فصل: ثم دخلت سنة سبع وستين وثلثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه في يوم عاشوراء فعلت الشيعة ماجرت به عادتهم من النوح واللطم وتعطيل الأسواق وورد كتاب أبي أحمد الحسين بن موسى نقيب الطالبيين من مكة بتمام الحج في سنة تسع وخمسين وأنه لم يرد أحد من قبل المغرب وأن الخطبة أقيمت للمطيع لله وللهجريين من بعده وأنه علق القناديل التي حملها معه خارج البيت وكان واحد منها ذهب وزنه ستمائة مثقال والباقي فضة مدة خمسة أيام حتى رآها الناس ثم أدخلت إلى البيت وأنه نصب الأعلام الجدد التي حملت معه وعليها اسم الخليفة‏.‏

وفي أول صفر‏:‏ لحق المطيع لله سكتة آل الأمر فيها إلى استرخاء جانبه الأيمن وثقل لسانه‏.‏

وفي جمادى الآخرة‏:‏ ظهر جراد صغار فنسفتها الريح فصارت دجلة مفروشة به‏.‏

وفي شعبان‏:‏ تقلد أبو محمد بن معروف قضاء القضاة وصرف أبو بكر ابن سيار عن الجانب الشرقي وركب معه الوزير أبو الفضل الشيرازي وكان هذا الوزير قد أطلق من حبسه وخلع عليه خلع الوزارة وقبل ابن معروف شهادة أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي واستخلفه على الحكم من الجانب الشرقي وقبل أيضًا شهادة أبي الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي ووثبت العامة بالمطهر بن سليمان في جامع المدينة ونسبوه إلى القول بخلق القرآن‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

سليمان بن أحمد الطبراني اللخمي

ولخم قبيلة نزلت باليمن وبالسام وطبرية موضع بينه وبين بيت المقدس فرسخان فيه ولد عيسى عليه السلام ويقال له‏:‏ بيت لخم بالحاء المهملة كان سليمان من الحفاظ والأشداء في دين الله تعالى وله الحفظ القوي والتصانيف الحسان وتوفي بأصبهان في هذه السنة ودفن بباب مدينة أصبهان إلى جانب قبر حممة الدوسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ سألت أبا نعيم عن هذا الشيخ فقال‏:‏ سمعت منه ببغداد وهو ثقة‏.‏

قال أحمد‏:‏ وحدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال توفي أبو عبد الله الأصبهاني في ذي القعدة سنة ستين وثلثمائة وكان ثقة جميل الأمر ذا هيئة‏.‏

محمد بن أحمد بن عثمان بن العنبر بن عثمان أبو عبد الله بن عبد الجبار أبو نصر المروزي قدم بغداد فحدث بها سنة أربع وخمسين وثلثمائة عن محمد بن خزيمة وأبي العباس السراج وغيرهما فروى عنه الدارقطني وابن رزقويه وكان ثقة‏.‏

محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم بن عمران بن يزيد أبو بكر البندار أنباري الأصل‏.‏

ولد في شوال سنة سبع وستين ومائتين وقيل‏:‏ ثمان وستين وسمع من أحمد بن الخليل البرجلاني ومحمد بن أبي العوام الرياحي وجعفر بن محمد الصائغ وأبي إسماعيل الترمذي وهو آخر من حدث عنهم‏.‏

أخبرنا القزاز‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ سألت البرقاني عن ابن الهيثم فقلت‏:‏ هل تكلم فيه أحد فقال لا وكان سماعه صحيحًا بخط أبيه‏.‏

وقال محمد بن أبي الفوارس‏:‏ توفي يوم عاشوراء فجأة وكان عنده إسناد انتقى عليه عمر البصري وكان قريب الأمر فيه بعض الشيء وكانت له أصول بخط أبيه جياد‏.‏

محمد بن الحسين بن عبد الله أبو بكر الآجري سمع أبا مسلم الكحي وأبا شعيب الحراني وجعفر الفريابي وخلقًا كثيرًا وكان ثقة صدوقًا دينًا وله تصانيف كثيرة وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلثمائة ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى أن مات بها في هذه السنة‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز عن أبيه قال‏:‏ حكى لنا أبو سهل محمود بن عمر العكبري قال‏:‏ لما وصل أبو بكر الآجري إلى مكة استحسنها واستطابها فهجس في نفسه أن قال‏:‏ اللهم احيني في هذه البلدة ولو سنة فسمع هاتفًا يقول‏:‏ يا أبا بكر لم سنة بل ثلاثين سنة فلما كان في سنة الثلاثين سمع هاتفًا يقول‏:‏ يا أبا بكر قد وفينا بالوعد فمات تلك السنة‏.‏

أبو عمرو الزاهد سمع الكثير ورحل إلى البلاد وكان له ضبط واتقان وورع فسمع بنيسابور إبراهيم بن أبي طالب ونظراءه وبالري محمد بن أيوب البجلي وأقرانه وببغداد جعفر الفريابي وأمثاله وبالكوفة عبد الله بن مجمد بن سوار وطبقته وبالبصرة أبا خليفة القاضي وبالأهواز عبدان بن أحمد وبالحجاز أحمد بن يزيد وأقرانه وروى عنه حفاظ نيسابور وكان صابرًا على الفقر وكان يتجمل بثياب للجمعات ثم ينصرف فيلبس فروًا في الشتاء ويقعد في مسجده فيعمل ما فيه مصالح الفقراء ويضرب اللبن لقبورهم ويأكل رغيفًا بجزرة أو بصلة ويحيى الليل‏.‏

توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وهو ابن خمس وتسعين سنة‏.‏

محمد بن داود ابو بكر الصوفي الزقي أصله من الدينور وأقام ببغداد مدة ثم انتقل إلى دمشق فسكنها وتوفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة وقرأ على ابن مجاهد وسمع الحديث من محمد بن جعفر الخرائطي وضحب أبا عبد الله بن الجلاء والدقاق وعمر فوق المائة سنة‏.‏

محمد بن صالح بن علي بن يحيى أبو الحارث الهاشمي وهو أخو القاضي أبي الحسن محمد بن صالح وكان الأصغر‏.‏

سمع يحيى بن صاعد وغيره ودرس فقه وحدث بخراسان ودخل بخارًا فقلد قضاء نسا وتوفي ببغداد وقيل‏:‏ ببخارى في هذه السنة‏.‏

محمد بن الفرخان بن رزوبه أبو الطيب الدوري قدم بغداد وحدث بها عن أبيه أحاديث منكرة وروى عن الجنيد وابن مسروق وكان فيه ظرف ولياقة غير أنهم يتهمونه بوضع الحديث‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه عمل ببغداد ما قد صار الرسم به جاريًا في كل يوم عاشوراء من غلق الأسواق وتعطيل البيع والشراء وتعليق المسوح وانقض في ليلة الأربعاء تاسع صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد‏.‏

وفي جمادى الآخر‏:‏ مات أبو القاسم سعيد بن أبي سعيد الجنابي بهجر وقام من بعده بالأمر أخوة أبو يعقوب يوسف ولم يبق من أولاد أبي سعيد الجنابي غيره وعقد القرامطة الأمر بعد أبي يعقوب لستة نفر من أولادهم شركة بينهم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ وردت كتب الحاج بأن بني هلالاعترضهم فقتلوا خلقًا كثيرًا فتعطل الحج ولم يسلم إلا من مضى مع الشريف أبي أحمد الموسوي على طريق المدينة وتم حجهم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عثمان بن عمر بن خفيف أبو عمرو المقرئ الدراج حدث عن أبي بكر بن أبي داود روى عنه ابن رزقويه وكان من أهل القرآن والفقه والديانة والستر جميل المذهب‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ قال لي البرقاني‏:‏ كان عثمان بدلًا من الأبدال قال‏:‏ وذكر لي أنه قال يومًا في مرضه الذي توفي فيه لرجل كان يخدمه‏:‏ امض فصل ثم ارجع سريعًا فإنك تجدني قدمت وكانت صلاة الجمعة قد حضرت فمضى الرجل إلى الجامع علي بن إسحاق بن خلف أبو الحسن القطان الشاعر الزاهي مليح الشعر أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب‏:‏ أنشدنا التنوخي قال‏:‏ أنشدني محمد بن عبيد الله بن احمد الكاتب قال‏:‏ أنشدني علي بن إسحاق بن خلف لنفسه‏:‏ قم نهنىء عاشقين أصبحا مصطلحين جمعا بعد فراق فجعا منه ببين ثم عاد في سرور من صدود آمنين فهما روح ولكن ركبا في بدنين محمد بن الحسن بن سعيد بن الخشاب أبو العباس الصوفي سمع الحديث الكثير وله حكايات عن أبي جعفر الفرغاني وأبي بكر الشبلي روى عنه السلمي والحاكم أبو عبد الله وكان قد نزل نيسابور ثم خرج إلى مكة فتوفي بها في هذه محمد بن حميد بن سهيل بن إسماعيل بن شداد سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وجعفر الفريابي وابن جرير في آخرين روى عنه الدارقطني وابم رزقويه وأبو نعيم قال أبو بكر البرقاني‏:‏ هو ضعيف وقال محمد بن أبي الفوارس‏:‏ كان فيه تساهل شديد وشدة توفي في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام فإنهم دخلوا نصيبين واستباحوا وقتلوا كثيرًا من رجالها وسبوا من نسائها وصبيانها وأقاموا بها نيفًا وعشرين يومًا وغلبوا على ديار ربيعة بأسرها وورد إلى بغداد خلق كثير من أهل تلك البلاد فاستقروا في الجوامع وكسروا المنابر ومنعوا الخطبة وحاولوا الهجوم على دار المطيع لله واقتلعوا بعض شبابيكها حتى غلقت أبوابها ورماهم الغلمان بالنشاب من رواشنها وحيطانها وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة وأفحشوا القول ووافق ذلك شخوص عز الدولة من واسط للزيارة فخرج إليه أهل الستر والصيلتة من أهل بغداد منهم‏:‏ أبو بكر الرازي الفقيه وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي وأبو القاسم الداركي وابن الدقاق الفقيهان وشكو إليه ما طرق المسلمين من هذه الحادثة فوعدهم بالغزو واستنفر الناس فخرج العوام عدد الرمل ثم أنفذ جشًا فهزم الروم وقتل منهم خلق كثير وأسر أميرهم وجماعةةمن بطارقته وأنفذت رؤس القتلى إلى بغداد وكتب معهم كتاب إلى المطيع يبشربالفتح‏.‏

وفي شهر رمضان‏:‏ قتل رجل من صاحب المعونة في الكرخ فبعث أبو الفضل الشيرازي وكان قد أقامه معز الدولة مقام الوزير في طرح النار من النخاسين إلى السماكين فاحترقت أموال عظيمة وجماعة من الرجال والنساء والصبيان في الدور والحمامات فأحصى ما احترق فكان سبعة عشر ألف وثلثمائة دكان وثلثمائة وعشرين دارًا أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدًا‏.‏

