فصل: بَابُ: الصُّلْحِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***


بَابُ‏:‏ الْحَوَالَةِ

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏في أحكام الحوالة‏]‏

إحْدَاهَا قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا هِيَ مُشْتَقَّةٌ من تَحْوِيلِ الْحَقِّ من ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ هِيَ مُشْتَقَّةٌ من التَّحَوُّلِ لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ الْحَقَّ وَتَنْقُلُهُ من ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ فإن التَّحَوُّلَ مُطَاوِعٌ لِلتَّحْوِيلِ يُقَالُ حَوَّلْته فَتَحَوَّلَ الثَّانِيَةُ الْحَوَالَةُ عَقْدُ إرْفَاقٍ تَنْقُلُ الْحَقَّ من ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عليه وَلَيْسَتْ بَيْعًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِجَوَازِهَا بين الدَّيْنَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً وَالتَّفَرُّقِ قبل الْقَبْضِ واختصاصها ‏[‏اختصاصها‏]‏ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ وَاسْمٍ خَاصٍّ وَلُزُومِهَا وَلَا هِيَ في مَعْنَى الْمَبِيعِ لِعَدَمِ الْعَيْنِ فيها وَهَذَا الصَّوَابُ قال الْمُصَنِّفُ وهو أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ الْحَوَالَةُ هل هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ أو تَقْبِيضٌ فيه خِلَافٌ وقد قِيلَ إنَّهَا بَيْعٌ فإن الْمُحِيلَ يَشْتَرِي ما في ذِمَّتِهِ بِمَا في ذِمَّةِ الْمُحَالِ عليه وَجَازَ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ رُخْصَةً لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ على الرِّفْقِ فَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ من حَيْثُ إنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَتُشْبِهُ الِاسْتِيفَاءَ من حَيْثُ إنَّهُ يُبْرِئُ الْمُحِيلَ وَيَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إذَا أَحَالَ بِالثَّمَنِ وَلِتَرَدُّدِهَا بين ذلك أَلْحَقَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْمُعَاوَضَةِ كما تَقَدَّمَ وَأَلْحَقَهَا بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ‏.‏

الثَّالِثَةُ نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ له عِنْدَهُ مَالٌ فقال له خُذْ منه دِينَارًا فَأَخَذَ منه أَكْثَرَ قال الضَّمَانُ على الْمُرْسِلِ لِتَغْرِيرِهِ وَيَرْجِعُ هو على الرَّسُولِ ذَكَرَه ابن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يُحِيلَ على دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ فَإِنْ أَحَالَ على مَالِ الْكِتَابَةِ أو السَّلَمِ أو الصَّدَاقِ قبل الدُّخُولِ وَكَذَا لو أَحَالَ على الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لم تَصِحَّ وَإِنْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ أو الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ صَحَّ وَكَذَا لو أَحَالَ بِالْأُجْرَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَارَةً تَكُونُ على مَالٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِمَالٍ فَإِنْ كانت الْحَوَالَةُ على مَالٍ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُحَالُ عليه مُسْتَقِرًّا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ على مَالِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ حُلُولِهِ وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فيه مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ منه وَالْحَوَالَةِ عليه وَبِهِ وقال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَظْهَرُ لي مَنْعُ الْحَوَالَةِ بِالْمُسْلَمِ فيه وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ على الْمَهْرِ قبل الدُّخُولِ وَعَلَى الْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كانت الْحَوَالَةُ بِمَالٍ لم يُشْتَرَطْ اسْتِقْرَارُهُ وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْكَافِي وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الزَّرْكَشِيّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ في مَالِ الْكِتَابَةِ وَقَدَّمَهُ في غَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ في مَالِ الْكِتَابَةِ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ على ما يَأْتِي‏.‏

وَقِيلَ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُحَالِ بِهِ مُسْتَقِرًّا كَالْمُحَالِ عليه اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَنْ تَكُونَ بِدَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ وَعَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ يَصِحُّ السَّلَمُ فيه مُسْتَقِرًّا على مُسْتَقِرٍّ قال في الرِّعَايَتَيْنِ إنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ يَصِحُّ السَّلَمُ فيه مُسْتَقِرًّا في الْأَشْهَرِ على دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ قال في الْفَائِقِ وَتَخْتَصُّ صحتها بِدَيْنٍ يَصِحُّ فيه السَّلَمُ وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ علي مُسْتَقِرٍّ قال في التَّلْخِيصِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ مُسْتَقِرٍّ وَلَا على غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ فَلَا تَصِحُّ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا في الْأُجْرَةِ قبل اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا في الصَّدَاقِ قبل الدُّخُولِ وَكَذَلِكَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ على ظَاهِرِ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ تَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ على من له عليه دَيْنٌ وَيَبْرَأُ الْعَبْدُ وَيُعْتَقُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ في ذِمَّةِ الْمُحَالِ عليه لِلسَّيِّدِ انْتَهَى‏.‏

وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ الْوَجْهَيْنِ في الْحَوَالَةِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ في الْحَوَالَةِ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالْمَهْرِ وقال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ الدُّيُونُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ دَيْنُ سَلَمٍ وَدَيْنُ كِتَابَةٍ وما عَدَاهُمَا وهو قِسْمَانِ مُسْتَقِرٌّ وَغَيْرُ مُسْتَقِرٍّ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَنَحْوِهِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِدَيْنِ السَّلَمِ وَلَا عليه وَتَصِحُّ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ على الصَّحِيحِ دُونَ الْحَوَالَةِ عليه وَيَصِحَّانِ في سَائِرِ الدُّيُونِ مُسْتَقِرِّهَا وَغَيْرِ مُسْتَقِرِّهَا وَقِيلَ لَا تَصِحُّ على غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ بِحَالٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أبو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ‏.‏

وَقِيلَ وَلَا بِمَا ليس بِمُسْتَقِرٍّ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ انْتَهَى‏.‏

تنبيه‏:‏

يُسْتَثْنَى من مَحَلِّ الْخِلَافِ من الْمَالِ الْمُحَالِ عليه وَالْمُحَالِ بِهِ دَيْنُ السَّلَمِ فإنه لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عليه وَلَا بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ما تَقَدَّمَ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ وَكَلَامِ الزَّرْكَشِيّ فَائِدَةٌ في صِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَعَلَيْهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ من الْبُيُوعِ فقال لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ في رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ بِحَوَالَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا وَقِيلَ يَصِحُّ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ السَّلَمِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنْبِيهٌ خَرَجَ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لو أَحَالَ من لَا دَيْنَ عليه على من عليه دَيْنٌ فإنه لَا يُسَمَّى حَوَالَةً بَلْ هو وَكَالَةٌ في الْقَبْضِ وَلَوْ أَحَالَ من لَا دَيْنَ عليه على من لَا دَيْنَ عليه فَهُوَ وَكَالَةٌ في اقْتِرَاضٍ لَا حَوَالَةٌ وَلَوْ أَحَالَ من عليه دَيْنٌ على من لَا دَيْنَ عليه فَهُوَ وَكَالَةٌ في اقْتِرَاضٍ أَيْضًا فَلَا يُصَارِفُهُ نَصَّ عليه قال في الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ إنْ رضي الْمُحَالُ عليه بِالْحَوَالَةِ صَارَ ضَامِنًا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ فَائِدَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ الثَّانِي اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ في الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عِلْمُ الْمَالِ وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَصِحُّ فيه السَّلَمُ من الْمِثْلِيَّاتِ‏.‏

وفي غَيْرِ المثلى كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ يَصِحُّ السَّلَمُ فيه وَأَطْلَقَا في إبِلِ الدِّيَةِ الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ في الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِكُلِّ ما صَحَّ السَّلَمُ فيه وهو ما يُضْبَطُ بِالصِّفَاتِ سَوَاءٌ كان له مِثْلٌ كَالْأَدْهَانِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ أولا مِثْلَ له كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال النَّاظِمُ تَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَصِحُّ قال الشَّارِحُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ على الْخِلَافِ فِيمَا يقضي بِهِ قَرْضُ هذه الْأَمْوَالِ انْتَهَى وَأَمَّا الأبل فقال الشَّارِحُ لو كان عليه إبِلٌ من الدِّيَةِ وَلَهُ على آخَرَ مِثْلُهَا في السِّنِّ فقال الْقَاضِي تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ في السِّنِّ وَالْقِيمَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ وقال أبو الْخَطَّابِ لَا تَصِحُّ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَإِنْ كان عليه إبِلٌ من دِيَةٍ وَلَهُ على آخَرَ مِثْلُهَا قَرْضًا فَأَحَالَهُ فَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ في الْقَرْضِ قِيمَتُهَا لم تَصِحَّ الْحَوَالَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ مِثْلُهَا اقْتَضَى قَوْلُ الْقَاضِي صِحَّةَ الْحَوَالَةِ وَإِنْ كانت بِالْعَكْسِ فَأَحَالَ الْمُقْرِضُ بِإِبِلٍ لم يَصِحَّ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ في الْجِنْسِ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَالصِّفَةِ كَالصِّحَاحِ بِالصِّحَاحِ وَعَكْسِهِ‏.‏

فَلَوْ أَحَالَ من عليه دَرَاهِمُ دِمَشْقِيَّةٌ بِدَرَاهِمَ عُثْمَانِيَّةٍ لم تَصِحَّ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ عِنْدَ من أَلْحَقَهَا بِالْمُعَاوَضَةِ إذْ اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِيهِمَا مُمْتَنِعٌ كَالْقَرْضِ وَأَمَّا من أَلْحَقَهَا بِالِاسْتِيفَاءِ فقال إنْ كان تلفوتا ‏[‏تفاوتا‏]‏ يُجْبَرُ على أَخْذِهِ عِنْدَ بَذْلِهِ كَالْجَيِّدِ عن الردئ ‏[‏الرديء‏]‏ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى‏.‏

قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحَالِ عليه وَلَا رِضَى الْمُحْتَالِ إذَا كان الْمُحَالُ عليه مَلِيئًا لَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحْتَالِ إذَا كان الْمُحَالُ عليه مَلِيئًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَيُجْبَرُ على قَبُولِهَا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ ذَكَرَهَا بن هُبَيْرَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي اللَّهُ عنه الْمَلِيءَ فقال هو أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ زَادَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ أو فِعْلِهِ وزاد في الْكُبْرَى عَلَيْهِمَا وَتَمَكُّنِهِ من الْأَدَاءِ وَقِيلَ هو الْمَلِيءُ بِالْقَوْلِ وَالْأَمَانَةِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ قال الزَّرْكَشِيُّ عن تَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الذي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَلِيءَ بِالْمَالِ أَنْ يَقْدِرَ على الْوَفَاءِ وَالْقَوْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا وَالْبَدَنِ أَنْ يُمْكِنَ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ‏.‏

الثَّانِيَةُ يَبْرَأُ الْمُحِيلُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه أو جَحَدَ أو مَاتَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ‏.‏

