الْأَبَوَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ أو أَحَدَهُمَا كَالْحُرَّيْنِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ وَقِيلَ أو رَقِيقٌ لم يَتَطَوَّعْ بِلَا إذْنِهِ وَمَعَ رِقِّهِمَا فيه وَجْهَانِ انْتَهَى

فائدة‏:‏

لَا إذْنَ لِجَدٍّ وَلَا لِجَدَّةٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ‏.‏

وقال في الْفُرُوعِ وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ عن أَحْمَدَ فيه شَيْءٌ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ في الْجَدِّ أبى الْأَبِ يَعْنِي أَنَّهُ كَالْأَبِ في الِاسْتِئْذَانِ‏.‏

تنبيهان‏:‏

‏[‏تبيهان‏]‏‏.‏

أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عليه الْجِهَادُ فإنه لَا طَاعَةَ لَهُمَا في تَرْكِ فَرِيضَةٍ‏.‏

أَنَّهُ إذَا لم يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

وقال في الرَّوْضَةِ حُكْمُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ في عَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ حُكْمُ الْمُتَعَيِّنِ عليه‏.‏

الثَّانِي أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ فإنه لَا طَاعَةَ لَهُمَا في تَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنَّهُ يتعلم ‏[‏تعلم‏]‏ من الْعِلْمِ ما يُقَوِّمُ بِهِ دِينَهُ من غَيْرِ إذْنٍ لِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ عليه‏.‏

قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجِبُ عليه في نَفْسِهِ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذلك وَهَذَا خَاصَّةً بِطَلَبِهِ بِلَا إذْنٍ وَنَقَل ابن هَانِئٍ فِيمَنْ لَا يَأْذَنُ له أَبَوَاهُ يُطْلَبُ منه بِقَدْرِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ من لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ وَقِيلَ أو كان فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقِيلَ أو نفلا ‏[‏فلا‏]‏ وَلَا يَحْصُلُ ذلك بِبَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِ أَبَوَيْهِ انْتَهَى‏.‏

وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ هل يُجِيبُ أَبَوَيْهِ وهو في الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ لو دَعَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم‏.‏

فائدة‏:‏

قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ من صَفِّهِمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ‏.‏

وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وقال في الْمُنْتَخَبِ لَا يَلْزَمُ ثَبَاتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ على الِانْفِرَادِ‏.‏

وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالنَّصِيحَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ من أَطْلَقَ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وأبو طَالِبٍ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالُ دَفْعٍ أو طَلَبٍ‏.‏

فَالْأَوَّلُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا يَطِيقُهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَيَخَافُونَ أَنَّهُمْ إنْ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَطَفُوا على من تَخَلَّفَ من الْمُسْلِمِينَ فها ‏[‏فههنا‏]‏ هنا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ بَذْلِ مُهَجِهِمْ في الدَّفْعِ حتى يُسَلِّمُوا وَمِثْلُهُ لو هَجَمَ عَدُوٌّ على بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُقَاتِلَةُ أَقَلُّ من النِّصْفِ لَكِنْ إنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلَوْا على الْحَرِيمِ‏.‏

وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُصَافَّةِ أو قَبْلَهَا فَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا حين الشُّرُوعِ في الْقِتَالِ لَا يَجُوزُ الْإِدْبَارُ مُطْلَقًا إلَّا لِتَحَرُّفٍ أو تَحَيُّزٍ انْتَهَى‏.‏

يَعْنِي وَلَوْ ظَنُّوا التَّلَفَ‏.‏

إذَا عَلِمْت ذلك فقال الْأَصْحَابُ التَّحَرُّفُ أَنْ يَنْحَازَ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فيه أَمْكَنَ مِثْلَ أَنْ يَنْحَازَ من مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أو الرِّيحِ وَمِنْ نُزُولٍ إلَى عُلْوٍ وَمِنْ مُعَطِّشَةٍ إلَى مَاءٍ أو يَفِرَّ بين أَيْدِيهِمْ لِيُنْقِضَ صُفُوفَهُمْ أو تنفرد ‏[‏تنفر‏]‏ خَيْلَهُمْ من رَجَّالَتِهِمْ أو لِيَجِدَ فِيهِمْ فُرْجَةً أو يَسْتَنِدَ إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذلك مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَالُوا في التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ سَوَاءٌ كانت قَرِيبَةً أو بَعِيدَةً‏.‏

قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ الْكُفَّارُ فَلَهُمْ الْفِرَارُ‏.‏

قال الْجُمْهُورُ وَالْفِرَارُ أَوْلَى وَالْحَالَةُ هذه مع ظَنِّ التَّلَفِ بِتَرْكِهِ وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ في النُّسَخِ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ على الضَّعْفِ‏.‏

فائدة‏:‏

قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ لو خَشِيَ الْأَسْرَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَ‏.‏

حتى يُقْتَلَ وَلَا يَسْتَأْسِرَ وَإِنْ اسْتَأْسَرَ جَازَ لِقِصَّةِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ وَيَأْتِي كَلَامُ الْآجُرِّيِّ قَرِيبًا‏.‏

قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِمْ الظَّفَرُ فَلَيْسَ لهم الْفِرَارُ وَلَوْ زَادُوا على أَضْعَافِهِمْ‏.‏

وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الثَّبَاتِ عليهم وَالْحَالَةُ هذه وهو ‏[‏وأحد‏]‏ أحد الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ فإنه قال إذَا كان الْعَدُوُّ أَكْثَرَ من مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ ولم يُطِيقُوا قِتَالَهُمْ لم يَعْصِ من انْهَزَمَ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ الثَّبَاتُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وقال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَعْرُوفُ عن الْأَصْحَابِ قال ابن مُنَجَّا وهو قَوْلُ من عَلِمْنَا من الْأَصْحَابِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو ظَنُّوا الْهَلَاكَ في الْفِرَارِ وفي الثَّبَاتِ فَالْأَوْلَى لهم الْقِتَالُ من غَيْرِ إيجَابٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْهِدَايَةِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ من الرِّوَايَتَيْنِ‏.‏

وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقِتَالُ وَالْحَالَةُ هذه وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ قَالَهُ في الْهِدَايَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ‏.‏

قُلْت وهو أَوْلَى‏.‏

قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ ما يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرَ يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ الْأَسْرُ شَدِيدٌ وَلَا بُدَّ من الْمَوْتِ وقد قال عَمَّارٌ من اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ منه الذِّمَّةُ فَلِهَذَا قال الْآجُرِّيُّ يَأْثَمُ بِذَلِكَ فإنه قَوْلُ أَحْمَدَ‏.‏

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُسَنُّ انْغِمَاسُهُ في الْعَدُوِّ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا نهى عنه وهو من التَّهْلُكَةِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ أُلْقِيَ في مَرْكَبِهِمْ نَارٌ فَعَلُوا ما يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فيه‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ شَكُّوا فَعَلُوا ما شاؤوا من الْمُقَامِ أو إلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ في الْمَاءِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُمْ الْمُقَامُ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ‏.‏

قُلْت وهو الصَّوَابُ‏.‏

وقال ابن عَقِيلٍ يَحْرُمُ ذلك وَحَكَاهُ رِوَايَةً عن أَحْمَدَ وَصَحَّحَهَا‏.‏

قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

وَلَوْ قُتِلَ فيه صَبِيٌّ أو امْرَأَةٌ أو غَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ إذَا لم يَقْصِدْهُمْ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُ نَحْلٍ وَلَا تَغْرِيقُهُ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ شُهْدِهِ كُلِّهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

إحْدَاهُمَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ إلَّا لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ‏.‏

يَعْنِي لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إلَّا لِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاويين ‏[‏الحاويين‏]‏ وَالزَّرْكَشِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ‏.‏

وَعَنْهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مع الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا في غَيْرِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَا ذلك إجْمَاعًا في دَجَاجٍ وَطَيْرٍ‏.‏

وَاخْتَارَا أَيْضًا جَوَازَ قَتْلِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ إنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عن سَوْقِهَا وَلَا يَدَعُهَا لهم وَذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَعَكْسُهُ أَشْهَرُ‏.‏

قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ يَجُوزُ قَتْلُ ما قَاتَلُوا عليه في تِلْكَ الْحَالِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ‏.‏

وَالشَّارِحُ وَقَالَا لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ وَقَالَا ليس في هذا خِلَافٌ وهو كما قَالَا‏.‏