فقال رجل لأبي الفضل‏:‏ أيها الوزير أريتننا قدرتك ونحن نأمل من الله تعالى أن يرينا قدرته فيك فلم يجبه وكثر الدعاء عليه ووزر بعد معز الدولة لابنه عز الدولة بختيار فقبض عليه وسلمه للشريف أبي الحسن محمد بن عمر العلوي فأنفذه إلى الكوفة فسقي ذراريخ فتقرحت مثانته فمات في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

وفي يوم الجمعة الثامن من شهر رمضان‏:‏ دخل أبو تميم معد بن إسماعيل الملقب بالمعز لدين الله مصر ومعه توبيت أبائه وكان قد مهد له أبو الحسن جوهر الأمور وأقام له الدعوة وبنى له القاهرة فنزلها وكان جوهر قد دخل إلى مصر سنة ثمان وخمسين ووطأ الأمر للمعز وأقام له الخطبة‏.‏

وخلع المطيع في هذه السنة على أبي طاهر بن بقية وزير عز الدولة بختيار ولقبه الناصح وكان واسع النفس وكانت وظيفته كل يوم من الملح ألف رطل وراتبه من الشمع في كل شهر ألف من وكان عز الدولة قد استوزر أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي صهر المهلبي في سنة سبع وخمسين فبقي في وزارته سنتين وشهرين وثلاثة أيام وعزله بأبي الفرج محمد بن العباس بن فسانجس فوز له ثلاثة عشر شهرًا وعشرة أيام ثم أعاد أبا الفضل إلى الوزارة فعادى الناس وأحرق الكرخ فكثر الدعاء عليه فقبض عليه بختيار‏.‏

قيل‏:‏ وكان أبو الحسن محمد بن محمد بن بقية يخدم في مطبخ معز الدولة وينوب عنه أخوه أبو طاهربن بقية ثم خدم عز الدولة في مطبخه وارتفع أمره إلى أن احتاج إليه الوزير أبو الفضل في حفظ غيبه عند عز الدولة ثم ضعف أمر الوزير أبي الفضل ثم هلك فقلد عز الدولة وزارته أبا طاهر بن بقية فقال الناس‏:‏ من الغضارة إلى الوزارة وكان كريمًا يغطي كرمه عيوبه ووزر له أربع سنين وأحد عشر يومًا وسمله عضد الدولة وقتله وصلبه وهو ابن نيف وخمسي سنة‏.‏

إبراهيم بن محمد بن سختويه بن عبد الله أبو إسحاق المزكي النيسابوري سمع بنيسابور محمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن إسحاق السراج وغيرهما وسمع من عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره وببغداد من أبي حامد الحضرمي وطبقته وبالحجاز من أبي الجيزي ونظرائه وبسرخس من محمد بن عبد الرحمن الدغولي وأقرانه وكان ثقة ثبتًا مكثرًا مواصلًا للحج انتخب عليه ببغداد أبو الحسن الدارقطني وكتب الناس بانتخابه علمًا كثيرًا وروى كتبًا كبارًا‏.‏

وقد أخبرنا أبو القاسم بن الحصين عن أبي طالب بن غيلان عنه‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا قال‏:‏ سمعت إبراهيم المزكي يقول‏:‏ أنفقت على الحديث بدرًا من الدنانير وقدمت بغداد في سنة ست عشرة لأسمع من ابن صاعد ومعي خمسون ألف درهم بضاعة فرجعت إلى نيسابور ومعي أقل من ثلثها أنفقت ما ذهب منها على أصحاب الحديث‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني محمد بن علي المقرئ عن محمد بن عبد الله الحافظ قال‏:‏ كان إبراهيم بن محمد المزكي من العباد المجتهدين الحجاجين المنفقين على العلماء والمستورين عقد له الإملاء بنيسابور سنة ست وثلاثين وثلثمائة وهو أسود الرأس واللحية وزكي في تلك السنة وكنا نعد في مجلسه أربعة عشر محدثًا منهم أبو العباس الأصم وتوفي بسوسنقين ليلة الأربعاء غرة شعبان سنة اثنتين وستين سنة وسوسنقين منزل بين همذان وساوة‏.‏

الحسين بن عمر بن أبي عمر القاضي أبو محمد بن أبي الحسين ولاه الراضي قضاء مدينة المنصور وهو حدث السن ثم ولي المتقي فأقره على ذلك إلى جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثلثمائة ثم صرفه ثم فقدم أصبهان وحدث عن البغوي وابن صاعد وولي قضاء يزد وتوفي بها

سعيد بن القاسم بن العىء بن خالد أبو عمر البرذعي قدم بغداد وحدث بها عن جماعة فروى عنه الدارقطني وكان أحد الحفاظ كتب عن يحيى بن محمد بن مندة وطبقته وتوفي في هذه السنة‏.‏

السري بن أحمد بن السري له معان حسان وهو مجود وله مدائح في سيف الدولة وغيره من أمراء بني حمدان وكان بينه الخالديين أبي بكر وأبي عثمان محمد وسعيد أهاج كثيرة فبالغا في أذاه وقطعا رسمه من سيف الدولة وغيره فانحدر إلى بغداد ومدح الوزير أبا محمد المهلبي فانحدر الخالديان وراءه ودخلا على المهلبي وثلبا وحصلا في جملة مناديمه وجعلا هجيراهما ثلبه فآل به الأمر إلى عدم القوت وركبه الدين ومات ببغداد‏.‏

عبد الملك بن الحسن بن يوسف أبو عمرو المعدل ابن السقطي سمع أبا مسلم الكجي ويوسف القاضي وجعفر الفريابي والبغوي روى عنه أبو نعيم الحافظ وأبو علي بن شاذان وكان ثقة ولم يزل مقبول الشهادة عند القضاة وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وقد بلغ خمسًا وثمانين سنة‏.‏

محمد بن أبي الحسن بن كوثر بن علي أبو بحر البربهاري حدث عن محمد بن الفرج الأزرق ومحمد بن غالب التمتام وإبراهيم الحربي والباغندي والكديمي وغيرهم‏.‏

روى عنه ابن رزقويه والبرقاني وأبو نعيم وانتخب عليه الدارقطني وقال‏:‏ اقتصروا على حديث أبي بحر على ما انتخبته فقد كان له أصل صحيح وسماع صحيح وسماع صحيح وأصل رديء فحدث بذا وبذاك فأفسده‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو بكر البرقاني قال‏:‏ سمعت من أبي بحر وحضرت عنده يومًا فقال ابن السرخسي‏:‏ سأريكم أن الشيخ كذاب وقال لأبي بحر‏:‏ أيها الشيخ فلان بن فلان كان ينزل في الموضع الفلاني هل سمعت منه قال أبو بحر‏:‏ نعم قد سمعت منه‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ وكان ابن السرخسي قد اختلق ما سأله عنه‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ قرأت على البرقاني وحدثنا عن أبي بحر فقال‏:‏ خرج عنه أبو الفتح بن أبي الفوارس في الصحيح‏.‏

قلت له‏!‏ كذلك فعل أبو نعيم الحافظ‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ ما يساوي أبو بحر عندي كعبًا‏.‏

ثم سمعته ذكره مرة أخرى فقال‏:‏ كان كذانًا‏.‏

وقال ابن أبي الفوارس‏:‏ كان مخلطًا وقال أبو الحسن بن الفرات‏:‏ ظهر منه في آخر عمره أشياء منكرة منها‏:‏ أنه حدث عن يحيى بن أبي طالب وعبدوس المدائني فغفله قوم من أصحاب الحديث فقروا ذلك عليه وكانت له أصول جيدة فخلط ذلك بغيره وغلبت الغفلة عليه وتوفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه تقلد أبو الحسن محمد بن ابن أم شيبان الهاشمي قضاء القضاة صارفًا لأبي محمد بن معروف وكان أبو محمد قد طولب ببيع دار أبي منصور الشرابي على أبي بكر الأصبهاني الحاجب فامتنع فقيل له‏:‏ إن الوكيل الذي نصبه المطيع يبيع ذلك وليس يراد منك إلا سماع الشهود والإسجال بها فامتنع وأغلق بابه وسأل الإعفاء عن القضاء فخوطب أبو الحسن بن أم شيبان فامتنع فألزم فأجاب وشرط لنفسه شروطًا منها‏:‏ أنه لا يرتزق عن الحكم ولا يخلع عليه ولا يأمر ما لا يوجبه حكم ولا يشفع إليه في إنفاق حق وفعل ما لا يقتضيه شرع وقرر لكاتبه في كل شهر ثلثمائة درهم ولحاجبه مائة وخمسون درهمًا وللفارض على بابه مائة درهم ولخازن دار الحكم والأعوان ستمائة درهم وركب إلى دار المطيع حتى سلم إليه عهده وركب من غد إلى المسجد الجامع فقرىء فيه عهده وتولى إنشاءه أبو منصور أحمد بن عبد الله الشيرازي وهو يومئذ صاحب ديوان الرسائل ونسخته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهده عبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمي حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء من أهل مدينة المنصور والمدينة الشرقية من الجانب الغربي والجانب الشرقي ومدينة السلام والكوفة وشقي الفرات وواسط وكوخي وطريقي الفرات ودجلة وطرق خراسان وقرميسين وحلوان وديار مضر وديار ربيعة وديار بكر والموصل والحرمين واليمن ودمشق وحمص وجند قنسرين والعواصم ومصر والاسكندرية وجندي فلسطين والأردن وأعمال ذلك كلها وما يجري مع ذلك من الأشراف على ما يختاره لنقابة العباسين بالكوفة وشقيّ الفرات وأعمال ذلك وما قلده أياه من من قضاء القضاة وتصح أحوال الحكام‏.‏

واستشراف ما يجري عليه أمر الأحكام من سائر النواحي والأمصار والبلاد والأقطار التي تشتمل عليها المملكة وتنتهي إليها الدعوة وإقرار من يحمد هديه وطريقته واستبدال من يذم سمته وسجيته نضرًامنه للكافة واحتياطًا للخاصة والعامة وحنوًا على الملة والذمة عن علم أنه المقدم في بيته وشرفه المبرز في عفافه وظلفه المزكي في دينه وأمانته الموصوف في ورعه ونزاهته المشار إليه بالعلم والحجى المجمع عليه في الحكم والنهي البعيد من الأدناس اللابس من النقاء أجمل لباس النقي الجيب المحبور بصفاء الغيب العالم بمصالح الدنيا العارف بما يفيد سلامة العقبى أمره بتقوى الله فإنها الجنة الواقية وإن يجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته ويرتب عليه حكمه وقضيته إمامه الذي يفزع إليه وعماده الذي يعتمد عليه وأن يتخذ سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوبًا يقصده ومثالًا يتبعه وأن يراعي الإجماع وأن يقتضي بالأئمة الراشدين وأن يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع وأن يحضر مجلس قضائه من يستظهر بعلمه ورأيه وأن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه ولفظه ويوفي كلًا منهما نصيبه من إنصافه وعدله حتى يأمن الضعيف من حيفه وييأس القوي من ميله وأمره أن يشرف على أعوانه وأصحابه ومن يعتمد عليه من أمنائه وأسبابه إشرافًا يمنع من التخطي إلى السيرة المحظورة ويدفع عن الإشفاف إلى المكاسب المحظورة فذكر من هذا الجنس كلامًا طويلًا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ تقلد أبو محمد عبد الواحد الفضل بن عبد الملك الهاشمي نقابة العباسيين وصرف القاضي أبو تمام الزينبي منها‏.‏