قال النَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ هذا الْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ والنظم ‏[‏والناظم‏]‏ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِرِضَى الْمُحْتَالِ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ وقال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَتُفِيدُ الْإِلْزَامَ فَقَطْ ذَكَرَهَا في النُّكَتِ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى فَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ قَلَّ من ذَكَرَهَا وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ في الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ وَمَبْنَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْحَوَالَةَ هل هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ أو تَقْبِيضٌ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ لم يُعْتَبَرْ لها قَبُولٌ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ تَقْبِيضٌ فَلَا بُدَّ من الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ وهو قَبُولُهَا فَيُجْبَرُ الْمُحْتَالُ عليه انْتَهَى فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ لِلْمُحْتَالِ مُطَالَبَةَ الْمُحِيلِ قبل إجْبَارِ الْحَاكِمِ وَذَكَرَ أبو حَازِمٍ وَابْنُهُ أبو يَعْلَى ليس له الْمُطَالَبَةُ كَتَعْيِينِهِ كِيسًا فَيُرِيدُ غَيْرَهُ قَوْلُهُ وَإِنْ ظَنَّهُ مَلِيئًا فَبَانَ مُفْلِسًا ولم يَكُنْ رضى بِالْحَوَالَةِ رَجَعَ عليه وَإِلَّا فَلَا هُنَا مَسَائِلُ الْأُولَى لو رضى الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ مُطْلَقًا بريء الْمُحِيلُ الثَّانِيَةُ لو ظَهَرَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ من غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا رِضًى من الْمُحْتَالِ وَهِيَ إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْمُصَنِّفِ رَجَعَ بِلَا نِزَاعٍ الثَّالِثَةُ لو رضى بِالْحَوَالَةِ ولم يَشْتَرِطْ الْيَسَارَ وَجَهِلَهُ أو ظَنَّهُ مَلِيئًا فَبَانَ مُفْلِسًا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةُ بريء الْمُحِيلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ في المغنى وقال وَبِهِ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَجْهًا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِه ابن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ الْخِلَافُ وَجْهَانِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ طَرِيقَةُ بن الْبَنَّا الرَّابِعَةُ لو شَرَطَ الْمُحِيلُ أَنَّ الْمُحَالَ عليه مَلِيءٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ عُسْرَتُهُ رَجَعَ الْمُحْتَالُ على الْمُحِيلِ بِلَا نِزَاعٍ وَتَقَدَّمَ إذَا أَحَالَهُ على مَلِيءٍ‏.‏

قَوْلُهُ وإذا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ أو أَحَالَ الْبَائِعُ عليه بِهِ فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ لم تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ أو خِيَارٍ أو انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ بين الزَّوْجَيْنِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ مَالَ الْحَوَالَةِ أو قَبْلَهُ فَإِنْ كان بَعْدَ الْقَبْضِ لم تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَه ابن منجا في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هذا لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ على الْبَائِعِ في مَسْأَلَتَيْ حَوَالَتِهِ وَالْحَوَالَةِ عليه لَا على من كان عليه الدَّيْنُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَا على من أُحِيلَ عليه في الثَّانِيَةِ وَإِنْ كان قبل الْقَبْضِ لم تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ أُحِيلَ على الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ أو أَحَالَ بِهِ كما لو أَعْطَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَرْضًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأمي ‏[‏الأدمي‏]‏ وَتَذْكِرَةِ ابن عبدوس وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالْحُكْمُ على هذا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا كان بَعْدَ الْقَبْضِ على ما تَقَدَّمَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ على من أَحَالَهُ المشترى عليه في الصُّورَةِ الْأُولَى وللمشترى أَنْ يُحِيلَ الْمُحْتَالَ عليه على الْبَائِعِ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ وهو وَجْهٌ كما لو بَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا بِبَيِّنَةٍ أو اتِّفَاقِهِمَا وَلَا تَفْرِيعَ عليه وَجَزَمَ بِه ابن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَالنَّظْمِ وقال الْقَاضِي تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِهِ لَا عليه لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ وَجَزَمَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ على الْمُشْتَرِي وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ في بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا في الْكَافِي فإنه قَدَّمَ بُطْلَانَ الْحَوَالَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هل يَبْطُلُ إذْنُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ واطلقهما في الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ قال في التَّلْخِيصِ فَعَلَى وَجْهِ بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ لَا يَجُوزُ له الْقَبْضُ فَإِنْ فَعَلَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَقَعَ عن الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْحَوَالَةَ انْفَسَخَتْ فَبَطَلَ الْإِذْنُ الذي كان ضِمْنَهَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ عنه لِأَنَّ الْفَسْخَ وَرَدَ على خُصُوصِ جِهَةِ الْحَوَالَةِ دُونَ ما تَضَمَّنَّهُ الْإِذْنُ فَيُضَاهِي تَرَدُّدَ الْفُقَهَاءِ في الْأَمْرِ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ هل يَبْقَى الْجَوَازُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَقَاؤُهُ وإذا صلى الْفَرْضَ قبل وَقْتِهِ انْعَقَدَ نَفْلًا انْتَهَى قال شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ ما إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ هل يَبْطُلُ الْأَصْلُ أو يَبْطُلُ الْوَصْفُ فَقَطْ‏.‏

وَيَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ هل يَبْطُلُ الْعُمُومُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بين الْعُلَمَاءِ ذَكَرَهَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَحَلْتُك قال بَلْ وَكَّلْتنِي أو قال وَكَّلْتُك قال بَلْ أَحَلْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ هذا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن منجا وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ قَوْله وَإِنْ اتَّفَقَا على أَنَّهُ قال أَحَلْتُك وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بها الْوَكَالَةُ وَأَنْكَرَ الأخر فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي والمغنى وَشَرْحِ بن منجا وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْوَجِيزِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قُلْت وهو الصَّوَابُ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ ذلك في الْحُكْمِ لو قال أَحَلْتُك بِدَيْنِي وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بها الْوَكَالَةُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في هذه أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ الثَّانِيَةُ لو اتَّفَقَا على أَنَّهُ قال أَحَلْتُك بِالْمَالِ الذي قِبَلَ فُلَانٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْمُحِيلُ إنَّمَا وَكَّلْتُك في الْقَبْضِ لي وقال الأخر بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنِي فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ معه وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَيَأْتِي عَكْسُهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْلِفُ الْمُحِيلُ وَيَبْقَى حَقُّهُ في ذِمَّةِ الْمُحَالِ عليه قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ لَا يَقْبِضُ الْمُحْتَالُ من الْمُحَالِ عليه لِعَزْلِهِ بِالْإِنْكَارِ وفي طَلَبِ دَيْنِهِ من الْمُحِيلِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وقال لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْحَوَالَةَ بَرَاءَةٌ‏.‏

أَحَدُهُمَا له طَلَبُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْلِفُ الْمُحْتَالُ وَيَثْبُتُ حَقُّهُ في ذِمَّةِ الْمُحَالِ عليه وَيَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ وَيَسْقُطُ عن الْمُحِيلِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ إنْ كان الْمُحْتَالُ قد قَبَضَ الْحَقَّ من الْمُحَالِ عليه وَتَلِفَ في يَدِهِ فَقَدْ بريء كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عليه سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَتْلَفْ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ طَلَبَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَ أَخْذَهُ منه وَيَمْلِكَ مُطَالَبَتَهُ بِدَيْنِهِ وهو الصَّحِيحُ قال في الْفُرُوعِ تَفْرِيعًا على الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وما قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ ولم يَتْلَفْ فَلِلْمُحِيلِ أَخْذُهُ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ‏.‏

وَقِيلَ يَمْلِكُ الْمُحِيلُ أَخْذَهُ منه وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ منه بِالْحَوَالَةِ وقد تَقَدَّمَ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَيَا وَإِنْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِالْعَكْسِ بِأَنْ قال الْمُحِيلُ أَحَلْتُك بِدَيْنِك فقال بَلْ وَكَّلْتنِي فَفِيهَا الْوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ فَإِنْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ فَحَلَفَ بريء من حَقِّ الْمُحْتَالِ وَلِلْمُحْتَالِ قَبْضُ الْمَالِ من الْمُحَالِ عليه لِنَفْسِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ فَحَلَفَ كان له مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ وَمُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عليه فَإِنْ قَبَضَ منه قبل أَخْذِهِ من الْمُحِيلِ فَلَهُ اخذ ما قَبَضَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ اسْتَوْفَى من الْمُحِيلِ دُونَ الْمُحَالِ عليه رَجَعَ الْمُحِيلُ على الْمُحَالِ عليه في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قال الْقَاضِي وَهَذَا أَصَحُّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ عليه وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِنْ كان قَبَضَ الْحَوَالَةَ فَتَلِفَتْ في يَدِهِ بِتَفْرِيطٍ أو أَتْلَفَهَا سَقَطَ حَقُّهُ على كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ حَقُّهُ أَيْضًا وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي له أَنْ يَرْجِعَ على الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ الرُّجُوعُ على الْمُحَالِ عليه قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَحَلْتُك بِدَيْنِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَجْهًا وَاحِدًا‏.‏

يَعْنِي إذَا اتَّفَقَا على ذلك وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْوَكَالَةُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَائِدَةٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَوَالَةُ على مَالِهِ في الدِّيوَانِ إذْنٌ في الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ وَلِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ وَمُطَالَبَةُ مُحِيلِهِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مَسْأَلَةَ الْمُقَاصَّةِ هُنَا وَذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ في آخِرِ السَّلَمِ ولم يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ ما يَدُلُّ عليها في كِتَابِ الصَّدَاقِ وقد ذَكَرْنَاهَا في أخر بَابِ السَّلَمِ فَلْيُعَاوَدْ‏.‏

بَابُ‏:‏ الصُّلْحِ

فَائِدَةٌ‏:‏ ‏[‏مقدمة في الصلح‏]‏

الصُّلْحُ عِبَارَةٌ عن مُعَاقَدَةٍ يُتَوَصَّلُ بها إلَى إصْلَاحٍ بين مُخْتَلِفَيْنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قال ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ هو الْمُوَافَقَةُ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ انْتَهَى والصلح أَنْوَاعٌ صُلْحٌ بين الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَتَقَدَّمَ في الْجِهَادِ وَصُلْحٌ بين أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ وَيَأْتِي وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا خِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا أو خَافَتْ الزَّوْجَةُ إعْرَاضَ زَوْجِهَا عنها وَيَأْتِي أَيْضًا وَبَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ في غَيْرِ الْمَالِ أو في الْمَالِ وهو الْمُرَادُ هُنَا وهو قِسْمَانِ صُلْحٌ على الْإِقْرَارِ وَصُلْحٌ على الْإِنْكَارِ وَقِسْمٌ بِالْمَالِ وهو الصُّلْحُ مع السُّكُوتِ عنه قَوْلُهُ في صُلْحِ الْإِقْرَارِ أَحَدُهُمَا الصُّلْحُ على جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ له بِدَيْنٍ فَيَضَعَ عنه بَعْضَهُ أو بِعَيْنٍ فَيَهَبُ له بَعْضَهَا‏.‏