فائدتان‏:‏

إحداهما لو حُزْنَا دَوَابَّهُمْ إلَيْنَا لم يَجُزْ قَتْلُهَا إلَّا لِلْأَكْلِ وَلَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُ مَتَاعٍ فَتُرِكَ ولم يُشْتَرَ فَلِلْأَمِيرِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا حَرُمَ إذْ ما جَازَ اغْتِنَامُهُ حَرُمَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ‏.‏

قال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ غَنِمْنَاهُ ثُمَّ عَجَزْنَا عن نَقْلِهِ إلَى دَارِنَا فقال الْأَمِيرُ من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له فَمَنْ أَخَذَ منه شيئا فَهُوَ له وَكَذَا إنْ لم يَقُلْ ذلك في أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْهُ غَنِيمَةٌ‏.‏

الثَّانِيَةُ يَجُوزُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في الْبُلْغَةِ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَجِبُ إتْلَافُ كُفْرٍ أو تَبْدِيلٍ‏.‏

قَوْلُهُ وفي جَوَازِ إحْرَاقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ‏.‏

اعْلَمْ أَنَّ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ‏.‏

أَحَدُهَا ما تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ لِغَرَضٍ ما فَهَذَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَحَرْقُهُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ‏.‏

الثَّانِي ما يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَحَرْقُهُ‏.‏

الثَّالِثُ ما عَدَاهُمَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْخِرَقِيُّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عليهم إلَّا بِهِ أو يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وقال هذا هو الْمُفْتَى بِهِ في الْأَشْهَرِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال في الْوَسِيلَةِ لَا يَحْرُقُ شيئا وَلَا بَهِيمَةً إلَّا أَنْ يَفْعَلُوهُ بِنَا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُمْ يُكَافَئُونَ على فِعْلِهِمْ‏.‏

قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ‏.‏

وَكَذَا هَدْمُ عَامِرِهِمْ يَعْنِي أَنَّ رَمْيَهُمْ بِالنَّارِ وَفَتْحَ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ كَحَرْقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وهو إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِالْجَوَازِ إذَا عَجَزُوا عن أَخْذِهِ بِغَيْرِ ذلك وَإِلَّا لم يجز ‏[‏يحز‏]‏ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ‏.‏

قَوْلُهُ وإذا ظَفِرَ بِهِمْ لم يُقْتَلْ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا رَاهِبٌ وَلَا شَيْخٌ فَانٍ وَلَا زَمِنٌ وَلَا أَعْمَى لَا رَأْيَ لهم إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا‏.‏

قال الْأَصْحَابُ أو يُحَرِّضُوا وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ قَتْلِ الرَّاهِبِ بِشَرْطِ عَدَمِ مُخَالَطَةِ الناس فَإِنْ خَالَفَ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَذْهَبُ لَا يُقْتَلُ مُطْلَقًا‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ في الْمَرْأَةِ إذَا انْكَشَفَتْ وَشَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ رُمِيَتْ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا ترمي وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ على قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِثْلُهَا إذَا فَعَلَتْ ذلك‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُقْتَلُ غَيْرُ من سَمَّاهُمْ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي‏.‏

وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ وَلَا الْفَلَاحُ وقال في الْإِرْشَادِ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ مِثْلُهُ لَا يُقَاتِلُ‏.‏

فائدة‏:‏

الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي‏.‏

وَيُقْتَلُ الْمَرِيضُ إذَا كان مِمَّنْ لو كان صَحِيحًا قَاتَلَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْهَازِ على الْجَرِيحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْيُوسًا من بُرْئِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ لم يَجُزْ رَمْيُهُمْ إلَّا أَنْ يَخَافَ على الْمُسْلِمِينَ فَيَرْمِيَهُمْ وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ‏.‏

هذا بِلَا نِزَاعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لم يَخَفْ على الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ عليهم إلَّا بِالرَّمْيِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وقال الْقَاضِي يَجُوزُ رَمْيُهُمْ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

قال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فَإِنْ خِيفَ على الْجَيْشِ أو فَوْتُ الْفَتْحِ رَمْينَا بِقَصْدِ الْكُفَّارِ‏.‏

فائدة‏:‏

حَيْثُ قُلْنَا لَا يَحْرُمُ الرَّمْيُ فإنه يَجُوزُ لَكِنْ لو قَتَلَ مُسْلِمًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ على ما يَأْتِي في بَابِهِ وَلَا دِيَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