وفيها‏:‏ ظهر ما كان المطيع يستره من مرضه وتعذر الحركة عليه وثقل لسانه لأجل فالج ناله قديمًا فدعاه سبكتكين حاجب معز الدولة إلى خلع نفسه وتسليم الأمر إلى ولده الطائع ففعل ذلك وعقد له الأمر في يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ثلاث وستين فكانت خلافة المطيع إلى أن خلع نفسه وسلم الخلافة إلى ولده تسعًا وعشرين سنة وأربعة هذا ما أشهد على متضمنه أمير المؤمنين الفضل المطيع لله حين نظر لدينه ورعيته وشغل بالعلة الدائمة عن ما كان يراعيه من الأمور الدينية اللازمة وانقطع إفصاحه عن بعض ما يجب لله عز وجل في ذلك فرأى اعتزال ما كان إليه من هذا الأمر وتسليمه إلى ناهض به قائم بحقه ممن يرى له الرأي عقده له وأشهد بذلك طوعًا في يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلثمائة فكتب فيه القاضي محمد بن صالح‏:‏ شهد عندي بذلك أحمد بن حامد بن محمد بن عمر وعمر بن محمد بن أحمد وطلحة بن محمد بن جعفر وكتب محمد بن صالح‏.‏

وقد أنبأنا جماعة من أشياخنا عن أبي منصور بن عبد العزيز قال‏:‏ كان المطيع بعد أن خلع يسمى الشيخ الفاضل‏.‏

 باب ذكر خلافة الطائع لله عز وجل

اسمه عبد الكريم بن المطيع لله ويكنى‏:‏ أبا بكر وأمه أم ولد اسمها‏:‏ عتب أدركت خلافته وقد ذكرنا أن المطيع خلع نفسه غير مستكره وولى الطائع في اليوم الذي خلع فيه المطيع نفسه وكان سنه يوم ولي ثمان وأربعين سنة وقيل‏:‏ خمسين ولم يل الأمر أكبر سنًا منه ولا من له أب حي سوى أبي بكر الصديق والطائع وكلاهما يكنى‏:‏ أبا بكر وكان أبو بكر الطائع أبيض أشقر حسن الجسم شديد القوة وفي رواية‏:‏ أنه كان في دار الخلافة أيل عظيم فكان يقتل بقرنه الدواب والبغال ولا يتمكن أحد من مقاومته فاجتاز الطائع لله فرآه وقد شق راويه فقال للخدم‏:‏ امسكوه فسعوا خلفه حتى ألجأوه إلى مضيق وبادر الطائع فأمسك قرنيه بيديه فلم يقدر أن يخلصهما وهرب واستدعى بنجار فقال‏:‏ ركب المنشار عليهما ففعل فلما بقيا على يسير قطعهما بيده وهرب الإيل على وجهه وسقطت فرجية الطائع عن كتفيه فتطأطأ بعض الخدم ليرفع الفرجية فنظر إليه بؤخر عينه منكرًا لفعله فتركها ومضى الطائع وبقيت الفرجية إلى آخر النهار لا يجسر أحد على تحريكها من موضعها فلما أراد النجار الانصراف حضر الخادموقال‏:‏ خذ هذه الفرجية فأخذها وكانت من الوشي القديم فباعها بمائة وسبعين دينار‏.‏

ولما ولي الطائع وعليه البردة ومعه الجيش وبين يديه سبكتكين في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة ومن غد هذا اليوم خلع على سبكتكين الخلع السلطانية وعقد له لواء الإمارة ولقبه نصر الدولة وحضر عيد الأضحى فركب الطائع إلى المصلى بالجانب الشرقي وعليه السواد قباء وعمامة وخطب خطبة بليغة بعد أن صلى بالناس كانت ‏"‏ الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر متقربًا إليه ومعتمدًا عليه ومتوسلًا بأكرم الخلائق لديه الذي صيرني إمامًا منصوصًا عليه ووهب لي أحسن الطاعة في ما فوضه إلي من الخلافة على الأمة الله أكبر الله أكبر مقرًا بجميل آلائه فيما أسنده إلي من حفظ الأمم وأموالها وذرايها وقمع بي الأعداء في حضرها وبواديها وجعلني خير مستخلف على الأرض ومن فيها الله أكبر الله أكبر تقربًا بنحر البدن التي جعلها من شعائره وذكرها في محكم كتابه وأتباعًا لسنة نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم في فدية أبينا إسماعيل إذ قد أمره بذبحه فاستسلم لإهراق دمه وسفحه غير جزع فيما نابه ولا نكل عن ما أمر به فتقربوا إلى الله في هذا اليوم العظيم بالذبائح فإنها من تقوى القلوب الله أكبر الله أكبر وصلى الله على محمد خيرته من خليقته على أهل بيته وعترته وعلى آبائي الخافاء النجباء وأيدني بالتوفيق فيما أتولى وسددني من الخلافة فيما أعطى وأنا أخوفكم معشر المسلمين غرور الدنيا فلا تركنوا إلى ما يبيد ويفنى ويزول ويبلى وإني أخاف عليكم يوم الوقوف بين يدي الله تعالى غدًا وصحفكم تقرأ عليكم فمن أوتي كتابه بيمينه فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا أعاذنا الله وإياكم عن الردى واستعملنا وإياكم بأعمال أهل التقوى واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين‏.‏

ثم أن عز الدولة أدخل يده في إقطاع سبكتكين فجمع سبكتكين الأتراك الذين ببغداد ودعاهم إلى طاعنه فأجابوه وراسل أبا إسحاق بن معز الدولة يعلمه بالحال ويطمعه أن يعقد له الأمر فاستشار والدته فمنعته من ذلك فصار إليها من بغداد من الديلم وصوبوا لها محاربة سبكتكين فحاربوه فقهروه واستولى على ما كان ببغداد لعز الدولة وثارت العامة تنصر سبكتكين وبعث سبكتكين إلى عز الدولة يقول له‏:‏ إن الأمر قد خرج عن يدك فاخرج لي عن واسط وبغداد ليكونا لي وتكون البصرة والأهواز لك ولا تفتح بيننا باب حرب وكتب عز الدولة إلى عضد الدولة يساعده ويستنجده فماطله بذلك ثم أن الناس صاروا حزبين فأهل التشيع ينادون بشعار عز الدولة والديلم وأهل السنة ينادون بشعار سبكتكين والأتراك واتصلت الحروب وسفكت الدماء وكبست المنازل وأحرق الكرخ حريقًا ثانيا‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان أبو فراس العدوي الشاعر كان فيه شجاعة وكرم وله شعر في نهاية الحسن وقلده سيف الدولة منبج وحران وأعمالها فخرج يقاتل الروم فتكى وقتل وأسر في الأسر سنتين ثم فداه سيف الدولة وقيل إنه قتل بعد ذلك وما بلغ أربعين سنة ورثاه سيف الدولة‏.‏

أخبرنا ابن ناصر أخبرنا علي بن أحمد بن البسري عن أبي عبد الله بن بطة قال‏:‏ أنشدني الحسن بن سعيد المقدسي قال‏:‏ أنشدني محمد بن شجاع الجيلي قال‏:‏ أنشدني أبو فراس بن حمدان لنفسه‏:‏ المرء نصب مصائب لا تنقضي حتى يواري جسمه في رمسه فمؤجل يلقى الردى في غيره ومعجل يلقى الردى في نفسه قال‏:‏ وكان عند أبي فراس أعرابي فقال له‏:‏ أجز هذا بمثله فقال‏:‏ من يتمن العمر فليدرع صبرًا على فقد أحبابه ومن يعاجل ير في نفسه ما يتمناه لأعدائه أخذ هذا من قول الحكيم‏:‏ من طال عمره فقد أحبابه ومن قصرت حياته كانت مصيبته في نفسه ومن قول الآخر‏:‏ من أحب طول البقاء فليتخذ للمصائب قلبًا جلدًا‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أنشدنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال‏:‏ أنشدنا أبو الفرج الببغاء قال‏:‏ أنشدنا أبو فراس وكتب بها إلى غلامين له وهو مأسور‏:‏ لا رعى الله ياحبيبي دهرًا فرقتنا صروفه تفريقا كنت مولاكما وما كنت إلا والدًا محسنًا وعمًا شفيقا بت أبكيكما وإن عجيبًا أن يبيت الأسير يبكي الطليقا فاذكراني وكيف لا تذكراني كل ما استخون الصديق صديقا ومن شعره المستحسن قوله‏:‏ ولي بك من فرط الصبابة آمر ودونك من حسن التصون زاجر عفافك عني إنما عفة التفى إذا عف عن لذاته وهو قادر نفى الهم عني همة عدّوية وجأش على صرف الحوادث صابر وأسمر مما ينبت الخط ذابل وأبيض مما يصنع الهند باتر لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها إذا لم يكن للمبصرين بصائر وكيف ينال المجد والجسم وادع وكيف يحار المجد والوفر وافر وله‏:‏ غنى النفس لمن يعقل خير من غني المال ما كنت إذ كنت إلا طوع خلاني ليست مؤاخذة الاخوان من شاني إذا خليلي لم تكثر إساءته فأين موقع إحساني وغفراني يجني الليالي واستحلي جنايته حتى أدل على عفوي وإحساني يجني علي و أحنو دائمًا أبدًا لا شيء أحسن من حان على جان وله‏:‏ مرام الهوى صعب وسهل الهوى وعر وأعسر ما حاولته الحب والصبر أوعدتي بالوعد والموت دونه إذا مت عطشانًا فلا نزل القطر بدوت وأهلي حاضرون لأنني أرى أن دارًا لست من أهلها قفر وما حاجتي في المال أبغي وفوره إذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر هو الموت فاختر ما علا لك ذكره فلم يمت الإنسان ما حسن الذكر وقال أصيحابي الفرار أو الردى فقلت هما أمان أحلاهما مر سيذكرني قومي إذا جد جدهما وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر وقال وقد سمع صوت حمامة وهو مأسور‏:‏ أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتي ما فاق حالك حالي معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى ولا خطرت منك الهموم ببالي أيحمل محزون الفؤاد قوادم إلى غصن نائي المسافة عالي تعالي تري روحًا لدي ضعيفة تردد في جسم يعذب بالي أيضحك مأسور وتبكي طليقة ويسكت محزون ويندب سالي لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي وله أيضًا‏:‏ أن في الأسر لصبا دمعه في الخد صب هو بالروم مقيم وله بالشام قلب وله أيضًا‏:‏ لقد ضل من تحوي هواه خريدة وقد ذل من تقضى عليه كعاب ولكنني والحمد لله حازم أعز إذا ذلت لهن رقاب بمن يثق الإنسان فيما ينوبه وهيهات للحر الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئابًا على أجسادهن ثياب تغابيت عن قومي فظنوا غباوة بمفرق أغبانا حصى وتراب ولو عرفوني حق معرفتي بهم إذًا علموا أني شهدت وغابوا إلى الله أشكو بثنا في منازل تحكم في أجسادهن كلاب فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف أبو بكر الفقيه الحنبلي غلام الخلال ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين وحدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وموسى بن هارون وأبي خليفة الفضل بن الحباب وجعفر الفريابي ومحمد بن محمد الباغندي والبغوي وابن أبي داود وابن صاعد في آخرين وله المصنفات الكثيرة على مذهب أحمد بن حنبل‏.‏