وَيَأْخُذَ الْبَاقِي فَيَصِحُّ إنْ لم يَكُنْ بِشَرْطٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ على أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ أو يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ إذَا أَقَرَّ له بِدَيْنٍ او بِعَيْنٍ فَوَضَعَ عنه بَعْضَهُ أو وَهَبَ له بَعْضَهَا من ‏[‏ومن‏]‏ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إبْرَاءٌ وَالثَّانِيَ هِبَةٌ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ قال في الْفَرْعِ لَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ على الْأَصَحِّ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وهو مُخْتَارُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا قال الْقَاضِي وهو مُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ فَصَالَحَ على بَعْضِهِ لم يَكُنْ صُلْحًا لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وابن أبي مُوسَى انْتَهَى وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وهو ظَاهِرُ ما في الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَاخْتَارَه ابن الْبَنَّا في خِصَالِهِ‏.‏

فائدة‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الصُّلْحَ على الْإِقْرَارِ لَا يُسَمَّى صُلْحًا وَقَالَه ابن أبي مُوسَى وَسَمَّاهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ صُلْحًا قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَالْخِلَافُ في التَّسْمِيَةِ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُتَّفَقٌ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وَصُورَتُهُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفَ له بِعَيْنٍ فَيُعَاوِضُهُ عنها أو يَهَبَهُ بَعْضَهَا أو بِدَيْنٍ فَيُبْرِئَهُ من بَعْضِهِ وَنَحْوِ ذلك فَيَصِحُّ إنْ لم يَكُنْ بِشَرْطٍ وَلَا امْتِنَاعَ من أَدَاءِ الْحَقِّ بِدُونِهِ انْتَهَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لم يَكُنْ بِشَرْطٍ له صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ فَالصُّلْحُ في هذه الصُّورَةِ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا‏.‏

وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ على أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ أو كَذَا وما أَشْبَهَهُ فَالصُّلْحُ ايضا في هذه الصُّورَةِ بَاطِلٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ يَصِحُّ الصُّلْحُ وَالْحَالَةُ هذه قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ ذلك مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ له وَنَحْوِهِمَا إلَّا في حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا‏.‏

وَقَوْلُهُ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إلَّا في حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا قَطَعَ بِهِ في التَّرْغِيبِ فَائِدَةٌ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا ادَّعَى على مُوَلِّيهِ وَبِهِ بَيِّنَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ وَلَوْ صَالَحَ عن الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا لم يَصِحَّ هذا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وفي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ هُنَا وَكَدَيْنِ الْكِتَابَةِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ في دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَنَقَلَه ابن مَنْصُورٍ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ من عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْحَالِّ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ صَحَّ الْإِسْقَاطُ دُونَ التَّأْجِيلِ‏.‏

أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَيَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْإِسْقَاطُ وَأَمَّا التَّأْجِيلُ فَلَا يَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَعَنْهُ يَصِحُّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةً بِتَأْجِيلِ الْحَالِّ في الْمُعَاوَضَةِ لَا التَّبَرُّعِ قال في الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ أنها هذه الرِّوَايَةُ وَأَطْلَقَ في التَّلْخِيصِ الرِّوَايَتَيْنِ في صِحَّةِ الصُّلْحِ ثُمَّ قال وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ في الْبَرَاءَةِ وهو الْإِسْقَاطُ فَأَمَّا الْأَجَلُ في الْبَاقِي فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لِأَنَّهُ وَعْدٌ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قالوا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَصَحَّحَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فقال‏:‏

وَالدَّيْنُ إنْ يُوصَفْ بِالْحُلُولِ *** فَالصُّلْحُ لَا يَصِحُّ في الْمَنْقُولِ

عليه بِالْبَعْضِ مع التاجيل *** رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ بِالدَّلِيلِ

وقال بِالْجَزْمِ بِهِ في الْكَافِي *** وَفَصَّلَ الْمُقْنِعُ لِلْخِلَافِ

فَصَحِّحْ الْإِسْقَاطَ دُونَ الآجل *** وَذَاكَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يَنْجَلِي

انْتَهَى‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

مِثْلُ ذلك خِلَافًا وَمَذْهَبًا لو صَالَحَهُ عن مِائَةِ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةً هل هو إبْرَاءٌ من الْخَمْسِينَ أو وَعْدٌ في الْأُخْرَى قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ عن الْحَقِّ بِأَكْثَرَ منه من جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ عن دِيَةِ الخطأ أو عن قِيمَةِ مُتْلَفٍ بِأَكْثَرَ منها من جِنْسِهَا لم يَصِحَّ‏.‏

وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الصِّحَّةَ في ذلك وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَعِوَضٍ وكالمثلى قال في الْفُرُوعِ وَيُخَرَّجُ على ذلك تَأْجِيلُ الْقِيمَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عن الْمِائَةِ الثَّابِتَةِ بالإتلاف ‏[‏الإتلاف‏]‏ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَهُ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ منها صَحَّ فِيهِمَا بِلَا نِزَاعٍ فَائِدَةٌ لو كان في ذِمَّتِهِ مِثْلِيًّا من قَرْضٍ أو غَيْرِهِ لم يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عنه بِأَكْثَرَ منه من جِنْسِهِ وَإِنْ صَالَحَ عن قِيمَةِ ذلك بِأَكْثَرَ منها جَازَ قَطَعَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ إنْسَانًا لِيُقِرَّ له بِالْعُبُودِيَّةِ أو امْرَأَةً لِتُقِرَّ له بِالزَّوْجِيَّةِ لم يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَمَفْهُومُ‏.‏

قَوْلِهِ وَإِنْ دَفَعَ المدعي عليه الْعُبُودِيَّةَ إلَى المدعى مَالًا صُلْحًا عن دَعْوَاهُ صَحَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لو دَفَعَتْ مَالًا صُلْحًا عن دَعْوَاهُ عليها الزَّوْجِيَّةَ لم يَصِحَّ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَكَلَامُهُمْ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وابن عَقِيلٍ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ والعائق ‏[‏والفائق‏]‏ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَتَى صَالَحَتْهُ على ذلك ثُمَّ ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهَا أو بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ قُلْنَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ قُلْنَا هو صَحِيحٌ احْتَمَلَ ذلك أَيْضًا قُلْت وهو الصَّوَابُ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَبِينَ منه بِأَخْذِ الْعِوَضِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ من نِكَاحِهَا فَكَانَ خُلْعًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ‏.‏

فائدة‏:‏

لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو أَقَلَّ فَصَالَحَهَا على مَالٍ لِتَتْرُكَ دَعْوَاهَا لم يَجُزْ وَإِنْ دَفَعَتْ إلَيْهِ مَالًا لِيُقِرَّ بِطَلَاقِهَا لم يَجُزْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قُلْت هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وفي الْآخَرِ يَجُوزُ كما لو بَذَلَتْهُ لِيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا قُلْت يَجُوزُ لها أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ وَيَحْرُمَ عليه أَنْ يَأْخُذَ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يُصَالِحَهُ عن الْحَقِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ معاوضه فَإِنْ كان بِأَثْمَانٍ عن أَثْمَانٍ فَهُوَ صَرْفٌ يُشْتَرَطُ فيه ما يُشْتَرَطُ في الصَّرْفِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَإِنْ كان بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ فَهُوَ بَيْعٌ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَقَالَهُ في التَّرْغِيبِ وقال في التَّلْخِيصِ وفي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَرَدُّدٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَعَلَّلَهُمَا وَتَقَدَّمَ ذلك في كِتَابِ الْبَيْعِ‏.‏

فائدتان‏:‏

ِ إحْدَاهُمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عن دَيْنٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا وَيَحْرُمُ بِجِنْسِهِ بِأَكْثَرَ أو أَقَلَّ على سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبٌ من ذلك الثَّانِيَةُ لو صَالَحَ بِشَيْءٍ في الذِّمَّةِ حَرُمَ التَّفَرُّقُ قبل الْقَبْضِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَهُ بِمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ فَهُوَ إجَارَةٌ تَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ وَالْمُحَرَّرِ لو صَالَحَ الْوَرَثَةُ من وُصِّيَ له بِخِدْمَةٍ أو سُكْنَى أو حَمْلِ أَمَةٍ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ جَازَ لَا بَيْعًا قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا صَحَّ فَإِنْ كان الصُّلْحُ عن عَيْبٍ في مَبِيعِهَا فَبَانَ أَنَّهُ ليس بِعَيْبٍ رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ لَا بِمَهْرِهَا وَهَكَذَا رَأَيْت في نُسْخَةٍ قُرِئَتْ على الْمُصَنِّفِ وَالْمُصَنِّفُ مُمْسِكٌ لِلْأَصْلِ وَعَلَيْهَا خَطُّهُ وَكَذَا قال في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قال في تَذْكِرَةِ ابن عبدوس فَبَانَ صَحِيحًا وفي مُنَوَّرِ الآدمي وَمُنْتَخَبِهِ فَبَانَ أَنْ لَا عَيْبَ وفي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ فَمَفْهُومُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لو كان بِهِ عَيْبٌ حَقِيقَةً ثُمَّ زَالَ عِنْدَ المشترى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ قال ابن نَصْرِ اللَّهِ فى حواشى الْوَجِيزِ بِلَا خِلَافٍ وَوُجِدَ فى نُسَخٍ فَزَالَ أى الْعَيْبُ وَكَذَا فى الكافى وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إنْ كان بِهِ عَيْبٌ حَقِيقَةً ثُمَّ زَالَ كَالْحُمَّى مَثَلًا وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِمَا‏.‏

لَكِنْ أَوَّلَه ابن منجا في شَرْحِهِ وقال مَعْنَى زَالَ تَبَيَّنَ وَذَكَرَ أَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ من أُذِنَ له في إصْلَاحِهِ كَالنُّسْخَةِ الْأُولَى وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا كان الْمَبِيعُ أَمَةً ظَنَّهَا حَامِلًا لِانْتِفَاخِ بَطْنِهَا ثُمَّ زَالَ‏.‏

وقال صَرَّحَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ ثُمَّ قال فَعَلَى هذا إنْ كان مَوْجُودًا أَيْ الْعَيْبُ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ زَالَ كَمَبِيعِ طَيْرٍ مَرِيضًا فَتَعَافَى لَا شَيْءَ لها وَزَوَالُ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حَالَ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَرْشِ لَكِنَّ تَأْوِيلَهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وهو مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الصُّورَتَيْنِ وَجَعَلُوا حُكْمَهُمَا وَاحِدًا إذَا تَحَقَّقَ ذلك فَهُنَا صُورَتَانِ‏.‏

إحْدَاهُمَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ ليس بِعَيْبٍ فَهَذِهِ لَا نِزَاعَ فيها في رَدِّ الْأَرْشِ‏.‏

الثَّانِيَةُ إذَا كان الْعَيْبُ مَوْجُودًا ثُمَّ زَالَ فَهَذِهِ مَحَلُّ الْكَلَامِ وَالْخِلَافِ فَحَكَى في الرِّعَايَتَيْنِ فيها وَجْهَيْنِ وزاد في الْكُبْرَى قَوْلًا ثَالِثًا‏.‏