وَعَنْهُ عليه الدِّيَةُ وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْجِنَايَاتِ في فَصْلٌ وَالْخَطَأُ على ضَرْبَيْنِ‏.‏

وقال في الْوَسِيلَةِ يَجِبُ الرَّمْيُ وَيُكَفِّرُ وَلَا دِيَةَ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لو قالوا ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسَرَاكُمْ فَلْيَرْحَلُوا عَنْهُمْ‏.‏

قَوْلُهُ وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لم يَجُزْ قَتْلُهُ حتى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ من السَّيْرِ معه وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهُ بِضَرْبٍ أو غَيْرِهِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا‏.‏

وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في قَتْلِ الْمَرِيضِ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ‏.‏

وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ قَتْلِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يُخَلِّيهِ وَلَا يَقْتُلُهُ‏.‏

فائدة‏:‏

يَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرٍ غَيْرِ ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ قَتْلِهِ لِلْمَصْلَحَةِ كَقَتْلِ بِلَالٍ رضي اللَّهُ عنه أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ أَسِيرَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ رضي اللَّهُ عنه وقد أَعَانَهُ عليه الْأَنْصَارُ‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَ وَفَعَلَ فَإِنْ كان الْمَقْتُولُ رَجُلًا فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان صَبِيًّا أو امْرَأَةً عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ وَغَرَّمَهُ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً‏.‏

وقال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا قبل تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فيه لم يَضْمَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا‏.‏

قَوْلُهُ وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ في الْأَسْرَى بين الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ أو مَالٍ‏.‏

يَجُوزُ الْفِدَاءُ بِمَالٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْخِرَقِيِّ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَاضِي في كُتُبِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بِمَالٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ولم أَرَهَا لِغَيْرِهِ وهو وَجْهٌ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا صححه ‏[‏وصححه‏]‏ في الْخُلَاصَةِ‏.‏

وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ‏.‏

وقال الْخِرَقِيُّ فِيمَنْ لَا يُقْبَلُ منه الْحُرِّيَّةُ لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ أو الْفِدَاءُ وَكَذَا قال في الْإِيضَاحِ وابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ‏.‏

فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ‏.‏

وقال في الْفُرُوعِ عن الْخِرَقِيِّ أنه قال لَا يُقْبَلُ في غَيْرِ من لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يُرَاجِعْ الْخِرَقِيَّ أو حَصَلَ سَقْطٌ فإن الْفِدَاءَ مَذْكُورٌ في الْخِرَقِيِّ‏.‏

وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ يُجْبَرُ الْمَجُوسِيُّ على الْإِسْلَامِ‏.‏

قَوْلُهُ إلَّا غير الْكِتَابِيِّ فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

إحْدَاهُمَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ وَإِلَيْهِ مِيلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ‏.‏

قال في الْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها‏.‏

وقال الشَّارِحُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِمْ مَبْنِيٌّ على أَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ أَخْذِهَا جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تنبيه‏:‏

مُرَادُهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ من تُقْبَلُ منهم الْجِزْيَةُ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمَجُوسُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَمُرَادُهُ بِغَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ من لَا تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ أبو الْخَطَّابِ وأبو مُحَمَّدٍ وَمَنْ تَبِعَهُمَا يَحْكُونَ الْخِلَافَ في غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وأبو الْبَرَكَاتِ جَعَلَ مَنَاطَ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ‏.‏

فَعَلَى قَوْلِهِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يَجْرِي فِيهِمْ الْخِلَافُ لِعَدَمِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم‏.‏

قال وَيَقْرَبُ من نَحْوِ هذا قَوْلُ الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ فإنه حَكَى الْخِلَافَ في مُشْرِكِي الْعَرَبِ من أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

تنبيه‏:‏

مَحَلُّ الْخِيرَةِ لِلْأَمِيرِ إذَا كان الْأَسِيرُ حُرًّا مُقَاتِلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ من عليه وَلَاءٌ لِمُسْلِمٍ بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ نَسَبِهِ‏.‏

قال الشَّارِحُ وَعَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ أَيْضًا إذَا كان عليه وَلَاءٌ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ‏.‏

وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ من عليه وَلَاءٌ لِذِمِّيٍّ أَيْضًا‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ في الْبُلْغَةِ‏.‏

قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وفي رِقِّ من عليه وَلَاءُ مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ وَجْهَانِ‏.‏

فائدة‏:‏

لَا يُبْطِلُ الِاسْتِرْقَاقُ حَقَّ مُسْلِمٍ قَالَه ابن عقيل وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

قال في الِانْتِصَارِ لَا عَمَلَ لِسَبْيٍ إلَّا في مَالٍ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ له أو عليه وفي سُقُوطِ الدَّيْنِ من ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ فَيَقْضِي منه دَيْنَهُ فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ وَإِنْ أُسِرَ وَأُخِذَ مَالُهُ مَعًا فَالْكُلُّ لِلْغَانِمِينَ وَالدَّيْنُ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ انْتَهَى‏.‏

وَقِيلَ إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بِحَرْبِيَّةٍ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ سُبِيَتْ لم تُسْتَرَقَّ لِحَمْلِهَا منه‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إلَّا الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ‏.‏

قال في الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ‏.‏

قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُثَابُ عليه فَمُسْلِمٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَخْتَارَ غير الْأَصْلَحِ ولو ‏[‏وله‏]‏ كان فيه ضَرَرٌ فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ‏.‏

فائدة‏:‏

لو تَرَدَّدَ رأى الْإِمَامِ وَنَظَرُهُ في ذلك فَالْقَتْلُ أَوْلَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

تنبيه‏:‏

هذه الْخِيَرَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في الْأَحْرَارِ وَالْمُقَاتِلَةِ‏.‏

أَمَّا الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ فَالْإِمَامُ يُخَيَّرُ بين قَتْلِهِمْ إنْ رَأَى أو تَرْكِهِمْ غَنِيمَةً كَالْبَهَائِمِ‏.‏

وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَيَصِيرُونَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ‏.‏

وَأَمَّا من يَحْرُمُ قَتْلُهُ غير النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالرَّاهِبِ وَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى فقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحُ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ‏.‏

وَحَكَى بن مُنَجَّا عن الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قال في الْمُغْنِي يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الشَّيْخِ وَالزَّمِنِ وَلَعَلَّهُ في الْمُغْنِي الْقَدِيمِ‏.‏

وَحَكَى أَيْضًا عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قالوا كُلُّ من لَا يُقْتَلُ كَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِ يَرِقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ‏.‏

وَأَمَّا الْمَجْدُ فَجَعَلَ من فيه نَفْعٌ من هَؤُلَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ‏.‏

قُلْت وهو الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَالْأَسِيرُ الْقِنُّ غَنِيمَةٌ وَلَهُ قَتْلُهُ وَمَنْ فيه نَفْعٌ وَلَا يُقْتَلُ كَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَعْمَى رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ‏.‏

وفي الْوَاضِحِ من لَا يُقْتَلُ غير الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يُخَيَّرُ فيه بِغَيْرِ قَتْلٍ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ وَغَيْرُهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ قال وَلَهُ في الْمَعْرَكَةِ قَتْلُ أبيه وَابْنِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمُوا رَقُّوا في الْحَالِ‏.‏

يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ صَارَ رَقِيقًا في الْحَالِ وَزَالَ التَّخْيِيرُ فيه وَصَارَ حُكْمُهُ‏.‏

حُكْمَ النِّسَاءِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وقال عليه الْأَصْحَابُ‏.‏

وَعَنْهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فيه بين الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَقَالَهُ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصطلحناه في الْخُطْبَةِ‏.‏

فَعَلَى هذا يَجُوزُ الْفِدَاءُ لِيَتَخَلَّصَ من الرِّقِّ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ له من يَمْنَعُهُ من عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا‏.‏

فائدة‏:‏

لو أَسْلَمَ قبل أَسْرِهِ لم يُسْتَرَقَّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ لو ادَّعَى الْأَسِيرُ إسْلَامًا سَابِقًا يَمْنَعُ رِقَّهُ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفَ لم يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها‏.‏

وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرَهُ في بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا هُنَاكَ‏.‏

قَوْلُهُ وَمَنْ سبى من أَطْفَالِهِمْ مُنْفَرِدًا أو مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ‏.‏

إذَا سبى الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ‏.‏

فائدة‏:‏

الْمُمَيِّزُ الْمَسْبِيُّ كَالطِّفْلِ في كَوْنِهِ مُسْلِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ يَكُونُ مُسْلِمًا ما لم يَبْلُغْ عَشْرًا‏.‏

وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حتى يُسْلِمَ بِنَفْسِهِ كَالْبَالِغِ‏.‏

وَإِنْ سُبِيَ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال الْقَاضِي هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ‏.‏

وَعَنْهُ يَتْبَعُ أَبَاهُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ‏.‏

وَعَنْهُ يَتْبَعُ الْمَسْبِيَّ معه مِنْهُمَا قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ‏.‏

وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ سُبِيَ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَفِي إسْلَامِهِ رِوَايَتَانِ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَ مع أَبَوَيْهِ فَهُوَ على دِينِهِمَا‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو سَبَى ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا تَبِعَ سَابِيَهُ حَيْثُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ‏.‏

وَقِيلَ إنْ سَبَاهُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ‏.‏

قُلْت يَحْتَمِلُهُ كلام الْمُصَنِّفُ هُنَا بَلْ هو ظَاهِرُهُ‏.‏

وَنَقَلَ عبد اللَّهِ وَالْفَضْلُ يَتْبَعُ مَالِكًا مُسْلِمًا كَسَبْيٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏.‏

وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ أبو الطِّفْلِ الْكَافِرُ أو أُمُّهُ الْكَافِرَةُ أو أَسْلَمَا أو أَحَدُهُمَا‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفَسِخَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ‏.‏

وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الِانْفِسَاخَ إنْ تَعَدَّدَ السَّابِي مِثْلَ أَنْ يَسْبِيَ المرأة ‏[‏امرأة‏]‏ وَاحِدٌ وَالزَّوْجَ آخَرُ وَقَالَا لم يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يَنْفَسِخُ نَصَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في التَّبْصِرَةِ كَزَوْجَةِ ذِمِّيٍّ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ سُبِيَتْ دُونَهُ فَهَلْ تُنَجَّزُ الْفُرْقَةُ أو تَقِفُ على فَوَاتِ إسْلَامِهِمَا في الْعِدَّةِ على وَجْهَيْنِ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّجُلَ لو سُبِيَ وَحْدَهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ‏.‏

وقال أبو الْخَطَّابِ يَنْفَسِخُ قَالَهُ الشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ‏.‏

وَلَعَلَّ أَبَا الْخَطَّابِ اخْتَارَهُ في غَيْرِ الْهِدَايَةِ فَأَمَّا في الْهِدَايَةِ فإنه قال فَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا أو اُسْتُرِقَّ فقال شَيْخُنَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ‏.‏

قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ من اُسْتُرِقَّ منهم لِلْمُشْرِكِينَ على رِوَايَتَيْنِ‏.‏

إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ بيعهما ‏[‏بيعها‏]‏ لِمُشْرِكٍ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّرِيفُ أَبَوْ جَعْفَرٌ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ‏.‏

قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَا يَجُوزُ في الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ‏.‏

وَالشَّرْحِ وقال هو أَوْلَى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كان كَافِرًا‏.‏

وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَالِغِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَالِغِ من الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ‏.‏

وَيَأْتِي في بَابِ الْهَدِيَّةِ جَوَازُ بَيْعِ أَوْلَادِ الْمُحَارَبِينَ من آبَائِهِمْ‏.‏

فائدة‏:‏

حُكْمُ الْمُفَادَاةِ بِمَالٍ حُكْمُ بَيْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا‏.‏

وَأَمَّا مُفَادَاتُهُ بِمُسْلِمٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُهَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْمَنْعُ بِصَغِيرٍ‏.‏

وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَعْقُوبُ لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ وَلَا نِسَاءٌ إلَى الْكُفَّارِ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ في مُفَادَاتِهِمَا بِمُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ في الْبَيْعِ بين ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ‏.‏

إنْ كان قبل الْبُلُوغِ لم يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان بَعْدَ الْبُلُوغِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في كِتَابِ الْبَيْعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْح ابن رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ‏.‏

إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

قال في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في مَوْضِعٍ وَلَا يفرق ‏[‏فرق‏]‏ بين كل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَأَطْلَقَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَاخْتَارَه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ قال في الْفُصُولِ هو الْمَشْهُورُ عنه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ‏.‏