أنبأنا أحمد بن الحسين بن أحمد الفقيه عن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين قال‏:‏ أبو بكر عبد العزيز له المصنفات الحسنة منها‏:‏ المقنع نحو مائة جزء وكتاب الشافعي‏:‏ نحو مائتي جزء و زاد المسافر وكتاب الخلاف مع الشافعي وكتاب القولين ومختصر الحسبة وله غير ذلك في التفسير والأصول قال القاضي‏:‏ وبلغني أن عبد العزيز قال في علته‏:‏ أنا عندكم إلى يوم الجمعة‏.‏

فقيل له‏:‏ يعافيك الله فقال‏:‏ سمعت أبا بكر الخلال يقول‏:‏ سمعت أبا بكر المروذي يقول‏:‏ عاش أحمد بن حنبل ثماني وسبعين سنة ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة وعاش أبو بكر المروذي ثملن وسبعين سنة ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة وأنا عندكم إلى يوم الجمعة ولي ثمان وسبعون سنة فلما كان يوم الجمعة مات ودفن بعد الصلاة وذلك لعشر بقين من شوال ودفن عند دار الفيل بمقبرة باب الأزج‏.‏

علي بن محمد أبو الفتح البستي كان شاعرًا مجيدًا يقصد التطابق والتجانس في شعره وأبيات قصائده قليلة لأجل التجانس وقد انتقيت من جميع ديوانه أبياتًا مستحسنة فرتبتها على حروف المعجم وهي‏:‏ دعني فلن أخلق ديباجتي ولست أبدي للورى حاجتي منزلتي يحفظها منزلي وباجتي تكرم ديباجتي وله أيضًا‏:‏ منهاجي العدل وقمع الهوى فهل لمنهاجي من هاجي وله أيضًا‏:‏ إذا رأيت الوداع فاصبر و لا يهمنك البعاد وانتظر العود عن قريب فإن قلب الوداع عادوا وله أيضًا‏:‏ لقاء أكثر من تلقاه أوزار فلا تبالي أصدوا عنك أو زاروا لهم لديك إذا جاؤك إوطار فإن قضوها تنحوا عنك أو طاروا أخلاقهم فتجنبهن أوعار وقربهم مأثم للمرء أو عار أوضار أخلاقهم يعدي معاشرهم فلا يزول فقد ما من رأوا ضاروا وله أيضًا‏:‏ دعوني وأمري واختياري فإنني عليم بما أمرى وأخلق من أمري إذا مر بي يوم ولم اصطنع يدا ولم استفد علما فما ذاك من عمري وله أيضًا‏:‏ وله أيضًا‏:‏ إذا خدمت الملوك فالبس من التوقي أعز ملبس وادخل عليهم وأنت أعمى واخرج إذا ما خرجت أخرس وله أيضًا‏:‏ دعوني وسمتي في عفافي فإنني جعلت عفافي في حياتي ديدني وأعظم من قطع اليدين على الفتى صنيعة بر نالها من يدي دني وله أيضًا‏:‏ يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته لتطلب الربح مما فيه خسران أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان وله أيضًا‏:‏ يا ناظر العين قل هو ناظر عيني إليك يومًا وهل تدنو خطى البين الله يعلم أني بعد فرقتكم كطائر سلخوه من جناحين ولو قدرت ركبت الريح نحوكم فإن بعدي عنكم قد حنى حيني العباس ين الحسين وزر لعز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين وكان ظالمًا فقبض عليه فقتل في حبسه في ربيع الأول من هذه السنة وعمره تسع وخمسون سنة ودفن بمشهد علي عليه السلام‏.‏

عيسى بن موسى بن أبي محمد واسمه محمد بن المتوكل على الله أبو الفضل الهاشمي ولد سنة ثمانين ومائتين وسمع محمد بن خلف بن المرزبان وأبا بكر بن أبي داود ولازمه نيفًا وعشرين سنة روى عنه أبو علي بن شاذان وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ قال لي علي بن أحمد بن عيسى المتوكلي قال لي هلال بن محمد الحفار قال لي جدك عيسى بن موسى‏:‏ مكثت ثلاثين سنة أشتهي أن أشارك العامة في أكل هريسة السوق فلا أقدر على ذلك لأجل البكور إلى سماع الحديث‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في المحرم سنة أربع من المدينة أن أهل العراق وخراسان والكوفة والبصرة بلغوا سميرًا فرأوا هلال ذي الحجة على نقصان من ذي القعدة وعرفوا أن لا ماء في الطريق من فيد إلى مكة إلا صبابة لا يقوم بهم وبجمالهم فعدلوا إلى بطن نخل يطلبون مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فوصلوا إليها يوم الجمعة سادس ذي الحجة فبركت الجمال ولم تنهض فعرفوا في المسجد وخرجوا فصلوا صلاة العيد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أمير الحاج أبو منصور محمد بن عمر بن يحيى العلوي وورد الناس الكوفة في أول المحرم بعد أن لحقهم جهد شديد وأقاموا بالكوفة لفساد الطريق ثم حفروا أنفسهم وأموالهم حتى دخلوا بغداد في آخر الشهر‏.‏

وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم‏:‏ أوقع العيارون حريقًا بالخشابين من باب الشعير فاحترق أكثر هذا السوق وما يليها من سوق الجزارين وأصحاب الحصر وصف البواري فهلك شيء كثير من هذه الأسواق من الأموال وزاد أمر العيارين في هذه السنة حتى ركبوا الدواب وتلقبوا بالقواد وغلبوا على الأمور وأخذوا الخفائر عن الأسواق والدروب وكان في جملة العيارين قائد يعرف‏:‏ بأسود الزبد لأنه كان يأوي قنطرة الزبد ويستعظم من حضر وهو عريان لا يتوارى فلما كثر الفساد رأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف فطلب سيفًا ونهب وأغار اجتمع إليه جماعة فأخذ الأموال واشترى جارية بألف دينار فلما حصلت عنده حاول منها حاجته فمنعته فقال‏:‏ ما تكرهين مني قالت‏:‏ أكرهك كما أنت فقال‏:‏ ما تحبين قالت‏:‏ أن تبيعني‏.‏

قال‏:‏ أو أفعل خيرًا من ذلك فحملها إلى القاضي واعتقها ووهب لها ألف دينار فعجب الناس من سماحة أخلاقه إذ لم يجازها على كراهتها له ثم خرج إلى الشام فهلك فيها‏.‏

وفي المحرم‏:‏ ورد الخبر بوقوع الخطبة لأبي تميم معد الملقب بالمعز بمكة والمدينة في موسم سنة ثلاث وستين وثلثمائة وقطعت خطبة الطائع من يوم الجمعة لعشر بقين من جمادى الأولى إلى أن أعيدت في يوم الجمعة لعشر بقين من رجب فلم يخطب في هذه المدة لإمام وذلك لأجل تشعث جرى بينه وبين عضد الدولة وكان عضد الدولة قد قدم العراق فأعجبه ملكها فوضع الجند ليشغبوا على عز الدولة فشغبوا فأغلق أبوابه فأمر عضد الدولة الاستظهار عليه وذلك يوم الجمعة لأربع ليال بقين من جمادى الآخرة وكتب عن الطائع لله إلى الآفاق باستقرار الأمر لعضد الدولة وخلع عضد الدولة على محمد بن بقية وزير عز الدولة ثم اضطربت الأمور على عضد الدولة ولم يبق في يده غير بغداد فنفذ عضد الدولة إلى ركن الدولة يعلمه أنه قد خاطر بنفسه وجنده وأنه قد هذب مملكة العراق واستقاد الطائع لله إلى داره وأن عز الدولة بختيار عاص لا يقيم دولة وأنه إن خرج من العراق لم يبعد اضطراب الممالك ويسأله المدد فلما بلغه هذه الرسالة غضب فقال للرسول‏:‏ قل له أنت خرجت في نصرة ابن أخي أو في الطمع في مملكته فأفرج عضد الدولة عن بختيار وخرج عضد الدولة عن بختيار إلى فارس وعلد جيش بختيار إليه‏.‏

وفي يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة‏:‏ تزوج الطائع لله شاه زنان بنت عز الدولة على صداق مائة ألف دينار وخطب طبة النكاح بحضرتهما أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة القاضي‏.‏

وفي رجب‏:‏ زادت الأسعار وعدمت الأقوات وبيع الكر من الدقيق الحواري بمائة ونيف وسبعين دينارًا والعشرة الأمناء من السكر بنيف من التبن بعشرة دراهم وأخرج السلطان كراعه إلى السواد‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ اضطرب أمر الحاج لم يندب لهم أحد من جهة السلطان وخرجت طائفة من الخراسانية على وجه التغرير والمخاطرة فلحقهم شدة وتأخر البغداديون والتجار وأقام الحج أصحاب المغربي وأقيمت الخطبة له‏.‏

وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من ذي القعدة‏:‏ طلع كوكب الذؤابة من ناحية المشرق وله شبه الذؤابة وفي يوم الأربعاء‏:‏ سلخ ذي القعدة صرف أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان عن قضاء القضاة وقلده أبو محمد بن معروف وكتب عهده‏.‏

وفي يوم الأربعاء‏:‏ لتسع بقين من ذي الحجة خلع على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي من دار عز الدولة وقلد نقابة الطالبيين‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسحاق بن محمد بن إسحاق أبو يعقوب النعالي سمع أبا خليفة وجعفر الفريابي وغيرهما‏.‏

وروى عنه البرقاني وقال‏:‏ هو صدوق وتوفي يوم النحر من هذه السنة‏.‏

سبكتكين حاجب معز الدولة خلع عليه الطائع وطوقه وسوره ولقبه نصر الدولة فسقط سبكتكين عن الفرس فانكسر ضلعه فاستدعى ابن الصلت المجبر فرد ضلعه ولازمه إلى أن برأ فأغناه وأعطاه يوم أدخله الحمام ألف دينار وفرسًا ومركبًا وخلعه وكان يقدر على الركوب والقيام في الصلاة والسجود ولا يقدر على الركوع وكان يقول لطبيبه‏:‏ إذا تذكرت عافيتي على يدك فرحت بك ولم أقدر على مكافأتك وإذا ذكرت حصول رجليك على ظهري اشتد غيظي منك‏.‏

توفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من المحرم وكانت مدة إمارته شهرين وثلاثة عشر يومًا وحمل تابوته إلى بغداد فدفن في تربة ابنته بالمخرم وخلف ألف ألف دينار مطيعة وعشرة آلاف ألف درهم وصندوقين فيهما جوهر وستين صندوقًا منها خمسة وأربعون فيها آنية ذهب وفضة وخمسة عشر فيها بلور ومحكم ومائة وثلاثين مركبًا ذهبًا منها خمسون وزن كل واحد ألف مثقال وستكائة مركب فضة وأربعة آلاف ثوب ديباجًا وعشرة آلاف ثوب دبيقًا وعتابيًا وغير ذلك وثلثمائة عدل معكومة فيها فرش وثلاثة آلاف رأس من الجمال وثلثمائة غلام دارية وأربعة وأربعين خادمًا غير ما ترك عند أبي بكر البزاز صاحبه وكان لسبكتكين هذا دار المملكة اليوم‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني هلال بن المحسن قال‏:‏ كانت دار المملكة التي بأعلى المحرم محاذية الفرضة لسبكتكين غلام معز الدولة فنقض عضد الدولة أكثرها ولم يسبق إلا البيت الستيني الذي هو في وسط أروقة من روائها أروقة من أطرافها أروقة قباب معقودة وتنفتح أبوبه الغريبة إلى دجلة وأبوابه الشرقية إلى صحن من خلفه بستان ونخل وشجر وكان عضد الدولة جعل الدار التي هذا البيت فيها دار العامة والبيت برسم جلوس الوزارء وما يتصل به من الأروقة والقباب مواضع للدواوين والصحن منامًا لديلم النوبة في ليالي الصيف قال هلال‏:‏ وهذه الدار وما تحتوي عليه من البيت المذكور والأروقة خراب ولقد شاهدت مجلس الوزراء في ذلك ومحفل من يقصدهم ويحضرهم وقد جعله جلال الدولة اصطبلًا أقام فيه دوابه وسواسه وأما ما بناه عضد الدولة وولده بعده من هذه الدار فهو متماسك على تشعثه‏.‏

قال ابن ثابت‏:‏ ولما ورد طغرل بك الغزي بغداد واستولى عليها عمر هذه الدار وجدد كثيرًا مما كان وهي منها سنة ثمان وأربعين وأربعمائة فمكث كذلك إلى سنة خمسين وأربع مائة ثم احترقت وسلمت أكثر آلاتها ثم عمرت بعد وأعيدكما كان وهي منها‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني القاضي أبو القاسم علي بن المحسن قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ ماشيت الملك عضد الدولة في دار المملكة بالمخرمة التي كانت دار سبكتكين حاجب معز الدولة من قبل وهو يتأمل ما عمل وهدم منها وقد كان أراد أن يزيد في الميدان السبكتكين أذرعا ليجعله بستانًا ويرد بدل التراب رملًا ويطرح التراب تحت الروشن على دجلة وقد ابتاع دورًا كثيرة كبارًا وصغارًا ونقضها ورمى حيطانها بالفيلة تخفيفًا للمؤنة وأضاف عرصاتها إلى الميدان وكانت مثل الميدان دفعتين وبنى على الجميع مسناة فقال لي في هذا اليوم وقد شاهد ما شاهد‏:‏ تدري أيها القاضي كم أنفق على ما قلع من التراب إلى هذه الغاية وبناء هذه المسناة السخيفة مع ثمن ما ابتيع من الدور واستضيف قلت‏:‏ أظنه شيئًا كثيرًا‏.‏

فقال لي‏:‏ هو إلى وقتنا هذا سبعمائة ألف درهم صحاحًا ويحتاج إلى مثلها دفعة أو دفعتين حتى يتكامل قلع التراب ويحصل موضعه الرمل موازيًا لوجه البستان فلما فرغ من ذلك وصار البستان أرضًا بيضاء لا شيء فيها من غرس ولا نبات قال قد أنفق على هذا حتى صار كذا أكثر من ألفي ألف درهم ثم فكر في أن يجعل شرب البستان من دواليب ينصبها على دجلة وعلم أن الدواليب لا تكفي فاخرج المهندسين إلى الأنهار التي في ظاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام ليستخرجوا منها نهرًا يسيح ماؤه إلى داره فلم يجدوا ما أرادوه إلا في نهر الخالص فعلى الأرض بين البلد وبينه تعلية أمكن معها أن يجري الماء على قدر من غير أن يحدث به ضرر وعمل تلين عظيمين يساويان سطح الماء الخالص ويرتفعان عن أرض الصحراء أذرعًا وشق في وسطها نهرًا جعل له خورين من جانبيه وداس الجميع بالفيلة دوسًا كثيرًا حتى قوي واشتد وصلب وتلبد فلما بلغ إلى منازل البلد وأراد سوق النهر إلى داره عمد إلى دور السلسلة فدك أرضها دكًا قويًا ورفع أبواب الدور وأوثقها وبنى جوانب النهر طول البلد بالآجر والكلس والنورة حتى وصل الماء إلى الدار وسقى البستان‏.‏

قال أبي‏:‏ وبلغت النفقة على عمل البستان وسوق الماء إليه على ما سمعته من حواشي عضد الدولة‏:‏ خمسة آلاف ألف درهم ولعله قد أنفق على أبنية الدار ما أظن مثل ذلك وكان عضد الدولة عازمًا على أن يهدم الدور التي بين داره وبين الزاهر ويصل الدار بالزاهر فمات قبل ذلك‏.‏

عبد السلام بن محمد بن أبي موسى أبو القاسم المخرني الصوفي سافر الكثير ولقي الشيوخ وحدث عن أبي بكر بن أبي داؤد وأبي عروبة الحراني وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني وكان ثقة حسن الأخلاق متزهدًا أقام بمكة سنين توفي بها في هذه السنة‏.‏

الفضل المطيع لله أمير المؤمنين ابن المقتدر قد ذكرنا أنه خلع نفسه لإجل مرض لازمه وولى ابنه الطائع وأشهد على نفسه القضاة والعدول وكانت خلافته تسع وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحد وعشرين يومًا وخرج الطائع إلى واسط وحمل معه أباه المطيع فمات في العسكر بدير العاقول في محرم هذه السنة فكان عمره ثلاثًا وستين سنة وحمل إلى بغداد فدفن بتربة جدته أم المقتدر‏.‏

محمد بن إبراهيم بن محمد أبو بكر الشاهد الربيعي حدث عن ابن جرير الطبري وغيره روى عنه أبو القاسم عبيد الله بن عمر البقال وغيره وقال ابن أبي الفوارس‏:‏ توفي في سنة أربع وستين وثلثمائة وفيه نظر‏.‏

محمد بن بدر أبو بكر‏.‏كان والده يعرف ببدر الحمامي غلام ابن طولون ويسمى بدر الكبير‏.‏

كان أميرًا على بلاد فارس كلها وتوفي بتلك النواحي فقام ابنه محمد في الناحية مقامه وكتب السلطان إليه بالولاية مكان أبيه وكتب إلى من معه من القواد بالسمع والطاعة له فكان أميرًا على بلاد فارس مدة ثم قدم ببغداد وحدث بها عن بكر بن سهل الدمياطي وحماد بن مدرك وغيرهما‏.‏

روى عنه الدارقطني وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما وقال أبو نعيم‏:‏ ثقة صحيح السماع‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال‏:‏ توفي محمد بن بدر الحمامي في رجب سنة أربع وستين وثلثمائة وكان ثقة إن شاء الله فيما علمته ولم يكن من أهل هذا الشأن يعني الحديث ولا يحسنه وكان له مذهب في الرفض‏.‏

قال احمد‏:‏ وببغداد كانت وفاته‏.‏

محمد بن ثابت بن أحمد أبو بكر الواسطي قدم بغداد وحدث بها عن عباس الدوري وغيره روى عنه ابن شاهين والكتاني وكان ثقة‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أن ركن الدولة أبا علي كتب إلى ولده عضد الدولة أبي شجاع يعرفه أنه قد كبرت سنه وقرب منه ما يتوقعه أمر الله تعالى وأنه يؤثر مشاهدته واجتمعوا فقسم ركن الدولة الممالك بين أولاده فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان وأرجان ولمؤيد الدولة الري وأصبهان و لفخر وفي يوم الثلاثاء سادس عشر رجب‏:‏ جلس قاضي القضاة أبو محمد بن معروف في دار عز الدولة ونظر في الأحكام لأن عز الدولة اقترح ذلك عليه ليشاهد مجلس حكمه‏.‏

وفي ذي القعدة‏:‏ خلع على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي لإمارة الحاج من دار عز الدولة وحج بالناس علوي من جهة العزيز صاحب مصر وأقيمت الدعوة له بمكة والمدينة على رسم المعز أبيه بعد أن حوصر أهل مكة فمنعوا الميرة وقاسوا شدة شديدة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن جعفر بن مسلم بن راشد أبو بكر الختلي

ولد سنة ثمان وسبعين ومائتين سمع أبا مسلم الكجي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وخلقًا كثيرًا وكتب من التفاسير والقراءات شيئًا كثيرًا وكان صالحًا دينًا مكثرًا ثقة ثبتًا كتب عنه الدارقطني وروى عنه ابن رزقويه والبرقاني وأبو نعيم الأصبهاني‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب حدثنا أبو القاسم الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا قال‏:‏ حضرنا عند أبي بكر بن مسلم لنسلم عليه فقال له بعض الحاضرين‏:‏ أبقاك الله فقال‏:‏ ما أحب البقاء لأني منذ سنة لم أحضر الجمعة وهذه الصيفية كلها لم أنم بالليل على السطح ومنذ شهر لم آكل الخبز إنما أسف الفتيت فلست أحب الحياة وهذه حالي قال‏:‏ فانصرفنا من عنده فلم يلبث إلا يسيرًا حتى مات‏.‏

توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في باب مقبرة الخيزران إلى جانب ابن المنادي‏.‏

الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي الماسرجسي الحافظ رحل وسمع وكتب الكثير وفي بيته وسلفه بضع عشر محدثًا وصنف المسند الكبير في ألف وثلثمائة جزء مهذبًا بعلله وجمع الحديث الزهري جمعًا لم يسبق إليه وصنف المغازي والقبائل وأكثر المشائخ والأبواب وخرّج على كتاب البخاري ومسلم وكان ثبتًا وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب من هذه السنة‏.‏

عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن أبو أحمد الجرجاني الحافظ ولد يوم السبت غرة ذي القعدة سنة سبع وستين وهي السنة التي مات فيها أبو حاتم الرازي وكان أبو أحمد عالمًا بالحديث غاية فيه وله كتاب الكامل في الجرح والتعديل‏.‏

قال حمزة السهمي‏:‏ سالت الدارقطني أن يصنف في ضعفاء المحدثين فقال‏:‏ أليس لي عندك كتاب ابن عدي قلت‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فيه كفاية لا يزاد عليه توفي ابن عدي غرة جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

معد بن إسماعيل بن عبيد الله أبو تميم صاحب مصر وهو أول من ظهر منهم بالمغرب ويلقب المعز لدين الله وتقلد الأمر في يوم الجمعة تاسع عشرين شوال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة فأقام ناظرًا ثلاثًا وعشرين سنة مسة أشهر وستة وعشرين يومًا منها بمصر ثلاث سنين وكان جوهر قد دخل مصر سنة ثمان وخمسين فوطد الأمور بمصر لمعد وبنى له القاهرة وأقام له الخطبة فدخل إلى مصر سنة اثنتين وستين وكان بطاشًا أحضر يومًا أبا بكر النابلسي الزاهد وكان ينزل الأكواخ من أرض دمشق فقال له‏:‏ بلغنا أنك قلت‏:‏ إذا كان مع الرجل المسلم عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهمًا واحدًا وفينا تسعة‏.‏