أَحَدُهَا أَنَّهُ حَيْثُ زَالَ يُرَدُّ الْأَرْشُ وهو الذي قَطَعَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وهو ظَاهِرُ قَوْلِهِ في الْوَجِيزِ وَالْكَافِي وَالْفُرُوعِ لِاقْتِصَارِهِمْ على قَوْلِهِمْ فَزَالَ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْشَ قد اسْتَقَرَّ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَوْ زَالَ الْعَيْبُ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَهَذَا ظَاهِرُ ما في الْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ في نُسْخَةٍ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبدوس وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لِاقْتِصَارِهِمْ على قَوْلِهِمْ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ليس بِعَيْبٍ اخْتَارَه ابن منجا‏.‏

وقال ابن نَصْرِ اللَّهِ لَا خِلَافَ فيه وَكَأَنَّهُ ما اطَّلَعَ على كَلَامِهِ في الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَلَنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ في الْمَسْأَلَةِ اخْتَارَه ابن حَمْدَانَ في الْكُبْرَى‏.‏

فقال قُلْت إنْ زَالَ الْعَيْبُ وَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَخَذَهُ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى قُلْت وهو أَقْرَبُ من الْقَوْلَيْنِ وَيُزَادُ إذَا زَالَ سَرِيعًا عُرْفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبَعْدَهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَالْقَوْلُ بِالرَّدِّ مُطْلَقًا إذَا زَالَ الْعَيْبُ بَعِيدٌ إذْ لَا بُدَّ من حَدٍّ يُرَدُّ فيه ثُمَّ وَجَدْته في النَّظْمِ قال إذَا زَالَ سَرِيعًا فَحَمِدْت اللَّهَ على مُوَافَقَةِ ذلك قَوْلُهُ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عن الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ إذَا كان مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ لِلْحَاجَةِ سَوَاءٌ كان عَيْنًا أو دَيْنًا أو كان الْجَهْلُ من الْجَانِبَيْنِ أو مِمَّنْ عليه وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَخَرَّجَ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِمَا عَدَمَ الصِّحَّةِ في صُلْحِ الْمَجْهُولِ وَالْإِنْكَارَ من الْبَرَاءَةِ من الْمَجْهُولِ وَخَرَّجَهُ في التَّبْصِرَةِ من الْإِبْرَاءِ من عَيْبٍ لم يَعْلَمَاهُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عن أَعْيَانٍ مَجْهُولَةٍ لِكَوْنِهِ إبْرَاءً وَهِيَ لَا تَقْبَلُهُ وقال في التَّرْغِيبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَاخْتَارَهُ في التَّلْخِيصِ وقال قَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ‏.‏

تنبيه‏:‏

مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عنه وهو صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَالْبَيْعِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ نُصُوصِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ كَبَرَاءَةٍ من مَجْهُولٍ‏.‏

قال في التَّلْخِيصِ وقد نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عن الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ‏.‏

الْإِبْرَاءِ من الْمَجْهُولِ فَيَصِحُّ على الْمَشْهُورِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ من الْمَجْهُولِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عنه فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عن الْمَجْهُولِ فإنه يَصِحُّ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ‏.‏

قَوْلُهُ الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ عليه عَيْنًا أو دَيْنًا فَيُنْكِرَهُ أو يَسْكُتَ ثُمَّ يُصَالِحَهُ على مَالٍ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ بَيْعًا في حَقِّ الْمُدَّعِي حتى إنْ وَجَدَ بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ وَإِنْ كان شِقْصًا مَشْفُوعًا ثَبَتَتْ فيه الشُّفْعَةُ وَإِنْ صَالَحَ بِبَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بها فَهُوَ فيه كَالْمُنْكِرِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ خِلَافٌ‏.‏

قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَهُوَ كَالْمُنْكِرِ وفي صِحَّتِهِ احْتِمَالَانِ وَيَكُونُ إبْرَاءً في حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يُرَدُّ ما صَالَحَ عنه بِعَيْبٍ وَلَا يُؤْخَذُ بِشُفْعَةٍ اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الصُّلْحِ على الْإِنْكَارِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عن الْإِنْكَارِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَثْبُتُ فيه ما قال الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ قال في الْإِرْشَادِ يَصِحُّ هذا الصُّلْحُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ لِأَنَّ المدعى ملجا إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ‏.‏

قال في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَظَاهِرُ ما ذَكَرَه ابن أبي مُوسَى أَنَّ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ لَا تَثْبُتُ في هذا الصُّلْحِ إلَّا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ من شُفْعَةٍ عليه وَأَخْذِ زِيَادَةٍ مع اتِّحَادِ جِنْسِ الْمُصَالَحِ عنه وَالْمُصَالَحِ بِهِ لِأَنَّهُ قد أَمْكَنَهُ أَخْذُ حَقِّهِ بِدُونِهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ‏.‏

وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ على قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا صَالَحَهُ على بَعْضِ حَقِّهِ بِتَأْخِيرٍ جَازَ وَعَلَى قَوْلِ بن أبي مُوسَى الصُّلْحُ جَائِزٌ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ فإنه قال الصُّلْحُ بِالنَّسِيئَةِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ مُهَنَّا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ صُلْحًا بِتَأْخِيرٍ فإذا أَخَذَهُ منه لم يُطَالِبْهُ بِالْبَقِيَّةِ انْتَهَى قُلْت مِمَّنْ قَطَعَ بِصِحَّةِ صُلْحِ الْإِنْكَارِ بِنَقْدٍ وسيئة ‏[‏ونسيئة‏]‏ بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ وَذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ عن بن أبي مُوسَى وَاقْتَصَرُوا عليه‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ عن الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ إذَا صَالَحَ عن الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ فَتَارَةً يَكُونُ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا وَتَارَةً يَكُونُ عَيْنًا فَإِنْ كان الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا صَحَّ الصُّلْحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ منهم صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ الْمَدْيُونِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ كان عَيْنًا ولم يذكر أَنَّ الْمُنْكِرَ وَكَّلَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا صِحَّةُ الصُّلْحِ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إنْ لم يَدَّعِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِه ابن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قَوْلُهُ ولم يَرْجِعْ عليه في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

قال في الْخُلَاصَةِ لَا يَصِحُّ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَه ابن منجا في شَرْحِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَظْهَرُهُمَا لَا يَرْجِعُ وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ‏.‏

وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ فإنه قال وَرَجَعَ إنْ كان أَذِنَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجْهُ‏.‏

الثَّانِي يَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَإِلَّا فَلَا قال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ الثَّابِتَ بِغَيْرِ إذْنِهِ قال الْمُصَنِّفُ وَهَذَا التَّخْرِيجُ لَا يَصِحُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قال في الْفَائِقِ وَالتَّخْرِيجُ بَاطِلٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ له غير مُعْتَرِفٍ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى أو مُعْتَرِفًا بها عَالِمًا بِعَجْزِهِ عن اسْتِنْقَاذِهَا لم يَصِحَّ إذَا لم يَعْتَرِفْ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ له بِصِحَّةِ الدَّعْوَى وكان الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا لم يَصِحَّ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال يَصِحُّ قال في المغنى وَالشَّرْحِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ قال ابن منجا في شَرْحِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ كان الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فقال الْأَجْنَبِيُّ للمدعى أنا أَعْلَمُ أَنَّك صَادِقٌ فَصَالِحْنِي عنها فَإِنِّي قَادِرٌ على اسْتِنْقَاذِهَا من الْمُنْكِرِ صَحَّ الصُّلْحُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنْ عَجَزَ عن انْتِزَاعِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ كما قال الْمُصَنِّفُ هُنَا قال في المغنى وَيُحْكَى أَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ كان فَاسِدًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا في هذه الْمَسْأَلَةِ‏.‏

وقال في الْفُرُوعِ وَلَوْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ لِيَكُونَ الْحَقُّ له مع تَصْدِيقِهِ المدعى فَهُوَ شِرَاءُ دَيْنٍ أو مَغْصُوبٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وهو الصَّوَابُ‏.‏

وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هو في آخِرِ بَابِ السَّلَمِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِمَنْ هو في ذِمَّتِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عن الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ ما يُثْبِتُ مَهْرًا هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِمُبْهَمٍ من أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُحْتَمَلُ مَنْعُ صِحَّةِ الصُّلْحِ بِأَكْثَرَ منها قال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالْعَفْوِ وَالْمُصَالَحَةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَكْثَرَ من الْوَاجِبِ من الْجِنْسِ‏.‏

وقال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ يَصِحُّ بِمَا يَزِيدُ على قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا قُلْنَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا أو اخْتَارَهُ الْوَلِيُّ على الْقَوْلِ بِوُجُوبِ أَحَدِ شَيْئَيْنِ‏.‏

وَقِيلَ الِاخْتِيَارُ يَصِحُّ على غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ وَلَا يَصِحُّ على جِنْسِهَا إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِنْسِ من إبِلٍ أو غَنَمٍ حَذَرًا من رِبَا النَّسِيئَةِ وَرِبَا الْفَضْلِ انْتَهَى وَتَابَعَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَجَمَاعَةٌ وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ على ذلك في أَوَائِلِ بَابِ الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ وَتَقَدَّمَ الصُّلْحُ عن دِيَةِ الْخَطَأِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِأَكْثَرَ منها من جِنْسِهَا فَوَائِدُ‏.‏

الْأُولَى قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قُلْت قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عن الْقَوَدِ بِمَا يُثْبِتُ مَهْرًا وَيَكُونُ حَالًّا في مال ‏[‏حال‏]‏ الْقَاتِلِ‏.‏

الثَّانِيَةُ لو صَالَحَ عن الْقِصَاصِ بِعَبْدٍ أو غَيْرِهِ فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا أو حُرًّا رَجَعَ‏.‏

بِقِيمَتِهِ وَلَوْ عَلِمَا كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا أو حُرًّا أو كان مَجْهُولًا كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ أو أَرْشُ الْجُرْحِ وَإِنْ صَالَحَ على حَيَوَانٍ مُطْلَقٍ من آدَمِيٍّ أو غَيْرِهِ صَحَّ وَوَجَبَ الْوَسَطُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَخَرَجَ بُطْلَانُهُ‏.‏

الثَّالِثَةُ لو صَالَحَ عن دَارٍ وَنَحْوِهَا بِعِوَضٍ فَبَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ بِالدَّارِ وَنَحْوِهَا أو بِقِيمَتِهِ إنْ كان تَالِفًا لِأَنَّ الصُّلْحَ هُنَا بَيْعٌ حَقِيقَةً إذَا كان الصُّلْحُ عن إقْرَارٍ وَإِنْ كان عن إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى قال في الرِّعَايَةِ قُلْت أو قِيمَتِهِ مع الْإِنْكَارِ وَحَكَاهُ في الْفُرُوعِ قَوْلًا لِأَنَّهُ فيه بَيْعٌ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ سَارِقًا وَكَذَا شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ أو شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ أو لِئَلَّا يَشْهَدَ عليه أو لِيَشْهَدَ بِالزُّورِ أو شَفِيعًا عن شُفْعَتِهِ أو مَقْذُوفًا عن حَدِّهِ لم يَصِحَّ الصُّلْحُ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو صَالَحَهُ بِعِوَضٍ عن خِيَارٍ قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ في الْأَصَحِّ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَتَسْقُطُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَتَسْقُطُ في وَجْهٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الشُّفْعَةِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ‏.‏