قال الْأَزَجِيُّ في الْمُنْتَخَبِ وَيَحْرُمُ تَفْرِيقٌ بين ذِي الرَّحِمِ قبل الْبُلُوغِ قال النَّاظِمُ وهو أَوْلَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ بين ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ في الشَّرْحِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا غير الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

فَيَدْخُلُ في ذلك الْعَمَّةُ مع بن أَخِيهَا وَالْخَالَةُ مع بن أُخْتِهَا‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ اخْتِصَاصُ الْأَبَوَيْنِ وَالْجَدَّيْنِ بِذَلِكَ وَنَصَرَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏.‏

وَقِيلَ يَجُوزُ ذلك في غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ وَلَوْ رَضُوا بِهِ وهو صَحِيحٌ‏.‏

وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ‏.‏

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا حُكْمُ التَّفْرِيقِ في الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا كَأَخْذِهِ بِجِنَايَةٍ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا حُكْمُ الْبَيْعِ على ما تَقَدَّمَ‏.‏

الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بِالْعِتْقِ وَلَا بِافْتِدَاءِ الْأَسْرَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وعليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

قال الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ في الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ من الْحَضَانَةِ‏.‏

وَقِيلَ يَحْرُمُ في افْتِدَاءِ الْأَسْرَى وَيَجُوزُ في الْعِتْقِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

وَعَنْهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ‏.‏

الثَّالِثَةُ لو بَاعَهُمْ على أَنَّ بَيْنَهُمْ نَسَبًا يَمْنَعُ التَّفْرِيقَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمْ كان لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ‏.‏

فائدة‏:‏

قَوْلُهُ وإذا حَصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا لَزِمَتْهُ مُصَابَرَتُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فيها فَإِنْ أَسْلَمُوا أو من أَسْلَمَ منهم أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ‏.‏

يُحْرِزُ بِذَلِكَ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ سَوَاءٌ كَانُوا في السَّبْيِ أو في دَارِ الْحَرْبِ وكذا مَالُهُ أَيْنَ كان وَيُحْرِزُ أَيْضًا الْمَنْفَعَةَ كَالْإِجَارَةِ‏.‏

وَيُحْرِزُ أَيْضًا الْحَمْلَ لَا الذي في بَطْنِ امْرَأَتِهِ وَلَا يُحْرِزُ امْرَأَتَهُ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ سُبِيَتْ الْحَرْبِيَّةُ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ لم يَمْنَعْ رِقَّهَا فَيَنْقَطِعُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ في الدَّوَامِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ وَيَتَوَقَّفُ على إسْلَامِهَا في الْعِدَّةِ انْتَهَى‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِمَالٍ أو غَيْرِهِ جَازَ إنْ كانت الْمَصْلَحَةُ فيه‏.‏

وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

قُلْت بَلْ يَلْزَمُهُ ذلك وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ بِمَالٍ وَغَيْرِهِ اما الْمَالُ فَلَا نِزَاعَ فيه وَأَمَّا إذَا سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَازِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْح ابن مُنَجَّا‏.‏

وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُمْ وَيَسْتَضِرَّ بِالْمُقَامِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ نَزَلُوا على حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ إذَا كان مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا من أَهْلِ الِاجْتِهَادِ‏.‏

يَعْنِي في الْجِهَادِ وَلَوْ كان أَعْمَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ولم يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَلَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وقال في الْبُلْغَةِ يُعْتَبَرُ فيه شُرُوطُ الْقَاضِي إلَّا الْبَصَرَ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَا فيه الْأَحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ من الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْفِدَاءِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

قَوْلُهُ فَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ لَزِمَ قَبُولُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَقِيلَ يَلْزَمُ في الْمُقَاتِلَةِ وَلَا يَلْزَمُ في النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ‏.‏

فائدة‏:‏

يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِمَّنْ حُكِمَ بِرِقِّهِ أو قَتْلِهِ وَيَجُوزُ له الْمَنُّ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا‏.‏

وقال في الْكَافِي وَالْبُلْغَةِ يَجُوزُ الْمَنُّ على مَحْكُومٍ بِرِقِّهِ بِرِضَا الْغَانِمِينَ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ أو سَبْيٍ فَأَسْلَمُوا عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ وفي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وفي الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ‏.‏

وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْح ابن مُنَجَّا‏.‏

أَحَدُهُمَا لَا يُسْتَرَقُّونَ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَرَقُّونَ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ‏.‏