فقال‏:‏ ما قلت هكذا فطن أنه رجع عن قوله فقال‏:‏ كيف قلت قال‏:‏ قلت إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العاشر فيكم أيضًا فغنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين ادعيتم نور الالهية فأمر حينئذ أن يشهر فشهر في اليوم الأول وضرب بالسياط في اليوم الثاني وأخرج في اليوم الثالث فسلخ سلخه رجل يهودي وكان يقرأ القرآن ولا يتأوه قال اليهودي‏:‏ أيداخلني له رحمة فطعنت بالسكين في فؤاده حتى مات عاجلًا‏.‏

حكى صاحب النابلسي قال‏:‏ مضيت مستخفيًا أول يوم فتراءيت له وهو يشهر فقلت‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ امتحان فلما كان اليوم الثاني رأيته يضرب فقلت‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ كفارات‏.‏

فلما أخرج في اليوم الثالث يسلخ قلت‏:‏ ما هذا قال‏:‏ أرجو أن تكون درجات‏.‏

وكان كافور الأخشيدي قد بعث إلى هذا النابلسي بمال فرده وقال للرسول‏:‏ قل له قال الله ‏{‏إياك نعبد وإياك نستعين‏}‏ والاستعانة به تكفي‏.‏

فرد كافور الرسول اليه وقال له‏:‏ اقرأ ‏{‏له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى‏}‏ فأين ذكر كافور ها هنا وهل المال إلا له فقال أبو بكر‏:‏ كافور صوفي لا نحن فقبله‏.‏

وكان المعز مغرى بالنجوم فحكم له فاستشار منجميه فأشير عليه أن يعمل سردابًا تحت الأرض ويتوارى فيه إلى أن يجوز الوقت فعمل على لك وأحضر قواده وقال‏:‏ قد جعلت ولدي نزارًا خليفتي مدة غيبتي ووصى إلى ولده وجعل جوهر يدبره ونزل إلى السرداب فأقام فيه سنة وكانت المغاربة إذا رات غمامًا ساريًا ترجل الفارس منهم إلى الأرض وأومأ بالسلام تقديرًا أن المعز فيه ثم خرج بعد ذلك وجلس للناس وأقام مديدة ثم توفي في هذه السنة وأقام

 ثم دخلت سنة ست وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه توفي أبو علي بن بويه في المحرم فوجد عضد الدولة طريقًا إلى ما كان يخفيه من قصد العراق‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء لست بقين من جمادى الأولى‏:‏ نقلت بنت عز الدولة زوجة الطائع إليه‏.‏

وبلغت زيادة دجلة في رمضان وهو الخامس والعشرين من نيسان‏:‏ أحد وعشرين ذراعًا وانفجر بالزاهر بثق وبباب التبن آخر‏.‏

وفي شوال‏:‏ ورد أبو بكر محمد بن علي بن شاهويه صاحب القرامطة إلى الكوفة ومعه ألف رجل منهم وأقام الدعوة بها وبسوراء والنيل للطائع لله ولعضد الدولة وكانت وقعة بين عضد الدولة وعز الدولة فأسر فيها غلام تركي لعز الدولة لم يكن من قبل بأحظى غلمانه ولا بأقربهم منه فجن عليه جنونًا وحزن عليه حزنًا شديدًا وتسلى عن كل شيء إلا عنه وزال تماسكه واطرح القرار وامتنع من المطعم والمشرب واقطع إلى البكاء واحتجب عن الناس وكان إذا وصل إليه وزيره أو قواده قطعهم بالشكوى لما حل به وحرم على نفسه الجلوس في الفراش والمخاد وكتب إلى عضد الدولة يسأله رد الغلام إليه وكتب إلى خواصه المطيفين به يسألهم معونته على ما رغب إليه فيه فصار ضحكة بين الناس وعاتبه الخلق فما أرعوى وأنفذ الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى رسولًا إليه في هذا الأمر وبذل له على يده فدية الغلام جارتين عوادتين لم يكن لهما نظير وكان قد بذل له في إحداهما مائة ألف فأبى أن يبيعها وقال له‏:‏ إن وقف عليك هذا الأمر في الفداء فزد ما ترى ولا تفكر فيما بيني وبين عضد الدولة إلا في هذا الغلام فقد رضيت أن أخذه وأمضي إلى أقصى الأرض فلما أدى الرسالة أمر عضد الدولة يرد الغلام‏.‏

في هذه السنة‏:‏ حج بالناس أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين محمد بن عبيد الله العلوي وكذلك إلى سنة ثمانين وثلثمائة وفي هذه السنة خطب للمغاربة في مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في حاج هذه السنة جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان وكان معها أخوها إبراهيم وهبة الله فضرب بحجها المثل فإنها استصحبت أربعمائة جمل عليها محامل عدة ولم يعلم في أيها كانت ونثرت على الكعبة حين شاهدتها عشرة آلاف دينار من ضرب أبيها وكست المجاورين‏.‏

 ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم أبو عمر السلمي صحب أبا عثمان ولقي الجنيد وسمع الحديث ورواه وكان ثقة وتوفي في هذه السنة‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أنبأنا أبو بكر بن خلف أخبرنا أحمد بن ثابت أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول‏:‏ من تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب‏.‏

أنبأنا زاهر بن طاهر أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول‏:‏ كان جدي طلب شيئًا لبعض الثغور وتأخر ذلك عنه وضاق به ذرعًا وبكى على رؤس الناس فجاءه أبو عمرو بن نجيد بعد العتمة ومعه كيس فيه ألفا درهم فقال‏:‏ تجعل هذا في الوجه الذي تأخر ففرح أبو عثمان بذلك ودعا له فلما جلس أبو عثمان قال‏:‏ أيها الناس قد رجوت لأبي عمرو مما فعل فإنه ناب عن الجماعة في ذلك الأمر وحمل كذا وكذا فجزاه الله عني خيرًا فقام أبو عمرو على رؤوس الناس فقال‏:‏ إنما جعلت ذلك من مال أمي وهي غير راضية فينبغي أن يرد علي لأرده إليها فأمر أبو عثمان بذلك الكيس فأخرج ورده إليه على رؤوس الناس وتفرق الخلق فلما جن عليه الليل جاء إلى أبي عثمان في مثل ذلك الوقت وقال‏:‏ يمكن أن يجعل هذا في ذلك الوجه من حيث لا يعلم به غيرنا فبكى أبو عثمان وكان بعد ذلك يقول‏:‏ أنا أخشى من همر أبي عمرو‏.‏

الحسن بن بويه أبو علي ركن الدولة قال المؤلف‏:‏ قد ذكرنا أنه قسم الممالك بين أولاده الثلاثة توفي عن قولنج عرض له في ليلة السبت ثامن عشرين محرم هذه السنة وكانت إمارته أربعًا وأربعين سنة وشهر وتسعة أيام ومدة عمره ثمانًا وسبعين سنة‏.‏

الحسين بن أبي النجم بدر بن هلال المؤدب روى عن أبي مزاحم الخالقاني‏.‏

روى عنه أبو العلاء الواسطي وكان مؤدب الطائع لله خرج معه إلى الأهواز فتوفي في هذه السنة وكان ثقة جميل الأمر‏.‏

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أفلح بن رافع بن إبراهيم بن أفلح بن عبد الرحمن بن عبيد بن رفاعة بن رافاعة وكان رفاعة بن رافع أحد النقباء عقبيًا شهد أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان محمد بن إسحاق نقيب الأنصار ببغداد وحدث عن البغوي وغيره قال محمد ابن أبي الفوارس‏:‏ كان ثقة‏.‏

وعن أبي الحسن بن الفرات قال‏:‏ كان محمد بن إسحاق الزرقي ثقة جميل الأمر حافظًا لأمور الأنصار ومناقبهم ومشاهدهم وقد كتبت عنه شيئًا يسيرًا وذكر لي أن كتبه تلفت وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وستين وثلثمائة ودفن في مقابر الأنصار عند أبيه‏.‏

محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن كنانة أبو بكر المؤدب حدث عن أبي مسلم الكجي وأبي العباس الكديمي‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرني أحمد بن علي بن المحتسب أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال‏:‏ محمد بن المؤدب لم يكن عندي بذاك كان فيه تساهل‏.‏

قال الخطيب‏:‏ وحدثت عن أبي بكر بن المؤدب في جمادى الأولى سنة ست وستين وثلثمائة وكان قريب الأمر‏.‏

وأبا شعيب الحرابي وأبا جعفر الحضرمي وغيرهم وكان شديد الاجتهاد في العبادة وكان يشبه بأبي يونس البغوي صلى حتى أقعد ثم بكى حتى عمي وتوفي يوم عاشوراء من هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في صفر إلى الكوفة بوفاة أبي يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرطمي صاحب هجر فأغفلت أسواق الكوفة ثلاثة أيام وفي ربيع الأول‏:‏ زلزلت بغداد وفي ربيع الآخر‏:‏ عبر عز الدولة إلى الجانب الغربي على جسر عقدة ودخل إلى قطربل وتفرق عنه ديلمته ودخل أوائل أصحاب عضد الدولة ثم نزل عضد الدولة بالخيم في الشيفيعي وخرج الطائع متلقيًا له وضربت القباب المزينة ودخل البلد ثم خرج عضد الدولة ومعه الطائع ليقاتل عز الدولة بختيار فلما أراد الخروج دخل عليه أبو علي الفارسي فقال له‏:‏ ما رأيك في صحبتنا فقال‏:‏ أنا من رجال الدعاء لا اللقاء فخار الله للملك في عزيمته وأنجح قصده في نهضته وجعل العافية زاده والظفر تجاهه والملائكة أنصاره ثم إنه أنشأ يقول‏:‏ ودعته حيث لا تودعه نفس ولكنها تسير معه ثم تولى وفي الفؤاد له ضيق محل وفي الدموع سعة‏.‏

فقال له عضد الدولة‏:‏ بارك الله فيك فإني أثق بطاعتك وأتيقن صفاء طويتك وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس‏:‏ قالوا له إذ سار جانبه فبدلوه البعد بالقرب والله ما شطت نوى ظاعن سار من العين إلى القلب‏.‏