وَأَمَّا سُقُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ على أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ هل هو حَقٌّ لِلَّهِ أو لِلْآدَمِيِّ فيه رِوَايَتَانِ يَأْتِيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَائِلِ بَابِ الْقَذْفِ فَإِنْ قُلْنَا هو حَقٌّ لِلَّهِ لم يَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ هُنَا على الصَّحِيحِ‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ في الْأَصَحِّ وَكَذَا الْخِلَافُ في سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ وَقِيلَ إنْ جُعِلَ حَقَّ آدَمِيٍّ سَقَطَ وَإِلَّا وَجَبَ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَهُ على أَنْ يُجْرِيَ على أَرْضِهِ أو سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا صَحَّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ لَكِنْ إنْ صَالَحَهُ بِعِوَضٍ فَإِنْ كان مع بَقَاءِ مِلْكِهِ فَهِيَ إجَارَةٌ وَإِلَّا بَيْعٌ وَإِنْ صَالَحَهُ على مَوْضِعِ قَنَاةٍ من أَرْضِهِ يَجْرِي فيها مَاءٌ وَبِبِنَاءِ مَوْضِعِهَا وَعَرْضِهَا وَطُولِهَا جَازَ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ عُمْقِهِ وَيُعْلَمُ قَدْرُ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ السَّاقِيَةِ وَمَاءُ مَطَرٍ بِرُؤْيَةِ ما يَزُولُ عنه الْمَاءُ وَمِسَاحَتُهُ وَيُعْتَبَرُ فيه تَقْدِيرُ ما يَجْرِي فيه الْمَاءُ لَا قَدْرُ الْمُدَّةِ لِلْحَاجَةِ كَالنِّكَاحِ‏.‏

فَوَائِدُ

الْأُولَى إذَا أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءً في أَرْضِ غَيْرِهِ من غَيْرِ ضَرَرٍ عليه وَلَا على أَرْضِهِ لم يَجُزْ له ذلك إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا إنْ لم تَكُنْ حَاجَةٌ وَلَا ضَرُورَةٌ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان مَضْرُورًا إلَى ذلك لم يَجُزْ أَيْضًا إلَّا بِإِذْنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالشَّارِحُ هذا أَقْيَسُ وَأَوْلَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَجُوزُ وَلَوْ مع حَفْرٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ‏.‏

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذلك إلَّا لِلضَّرُورَةِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ‏.‏

وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ إنَّمَا حَكَوْا الرِّوَايَتَيْنِ في الْحَاجَةِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا ابن عقيل في حَفْرِ بِئْرٍ أو إجْرَاءِ نَهْرٍ أو قَنَاةٍ‏.‏

نَقَلَ أبو الصَّقْرِ إذَا أَسَاحَ عَيْنًا تَحْتَ أَرْضٍ فَانْتَهَى حَفْرُهُ إلَى أَرْضٍ لِرَجُلٍ أو دَارٍ فَلَيْسَ له مَنْعُهُ من ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَا بَطْنِهَا إذَا لم يَكُنْ عليه مَضَرَّةٌ الثَّانِيَةُ لو كانت الْأَرْضُ في يَدِهِ بِإِجَارَةٍ جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُصَالِحَ على إجْرَاءِ الْمَاءِ فيها في سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ مدة لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ لم تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً لم تَجُزْ الْمُصَالَحَةُ على ذلك وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الصُّلْحُ على إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ على سَطْحٍ وَفِيهِ على أَرْضٍ بِلَا ضَرَرٍ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ ثُمَّ رَأَيْت بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قَدَّمَهُ وَإِنْ كانت الْأَرْضُ التي في يَدِهِ وَقْفًا‏.‏

فقال الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ هو كَالْمُسْتَأْجِرِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ يَجُوزُ له حَفْرُ السَّاقِيَةِ لِأَنَّ الْأَرْضَ له وَلَهُ التَّصَرُّفُ فيها كَيْفَ شَاءَ ما لم يَنْقُلْ الْمِلْكَ فيها إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَ ذلك لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ في دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ وفي مَوْقُوفَةٍ الْخِلَافُ أو يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وهو أَوْلَى لِأَنَّ تَعْلِيلَ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لو لم يَكُنْ مُسَلَّمًا لم يُفِدْ وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ وَأَنَّ إذْنَهُ يُعْتَبَرُ لِرَفْعِ الْخِلَافِ وَيَأْتِي كَلَامُ ابن عقيل في الْوَقْفِ وَفِيهِ إذْنُهُ فيه لِمَصْلَحَةِ الْمَأْذُونِ الْمُمْتَازِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ فَلِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ أو الْمَوْقُوفِ عليه أَوْلَى وهو مَعْنَى نَصِّهِ في تَجْدِيدِهِ لِمَصْلَحَةٍ‏.‏

وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ عن أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ في تَغْيِيرِ صِفَاتِ الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ كَالْحَكُّورَةِ وَعَمِلَهُ حُكَّامُ الشَّامِ حتى صَاحِبُ الشَّرْحِ في الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ وقد زَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما في مسجد ‏[‏مسجده‏]‏ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيَّرَا بِنَاءَهُ ثُمَّ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ رضي اللَّهُ عنه وزاد فيه أَبْوَابًا ثُمَّ الْمَهْدِيُّ ثُمَّ الْمَأْمُونُ‏.‏

الثَّالِثَةُ لو صَالَحَ رَجُلًا على أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ من نَهْرٍ لِرَجُلٍ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ أو من عَيْنِهِ وَقَدَّرَهُ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ بِهِ لم يَجُزْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَاءَ ليس بِمَمْلُوكٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه أختاره الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَقِيلَ يَجُوزُ وهو احْتِمَالٌ في المغنى وَالشَّرْحِ وَمَالَا إلَيْهِ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَعَمَلُ الناس عليه قَدِيمًا وَحَدِيثًا‏.‏

الرَّابِعَةُ إذَا صَالَحَهُ على سَهْمٍ من الْعَيْنِ أو النَّهْرِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا جَازَ وكان بَيْعًا لِلْقَرَارِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ له وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ‏.‏

وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا في دَارٍ وَمَوْضِعًا في حَائِطِهِ يَفْتَحُهُ بَابًا وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا وَعُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عليه بُنْيَانًا مَوْصُوفًا بِلَا نِزَاعٍ وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ في وَضْعِ خَشَبٍ أو بِنَاءٍ يَجُوزُ إجَارَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً وَيَجُوزُ صُلْحًا أَبَدًا قَوْلُهُ فَإِنْ كان الْبَيْتُ غير مَبْنِيٍّ لم يَجُزْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا‏.‏

أَحَدُهُمَا يَجُوزُ أَيْ يَصِحُّ إذَا وَصَفَ الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ يَصِحُّ إذَا كان مَعْلُومًا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك كُلِّهِ في كِتَابِ الْبَيْعِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ فإنه دَاخِلٌ في كَلَامِهِ هُنَاكَ على وَجْهِ الْعُمُومِ وَهُنَا مُصَرَّحٌ بِهِ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهَا هُنَا وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِالصُّلْحِ عن ذلك وهو كَالْبَيْعِ هُنَا فَالنَّقْلُ فيها من الْمَكَانَيْنِ‏.‏

تنبيه‏:‏

حَيْثُ صَحَّحْنَا ذلك فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةٍ مُدَّةَ زَوَالِهِ عنه وفي الصُّلْحِ على زَوَالِهِ وَعَدَمِ عَوْدِهِ‏.‏

فائدة‏:‏

حُكْمُ الْمُصَالَحَةِ في ذلك كُلِّهِ حُكْمُ الْبَيْعِ لَكِنْ قال في الْفُنُونِ فإذا فَرَغَتْ الْمُدَّةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ليس لِرَبِّ الْجِدَارِ مُطَالَبَتُهُ بِقَلْعِ خَشَبِهِ قال وهو الْأَشْبَهُ كَإِعَارَتِهِ لِذَلِكَ لِمَا فيه من الْخُرُوجِ عن حُكْمِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ وَضْعُهَا لِلْأَبَدِ فَهُوَ كَإِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ‏.‏

ثُمَّ إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى حِينِ نَفَادِ الْخَشَبِ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فيه كَالزَّرْعِ إلَى حَصَادِهِ لِلْعُرْفِ فيه أو يُجَدِّدُ أُجْرَةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالدَّوَامِ بِلَا عَقْدٍ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ حَصَلَ في هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا لَزِمَهُ فَإِنْ أَبَى فَلَهُ قَطْعُهَا قال الْأَصْحَابُ له إزَالَتُهَا بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ قال في الْوَجِيزِ فَإِنْ أَبَى لَوَاهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَهُ قَطْعُهُ وَكَذَا قال غَيْرُهُ وقيل لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْطَعُهُ هو قال لَا يقول لِصَاحِبِهِ حتى يَقْطَعَهُ‏.‏

فائدة‏:‏

إذَا حَصَلَ في مِلْكِهِ أو هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ لَزِمَ الْمَالِكَ إزَالَتُهُ إذَا طَالَبَهُ بِذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو امْتَنَعَ من إزَالَتِهِ فَهَلْ يُجْبَرُ عليه وَيَضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ‏.‏

أَحَدُهُمَا لَا يُجْبَرُ وَلَا يَضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِ وهو الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ في عَدَمِ الْإِجْبَارِ وَالثَّانِي يُجْبَرُ على إزَالَتِهِ وَيَضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِ وهو احْتِمَالٌ في المغنى وَالشَّرْحِ‏.‏

وقال ابن رَزِينٍ وَيَضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِ إنْ أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ ولم يَفْعَلْ وَكَذَا قال في المغنى وَالشَّرْحِ قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَهُ عن ذلك بِعِوَضٍ لم يَجُزْ وهو أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَجُوزُ قال الْمُصَنِّفُ في المغنى اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا صِحَّتُهُ وَاخْتَارَه ابن حَامِدٍ وبن‏.‏

عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ إنْ صَالَحَهُ عن رطبه لم يَجُزْ وَإِنْ كان يَابِسًا جَازَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَ في التَّلْخِيصِ عَدَمَ الْجَوَازِ في الرَّطْبَةِ لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْيَابِسَةِ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ صَالَحَهُ عن رَطْبَةٍ لم يَجُزْ وَقِيلَ في الصُّلْحِ عن غُصْنِ الشَّجَرَةِ وَجْهَانِ انْتَهَيَا وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ في النَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي لِلصِّحَّةِ أَنْ يَكُونَ الْغُصْنُ مُعْتَمِدًا على نَفْسِ الْحَائِطِ وَمُنِعَ إذَا كان في نَفْسِ الْهَوَاءِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ وقال في التَّبْصِرَةِ يَجُوزُ مع مَعْرِفَةِ قَدْرِ الزِّيَادَةِ بِالْأَذْرُعِ قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّفَقَا على أَنَّ الثَّمَرَةَ له أو بَيْنَهُمَا جَازَ ولم يَلْزَمْ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبدوس وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى جَازَ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في جَعْلِ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا لَا ادري وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَاَلَّذِي يقوي عِنْدِي أَنَّ ذلك إبَاحَةً لَا صُلْحَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا حُكْمُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ في غَيْرِ أَرْضِ مَالِكِهَا حُكْمُ الْأَغْصَانِ على‏.‏

الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ عنه حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَغْصَانِ إذَا حَصَلَ ضَرَرٌ وَإِلَّا فَلَا الثَّانِيَةُ صُلْحُ من مَالَ حَائِطُهُ أو زَلَقَ من خَشَبِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ كَالْأَغْصَانِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ وفي الْمُبْهِجِ في بَابِ الْأَطْعِمَةِ ثَمَرَةُ غُصْنٍ في هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا وَلَا سَابَاطًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ دِكَّةً وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وابن مَنْصُورٍ وَمُهَنَّا وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وحكى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهُ بِلَا ضَرَرٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اللَّهُ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَاخْتَارَهُ هو وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وفي الْمِيزَابِ الْآتِي حُكْمُهُ يَضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِمْ وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أخر بَابِ الْغَصْبِ وفي سُقُوطِ نِصْفِ الضَّمَانِ بِنَاءً على أَصْلِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ لرعاية ‏[‏والرعاية‏]‏ في بَابِ الْغَصْبِ قُلْت الصَّوَابُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ ثُمَّ وَجَدْت الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ في كِتَابِ الْغَصْبِ قَالَا لِمَنْ قال من أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ يَضْمَنُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ يَضْمَنُ بِهِ الْبَعْضَ فَضَمِنَ بِهِ الْكُلَّ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ في الضَّمَانِ وقال الْحَارِثِيُّ وقال الْأَصْحَابُ وَبِأَنَّ النِّصْفَ عُدْوَانٌ فَأَوْجَبَ كُلَّ الضَّمَانِ فَظَاهِرُ ما قالوا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ‏.‏

فائدتان‏:‏

ِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمِيزَابِ إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ وَلَا إلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هو كَإِشْرَاعِ الْأَجْنِحَةِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وهو كما قال وهو من الْمُفْرَدَاتِ وفي المغنى وَالشَّرْحِ احْتِمَالٌ بِالْجَوَازِ مع انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وحكى رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ كما تَقَدَّمَ قُلْت وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ في كل عَصْرٍ وَمِصْرٍ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ اخْتَارَهُ طَائِفَةٌ من الْمُتَأَخِّرِينَ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الدَّرْبِ هو السُّنَّةُ وَاخْتَارَهُ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ فَعَلَى هذا لَا ضَمَانَ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ وَالضَّمَانِ في الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ وَالْمَيَازِيبِ إذَا لم يَأْذَنْ فيه الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ فَأَمَّا إنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فيه جَازَ ذلك إنْ لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَجَوَّزَ ذلك الْأَكْثَرُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقَالَهُ في الْقَوَاعِدِ عن الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ قال الْحَارِثِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالتَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَذِنَ فيه قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

وقال الْحَارِثِيُّ في بَابِ الْغَصْبِ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا كما تَقَدَّمَ في بَابِ الصُّلْحِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ وقال نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وابن مَنْصُورٍ وَمُهَنَّا وَغَيْرِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قُلْت بَلْ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ في كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ كان لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ جَازَ وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ على رِوَايَتَيْنِ الثَّانِيَةُ لم يذكر الْأَصْحَابُ مِقْدَارَ طُولِ الْجِدَارِ الذي يُشْرَعُ عليه الْجَنَاحُ وَالْمِيزَابُ وَالسَّابَاطُ إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ لَكِنْ حَيْثُ انْتَفَى الضَّرَرُ جَازَ وقال في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ يَكُونُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ عُبُورُ مَحْمَلٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَكُونُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُرُورُ رُمْحٍ قَائِمًا بِيَدِ فَارِسٍ قَوْلُهُ وَلَا دُكَّانًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ دُكَّانًا في طَرِيقٍ نَافِذٍ سَوَاءً أَذِنَ فيه الْإِمَامُ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ قال في الْفُرُوعِ مع أَنَّ الْأَصْحَابَ لم يُجَوِّزُوا حَفْرَ الْبِئْرِ وَالْبِنَاءَ في ذلك لِنَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ لِمَا فيه من الدَّوَامِ قال وَيَتَوَجَّهُ من هذا الْوَجْهِ تَخْرِيجٌ يَعْنِي في جَوَازِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالْبِنَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى جَوَازُ إخْرَاجِ الدُّكَّانِ وَإِنْ مَنَعْنَا من غَيْرِهِ على الْمُقَدَّمِ‏.‏

فإنه قال وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ إلَى دَرْبٍ نَافِذٍ من مِلْكِهِ رَوْشَنًا وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا وَقِيلَ وَلَا دُكَّانًا وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ إنْ لم يَكُنْ في النُّسْخَةِ غَلَطٌ تَنْبِيهٌ مِمَّنْ ذَكَرَ الدُّكَّانَ كَالْمُصَنِّفِ وَاقْتَصَرَ عليه أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الدَّكَّةَ وَاقْتَصَرَ عليها ولم يذكر الدُّكَّانَ جَمَاعَةٌ منهم بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وقد فَسَّرَ بن منجا الدُّكَّانَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالدَّكَّةِ قال في الْمَطْلَعِ قال ل أبو السَّعَادَاتِ الدُّكَّانُ الدَّكَّةُ الْمَبْنِيَّةُ لِلْجُلُوسِ عليها وقال في الْبَدْرِ الْمُنِيرِ الدَّكَّةُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ يَجْلِسُ عليه وهو الْمِصْطَبَةُ وَجَمَعَ بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَيْنَهُمَا فقال وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ دِكَّةً وَقِيلَ وَلَا دُكَّانًا انْتَهَى فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا وقد قال الْجَوْهَرِيُّ الدُّكَّانُ الْحَانُوتُ انْتَهَى فَهُوَ غَيْرُ الدَّكَّةِ عِنْدَهُ وقال في الْبَدْرِ الْمُنِيرِ والدكان يُطْلَقُ على الْحَانُوتِ وَعَلَى الدَّكَّةِ التي يَقْعُدُ عليها انْتَهَى وقال في الْقَامُوسِ الدَّكَّةُ بِالْفَتْحِ والدكان بِالضَّمِّ بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمُقْعَدِ انْتَهَى‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذلك في دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لَا يَجُوزُ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك في هَوَاءِ جَارِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ قَوْلُهُ فَإِنْ صَالَحَ عن ذلك بِعِوَضٍ جَازَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ‏.‏

صُلْحُهُ عن مَعْلُومِهِ بِعِوَضٍ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا الْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ وَإِنْ كان ظَهْرُ دَارِهِ في دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَفَتَحَ فيه بَابًا لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ جَازَ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وهو لِابْنِ عَقِيلٍ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُ وَإِنْ فَتَحَهُ لِلِاسْتِطْرَاقِ لم يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْفَائِقِ لم يَجُزْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّ بَابَهُ في آخِرِ الدَّرْبِ مَلَكَ نَقْلَهُ إلَى أَوَّلِهِ يَعْنِي إذَا لم يَحْصُلْ ضَرَرٌ من فَتْحِهِ مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وقال في التَّرْغِيبِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وهو ضَعِيفٌ‏.‏

قَوْلُهُ ولم يَمْلِكْ نَقْلَهُ إلَى دَاخِلٍ منه في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ المغنى لَكِنْ لَا يَفْتَحُهُ قُبَالَةَ بَابِ غَيْرِهِ نَصَّ عليه وقال ابن أبي مُوسَى يَجُوزُ إنْ سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ وهو ظَاهِرُ نَقْلِ يَعْقُوبُ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَأْذَنْ له من فَوْقَهُ فَأَمَّا إنْ أَذِنُوا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا بُدَّ أَيْضًا من إذْنِ من هو أَسْفَلُ منه وهو بَعِيدٌ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِذْنِ وَأَذِنُوا فَيَكُونُ إعَارَةً قال في الْفُرُوعِ وَيَكُونُ إعَارَةً في الْأَشْبَهِ وَكَذَا قال قَبْلَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا لو كان لِرَجُلٍ دَارَانِ ظَهْرُ كل واحدة ‏[‏واحد‏]‏ مِنْهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى وَبَابُ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَرَفَعَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً جَازَ فَإِنْ فَتَحَ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَابًا إلَى الْأُخْرَى لِيَتَمَكَّنَ من التَّطَرُّقِ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى كِلَا الدَّارَيْنِ فقال الْقَاضِي لَا يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لم يَجُزْ في الْأَصَحِّ قال في الصُّغْرَى جَازَ في وَجْهٍ وَقِيلَ يَجُوزُ قال الْمُصَنِّفُ الْأَشْبَهُ الْجَوَازُ قُلْت وهو الصَّوَابُ‏.‏

قال في النَّظْمِ وهو الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَارَ يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ في مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَحَفْرِ كَنِيفٍ إلَى جَنْبِ حَائِطِ جَارِهِ وَبِنَاءِ حَمَّامٍ إلَى جَنْبِ دَارِهِ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ وَنَصْبِ تَنُّورٍ يَتَأَذَّى بِاسْتِدَامَةِ دُخَانِهِ وَعَمَلِ دُكَّانِ قِصَارَةٍ أو حِدَادَةٍ يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دقة أو رَحًى أو حَفْرِ بِئْرٍ يَنْقَطِعُ بِهِ مَاءُ بئرا ‏[‏بئر‏]‏ جَارِهِ وَنَحْوِ ذلك وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا في مِلْكِهِ فَانْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ أُمِرَ بِسَدِّهَا لِيَعُودَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأَوَّلَةِ على الصَّحِيحِ فَإِنْ لم يَعُدْ كُلِّفَ صَاحِبُ الْبِئْرِ الْأَوَّلَةِ حَفْرَ الْبِئْرِ التي سُدَّتْ لِأَجْلِهِ من مَالِهِ وَعَنْهُ لَا يُكَلَّفُ سَدُّ بِئْرِهِ وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ قال الْقَاضِي فَيَخْرُجُ في الْمَسَائِلِ التي قَبْلَهَا من الْحَمَّامِ وَالتَّنُّورِ وَدُكَّانِ الْقِصَارَةِ وَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا رِوَايَتَيْنِ قال ابن رَزِينٍ رِوَايَةُ عَدَمِ الْمَنْعِ في الجميع ‏[‏الجمع‏]‏ أَقْيَسُ وقال في التَّلْخِيصِ في بَابِ أحياء الْمَوَاتِ يُمْنَعُ من ذلك ثُمَّ قال وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يُمْنَعُ من ذلك اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ ذَكَرَهُ أبو إِسْحَاقَ في تَعَالِيقِهِ عنه وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْجَمِيعِ في الْفَائِقِ الثَّالِثَةُ لو ادَّعَى أَنَّ بِئْرَهُ فَسَدَتْ من خَلَاءِ جَارِهِ أو بَالُوعَتِهِ طُرِحَ في الْخَلَاءِ أو الْبَالُوعَةِ نِفْطٌ فَإِنْ لم يَظْهَرْ طَعْمُ النِّفْطِ وَلَا رَائِحَتُهُ في الْبِئْرِ عُلِمَ أَنَّ فَسَادَهَا بِغَيْرِ ذلك وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أو رَائِحَتُهُ فيها كُلِّفَ صَاحِبُ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ نَقْلَ ذلك إنْ لم يُمْكِنْ إصْلَاحُهَا‏.‏