فدعا له أبو علي وقال‏:‏ ائذن مولانا في نقل هذين البيتين فأذن له فاستملاهما منه فلما خرج للقتال التقوا فأخذ عز الدولة أسيرًا وقتل ثم ركب بعد ذلك عضد الدولة إلى دار الطائع لله في يوم الأحد لتسع خلون من جمادى الأولى أصناف الجند والأشراف والقضاة والشهود والأماثل والوجوه فخلع عليه الخلع السلطانية وتوجه بتاج مرصع بالجوهر وطوقه وسوره وقلده سيفًا وعقد له لوائين بيده أحدهما مفضفض على رسم الأمراء والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله ممن يجري مجراه ولقبه‏:‏ تاج الملة مضافًا إلى عضد الدولة وكتب له عهدًا وقرئ العهد بحضرته ولم تجر العادة بذلك وإنما كانت العهود تدفع إلى الولاة بحضرة الخلفاء فإذا أخذه الرجل منهم قال له‏:‏ هذا عهدي إليك فاعمل به وحمله على فرس بمركب ذهب وقاد بين يديه آخر بمركب مثله فخرج وجلس في الطيار إلى داره وجلس من الغد بالخلع والتاج على السرير للهناء وتقدم بإخراج عشرين ألف درهم في الصدقات ففرقت على سائر الملل وبعث إليه الطائع هدايا كثيرة طريفة فبعث هو خمسمائة جمل وحمل خمسين ألف ألف دينار وألف ألف درهم وخمسمائة ثوب أنواعًا وثلاثين صينية فضة فيها العنبر والمسك والنوافخ‏.‏

وفي شهر رمضان‏:‏ وردت المدود العظيمة بسامرا فقلعت سكر السهلية وتناهت زيادة دجلة حتى انتهت إلى إحدى وعشرين ذراعًا وانفجر بالزاهر من الجانب الشرقي بثق غرق الدور والشوارع وانفجر بثق من الخندق غرق مقابر باب التبن وقطيعة أم جعفر وخرج سكان الدور الشارعة على دجلة منها وغار الماء من آبارها وبلاليعها وأنقم الناس نفوسهم خوفًا من غرق البلد كله ثم نقص الماء‏.‏

وفي يوم الأحد سابع ذي القعدة كانت بسيراف زلزلة هدمت المنازل وأتت على ما فيها من الأموال وهلك بها أكثر من مائتي إنسان أخبرنا بها أبو الحسن علي بن المعافى الفقيه قال‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي إجازة قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن علي بن نصر بن الصباح قال‏:‏ حدثنا أبو الثناء شكر العضدي قال‏:‏ دخل عضد الدولة إلى بغداد وقد هلك أهلها قتلًا وحرقًا وجوعًا للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة فقال‏:‏ آفة هؤلاء القصاص يغرون بعضهم ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم وأخذ أموالهم فنادى في البلد لا يقص أحد في جامع ولا طريق ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحب التوسل قرأ القرآن فمن خالف فقد أباح دمه فرفع إليه في الخبر أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ جلس على كرسيه يوم الجمعة في جامع المنصور وتكلم على الناس فأمرني أن أنفذ إليه من يحصله عندي ففعلت فدخل علي رجل له هيبة وعلى وجهه نور فلم أملك أن قمت إليه وأجلسته إلى جانبي فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي فقلت‏:‏ أيها الشيخ إن هذا الملك جلد عظيم وما كنت أوثر مخالفة أمره وتجاوز رسمه والآن فأنا موصلك إليه فكما تقع عينك عليه فقبل التراب وتلطف في الجواب إذ سألك واستعن الله فعساه يخلصك منه‏.‏

فقال‏:‏ الخلق والأمر لله عز وجل فمضيت به إلى حجرة في الدار قد جلس فيها الملك منفردًا خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ فتسير به الركبان فلما دنوت من الحجرة وقفته وقلت له‏:‏ إياك من أن تبرح من مكانك حتىأعود إليك وإذ سلمت فليكن بخشوع وخضوع‏.‏

ودخلت لأستأذن له فالتقت فإذا هو واقف إلى جانبي قد حول نحو دار بختيار واستفتح وقرأ‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏}

ثم حول وجهه نحو الملك وقال بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون‏}‏ وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك وما رأيت ذلك منه قط وترك كمه على وجهه وتراجع أبو الحسين فخرج ومضى إلى حجرتي فقال الملك‏:‏ امض إلى بيت المال وخذ ثلاثة آلاف درهم وإلى خزانة الكسوة وخذ منها عشرة أثواب وادفع الجميع إليه فإن امتنع فقل له‏:‏ فرقها في فقراء أصحابك فإن قبلها فجئني برأسه فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي ففعلت وجئته بما أمر وقلت له‏:‏ مولانا يقرئك السلام وقال لك‏:‏ استعن بهذه الدراهم في نفقتك والبس هذه الثياب فقال لي‏:‏ إن هذه الثياب التي علي مما قطعه لي أبي منذ أربعين سنة ألبسها يوم خروجي إلى الناس وأطويها عند انصرافي عنهم وفيها متعة وبقية ما بقيت ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي فما أصنع بهذا قلت‏:‏ هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء أصحابك‏.‏

فقال‏:‏ ما في أصحابي فقير وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي فليفرقه عليهم فعدت فأخبرته فقال الحمد لله الذي سلمه منا وسلمنا منه‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه أبو القاسم النصر أباذي النيسابوري منسوب إلى نصر أباذ بنيسابور وهي محلة من محالها وكذلك أبو نصر النصر أباذي الفقيه وجماعة‏.‏

وثم آخر يقال له أبو عمرو محمد بن عبد الله النصر أباذي منسوب إلى أباذ من الري كبير القدر يروي الحديث فأما أبو القاسم فإنه سمع الحديث الكثير من جماعة منهم‏:‏ مكحول البيروتي وكان ثقة عالمًا بالحديث روى عنه أبو عبد الرحمن السلمي وأبو عبد الله الحاكم وأبو العلاء الواسطي وصحب الشبلي وجاور بمكة وتوفي في هذه السنة‏.‏

بختيار أبو منصور الملك عز الدولة بن معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه ملك بعد موت أبيه وكان أحسن الناس وأشدهم جسمًا وقلبًا وكان يصرع الثور الجلد بيديه من غير أعوان ولا حبال يقبض على قوائمه ويطرحه إلى الأرض حتى يذبح وكان من قوة القلب على جانب عظيم يبارز الأسود في متصيداته وخلع المطيع عليه وطوقه وسوره وكتب عهده فطمع ابن عمه عضد الدولة في مملكة بغداد فخاصمه فقتل بختيار وكان سنة يومئذ ستًا وثلاثين سنة وكانت مدة إمارته إحدى عشرة سنة وشهورًا عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن أبي سمرة أبو محمد البندار بغوي الأصل سمع الباغندي روى عنه البرقاني وقال‏:‏ ثقة أمين له معرفة وحفظ وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

عثمان بن الحسن بن علي بن محمد أبو يعلى الوراق الطوسي سمع البغوي وابن أبي داود روى عنه البرقاني وقال‏:‏ كان ذا معرفة وفضل له تخريجات وجموع وهو ثقة توفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير ولد سنة تسع وتسعين ومائتين وسمع أبا شعيب الحراني ويوسف بن يعقوب وثعلبا وغيرهم وولي القضاء بواسط ثم بمدينة المنصور وبالشرقية وكان على مذهب مالك حدث ببغداد وسمع الدارقطني وكان ثقة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ أنبأنا إبراهيم بن مخلد أنبأنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ صرف الحسين بن عمر بن محمد القاضي عن قضاء مدينة المنصور ثم ولاه القضاء بواسط إلى أن توفي عمر وأقام على حالة مدة ثم عزله بجكم عند دخوله إلى واسط ونكبه وصار إلى بغداد وأقام في منزله ثم ولي قضاء المدينة وأعمالها وكان حسن الستر جميل الأمر‏.‏

وقال الصوري‏:‏ كان أبو طاهر قاضيًا بمصر وبها توفي سنة سبع وستين وثلثمائة استعفى من القضاء قبل موته‏.‏

محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن عيسى بن يقطن أبو جعفر البزاز سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وأبا يعلى الموصلي والباغندي والبغوي وسافر وكتب بالجزيرة والشام وغيرهما من البلدان فأكثر وكان صدوقًا فهمًا روى عنه أبو نعيم الأصبهاني وغيره قال أبو الحسن بن الفرات‏:‏ كان أبو جعفر ثقة وانتقى عليه من الحفاظ عمر البصري وابن المظفر والدارقطني وتوفي يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

محمد بن عبد الرحمن أبو بطر القاضي ابن قريعة روى عن أبي بكر ابن الأنباري ولا يعرف له مسند من الحديث وكان حسن الخاطر يأتي الكلام مسجوعًا مطبوعًا من غير تعمد ولاه أبو السائب عتبة بن عبيد الله القاضي قضاء السندية وغيرها من أعمال الفرات ومشى يومًا مع ابن معروف القاضي فدخلا دربًا فتأخر ثم قال لابن معروف‏:‏ إن تقدمت فحاجب وإن تأخرت فواجب وزحمه يومًا حمار عليه راكب فقال‏:‏ يا خالق الليل والنهار صبرًا على الذل والصغار‏.‏

كم من جواد بلا حمار وكم من حمار على حمار‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني منصور بن ربيعة الزهري قال‏:‏ سمعت أبا طاهر العطار قاضي الدينور يقول‏:‏ سمعت أبا سعيد السمرقندي يقول‏:‏ كان ببغداد قائد يلقب بالكينا كنيته أبو إسحاق وكان يخاطب ابن قريعة بالقاضي فندر منه يومًا في المخاطبة أن قال لابن قريعة‏:‏ يا أبا بكر‏.‏

فقال له ابن قريعة‏:‏ لبيك يا أبا إسحاق‏!‏ فقال القائد‏:‏ يا هذا إنما بكركتك إذا قضيتنا فإذا بكرتنا فسحقناك فقال القائد‏:‏ ويلاه هذا أفصح من الأول‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني محمد بن أبي الحسن قال‏:‏ أنشدني أبو العباس أحمد بن علي النحوي قال سمعت ابن قريعة ينشد‏:‏ لي حيلة فيمن ينم وليس في الكذاب حيلة من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة‏.‏

توفي ابن قريعة ليلة السبت لعشر بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة عن خمس وستين سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وستين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أن الطائع تقدم في شعبان بأن تقام الخطبة لعضد الدولة على منابر الحضرة تالية للخطبة له فوقع الابتداء بذلك في يوم الجمعة لتسع بقين منه وبأن تضرب على بابه ببغداد الدبادب في أوقات الصلوات الثلاث‏:‏ الغداة والمغرب والعشاء وهذان الأمران لم يكونا من قبل ولا أطلقا لولاة العهود ولا خطب بحضرة السلطان إلا له ولا ضربت الدبادب إلا على بابه وقد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام وسأل المطيع لله ذاك فلم يأذن له ودخل عضد الدولة داره بمدينة السلام عائدًا من الموصل وتلقاه الطائع بقطربل‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شيب بن عبد الله أبو بكر القطيعي