هذا إذَا كانت الْبِئْرُ أَقْدَمَ مِنْهُمَا وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُ مَالِكَ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ تَغْيِيرُ ما عَمِلَهُ في مِلْكِهِ بِحَالٍ قَالَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِ الرَّابِعَةُ ليس له مَنْعُهُ من تَعْلِيَةِ دَارِهِ في ظَاهِرِ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَلَوْ أَفْضَى إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عن جَارِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من ‏[‏عن‏]‏ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ مَنْعُهُ قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ليس له مَنْعُهُ خَوْفًا من نَقْصِ أُجْرَةِ مِلْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ وقد قال في الْفُنُونِ من أَحْدَثَ في دَارِهِ دِبَاغَ الْجُلُودِ أو عَمَلَ الصَّحْنَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ وقال ابن عَقِيلٍ أَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ في مِلْكِهِ قَنَاةً تَنِزُّ إلَى حِيطَانِ الناس انْتَهَى قَوْلُهُ وَلَيْسَ له أَنْ يَفْتَحَ في حَائِطِ جَارِهِ وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً وَلَا طَاقًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ يَحْرُمُ عليه التَّصَرُّفُ في ذلك حتى بِضَرْبِ وَتَدٍ وَلَا يُحْدِثُ سُتْرَةً قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ النَّفَقَةُ مع شَرِيكِهِ على السُّتْرَةِ على سُتْرَةٍ قديمه انْهَدَمَتْ وَاخْتَارَ في الْمُسْتَوْعِبِ وُجُوبَهَا مُطْلَقًا على نَصِّهِ فقال وَعِنْدِي أَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ على كل حَالٍ على ما نَصَّ عليه من وُجُوبِهَا فَائِدَةٌ يَلْزَمُ لِلْأَعْلَى بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ على الصَّحِيحِ من‏.‏

الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَه ابن مَنْصُورٍ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُشَارِكُهُ الْأَسْفَلُ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فإن الْمُمْتَنِعَ يُلْزَمُ بِالْمُشَارَكَةِ قَوْلُهُ وَلَيْسَ له وَضْعُ خَشَبِهِ عليه يَعْنِي على حَائِطِ جَارِهِ أو الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إلَّا بِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَضَعَ خشبة على جِدَارِ جَارِهِ أو الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ الْحَائِطُ بِذَلِكَ أولا فَإِنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ مُنِعَ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ لم يَتَضَرَّرْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخَشَبِ مُسْتَغْنِيًا عن ذلك لِإِمْكَانِهِ وَضْعَهُ على غَيْرِهِ أولا فَإِنْ كان مُسْتَغْنِيًا عن وَضْعِهِ وَأَرَادَ وَضْعَهُ عليه مُنِعَ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وقال ابن عَقِيلٍ يَجُوزُ واطلق الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَوَازَ وَكَذَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ مُسْتَغْنِيًا وَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذلك عِنْدَ الْأَكْثَرِ وفي المغنى وَالشَّرْحِ وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ له وَضْعُهُ عليه نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من الْمُفْرَدَاتِ فَعَلَى هذا لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْجِدَارِ مَنْعُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ‏.‏

وقد نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على عَدَمِ اعْتِبَارِ إذْنِهِ في الْوَضْعِ وَلَوْ صَالَحَهُ عنه بِشَيْءٍ جَازَ قال في الرِّعَايَةِ جَازَ في الْأَصَحِّ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يَجُوزُ له وَضْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَخَرَّجَهُ أبو الْخَطَّابِ من رِوَايَةِ الْمَنْعِ من وَضْعِهِ على جِدَارِ الْمَسْجِدِ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا تَنْبِيهٌ على أَنَّهُ لَا يَضَعُهُ على جِدَارِ جَارِهِ لِأَنَّ له في الْمَسْجِدِ حَقًّا وَحَقُّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ على الْمُسَاهَلَةِ وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ فَائِدَةٌ ذَكَرَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّرُورَةَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِلْجَارِ ثَلَاثَةَ جُدُرٍ وَلَهُ جِدَارٌ وَاحِدٌ منهم الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَلَيْسَ هذا في كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا قال في رِوَايَةِ أبي دَاوُد لَا يَمْنَعُهُ إذَا لم يَكُنْ ضَرَرٌ وكان الْحَائِطُ يَبْقَى وَلِأَنَّهُ قد يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ على حَائِطَيْنِ إذَا كَانَا غير مُتَقَابِلَيْنِ أو كان الْبَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ فيه جِسْرًا ثُمَّ يَضَعُ الْخَشَبَ على ذلك الْجِسْرِ قال الْمُصَنِّفُ وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَا من امْتِنَاعِ التَّسْقِيفِ بِدُونِهِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بين الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَعَنْهُ ليس له وَضْعُ خَشَبِهِ على جِدَارِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ جَوَازُ وَضْعِهِ عليه وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أو الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن منجا في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وهو احْتِمَالٌ في الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ليس له وَضْعُهُ على جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ جَازَ وَضْعُهُ على جِدَارِ غَيْرِهِ وَهِيَ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ‏.‏

وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْكَافِي فَوَائِدُ إحْدَاهَا لو كان له حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي على سَطْحِ جَارِهِ لم يَجُزْ له تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ ذَكَرَهُ ابن عقيل وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ له تَعْلِيَتُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِهِ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ له الِاسْتِنَادُ إلَى حَائِطِ جَارِهِ وَإِسْنَادُ قُمَاشِهِ إلَيْهِ وَذَكَرَ في النِّهَايَةِ في مَنْعِهِ احْتِمَالَيْنِ وَلَهُ الْجُلُوسُ في ظِلِّهِ وَنَظَرُهُ في ضَوْءِ سِرَاجِهِ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَسْتَأْذِنُهُ أَعْجَبُ إلى فَإِنْ مَنَعَهُ حَاكَمَهُ وَنَقَلَ جَعْفَرٌ قِيلَ له أَيَضَعُهُ وَلَا يَسْتَأْذِنُهُ قال نعم إيشْ يَسْتَأْذِنُهُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ التي لَا قِيمَةَ لها عَادَةً لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عليها عَقْدُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ اتِّفَاقًا كَمَسْأَلَتِنَا الثَّالِثَةُ لو مَلَكَ وَضْعَ خَشَبِهِ على حَائِطٍ فَزَالَ لِسُقُوطِهِ أو قَلْعِهِ أو سُقُوطِ الْحَائِطِ ثُمَّ أُعِيدَ فَلَهُ إعَادَةُ خشبة إنْ حَصَلَ له ضَرَرٌ بِتَرْكِهِ ولم يُخْشَ على الْحَائِطِ من وَضْعِهِ عليه وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ عليه لَزِمَهُ إزَالَتُهُ الرَّابِعَةُ لو كان له وَضْعُ خَشَبِهِ على جِدَارِ غَيْرِهِ لم يَمْلِكْ إجَارَتَهُ وَلَا إعَارَتَهُ وَلَا يَمْلِكُ أَيْضًا بَيْعَهُ وَلَا الْمُصَالَحَةَ عنه لِلْمَالِكِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ إعَارَتَهُ أو إجَارَتَهُ على وَجْهٍ يَمْنَعُ هذا الْمُسْتَحِقَّ من وَضْعِ خَشَبِهِ لم يَمْلِكْ ذلك فيعايي بها وَلَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ من غَيْرِ حَاجَةٍ لم يَمْلِكْ ذلك الْخَامِسَةُ لو أَذِنَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِجَارِهِ في الْبِنَاءِ على حَائِطِهِ أو وَضْعِ سُتْرَةٍ عليه أو وَضْعِ خَشَبِهِ عليه في الْمَوْضِعِ الذي يَسْتَحِقُّ وَضْعَهُ جَازَ وَصَارَتْ عَارِيَّةً لَازِمَةً يَأْتِي حُكْمُهَا في بَابِ الْعَارِيَّةِ‏.‏

وَإِنْ أَذِنَ في ذلك بِأُجْرَةٍ جَازَ سَوَاءٌ كانت إجَارَةً أو صُلْحًا على وَضْعِهِ على التَّأْبِيدِ وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْبِنَاءِ وَالْعَرْضِ وَالطُّولِ وَالسُّمْكِ وَالْآلَاتِ السَّادِسَةُ لو وَجَدَ بِنَاءَهُ أو خَشَبَهُ على حَائِطٍ مُشْتَرَكِ أو حَائِطِ جَارِهِ ولم يَعْلَمْ سَبَبَهُ فَمَتَى زَالَ فَلَهُ أعادته وَكَذَا لو وَجَدَ مَسِيلَ مَاءٍ يَجْرِي في أَرْضِ غَيْرِهِ أو مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ على سَطْحِ غَيْرِهِ وما أَشْبَهَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا حَائِطٌ فَانْهَدَمَ فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ معه أُجْبِرَ عليه هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَحَرْبٍ وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا قال ابن عَقِيلٍ عليه أَصْحَابُنَا قال الْقَاضِي هذا أَصَحُّ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَزِمَ الأخر على الْأَصَحِّ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ أُجْبِرَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال ابن رَزِينٍ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا هو أَقْوَى في النَّظَرِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَيْضًا قال ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو اظهر كَبِنَاءِ حَائِطٍ بين مِلْكَيْهِمَا فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا لو بَنَاهُ ثُمَّ اراد نَقْضَهُ فَإِنْ كان بَنَاهُ بِآلَتِهِ لم يَكُنْ له ذلك وَإِنْ كان بَنَاهُ من عِنْدِهِ فَلَهُ نَقْضُهُ فَإِنْ قال الشَّرِيكُ أنا أَدْفَعُ إلَيْك نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَلَا تَنْقُضْهُ لم يُجْبَرْ على ذلك وَإِنْ أَرَادَ غَيْرُ الْبَانِي نَقْضَهُ أو إجْبَارَ بَانِيهِ على نَقْضِهِ لم يَكُنْ له ذلك على كِلَا روايتين ‏[‏الروايتين‏]‏ انْتَهَيَا وَيَأْتِي الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا يُجْبَرُ في أخر الْمَسْأَلَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا ليس له مَنْعُهُ من بِنَائِهِ لَكِنْ إنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ له مَنْعُهُ من الِانْتِفَاعِ بِهِ قبل أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ على الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ ليس له مَنْعُهُ من الِانْتِفَاعِ في الْأَشْهَرِ كما ليس له نَقْضُهُ قال في الْكَافِي عَادَ بَيْنَهُمَا كما كان بِرُسُومِهِ وَحُقُوقِهِ لِأَنَّهُ عَادَ بِعَيْنِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالشَّرْحِ قال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ هو قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَدَّمَهُ في النِّهَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ له مَنْعُهُ من الِانْتِفَاعِ حتى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَمَلِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وَحَكَاهُ في التَّلْخِيصِ عن بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ قال ابن منجا في شَرْحِهِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ من عَدَمِ مَنْعِهِ من الِانْتِفَاعِ بِهِ قبل أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ الثَّانِيَ يَمْلِكُ مَنْعَ شَرِيكِهِ‏.‏