ولد في محرم سنة أربع وسبعين ومائتين وأبوه يكنى‏:‏ أبا الفضل وحمدان لقب وإنما اسمه أحمد وكان يسكن قطيعة الدقيق فنسب إليها سمع أبو بكر من إبراهيم بن إسحاق وإسحاق بن الحسن الحربيين وبشر بن موسى والكديمي والكجي وعبد الله بن أحمد وغيرهم وكان كثير الحديث ثقة روى عن عبد الله بن أحمد المسند والزهد والتاريخ والمسائل وغير ذلك‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين بن بكير قال‏:‏ سمعت أبا بكر بن مالك القطيعي يقول‏:‏ كانت والدتي بنت أخي أبي عبد الله بن الجصاص وكان عبد الله بن أحمد يجيئنا فيقرأ علينا ما نريد وكان يقعدني في حجره حتى يقال له‏:‏ يؤلمك فيقول‏:‏ إني أحبه‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ لما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق بعض كتبه فاستحدث عوضها فتكلم فيه بعضهم وقال‏:‏ كتب من كتاب ليس فيه سماعه ومثل هذا لا يطعن به عليه لأنه لا يجوز أن تكون تلك الكتب قد قرئت عليه وعورض بها أصله‏.‏

وقد روى عنه الأئمة كالدارقطني وابن شاهين والبرقاني وأبي نعيم والحاكم ولم يمتنع أحد من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ لما اجتمعت بأبي عبد الله الحاكم ذكرت ابن مالك ولينته فأنكر علي وقال‏:‏ ذلك شيخي وحسن حاله‏.‏

وقد حكي عن أبي الحسن بن الفرات أنه قال‏:‏ تغير ابن مالك في لآخر عمره فكان لا يعرف شيئًا مما قرئ عليه وتوفي في هذه السنة ودفن في مقابر باب حرب قريبًا من قبر الإمام أحمد بن حنبل‏.‏

قد ذكرنا أن المعز أول من ظهر من المغرب على ديار مصر وكان له أولاد منهم تميم هذا وكان في تميم فضل ووفاء وكرم وفصاحة وله شعر حسن‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال‏:‏ حدثني أبو محمد علي بن أبي عمر اليزيدي قال‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الواحد الزبيري قال‏:‏ حدثني أبو علي الحسن بن الأشكري المصري قال‏:‏ كنت من جلاس الأمير تميم بن المعز وممن غلب عليه جدًا فبعث بي إلى بغداد فاشتريت له جارية رائعة من أفضل ما وجد في الحسن والغناء فلما وصلت إليه أقام دعوة لجلسائه وأنا فيهم ثم وضعت الستارة وأمرها بالغناء فغنت‏:‏ وبدا من بعدم اندمل الهوى برق تألق موهنًا لمعانه يبدو كحاشية الرداء ودونه صعب الذرى متمنع أركانه‏.‏

وفي غير هذه الرواية زيادة‏:‏ فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق نظرًا إليه وصده سجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه والماء ما سمحت به أجفانه قال‏:‏ أحسنت وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت ثنى الله عطفيه وألف شخصه على البرمذ شدت عليه مآزره‏.‏

فطرب الأمير تميم ومن حضر طربًا شديدًا ثم غنت‏:‏ أستودع الله في بغداد لي قمرًا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه فاشتد طرب تميم وأفرط جدًا ثم قال لها‏:‏ تمني ما شئت فلك مناك‏.‏

فقالت‏:‏ أتمنى عافية الأمير وبقاءه فقال‏:‏ ووالله لا بد لك أن تتمني‏.‏

فقالت‏:‏ على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى فقال‏:‏ نعم‏.‏

فقالت‏:‏ أتمنى أن أغني هذه النوبة ببغداد فاستنقع لون تميم وتغير لونه وتكدر المجلس وقام وقمنا كلنا قال ابن الأشكري فلحقني بعض خدمه وقال لي‏:‏ ارجع فالأمير يدعوك‏.‏

فرجعت فوجدته جالسًا ينتظرني فسلمت وجلست بين يديه فقال‏:‏ ويحك أرأيت ما امتحنا به قلت‏:‏ نعم أيها الأمير قال لابد من الوفاء لها وما أثق في هذا بغيرك فتأهب لتحملها إلى بغداد فإذا غنت هناك فاصرفها فقلت‏:‏ سمعًا وطاعة قال‏:‏ ثم قمت وتأهبت وأمرها بالتأهب وأصحبها جارية له سوداء تعاد لها وتخدمها وأمر بناقة ومحمل فأدخلت فيه وحملها معي ثم سرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق وسرنا فلما وردنا القادسية أتتني السوداء عنها فقالت‏:‏ تقول لك سيدتي أين نحن فقلت لها‏:‏ نحن نزول بالقادسية فانصرفت لما وردنا القادسي - ة حيث مجتمع الرفاق وشممت من أرض الحجا - ز نسيم أرواح العراق‏.‏

أيقنت لي ولمن أح - ب بجمع شمل واتفاق وضحكت من فرح اللقا - ء كما بكيت من الفراق فتصايح الناس من أقطار القافلة‏:‏ أعيذي بالله‏.‏

فما سمع لها قال‏:‏ ثم نزلنا بالياسرية وبينها وبين بغداد قرب في بساتين متصلة ينزلها الناس فيبيتون ليلتهم ثم يبكرون لدخول بغداد فلما كان قريب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة فقلت‏:‏ ما لك فقالت‏:‏ إن سيدتي ليست حاضرة فقلت‏:‏ وأين هي قالت‏:‏ والله ما أدري‏.‏

قال‏:‏ فلم أحس لها أثر بعد ودخلت بغداد وقضيت حوائجي منها وانصرفت إليه فأخبرته الخبر فعظم ذلك عليه واغتنم له ثم مازال بعد ذلك ذاكرًا لها واجمًا عليها‏.‏

الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد السيرافي النحوي القاضي سكن بغداد وولي القضاء بها عن جماعة عن عبد الله بن محمد بن زياد وأبى بكر بن زياد وغيرهما وكان أبوه مجوسيًا واسمه بهزاد فسماه أبو سعيد عبد الله‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي بن الحسن يذكر أن أبا سعيد السيرافي النحوي كان يدرس القرآن والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والكلام والشعر والعروض والقوافي والحساب وذكر علومًا سوى هذه وكان من أعلم الناس بنحو البصريين وينتحل مذهب أهل العراق في الفقه وقرأ على أبي بكر بن مجاهد القرآن وعلى ابن دريد اللغة ودرسا جميعًا عليه النحو وقرأ على أبي بكر بن السراج وعلى أبي بكر المبرمان النحو وقرأ أحدهما عليه القرآن ودرس الآخر عليه الحساب وكان زاهدًا لا يأكل إلا من كسب يده فذكر جدي أبو الفرج عنه أنه كان لا يخرج إلى مجلس الحكم العزيز ولا غلى مجلس التدريس في كل يوم غلا بعد أن ينسخ عشر ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم تكون قد مؤنته ثم يخرج‏.‏

وقال ابن أبي الفوارس‏:‏ كان يذكر عنه الاعتزال ولم نره يظهر من ذلك شيئًا وكان نزهًا عفيفًا توفي في رجب هذه السنة عن أربع وثمانين سنة ودفن في مقبرة الخيرزان‏.‏

عبد الله بن إبراهيم بن يوسف أبو القاسم الزنجاني الأبندوني وهي قرية من قرى جرجان أحد الرحالين في طلب العلم والحديث إلى البلاد وكان رفيق أبي أحمد بن عدي الحافظ وسكن بغداد وحدث عن أبي يعلى الموصلي والحسن بن سفيان وابن خزيمة وغيرهم روى عنه البرقاني وغيره وكان ثقة ثبتًا مصنفًا‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ سمعت البرقاني ذكر الأبندوني قال‏:‏ كان محدثًا قد أكل ملحه وكان زاهدًا ولم يكن يحدث غير واحد منفرد فقيل له في ذلك فقال‏:‏ أصحاب الحديث فيهم سوء أدب فإذا اجتمعوا تحدثوا وأنا لا أصبر على ذلك‏.‏

قال البرقاني‏:‏ ودفع إلي يومًا قدحًا فيه كسر يابسة وأمرني أن أحمله إلى الباقلاوي ليطرح عليه ماء الباقلاء ففعلت ذلك فلما ألقى الباقلاوي الماء في القدح من الباقلاء ثنتان أو ثلاث فقال‏:‏ فبادر الباقلاوي إلى رفعها فقلت له‏:‏ ويحك ما مقدار هذا حتى ترفعه من القدح فقال‏:‏ هذا الشيخ يعطيني في كادل شهر دانقًا حتى أبل له الكسر اليابسة فكيف أدفع إليه الباقلاء مع الماء وجعل البرقاني يصف أشياء من تقلله وزهده وقال‏:‏ كان سيدًا في المحدثين توفي الأبندوني في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

عبد الله بن ورقاء أبو أحمد الشيباني أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ كان أبو أحمد الشيباني من أهل البيوتات وأسرته من أهل أنشدنا القاضي أبو علي قال‏:‏ أنشدنا الأمير أبو أحمد ابن ورقاء قال‏:‏ أنشدنا ثعلب قال أنشدني ابن الأعرابي لأعرابي في صفة النساء‏:‏ هي الضلع العوجاء لست تقيمها ألا غن تقويم الضلوع انكسارها أيجمعن ضعفًا واقتدارًا على الفتى أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها توفي أبو أحمد في آخر ذي الحجة من هذه السنة وقد بلغ تسعين سنة‏.‏

عبد الله بن الحسن بن سليمان أبو القاسم المقرئ ابن النحاس ولد سنة تسعين ومائتين وسمع أحمد بن الحسن الصوفي والبغوي وابن أبي داود روى عنه أبو بكر بن مجاهد وأبو الحسن الحمامي والبرقاني وكان ثقة من أهل القرآن والفضل والخير والعفاف والستر والعقل الحسن والمذهب الجميل توفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

عيسى بن حامد بن بشر بن عيسى أبو الحسن القاضي ابن بنت القنيبطي سمع جعفر الفريابي وابن جرير الطبري وكان أحد أصحابه وكان ثقة جميل الأمر وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

أبو الحسن الشافعي سمع محمد بن عثمان بن أبي شيبة توفي في يوم الخميس في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

محمد بن إسحاق بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن السختياني سمع أبا العباس الثقفي وأقرانه وكان من العباد المجتهدين وكان يحج ويغزو ولا يعلم بذلك أهل بلده فإذا سئل عن غيبته لم يحدث بذلك وتوفي في رجب هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة‏.‏

محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن أبو أحمد الجلودي روى عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم صحيحه وكان من الزهاد وكان يورق ويأكل من كسب يده وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة‏.‏

محمد بن محمد ابن يوسف أبو بكر اللحياني المقرئ نزل نيسابور وادعى دعاوى في القراءات أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال‏:‏ سمعت أبا بكر بن الغمام يقول‏:‏ قلت لأبي بكر اللحياني‏:‏ على من قرأت بالعراق‏:‏ فقال‏:‏ على أبي بكر بن مجاهد فقلت‏:‏ قرأت عليه قبل أن يخضب أو بعد أن خضب قال‏:‏ قرأت عليه وقد خضب قال‏:‏ قلت‏:‏ فقرأت عليه قبل أن يأخذ العصا بيده أو بعد أن أخذ العصا بيده قال‏:‏ كان لا يخرج إلا والعصا بيده قال‏:‏ فقلت هذا فوالله الذي لا إله إلا هو ما خضب أبو بكر بن مجاهد ولا أخذ العصا بيده قط‏.‏