من التَّصَرُّفِ فيه حتى يُؤَدِّيَ ما يَخُصُّهُ من الْغَرَامَةِ الْوَاقِعَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَدَّى إلَى ضَيَاعِ حَقِّ الشَّرِيكِ انْتَهَى قُلْت وهو الصَّوَابُ قال في الْوَجِيزِ وإذا بَنَى أَحَدُهُمَا الْحَائِطَ بِأَنْقَاضِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إنْ أَدَّى الْآخَرُ نِصْفَ قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُهُ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ من عِنْدِهِ فَهُوَ له وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ في بِنَائِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَقَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ وَاعْتَبَرَ في الْمُجَرَّدِ إذْنَ الْحَاكِمِ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على أَنَّهُ يُشْهِدُ على ذلك وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ من الِانْتِفَاعِ بِهِ وَمِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ وَرُسُومِهِ حتى يَدْفَعَ ما يَجِبُ عليه صَرَّحَ بِذَلِكَ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ قال في الْفَائِقِ اخْتَصَّ بِهِ وَبِنَفْعِهِ دُونَ أَرْضِهِ قال في الْحَاوِيَيْنِ مَلَكَهُ الْبَانِي خَاصَّةً وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِنْ كان لِغَيْرِ الْبَانِي عليه رَسْمُ طَرْحِ أَخْشَابٍ فَالْبَانِي مُخَيَّرٌ بين أَنْ يُمَكِّنَهُ من وَضْعِ أَخْشَابِهِ وَيَأْخُذَ منه نِصْفَ قِيمَةِ الْحَائِطِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاءَهُ لِيُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمَا أو يَشْتَرِكَانِ في الطَّرْحِ وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ بَنَاهُ بِغَيْرِهَا فَلَهُ مَنْعُهُ من غَيْرِ رَسْمِ طَرْحِ خَشَبٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْمَنْعِ من الرُّسُومِ وقد صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِالْجَوَازِ إذَا كان له حَقٌّ في ذلك وَأَرَادَ الِانْتِفَاعَ بَعْدَ بِنَائِهِ وقد صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بَعْدَ كَلَامِهِمَا الْأَوَّلِ بِقَرِيبٍ من ذلك‏.‏

فَقَالَا فَإِنْ كان على الْحَائِطِ رَسْمُ انْتِفَاعٍ أو وَضْعِ خَشَبٍ قال له إمَّا أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ أو تُمَكِّنَنِي من انْتِفَاعِي وَإِمَّا أَنْ تُقْلِعَ حَائِطَك لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَنَا فَيَلْزَمُ الْآخَرَ إجَابَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعَهُ بِبِنَائِهِ انْتَهَيَا وَكَذَا قال غَيْرُهُمَا فَائِدَةٌ قال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ فَإِنْ قِيلَ فَعِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ من الِانْتِفَاعِ بِوَضْعِ خَشَبِهِ على جِدَارِهِ فَكَيْفَ مَنَعْتُمْ هُنَا قُلْنَا إنَّمَا مَنَعْنَا هُنَا من عَوْدِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ قَهْرًا سَوَاءً كان مُحْتَاجًا إلَيْهِ أو لم يَكُنْ وَأَمَّا التَّمْكِينُ من الْوَضْعِ للإرتفاق فَذَلِكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَشْتَرِطُونَ فيها الْحَاجَةَ أو الضَّرُورَةَ على ما تَقَدَّمَ قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَبَ ذلك يَعْنِي الشَّرِيكُ الذي لم يَبْنِ الِانْتِفَاعَ خُيِّرَ الْبَانِي بين أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ منه وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو اخْتَارَ الْأَخْذَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنَائِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَدْفَعُ ما يَخُصُّهُ كَغَرَامَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ مَعْنًى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَوَائِدُ إحْدَاهَا إذَا قُلْنَا يُجْبَرُ على بِنَائِهِ معه وهو الْمَذْهَبُ وَامْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ على ذلك فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَخَذَ الْحَاكِمُ من مَالِهِ وَأَنْفَقَ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ له عَيْنُ مَالٍ بَاعَ من عُرُوضِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اقْتَرَضَ عليه وَإِنْ عَمَّرَهُ شَرِيكُهُ بِإِذْنِهِ أو إذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ عليه وَإِنْ أَرَادَ بِنَاءَهُ لم يَمْلِكْ الشَّرِيكُ مَنْعَهُ وما أَنْفَقَ إنْ تَبَرَّعَ بِهِ لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ‏.‏

وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهِ فَهَلْ له الرُّجُوعُ قال في الشَّرْحِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ بِنَاءً على ما إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ انْتَهَى قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ على الْأَوَّلِ الْخِلَافُ وَإِنْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ من عِنْدِهِ فَهُوَ له خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَقْضَهُ فَلَهُ ذلك إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَلَا يَكُونُ له نَقْضُهُ الثَّانِيَةُ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ على الْعِمَارَةِ مع شَرِيكِهِ في الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ الثَّالِثَةُ لو اسْتُهْدِمَ جِدَارُهُمَا أو خِيفَ ضَرَرُهُ نَقَضَاهُ فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ تَعَذَّرَ ضَمِنَ ما تَلِفَ بِهِ إذَا أَشْهَدَ على شَرِيكِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ بَلَى إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ وَأَيُّهُمَا هَدَمَهُ إذَنْ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهَدَرٌ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ على صِفَتِهِ كما لو هَدَمَهُ من غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى هَدْمِهِ وَاخْتَارَه ابن الْبَنَّا وَيَأْتِي ذلك في أَوَاخِرِ الْغَصْبِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنُبَيِّنُ الرَّاجِحَ في الْمَذْهَبِ هُنَاكَ الرَّابِعَةُ لو أَرَادَ بِنَاءَ حَائِطٍ بين مِلْكَيْهِمَا لم يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا وَيَبْنِي الطَّالِبُ في مِلْكِهِ إنْ شَاءَ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ وقال في الْفَائِقِ ولم يُفَرِّقْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَامِسَةُ لو اتَّفَقَا على بِنَاءِ حَائِطٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ على أَنَّ ثُلُثَهُ لِوَاحِدٍ وَثُلُثَيْهِ لِآخَرَ لم يَصِحَّ وَإِنْ اتَّفَقَا على أَنْ يَحْمِلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما شَاءَ لم يَصِحَّ لِجَهَالَتِهِ وَإِنْ‏.‏

‏.‏

وَصَفَا الْحَمْلَ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في المغنى وَالشَّرْحِ وَإِنْ اتَّفَقَا على أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ صَحَّ قَوْلُهُ وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أو بِئْرٌ أو دُولَابٌ أو نَاعُورَةٌ أو قَنَاةٌ وَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ فَفِي إجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُجْبَرُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ الثَّانِيَةُ لَا يُجْبَرُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا وَالْخِلَافَ كَالْخِلَافِ في الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ على ما تَقَدَّمَ نَقْلًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال ابن أبي مُوسَى يُجْبَرُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ في الْحَائِطِ قال في الْقَوَاعِدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِخِلَافِ الْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ من عِمَارَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ فإذا عَمَّرَهُ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا على الشَّرِكَةِ هذا الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ على ما كان عليه من الْمِلْكِ وَالْإِبَاحَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وفي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ لِلْقَاضِي وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ له الْمَنْعُ من الِانْتِفَاعِ بِالْقَنَاةِ قال في الْقَوَاعِدِ وَيَشْهَدُ له نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْمَنْعِ من سُكْنَى السُّفْلِ‏.‏

إذَا بَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَمَنْعُ الشَّرِيكِ من الِانْتِفَاعِ بِالْحَائِطِ إذَا أُعِيدَ بِآلَتِهِ الْعَتِيقَةِ قُلْت وهو الصَّوَابُ فَوَائِدُ الْأُولَى لو اتَّفَقَا على بِنَاءِ حَائِطِ بُسْتَانٍ فَبَنَى أَحَدُهُمَا فما تَلِفَ من الثَّمَرَةِ بِسَبَبِ إهْمَالِ الْآخَرِ يَضْمَنُهُ الذي أَهْمَلَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّانِيَةُ لو كان السُّفْلُ لِوَاحِدٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا لَا لِصَاحِبِ الْعُلْوِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالْإِجْبَارُ إذَا انْهَدَمَ السَّقْفُ كما تَقَدَّمَ في الْحَائِطِ الذي بَيْنَهُمَا إذَا انْهَدَمَ وَلَوْ انْهَدَمَ الْجَمِيعُ فَلِرَبِّ الْعُلْوِ إجْبَارُ صَاحِبِ السُّفْلِ على بِنَائِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْبُلْغَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ أُجْبِرَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ وَالْقَوَاعِدِ وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَنْفَرِدُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِبِنَاءِ السُّفْلِ أو يُشْرِكُهُ فيه صَاحِبُ الْعُلْوِ وَيُجْبَرُ عليه إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ إحْدَاهُمَا يَنْفَرِدُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ إلَى حَدِّهِ وَيَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِبِنَائِهِ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالثَّانِيَةُ يُشْرِكُهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ فِيمَا يَحْمِلُهُ منه وَيُجْبَرُ عليه إذَا امْتَنَعَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وهو أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ وفي مَنْعِهِ السُّكْنَى ما سَلَفَ من الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كان بَيْنَهُمَا حَائِطٌ‏.‏

الثَّالِثَةُ لو كان بَيْنَهُمَا طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ فَهَلْ يَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ في بِنَاءِ السُّفْلِ وَالِاثْنَانِ في بِنَاءِ الْوَسَطِ فيه الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ حُكْمًا وَمَذْهَبًا وَكَذَا الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ فَأَكْثَرُ وَصَاحِبُ الْوَسَطِ مع من فَوْقَهُ كَمَنْ تَحْتَهُ معه قال في الْفُرُوعِ إذَا كَانُوا ثَلَاثَ طِبَاقٍ فَإِنْ بَنَى رَبُّ الْعُلْوِ فَفِي مَنْعِ رَبِّ السُّفْلِ الِانْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ قبل أَخْذِ الْقِيمَةِ احْتِمَالَانِ قُلْت الْأَوْلَى الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